‏إظهار الرسائل ذات التسميات حزب الصحوة الإسلامي - تقرير هيئة مفوضي الدولة بمجلس الدولة في مصر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حزب الصحوة الإسلامي - تقرير هيئة مفوضي الدولة بمجلس الدولة في مصر. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 26 أكتوبر 2009

حزب الصحوة الإسلامي - تقرير هيئة مفوضي الدولة بمجلس الدولة في مصر

تقرير مفوضي الدولة في الطعن ضد رفض حزب الصحوة الإسلامية

مجلس الدولة

هيئة مفوضي الدولة

تقرير ثانٍ

مقدم من هيئة مفوضية الدولة

في الطعن رقم 323 لسنة 36 قضائية "إدارية عليا"

المقدم من السيد/ يوسف صديق البدري عن نفسه وبصفته وكيلا عن مؤسسة الصحوة الإسلامية

ضد/ السيد الدكتور: رئيس مجلس الشورى بصفته رئيس اللجنة الشئون الأحزاب السياسية

يتضمن الباب الأول من الدستور بمواده الست ما يعتبر مبادئ تمثل الصيغة العامة للدولة المصرية وفقًا لهذا الدستور من حيث اسم الدولة ونظامها الجمهوري الاشتراكي الديمقراطي، ومن حيث هويتها العربية وكنهها الإسلامي، وهذا ما تضمنته أحكام المادتين الأولى والثانية.

ثم تضمنت الأحكام الأخرى الواردة بمواد هذا الباب، نوعًا من الإيضاح الشامل لكل من تلك الألفاظ العامة التي أشارت إلى هوية الدولة وصبغتها ونظامها. فإذا كان الشعب المصري جزءا من الأمة العربية، فقد أرفقت الفقرة الثانية من المادة الأولى هذه العبارة التقريرية بعبارة توجيهية بأن يعمل الشعب المصري على تحقيق الوحدة الشاملة للأمة العربية.

وإذا تضمن صدور المادة الثانية حكما تقريريا بأن الإسلام دين الدولة، فقد تضمن آخر هذا النص حكما توجيهيا بأن "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، وإذا تضمنت الفقرة الأولى من المادة الأولى نصًّا تقريريًا بأن الدولة جمهورية نظامها اشتراكي ديمقراطي، فقد تضمنت المواد الثالثة والرابعة والخامسة الأحكام التوجيهية العامة المتعقلة بهذه الأمور من حيث ممارسة الشعب – سيادته وحمايتها وصونه للوحدة الوطنية (المادة 3) ومن حيث استهداف الكفاية والعدل ومنع الاستغلال وتقريب الفوارق بين الطبقات (المادة 4)، ومن حيث تعدد الأحزاب في إطار مقومات الدستور ومبادئه.

والتشريع بعامة عندما يورد عبارة تقريرية إنما يقصد التأكيد على وضع قائم، ويريد تثبيته، وعندما يورد عبارة توجيهية إنما يقصد أن يُمْتَثَل بحكمها بالنسبة للأنشطة كلها لمؤسسات الدولة كافة. بمعنى أن العبارة التوجيهية التي ترد بالنص لا تنفذ بموجب هذا الورود وحده، وإنما تقوم في التطبيق من خلال النظم والتي ترسم والحقوق والواجبات التي توضع والمراكز القانونية التي تنشأ، وما يتعين أن يتغياه كل أولئك من أهداف ومقاصد، وأن العبارات التوجيهية عندما ترد بالنصوص إنما تقوم كاستخلاص واضح الدلالة بيَّن المعنى لمقاصد التشريع، بحيث إن شارع النص التوجيهي يكون قصد بما شرع أن يفصح عن الأهداف الواجب مراعاتها فيما يتشرع أو ينتظم أو يجري به التطبيق من بعد، سواء في أنشطة مؤسسات الدولة المختلفة أو في حركة المجتمع وقواه.

ونحن كمفسرين للنصوص والأحكام التشريعية، يجري عملنا التفسيري بأن نستنبط معاني العبارات ونستقرئ الأحكام التطبيقية، لنستخلص من كل ذلك غايات التشريع ومقاصده التي تنير لنا من بعد تبين الدلالات التطبيقية للأحكام والنصوص. والعبارات التوجيهية بقدر ما تبين مقاصد التشريع إنما تُسْعِد فيما يؤدي إليه الاستنباط والاستقراء على وضع أسهل وأبين وأضبط.

وأن وضع الدستور يمثل هذه الأحكام التوجيهية إنما يستعيض عن جهد الاجتهاد في استخراج المقاصد بالإفصاح التشريعي الجهير وبما يتراء له وجوب تغيبيه من أهداف.

وعلى ذلك فإن ما ورد بالباب الأول من الدستور من أحكام تقريرية وتوجيهية، لا يثبت ملامح قائمة فقط، ولكنه يرسم سباقًا وحركة لمستقبل النشاط لمؤسسات الدولة وللمجتمع بعامة، ويحدد المقاصد العامة لأصول الشريعة التي تقوم عليها الدولة والمجتمع. أي أن النصوص التوجيهية تعين المسار لسياسة التشريع المستقبلة وللمؤسسات السياسية التي تعمل لتقرير هذه السياسات، سواء مؤسسات الدولة والمؤسسات الشعبية.

وأن مطالعة نصوص الدستور تظهر أن المادة الثانية قد نصت على أن الإسلام دين الدولة، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وانعكس هذا المعنى على كثير من أحكام الدستور حيثما وردت مناسبته، إذ نصت المادة التاسعة على أن الأسرة أساس المجتمع وقوامها الدين والإخلاص والوطنية مع حرص الدولة على أن تحفظ الطابع الأصيل للأسرة وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد، ونصت المادة الحادية عشرة على أن حقوق المرأة وواجباتها ومساواتها بالرجل لا ينبغي أن يخل بأحكام الشريعة الإسلامية، ونصت المادة الثانية عشرة على ما يلتزم به المجتمع من أخلاق مع وجوب مراعاة المستوى الرفيع للتربية الدينية، ونصت المادة التاسعة عشر على أن التربية الدينية مادة أساسية في مناهج التعليم العام.

كما أن مطالعة نصوص الدستور تكشف عن أن أصلا من الأصول واجبة الرعاية هو ما يتعلق بالوحدة الوطنية، فجاء بالأحكام التوجيهية للمادة الثالثة أن الشعب إذ يمارس سيادته "يصون الوحدة الوطنية"، ونصت المادة الستون على أن "الحفاظ على الوحدة الوطنية وصيانة أسرار الدولة واجب على كل مواطن"، كما وردت هذه المهمة في صلب ما نيط برئيس الدولة من مهام، إذ نص المادة الثالثة والسبعون على أنه يسهر على حماية الوطنية مع السهر على تأكيد سيادة الشعب واحترام الدستور وسيادة القانون وغير ذلك. ثم قامت حماية الوحدة الوطنية سببا لدى واضع الدستور لما يمكن أن يتخذه رئيس الجمهورية طبقًا للمادة الرابعة والسبعين من إجراءات وتدابير استثنائية.

ولا وجه للقول بأن واضع الدستور عندما أكد على مفهوم الوحدة الوطنية، إنما كان يقصر معناها على ما يتعلق بحسن العلائق بين معتنقي الأديان والمذاهب العقدية المختلفة في البلاد، فهذا تخصيص بغير مخصص، حتى وإن رجح في بعض الفترات استخدام هذا المفهوم بهذا المعنى في لغة السياسية الدارجة، والحال أن المشرع عندما أراد أن يخص هذه العلائق بحكم أعرب عن مراده بعبارات ذات معنى محدد ومؤكد، مثلما نص في المادة السادسة والأربعين على كفالة الدولة حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية، ولم يكتف بما نص عليه في المادة التالية من كفالة حرية الرأي بعامة. والحال أن الوحدة الوطنية مقصد توجيهي عام، وأنها في عمومها تشير إلى معنى أن يكون هذا الانتماء هو الجامع الحاكم الضابط للانتماءات الفرعية الأخرى جميعًا، سواء كانت هذه الانتماءات الفرعية قائمة على أساس المشاركة في الجنس أو المذهب أو الفكر أو الفئة الاجتماعية أو الإقليم أو غير ذلك؛ مما يجمع الفئات المختلفة، ويعنف الدوائر الاجتماعية المتعددة المتداخلة.

لا نستطيع القول إن التفسير السابق لمفهوم الوحدة الوطنية يشكل تعريفًا لهذا المفهوم بالمصطلح القانوني، وعبارة الوحدة الوطنية لم تندرج من قبل كمفهوم قانونين وهي من عبارات علم السياسة، ومفهومها السياسي العام يقف في مجال ما يسمى "ما وراء القانون" من قيم عقدية وأصول فلسفية وأوضاع جمعية ومصالح اجتماعية. ومن جهة أخرى فقد أتى هذا اللفظ في العبارات التوجيهية التي تحملها النصوص وتبلور بها المقاصد والغايات حسبما سلفت الإشارة، ولا تثريب على واضع التشريع في هذا الاستخدام ما دام يقصر استخدامه لمفاهيم ما وراء القانون على النصوص والعبارات التوجيهية المعبرة عن المقاصد والغايات، دون ما تنضبط به المراكز القانونية وعلائق الحقوق والواجبات المتبادلة من أحكام تطبيقية، مما يتخلق حقًّا محددًا أو التزاما أو سلطة أو اختصاصًا أو ولاية أهلية ومما يرد في صوره العينية والمخصوصة. فالأمر هنا في مجال بيان لمفهوم وليس تعريفًا لمصطلح.

ومن جهة أخرى، فنحن نعرف بما نفترض في المشروع من تنزيه عن التناقض والعبث، إن المشروع عندما يورد واجبين فقد لزمنا القول بأن الضدية مرفوعة عنها، لأن الضدية تعني التنافي، ولا يقوم واجب منفي، والشخص الواحد في الوقت الواحد بالأمر الواحد لا يأمر وينهى. وبموجب ارتفاع الضدية عن الواجبات المأمور بها، يلزمنا النظر والاجتهاد فيه بمنهج الأصوليين في تخصيص العموم وتقييد المطلق، وفي إطار الأحكام التوجيهية يلزمنا إعمال المقاصد والتشريعية بما تتغذى به في الواقع من أنشطة مؤسسات الدولة والمجتمع لا بما يتنافى معه.

ومن كل أولئك يبين أنه إذا كان الدستور أورد في صميم أحكامه التقريرية والتوجيهية أن دين الدولة هو الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع وغير ذلك مما يؤكد الإسلام كأصل للشريعة ومعيار للاحتكام وإطار للمرجعية في المجتمع ونظمه المتمثلة في التشريعات، وإذا كان الدستور أورد كذلك أن الوحدة الوطنية أمر يتعين تأكيده وصيانته وإبعاد ما يتهدده، إن كان هذا هكذا فقد لزمنا القول بأنه لا منافاة بين الإسلامية والشريعة الإسلامية من جانب وبين الوحدة الوطنية من جانب آخر، كما يلزمنا إدراك أن واضع الدستور بما وجه إليه في هذين الأمرين، إنما رأى أن في وجود أيهما ما يزكي وجود الآخر ويدعمه، لا ما ينفيه ويضعفه.

ومما سبق نخلص إلى أمرين:

أولهما: أن الأحكام التوجيهية هي دعوة للدولة بكل مؤسساتها الرسمية والمجتمع بكل قواه ومؤسساته الشعبية لأن تترسم في نشاطها تحقيق ما أفصحت عنه هذه الأحكام.

ثانيهما: أن لا حجية لقول يرى في إسلامية الدولة، أو مصدرية الشريعة الإسلامية ما يمس الوحدة الوطنية إلا أن يكون قولا يحكم على الدستور بالتناقض أو يجهل مفاد أحكامه.

