الأحد، 15 أغسطس 2021

وسيط السنهوري - الجزء 2 الثاني

 

الفهرس

2ـ الرجوع إلى التقسيم التقليدى ـ مصادر الالتزام 15

والالتزام فى ذاته 15

$9  القســـــم الأول 17

الاثبــــات. 17

$11  خطة البحث. 19

$13  مقدمــة() 21

1 ـ نظرية عامة فى الإثبات. 22

أولا ـ تعريف الاثبات وأهميته ومكانه فى القانون. 22

ب  ـ مكان الاثبات فى القانون. 25

ثانياً ـ المبادئ الرئيسية التى تقوم عليها قواعد الاثبات. 34

ب ـ مبدأ حياد القاضى () 38

ج ـ مبدأ دور الخصوم الايجابى ـ الحق فى الاثبات. 40

2 ـ مسائــل الاثبـــات. 54

أولا ـ محــل الإثبـــات. 55

ا ـ ما هو محل الإثبات : 55

ب ـ الشروط الواجب توافرها فى محل الاثبات : 65

ثانياً ـ عـبء الاثبـات. 72

ب ـ عبء الاثبات من ناحية التطبيق : 84

ثالثاً ـ طرق الاثبات. 95

$105 الباب الأول 110

طرق الاثبات ذات القوة المطلقة 110

الـكتابة 110

$111الفصل الأول 115

الأوراق الرسمية 115

الفـرع الأول 116

الشروط الواجب توافرها لصحة الورقة الرسمية 116

المبحث الأول 118

صدور الورقة الرسمية من موظف عام أو شخص مكلف . بخدمة عامة 118

$121 المبحث الثاني. 125

اختصاص الموظف من حيث الموضوع ومن حيث المكان. 125

المطلب الأول 125

اختصاص الموظف من حيث الموضوع. 125

المطلـب الثانـي. 130

اختصاص الموظف من حيث المكان. 130

المبحـث الثالـث. 132

مراعاة الأوضاع التى قررها القانون. 132

$135 المبحث الرابع. 138

جزاء الاخلال بشرط من هذه الشروط. 138

$143الفرع الثاني. 146

حجية الورقة الرسمية في الإثبات. 146

المبحث الأول 148

حجية الورقة الرسمية فيما بين الطرفين. 148

المبحث الثاني. 156

حجية الورقة الرسمية بالنسبة إلى الغير 156

$158 المبحث الثالث. 160

حجية الورقة الرسمية فيما يتعلق بالصور 160

$175 الفصل الثاني. 173

الأوراق العرفية 174

الفـرع الأول 174

الأوراق العرفية المعدة للإثبات. 174

$176 المبحث الأول 175

الشروط الواجب توافرها لصحة الورقة العرفية 175

المبحث الثانى. 182

حجية الورقة العرفية فى الإثبات. 182

المطلب الأول 183

حجية الورقة العرفية فيما بين الطرفين. 183

$196 المطلب الثانى. 192

حجية الورقة العرفية بالنسبة إلى الغير 192

المطلب الثالث. 235

حجية الورقة العرفية فيما يتعلق بالصور. 235

الفرع الثانى. 241

الأوراق العرفية غير المعدة للإثبات. 242

المبحث الأول. 242

الرسائل والبرقيات. 242

المبحث الثانى. 253

دفاتر التجار. 253

المطلب الأول. 255

الدفاتر التجارية 255

المطلب الثانى. 262

قوة الدفاتر التجارية فى الإثبات. 262

المبحث الثالث. 268

الدفاتر والأوراق المنزلية 268

المبحث الرابع 275

التأشير ببراءة ذمة المدين. 275

2 - قيام المانع من تقديم الكتابة لفقدها بسبب أجنبى. 428

الباب الثالث. 432

الطرق المعفية من الإثبات. 432

الإقرار واليمين والقرائن القانونية 432

الفصل الأول. 432

الإقرار. 432

الفرع الأول. 442

أركان الإقرار. 442

الفصل الثالث. 545

القرائن القانونية وحجية الأمر المقضى. 545

الفرع الأول. 545

القرائن القانونية 545

المبحث الأول. 547

ركن القرينة القانونية والمهمة التى تقوم بها هذه القرينة 547

المبحث الأول. 552

حجية القرينة القانونية فى الإثبات. 552

المطلب الأول. 554

القرينة القانونية القاطعة أو المطلقة 554

( Presomption irrefragable, absolue, Juris et de Jure ) 554

المطلب الثانى. 568

القرينة القانونية غير القاطعة أو النسبية أو البسيطة 568

( Presomption relative simple, Juris vel juris tantum ) 568

الفرع الثانى. 574

حجية الأمر المقضى. 574

( L'autorite de la chose jugee ) 574

تمهيد 574

$ 757 $. 684

الباب الأول. 684

التنفيذ العينى. 684

( Execution en nature – Execution directe ) 684

الفصل الأول. 684

متى يكون التنفيذ العينى. 684

الفصل الثانى. 692

كيف يكون التنفيذ العينى. 692

الفرع الأول. 693

موضوع التنفيذ العينى. 693

المبحث الأول. 693

الالتزام بنقل ملكية أو حق عينى آخر. 693

Obligation de donner 693

المطلب الأول. 693

محل الالتزام شيء معين بالذات بملكية الملتزم 693

المطلب الثانى. 698

محل الالتزام شيء لمن يعين إلا بنوعه 698

المبحث الثانى. 702

الالتزام بعمل. 702

( Obligation de faire ) 702

المطلب الأول. 702

الالتزام ببذل عناية 702

المطلب الثانى. 705

الالتزام بالتسليم 705

المطلب الثالث. 710

الالتزام بإنجاز عمل معين. 710

المبحث الثالث. 716

الالتزام بالامتناع عن عمل. 716

( Obligation de ne pas faire ) 716

الفرع الثانى. 720

وسائل التنفيذ العينى. 720

المبحث الأول. 720

الإكراه البدنى. 720

( Contrainte Par Corps ) 720

الفرع الثاني. 867

الآثار التي تترتب على الدعوى غير المباشرة 867

المبحث الرابع 934

التقادم فى الدعوى البولصية 934

الفرع الثانى. 937

الآثار التى تترتب على الدعوى البولصية 937

المبحث الأول. 943

أثر الدعوى البولصية بالنسبة إلى الدائن. 943

المبحث الثانى. 952

أثر الدعوى البولصية بالنسبة إلى المدين ومن تصرف له المدين. 952

الفصل الثالث. 957

دعوى الصورية(  ) 957

( Action en simulation ) 957

الفرع الأول. 957

تحديد الصورية 957

الفرع الثانى. 963

أحكام الصورية 963

المبحث الأول. 965

أحكام الصورية بالنسبة إلى المتعاقدين والخلف العام 965

المبحث الثانى. 970

أحكام الصورية بالنسبة إلى الغير. 970

المبحث الثالث. 987

الصورية من حيث الدعوى وطرق الإثبات. 987

1-      من حيث الدعوى. 987

2 - من حيث طرق الإثبات (  ) 989

الفرع الثالث. 996

المبحث الأول 996

المبحث الثانى. 1002

الفصل الرابع. 1004

الحق فى الحبس (  ) 1004

( Droit de retention ) 1004

الفرع الأول 1014

نشوء الحق فى الحبس.. 1014

المبحث الأول 1016

الشروط الواجب توافرها لنشوء الحق فى الحبس.. 1016

المبحث الثانى. 1029

تطبيقات على الحق فى الحبس.. 1029

المطلب الأول 1029

تطبيقات منصوص عليها فى القانون. 1029

1 - تطبيقات تقوم على الارتباط القانونى أو التبادلى. 1029

2 - تطبيقات تقوم على الارتباط المادى أو الموضوعى. 1033

المطلب الثانى. 1037

تطبيقات غير منصوص عليها فى القانون. 1037

1 - تطبيقات تقوم على الارتباط القانونى أو التبادلى. 1038

2 - تطبيقات تقوم على الارتباط المادى أو الموضوعى. 1044

الفرع الثانى. 1046

الآثار التى تترتب على الحق فى الحبس.. 1046

المبحث الأول 1048

حقوق الحابس للعين. 1048

المطلب الأول 1048

علاقة حابس العين بمالكها 1048


 

 

 

الوسيـــط

فـى شـرح القانـون المدنــي

 

الجزء الثانى 

 

نظريـة

الإلتـزام بوجـه عــام

 

الإثبــات ـ آثــار الإلتـــزام

 

دار القلــــم

بيـروت ـ لنبـان   

$1خطـة البحـث 

 

1ـ إقامة نظرية الإلتزام على فكرة التصرف القانونـي

والواقعة القانونية

 

1ـ التصرف القانوني والواقعة القانونية والتمييز فيما بينهمـا : إتجـه الفقـه الحديث إلى العناية بالتمييز بين التصرف القانوني (acte juridque) والواقعـة القانونية أو المادية (fait juridique, mqteriel) بعد أن أحس الأهمية البالغة لهذا التمييز ([1]) .

 

فالتصرف القانونى هو الإرادة تتجه إلى إحداث أثر قانونى معين ، فيرتب القانون عليها هذا الأثر. مثل ذلك العقد ، فهو تصرف قانونى يقوم على تطابق إرادتين ، وقد ينشئ الحقوق الشخصية أو يكسب الحقوق العينية . ومثل ذلك أيضا الوصية ، فهى تصرف قانونـى يقوم على إرادة منفردة ، ويكسب الحقوق العينية . والوفاء والإبراء ، الأول تصرف قانونى يقوم على تطابق إرادتين ، والثانى تصرف قانونى يقوم على إرادة منفـردة ، وكلاهما يقضى الحقوق الشخصية والنزول عن حق انتفاع أو حق ارتفاق أو حق رهـن ، وهو إرادة منفردة ، يقضى الحقوق العينية وإجازة العقد القابل للإبطال ، وقبول المنتفع لما إشترط فى مصلحتـه، وإقرار رب العمل لتصرف الفضولى ، كل هذه تصرفـات قانونيـة ، وفيها جميعا نرى إرادة منفردة تتجه لإحداث أثر قانونى : تصحيـح العقـد القابـل للإبطـال ، أو تأكيد الحق الشخصى الناشئ من الاشتراط لمصلحة الغير وجعله غير قابل للنقـص ، أو تحويـل الفضولـى إلـى وكيـل ، ونـرى من ذلـك أن التصـرف القانوني ، سواء قام علـى تطابـق إرادتيـن أو قـام عـلى إرادة منفـردة ، قـد ينشئ $2الحقوق الشخصية ، وقد يكسب الحقوق العينية ، وقد يقضيها جميعاً ، وقد يرتب آثاراً قانونية أخرى .

      

والواقعة القاونية هى واقعة مادية يرتب القانون عليها أثراُ . وقد رأينا فى الجزء الأول من هذا الكتاب أنها قد تكون واقعة طبيعية لا دخل لإرادة الإنسان فيها كالموت ، وقد تكون واقعة إختيارية حثت بإرادة الإنسان كالبناء والغراس . وإذا كانت واقعة إختيارية ، فقد يقصد الإنسان من ورائها إحداث الأثر القانونى المترتب عليها كالاستيلاء والحيازة وقد لايقصد الإنسان من ورائها إحداث الأثر القانونى المترتب عليها كالاستيلاء والحيازة ، وقد لا يقصد هذا الأثر كدفق غير المستحق ، وقد يقصد عكس هذا الأثر كالعمل غير المشروع . وسواء كانت الواقعة القانونية طبيعية أو إختيارية ، وسواء قصد أثرها القانونى أو لم يقصد أو قصد عكسه ، فهى دائما واقعة مادية ، وليست إرادة كما هى الحال فى التصرف القانونى . وقد تنشئ الواقعة القانونية الحقوق الشخصية ، كما هو الأمر فى العمل غير المشروع والإثـراء بلا سبب . وقـد تكسب الحقـوق العينية ، كما هو الأمـر فى الحيازة والمـوت

( الميراث) وقد تقضى الحقوق الشخصية ، كما فى إتحاد الذمة . وقد تقضى الحقوق العينية ، كما فى الترك (abandon) . وقد تحدث آثاراً قانونية أخرى ، كما فى القرابة وهى مانع من موانع الزواج ، وفى الجوار ويحد من إستعمال حق الملكية ، وفى نزع الحيازة وتيرتب عليه قطع التقادم ، وفى حالة القصر ويترتب عليها وقف التقادم ، وفى إلحاق المنقول بالعقار لخدمته ويحول المنقول إلى عقار بالتخصيص . فالواقعة القانونية ، كالتصرف القانونى ، قد ينشئ الحقوق الشخصية ، وقد كسب الحقوق العينية ، وقد يقضيها جمعيـاً ، وقد يرتب آثار قانونية أخرى .

 

       والمقابلة فيما بين التصرف القانوني والواقعة القانونية هى ، كما قدمنا ، مقابلة ما بين الإرادة والعمل المادى . فحيث تمحضت الإرادة لإحداث أثر قانونى فأحثه القانون ، فثم تصرف قانونى . وحيث وقع عمل مادى ولو خالطته الإرادة فرتب عليه القانون أثراً ، فثم واقعة قانونية . وقد أشرنا فى الجزء الأول من هذا الكتاب إلى ما يتوسط التصرف القانونى والواقعة القانوينة من واقعة مختلطة كالاستيلاء ، وواقعة مركبة كالشفعة .

 

 

 

$3      2ـ التصرف القانونى والواقعة القانونية هما المصدران اللذان ينشئان كل الحقوق وكل الروابــط القــانونيـة : رأينا فيما قدمناه كيف أن التصرف القانونى والواقعة القانونية يمتدان إلى آفاق واسعة ، ويحلقان فى جميع نواحى القانون . فهما المصدران اللذان ينشئان الحق الشخصى ، هما المصدران اللذان يكسبان الحق العينى ، وهما اللذان يقضيان كلا من الحق الشخصى والحق العينى ، ويرتبان فوق ذلك آثاراً أخرى غير كسب الحقوق وقضائها . ولا ينحصر أثرهما فى دائرة المعاملات المالية ، بل يجاوزها إلى دائرة الأحوال الشخصية . ولا يقفان عند حدود القانون الخاص ، بل إن لهما أثراً بالغ الأهمية فى ميدان القانون العام . فأية ناحية من نواحى القانون استعرضتها إلا وتجد التصرف القانونى جمعيه يتلخص فى مسألتين : الحق ومصدره . وإلى اليوم نحن نرتب مسائل القانون من ناحية الحق ، فنجعل هذه المسائل تتجمع حول الحق اشخصى وحول الحق العينى ، ونقسم مباحث القانون إلى قسمين رئيسيين ، أحدهما يتناول نظرية الالتزام والعقود أى الحقوق الشخصية ، والأخر يتعلق بالحقوق العينية من أصلية وتبعية . وهذا هو الترتيب التقليدى الذى جرى عليه التقنين المدنى الجديد . فهل حان الوقت لنختط خطة أخرى ، فنرتب مسائل القانون من ناحية مصدر الحق ، لا من ناحية الحق ذاته ؟ ومصدر الحق هو التصرف القانونى والواقعة القانونية كما رأينا ، فتتوزع جميع مسائل القانون عليهما ، وتنقسم مباحث القانون إلى قسمين رئيسيين غير القسمين الأولين ، أحدهما يختص بنظرية التصرف القانونى والآخر بنظرية الواقعة القانونية ؟

      

       هذا ما ينادى به بعض الفقهاء ، وما حاوله فى مدى ضيق محدود ، وفى غير حظ كبير من التوفيق ، لجنة تنقيح التقنين المدنى الفرنسى ([2]) . وقبل أن تتخذ موقفاً فى هذه المسألة الدقيقة ، ننظر كيف يكون ترتيب مسائل القانون إذا نحن أقمنا هذا الترتيب على فكرة  التصرف القانونى والواقعة القانونيـة .

 

$4   3ـ ترتيب مسائل القانون على أساس فكرة التصرف القانوني والواقعة القانونية :

 

ونرسم هنا الخطوط الرئيسية لترتيب جديد لمسائل على أساس فكرة التصرف القانونى والواقعة القانونية ، بدلا من قيامه على فكرة الحق الشخصى والحق العينى ، لنرى ما يؤدى إليه هذا التقسيم الجديد من النتائج .