(2)

نظم القانون رقم 40 لسنة 1977 الأحزاب السياسية، وتعدلت أحكامه بالقوانين رقم 36 لسنة 1979 ورقم 144 لسنة 1980 ورقم 114 لسنة 1983.

والأحزاب السياسية يعرِّفها الفكر السياسي الغربي بأنها تنظيمات تتحرك على مستوى وطني أو محلي من أجل الحصول على دعم شعبي بهدف الوصول إلى ممارسة السلطة بغية تحقيق سياسة معينة. فثمة تكوُّن تنظيمي وثمة أهداف سياسية وثمة استهداف للوصول إلى السلطة. وقد ذكرتُ أنه تعريف يرد من الفكر السياسي الغربي؛ لأنه ينتظم في إطار التصور الفكري للدولة في الفكر الغربي الحديث وما يقوم عليه من قابلية لتداول السلطة، ولأن هذا التصور لم يصلنا من الفقه الإسلامي في السياسة إلا ما يشير إليه نظام الحسبة من قيام أنشطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتصل في أعلى مستويات أدائه وأعمها بقضايا التشريع في المجتمع ونظمه وقضايا السياسة، فهو يتصل بأمور لها وجه التعلق بقضايا السلطة وأوضاعها وما تتخذه من سياسات وقرارات، ولكن ليس من الحتم أن يكون أحد أركان قيام هذا النشاط استهداف الوصول إلى السلطة أو ممارستها.

وفي تاريخنا المشرقي المعاصر عرفت بلادنا عبر مراحل مستمدة ومتغيرة نوعين من الأحزاب، نوع يستهدف الوصول إلى السلطة وأحزابه ممن تتداول الحكم في بلادها، ونوع آخر كان يكتفي بالدعوة لسياسات معينة يروج لها ويذيعها وينقد الممارسات السياسية الجارية، ولكن لم يؤثر عنه سعي للسلطة بالولوج إلى القنوات الموصلة إليها أو المتغلغل في منابتها، فكان أقرب إلى ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في صورته السياسية العامة، وكان سعيه العملي هو الضغط على مصدري القرار السياسي ومتخذي السياسات المختلفة أكثر منه الحلول محلهم. وأن صياغة الرأي العام والتوجيهات العامة له في غالب قضاياه قد جرت في حقب تاريخية ممتدة من تاريخنا الحديث بواسطة تنظيمات حزبية لم تصل إلى السلطة يومًا، ولا سعت إليها بطريق السعي المعروفة في الفكر السياسي، سواء بالاختيار أو بالتغلب.

وفي هذا السياق الفكري يمكن إدراك مفاد نص المادة الثانية من قانون الأحزاب السياسية الذي عرف الحزب بأنه جماعة منظمة طبقًا للقانون، تقوم على مبادئ وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية، ولها برامج سياسية واقتصادية واجتماعية محددة تعمل على تحقيقها "من طريق المشاركة في مسئوليات الحكم" فثمة تنظيم وثمة برنامج، وثمة أسلوب عمل، ولا يلزم أن تعمل لتصل إلى الحكم، ولكن يكفي أن تعمل لتحقيق برامجها عن طريق المشاركة في مسئوليات الحكم، والصيغة التي استخدامها القانون أوسع وأكثر مرونة، بحسبانها تسع من الأعمال والأنشطة ما يقتصر على التأثير على القرارات التي تصدر عن الدولة بوصفها سلطة حكم وسيادة.

وقد تضمنت المادة الثالثة من القانون نصًّا توجيهيًا يشير إلى ما تسهم في الأحزاب السياسية من تحقيق التقدم "على أساس الوحدة الوطنية وتحالف قوى الشعب العاملة والسلام والاشتراكية الديمقراطية والحفاظ على مكاسب العمل والفلاحين" وهو باعتباره نصًّا توجيهيًّا يورد المقاصد والغايات، فهو لا يقيد حكمًا يحدد مراكز قانونية أو ينشئ حقًّا أو التزامًا، لكنه يسعد في تفسير الأحكام المنشئة والمحددة للأوضاع القانونية بما يلقيه من ضوء معرفة المقاصد والغايات المستهدفة من تلك الأحكام، لذلك أتت عبارات النص مستقاة من مفاهيم علم السياسة، وليس من المصطلحات القانونية التي تحدد أحكامًا وتفرض الواجب والممنوع.

وقد جاء لفظ الوحدة الوطنية في المادة الثالثة بهذا المفاد الإرشادي وبه تفهم حكم الحظر الوارد بالبند ثالثًا من المادة الرابعة من القانون، إذ مما شرط هذا البند لتأسيس الحزب أو استمراره "عدم قيام الحزب ... على أساس طبقي أو طائفي أو فئوي أو جغرافي أو على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو الدين أو العقيدة " فإن فهم هذا الشرط في ضوء المبدأ الإرشادي للوحدة يفيد أن ليس مقصود الشرط منع الأحزاب من أن تقوم للمطالبة بما تتصور أنه حقوق لبعض فئات الشعب أو طوائفه أو طبقاته أو أقاليمه، فقد تكون مثل هذه المطالبات وتلبية ما تستكمل به بعض فئات المجتمع أوضاعها المناسبة هو مما يدعم الوحدة الوطنية ويقوم به النسيج الاجتماعي العام على أساس من العروة الوثقى وتقوية لحمة المجتمع. ولكن مقصود الشرط من عبارة "عدم قيام الحزب على أساس طبقي ..." هو ألا تجري تزكية وحدات الانتماء الفرعية بما يجعلها الأساس في تصنيف المجتمع وجماعاته وقواه وبما يهدد بتصدع الانتماء الوطني الأشمل، بحسبان أن الجماعة الوطنية العامة هي وحدة الانتماء الأشمل والحاكم لغيره ومع الإقرار بوحدة الانتماء الوطني الشاملة والحاكمة لغيرها، وفي هذا الإطار تصير أية مطالبات لفئات أو طبقات أو طوائف وأية استجابات للمشروع من ذلك في إطار الصالح الوطني العام، يصير أي من ذلك هو مما يدعم العروة الوطنية الوثقى ومما تتأيد به. وبهذا المنهج يبين كيف يمكن للأحكام التوجيهية أن تسعد في تفهم ما يضعه القانون من شروط وأوامر ونواة وما يحدده من أوضاع وصلاحيات.

نخلص من ذلك إلى أنه ليس الممنوع في التكوين الحزبي تبني مطالب الفئات والشرائح والجماعات المختلفة التي يتألف منها المجتمع أو استكمال ما ينقص من ذلك، إنما الحضر يتعلق بألا يقوم الحزب على أساس من صدع وحدة الانتماء الوطني العام التي تقوم عليها الدولة وتشمل المجتمع برمته.

(3)

في بلد يزيد المسلمون على تسعة أعشار سكانه طبقًا للإحصاءات الرسمية منذ قامت الإحصاءات الرسمية، لا يقوم وجه للقول بأن "أسلمة" المجتمع تشكل وضعًا طائفيًّا". والحكم هنا لا يرد من الحقيقة الاجتماعية وحدها، إنما يرد أيضًا عن الحقيقة الدستورية والشرعية بحسبان أن الدستور يقر في صدر أحكامه بإسلامية الدولة، ويقر بالشريعة الإسلامية كأصل للشريعة، ولا يصح في الأفهام القول بأن الدستور إنما ينظم وضعًا طائفيًّا، لأن الدستور هو أول تعبير تشريعي عن الأصول المرجعية في المجتمع، وهو أول استمداد نصي وضعي من هذه الأصول المعبرة عن الجماعات الوطنية في عمومها وشمولها، وذلك بالتعريف وبالضرورة وبالمقتضى. والفكر السياسي والاجتماعي قد تبدو له مناقشة الأسس التي تقوم عليها أحكام الدساتير، وقد تكون له من أدوات البحث ما يمكنه من ذلك، ولكن الفكر القانوني لا يملك من أدوات الفهم ما يمكنه من تحدي هذه الأسس، بله أن ينكرها، فهي تكون لديه المسلمات الأولى التي يبدأ منها ويجدل منها أربطته التنظيمية.

ونحن نريد أن نتفهم أحكام قانون الأحزاب في ضوء الحقائق الدستورية، أو بعبارة أدق في ضوء الحقائق الأصولية الأساسية التي صدر الدستور بالتعبير عنها. وفي هذا الصدد يتعين التمييز بين موقفين، موقف التعارض بين النصوص وموقف التوفيق بينهما، وقيام التعارض ينتهي إلى أن اللاحق ينسخ السابق والأعلى يبطل الأدنى، وذلك في حدود التعارض القائم، أما التوفيق فإنه يقتضي أن تفسر النصوص بعضها بعضًا، ونحن هنا بصدد تفهم أحكام قانون الأحزاب في ضوء أحكام الدستور، وفي ضوء الأصول العامة التي صدر الدستور تعبيرًا عنها.

وإذا كانت "الإسلامية" لا تعبر في الدستور عن وضع طائفي، بحسبان ما أفصح عنه من إسلامية الدولة ومصدرية الشريعة الإسلامية للتشريع، فإن ما أوردته الفقرة "ثالثًا" من المادة الرابعة من قانون الأحزاب من حظر قيام الحزب على أساس طائفي (أو طبقي أو فئوي ... الخ)، لا يشكل حظرًا متعلقًا بالدعوة الإسلامية في المجتمع ولا لإسلامية الدولة مما هو منصوص عليه ومقرر بالدستور، ذلك أنه لا يصح في الأفهام أن يمنع قانون الأحزاب ما أوصت به وأرشدت أحكام الدستور، بمعنى أنه لا يصح عقلاً أن يصدر القانون بسد ذرائع الأعمال لأحكام الدستور، بل حريٌّ بالقانون أن يفتح الذرائع أمام هذا الأعمال.

وأعيد تأكيد أننا بما نسوقه من بيان هنا لا نثير تعارضًا بين الدستور والقانون، فليس ثمة تعارض بينهما، إنما نؤكد منهج التوفيق بين النصوص في الضوء المتبادل من بعضها على البعض، وذلك بالتخصيص والتقييد المتبادلين وفي إطار المعاني التي تتحدد وتستبين بموجب هذا التفاعل بين دلالات النصوص ودوائر أعمالها ومؤدى ما تفيد. وإذا كان النص تستبين أحكامه من أعمال التحضيرية التي لا يقوم لها أي سلطان، فأحرى أن تستبين أحكام النصوص من تفاعل دلالتها مع دلالات النصوص التشريعية الأخرى، وأحرى بذلك وأحرى تحديد دلالات نصوص القانون في إطار دلالات الأحكام الدستورية.

والحال أن نص المادة الرابعة من قانون الأحزاب كما حظرت في البند ثالثًا قيام الأحزاب على أسس طائفية أو طبقية، فقد حظرت أيضًا في البند أولا منها تعارض مقومات الحزب أو مبادئه أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه في ممارسة نشاطه، تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع، ولا يصح في العقول أن يحظر القانون الأمر ونقيضه، فيحظر التعارض مع الشريعة الإسلامية، ويحظر الدعوة إلى نظام يستخلص منها أو يحضر الدعوة إلى تطبيقها.

لذلك فقد وجب علينا في تبين مفهوم لفظ "الطائفي" المحظور قيام الأحزاب على أساس القول بأنه لا يشمل ما يقوم من البرامج والأهداف والمبادئ على أساس إسلامية المجتمع والدولة ونظمها.