       وقد سبق أن رسمنا الخطوط الرئيسية لهذا الترتيب الجديد على النحو الآتى([3]) :

       تقسم مسائل القانون المدنى فى المعاملات إلى قسمين رئيسيين : القسم الأول فى التصرف القانونى والقسم الثانى فى الواقعة القانونية . ويتفرع كل من هذين القسمين إلى بابين : الباب الأول فى أركان التصرف أو أركان الواقعة ، والباب الثانى فى آثار كل منهما .

         

          وتعالج فى باب أركان التصرف القانونى المسائل الآتية (1) الإرادة ومظهر التعبير عنها ـ الإرادة الباطنة والإرادة الظاهرة (2) الشكل (3) الأهلية (4) عيوب الإرادة (5) أوصاف الإرادة من شرط وأجل وتضامن وعدم قابلية للانقسام (6) المحل وتعدده من محل تخييرى ومحل بدلى (7) السبب ، وهنا يدرس التصرف المجرد (8) إثبات التصرف القانونى.

      

       وتعالج فى باب آثار التصرف القانونى : ( ا ) الآثار بالنسبة إلى الأشخاص ( ب ) الآثار بالنسبة إلى الموضوع . وفى الآثار بالنسبة إلى الأشخاص تعالج المسائل الآتية : (1) النيابة فى التعاقد (2) الاشتراط لمصلحة الغير والتعهد عن الغير (3) الخلف الخاص (4) الخلف العام (5) الدائن ـ وفى الآثار بالنسبة إلى الموضوع تعالج المسائل الآتية : (1) إنشاء الإلتزام ( العقد والإرادة المنفردة ) (2) نقل الالتزام ( حوالة الحق وحوالة الدين ) . (3) إنهاء الالتزام ، ويبحث هنا الوفاء ( بما يتضمنه من تنفيذ عينى وتعويض وإكـراه مالى ) كما يبحث التجديد والإبراء ، لأن هذه الأسباب الثلاثة لانقضاء الالتزام هى تصرفات قانونية (4) إنشاء الحق العينى ونقله وإنهاؤه ( العقد والوصية والتنازل ) (5) أى أثر قانونى آخر كالآثار التى تترتب على الأعذار والأجازة وإقرار العقد .

 

 

$5      وتعالج فى باب أركان الواقعة القانونية المسائل الآتية : (1) التمييز الدقيق ما بين الواقعة القانونية والتصرف القانونى (2) الوقائع البسيطة والمركبة والمختلطة (3) محاولة حصر الوقائع القانونية (4) إثبات الواقعة القانونية .

       وتعالج فى باب آثار الواقعة القانونية المسائل الاتية : (1) إنشاء الالتزام ، وهنا تبسط القواعد المتعلقة بالعمل غير المشروع والإثراء بلا سبب والوقائع الأخرى التى يرتب القانون عليها إنشاء الالتزام (2) إنهاء الالتزام ، وهنا تبسط القواعد المتعلقة بالمقاصة واتحاد الذمة واستحالة التنفيذ والتقادم ، لأن هذه الأسباب الأربعة لانقضاء الالتزام هى وقائع مادية (3) إنشاء الحق العينى ونقله وإنهاؤه ، وهنا تبسط القواعد المتعلقة بالاستيلاء والميراث والالتصاق والشفعة والحيازة والتقادم (4) اى أثر قانونى آخر ، كقطع التقادم بترك الحيازة ووقفه لمانع قانونى وانتقال الرهن إلى التعويض بهلاك العين المرهونة .

      

       4ـ مزايا هذا الترتيب وعيوبه : ولا شك فى أن هذا الترتيب الجديد يحدث انقلاباً خطيراً فى الخطط المألوفة لمعالجة هذه المسائل. فهناك مسائل تقاربت بعد أن كانت متباعدة ، كما هو الأمر فى الجمع ما بين الإرادة وأوصافها من شرط وأجل وتضامن وعدم قابلية للانقسام ، وكما هو الأمر فى التقريب ما بين المحل وتعدده من محل تخييرى ومحل بدلى ، وفى هذا كله وضوح أكبر . وهناك مسائل تباعدت بعد أن كانت متقاربة ، كما هو الأمر فى التباعد ما بين مصادر الالتزام إذ العقد والإرادة المنفردة يعالجان فى التصرف القانونى والعمل غير المشروع والإثراء بلا سبب يعالجان فى الواقعة القانونية ، وفى هذا تنسيق أدق ، وكما هو الأمر فى التباعد ما بين اسباب انقضاء الالتزام فالوفاء والتجديد والإبراء أسباب انفصلت عن أسباب أخرى مماثلة هى المقاصة واتحاد الذمة واستحالة التنفيذ والتقادم ، وهذا التشتيت لأجزاء الموضوع الواحد ينطوى على شئ من الغموض ز ومن ثم كانت هذه التغييرات الأساسية من شأنها ، كما قدمنا ، أن تطمس معالم النظريات المأولفة . وهى تختلف فى حظها من التوضيح ، فبعضها يجعل الغامض واضحاً ، وبعضها يقلب الواضح غامضاً      على أن شيئاً فـى وسـط هذه التحويرات الخطـيرة يبرز فـى وضوح . هو أنه لا يمكن الاستغناء مطلقاً عن نظرية للالتزام فـى ذاته ، لنبين حقوق  $6  الدائن فى أموال مدينه ، ولتقرر أن مجموع هذه الأموال ضمان عام للدائن ، ولتحدد ما للدائن من دعاوى بالنسبة إلى هذه الأموال . كما لا يمكن الاستغناء عن استعراض الحقوق العينية ، الأصلية منها والتبعية ، حقاً حقاً ، لتقرير مقومات كل حق وخصائصه وآثاره([4]) .

       ونحن ممن يؤمنون بأن نظرية التصرف القانونى والواقعة القانونية لا بد من صياغتها نظرية شاملة تنتظم جميع نواحى القانون ، بل نحن من العاملين على ذلك والمساهمين فيه بما فى الجهد من طاقة . ولكن حتى اليوم لم يوفق الفقه المصرى ولا الفقه الفرنسى إلى صياغة هذه النظرية . لذلك لا نرى بداً ـ فى الحالة الحاضرة للفقه ـ من إلتزام الترتيب التقليدى لمسائل القانون ، وإقامة هذا الترتيب على فكرة الحق الشخصى والحق العينى لا على فكرة التصرف القانونى والواقعة القانونية . وهذا ما جرينا عليه فى الجزء الأول من هذا الكتاب ، فعالجنا مصادر الالتزام ، وجمعنا فى صعيد واحد ما بين التصرف القانونى فى العقد والإرادة المنفردة وبين الواقعة القانونية فى العمل غيرالمشروع والإثراء بلا سبب .

 

2ـ الرجوع إلى التقسيم التقليدى ـ مصادر الالتزام 

والالتزام فى ذاته 

      

       5ـ نظرية الالتزام ـ مصادر الالتزام والالتزام فى ذاته :

سنبقى إذن أمناء على التقسيم التقليدى ، ما دامت نظرية التصرف القانونى والواقعة القانونية لم تتم صياغتها . فالمعاملات المدنية تدور كلها حول قسمين ريسيين : الحق الشخصى (نظرية الالتزام) والحق العينى .

       ونظرية الالتزام بدورها تتناول مصادر الالتزام ـ وقد فرغنا من معالجتها ـ ثم الالتزام فى ذاته ، وهو ما نعالجه الآن .

 

 

$7   6ـ الالتزام فى ذاته : والالتزام فى ذاته ـ مجرداً عن مصدره ـ هو موضوع دراستنا فى الجزئين الثانى والثالث من هذا (الوسيط) .

 

       ذلك أن الالتزام ـ أيا كان مصدره ـ يمكن النظر إليه فى ذاته من حيث إنه يولــد آثاراً قانونية ، سواء فى صورته البسيطة أو فى صورة أخـرى معدلـة بما يلحـقه مـن الأوصاف ، ومن حيث جواز انتقاله من دائن إلى دائن أو من مدين إلى مدين ، ومن حيث انقضاؤه فإن مصير كل التزام إلى الزوال . وقيل هذا وذاك يجب إثبات الالتزام إذا وقع فيه نزاع حتى يتمكن الدائن من المطالبة به .

       فيجتمع لنا إذن أقسام خمسة : (1) آثار الالتزام (2) أوصاف الالتزام (3) انتقال الالتزام (4) انقضاء الالتزام (5) إثبات الالتزام .

      

7ـ تقديم قسم الإثبات : ونبدأ بقسم الإثبات ، ثم تعقبه الأقسام الأخرى .

 

       وقد قدمنا الإثبات على غيره من الأقسام ـ خلافاً للمألوف لأن الإثبات إنما ينصب على مصادر الالتزام لا على الالتزام ذاته . وقد فرغنا من معالجة هذه المصادر ، فيكون منطقياً أن نعالج عقب ذلك مباشرة طرق إثباتها . بل إن الإثبات لا ينصب على مصادر الالتزام فحسب ، إذاهو يتناول التصرف القانونى والواقعة القانونية فى مجموعهما وفيما يترتب عليهما من توليد جميع الآثار القانونية فى كل نواحى القانون . فنظرية الإثبات إذن نظرية عامة ، مثلها فى ذلك مثل التصرف القانونى والواقعة القانونية . ومكانها الطبيعى إنما هو فى القسم العام من التقنين . فإذا لم يتيسر ، لأسبـاب عمليـة سيأتـى ذكرهــا ، معالجتها فى مكانها الطبيعى ، ولم يتيسر كذلك معالجتها قبل نظرية الالتزام ـ وقد كان هذا أيضاً منطقياً إذ هى تتناول إثبات الحقوق الشخصية والحقوق العينية على السواء ـ فلا أقل من معالجتها ، بعد أن وضعت فى نظرية الالتزام ، عقب مصادر الالتزام ، طبيعياً ، قبل أن نتكلم فى آثار الالتزام وأوصافه وانتقاله وانقضائه ، أن نبين كيف يثبت وجود هذا الالتزام إذا نوزع فيه .

 

$8      فالترتيب الذى سنجرى عليه فى معالجة هذه الأقسام الخمسة هو إذن البدء ، بالإثبات ، ويعقبه الآثار فالأوصاف فالانتقال فالانقضاء . وحن فى هذا نتابع تبويب التقنين المدنى الجديد ، فيما عدا تقديم قسم الإثبات على الأقسام الأخرى للاعتبارات التى قدمناها .

 

       8 ـ موضوعات هذا الجزء الثانى من الوسيط ك وقد كان منطقياً ان نجمع هذه الأقسام الخمسة فى جزء واحد ، لنقابل بذلك مصادر الالتزام ، وقد عولجت فى الجزء الأول ، بالالتزام فى ذاته ويتناول هذه الأقسام الخمسة . ولكننا تبينا أن جزئاً واحداً يضيق بجميع هذه الأقسام . فلم يسعنا إلا أن نفرد الجزء الثانى من الوسيط لقسمين منها ـ قسم الاثبات وقسم الآثار ـ مرجئين الأقسـام الثلاثـة الأخـرى ـ الأوصـاف والانتقـال والانقضـاء ـ لمعالجتها فى الجزء الثالث .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

$9  القســـــم الأول

    الاثبــــات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

$10

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

$11  خطة البحث

       9ـ نقدم للإثبات بنظرة عامة فى تعريفه ومكانه فى القانون والمبادئ الرئيسية التى تقوم عليها قواعده . ونستعرض فى القسم الثانى من هذه المقدمة مسائل الإثبات الثلاث : محل الإثبات ومن يحمل عبئه وطرقه المختلفة .

       فإذا ما تهيأت للقارئ فكرة عامة عن الإثبات فى جملته ، عالجنا مسائله بالتفصيل فى أبواب ثلاثة . نبحث فى الباب الأول منها الكتابة ، وفى الباب الثانى البينة والقرائن القضائية ، وفى الباب الثالث الإقرار واليمين والقرائن القانونية ويدخل فيها حجية الأمخر المقضى . وسنبين فى نهاية المقدمة الأساس الذى يقوم عليه هذا التبويب .  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

$  12 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

$13  مقدمــة([5])

1 ـ نظرية عامة فى الإثبات

أولا ـ تعريف الاثبات وأهميته ومكانه فى القانون

1 ـ تعريف الاثبات وأهميته :

10ـ تعريف الاثبات : الإثبات ـ بمعناه القانونى ـ هو إقامة الدليل

$14  أمام القضاء ، بالطرق التى حددها القانون ، على وجود واقعة قانونية ترتبت آثارها([6]) .

       11ـ ما يستخلص من هذا التعريف ـ أهمية الاثبات : ويستخلص من هذا التعريف الأمور الأربعة الآتية :

        (1)  الإثبات بمعناه القانونى هو غير الإثبات بمعناه العام . فالإثبات بالمعنى العام يتخصص بأن يكون أمام القضاء ولا بأن يكون بطرق محددة . بل هو طليق من هذه القيود.   فالباحث فى التاريخ يستجمع أدلته على صحة الوقائع التاريخية التى يقررها من المستندات التى تحت يده او من أية طريقة أخرى يراها كافية للإثبات. وهذا هو شأن الباحث فى أى علم . وقد غلب على العلم فى تطوراته الأخيرة أن تكون أدلته تجريبية ، يتلمسها الباحث فى المعامل وعن طريق الاستقصاء وبالاستخلاص الصحيح من الإحصاءات الدقيقة . فالإثبات التاريخى ، والإثبات العلمى ، والإثبات بوجه عام ، لا ترد عليه قيود الإثبات القضائى .

 

       ويختلف الإثبات القضائى عن الإثبات غير القضائى من وجوده . فالإثبات القضائى مقيد فى طرقه وفى قيمة كل طريقة منها . أما الإثبات غير القضائى فلا قيد عليه كما قدمنا. والإثبات القضائى متى استقام ملزم للقضاى ، فيتعين عليه ان يقضى بما يؤدى إليه هذا الإثبـات مـن النتـائج القانونيـة ، وإلا كـان فـى إمتنـاعه نكـول عـن أداء العدالـة

(deni de justice) . أما الإثبات غير القضائى فلا يتعين فيه على الباحث أن يأخذ بنتائج محددة ، بل هو حر فى البحث . ثم إن ما ثبت عن طريق القضاء يصبح حقيقة قضائية يجب التزامها ولا يجوز الانحراف عنها ، وهذا ما يسمى بحجية الأمر المقضى (autorite de la chose jugee). أما ما ثبت بطريق علمى أو بأى طريق آخر فإنه لا يعتبر حقيقة ثباتة لا تتغير

 

 

 

 

، فكثيراً    $15   ما يستبين أن الحقائق العلمية ليست إلا فروضاً غير دقيقة ، ثم ينكشف بعد ذلك خطؤها ، ويقوم مقامها حقائق أخرى هى أيضا قابلة للتغيير([7]) .

       (2) ولما كان الإثبات بمعناه القانوتى هو إقامة الدليل أما القضاء بالطرق التى حددها القانون ، وكان الإثبات القضائى مقيداً إلى هذا الحد ، فإن الحقيقة القضائية تصبح غير متفقة حتما مع الحقيقة الواقعية ، بل كثيراً ما تنفرج مسافة الخلف ما بين الحقيقتين ، وتجافى إحادهما الأخرى . وفى هذا ما يجعل الحقيقة القضائية فى بعض الحالات منعزلة عن الواقع ، بل بعيدة عن الحق ، أقرب إلى أن تكون مصطلحاً فنياً منها حقيقة واقعية([8]) . وسنعود إلى هذا المعنى فى موضع آخر .

       (3) ولما كان الإثبات القضائى إنما ينصب على وجود واقعة قانونية ترتبت آثارها ، فمحل الإثبات إذن ليس هو الحق المدعى به ولا أى أثر قانونى آخر يتمسك به المدعى فى دعواه ، وإنما هو المصدر القانونى الذى ينشئ هذا الحق أو هذا الأثر . والواقعة القانونية التى هى محل الإثبات يقصد بها هنا معناها العام ، أى كل واقعة أو تصرف قانونى يرتب القانون عليه أثراً معيناً . فالعمل غير المشروع واقعة مادية يرتب القانون عليها التزاماً بالتعويض . والعقد تصرف قانونى يرتب القانون عليه الالتزام الذى اتفق عليه المتعاقدان . وكل من العمل غير المشروع والعقد واقعة قانونية يرتب القانون عليها أثراً ، وهى ـ أى هذه الواقعة القانونية ـ دون الأثر الذى يترتب عليها ، التى تكون محلا للإثبات . ونسعود إلى هذه المسألة ببيان أوفى([9]) .

 

$ 16 (4) وما دام الإثبات القضائى هو إقامة الدليل أمام القضاء على الواقعة التى يرتب القانون عليها أثراً ، فمعنى ذلك أن هذه الواقعة إذا أنكرها الخصم لا تكون حقيقة قضائية إلا عن طريق هذا الإثبات القضائى . فالحق الذى ينكر على صاحبه ، ولا يقام عليه دليله القضائى ، ليست له قيمة عملية ، فهو والعدم سواء من الناحية القضائية . قد يكون للحق وجود قانونى حتى لو لم يقم عليه الدليل القضائى ، وقد ينتج هذا الوجود بعض الاثار القانونية ، ولكن هذا من الندرة بحيث لا يقام له وزن ولا يحسب له حساب .

      

       ومن ثم تتبين أهمية الإثبات القضائى من الناحية العملية . (( فالحق ـ كما تقول المذكرة الإيضاحية لمشروع التقنين المدنى الجديد([10]) ـ يتجرد من قيمته مالم يقم الدليل على الحادث المبدئ له ، قانونيا كان هذا الحادث أو مادياً ، والواقع أن الدليل هو قوام حياة الحق ومعقد النفع منه )) . (( ونظرية الإثبات من أهم النظريات القانونية واكثرها تطبيقاً فى الحياة العملية . بل هى النظرية التى لا تنقطع المحاكم عن تطبيقها كل يوم فيما يعرض لها من أقضية )) ([11]) .

 

       ب  ـ مكان الاثبات فى القانون

       12ـ انقسام الشرائع إلى طوائف ثلاث : يتنازع قواعد الإثبات مكانان ، مكان فى التقنين المدنى وآخر فى تقنين المرافعات . ذلك أن لهذه القواعد ناحيتين ، ناحية موضوعية هى التى تحدد طرق الإثبات المختلفة وقيمة كل طريقة منها ومن الذى يقع عليه عبء الإثبـات ومـاذا يقـوم بإثباته ، وناحية شكلية هى التى تحدد ما يتبع من الإجراءات فى تقديم طـرق الإثبـات فللشهـادة  $17   وللأوراق المكتوبة والطعن فيها وللخبرة ولتحليف اليمين ولغير ذلك من طرق الإثبات إجراءات معينة رسمها القانون([12]) .

      

       وقد انقسمت الشرائع فى مكان الإثبات إلى طوائف ثلاث . بعضها يجمع قواعد الإثبات فى ناحيتيها الموضوعية والشكلية ويضعها جميعاً فى تقنين المرافعات ، كما فعل القانون الألمانى والقانون السويسرى([13]) . وبعضها يضع القواعد الموضوعية فى التقنين المدنى والقواعد الشكلية فى تقنين المرافعات ، كما فعل القانون المصرى والقانون الفرنسى وأكثر الشرائع اللاتينية([14]) . وطائفة ثالثة تفرد قواعد الإثبات جميعاً الموضوعية منها والشكلية بقانون خاص ، كما فعل

$18         القانون الإنجليزى فيما أسماء بقانون الإثبات (law of evidence) وكما فعل القانون السورى فيما أسماه بقانون البينات([15]) .

 

       13 ـ بروز القواعد الموضوعية فى الإثبات ووجوب بقائها فى التقنين المدنى : وتقضى سلامة النظر فى هذه المسألة بتخطى الشرائع التى تضع قواعد الإثبات بناحيتيها الموضوعية والشكلية فى تقين المرافعات . قد توضع هذه القواعد كلها فى التقنين المدنى تغليباً للناحية الموضوعية على الناحية الشكلية فيلتئم شملها([16]) . وقد توزع بين التقنين المدنى وتقنين المرافعات كما تقضى بذلك طبيعة كل طائفة من هذه القواعد . وقد تنفرد بمكان خاص تنعزل به عن سائر التقنينات حتى لا تطغى ناحية من الناحيتين على الأخرى . ولكن أن يستقل بها جميعاً تقنين المرافعات فهذا ما لا وجه للنظر فيه ([17]) . ولا يجوز تغليب الناحية    $19   الشكلية على الناحية الموضوعية  فالناحية الموضوعية من قواعد الإثبات هى دون شك الناحية البارزة : تعيين طرق الإثبات وتحديد قيمها وتحميل عبء الإثبات لأحد الخصمين ، هذا هو اللب فى قواعد الإثبات ، وهذه كلها مسائل موضوعية . ثم إن الناحية الشكلية من قواعد الإثبات قد لا تعرض إطلاقا ، ويقع ذلك عند إعداد طرق الإثبات فيما يعد منها مقدماً (prevue preconstituee) . وقع ذلك أيضا إذا لم يترافع الخصمان فيما تنزعا فيه إلى القضاء بل سويا النزاع بنهما بطريق ودى لا حاجة فيه إلى الإجراءات التى رسمها القانون لتقديم الأدلة([18]) .

      

       ومتى خلص أن دليل الحق تغلب فيه النزعة الموضوعية غلبة طاهرة ، كان المكان الطبيعى للقواعد التى تحكم هذا الدليل هو التقنين المدنى . فالدليل على الواقعة التى تنشئ الحق أقرب إلى أن يكون وضعاً شكلياً لهذه الواقعة . ولا يوجد فرق كبير من الناحية العملية بين عقد شكلى وعقد رضائى لا يجوز إثباته إلا بالكتابة . فالكتابة ضرورية فى الحالتين ، وإن كانت الكتابة فى العقد الشكلى تتميز بأنها ترسم على نحو خاص وبأنها واجبة لذاتها فلا يقوم

$20  مقامها الإقرار أو اليمين كما يصح ذلك فى الكتابة المطلوبة للإثبات وبأن الطرفين لا يجوز لهما الاتفاق على تعديل الشكل كما يجوز ذلك فى طرق الإثبات على النحو الذى سنبينه فيما يلى([19]) . ولكن يبقى بعد ذلك أن الكتابة للإثبات ضرورية من الناحية العملية ضرورة الكتابة للشكل . ويخلص من هذا أن القواعد التى تحكم الكتابة للإثبات يجب أن يكون مكانها بجانب القواعد التى تحكم الكتابة للشكل ، وأن قواعد الإثبات كقواعد الشكل يجب أن يكون مكان كل طائفة منهما هو التقنين المدنى([20]) .

 

       14 ـ مكان قواعد الاثبات الموضوعية فى التقنين المدنى ك على أن مكان قواعد الإثبات ، الموضوعية منها على الأقل ، فى التتقنين المدنى لا يتفق فيه النظر . فالتقنين المدنى الفرنسى وضعها بين القواعد التى تحكم نظرية العقد ، ولا شك فى أن مكان غير مناسب إذ أن قواعد الإثبات تسرى على العقد  $21   وعلى غيره من مصادر الالتزام الأخرى([21]) . والتقنين المدنى المصرى ـ القديم والجديد ـ وضع هذه القواعد فى النظرية العامة للالتزام([22]) ، وهذا مكان أليق . وقد يقال إن نظرية الإثبات ليست مقصورة على الالتزام ، بل هى نظرية عامة شاملة تتناول مصادر الالتزام ومصادر الحق العينى ومصادر روابط الأسرة ، ولا تقف عند المصادر فحسب إذ هى تحكم أيضا أسباب انقضاء روابط الأسرة ، ولا تقف عند المصادر فحسب إذ هى تحكم أيضا أسباب انقضاء الحقوق وكل سبب آخر ينشئ أثراً قانونياً ، بل هى تجاوز منطقة القانون المدنى إلى غيرها من مناطق القوانين الأخرى ([23]) . ولكن التقنين المدنى المصرى غلب الناحية العملية وآثرها على الناحية العلمية . فالإثبات كما رأينا ينصب على اى سبب ينشئ أثراً قانونيا ، وهذه الأسباب يمكن حصرها فى الواقعة القانونية والتصرف القانونى . فيكون المكان المنطقى للإثبات على هذا الوجه هوفى القسم العام منالتقنين المدنى حتى تنبسط قواعده على جميع نواحى هذا القانون وقد سبقت الإشارة إلى ذلك . ولكن الناس قد ألفت أن تبحث عن قواعد الإثبات فى النظرية العامة للالتزام . ثم إن هناك قواعد خاصة لإثبات الحقوق العينية وضعها التقنين المدنى الجديد فى مكانها من نظرية الحيازة . فأصبحت قواعد  $22   الإثبات الواردة فى نظرية الالتزام هى القواعد العامة للإثبات تسرى على الحقوق الشخصية والحقوق العينية على السواء . وتختص الحقوق العينية ، بالإضافة إلى ذلك ، بقواعد أخرى هى الواردة فى نظرية الحيازة . وفى هذا توزيع لقواعد الإثبات ، إذا لم يكن دقيقاً من الناحية العلمية ، ، فانه يستقيم من الناحية العملية ، وقد جرت به العادة ، وألفته الناس ، فلم يجد التقنين المدنى الجديد محلا للعدول عنه([24]) .

 

       جـ ـ مقابلة سريعة بين النصوص التقنين المدنى الجديد ونصوص التقنين المدنى القديم فى قواعد الإثبات

      

       15 ـ ترتيب التقنين القديم : لا يكاد التقنين المدنى الجديد يكون قد استحدث شيئاً هاماً فى قواعد الإثبات عن تلك التى كان التقنين القديم يقررها . وقد قدمنا أن مكان هذه القواعد فى التقنين الجديد بقى هو عين مكانها فى التقنين القديم .

 

$23  وكانت نصوص التقنين القديم غير مرتبة . فقد بدأت بنص فى شأن عبء الإثبات . ثم بينت المواطن التى يجب الإثبات فيها بالكتابة وتلك التى يجوز الإثبات فيها بالبينة وبالقرائن . وعرضت بعد ذلك لإثبات التخلص من الدين بتسليم السند وبوجوده تحت يد المدين وبالشروع فى الوفاء . ثم عادت لجواز إثبات أصل الدين بدفع الفوائد . ثم عرضت لليمين المتممة ثم لليمين الحاسمة . ثم رجعت إلى تعريف المحررات الرسمية والمحررات العرفية مع بيان حجية كل منهما وبيان حجية التاريخ ومتى يكون تاريخاً ثابتاً . ثم عرضت للتأشير على سند الدين بما يفيد براءة المدين ومدى حجية هذا التأشير . وعادت بعد ذلك إلى تحديد قيمة صور الأوراق الرسمية . وانتقلت فجأة إلى حجية الأمر المقضى . ثم عرضت للإقرار . وانتهت بنص يطلق الإثبات فى المواد التجارية .

 

16 ـ ترتيب التقنين الجديد : أما التقنين الجديد([25]) فقد رتب قواعد الإثبات ترتيباً منطقياً فى الباب السادس من الكتاب الأول . فقدم لهذه القواعد بنص فى تحميل عبء الإثبات . وفى فصول خمسة عرض للإثبات بالكتابة ، فالإثبات بالكتابة عرف الورقة الرسمية وبين حجيتها وحجية صورها ، ثم عرف الورقة العرفية وبين حجيتها وحجية التاريخ وثبوته ، ثم انتقل لقيمة بعض الأوراق العرفية فى الإثبات فعرض للرسائل والبرقيات ودفاتر التجار والدفاتر والأوراق المنزلية والتأشير على السند بما يفيد براءة المدين . وفى الإثبات بالبينة بين متى يجوز ذلك ومتى لا يجوز . وفى الإثبات بالقرائن عرف القرينة القانونية  $24  وبين حجيتها ، وانتقل إلى حجية الأمر المقضى كقرينة قانونية ، وإلى حجية الحكم الجنائى بالنسبة إلى القضاء المدنى ، ثم عرض للقرائن القضائية . وفى الإثبات بالإقرار عرف الإقرار ، وحدد حجيته ، وبين متى يتجزأ . وفى الإثبات باليمين عرض لليمين الحاسمة ، ثم لليمين المتممة .

 

       17 ـ لم يستحدث التقنين الجديد شيئاً جوهرياً فى قواعد الإثبات : وفى غير هذا الترتيب المنطقى المتسق لم يستحدث التقنين الجديد شيئاً جوهرياً فى قواعد الإثبات . بل اقتصر التنقيح على بعض المسائل التفصيلية ، مع تهذيب فى العبارة والأسلوب ، وتوضيح لما كان مقتضياً أو مبهماً ، وحتى فيما زاده التقنين الجديد من الأحكام ، كتحديد الورقة الرسمية والورقة العرفية ودفاتر التجار والأوراق المنزلية وجواز منع توجيه اليمين الحاسمة وجواز إثبات الحنث فيها ، لم يستحدث قواعد جديدة ، ولكنه اقتصر على تقنين القضاء المصرى فى هذه المسائل([26]) . وسنعود إلى كل مسألة فى موضعها .

 

       18 ـ سريان قواعد الاثبات من حيث الزمان : ومهما يكن من أمر ، فهناك بعض أحكام تفصيلية استحدثها التقنين الجديد كما قدمنا . فنذكر فى هذه المناسبة المبدأ العام فى سريان قواعد الإثبات من حيث الزمان . لنرى متى تسرى القواعد الجديدة بوجه عام ، تاركين تفصيل سريان كل قاعدة إلى موضعها من هذا الكتاب .

 

       أما القواعد الموضوعية للإثبات ، وهى تلك التى تعين طرق الإثبات وتبين متى يجوز قبولها وتحدد قيمة كل منها ، فالقانون الذى يطبق هو القانون الذى كان سارياً وقت نشوء الحق المراد إثباته . فلو كان هذا القانون يجيز الإثبات بالبينة مثلا ، جاز هذا الإثبات حتى لو كان القانون الجديد وقت رفع الدعوى لا يجيز الإثبات إلا بالكتابة . والعكس صحيح على خلاف فى الرأى ([27]) . وتطبيقاً لهذا  $25 المبدأ نصت المادة التاسعة من التقنين المدنى الجديد على أن (( تسـرى فـى شــأن الأدلة  $26 التى تعد مقدما النصوص المعمول بها فى الوقت الذى أعد فيه الدليل أو فى الوقت الذى كان ينبغى في إعداده ))([28]) .

         

       أما الإجراءات التى تتبع فى سلوك طريق الإثبات ، فهذه يسرى عليها القانون القائم وقت نظر الدعوى ولو كان جديداً ، لأن قوانين الإجراءات الجديدة تسرى على الماضى([29]) .

         

ثانياً ـ المبادئ الرئيسية التى تقوم عليها قواعد الاثبات

 

       19 ـ مبادئ ثلاثة : يقوم الإثبات على مبادئ رئيسية ثلاثة :

( أ ) فهو نظام قانونى (systeme legal) ، أى تنظمه قواعد يقررها القانون .

(ب ) ويكون القاضى فيه محايداً ، وهذا هو مبدأ حياد القاضى (neutralite du juge) .

(ج ) أما الخصوم فيقومون فيه بالدور الإيجابى ، وهذا هو حق الخصم فى الإثبات (droit a la prevue) .

 

       والواقع ـ كما سنرى ـ أن هناك تعاوناً وثيقاً فى الإثبات بين القانون والقاضى والخصوم . فالقانون يبين طرق افثبات ويحدد قيمة كل منها . والقاضى يطبق القواعد التى يقررها القانون فى ذلك ، ويتمتع فى تطبيقها بشئ غير قليل من حرية التقدير . والخصوم هم الذين عليهم أن يقدموا الأدلة على صحة دعاواهم ، ذلك على الوجه الذى رسمه القانون ، ولكل خصم الحق فى مناقشة الأدلة التى يقدمها خصمه وفى تنفيذها وفى إثبات عكسها .