والحقيق بالملاحظة أيضًا، أن لفظ "الطائفي" لم يرد متعللاً بلفظ الدين أو العقيدة أو المذهب، لا في قانون الأحزاب ولا في غيره مما عرض لنا من تشريعات وهو عندما يستخدم في مفاهيم الفكر السياسي الاجتماعي، تتنوع استعمالاته للدلالة على تكوينات جمعية تشكل وحدات انتماء فرعية من جماعات معينة، ولا يختص بهذا اللفظ فقط ما يتشكل من هذه الوحدات على أساس ديني، إنما شمل أيضًا ما يتشكل على أسس مهنية أو حرفية أو مذهبية أو غيرها.

والحقيق بالملاحظة أيضًا في تبين أحكام البند ثالثًا من المادة الرابعة سالفة الذكر أنها عندما حظرت قيام الأحزاب على أساس يتصل بالدين أو العقيدة، لم تعمم ولا أطلقت ولا عطفت ذلك عطفًا مباشرًا على الحظر القائم على أساس طبقي أو طائفي أو فئوي أو جغرافي وذلك حتى لا تتساوى مجالات الحظر، إنما خصصت عبارة الحظر الأخيرة بأنها تتعلق بما يقوم "على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو الدين أو العقيدة" فليس مناط الحظر هنا قيام الحزب على أساس ديني أو عقدي، ولكن مناطه قيامه "على أساس التفرقة بسبب الدين أو العقيدة".

نخلص من ذلك إلى أنه لا يقوم من أحكام قانون الأحزاب لقيام حزب على أساس إسلامية المجتمع والدولة ونظمها.

(4)

ثمة فارق بين الأحكام الواردة بالمادة الرابعة من قانون الأحزاب والأحكام الواردة بالمادة الخاصة منه.

المادة الرابعة حددت جملة ما يشترط لتأسيس الحزب أو لاستمراره، وجملة ما يمتنع به تأسيس الحزب أو استمراره. ولا يقف الفقه كثيرًا في بيان الفروق بين الشرط وعدم المانع فالشرط هو ما يترتب على عدمه عدم المشروط، ولا يترتب على محض وجوده وجود المشروط.

والمانع يقوم بالوظيفة ذاتها بطريقة عكسية فإن وجوده يرتب عدم وجود الحكم، ولكن عدمه في ذاته لا يرتب وجود الحكم. وليس من فرق بين الشرط وعدم المانع في صياغة الأحكام، وقد تضمنت المادة الرابعة شرطين هما تميز برنامج الحزب وسياساته وأساليبه وكذلك علانية المبادئ والأهداف والبرامج ... الخ. (الفقرة ثانيًا وتاسعًا)، كما تضمنت سبعة موانع هي ما ورد ف الفقرات الأخرى للمادة.

والمهم في ذلك جمعية أن شروط المادة الرابعة أتت كلها متعلقة بتأسيس الحزب السياسي واستمراره، وسقوط شرط أو قيام مانع مما ورد يرتب عدم تأسي الحزب أو عدم استمراره. فالأمر هنا يتعلق بوجود هذه الجماعة المنظمة المشار إليها في المادة الثانية والمُرَشَد إلى وظائفها السياسية والاجتماعية في المادة الثالثة.

أما المادة الخامسة فقد نصت على أنه "يجب أن يشمل النظام الداخلي القواعد التي تنظم كل شئونه السياسية والتنظيمية والمالية والإدارية ... وبصفة خاصة اسم الحزب ومقاره وما يقوم عليه من مبادئ وبرامج وشروط العضوية وطريقة تكوين تشكيلاته ونظامه المالي وقواعد حله وإدماجه، وأشارت الفقرة رابعًا من هذه المادة على وجوب أن يتضمن النظام الداخلي "شروط العضوية ..." ثم نصت في آخرها "ولا يجوز أن توضع شروط العضوية على أساس التفرقة بسبب العقيدة الدينية أو العنصر أو الجنس أو المركز الاجتماعي".

ومن الجلي أن الحكم الوارد بهذه العبارة الأخيرة، يختلف في مواده عن الحكم الوارد في الفقرة ثالثًا من المادة الرابعة رقم التشابه اللفظي في الحكمين. وأساس الخلاف يستخلص من ومن اختلاف المؤدى العام لكل من المادتين الرابعة والخامسة من القانون، من حيث إن المادة الرابعة تضع شروط وموانع تأسيس الحزب أو استمراره، بينما المادة الخامسة تضع ما يجب على الحزب أن يضمنه نظامه الداخلي، ومن ذلك شروط العضوية.

وطبقًا للمادة الرابعة فإن قيام مبادئ الحزب أو برامجه "على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو الدين أو العقيدة"، "من شأنه أن يفقد الحزب أصل وجوده تأسيسا أو استمرارًا أما المادة الخامسة فإن وضع شروط العضوية" على أساس التفرقة بسبب العقيدة الدينية أو العنصر أو الجنس أو المركز الاجتماعي "من شأنه أن فقد النظام الداخلي ما شرطه لعضوية الحزب من شرط أي أن النظام الداخلي يكون ناقصًا ما يتعين أن يشمل من أحكام تتعلق بشروط العضوية. فالحزب لا يفقد أصل وجوده تأسيسًا أو استمرارًا، ولكن النظام الداخلي يفقد بيانًا جوهريًّا، ثم ننظر فيما يترتب على هذا النص من أثر في وجود الحزب نفسه هذه مرحلة أخرى، وقد يكون لمخالفة حكم المادة الخامسة أثره في وجد الحزب وقد يفيد قرينه على أنه بنى على أساس التفرقة بسبب العقيدة أو الأصل أو الجنس، ولكن يظل الفارق بين الحكمين المتشابهين في أن الأول يتعلق بشروط الحزب والثاني يتعلق بشروط العضوية والأول يفيد إفقاد الحزب أصل وجوده، والثاني يفيد إفقاد الحزب صحة شروط العضوية، والأول يرتب إفقاد الوجود الحزبي مباشرة، والثاني قد يرتب هذه النتيجة ولكن بطريق غير مباشر وهو أن انتقاد شرط العضوية هو دليل وقرينة على افتقاد الشرط المقابل لوجود الحزب ولكنه لا يفيد مباشرة افتقاد الحزب لوجوده الشرعي.

والأثر العلمي لهذه الفروق تظهره النصوص الإجرائية التي وردت في القانون، فإن مخالفة أحكام المادة الرابعة من القانون ترتب جواز إصدار لجنة الأحزاب قرارها بالاعتراض على تأسيس الحزب إن كان لم ينشأ بعد (طبقًا للمادة الثامنة) أو يجيز لرئيس لجنة الأحزاب أن يطلب إلى المحكمة الإدارية العليا عن الأحزاب، وذلك حسبما تقضي الفقرة الأولى من المادة 17 بسبب "تخلف أو زوال أي شرط من الشروط المنصوص عليها في المادة 4 من هذا القانون، أما مخالفة الحكم الوارد بالمادة الخامسة فقد لا يرتب هذا الأثر، وقد يلغى الشرط المخالف ويبقى الحزب نفسه والأمر جوازي ما دام القانون لم يرتب أثرًا مباشرًا على ما خولف طبقًا للمادة الخامسة سالفة الذكر.

نخلص من ذلك إلى أن افتقاد التنظيم الحزبي أيا من الأوضاع اللائحية التي تضمنتها شروط العضوية بالمادة الخامسة من قانون الأحزاب لا يقيد بذاته انهيار واحد من أركان الوجود الحزبي تأسيس أو استمرار، إنما هو خلل من النظام قد يقضي إلى خلل في البنيان الحزبي لا على سبيل الحتم، وهو لا يؤدي إلى انهيار أحد شروط الوجود، وإن جاز أن يكون قرينة يمكن أن يستخلص منها ما يؤدي إلى هذا الانهيار.

(5)

على أنه من ناحية أخرى، في صدد شروط العضوية أيضًا فثمة فارق بين أن يشرط النظام الداخلي للحزب لاكتساب عضويته أوصافًا تتعلق بالطالبين وتتصل بالعقيدة أو العنصر أو الجنس أو المركز الاجتماعي، وبين أن تكون أهداف الحزب وبرامجه وأساليبه مما لا يجذب إليه إلا ذوي اتجاهات معينة من المواطنين. والحالة الأولى حالة شرط موضوع للانضمام للحزب ويمتنع مع تخلف الشرط إمكان الانضمام للحزب من الراغب في الانضمام الطالب للعضوية من المواطنين، والحالة الثانية حالة سبب لتحرك رغبة المواطن لطلب عضوية والانضمام للحزب. فإذا لم يتوافر السبب لم تتحرك الرغبة أصلاً للانضمام ولا ثارت أصلاً مشكلة مدى توافر شروط الانضمام. والشرط أمر خارجي عن الحكم غير لصيق به. أم السبب فصلة المقدمة بالنتيجة. لذلك يقول الإمام القرافي إن الشرط مناسب في غيره، أما السبب فمناسب في ذاته والقانون في الحالة المعروضة، وضع شروطًا ولم يضع أسبابًا، سواء بالنسبة لتأسيس الحزب واستمراره في المادة الرابعة، أو بالنسبة لعضوية الحزب في الفقرة رابعًا من المادة الخامسة.

وشرط العضوية هو ما يتطلبه النظام الداخلي للحزب من أوضاع وأوصاف ينبغي توافرها في طالب الانضمام الراغب في اكتساب العضوية، أما سبب العضوية فهو رغبة طالب الانضمام اقتناعًا منه بأهداف الحزب وبرامجه.

والحق أن لجنة شئون الأحزاب السياسية في إصدارها القرار المطعون فيه في الحالة المعروضة لم تتبين هذا الفارق بين الشرط والسبب، وبنت واحدًا من عناصر اعتراضها على الحزب محل الطعن على أساس أن الفقرة رابعًا من المادة الخامسة من القانون لا تجيز وضع شروطا للعضوية على أساس التفرقة بسبب العقيدة أو العنصر أو الجنس أو المركز الاجتماعي، وذكر القرار أن الحزب الطاعن إذ جعل غايته في نظامه الداخلي أن يجعل "لا إله إلا الله محمد رسول الله" منهج حياة، وأن يكون العضو ملتزمًا بالشرع قابلا العمل بمبادئ الشريعة، وأن منهجه يصدر عن عباءة الإسلام سياسيًّا لتطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة حكومة إسلامية واستخلص قرار اللجنة من ذلك "أن الحزب يمارسه لنفسه من منهج ووضعه من شروط لعضويته من شأنه أن يعطل حق غير المسلمين في الانتماء إليه" ثم عطف على هذه العبارة "وبذلك تحرم طائفة من المواطنين من حق الانضمام إليه إذا رغبوا في ذلك ...".

ونحن لم نجد في مواد العضوية للحزب المقترح .. وبخاصة المادة السابعة منه شرطًا للعضوية أو مانعًا منها ينبني على أساس التفرقة بسبب العقيدة الدينية. والمادة السادسة من النظام. الداخلي تصرح بأن لكل مصري الحق في الانضمام إلى الحزب. وما شرطته الفقرة (جـ) من المادة السابعة من أن يكون العضو ملتزمًا بالشرع، وما شرطته الفقرة (هـ) من المادة ذاتها من أن يقبل العضو العمل بمبادئ الشريعة حسب الشرع الذي حدده الحزب، هذان الشرطان يجريان مجرى ما أورده الدستور متعلقا بمصدرية الشريعة الإسلامية للتشريع وما أورده قانون الأحزاب من وجوب عدم تعارض مقومات الحزب وأهدافه وبرامجه مع الشريعة الإسلامية كمصدر رئيس للتشريع.

ومن جهة أخرى فمتى جاز استهداف التعليم الحزبي لغايات الانضواء تحت أهداف الحزب وبرامجه وأن يلتزم بالعمل بمقتضاها. وهذا ما يستفاد بالضرورة من أصل الاندراج في عضوية الحزب.