       ونستعرض الآن هذه المبادئ الثلاثة .

 

 $27 أ ـ مبدأ النظام القانونى للإثبات ـ مذاهب ثلاثة

 

       20 ـ الحقيقة القضائية والحقيقة الواقعية ـ العدالة والاستقرار : رأينا فيما تقدم أن الحقيقة القضائية قد تبتعد عن الحقيقة الواقعية ، بل قد تتعارض معها . ورأينا أن السبب فى ذلك أن الحقيقة القضائية لا تثبت إلا من طريق قضائى رسمه القانون . وقد يكون القاضى من أشد الموقنين بالحقيقة الواقعية ، وقد يعرفها بنفسه معرفة لا يتطرق إليها الشك ، ولكن ينعدم أمامه الطريق القانونى لإثباتها فلا يجد بداً من إهدارها والأخذ بسبل القانون فى الإثبات ، ومن ثم قد تتعارض الحقيقة القضائية مع الحقيقة الواقعية .

      

       والقانون فى تمسكه بالحقيقة القضائية دون الحقيقة الواقعية إنما يوازن بين اعتبارين : اعتبار العدالة فى ذاتها ويدفعه إلى تلمس الحقيقة الواقعية بكل السبل ومن جميع الوجوه حتى تتفق معها الحقيقة القضائية ، وإعتبار إستقرار التعامل ويدفعه إلى تقييد القاضى فى الأدلة التى يأخذ بها وفى تقدير كل دليل فيحدد له طرق الإثبات وقيمة كل طريق منها ، حتى يأمن جوره إذا مال إلى الجور ، أو فى القليل حتى يحد من تحكمه ، فلا تختلف القضاة فيما يقبلون من دليل وفى تقدير قيم الأدلة فى الأقضية المتماثلة .

 

       21 ـ مذاهب ثلاثة فى الاثبات : ويمكن فى الموازنة ما بين الاعتبارين اللذين تقدم ذكرهما ـ اعتبار العدالة واعتبار استقرار التعامل ـ أن نتصور قيام مذاهب ثلاثة فى الإثبات : (1) مذهب يميل إلى اعتبار العدالة ولو بالتضحية فى استقرار التعامل ، وهذا هو المذهب الحر أو المطلق (systeme libre) . (2) ومذهب يستمسك باستقرار التعامل ولو على حساب العدالة، فيقيد القانون الإثبات أشد التقييد حتى يستقر التعامل ، وهذا هو المذهب القانونى أو المذهب المقيد (systeme legal) . (3) ومذهب ثالث هو بين بين ، يزن ما بين الاعتبارين ، فيعتد بكل منهما ، ولا يضحى أحدهما لحساب الآخر ، وهذا هو المذهب المختلط (systeme mixte) .

 

 

 

 

 

 

 

 

$28         22 ـ المذهب الحر أو المطلق : أما المذهب الحر أو المطلق ففيه ، كما قدمنا ، لا يرسم القانون طرقاً محددة للإثبات يقيد بها القاضى ، بل يترك الخصوم أحراراً يقدمون الأدلة التى يستطيعون إقناع القاضى بها ، ويترك القاضى حراً فى تكوين اعتقاده من أى دليل يقدم إليه . وهذا المذهب يقرب كثيراً ما بين الحقيقة القضائية والحقيقة الواقعية لمصلحة العدالة . وقد اعتنقته بعض الشرائع فى بدء تطورها ، واعتنقه بعض رجال الفقه الإسلامى([30]) ، ولا تزال الشرائع الجرمانية والشرائع الأنجلوسكسونية ( القانون الألمانى والقانون السويسرى والقانون الإنجليزى والقانون الأمريكى ) تأخذ به إلى حد كبير .

       ولكن حظ العدالة فى هذا المذهب ظاهرى أكثر منه حقيقياً . فهو قد يقرب الحقيقة القضائية من الحقيقة الواقعية إلى مدى واسع ، ولكن بشرط أن يؤمن من القاضى الجور والتحكم . فاذا جار القاضى أو تحكم فى تعيين طرق الإثبات وتحديد قيمها ، ابتعدت الحقيقة القضائية عن الحقيقة الواقعية أكثر من ابتعادها فى المذهب القانونى أو المقيد ز وننتقل الآن إلى هذا المذهب .

 

$29  23 ـ المذهب القانونى أو المقيد : ففى المذهب القانونى أو المقيد يرسم القانون طرقاً محددة تحديداً دقيقاً لإثبات المصادر المختلفة للروابط القانونية ، ويجعل لكل طريق قيمته ، ويتقيد بكل ذلك الخصوم والقاضى . (( وهذا المذهب ـ كما جاء فى الموجز([31]) ـ على ما فيه من دقة حسابية تكفل ثبات التعامل ، يباعد ما بين الحقائق الواقعة والحقائق القضائية ، فقد تكون الحقيقة الواقعة ملء السمع والبصر ، ولكنها لا تصبح حقيقة قضائية إلا إذا استطيع إثباتها بالطرق التى حددها القانون )) . وقد تغلب فى الفقه الإسلامى المذهب القانونى فى الإثبات . فيجب فى الإثبات بالبينة شهادة شاهدين ، ولا يكتفى بشاهد واحد إلا فى حالات استثنائية([32]) ، وإذا توافر نصاب الشهادة وجب الأخذ بها دون أن يكون للقاضى حرية فى التقدير ، ويتفاوت نصاب الشهادة من واقعة إلى أخرى فى حدود مقدرة تقديراً يكاد يكون حسابياً([33]) .

 

       24 ـ المذهب المختلط : والمذهب المختلط يجمع بين الإثبات المطلق والاثبات المقيد . (( وأشد ما يكون إطلاقاً ـ كما جاء فى الموجز([34]) ـ فى المسائل الجنائية ، ففيها يكون الاثبات حراً يتلمس القاضى وسائل الاقناع فيه من أى دليل يقدم إليه ، شهادة كانت أو قرينة أو كتابة أو أى دليل آخر . ثم يتقيد الاثبات بعض التقيد فى المسائل التجارية مع بقائه حراً فى الأصل . ويتقيد بعد ذلك إلى حد كبير فى المسائل المدنية فلا يسمح فيها إلا بطرق محددة للإثبات تضيق وتتسع متمشية فى ذلك مع الملابسات والظروف . وهذا المذهب الثالث هو خير المذاهب جميعاً ، فهو يجمع بين ثباتالتعامل بما احتوى عليه من قيود ، وبين اقتراب الحقيقة الواقعة من الحقيقة القضائية بما أفسخ فيه للقاضى من حرية التقدير . وقد أخذ القانون المصرى بهذا المذهب مقتفياً فى ذلك أثر

  $30 الشرائع اللاتينية كالقانون الفرنسى والقانون الايطالى والقانون البلجيكى )) .

       ويلاحظ على هذا المذهب أمران : (1) أن اقتراب الحقيقة القضائية من الحقيقة الواقعية فيه لا يصل إلى حد يجعل للأدلة قوة قطعية ، فلا تزال للإدلة فيه حجة ظنية ، ولا تزال الحقيقة القضائية هى مجرد احتمال راجح idée de probabilite  وليست حقيقة قاطعة . ولابد من الناحية العملية الاكتفاء بالحجج الظنية ما دامت راجحة ، لأن اشتراط الحجج القاطعة يجعل باب الاثبات مقفلا أمام القاضى . (2) أن المذهب المختلط يتفاوت فى نظام قانونى عنه فى نظام آخر ، فهو يضع من القيود على حرية القاضى فى تلمس الدليل قليلا أو كثيراً على قدر متفاوت يختلف باختلاف النظم القانونية . فمن النظم ما تقلل من هذه القيود حتى يشتد التقارب ما بين الحقيقة القضائية والحقيقة الواقعية فيرجح حظ العدالة ، ومنها ما يزيد فى القيود ولو ابتعدت الحقيقة القضائية عن الحقيقة الواقعية حتى يستقر التعامل . وخير هذه النظم ما وازن بين الاعتبارين فى كفتى الميزان ، حتى لا ترجح كفة وتشيل أخرى .

 

       ب ـ مبدأ حياد القاضى ([35])

 

       25 ـ موقف القاضى من الاثبات فى كل من المذاهب الثلاثة : ويتصل بما تقدم موقف القاضى من الاثبات . فهو فى المذهب الحر أو المطلق موقف إيجابى ، ينشط القاضى فيه إلى توجيه الخصوم ، واستكمال ما نقص فى الأدلة ، واستيضاح ما أبهم منها . وهو فى المذهب القانونى أو المقيد موقف سلبى محض ، لا يعدو القاضى فيه أن يتلقى أدلة الاثبات كما يقدمها الخصوم دون أى تدخل من جانبه ، ثم يقدر هذه الأدلة طبقاً للقيم التى حددها القانون ، فإذا رأى الدليل ناقصاً أو مبهماً فليس له أن يطلب إكماله أو توضيحه ، بل يجب عليه أن يقدره كما هو فى الحالة التى قدمه فيها الخصوم . وهو فى المذهب

  $31المختلط ينبغى أن يكون موقفاً وسطاً بين الايجابية والسلبية ، ولكنه يجب أن يكون أقرب إلى الايجابية منه إلى السلبية ، فيباح للقاضى شئ من الحرية فى تحريك الدعوى وفى توجيه الخصوم وفى استكمال الأدلة الناقصة وفى استيضاح ما أبهم من وقائع الدعوى . ولا يتعارض ذلك مع تقييد القاضى بأدلة قانونية معينة وبتحديد قيم هذه الأدلة ، فإن هذا التقييد يجب أن تقابله حرية القاضى فى تقدير وزن كل دليل فى حدود قيمته القانونية ، حتى يستجلى الحقائق واضحة كاملة([36]) .

 

       أما منع القاضى من القضاء بعلمه فليس فرعاً عن مبدأ حياد القاضى ، بل هو النتيجة المترتبة على حق الخصوم فى مناقشة أى دليل يقدم فى القضية ، وسنرى ذلك فيما يلى .

 

       26 ـ مبدأ حياد القاضى فى القوانين اللاتينية والقانون المصرى : قد رأينا أن القوانين اللاتينية ، والقانون المصرى معها ، قد اتخذت المذهب المختلط فى الاثبات . وهة مع ذلك لا توسع على القاضى فى حرية توجيهه للدعوى واستخلاص الحقائق من أدلتها القانونية إلا إلى مدى محدود ؛ فالقاضى يستطيع مثلا أن يحيل الدعوى على التحقيق من تلقاء نفسه ، كما يستطيع أن يعين خبيراً ، وله أن يطلب إحضار الخصوم شخصياً (Comparution Personnelle) ، وأن يوجه إلى أحدهما اليمين المتممة (serment suppletif) .([37]) وقد زاد تقنين المرافعات المصرى الجديد فى إيجابية موقف القاضى من الاثبات فخوله سلطة فى توجيه الدعوى فيما يتصل بالآثار التى تترتب على عدم قيد المدعى لدعواه ، وبشطب الدعوى عند تخلف الخصوم عن الحضور ، وبوقف الدعوى لمدة معينة عند اتفاق الخصوم على ذلك ، وبسقوط الخصومة لا نقطاعها بوفاة أحد الخصوم أو بزوال أهليته أو انتهاء صفته أو وقفها بفعل المدعى أو تقصيره ، ويتقادم الخصومة بخمس سنوات بدلا من خمس عشرة ، وبإدخال القاضى$32 من تلقاء نفسه من لم يكن طرفاً فى الخصومة ليرد الدعوى إلى وضعها الطبيعى بعد أن انحرف بها عنت الخصوم أو إهمالهم ، وباجراءات التحقيق فاذا أحيلت الدعوى على التحقيق أو عين فيها خبير أو طعن فيها بالتزوير لم يعد سير التحقيق أو السير فى نظر الموضوع موقوفاً على طلب تعجيل يتقدم به الخصم صاحب المصلحة([38]) .

 

       ج ـ مبدأ دور الخصوم الايجابى ـ الحق فى الاثبات

 

       27 ـ حق الخصوم فى مناقشة الادلة التى تقدم فى الدعوى ـ لا يجوز للقاضى أن يقضى بعلمه : على أنه مهما يكن من قدر الحرية التى تطلق للقاضى فى الاثبات ، فلا جدال فى أن أى دليل يقدمه الخصم فى الدعوى يجب أن يعرض على الخصوم جميعاً لمناقشته ن ويدلى كل برأيه فيه ، يفنده أو يؤيده ، والدليل الذى لا يعرض على الخصوم لمناقشته لا يجوز الأخذ به([39]) . ولا يجوز للمحكمة أن تأخذ بدليل نوقش فى قضية أخرى ما لم يناقش فى القضية القائمة([40]) .

 

$33وهذا مبدأ جوهرى من مبادئ التقاضى ، حتى لا تبقى الخصومة مجهلة ، وحتى تتكافأ فرص الخصوم فى الدعوى . ومن ثم كان للخصم حق طلب التأجيل للإطلاع على المستندات المقدمة من خصمه والرد عليها ( م 108 مرافعات ) .

 

       ولايجوز للقاضى أن يقوم بمعاينة مكان النزاع فى غيبة الخصوم ودون أن يدعوهم لحضور المعاينة ومن غير إصدار قرار باجرائها . ولكن يكفى أن يعرض الدليل على الخصوم لمناقشته ، فإذا لم يريدوا مناقشته فعلا فقد نزلوا عن حقهم فى ذلك وصح الأخذ بالدليل([41]) . كذلك لا يجوز للقاضى ان يأتى بأدلة من عنده لم تقدمها الخصوم ، إلا إذا تراضوا عليها وقبلوا مناقشتها([42]) .

 

       ويترتب على حق الخصوم فى مناقشة الأدلة التى تقدم فى الدعوى أنه لا يجوز للقاضى أن يقضى بعلمه . ذلك أن علم القاضى هنا يكون دليلا فى القضية ، ولما كان للخصوم حق مناقشة هذا الدليل اقتضى الأمر ان ينزل القاضى منزلة الخصوم ، فيكون خصما وحكماً ، وهذا لا يجوز([43]) . وقد رأينا فيما تقدم أن امتناع القاضى$34عن القضاء بعلمه لا يرجع إلى موقفه المحايد فى الاثبات ، فان حياد القاضى لا يتعارض ضرورة مع القضاء بعلمه ، وإنما يرجع إلى ما نذكره هنا من حق الخصوم فى مناقشة الدليل([44]) .

 

       وهذا الدور الايجابى للخصوم فى الاثبات ، وما يستتبعه من حقهم فى مناقشة الأدلة ، تنظمه قواعد أربع : (1) حق الخصم فى الاثبات (2) حق الخصم الآخر فى إثبات العكس (3) لا يجوز لأى خصم أن يصطنع دليلا لنفيه (4) ولا يجوز إجباره على تقديم دليل ضد نفسه . ونقول كلمة عن كل من هذه القواعد .

 

       28 ـ حق الخصم فى الاثبات : على الخصم أن يثبت ما يدعيه أما القضاء بالطرق التى بينها القانون . فموقفه فى الاثبات موقف إيجابى . وليس هذا واجباً عليه فحسب ، بل هو أيضاً حق له . فللخصم أن يقدم للقضاء جميع ما تحت يده أو ما يستطيع إبرازه من الأدلة التى يسمح بها القانون تأييداً لما يدعيه . فان لم يمكنه القاضى من ذلك كان هذا إخلالا بحقه ، وكان سبباً للطعن فى الحكم بالنقض .

 

       ويتقيد حق الخصم فى الاثبات بقيود ثلاثة : (1) لا يجوز للخصم أن يثبت ما يدعيه إلا بالطرق التى حددها القانون . فلا يجوز له أن يثبت بالبينة مالا يجوز إثباته إلا بالكتابة ، ولا يجوز له أن يوجه اليمين الحاسمة إلى خصمه حيث يكون متعنتاً فى توجيهها . ويجب فيما يسمح له به القانون من طرق الاثبات أن يتقدم بما عنده$35 من الأدلة طبقاً للأوضاع وللإجراءات التى رسمها له القانون . (2) كذلك لا يجوز للخصم أن يطلب إثبات واقعة لم تتوافر فيها الشروط الواجبة ، إذ يجب أن تكون الواقعة متعلقة بالدعوى منتجة فى دلالتها جائزة الاثبات قانوناً . وسنفصل هذه اشروط فيما يلى . (3) ويبقى للقاضى بعد كل ذلك حرية واسعة فى تقدير قيمة الأدلة التى تقدم بها الخصم ، فيرى ما إذا كانت شهادة الشهود مقنعة ، ويقدر إذا قدم الخصم ورقة ما يترتب على الكشط والمحو والتحشير وغير ذلك من العيوب المادية فى هذه الورقة من إسقاط قيمتها فى الاثبات أو إنقاصها ( م 260 مرافعات ) ، وإذا كانت وقائع الدعوى ومستنداتها كافية لاقتناعه بصحة الورقة التى تقدم بها الخصم الآخر أو بتزويرها فله أن يمتنع عن السير فى إجراءات التزوير التى طلبها الخصم الذى طعن بالتزوير فى هذه الورقة ( م 290 مرافعات ) ، بل له ولو لم يدع أمامه بالتزوير أن يحكم من تلقاء نفسه برد أية ورقة وبطلانها إذا ظهر له بجلاء من حالتها أو من ظروف الدعوى أنها مزورة ( م 290 مرافعات ) ، كما أن له أن يعدل عما أمر به من إجراءات الاثبات أو ألا يأخذ بنتيجة هذه الاجراءات ( م 165 مرافعات ) ، وإذا رأى أن الدعوى ليست فى حاجة إلى استجواب فإن له أن يرفض طلب الاستجواب الذى يتقدم به الخصم ( م 168 مرافعات ) .

 

       وحق الخصم فى الإثبات يقابله واجب يلقى على عاتق الخصم الآخر ، بل على عاتق الغير ، فى ألا يعطل هذا الحق بعنت منه أو سوء نية . ويصل هذا الواجب إلى مدى بعيد ، فيفرض فى بعض الحالات على الخصم الآخر أو الغير أن يتقدم مستندات فى حوزته لتمكين المدعى من إثبات حقه ، وسنعود إلى هذا الواجب بالتفصيل فيما يلى .

 

       29 ـ حق الخصم الآخر فى إثبات العكس : وكل دليل يتقدم به الخصم لإثبات دعواه يكون للخصم الآخر الحق فى نقضه وإثبات عكس ما يدعيه الخصم . وتطبيقاً لهذه القاعدة نصت المادة 192 من تقنين المرافعات على أن (( الاذن لأحد الخصوم باثبات واقعة بشهادة الشهود يقتضى دائماً أن يكون للخصم الآخر الحق فى نفيها بهذه الطريق )) . وإذا كان الدليل الذى قدمه الخصم ورقة مكتوبة ، فان كانت ورقة عرفية كان للخصم الآخر أن ينكر خطه أو $36إمضاءه أو أن يطعن فى الورقة بالتزوير، وإن كانت ورقة رسمية كان للخصم الآخر أن يطعن فيها بالتزوير . وفى جميع الأحوال يجوز للخصم الآخر ـ فيما لا يتحتم فيه الطعن بالتزوير ـ أن يثبت عكس ما هو ثابت ضده بالكتابة على أن يكون إثبات العكس بكتابة مماثلة وفقاً للأحكام التى قررها القانون . وإذا كان الدليل المقدم قرينة قضائية ، فللخصم الآخر أن يدحض هذه القرينة بقرينة مثلها أو بأى طريق آخر . وكذلك الحال فى القرينة القانونية ، فان الأصل فيها جواز إثبات العكس ، أما القرائن القانونية التى لا تقبل إثبات العكس فنادرة ولابد فى منع إثبات العكس فيها من نص فى القانون .

 

       وحتى الاقرار واليمين يتصور فيهما تطبيق هذه القاعدة . فاذا تمسك الخصم بالاقرار الصادر من الخصم الآخر ، جاز لهذا الخصم الآخر أن يتمسك ببطلان هذا الاقرار لعدم الأهلية أو لغير ذلك من العيوب . وإذا وجه الخصم اليمين الحاسمة للخصم الآخر ، جاز لهذا الخصم الآخر أن يرد على خصمه اليمين .

 

       ويتبين من كل ذلك أن الأصل فى الدليل الذى يقدمه الخصم تمكين الخصم الآخر من نقضه ، وأن حق الخصم فى إثبات ما يدعيه يقابله حق الخصم الآخر فى إثبات العكس .

 

       30 ـ لا يجوز لأى خصم أن يصطنع دليلا لنفسه : الأصل أن الدليل الذى يقدم ضد الخصم يكون صادراً منه حتى يكون دليلا عليه . فالورقة المكتوبة حتى تكون دليلا على الخصم يجب أن تكون بخطه أو بإمضائه . وإذا كانت الورقة ليست دليلا كاملا واقتصر أمرها على أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، فانه يجب كذلك أن تكون صادرة من الخصم الذى يراد الاثباتضده على التفصيل الذى سنبينه فيما بعد .

 

       ومن ثم لا يجوز أن يكون الدليل الذى يتمسك به الخصم صادراص مه هو أو أن يكون من صنعه ، فمن البداهة أن الشخص لا يستطيع أن يصطنع دليلا بنفسه لنفسه . ((ولو يعطى الناس بدعواهم ـ كما جاء فى الحديث الشريف ـ لا دعى $37أناس دماء رجال وأموالهم))([45]) . فلا يجوز إذن أن يكون الدليل يقدمه الخصم على صحة دعواه مجرد أقواله وادعاءاته ، او أن يكون ورقة صادرة منه ، أو مذكرات دونها بنفسه . وتطبيقاً لذلك نصت الفقرة الأولى من المادة 972 من التقنين المدنى على أنه ((ليس لأحد ان يكسب بالتقادم على خلاف سنده ، فلا يستطيع أحد أن يغير بنفسه لنفسه سبب حيازته ولا الأصل الذى تقوم عليه هذه الحيازة)) . وهذه القاعدة فرع عن مبدأ أعم وأشمل ، هو أن الشخص لا يستطيع أن يخلق بنفسه لنفسه سبباً لحق يكسبه ، ومن استعجل الشئ قبل أوانه عوقب بحرمانه . فالوارث الذى يقتل مورثه يحرم من إرثه ، وإذا كان التأمين على حياة شخص غير المؤمن له برئت ذمة المؤمن من التزاماته متى تسبب المؤمن له عمداً فى وفاة ذلك الشخص أو وقعت الوفاة بناء على تحريض منه ، وإذا كان التأمين على الحياة لصالح شخص غير المؤمن له فلا يستفيد هذا الشخص من التأمين إذا تسبب عمداً فى وفاة الشخص المؤمن على حياته أو وقعت الوفاة بناء على تحريض منه (م 757 مدنى) . ويعتبر الشرط قد تحقق إذا كان الطرف الذى له مصلحة فى أن يتخلف قد حال بطريق الغش دون تحققه ، وكذلك لا أثر للشرط الذى تحقق إذا كان تحققه قد وقع بغش الطرف الذى له مصلحة فى أن يتحقق ( م 388 من مشروع التقنين المدنى الجديد ) .

 

       على أن القانون نص فى بعض الحالات ، لمبررات قدرها المشرع ، على جواز أن يتمسك الشخص بدليل صدر منه هو . من ذلك ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 397 من التقنين المدنى من أن ((دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار ، غير أن البيانات المثبتة فيها عما ورده التجار تصلح أساساً يجيز للقاضى أن يوجه اليمين المتممة إلى أى من الطرفين وذلك فيما يجوز إثباته بالبينة )) . ومن ذلك ما نص عليه التقنين التجارى من أن دفتر التاجر قد يكون حجة له على التاجر ، إذ تقضى المادة 17 من هذا التقنين بأنه ((يجوز للقضاة قبول الدفاتر التجارية لأجل الاثبات فى دعاوى التجار المتعلقة بمواد تجارية إذا كانت تلك الدفاتر مستوفية للشروط المقررة قانوناً )) . ومن ذلك أخيراً ما نصت عليه المادة  $38  257 من تقين المرافعات ـ فى حالة امتناع الخصم من تقديم ورقة يلزمه القانون بتقديمها ـ من أنه ((إذا لم يقم الخصم بتقديم الورقة فى الموعد الذى حددته المحكمة . . اعتبرت صورة الورقة التى قدمها خصمه صحيحة مطابقة لأصلها ، فان لم يكن خصمه قد قدم صورة منالورقة جاز الأخذ بقوله فيما يتعلق بشكلها أو بموضوعها))([46]) .

 

       31 ـ لا يجوز اجبار الخصم على تقديم دليل ضد نفسن الا فى حالات معينة : قدمنا أن لا يجوز للخصم أن يصطنع دليلا لنفسه . ويقابل ذلك أنه لا يجوز إجبار الخصم على تقديم دليل ضد نفسه (Nemo tenetur edere contra se) . فكما أن الخصم لا يستفيد من دليل صنعه لنفسه ، كذلك هو لا يضار بتقديم دليل ضد نفسه([47]) .

 

       غير أن بداهة القاعدة الأولى تفوق وضوح القاعدة الثانية . فقد رأينا أن حق الخصم فى الاثبات قد يصل فى بعض الحالات إلى حد إجبار خصمه أو الغير على تقديم دليل فى حوزته . لذلك كانت هذه القاعدة الثانية فى حاجة إلى إمعان فى النظر .

 

       فمن الممكن القول إن من امتنع من الخصوم دون حق أن يستجيب لطالبات خصمه من تقديم مستندات فى حوزته ، أو جعل بفعله غثبات الدعوى مستحيلا بأن امتنع مثلا عن تقديم دليل تحت يده لا يمنع القانون من تقديمه ، جاز أن يخسر دعواه ، وذلك بطريق القياس على من جعل بفعله تحقق الشرط الذى علق  $39 عليه التزامه مستحيلا فان القانون يفترض أن الشرط قد تحقق([48]) . بل إن الغير أيضا ـ لا الخصم وحده ـ قد يلقى عليه واجب المعاونة فى الاثبات . فيطلب شاهداً فى الدعوى ويجب عليه الادلاء بشهادته فاذا تخلف عن الشهادة جاز الحكم عليه بالغرامة ، وإذا كانت تحت يده مستندات جازت مطالبته بابرازها بين يدى القضاء([49]) .

 

       وقد تصل بعض الشرائع إلى حد أن نفرض بنص خاص التزاماً قانونياً على من يجوز أو يحرز شيئاً أو مستنداً يكون للغير مصلحة فى عرضه لاثبات أمر يدعيه أن يعرض هذا الشئ أو يقدم هذا المستند للقضاء للكشف عما يمكن أن يتضمنه من وجوه إثبات الأمر المدعى به . ويرفع بهذا الالتزام القانونى دعوى تسمى بدعوى العرض (action ad exhibendum) ([50]) . وقد نص على هذه  $40 الدعوى كل من القانون الألمانى والقانون السويسرى والمشروع الفرنسى الايطالى . وأخذ بها القضاء الفرنسى دون نص ، يبنيها تارة على وحدة المصلحة أو الشركة فى المستند (communaute d`interet, communaute de titre) ([51])  لاسيما إذا كان هذا المستند عقداً ، ويبنها طوراً على مصلحة العدالة (justice interet de la) ([52]) . وستخلص من أحكام القضاء الفرنسى أنه يجعل للخصم حق الاثبات ، ويلقى على خصمه واجب المعاونة فى ذلك ما استطاع إليه سبيلا ، ما دام لا يوجد مانع قانونى كوجوب الاحتفاظ بسر المهنة([53]) . فإذا لم يقم الخصم بواجبه فى المعاونة ، وعطل على خصمه حقه فى الاثبات ، اعتبر فى منزلة من قام الدليل ضده ، وخسر الدعوى([54]) .

       أما فى مصر ، فقبل صدور التقنين المدنى الجديد وتقنين المرافعات الجديد ،  $41 كان القضاء يذهب إلى عدم إجبار الخصم على أن يقدم دليلا يرى أنه ليس فى مصلحته([55]) . إلا أنه إذا طلب الخصم تكليف خصمه بتقديم ورقة تحت يده وامتنع عن تقديمها ، فهذا الامتناع يكون محل اعتبار من المحكمة بحسب دلالته المحتملة ، ولا يتحتم اعتباره تسليما بادعاء الطالب([56]) ، وللمحكمة أن تقضى لمصلحة الخصم الذى يرجح لديها أنه هو الحق([57]) ، ولها أن تستخلص من امتناع الخصم دليلا للحكم ضده ([58]) .  $42  وقد كان المشروع الابتدائى للتقنين المدنى الجديد يحتوى على نص يقرر دعوى العرض (action ad exhibendum) ويفصل أحكامها على غرار المشروع الفرنسى الايطالى ، فحذف فى لجنة المراجعة لأنه أدخل فى باب المرافعات ، وكان هذا النص ( المادة 273 من المشروع الابتدائى ) يجرى على الوجه الآتى : ((1ـ كل من حاوز شيئاً أو أحرزه يلتزم بعرضه على من يدعى حقاً متعلقاً به متى كان فحص الشئ ضرورياً للبت فى الحق المدعى به من حيث وجوده ومداه ، فاذا كان الأمر متعلقاً بسندات أو أوراق أخرى ، ففقاضى أن يأمر بعرضها على ذى الشأن وبتقديمها عند الحاجة إلى القضاء ، ولو كان ذلك لمصلحة شخص لا يريد إلا أن يستند إليها فى غثبات حق له ، 2ـ على أنه يجوز للقاضى أن يرفض إصدار الأمر بعرض الشئ إذا كان لمن أحرزه مصلحتة مشروعة فى الامتناع عن عرضه ، 3ـ ويكون عرض الشئ فى المكان الذى يوجد فيه وقت طلب العرض ، ما لم يعين القاضى مكاناً آخر ، وعلى طالب العرض أن يقوم بدفع نفقاته مقدماً , وللقاضى أن يعلق عرض الشئ على تقديم كفالة تضمن لمن أحرز الشئ تعويض ما قد يحدث له من ضرر بسبب العرض )) ([59]) .

       ولم يتضمن تقنين المرافعات الجديد هذا النص بالرغم من أن حذفه من مشروع التقنين المدنى كان بسبب أنه أدخل فى باب المرافعات كما تقدم القول . على أن تقنين المرافعات تضمن طائفة من النصوص لالزام الخصم بتقديم ورقة  $43 تحت يده ، فنصت المادة 253 على أنه ((يجوز للخصم فى الحالات الآتية أن يطلب إلزام خصمه بتقديم أية ورقة منتجة فى الدعوى تكون تحت يده : (1) إذا كان القانون يجيز مطالبته بتقديمها أو تسليمها (2) إذا كانت مشتركة بينه وبين خصمه ، وتعتبر الورقة مشتركة على الأخص غذا كانت محررة لمصلحة الخصمين أو كانت مثبتة لالتزاماتهما وحقوقهما المتبادلة([60]) (3) إذا استند إليها خصمه فى أية مرحلة من مراحل الدعوى([61]) )) . وأولى هذه الحالات ـ حالة ما إذا كان القانون يجيز المطالبة بتقديم الورقة أو تسليمها ـ مثلها ما نصت عليه المادة 16 من التقنين التجارى من أنه (( لا يجوز للمحكمة فى غير المنازعات التجارية أن تأمر بالاطلاع على الدفترين المتقدم ذكرهما ( اليومية والمراسلات ) ولا على دفتر الجرد إلا فى مواد الأموال المشاعة أو مواد الشركات وقسمة الشركات وفى حالة الافلاس . وفى هذه الأحوال يجوز للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها بالاطلاع على تلك الدفاتر )) . فهذا نص يجيز فى أحوال معينة فى المنازعات التجارية وبعض المنازعات المدنية وهو الشيوع والتركة وقسمة الشركات والافلاس ـ أن تأمر المحكمة من تلقاء نفسها بتقديم الدفاتر التجارية والاطلاع عليها لاثبات حق مدعى به ، ولكن النص محدود ـ كما نرى ـ من حيث الأحوال التى يجوز فيها الأمر بتقديم المستند ومن حيث نوع المستند ذاته . فهو لا ينطبق إلا على بعض الدفاتر التجارية . وكذلك نصت المادة 18 من التقنين التجارى على أنه ((يجوز للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها فى أثناء الخصومة بتقديم الدفاتر لتستخرج منها ما يتعلق بهذه الخصومة )) . فهذا نص آخر يجيز للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها ، فى جميع المنازعات التجارية والمدنية ، بالاطلاع على جميع الدفاتر التجارية . وهذا النص ، وإن كان مطلقاً من ناحية الأحوال التى $44يجوز فيها الأمر بتقديم المستند ومن حيث نوع المستند ، إلا إنه محدود من حيث الغرض من تقديم المستند . فهذا الغرض مقصور على أن تطلع المحكمة ـ دون أن تطلع الخصوم كما هى الحال فى شأن المادة 16 المتقدمة الذكر ـ على دفاتر التجار لا فى جميع أجزائها بل فى الجزء الذى وردت فيه البيانات المتعلقة بالخصومة . وسنعود إلى المادتين 16 و 18 من التقنين التجارى ببيان أوفى عند الكلام فى دفاتر التجار كطريق من طرق الإثبات .