ومن جهة ثالثة، فإن نظامًا حزبيًا ينبني بموجب نص المادة الخامسة من الدستور على التعدد الحزبي بما يفيد الكثرة والتنوع ورفض الواحدية الحزبية، وهو ينبني بموجب شروط المادة الرابعة من قانون الأحزاب على تميز كل حزب عن الآخرين في برنامجه وسياساته، أن ذلك ليعني أن يكون لكل حزب وجه اجتهاد في صلاح شئون الجماعة الوطنية يخالف الآخرين، في أي من جوانب السياسة أو الاقتصاد أو المجتمع.

ومن الجلي أن أي حزب فيما اجتهد فيه من أهداف وبرامج تميزه من اجتهادات الآخرين إنما يقوم له من خياراته هذه ما يجذب إليه أقواما من المواطنين، وما يبعد عنه أقوامًا آخرين منهم، والابتعاد هو الوجه الآخر للانجذاب وهما وجها الخيار المتاح للمواطنين بالنسبة لكل من الأحزاب المعروضة عليهم أهدافها وبرامجها، وإمكان انضمام أي مواطن للأحزاب بعامة ولأي حزب منها بخاصة هو رخصة مكفولة له أن يستخدمها أو لا يستخدمها، وما يعوق استخدامها عند الرغبة فيها هو ما يتعلق بشروط العضوية في أي من الأحزاب، أما أصل قبوله برنامجًا وأهدافا لحزب معين أو رفضه واجتنابه فهذا يتعلق بأصل تولد الرغبة لديه في طلب الانضمام أو رفضه ومن هنا وجبت التفرقة بين الشرط والسبب تمييزًا لكل من الموقفين عن الآخر. فالحزب الذي يدعو لارتفاع الحد الأقصى للملكية الزراعية يستبعد من صفوفه غالبًا صغار الفلاحين دون أن يعتبر ذلك شرطًا للعضوية أساسه التفرقة بسبب المركز الاجتماعي، وذلك بخلال ما إذا جعل من شروط العضوية شرط حيازة طالب العضوية لنصاب محدد من الملكية الزراعية.

وإن اللجنة عندما وضعت السبب موضع الشرط، إنما قضت على نفسها وعلى النظام الحزبي كله بالواحدية الحزبية التي عدل عنها المجتمع المصري وهجرها النظام الدستوري بما أجرى من تعديل عليه في عام 1980م، وذلك أنها في الصفحة الخامسة من قرارها استخلصت من أحقية كل مصري في الانتماء لأي حزب من الأحزاب أن تقوم الأحزاب "على مبادئ وأهداف مشتركة يلتقي عندها المصريون بلا تفرقة بسبب الدين أو العقيدة أو الفئة أو الطائفة أو المواطن"، وإذا كان هذا الإطار العام الذي يجمع الحركة الحزبية جمعاء. فإن قصر المبادئ والأهداف المشتركة على ما يلتقي عنده المصريون جميعا يعني ألا يقوم غير حزب وحيد وساعتها يكون مقتضى حق المواطن في الانضمام إليه مما يجرح بموجب كون أهداف الحزب مستبعدة لإمكان مشاركتهم فيه. ومقتضى هذا التخرج إقفال للجنة للوصف التعددي للحزبية وإقفالها شرط التميز للأحزاب.

نخلص من هذا إلى أن أهداف الحزب وبرنامجه لا تقوم بها شروط لعضوية الحزب ما حظر القانون في الفقرة الرابعة من المادة الخامسة منه قيامه على ما يتصل بالعقيدة أو الجنس أو المركز الاجتماعي. وأنه لم يوجد شرط بهذا المعنى في النظام الداخلي للحزب موضوع الطعن المعروض، وأن ثمة فارقًا بين العزوف عن الانضمام للحزب وبين تعطيل رخصة الانضمام إليه بسبب يرجع إلى الدين أو العنصر أو الجنس أو المركز الاجتماعي.

(6)

أشرت من قبل إلى ما تضمنه الدستور من أحكام توجيهية تتعلق بإسلامية الدولة ومصدرية الشريعة الإسلامية للتشريعات، وبما شاع من أحكام تشير إلى الدين في الأحكام المتعلقة بالمقومات الأساسية للمجتمع. وأشرت إلى فحوى هذه الأحكام التوجيهية من حيث كونها تبلور مقاصد التشريع وغاياته، سواء في مراحل الأعداد أو التطبيق، فهي تمثل حضا من الدستور لأجهزة التشريع لتنشيط وتحدد خيارتها في تنظيم المجتمع وفقًا لهذه التوجيهات الدستورية، وهي تمثل حقًا لمؤسسات المجتمع وهيئاته لتهيئ الأوضاع التطبيقية على وفق ما وجه إليه الدستور، وهي تشكل الشارح القانون ومفسره ما تتبلور به المقاصد والغايات التي تمكنه من ترجيح وجوه الرأي المستخلصة من عبارات النصوص وألفاظها.

وأن لمحكمتنا الدستورية العليا قضاءها في هذا الشأن، فهي في حكمها الصادر في القضية رقم 20 لسنة 1 قضائية "دستورية" بجلسة 4 مايو 1985 تقرر أن الدستور منذ 1980 ألزم سلطة التشريع بالالتجاء إلى مبادئ الشريعة "لاستعداد الأحكام المنظمة للمجتمع" فالأمر لديها يتعلق بمصدرية الشريعة "للأحكام المنظمة للمجتمع"، وهو تعبير لا يفترق في مؤداه عن عبارة أسلمة المجتمع أو أسلمة الحياة التي اعتبرتها لجنة الأحزاب من أسباب الاعتراض على الحزب الذي يدعو إليها والمحكمة تستشهد في ذلك بتقرير لجنة تعديل الدستور الذي أقره مجلس الشعب ف 19 يوليه 1979 من أن المشرع يلتزم بالالتجاء لأحكام الشريعة" مع إلزامه بعد بعدم الالتجاء إلى غيرها "فإذا لم يجد استنبط من المصادر الاجتهادية للشريعة".

وخلصت المحكمة الدستورية إلى أن سلطة التشريع قد صارت مقيدة فيما تستنه من تشريعات مستحدثة أو معدلة لتشريعات سابقة، وذلك منذ عدل الدستور في مايو 1980، كما خلصت إلى أنه إن كان قيد الالتزام بالشريعة يتعلق بالتشريعات التي تصدر تالية على التعديل الدستوري فإن ذلك "لا يعني إعفاء المشروع من تبعة الإبقاء على التشريعات السابقة، رغم ما قد يشوبها من تعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وإنما يلقي على قمة عاتقه من الناحية السياسية مسئولية المبادرة إلى تنقية نصوص هذه التشريعات من أية مخالفة للمبادئ سالفة الذكر ...، وأكدت هذا المعنى في أحكامها التالية، ومنها القضية رقم 47 لسنة 7 قضائية "دستورية" حكمها بجلسة 4 إبريل سنة 1987.

وبهذا فإن المحكمة الدستورية العليا فيما نصت بصدد بحثه، تنظر إلى مصدرية الشريعة الإسلامية للتشريع حسبما ورد بتعديل المادة الثانية من الدستور، تنظر إليها بحسبانها مصدرية للشريعة الإسلامية "للأحكام المنظمة للمجتمع" بمعنى أنها تتضمن أسلمة الحياة الاجتماعية بما يتعلق بها من مراكز وأربطة تنظيمية وعلاقات اجتماعية. ثم هي تنظر إلى هذه المهمة بحسبانها مهمة سياسية، ألقاه على عاتق المشروع ... ومن الجلي أن المهمة السياسية الملقاة على مؤسسة التشريع في البلاد، تصدق بالقدر ذاته على تلك الجماعات المنظمة التي تؤسس طبقًا لقانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977 لتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، ذلك عن طريق المشاركة في مسئوليات الحكم "وذلك حسبما نصت المادة الثانية من قانون الأحزاب" ومن شأن سعيها ونشاطها أن يؤول إلى نوع من مشاركة في الحكم بما يمكن أن تشغله عضوية المجلس التشريعي عن طرق الانتخاب الدوري.

وبهذا فلا يصح القول بأن أسلمة أنشطة الحياة كافة أو أسلمة المجتمع ونظمه، هو مما يقوم به أساس للتفرقة بين المواطنين بسبب الدين، لا يصح ذلك لأن ما يسمى بالأسلمة لا يعدو أن يكون إقرارا بمصدرية الشريعة الإسلامية، حسبما ورد بالنص عليها في الدستور وحسبما فهمتها محكمتنا الدستورية العليا، وقد سبقت الإشارة إلى أنه لا وجه لإثارة التعارض بين أصل تطبيق الشريعة الإسلامية وإسلامية الدولة وبين أصل حماية الوحدة الوطنية والمساواة بين المواطنين؛ لأن كل هذه الأصول وردت بالدستور تعبيرا عما تقوم عليه أوضاع الجماعة من مبادئ وأصول للشرعية ومعايير للاحتكام.

ولا وجه للقول بأن الدستور يقوم على التفرقة بين المواطنين؛ لأنه ضمن لهم كافة المساواة في الحقوق والواجبات مع تأكيده على إسلامية الدولة ومصدرية الإسلام؛ ولأن الأمر في النهاية هو أمر ما تؤول إليه الأحكام التوجيهية العامة في التطبيق وما تتفرغ إليه الأصول من أحكام فرعية تتحدد بموجبها المراكز القانونية وتتعين مجموعات الحقوق والواجبات المتبادلة بين المواطنين.

وإن القول باستحالة تحقق انخراط غير المسلمين في هيئة تلتزم بالإسلام وتدعو إلى تطبيق الشريعة، أخشى أن يكون معناه إذا ألقي على عواهنه دون تمحيص، أن تطبيق الإسلام مستحيل في مجتمع أو في جماعات أو في هيئات تضم عددًا أو أعدادًا من غير المسلمين وهذا القول بجانب الحقيقة الدستورية، حسبما بانت مما سبق، كما أنه يخالف الحقائق الاجتماعية المعيشة.

إن وظيفتنا الفقهية والقانونية سواء على مستوى التشريع أو على صعيد التفسير هي أن ندرك لما بين الأصول العامة من تداخل، وأن نرفع التعارض بين الأحكام التطبيقية بالتخصيص والتقييد المتبادل وبهيمنة الأعلى على الأدنى من الأصول والمبادئ ومن مراتب التشريع، وبتفهم دلالات الألفاظ، وتبين معاني العبارات بما يرفع به التنافي بينهما.

نخلص من ذلك بأن القول باستحالة التحقيق فيما نحن بصدد بحثه، فيه من الإسراف والغلو على مبادئ الدستور وأصوله ما فيه من انصراف الطاقة من الجهد الفقهي التفسيري المناسب كما أن القول بأن الدعوة الأسلمة أنشطة الحياة كلها هو مما يقوم به التفرقة بسبب الدين وما يهدد الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، قول يتعارض مع مفاد أحكام الدستور من التوفيق بين هذه الأصول جميعا حسبما سلف البيان في الفقرات السابقة.

(7)

فنصل الآن إلى ما يراه الطاعن رأي الإسلام في تطبيع الشريعة الإسلامية وأسلمة المجتمع وذلك حسبما أورده في برنامج حزبه ونظامه الداخلي ـ مما كان محل اعتراض لجنة الأحزاب في قرارها المطعون فيه.