      

       وتحدد المادة 254 من تقنين المرافعات البيانات الواجب ذكرها فى الطلب الذى يتقدم به الخصم لإلزام خصمه بتقديم الورقة الواجب تقديمها ، فتقول : (( يجب أن يبين فى هذا الطلب : (1) أوصاف الورقة التى تعينها (2) فحوى الورقة بقدر ما يمكن من التفصيل (3) الواقعة التى يستشهد بها عليها (4) الدلائل والظروف التى تؤيد أنها تحت يد الخصم (5) وجه إلزام الخصم بتقديمها )) . وتبين المادة 256 من تقنين المرافعات النتيجة التى ينتهى إليها الطالب فى حالة القدرة على إثبات صحة طلبه وفى حالة العجز عن هذا الإثبات على الوجه الآتى : (( إذا أثبت الطالب طلبه أو أقر الخصم بأن الورقة فى حوزته أو سكت ، أمرت المحكمة بتقديم الورقة فى الحال أو فى أقرب موعد تحدده . وإذا أنكر الخصم ولم يقدم الطالب إثباتاً كافياً لصحة الطلب ، وجب أن يحلف المنكر يميناً بأن الورقة لا وجود لها أو أنه لا يعلم وجودها ولا مكانها وأنه لم يخفها أو لم يهمل البحث عنها ليحرم خصمه من الاستشهاد بها )) . وتذكر المادة 257 من تقنين المرافعات جزاء عدم تقديم الورقة أو الامتناع عن حلف اليمين ، فتقول : (( إذا لم يقم الخصم بتقديم الورقة فى الموعد الذى حددته المحكمة أو امتنع عن حلف اليمين المذكورة ، اعتبرت صورة الورقة التى قدمها خصمه صحيحة مطابقة لأصلها ، فان لم يكن خصمه قد قدم صورة من الورقة جاز الأخذ بقوله فيما يتعلق بشكلها أو بموضوعها )) . وقد سبق أن أوردنا هذا النص كحالة يجوز فيها أن يتمسك الشخص بدليل صدر منه هو . وتجرى المادة 259 من تقنين المرافعات الأحكام السابقة على إلزام الغير بتقديم ورقة تحت يده على النحو الآتى : (( يجوز للمحكمة أثناء سير الدعوى ، ولو أمام محكمة الاستئناف ، أن تأذن فى إدخال الغير لإلزامه بتقديم ورقة تحت يده ، وذلك فى الأحوال ومع مراعاة الأحكام والأوضاع المنصوص عليها فى المواد السابقة )) .

 

   $45وهذه النصوص كلها مستحدثة فى تقنين المرافعات الجديد ، وقد أخذت عن تقنين المرافعات الألمانى ( م 386 وما بعدها ) وعن تقنين المرافعات التركى (م 326 وما بعدها)([62]) . وهى على كل حال أضيق فى نطاقها من دعوى العرض التى حذف نصها من مشروع التقنين المدنى . فهى لا تجيز إلزام الخصم أو الغير بتقديم ورقة تحت يده هى مستند فى الدعوى إلا فى أحوال ثلاث ذكرتها المادة 253([63]) . أما نص مشروع التقنين المدنى المحذوف فقد كان يجيز إلزام الخصم أو الغير بتقديم المستند الذى فى حوزته حتى فى غير هذه الأحوال الثلاث ، متى ثبت أن فحص هذا المستند ضرورى للبت فى الحق المدعى به ، ويرجع تقدير هذه الضرورة إلى القاضى . هذا إلى أن النص المحذوف عام يتناول المستندات وسائر الأشياء الأخرى . (( فيجوز مثلا ـ كما جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى([64]) ـ لمالك الشئ المسروق أن يطالب من يشتبه فى حيازته له بعرضه عليه ليتثبت من ذاتيته . ويجوز كذلك لوارث المهندس أن يطلب تمكينه من معاينة الترميمات التى أجراها مورثه حتى يتسنى له أن يعين مدى حقف فى الأجر بعد أن آل إليه هذا الحق من طريق الميراث . فإذا كان الشئ الذى يطلب عرضه سنداً أو وثيقة فيلاحظ أمران : أولهما أن فحص الوثيقة قد يكون ضرورياً لا للبت فى وجود الحق المدعى به وتعيين مداه ، بل لمجرد الاستناد إليها فى إثبات  $46  حق للطالب . والثانى أن للقاضى أن يأمر عند الاقتضاء بتقديم الوثيقة للمحكمة لا مجرد عرضها على الطالب . فيجوز مثلا لمشترى الأرض ، إذا تعهد بالوفاء بما بقى من ثمن آلة زراعية ملحقة بها ، أن يطلب عرض الوثائق الخاصة بتعيين القدر الواجب أداؤه من هذا الثمن . ويجوز كذلك لموظف يدعى أنه عزل تعسفياً أن يطلب تقديم ملف خدمته للقضاء ليستخلص منه الدليل على التعسف )) .

 

       وإذا كانت نصوص تقنين المرافعات الجديد ضيقة من حيث نطاقها ، فهى على العكس من ذلك واسعة من حيث ترتب الجزاء عليها ، وقد رأينا أن الخصم أو الغير إذا لم يقم بتقديم الورقة اعتبرت صورة الورقة التى قدمها الخصم المدعى صحيحة مطابقة لأصلها ، فان لم يكن هذا قد قدم صورة الورقة جاز الأخذ بقوله فيما يتعلق بشكلها أو بموضوعها . وهذا أقص جزاء يمكن أن يترتب على الشخص إذا أخل بالتزامه القانون من تقديم مستند تحت يده .

 

2 ـ مسائــل الاثبـــات

 

       32 ـ مسائل ثلاث : مسائل الإثبات بوجه عام ثلاث :

       ( أولا )  محل الإثبات (objet de la prevue) .

       ( ثانياً )  عبء الإثبات (charge de la preuvem onus probandi) .

       ( ثالثاً )  طرق الإثبات (proceedes de la prevue) .

       ونتناول هذه المسائل الثلاث متعاقبات .

 

أولا ـ محــل الإثبـــات  

 

       ا ـ ما هو محل الإثبات :

 

       33 ـ محل الاثبات هو مصدر الحق وليس الحق ذاته : قدمنا ان محل الإثبات ليس هو الحق المدعى به ، شخصياً كان هذا الحق أو عينياً ، بل هو المصدر الذى ينشئ هذا الحق .

 

 

      $47والمصادر التى تنشئ الحقوق ، أيا كانت ، لا تعدو أن تكون إما تصرفاً قانونياً(acte juridique) وإما واقعة قانونية (fait juridique) على النحو الذى بيناه فيما تقدم .

 

       34 ـ بل هو مصدر أية رابطة قانونية : والمدعى به لا يقتصر على أن يكون قيام حق ، بل قد يكون انقضاء هذا الحق ، مثل ذلك أن يرفع شخص على آخر دعوى بدين وثبت وجوده ، فيدفع المدعى عليه الدعوى بانقضاء الدين ، ففى هذا الدفع يصبح المدعى عليه مدعيا ويقع عليه عبئ إثبات انقضاء الدين . ومثل ذلك أيضاً أن يرفع شخص على مالك عقار دعوى ثبوت حق انتفاع له على هذا العقار أو حق ارتفاق وثبت هذا الحق ، فيدفع المدعى عليه الدعوى بانقضاء حق الانتفاع أو حق  الارتفاق . وفى جميع هذه الأحوال يكون المدعى به فى الدفع ليس وجود الحق ، شخصيا كان أو عينياً ، بل زواله . وزوال الحق كوجوده يرجع إما إلى تصرف قانونى وغما إلى واقعة قانونية فمحل الإثبات هنا أيضاً هو التصرف القانونى أو الواقعة القانونية .

 

       وقد يكون المدعى به ليس وجود حق أو زواله ، بل وصفاً قانونيا يلحق وجود الحق أو زواله ، أى يلحق التصرف القانونى أو الواقعة القانونية . أما ما يلحق الواقعة القانونية فمثله أن تكون الواقعة المتمسك بها عملا غير مشروع ثم توصف بأن الدافع لارتكابها هو الدفاع الشرعى عن النفس ، فهذا الوصف أيضاً هو واقعة قانونية يجب إثباته على النحو الذى تثبت به الواقعة القانونية الأصلية . وأما ما يلحق بالتصرف القانونى ـ غير الأوصاف المعروفة المعدلة لآثار الالتزام ـ فمثله أن يكون التصرف عقدا ويتمسك الخصم بأنه باطل أو بأنه قابل للابطال أو بأنه قد فسخ . وأسباب البطلان منها ما يرجع للتراضى ومنها ما يرجع للمحل ومنها ما يرجع للسبب ، وهذه كلها جزء من التصرف القانونى تثبت على النحو الذى يثبت به . وأسباب القابلية للإبطال منها ما يرجع للأهلية ومنها ما يرجع لعيوب الإرادة من غلط وتدليس واكراه واستغلال ، وهذه كلها وقائع قانونية تثبت على النحو الذى تثبت به الواقعة القانونية . وأسباب الفسخ قد تكون تصرفاً قانونياً بأن يختار العاقد فسخ العقد بارادته ، وقد تكون واقعة قانونية بألا يقوم العاقد بتنفيذ التزامه فى عقد ملزم للجانبين.

 

 

 

       $48 35 ـ محل الاثبات ليس إلا التصرف القانونى أو الواقعة القانونية : ويتبين من ذلك كله أن محل الإثبات لا يعدو أن يكونتصرفاً قانونياً أو واقعة قانونية . فالى هذين مرد نشوء الحق وزواله وتعديله واوصافه القانونية . بل إلى هذين مرد كل الروابط القانونية ، أيا كانت هذه الروابط .

 

       ومن ثم لا معدى لمن يقوم بالإثبات من أن يثبت أحد أمرين . إما تصرفاً قانونياً أو واقعة قانونية([65]) . ومتى أثبت ذلك ، كان على القاضى أن يستخلص مما ثبت ما يرتب القانون عليه من الآثار .

 

       36 ـ عنصرا الادعاء ـ الواقع والقانون : فالادعاء بحق أو بأية رابطة قانونية أما القضاء ينقسم إذن إلى عنصرين :

 

$49(1) عنصر الواقع ، وهو مصدر الحق المدعى به ، أى التصرف القانونى أو الواقعة القانونية التى أنشأت هذا الحق . وهذا العنصر هو وحده الذى يطالب المدعى باثباته . والإثبات هنا يتناول مسائل موضوعية لا رقابة لمحكمة النقض عليها ، إلا فيما يرسمه القانون من قواعد قانونية للإثبات يلتزم القاضى بتطبيقها وفى السماح للخصوم باثبات هذه المسائل . فمثلا إذا رفع المشترى على البائع دعوى بتثبيت ملكيته للعقار الذى اشتراه ، فان ثبوت عقد البيع مسألة موضوعية لا تخضع لرقابة محكمة النقض ، ولكن وجوب غثبات البيع إذا زادت قيمته على عشرة جنيهات بالكتابة أو بما يقوم مقامها مسألة قانونية تخضع لهذه الرقابة . (2) عنصر القانون ، وهو استخلاص الحق من مصدره بعد أن يثبت الخصم هذا المصدر ، أى تطبيق القانون على ما ثبت لدى القاضى من الواقع . وهذا من عمل القاضى وحده ، لا يكلف الخصم إثباته , فالقانون لا يكلف أحداً هذا الإثبات ، بل على القاضى أن يبحث من تلقاء نفسه عن القواعد القانونية الواجبة التطبيق على ماثبت عنده من الواقع فيطبقها . وهو فى تطبيقها يخضع لرقابة محكمة النقض([66]) ففى المثل المتقدم ن بعد إثبات عقد البيع بالكتابة ، يكون على القاضى أن يستخلص منه التزاماً فى ذمة البائع بنقل ملكية العقار المبيع للمشترى ، وعلى القاضى أن يستخلص أيضاً أن الملكية لا تنتقل فعلا إلى المشترى إلا بتسجيل عقد البيع . وكل هذه مسائل قانونية يقضى بها دون أن يكلف أحداً من الخصمين باثباتها ، فهى ليست محلا للاثبات إذ المفروض أن القاضى هو  $50 أول من يعلم القانون وقد ناطت الدولة به تطبيقه . بل إن القاضى لا يستطيع أن يمتنع عن القضاء بحجة أنه لا توجد أحكام قانونية يمكن تطبيقها ، وإن امتنع عد امتناعه نكولا عن أداء العدالة (deni de justice) .

 

       37 ـ تفسير القانون يلحق بعنصر القانون ، ويقع عبؤه على القاضى لا على الخصم : وقد يقع أن تكون أحكام القانون غامضة ، فنكون فى حاجة إلى التفسير . وعلى القاضى أيضاً يقع عبء هذا التفسير لا على الخصم . فالقاضى هو المنوط به تفسير القانون وتطبيقه تطبيقاً صحيحاً على الواقع الذى ثبت أمامه بالطرق القانونية . وإذا كان الخصم يجتهد فى أن يقنع القاضى بتفسير للقانون يكون فى مصلحته ، فليس هذا من جهة الخصم إثباتاً لأحكام القانون ، بل هى محاولة يبذلها لحمل القاضى على أن يفهم القانون الفهم الذى يتفق مع مصحلته . وهى محاولة لم يكلف القانون الخصم بها ، ولم يرسم لها طرقاً معينة كما رسم لإثبات الواقع . وهى بعد محاولة قد تنجح وقد تفشل ، وللقاضى فيها القول الفصل . وآية ذلك أن القاضى فى تفسير القانون يستطيع أن يحكم بعلمه ، وهو لا يستطيع ذلك فى إثبات الواقع . بل هو فى القانون وفى تفسيره لا يحكم إلا بعلمه ، وهذا العلم هو مصدره الوحيد لمعرفة القانون . وغنى عن البيان أنه يستعين فى تحصيل هذا العلم بمراجعة نصوص القانون ، وما وضعه الفقه من شرح لهذه النصوص ، وما قرره القضاء من مبادئ فى تطبيقها . ولكنه فى النهاية يعتمد على فهمه الشخصى لأحكام القانون ، لا يقيده فى ذلك فقه مبسوط أو قضاء سابق . وإنما يكون فى هذا الفهم الشخصى خاضعاً لرقابة المحكمة العليا ، فتعقب على قضائه فيما ترى التعقيب عليه([67]) .

$51 38 ـ متى يصبح القانون مسألة موضوعية يتعين على الخصم اثباته ـ العادة الاتفاقية والقانون الاجنبى : على أن القانون يصبح مسألة موضوعية ، فيتعين على الخصم إثباته ، ولا يخضع القاضى فى تطبيقه لرقابة محكمة النقض ، فى موضعين :

 

       ( أولا ) إذا كانت هناك قاعدة تقوم على العادة الاتفاقية (usage conventionnel) وتعتبر شرطاً مفترضاً فى العقد لا حاجة إلى التصريح به فتصبح القاعدة فى هذه الحالة شرطاً من شروط العقد ، شأنها فى الإثبات شأن سائر شروط العقد يتعين على من يتمسك بها أن يقوم باثباتها . فاذا سلم بها الخصم الآخر لما استفاض من شهرتها العامة (notoriete publique) ، أخذ بها القاضى كمسألة موضوعية ثابتة . وإن نازع الخصم فيها ، كان على ذى المصلحة من الخصوم أن يثبتها ، ويكون ذلك بجميع الطرق ولو بالبينة أو بقول أهل العلم بها ([68]) . ذلك أن هذا القاعدة ، وإن كانت تدخل ضمن قانون العقد ، إلا أنها تصبح مسألة واقع لا مسألة قانون ، إذ ترد فى النهاية إلى إرادة المتعاقدين المفترضة ، فهما قد ارتضيا فرضاً ما ألفته الناس فى التعامل من الشروط ([69]) .

 

       ثم إن المراد إثباته هنا ليس هو أن المتعاقدين قد ارتضيا القاعدة شرطاً من شروطالعقد ، فان التراضى على ذلك مفروغ منه بحكم أن القاعدة تقوم على العادة التى ألفتها الناس فى التعامل ، وإلا لوجب أن يكون إثباتها بالكتابة فيما يجب إثبات التصرف القانونى فيه بهذه الطريقة . ولكن الإثبات ينصب فى هذه الحالة على مجرد وجود العادة الاتفاقية وقيامها المادى (sa materialite) ، وهذه $52  واقعة مادية تثبت بجميع الطرق كما قدمنا . ويخلص من ذلك أن التعرف على القاعدة التى تقوم على العادة الاتفاقية لا يخضع لرقابة محكمة النقض ، بل يصبح مسألة واقع لا تعقيب فيها على محكمة الموضوع .

 

       وهذا بخلاف القاعدة القانونية التى يكون مصدرها العرف (coutume) لا العادة (usage) ، فهذه مسألة قانون تخضع لرقابة محكمة النقض , وقد عارض بارتان([70]) بين العادة والعرف من حيث الإثبات . فالعادة ، على ما عرفت ، عنصر من عناصر الواقع ، يتمسك بها الخصم فعليه إثباتها ، كما يفعل فى سائر شروط العقد الصريحة أو الضمنية . أما العرف فقاعدة قانونية . شأنها فى الإثبات شأن القواعد القانوينة التى يكون مصردها التشريع . وليست القاعدة القانونية التى تقوم على العرف فى حاجة إلى الإثبات أكثر من حاجة القاعدة القانونية التى تقوم على التشريع . كلتا القاعدتين قانون واجب التطبيق (opinion juris vel necessitates) يتعين على القاضى البحث عنه من تلقاء نفسه لتطبيقه ، دون حاجاة إلى إثباته من جانب الخصوم([71]) .

$53(ثانياً) إذا كان القانون الطبق قانوناً أجنبياً بمقتضى قاعدة من قواعد الإسناد . مثل ذلك أن يطبق القاضى القانون الفرنسى فى الحكم بصحة عقد زواج فرنسى بفرنسية . فهنا توجد مسألتان : (1) مسألة قانون ، هى قاعد افسناد التى تقضى بالرجوع فى الشروط الموضوعية لصحة الزواج إلى قانون كل من الزوجين ، وهى جزء من نصوص التقنين المدنى المصرى (م 12 من التقنين المدنى الجديد) ، ويخضع القاضى فى تطبيقها لرقابة محكمة النقض . (2) ومسألة واقع ، هى أحكام القانون الفرنسى (وهو قانون كل من الزوجين) الخاصة بصحة الزواج ، وهذه تكون محلا للإثبات ، ويكلف الخصم ذو المصلحة إثباتها ، ومتى ثبتت وأخذ بها القاضى فإنه لا يكون خاضعاً لرقابة محكمة النقض فى التعرف على أحكام القانون الأجنبى . وهنا أيضاً نرى أن القانون ـ القانون الأجنبى ـ يصبح مسألة موضوعية يتعين على الخصم إثباته ، ويعتبر فى هذه الحالة واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق ، ويدخل فى ذلك رأى أهل العلم بالقانون الأجنبى والنصوص الرسمية لهذا القانون وما يقترن بهذه النصوص من تفسير فقهى وقضائى .

 

$54  وعلى هذا جرى القضاء المصرى([72]) مقتدياً فى ذلك بالقضاء الفرنسى([73]) . والفقه فى فرنسا منقسم فى هذه المسألة . فريق يؤيد القضاء الفرنسى لأسباب ترجع فى الغلب إلى اعتبارات عملية إذ لا يتيسر للقاضى فى كثير من الأحوال أن يلم بالقانون الأجنبى([74]) . وفريق آخر يعارض القضاء الفرنسى ويعتبر تطبيق قانون أجنبى مسألة قانون لا مسألة واقع ، لأن القانون لا تتحول طبيعته فيصبح واقعاً لمجرد أن قاضياً أجنبياً يطبقه بمقتضى قاعدة إسناد فى قانونه الوطنى ([75]) . وهناك من الفقهاء من يرى وجوب اعتبار تطبيق القانون الأجنبى مسألة قانون ، ولكنه مع ذلك يقر موقف القضاء الفرنسى للضرورات العملية ([76]) . والفقه  $55  فى مصر منقسم انقسام الفقه فى فرنسا ([77]) .

      

ونحن ، مع ذلك ، لا نتردد فى اعتبار تطبيق أحكام القانون الأجنبى مسألة قانون لا مسألة واقع . فان القاضى ، إذا أمره قانونه الوطنى بتطبيق أحكام قانون أجنبى ، وجب أن يعتبر أحكام هذا القانون الأجنبى بالنسبة إلى القضية التى يطبق فيها هذه الأحكام جزءاً من قانونه الوطنى . فعليه إذن أن يبحث من تلقاء نفسه عن أحكام القانون الأجنبى الواجبة التطبيق فى هذه القضية . وله أن يصدر فى هذه الأحكام عن علمه الشخصى . ولا يجوز له أن يمتنع عن تطبيق أحكام القانون الأجنبى عن علمه الشخصى . ولا يجوز له أن يمتنع عن تطبيق أحكام القانون الأجنبى بدعوى عدم إمكان الاهتداء إليها ، وإلا عد امتناعه نكولا عن أداء العدالة (deni de justice) . بل ويكون فى تطبيقه لأحكام القانون الأجنبى ، كما هو فى تطبيقه لقاعدة الاسناد التى أمرته بتطبيق هذه الأحكام ، خاضعاص لرقابة محمة النقض . وتفسر هذه المحكمة القانون الأجنبى ، لا طبقاً لرأيها الشخصى ، بل وافقاص لما تفسره به محاكم البلد الذى ينسب إليه هذا القانون وبخاصة المحكمة العليا منها . ونحن إنما نذهب إلى هذا ارأى لأنه لا يصح أن تتغير طبيعة القانون فيصبح واقعاً ، سواء كان هذا القانون قانوناً وطنياً أو كان  $56  قانوناً أجنبياً يأمر القانون الوطنى بتطبيقه فيصبح جزءاً منه فى حدود هذا التطبيق . والذى دعا إلى القول بنزول مرتبة القانون الأجنبى إلى حد أن يكون واقعاً لا قانوناً أمران . ( الأمر الأول ) يرجع إلى التاريخ . فقد كان القانون الأجنبى فى الماضى لا يعامل معاملة القانون الوطنى . وإذا أجيز تطبقه فعلى اعتبار أنه واقع لا قانون . فلا يفترض العلم به ، ولا يبحث القاضى عن أحكامه من تلقاء نفسه بل يجب على الخصم إثباتها ، ولا يحضع القاضى فى تطبيقه هذه الأحكام لرقابة محكمة النقض ، وإذا امتنع عن تطبيقه لم يعد ناكلا عن أداء العدالة . وكان هذا يرجع إلى نظرية عتيقة تقول بأن القانون الأجنبى إنما يطبق على سبيل المجاملة الدولية (ex comitatte gentuum) وقد هجرت هذه النظرية هجراناً تاماً وعفا عليها الزمن ، ففيم الإبقاء على بعض آثارها والاصرار على عدم رد اعتبار القانون الأجنبى ! ([78]) . (والأمر الثانى) يرجع إلى العمل . فقد يصعب فى بعض الأحوال أن يهتدى القاضى من تلقاء نفسه إلى أحكام القانون الأجنبى ، ومن ثم كان تكليف الخصم باثبات هذه الأحكام تيسيراً لتغيير طبيعة القانون . على أن مهمة القاضى فى هذا الصدد ، بعد انتشار العلم ، لم تصبح من العسر على ما كانت منه فى الماضى . وبعد ، فلا يوجد ما يمنع القاضى من الاستعانة بالخصم صاحب المصلحة فى الاهتداء إلى أحكام القانون الأجنبى ، ومصلحة الخصم أكبر دافع له فى ذلك ، على أن يبقى القاضى هو صاحب القول الفصل فى التعرف على

 

 

أحكام القانون الأجنبى ،$57 خاضعاً فى ذلك لرقابة محكمة النقض ([79]) .

 

       ب ـ الشروط الواجب توافرها فى محل الاثبات :

 

       39 ـ طائفتان من الشروط : والواقعة المراد إثباتها يجب أن تتوافر فيها جملة من الشروط ، يمكن تقسيمها إلى طائفتين : (1) طائفة من الشروط بداهتها تغنى عن الإطالة فيها ، وهى أن تكون الواقعة محددة (determine) وغير مستحيلة (comteste) . (2) وطائفة أخرى نصت عليها المادة 156 من تقنين المرافعات الجديد على الوجه الآتى : (( يجب أن تكون الوقائع المراد إثباتها متعلقة بالدعوى ، منتجة فيها ، جائزاً قبولها )) .

 

       40 ـ شروط بديهية : : أما أن تكون الواقعة المراد إثباتها محددة فهذا بديهى ، فالواقعة غير المحددة لا يستطاع إثباتها . ولو أن شخصاً طالب بدين أو بملكية وأسس دعواه على عقد لم يحدد ماهيته ، أهو بيع أو صلح أو قسمة أو غير ذلك من العقود التى يصح أن تكون مصدراً للدين أو سبباً للملكية ، فان الواقعة التى يريد إثباتها لا تكون محددة تحديداً كافياً ، فلا يصح السماح باثباتها إلا بعد أن تحدد . وكون الواقعة محددة تحديداً كافياً مسألة موضوعية تخضع لرقابة محكمة النقض ([80]) .

       وأما أن تكون الواقعة المراد إثباتها غير مستحلية ، فهذا أيضاً بديهى ، $58 فالمستحيل لا يصح عقلا طلب إثباته . والاستحالة ترجع إلى أحد أمرين : إما استحالة التصديق عقلا وإما استحالة الإثبات . فالأولى كالعمى يدعى أنه رأى هلال رمضان ، والمنجم يدعى أنه أوتى علم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله ، ومجهول النسب يدعى بنوته إلى من لا يكبره فى السن . والثانية ترجع إلى أن الواقعة المراد إثباتها هى فى ذاتها قابلة للتصديق عقلا ولكن لا سبيل إلى إثباتها ، كمن يدعى واقعة مطلقة بأن يقول أنه لم يكذب قط أو أنه يؤدى فريضة الصلاة طوال حياته . فهاتان واقعتان إحاهما سلبية والأخرى إيجابية ، وكلتاهما واقعة مطلقة هى متصورة التصديق ولكن إثباتها مستحيل ، فلا يجوز قبولها واقعة للإثبات . ولا يرجع ذلك إلا إلى أن الواقعة مطلقة اى خالية من التحديد. ومن ثم ترى أن استحالة الاثبات تتلاقى مع عدم التحديد ، ويصبحان شرطاً واحداً . فالواقعة يجب أن تكون محددة كما قدمنا ، فان لم تكن محددة لا يجوز قبولها للإثبات ، لا لأنها غير محددة فحسب ، بل لأنها أيضاً يستحيل إثباتها . ومن ثم نرى أيضاً أن استحالة الإثبات ترجع إلى عدم تحديد الواقعة لا إلى أنها واقعة سلبية . فالواقعة السلبية المحددة ـ كالواقعة الإيجابية المحددة لا يستحيل إثباتها ، فيجوز قبولها للإثبات . مثل ذلك شخص يطالب آخر برد غير المستحق وثبت أنه لم يكن مديناً بما دفعه للمدعى عليه ، فهنا الواقعة السلبية محددة ، وهى عدم المديونية فى دين

معين ، وما على المدعى إلا أن يثبت أن هذا الدين الذى دفعه مصدره عقد باطل أو عقد قد فسخ أو أن الدين قد سبق الوفاء به أو نحو ذلك([81]) .

 

 

 

 

 

 

 

 

.

$59هذا وكون واقعة المراد إثباتها مستحيلة التصور عقلا أو مستحيلة الإثبات مسألة موضوعية ، ولكن محكمة النقض تستطيع أن تنفذ إلى بسط قدر من الرقابة من طريق القصور فى التسبيب . 

      

       ويجب أخيراً أن تكون الواقعة المراد إثباتها غير معترف بها . وهذا أيضاً شرط بديهى ، إذ لا محل لإثبات واقعة معترف بها . فالاعتراف إقرار ، والإقرار كما سنرى إعفاء من الإثبات ، فتكون الواقعة محل الادعاء قد أعفى مدعيها  $60 من إثباتها فأصبحت بذلك ثابتة ([82]) . لذلك يكون الأصح القول إن الواقعة المعترف بها قد أصبحت ثابتة ، لا أنها واقعة غير قابلة للإثبات . ويتضح الفرق بين القولين فى أن الواقعة المعترف بها لا تصبح ثابتة إلا بالنسة إلى المقر إذ الإقرار حجة قاصرة عليه ، أما بالنسبة إلى الغير فلم يقم الدليل عيها ومن ثم يصح إثباتها ، ولو كانت غير قابلة للإثبات لما صح ذلك ([83]) . وغنى عن البيان أن البت فى كون الواقعة معترفاً بها مسألة موضوعية لا رقابة فيها لمحكمة النقض .

 

       41 ـ شروط أساسية : ونعرض الآن للشروط الأساسية التى ورد ذكرها فى المادة 156 من تقنين المرافعات الجديد ، وهى الشروط الثلاثة الآتية : (1) أن تكون الواقعة المراد إثباتها متعلقة بالحق المطالب به (pertinent) . (2) أن تكون منتجة فى الإثبات (concluant) . (3) أن تكون جائزة الإثبات قانوناً (admissible) ([84]) .

       $61 42 ـ الواقعة متعلقة بالحق المطالب به : إذا كانت الواقعة المراد إثباتها هى ذاتها مصدر الحق المطالب به ، كما إذا تمسك البائع بعقد البيع لمطالبة بالثمن فيكون عقد البيع هو ذاته مصدر التزام المشترى بالثمن ، فان الواقعة فى هذه الحالة لا يمكن إلا أن تكون معلقة بالحق المطالب به وهو فى الوقت عينه منتجة فى الإثبات . ومن ثم لا يظهر ظهوراً واضحاً أهمية هذين الشرطين ـ كون الواقعة متعلقة بالحق وكونها منتجة فى الإثبات ـ فى هذه الحالة وهو حالة الإثبات المباشر (prevue directe) . وإنما تظهر أهميتهما فى حالة الإثبات غير المباشر (prevue indirecte) ، إذا انصب الإثبات ، لا على الواقعة ذاتها مصدر الحق ، بل على واقعة أخرى قريبة منها . ذلك أن الإثبات غير المباشر يقوم على فكرة تحويل الدليل (deplacement de prevue) من الواقعة الأصيلة إذ يتعذر إثباتها إلى واقعة بديلة هى التى يتيسر فيها الإثبات .