لقد ورد بالمادة (1) من النظام الداخلي أن "حزب الصحوة يستمد وجوده من العقيدة الإسلامية التي يؤمن بها دون إخلال بمبدأ حرية العقيدة لغير المسلمين من أعضائه. وغاية الحزب أن يجعل من (لا إله إلا الله محمد رسول الله) منهج حياة. ثم ذكر في المادة نفسها ما يراه مما تمتاز به الشريعة الإسلامية من الربانية والبشرية والشمولية والوسطية ... الخ. ثم إنها (عادلة تحفظ حقوق غير المسلمين كاملة برأيهم وقسطا معهم كما أمر الشرع الحنيف) (ص 6، 7).

وورد بالمادة (2) "... وهو بهذا يدعو كل مؤمن بالإسلام، وكل غير المسلمين في مصر لأن ينخرطوا في سلكه ..." (ص 8)، وحددت المادة (7) شروط العضوية كالمصرية والرشد وغيرها، ومنها حـ ـ أن يكون ملتزما بالشرع وحسن السلوك والسمعة، لم يطعن في دينه وخلقه ولا شرفه ما لم يكن قد رد اعتباره إليه". (هـ- "أن يقبل العمل بمبادئ الشريعة حسب المنهج الذي حدده برنامج الحزب وتنظيماته الداخلية والتي يمكن أن تتعدل بناء على الشورى التي تحكم الحزب، وأورد في المادة 44 من ميزانية الحزب أن موارده المالية تأتي من التبرعات والأعمال التجارية وغيرها "ومنها 4ـ تبرعات الأشقاء من خارج مصر حسب القوانين المنظمة لذلك". ثم ذكر في المادة 5ـ "يراعي في محاسبة العاملين وتوقيع الجزاءات الاستقامة بالقرارات والقوانين المعمول بها مع تغيير ما يجب تغييره وفاء بأحكام الشريعة الإسلامية.

وتضمن الباب الثالث أحكام الهيكل التأسيسي من المؤتمرات المختلفة التي يتكون منها الحزب من القرى والأحياء حتى المستويات العامة وبين ممن يتألف كل من هذه المستويات وما يتولاه من أنشطة وصلاحيات، ثم تضمن الباب الثامن الأحكام المتعلقة بأعضاء الهيكل التأسيسي، وقضى في المادة (59) بأن الحزب يقوم على الشورى وهي غير ملزمة. ونص في المادة (60) يجوز شغل عضوية كافة مناصب الهيكل التأسيسي بالانتخاب، كما يجوز كما يجوز شغلها بالبيعة الخاصة، كما يجوز شغلها ببيعتين، بيعة خاصة وبيعة عامة ونصت المادة (61) على أنه مع مراعاة الحكم السابق "يفضل تعيين الأعضاء ذوي الكفاءات ـ الخاصة في مجال تخصصهم باعتبار أهل الذكر، وهؤلاء لا تجدي معهم البيعة، ولا تصلح لهم في الغالب الأعم" ثم نصت المادة (62) على أنه من الأنسب تعين أعضاء المؤتمرات ما عدا الأمراء ...". وجعلت المادة (63) العضوية مؤبدة إلا بالعزل أو الاستعفاء، وحصرت المادة (64) وجوب البيعة في الإمام، وبتولي بيعة العامة والخاصة مؤتمر الصحوة الدور الدوري الاستشاري، وأجازت المادة (67) للإمام أن يغير بالتعيين أعضاء الهيكل التأسيسي استبدالا وتصعيدا وإلغاء بما يراه مناسبا من الطرق.

ولنا على النظام الداخلي عدد من الملاحظات:

أولا: لا منافاة ولا تعارض بين أي من الأحكام الواردة في هذا النظام وبين مبادئ الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي وغيرها مما أوجب القانون رقم 40 لسنة 1977 مراعاتها.

وليس في أي منها ما يقوم على أساس من التفرقة بسبب العقيدة أو الجنس أو العنصر أو غير ذلك مما حظر القانون. ويمكن الرجوع في أسباب هذه الملاحظة إلى ما سبق ذكره في الفقرات السابقة.

ثانيا: بالنسبة لموارد الحزب حسبما ذكرت المادة (44) من النظام الداخلي، فقد اعترضت لجنة الأحزاب على شمول الموارد تبرعات الأشقاء من الخارج مصر، باعتبار أن الأحزاب ممنوعة بالمادة 11 من قانونها من قبول أي تبرع من أجنبي أو جهة أجنبية أو شخص اعتباري ولو كان متجنسًا بالجنسية المصرية.

وقد عرض تقرير الطعن لهذا الاعتراض بمقولة أن المقصود بالتبرعات الأشقاء المصريون المقيمون بالخارج من غير أعضاء الحزب، وأن عبارة النظام الداخلي قيدت ذلك "حسب القوانين المنظمة لذلك"، والحاصل أن الحظر الوارد بالمادة 11 من القانون يتعلق بالأجانب أشخاصا وجهات وبالأشخاص الاعتبارية ولو كانت مصرية. ولفظ الأشقاء من خارج مصر تغمض دلالته عن الحصر في المصريين وإن كانت الإحالة إلى القوانين المنظمة لذلك تفيد قصد احترام ما يحظره القانون في هذا الشأن مما يتراجع معه تأويل الحكم بما يقصر معناه في نطاق ما يبيحه القانون، وأن كان هذا هو المقصود به من البداية ومن ثم لا يصلح سببا يقوم عليه الاعتراض.

وما دام الأمر كذلك فجلاء المعنى بتعديل العبارة الأولى.

ثالثا: أشارت اللجنة في اعتراضها إلى أن النظام الداخلي أغفل ما ينص عليه قانون الأحزاب بالنسبة لقواعد صرف أموال الحزب وإمساك حساباته وإجراءات ذلك وأحكام المراجعة وإعداد الميزانية وإقرارها، ولم تشر اللجنة إلى ما يتعلق بالبناء التنظيمي للحزب حسب النصوص السابق الإشارة إليها. وقد حدد النظام الداخلي في الباب الثالث المستويات التنظيمية للحزب ومؤتمراته وما يتشكل منه كل مؤتمر وما يؤيده من نشاط ثم عرج في الباب الثامن إلى بيان كيفية شغل عضوية كل من هذه المستويات فأتت نصوص المواد (60) وما يليها.

وجاءت أحكامها أقرب إلى السرد الفقهي منها إلى التحديد والضبط المبين ـ فأجازت شغل المناصب بالانتخاب أو بالبيعة الخاصة أو البيعتين العامة والخاصة دون تحديد الإجراءات كل من هذه الطرق ولا بيان لأحوال إتباع كل منها، ثم فضل التعيين لذوي الكفاءات وأعضاء المؤتمرات دون بيان لإجراءاته ومن يصدر، ثم جعل بيعة الإمام واجبة وتصدر من المؤتمر الدوري الاستشاري دون معرفة من يعين أو ينتخب أو يبايع أعضاء هذا المؤتمر وأجاز للإمام تعيين من يرى من الأعضاء جميعا دون حد للمستويات ولا للحالات.

وإذا كانت المادة الخامسة من القانون تورد ما يجب أن يشتمل عليه النظام الداخلي للحزب من بيانات ومنها الفقرة (خامسا) "طريقة وإجراءات تكوين تشكيلات الحزب واختيار ـ قياداته وأجهزته القيادية ومباشرته لنشاطه وتنظيم علاقته بأعضائه على أساس ديمقراطي وفي الفقرة (سادسا) "النظام المالي للحزب شاملا ... القواعد والإجراءات المنظمة للطرف من هذه الأموال وقواعد وإجراءات إمساك حسابات الحزب ..." إذا كان ذلك كذلك فإن النظام الداخلي للحزب موضوع هذا الطعن يشوبه القصور والتجهيل في هذه البيانات.

وفي هذا الصدد أحيل إلى ما سبق ذكره في الفقرة (4 أ) من هذا التقرير، فإن هذا التجهيل من شأنه أن ينجرح به كمال النظام الداخلي حسبما أوجبت المادة الخامسة من القانون، ولكنه لا يفيد في ذاته تخلف واحد من شروط تأسيس الحزب ـ واستمراره التي وردت بالمادة الرابعة من القانون.

ومخالفة أي من شروط المادة الرابعة من شأنه انهيار وجود الحزب تأسيسا أو استمرار. أما تخلف أي من شروط المادة الخامسة فهو مما يجوز ضبطه وإكماله وإصلاحه في حدود ما أوجبه القانون.

(8)

ونصل الآن إلى برنامج الحزب فيما أورده الطاعن مما كان محلا لاعتراض لجنة الأحزاب في قرارها ورد في ديباجة البرنامج تكرار ذكر ما يراه واضعوه من وجوه تميز الشريعة الإسلامية في ربانيتها وملاءمتها طبيعة البشر وشموليتها ووسطتها واقعيتها وتوازنها ورضوخها، ثم ذكر أنها (توحيدية توجد بين الشعوب على تعدد الأقاليم وعلى اختلاف الألسنة وعلى تباين الأجناس والألوان"، "عادلة تحفظ حقوق غير المسلمين كاملة، داخل أرضها وخارجها (ص 8). ثم ذكرت الديباجة" غايتنا أسلمة وجه الحياة بتحكيم الشرع الحنيف" لا مطمع لنا من وراء ذلك في سلطة ولا تعطش منا لحكم. (ص 9).

وتعرض الباب الأول من البرنامج إلى "الدولة والإمام والوزراء"، وذكر أن الدولة المصرية أو الأمة المصرية جزء من الأمة الإسلامية ترتبط بالأمة العربية بروابط عدة، وأن الإسلام دينها والعربية لغتها والشريعة المصدر الوحيد لتشريعها. وأجعل أصول التشريع طبقا للشريعة في إحدى عشر مصدرا تبدأ بالقرآن والسنة، ثم الإجماع والقياس، وغير ذلك حتى العرف (ص 12) ثم عرض للإمام كرئيس للدولة فشرط فيها "أن يكون مسلما بالغا عاقلا ... أجمعت عليه الأمة ..." وهو ينصب بالاختيار بين عدة رجال يختار أهله الحل والعقد من بينهم أو بالاستخلاف من الإمام السابق (ثم يعرض على الناس أو يعرض على الشعب أو يعرض على الأمة) أو ينصب بالتغلب دون إراقة دم، وذكر أن ليس للإمامة مدة محدودة، ولكنها تكون غير مؤقتة.

ثم عرض لوزير التفويض فشرط فيه ما شرطه في الإمام مع التخصيص، ثم وزير التنفيذ فلم يشرط فيه الإسلام. ويرأس الجهاز التنفيذي أما الإمام مباشرة أو وزير التفويض (ص 13 ـ 15).

وعرض الباب الثاني لمجالس الشورى وهما مجلسان عموم ومجلس خصوص، ثم مجلس شورى الإمام يتكون من أهل الحل والعقد من كبار علماء المسلمين. والأول يدرس ما يحتاج لإصدار قوانين من الشريعة، والثاني كمجلس الشورى الحالي، ويرى أن رأي المتخصصين وجمهور الفقهاء يحل محل رأي الأغلبية، وأن الإمام لا يلتزم برأي المتخصصين إلا إذا أجمعوا (ص 17 ـ 18).

ثم عرض الباب الثالث للحريات وأولها حرية الاعتقاد فلا يجبر ذمي على ترك دينه (ص 19) ثم عرض في الباب الرابع للاقتصاد الإسلامي، فذكر أن الإسلام إذن "بكل أنواع التملك الاختيارية والجهرية"، وأنه يقر نوعين من التملك يتبع بيت المال ويقر الملكية التعاونية، وأن لأحد في الإسلام إلا أن يمهل، وحرم الإسلام تنحية الملك عن طريق خبيث بالاحتكار أو الغش أو التطفيف للملك أو الربا والظلم أو الاستغلال ... الخ. (ص 28 ـ 31). ثم ذكر أن الضرائب لا تؤخذ على سبيل الديمومة (ص 31) وأن الجزية تسقط في حالة الاشتراك في الحزب (ص 35).

وعرض للتعليم فذكر أن الهدف هو أسلمته وأوجب تذكير مدارس للبنين وتأنيث مدارس الإناث ومنع الاختلاط، وتديين اليوم المدرسي والجامعي لاحترام شعائر وإقامة الصلاة وتديين المنهج الدراسي وتعريب التعليم وتديين الكتاب المدرسي والجامعي واختيار المعلم "أن يكون متدينا وتغيير نظام الامتحان"، والاهتمام بمنهج التربية الدينية على مدى سنوات التعليم كلها، وإلغاء ازدواجية التعليم. (ص 71 ـ 80).

وفي الباب السابع عرض للسياسة الخارجية، فقسم الدور قسمين دار الإسلام ودار الكفر، الأولى هي ما تحكمه تعاليم الإسلام أو حكمته ذات يوم، وبين بلاد المسلمين هناك الدول الإسلامية العربية، وهناك غير العربية من دول الإسلام، والأول أقرب والثانية ترابط برباط الأمة الواحدة ودار الكفر، أما دار هدمه أو دار عهد أو دار حرب بسبب عدوان أو غيره، ومصر تدور في الدائرة العربية ثم الإفريقية ثم الإسلامية ثم العالمية، ولا بد أن تقوم بدورها في كل ذلك، ثم عرض المشكلة فلسطين وللجامعات العربية ومنظمات الوحدة الإسلامية. (ص 88 ـ 92).

ثم تكلم البرنامج عن البشرية بعامة، وتكلم عن الشباب فأعاد الحديث عن التعليم، وعندما أعاد القول في تأنيث مدارس البنات أشار إلى أن تكون "القيادة مسلمة تفهم دينها وتطبقه وأشار إلى الاستعانة بخبرات علماء المسلمين في تديين المناهج المدرسية (ص 93 ـ 102).

ولنا على ما سبق ملاحظات:

أولا: أحيل إلى ما سبق ذكره في الفقرات السابقة من هذا التقرير.

ثانيا: ثمة ملاحظات تشير إلى ما شابه البرنامج من خلط بين النظر الفقهي الشارح لأوضاع مسألة فكرية أو تنظيمية عامة، وبين الموقف العلمي التطبيقي الذي يستقر على خيار محدد من بين البدائل النظرية المتاحة، بحسبان ما يمثله هذا الخيار ما يراه ذووه الأكثر ملاءمة لمواجهة أوضاع الواقع المعيش ومعالجة مثالية، أي تعيين النظام والسياسات، وهذا ينعكس فيما ينعكس في برنامج الأحزاب أو البيانات السياسية الاقتصادية الاجتماعية التي تتخذ أو التنظيمات والدساتير التي تشرع.

وأن النظر الفقهي للمسألة الدستورية مثلا، يورد النظم المختلفة التي تفتقت منها الخبرات التاريخية وصاغها المفكرون، مثل النظام الرئاسي والنظام البرلماني كنموذجين للنظام النيابي. ولكن واضع الدستور أو راسم البيانات السياسي لا يجمع بين هذه النماذج، وإنما يختار من بينها ما يراه الأكثر ملاءمة. والفقه الإسلامي فيما يجتهد فيه يبين موقف الشريعة الإسلامية من مسألة معينة حسب مراتب التكليف، فرضا أو ندبا أو إباحة أو كراهة أو تحريمًا، وهو في دائرة ما يراه مباحا يثبت ما تفتقت عنه السوابق من أحوال وأوضاع ونظم تباينت في نطاق ما يعتبره الفقيه مباحا، وكل ذلك لا يعني أن من يدعو إلى تطبيق الشريعة يدعو إلى كل هذه السوابق على تباينها واختلافها، إنما يختار ما يراه الأكثر ملاءمة لواقعه.

والحال أن البرنامج المعروض جمع النماذج المختلفة للتنظيمات على تعارضها في ـ التطبيق ولم يعين ما يزكيه منها على غيره ومجمع في طريق نصب الأمام بين الاختيار أو الاستخلاف والتغلب، ولا يوجد نظام واحد يمكن أن يجمع بين كل أولئك، وجمع بين أن الملكية بغير واحد وبين أنها تحد بعدم الإهمال وأن تكون مكسوبة من حلال، وألا تنمو باحتكار أو غش أو ـ ربا أو ظلم أو استغلال ... وهكذا.

ومن هنا يظهر أن البرنامج يفقد العينية المطلوبة فيما أشار إليه من أهداف.

ومن الناحية القانونية لم يلزم قانونا الأحزاب حزبا بأن يكون برنامجا على مستوى معين من مستوى النظر التطبيقي، ولم يلزمه أن يتعرض في برنامجه لمجالات متعددة من مجالات العمل السياسي الاجتماعي الاقتصادي. وقد لا يكون على حزب ما تثريب في تعيين أهدافه على مستوى، ما من العمومية تاركًا الممارسة والخبرة السياسية الاجتماعية من بعد لأن تسهم في التضليل، وقد لا يكون على حزب ما تثريب فيه بأن يقصر برامجه على بعض وجوه العمل السياسي الاجتماعي مما يراه خليقا بالتركيز عليه ولما يظنه في ذلك من إكمال لما يعوز المجتمع من عناصر يفقدها، ولم ينشغل بها عن غير هذا الحزب بمستوى التركيز المطلوب. وكل ذلك لا يعيب البرنامج بالتجهيل ـ ويكون الحزب فيما هو مسكوت عنه إنما يرتضي ما في الواقع أو يرتضي بما يأمل من تلقائيات نموه.

أما مورد التجهيل في الحالة المعروضة أن البرنامج تعرض لأمور فاضحة عن اهتمامه بالتغيير في شأنها ثم وضع لها من الحلول ما يتنافى مع بعضه البعض، فلم يعد المطالع على بينة مما يريد البرنامج أن يصنع فيما ينبغي تغييره، ولا صار على منهاج فيما يطلب الحزب من الأمر ونقيضه.

على أنه من الواجب إيضاح أننا عندما نناقش هذه النقطة لا تذهب إلى القول بأن الطاعن في الحالة المعروضة قد خالف شرطا من شروط تأسيس الأحزاب؛ لأن المادة الرابعة من قانون ـ الأحزاب لم تشرط شرطا يتعلق بنفي التجهيل، وهو أن شرطه سيكون بالغ الصعوبة في التطبيق، بمعنى أنه إن شرط القانون لتأسيس الحزب عدم تجهيل برنامج، وأن هذا الشرط في مجال الأهداف السياسية والاجتماعية والاقتصادية لن يخلو ذاته من تجهيل ولا يؤمن ... التطبيق لحكم شرعي يعتوره التجهيل أو الإشكال.

إنما أردت بهذه الملاحظة بيان أن الكثير مما التبس في تبين بنود البرنامج برامجه مرده إلى ما أتعوزه من ذلك العيب.

(9)

ثالثا: أن البرنامج شرط الإسلام في الإمام وفيمن يعتبرون وزراء تفويض وفي أعضاء مجلس شورى الإمام وفيمن يديرون مدارس الإناث، واستند اعتراض لجنة الأحزاب فيما استند إلى ما يقيمه هذا الشرط من تفرقه بين المواطنين بسبب الدين، وإلى مخالفة هذا الشرط لما أوجبه الدستور من المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات العامة بغير تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة. ورد الطاعن على ذلك تقرير الطعن بأن الحزب عند شرط الإسلام في الإمام الأعظم ووزير التفويض، إنما عبر عما هو قائم بالفعل، وهذا ما يتماشى مع الدستور والإسلام لا يقر أن تكون أمامه الأمة لغير المسلمين.

وكان يمكن القول بأن اشتراط الإسلام في مثل وظائف مديري مدارس الإناث، قد لا يعتبر تفوقه على أساس الدين، وذلك بحسبان أن الشرط في مثل هذا الأمر شرط حزبي يقوم في حالة أو حالات خاصة بعينها، ولا يعتبر انتهاكا لحقوق المساواة بين المواطنين، وإن اختلفوا في الدين أو المذهب أو الجنس أو اللغة.

إن ما يسمى المساواة هو ما يعتبر الإخلال بحقوق العامة المستمدة من المواطنة كمركز قانوني يتعلق بالانتماء للجماعة السياسية، وهذا الإخلال لا يتأتى من مجرد شرط من شروط الصلاحية لتولي المناصب، وشمل المراكز القانونية، مثل السن، والتعليم، ونوع الخبرة، وغير ذلك، وأن ما يجعل مثل هذه الشروط لا تمثل إخلالا بحقوق المساواة بين المواطنين، إنها تكون ما يمكن تسميته بشروط التخصص، أي جماع صلاحياته معينة لشغل أعمال محددة، ما دام لكل هذه الصلاحيات والشروط مسوغ شرطه لنوع العمل المطلوب كشغل وظائف التدريس بالأزهر مثلا.

ولا يعتبر هذا الأمر مساسا بحقوق المواطنة إلا أن يشيع الشرط وينتشر في عدد من الأعمال يظهر منه أنه مقصود بشيوعه استبعاد طائفة معينة من المواطنين عما هو متاح لغيرهم من المواطنين، ولا يعتبر مساسًا بحقوق المواطنة إلا أن يتعلق بالولاية العامة التي ينبغي أن تكون متاحة للمواطنين جميعا بموجب حقهم في المواطنة وبموجب انتمائهم للجماعة السياسية التي تقوم عليها الدولة بنظمها ودساتيرها وهياكلها الحقوقية والتشريعية. وفي هذه الأمور لا تكون أمام شرط من شروط التخصص، إنما تكون إما شرطا من شروط الولاية العامة. والولاية هي إمضاء القول على الغير، وهي ولاية خاصة إن كان إمضاء القول يتعلق بمحصورين، هي تكون ولاية عامة إن كان القول بمعنى على غير محصورين. والولاية العامة ترد هنا للمواطن بموجب حقه في المواطنة، فهي تتصل أوثق اتصال بنوع الجماعة السياسية التي ارتضاها المجتمع مشكلا للجامع الرئيسي لوحده الانتماء الأساسي للحاكم للجماعة بتصنيفاتها ووحدات انتمائها الفرعية كافة. وبموجب كون الولاية العامة متعلقة بالمعيار الرئيسي المحدد للجماعة السياسية كوحدة إنشاء أساسي حاكم، فإنها تصدق في الأساس على كل من يتوافر له الوصف الرئيسي الذي تبنى عليه الجماعة السياسية وتدور معه وجودا وعدما.

وخلاصة ذلك أنه إذا كان شرط الدين يمكن أن يكون من شروط التخصص بالنسبة لنوع من أعمال محددة يتضح وجه صلة الشرط بها دون أن يعتبر مزية لقوم على قوم من المواطنين، فإن الحد الذي يقف عنده هذا الجواز، ولا يتعارض مع مبدأ المساواة، هو ألا يشيع هذا الشرط في عدد من الأعمال يقضي إلى أنه لم يعد من شروط التخصص، وإنما صار إلى التمييز والسماح لقوم مع حرمان آخرين بموجب وصف يلحق بهؤلاء ينقصهم بذاته ما يتمتع به غيرهم من مزايا المواطنة، وأهم من ذلك ألا يتعلق بما هو من شروط الولاية العامة التي تثبت في جوهرها للمواطنين بعامة بموجب ما يتوافر فيهم جميعا من الوصف المميز للجماعة السياسية وما انبنت عليه قاعدة التصنيف العام للمواطنين، ومن وصف يحدد إطار الجماعة السياسية ووحدة الانتماء العامة أو الحاكمة في المجتمع، أي التكوين الجمعي العام الذي تقوم عليه الدولة.

والحاصل أن شرط الإسلام لتولي إدارة مدارس الإناث، لم يسبق الطاعن ما يثبت في وجه كونه شرطا تخصص مما يمكن أن يرد فيه الدين بحسبانه من شروط الصلاحية لتولي عمل معين أو منصب معين كمدرس التربية الدينية مثلا، ذلك أن حسن التربية والتحصن ضد الخطايا والرذائل لا يختص به الجديرون بتولي إدارة المدارس بين المسلمين، وإنما يتوافر في غيرهم بما حضَّت به الأديان السماوية جمعاء من حضّ على مكارم الأخلاق.

وبالنسبة لشرط الإسلام لتولي الإمامة أو وزارة التفويض أو عضوية مجلس الشورى الإمام فهذه كلها من مناصب الولاية العامة. وإذا كانت الجماعة السياسية التي يشيع مفهومها في المجتمع وتقوم الدولة على أساسها، وإنما تتصف بوصف المصرية، وبهذا الوصف نفسه تقوم وحدة الانتماء العام الحاكمة لغيرها مما يعتبر وحدات الانتماء فرعية (مثل وحدات الانتماء الاجتماعي التي تقوم في أساس الفكر أو المذهب أو صلة القرابة أو الإقليم الخ)، ومما تتأسس به الدولة من حيث كونها الشخصي القانوني للجماعة السياسية المعينة، ومما تتفرع عنه الأنساق الحقوقية والتشريعية وتنبني به الهياكل والمركز القانونية في الدولة والمجتمع. إذا كانت الجماعة السياسية بتشخيصها الدولي القانوني تتصف بالمصرية بما يشمل المسلمين وغير المسلمين ممن يتصفون بهذا الوصف. فقد لزم القول بأن شرط الولاية العامة لا يجوز أن تقضي إلى ما يتخير به هذه الولاية عمن يتصفون بوصف المصرية.

ومن ثم فإنه أيا كان وجه النظر الفكري والحزبي من حيث الدعوة السياسية، ومع جواز أن يقوم حزب يدعو للوحدة مع أقطار أخرى ويدعو لجماعة سياسية أشمل مما تنبني عليه الجماعة القائمة، ومع كون الدستور نفسه الذي يقوم على أساس من الجامع السياسي المصري ومع كونه يعتبر مصر جزءا من الأمة العربية، ومع كونه يعتبر الشريعة مصدرا للتشريع وما يفيده ذلك من النظر إلى الجامع الإسلامي بحسبانه جامعيا سياسيا على امتداد الشعوب الإسلامية، مع جواز ذلك والاعتبار به، فإنه لا يصح القول بأنه يشترط للولاية العامة ما يتعارض مع التصنيف الأساسي الذي يميز الجماعة السياسية التي تقوم عليها الدولة وينصب بها المتولون لهذه الدولة، وذلك ما بقيت الجماعة قائمة على هذا التنصيب وما بقيت الدولة مؤسسة على صورة هذه الجماعة.

وخلاصة الأمر

أولا: أنه يلزم اعتبار الإسلام من شروط التخصص في غير مناصب الولاية العامة وأن يثبت هذا الاختصاص لأداء نوع عمل محدد بحيث لا يعتبر الشرط تمييزا موجها ضد طائفة من المواطنين. ولم يستطع الطاعن أن يثبت ذلك بالنسبة لشرطه هذا الشرط فيمن يتولى مدارس الإناث.

ثانيا: أن مناصب الولاية العامة تتصل بالدولة التي تقوم على جامع سياسي يجري وفق تصنيف محدد، وأنه يتعين ألا يقوم من شروط الولاية العامة ما يتنافى مع التصنيف الذي جرى به تكون الجماعة السياسية التي تقوم عليها.

(10)

ليس صحيحا ما بنى عليه الطاعن موقفه الفكري والفقهي، من أنه لا مندوحة من شرط الإسلام فمن يقوم بمناصب الولاية العامة. نحن هنا بين أصلين تشريعيين وضعهما الدستور بين المقومات الأساسية، وهما أن تكون الشريعة هي المصدر الرئيسي للمشرع (المادة 2). وألا تقوم التفرقة بين المواطنين بسبب الدين أو اللغة أو الجنس أو العقيدة أو الأصل (المادة 4). وأن مناهج التفسير المعتمدة تعلمنا أن إعمال النصوص خير من إهمالها، وأنه عندما يظهر تعارض ظاهري بين مفاد حكمين بمناسبة تطبيقهما على واقعة ما أو ظاهرة، فإن مفاد إعمال النصوص أن تعمل على رفع هذا التعارض المظهري بين الأحكام، وألا يلجأ لتنحية أحد الأحكام لحساب تطبيق الآخر بموجب ما يتمتع به من أولوية أو سيادة، إلا أن يظهر عدم إمكان التوفيق بعد بذل الجهد واستنفاد الوسع في التوفيق لأعمال الحكمين معا.

والطاعن لم يبذل الجهد ولا استنفد الوسع لإعمال حكم المساواة بين المواطنين مع الاعتبار بمصدرية الشريعة الإسلامية، وذلك بالنسبة لموضوع الولاية العامة. يدافع الطاعن عن موقفه بما مفاده أن مصدر الشريعة الإسلامية للتشريع والنظم لا تدع له محيصا من شرط الإسلام في تولي الولايات العامة. والحال في تقديري ليس كذلك.

لقد سبقت الإشارة إلى أن التوفيق بين النصوص يكون بالتخصيص والتقييد المتبادلين فينتقص عموم كل حكم من عموم الآخر بمعنى إفراده ليصير العموم في الحال المعينة مقصودا به ما لا يشمل بإخراج عن دائرته بهذا الإنقاص، ولتصير دلالة العام مستفادة بالغالب من الأحوال وبالوصف المصطلح عليه مما نتج عن التوفيق الحادث، والذي جعل دلالة اللفظ شاملة جل أفراده وليس كلهم. ولكن التوفيق يجري بينهما بطريقة ضبط الواقعة وتشكيلها على وفق مما يؤدي إلى عدم إثارة التعارض بين النصوص، ذلك أن التعارض يقوم أحيانا لا بين النصوص في ذاتها، ولكنه يقوم بين مفادها بمناسبة تطبيقها على واقعة معينة. فتكون الواقعة وكيفية تشكيلها وطريقة وصفها هو ما يسير التعارض بين النصوص، ولكن من خلال تشكيل الواقعة وتعديل وضعها بما لا يقوم معه التعارض.

فالإمام في نظر الفقه الإسلامي مقيد بأحكام الشريعة، مأمور بحفظ الدين وسياسة الدنيا وفقا للقانون الإسلامي، وسلطته التقديرية تقوم داخل هذا الإطار الواسع من أحكام الشريعة، وهذه السلطة التقديرية كما تصورها فقهاء الإسلام بالغة السعة والشمول، وهي جماع أنشطة الدولة من تدبير الجيوش إلى الحظر في الأحكام وتقليد القضاة إلى جباية الضرائب وقبض الصدقات إلى إقامة الحدود إلى حماية الدين والوصاية البينة وإشاعة الأمن إلى تحصين الثغور وجهاد من عاند الإسلام ... وذلك كله حتى تسير الحجيج.

وسواء سلطات الإمام أو الوزراء أو الأمراء أو الولاة، فهي سلطات تقلد لصاحبها في عمومها أو خصوصها لينفرد بها بنفسه. ويبدو الفارق بين هذا التصوير الذي أورده فقهاء المسلمين، وبين التصوير المعاصر الذي تنبني عليه نظم الإدارة والسياسة في المجتمع المعاصر، وسلطات الوزير المفوض من الإمام حسب التصور الفقهي الإسلامي، هي سلطات لا يملكها اليوم وزير ولا رئيس وزراء، ولا مجلس الوزراء كله يملكها وحده. وإذا كان فقهاء المسلمين قد شرطوا الإسلام في الإمام ووزير التفويض فنحن لا نجد في خريطة السلطات اليوم رئيسا أو وزيرا يملك ما نيط بالإمام أو الوزير المفوض من صلاحيات؛ لأن سلطات هؤلاء قد توزعت على العديد من الهيئات الدستورية تتداول فيما بينهما العمل الواحد وتتقاسمه مراحل حتى ينشأ كاملا عبر نشاطها جميعها، كما تتبادل ـ الرقابة فيما بينها على الأعمال.

ومن جهة أخرى، نلحظ من الناحية الإدارية (لا الدستورية فقط) إن لم تعد السلطة الإدارية المحدودة بالتنفيذ في نفسه مجتمعة في يد فرد أيا كان، ولا باتت مرتبطة بتوافر الحلم الفردي والموظف ما بالأحكام الشرعية وأمور الحرب وشئون الخراج ومظالم المحكومين؛ لأن المعرفة ذاتها لم تعد تتهيأ للمدير بموجب علمه الفردي، ولكنها تتهيأ بواسطة أجهزة فنية متخصصة عديدة، يتوزع عليها العمل توزيعا فنيا متخصصا، وتتكامل الرؤية بتجميع هذه المعارف وتصنيفها والتنسيق بينها.

وأن ما كان يكله الفقه الإسلامي لأي من القائمين على الولايات العامة، قد صار اليوم موكولا لهيئات تنظم على وجه يضمن تجميع الجهود المتعددة. ولم يعد الفرد سلطة طليقة في تدبير أو تنفيذ. والسلطة تقيدها أحكام الدستور، وفي نطاق الدستور تقيدها القوانين وفي نطاق القوانين لا تمارس السلطة التقديرية في الغالب وهي المهم من الأمور كسلطة فردية، إنما تتخلق في الممارسة على نحو مركب، فيمر مشروع القرار السياسي أو الإداري عبر قنوات محدودة ومتعددة من خلال هيئات متنوعة ومحددة سلفا بالنظم المرسومة، وإذا صدر القرار بإمضاء فردي بعد ذلك، فهو يصدر بهذا الإمضاء تتويجا لكل العمليات المركبة السابقة عليه، وهو في العديد من مراحله يصدر بإنشاء هيئة أو هيئات تتشكل من عدد من الأفراد يتخذون القرار بجمعهم كله.

ونجمل هذه النقلة بالقول بأن السلطة الفردية، سواء في السياسة أو الإدارة، قد تغيرت على طريقتين وعلى مبدأين، أولهما: توزيع السلطة بين العديد من الأجهزة والهيئات فلا يستبد بإعداد القرار وإصداره جهاز واحد ولا هيئة واحدة، إنما يتخلق من خلالها كلها. وثانيها حلول القرار الجماعي محل القرار الفردي في المهم من الأمور، أو بعبارة أدق في كل الأمور ما عدا ما تفه وضؤل شأنه من الصغائر.

وسلسة الإمام التي صورها فقهاء المسلمين فردية تماما، يبين من تحليل عناصر ومقارناتها بأوضاع اليوم وأنها صارت موزعة على العديد من سلطات التقرير والتنفيذ والمتابعة، وأنها استبدل بها القيادات الجماعية والقرارات الجماعية في العديد من صور اتخاذ القرار كما استبدل بالعمل الفردي العمل الجماعي المعتمد على التخصص وتقسيم الأعمال، ولم يعد ثمة منصب واحد يشعله فرد واحد يمكن أن تجتمع له ما يجتمع لمن كان يسمي التفويض من سلطات، تكفي معرفة أن عزل وزير التفويض كان يستتبع عزل جميع من ولاهم من عمال التنفيذ. وأن هذا المنصب الذي شرط الفقه الإسلام بشغله لم يعد موجودا في الواقع. والحال إن لم يشرط الفقه الإسلام في وزير التنفيذ، وهو حسب ما تحددت صلاحياته يؤدي إلى السلطان ويؤدي عن السلطان ويشارك بالرأي، ولا يظهر أن من أعمال دولة اليوم وولاتها من تجاوز سلطاته هذه الصلاحيات التي لم يشرط فقهية المسلمين الإسلام فيمن يمارسها.

ويمكن أن يقال إنه إن كان شرط الإسلام لتولي الولايات العامة فإن الولايات العامة تقوم بها هيئات حلت محل الأفراد، ويمكن أن تقوم بها الهيئات في المستويات كافة بدلا من الأفراد. كما أن الدستور أقر أن الدولة وفيها الإسلام بحسبانها الهيئة الكبرى التي تتولى الشئون العامة للجماعة كلها وتشخصها، فإنه يثبت لها الإسلامية وفقا للوضع الغالب الأعم في تشكيلاتها ومن يشغلون هذه التشكيلات وفيما يتغيونه من مصالح وغايات وما يلتزمونه من ضوابط تتعلق بالأصول الإسلامية الضابطة. وكذلك يكون الشأن في الهيئات التي تحل محل الأفراد في تولي الولايات يكون دينها الإسلام بحكم الكثرة الغالبة التي لا تنفي وجود غير المسلمين، وتقاس الإسلامية بهذه الكثرة في التشكيلات والغايات وفي المصالح والمقاصد والالتزام بالضوابط الإسلامية مع المحافظة على المساواة التامة بين المواطنين.

والخلاصة أن ما أورده الطاعن في برنامج حزبه متعلقا بشرط الإسلام فيمن يتولى الإمامة والوزارة ومجلس شورى الإمام، لا يقوم حتما بموجب الأخذ بالشريعة الإسلامية ولا يعتبر أمرا لا فكاك منه يتفرغ بالزوم من مقتضى الإقرار بمصدرية الشريعة الإسلامية للتشريع. إنما هو موقف فكري وخيار فقهي تحقق به خيار للطعن فيما يزمع الدعوة إليه بحرية المقترح. وبموجب كونه خيارا له فهو يتحمل تبعية ما شرط وما رأى دون وجه ادعاء بأنه صدر عما ليس منه بد بموجب مصدرية الشريعة الإسلامية.

ومن ثم يكون برنامج الحزب المعروض قد جاء في هذه النقطة قائما على أساس من التفرقة بسبب الدين الأمر الذي يفقد الحزب الشرط الوارد بالبند ثالثا من المادة الرابعة من قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977.

(11)

تبقى نقطة أخيرة وهي تتعلق بما إذا كان يجوز لمؤسسي الحزب أن يعدلوا عما يخالف شروط التأسيس القانونية بعد اعتراض لجنة الأحزاب والطعن في قرارها وقبل الحكم في هذا الطعن.

وفي هذا الصدد نذكر حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في 4 مايو 1985 في الطعن رقم 777 لسنة 30 قضائية، إذ أجاز للجنة شئون الأحزاب السياسية بعد صدور قرارها بالاعتراض على تأسيس الحزب أن تضيف أسبابا جديدة إلى قرارها ... متى كانت هذه الأسباب تتعلق بتخلف شروط أخرى أوجبها القانون، وكانت هذه الأسباب قائمة وموجودة عند صدور قرارها باعتراض.

وقد يكون مما يتفق مع هذا المبدأ إجازة تدارك ما قام اعتراض اللجنة عليه من أسباب، بأن يعدِّل الطاعن من برنامج الحزب أو نظامه الداخلي ما كان سببا للاعتراض، وذلك متى كان هذا التعديل مما تتقبله الأصول العامة التي بني عليها البرنامج ولا يتعارض مع ما تضمنه البرنامج من بنود أخرى تتبناها أهداف الحزب وأساليبه.

وأن جواز تدارك الطاعن لما علق بمشروع حزبه من وجود الاعتراض أثناء النظر القضائي في طعنه وقبل الحكم فيه ثم يجد مستنده القانوني والفقهي في أن أوضاع التوازن الحقوقي بين أطراف الخصومة القضائية تستوجب أنه مع الإقرار بحق الخصم في اتخاذ إجراء معين أثناء سير الدعوى ينتفع به موقفه القضائي فيها، فإنه يتعين الإقرار بحق مقابل للخصم الآخر في اتخاذ إجراء مقابل للأول وموازٍ له. ومتى جاز للجنة المطعون على قرارها أن تقيمه بإضافة أسباب جديدة له أثناء سير الدعوى، فقد لزمت إجازة الحق المقابل للطاعن بتدارك ما انبنى عليه القرار المطعون فيه من أسباب.

ومن جهة أخرى فإذا كانت المحكمة الإدارية العليا قد استندت في إضافة الأسباب الجديدة إلى اعتبار على استقته من حكم المادة 17 من قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977، ومؤدى هذا الحكم أن شروط تأسيس الحزب هي شروط صلاحية لاستمراره، وأنه متى جاز للجنة الاعتراض على الاستمرار فلها من باب إلى إضافة أسباب جديدة للاعتراض على التأسيس. إذا كان هذا هكذا فإنه بالمقابل يستند حق الطاعن في تدارك أسباب الاعتراض التي اعتبار عملي مفاده، أنه على فرض رفض طعنه لصحة ما استند عليه الاعتراض من أسباب، فإنه يمكنه التقدم بطلب حزب آخر يتفادى في برنامجه ما علق بسابقه من عوار، ومن ثم يكون له من باب أولى تدارك هذا العوار في مرحلة نظر المطعن القضائي.

ومن جهة ثالثة فإن قضاء محكمتنا الإدارية العليا مستقر مما يشارف الثلاثين عاما على أن تدارك العيب الذي يطعن بالقرار الإداري يصحح هذا القرار، ولو وقع هذا التدارك أثناء سير الدعوى، على ألا يؤثر في مضمون القرار ولا في ملائمة إصداره، وطبقت هذا المبدأ على عيوب الشكل التي يفتقدها القرار عند صدوره وتستكمل من بعد (على سبيل المثال السنة 8 القاعدة 123 الصفحة 1297) كما طبقته على تدارك عيب عدم الاختصاص (على سبيل المثال سنة 22 قاعدة 75)، كما طبقته على نحو ما عند التعديل التشريعي الذي يزيل الشرط الناقص بعد صدور القرار وقبل الحكم في مشروعية (السنة 17 ـ 19 القاعدة 29 ـ 49 الصفحة 178ـ103 على الترتيب).

والخلاصة أنه إذا كان برنامج الحزب المفروض قد جاء في تلك النقطة قائما على أساس من التفرقة بسبب الدين، فإن الطاعن إن شاء أن يعدل عما أدى إلى افتقاد حزبه أحد شروط تأسيسه.

الخلاصة العامة:

أولا: أن الأحكام التوجيهية التي ترد بالدستور هي دعوة للدولة بكل مؤسساتها الرسمية والمجتمع بكل قواه ومؤسساته الشعبية؛ لأن تترسم في نشاطها تحقيق ما أفصحت عنه هذه الأحكام.

ثانيا: لا حجية لقول يرى في إسلامية الدولة أو مصدرية الشريعة الإسلامية ما يضعف الوحدة الوطنية، إلا أن يكون قولا يحكم على الدستور بالتناقض أو بجهل مفاد أحكامه.

ثالثا: ليس الممنوع في التكوين الحزبي تبني مطالب الفئات والشرائع والجماعات المختلفة التي يتألف منها المجتمع أو استكمال ما ينقص من ذلك، إنما الخطر يتعلق بألا يقوم الحزب على أساس من صدع وحده الانتماء الوطني العام التي تقوم عليها الدولة وتشمل المجتمع برمته.

رابعا: لا يقوم من أحكام قانون الأحزاب حظر لقيام حزب على أساس إسلامية المجتمع والدولة ونظمها.

خامسا: أن افتقاد التنظيم الحزبي أيا من الأوضاع اللائحية التي تضمنتها شروط المادة الخامسة من قانون الأحزاب لا يفيد بذاته انهيار واحد من أركان الوجود الحزبي، تأسيسا أو استمرارا، إنما هو خلل في النظام الداخلي قد يفضي إلى خلل في البنان الحزبي لا على سبيل الحتم، وهو لا يؤدي إلى انهيار أحد شروط الوجود، وأن جاز أن يكون قرينه يمكن أن يستخلص منها ما يؤدي إلى هذا الانهيار.

سادسا: أن أهداف الحزب المعروض وبرنامجه لا تقوم بها شروط انضمام لعضوية الحزب مما يحظر القانون في الفقرة الرابعة من المادة الخامسة منه قيامه على ما يتصل بالعقيدة أو الجنس أو المركز الاجتماعي، وأنه لم يوجد شرط بهذا المعنى في النظام الداخلي للحزب موضوع الطعن المعروض، وأن ثمة فارقًا بين العزوف عن الانضمام للحزب وبين تعطيل رخصة الانضمام إليه لسبب يرجع إلى الدين أو العنصر أو الجنس أو المركز الاجتماعي.

سابعا: أن القول بأن الدعوة لأسلمة أنشطة الحياة هو مما تقوم به التفرقة بسبب الدين وما يهدد الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، هذا القول يتعارض مع مفاد أحكام الدستور من التوفيق بين هذه الأصول حسبما سلف البيان في هذا التقرير.

ثامنا: لا منافاة ولا تعارض بين أي من أحكام النظام الداخلي للحزب المعروض وبين المبادئ التي أوجب قانون الأحزاب مراعاتها.

وأن قبول التبرعات مقيد في النظام الداخلي بما تسمح به القوانين المنظمة لذلك، فهو نص لا يصلح سببًا للاعتراض، وإن حسن جلاء المعنى، وأن ثمة تجهيلا في بعض أحكام النظام الداخلي ينبغي ضبطه وإكماله.

تاسعا: أنه يلزم اعتبار الإسلام من شروط التخصص في غير مناصب للولاية العامة بأن يثبت هذا الاختصاص لأداء نوع عمل محدد بحيث لا يعتبر الشرط تمييزا وجه ضد طائفة من المواطنين، ولم يستطع الطاعن أن يثبت ذلك بالنسبة لشرطه هذا الشرط فيمن يتولى مدارس الإناث.

عاشرا: أن مناصب الولاية العامة تتصل بالدولة التي تقوم على جامع سياسي يجري وفق تصنيف محدد، وأنه يتعين ألا يقوم من شروط الولاية العامة ما يتنافى مع التصنيف الذي جرى به تكون الجماعة السياسية التي تقوم عليها الدولة.

الحادي عشر: أن ما ورد ببرنامج الحزب متعلقا بشرط الإسلام لتولي بعض المناصب لا يقوم حتما بموجب الأخذ بالشريعة الإسلامية، ولا يعتبر أمرًا لا فكاك منه يتفرع باللزوم بمقتضى الإقرار بمصدرية الشريعة الإسلامية للتشريع، إنما هو موقف فكري وخيار فقهي تحقق به خيار الطاعن فيما يزمع الدعوة إليه بحزبه المقترح، وبموجب كونه خيارًا له - وليس حكما لازما من أحكام الشريعة الإسلامية- فهو يتحمل تبعة ما شرط وما رأى دون وجه ادعاء بأنه صدر عما ليس منه بد بموجب مصدرية الشريعة الإسلامية.

ومن ثم يكون برنامج الحزب المعروض قد جاء في هذه النقطة قائما على أساس من التفرقة بسبب الدين الأمر الذي يفقده الشرط الوارد بالبند ثالثا من المادة الرابعة من قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977.

الثاني عشر: أن الطاعن إن شاء أن يعدل عما أدى إلى افتقاد حزبه أحد شروط تأسيسه، وذلك ما دامت دعواه منظورة أمام القضاء.

والحمد لله

نائب رئيس مجلس الدولة

رئيس هيئة مفوضي الدولة

المستشار/ طارق البشري