 

       فلا بد فى هذه الحالة ـ حالة الإثبات غير المباشر بتحويل الدليل ـ أن تكون الواقعة البديلة ، وهى الواقعة المراد إثباتها ، لا قريبة (voisin) من الواقعة الأصيلة فحسب ، بل يجب أيضاً أن تكون متصلة (connexe) بها اتصالا وثيقاً . وهذا الاتصال الوثيق هو الذى يجعل الواقعة المراد إثباتها متعلقة بالحق المطالب به ، إذ أن اتصالها بالواقعة الأصيلة التى هى مصدر الحق يجعل إثباتها متعلقاً باثبات الواقعة الأصيلة ، فيصبح إثبات الواقعة البديلة من شأنه أن يجعل إثبات الواقعة الأصيلة قريب الاحتمال ([85]) .     

       مثل ذلك أن يقدم المستأجر مخالصات بأجرة عن جميع المدد السابقة على المدة التى يطالبه المؤجر بأجرتها ، ويرمى من وراء ذلك أن يثبت أنه يدفع الأجرة $62بانتظام ولم يخل بالتزمه طوال المدد السابقة . فهذه واقعة متصلة بواقعة الوفاء بالأجرة عن المدة المطالب بأجرتها ، فهى إذن متعلقة بالدعوى . ولكنها غير منتجة فى الإثبات ، لن دفع الأجرة عن مدد سابقة لا يفيد دفعها عن مدة لاحقة([86]) وقد تكون الواقعة المراد إثباتها متعلقة بالدعوى ومنتجة أيضاً فى الإثبات ، كأن يقدم المستأجر مخالصات بالأجرة عن مدد لاحقة للمدة التى يطالب المؤجر بأجرتها ، فهبذه واقعة ليست هى ذاتها واقعة الوفاء بالجرة المطالب بها بل هى واقعة متصلة بها فهى متعلقة بالدعوى ، ثم هى منتجة فى الإثبات فإن التقنين المدنى الجديد (م 587) يعتبرها قرينة على الوفاء بالأجرة المطالب بها إلا إذا أثبت المؤجر عكس ذلك ([87]) .

 

       وكون الواقعـة متعلقـة بالدعـوى مسألـة موضوعية لا تخضـع لرقابة محكمـة

النقض ([88]) .

 

       43 ـ الواقعة منتجة فى الإثبات : رأينا فى المثلة المتقدمةمتى تكون الواقعة متعلقة بالدعوى ومتى تكون منتجة فى الإثبات . فالواقعة المتعلقة بالدعوى هى الواقعة البديلة التىيكون إثباتها من شأنه أن يجعل إثبات الواقعة الأصيلة قريب الاحتمال . والواقعة المنتجة فى الإثبات هى الواقعة البديلة التى يؤدى إثباتها إلى إثبات الواقعة الأصيلة . ويتبين من ذلك أن إنتاج الواقعة فى الإثبات مرتبة أعلى $63من تعلق الواقعة بالدعوى . فكل واقعة متعلقة بالدعوى لا تكون ضرورة منتجة فى الإثبات ، ولكن كل واقعة منتجة فى الإثبات تكون حتماً متعلقة بالدعوى . فمن طالب بملكية عين وتقدم بواقعة التقادم الطويل سبباً لملكية ، إذا أدعى أنه حاز العين مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة ، فهذه واقعة منتجة فى الإثبات ، بل هى الواقعة الأصيلة ذاتها ، وهى بالضرورة متعلقة بالدعوى . أما إذا ادعى أن حيازته للعين كانت لمدة تقل عن خمس عشرة سنة ، فهذه واقعة متعلقة بالدعوى ولكنها غير منتجة فى الإثبات .

 

       وقد يقال لماذا يشترط فى الواقعة هذان الشرطان معاً ، وأحدهما ـ وهو الإنتاج ـ يستغرف الآخر ، فكان يكفى أن يشترط وحده ؟ وهذا صحيح من الناحية النظرية . وكن يحسن ، من الناحية العملية ، فصل الشرطين أحدهما عن الآخر . فقد يطلب الخصم إثبات هذه الواقعة قبولا مبدئياً ،حتى إذا تبين فيما بعد أنها غير منتجة فى الإثبات رفض القاضى استمرار السير فى إثبات الواقعة أو أضاف اليها وقائع أخرى تتساند معها . أما إذا أدمج الشرطان فى شرط واحد ، وكان لا بد من أن تكون الواقعة منتجة من مبدأ الأمر ، لم يستطع القاضى قبول إثبات الواقعة قبولا مبدئياً ، فيتعطل بذلك طريق الإثبات ([89]) .

       وكون الواقعة منتجة فى الإثبات مسألة موضوعية لا تخضع لرقابة محكمة النقض إلا من حيث قصور التسبيب . أما إذا بنى عدم الإنتاج فى الإثبات على أسباب قانونية ، كأن كانت الواقعة المراد إثباتها إنما تنسب إذا صحت إلى مالك البناء لا إلى حارسه والمسئول قانوناً هو الحـارس لا المالك ، أصبــح الأمـر متعلقـاً $64بمسألة من مسائـل القانون مما يخضع لرقابــة محكمة النقض ([90]) .

 

       44 ـ الواقعة جائزة الاثبات قانونا : ويجب أخيراص أن تكون الواقعة جائزة الإثبات قانوناً . والقانون قد لا يجيز إثبات واقعة تحقيقاً لأغراض مختلفة . ومن هذه الأغراض ما يمت إلى النظام العام والآداب ، كالمحافظة على سر المهنة ([91]) وتحريم دين المقامرة والربا الفاحش وبيع المخدرات وعدم جواز إثبات صحة القذف ونحو ذلك ([92]) . وقد تمت هذه الأغراض إلى الصياغة الفينة ، كما هو الأمر فى الوقائع التى تصطدم مع قرينة قاطعة قررها القانون . مثل ذلك حجية الأمر المقضى ، فلا يجوز إثبات واقعة مخالفة لما هو ثابت فى حكم قضائى . ومثل ذلك أيضاً أن يطلب حارس الشئ إثبات أنه لم يرتكب خطأ مع أن القانون يقيم مسئوليته على خطأ فى جانبه مفروض فرضاً غير قابل لإثبات العكس ([93]) . وكون الواقعة جائزة الإثبات قانوناً مسألة قانون تخضع لرقابة محكمة النقض،$65 لأن عدم جواز إثبات الواقعة يرجع دائماً إلى حكم فى القانون يمنع من هذا الإثبات . وهذا بخلاف كون الواقعة متعلقة بالدعوى وكونها منتجة فى الإثبات ، فقد رأينا أنها فى الصل مسائل موضوعية لا تخضع لرقابة محكمة النقض ([94]) .

 

ثانياً ـ عـبء الاثبـات 

45 ـ النصوص القانونية : تنص المادة 389 من التقنين المدنى على ما يأتى :

       (( على الدائن إثبات الالتزام ، وعلى المدين إثبات التخلص منه ([95]) )) .

$66ويقابل هذا النص فى التقنين الدنى السابق المادة 214/278 ([96]) ـ وفى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى لا شئ ([97]) ، وفى التقنين المدنى العراقى المواد من 444 إلى 448 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المادة 362 ، وفى التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة المادة 376 ([98]) ـ

$67وفى التقنين المدنى الفرنسى المادة 1315([99]) .

 

       46 ـ أهمية تعيين من يحمل عبء الاثبات من الخصمين : أول تنظيم لقواعد الإثبات يتصل بتعيين من من الخصمين يحمل عبئ الإثبات ، أى من منهما يكلف بالإثبات دون الآخر . وتعيين من يحمل عبء الإثبات من الخصمين يكاد يتوقف عليه ، فى كثير من الأحوال ، مصير الدعوى من الناحية العملية . فقد يكون الحق متراوحاص بينهما ، لا يستطيع أى منهما أن يثبته أو أن ينفيه ، فالقاء عبء الإثبات على أحدهما معناه حكم عليه أو حكم لخصمه ([100]) .

 

       فيعنينا إذن أن نبين من يحمل عبء الإثبات . وهذه مسألة لها ناحيتان : ناحية المبدأ وناحية التطبيق .

 

       1 ـ عبء الاثبات من ناحية المبدأ :

       47 ـ البينة على من ادعى واليمين على من أنكر : من المبادئ المقررة فى الفقه الإسلامى أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ([101]) . وفى$68.القانون المصرى وسائر القوانين الحديثة توجد القاعدة ذاتها ، فالمدعى هو الذى يحمل فى الأًصل عبء الإثبات ، سواء كان دائناً يدعى ثبوت الدائنية أو مديناص يدعى التخلص من المديونية كما تقول المادة 389 .

 

       ولكن يبقى أن نحده على وجه الدقة من هو المدعى .

       هو أولا من يرفع الدعوى على الغير يطالبه بحق معين ، فهو مدع فى دعواه هذه ، وعليه عبء إثبات ما يدعيه . فلو أن شخصاً طالب آخر بمبلغ معين ، فعليه أن يثبت مديونية المدعى عليه بهذا المبلغ له ، بأن يثبت مصدر الدين ، تصرفاً قانونياً كوصية أو عقد بيع أو واقعة قانونية كميراث أو شفعة .

 

       $69ولكن ليس من الضرورى أن يكون المدعى هو من يرفع الدعوى . فقد يدفع المدعى عليه الدعوى بدفع فيصبح مدعياً فى هذا الدفع ، وعليه هو يقع عبء إثباته . ففى الأمثلة المتقدمة قد يدفع المدين بأنه وفى دينه ، فعليه إثبات هذا الوفاء . وقد يدفع الحائز للعين بأنه ملكها بالتقادم ، فعليه إثبات ذلك ([102])  .

       فيمكن إذن لأول وهلة أن نقول إن من يحمل عبء الإثبات هو المدعى فى الدعوى والمدعى عليه فى الدفع ، فكلاهما مدع فى دعواه ([103]) .

(actor incumbit probation. Reus in exceptione actor est)

      $70 48 ـ الببينة على من يدعى خلاف الأصل : ولكن هذه القاعدهة تحول بساطتها دون مواجهة الصعوبات التى تعرض فى العمل . فقد يقع أن المدعى ، حتى فى الدعوى التى رفعها , لا يكلف بالإثبات ، بل يكلف به خصمه وفقاً لطبيعة وضع كل منهما . فمن رفع دعوى على جاره يطالبه بسد مطل لا يكلف ـ وهو المدعى فى الدعوى ـ بإثبات أن جازه فتح المطل دون أن يكون له حق ارتفاق يجيز فتح المطل . ففى هذا المثل يقع عبء الإثبات على المدععى عليه لا على المدعى ، لأن طبيعة الوضع تقضى بخلو العقار من حقوق الارتفاق حتى يثبت ذو المصلحة عكس ذلك .

      

ومن ثم فإن القول بأن المدعى هو الذى يحمل عبء الإثبات لا يستقيم فى جميع الفروض ، فوجب إذن البحث عنقاعدة تكون أكثر انضباطاً ([104]) . وقد وضعت قاعدة فى هذا الصدد من شقين ، تستجيب لطبائع الأشياء . فقيل إن من يتمسك بالثابت أصلا لا يكلف باثباته ، أما من يدعى خلاف الأصل فعليه هو يقع عبء إثبات ما يدعيه(Onus probandi incumbit ei qui dicit) . ذلك $71أن من يتمسك بالثابت أصلا ، وإن كان من الجائز ألا يكون على حق من ناحية الواقع والعدالة ، إلا إنه من ناحية القانون ومن أجل استقرار التعامل يجب أن يحمى ، فيترك على الأصل دون أن يتكلف عناء أى إثبات ([105]) . وهذا هو الشق الأول من القاعدة . أما من يدعى خلاف الأصل فهو يستحدث جديداً لا تدعمه قرينة بقاء الأصل على أصله ، فعليه أن يثبت هذا الجديد حتى يتمتع بحماية القانون . وهذا هو الشق الثانى ([106]) .

 

       49 ـ فى نطاق الحقوق الشخصية الأصل هو براءة الذمة : وفى نطاق الحقوق الشخصية الأصل هو براءة الذمة من كل التزام . فمن يتمسك بالأصل لا إثبات عليه . ومن يدعـى خلاف الأصل ، بأن يدعى دينـاً فى ذمـة الغير قبلـه ، عليه أن يثبت مصـدر هذا الدين ([107]) . فمن ادعى أنه أقرض آخر مبلغاً من المال عليه أن يثبت عقد القرض . ومن طالب آخر بثمن مبيع عليه أن يثبت عقد البيع . والشريك الذى يطالب شريكه بنصيبه فى الخسارة عليه أن يثبت عقد الشركة وأن يثبت مقدار الخسارة التى لحقتها ([108]) . $72ويتفرع على ذلك مواقف عدة يختار القانون فيها وضعاً يعبره هو الأصل ، فمن تمسك به لا يكلف بإثبات شئ ، ومن ادعلا خلافه فعليه عبء الإثبات . مثل ذلك الأهلية ، فالأصل أن كل شخص أهل للتعاقد ما لم تسلب أهليته أو يحد منها بحكم القانون ( م109 مدنى ) ([109]) . ومثل ذلك أيضاً عيوب العقد ، فالأصل أن يكون العقد سليما من العيوب ، ومن يدعى أن بالعقد عيباً عليه إثباته . ومثل ذلك أخيراً إجازة العقد القابل للابطال ، فالأصل عدم إجازة العقد ، ومن يدعى أنه أجيز عليه أن يثبت هذه الاجازة ([110]).

 

       50 ـ وفى نطاق الحقوق العينية الأصل هو الظاهر : وفى نطاق الحقوق العينية الأصل هو الظاهر . فالحائز للعين لا يطالب باثبات ملكيتها لأن الظاهر هو أن الحائز مالك . والخارج الذى يدعـى ملكية العيـن هـو الذى يدعـى خـلاف ذلـك ، فعليـه هـو يقـع  عبء الاثبات ([111]) . ومن ثم كان الحائز هو المدعى$73عليه دائماً فى دعوى الملكية ([112]) . وذلك ما لم يتبين من مستندات المدعى أن الظاهر يؤيد دعواه وينفى دفاع المدعى عليه ، فعندئذ ينتقل عبء إثبات الملكية إلى المدعى عليه ([113]) .

 

       $74وكذلك الظاهر أن حق الملكية خال من أن يثقل بحق عينى . فالمالك إذا تمسك بهذا الظاهر لا يطالب باثباته . ومن يدعى خلاف الظاهر ، بأن يدعى مثلا أن له حق ارتفاق ([114]) أو حق انتفاع أو حق رهن على العين ، كان عليه هو أن يثبت قيام لحق الذى يدعيه ، ولو كان مدعى عليه فى الدعوى الأصلية ، لأنه يدعى خلاف الظاهر([115]) .

 

       51 ـ والثابت فرضاً كالثابت أصلا وكالثابت ظاهراً : وقد يحل محل الأصل فى نطاق الحقوق الشخصية ومحل الظاهر فى نطاق الحقوق العينية وضع يفرض القانون وجوده عن طريق قرينة قانونية يقيمها . فيكون الثابت فرضاً كالثابت أصلا وكالثابت ظاهراً .

       مثل ذلك أن يرفع المضروو دعوى تعويض على المكلف برقابة قاصر صدر منه عمل غير مشروع أصاب المدعى بالضرر . وقد كان القياس يقتضى أن يثبت المدعى ، فوق العمل غير المشروع الصادر من القاصر ، تقصيراً من المكلف بالرقابة فى تأدية واجبه . ولكن القانون فرض أن هذا التقصير قد وقع منه بمقتضى قرينة قانونية أقامها ضده ( م173 فقرة 3 مدنى ) . فلا يكلف المدعى إثبات التقصير ، وينتقل عبء الإثبات إلى المدعى عليه فيثبت أنه قام بواجب الرقابة أو أن الضرر كان لابد واقعاً ولو قام بهذا الواجب بما ينبغى من العناية . وكذلك الحال فى مسئولية حارس الآلات الميكانيكية أو الأشياء التى تتطلب حارستها عناية خاصة ، كل هؤلاء فرض القانون فى جانبهم التقصير ، فمدعى التعويض لا يكلف بإثبات تقصيرهم ، بل لا يسمح لهم القانون أن يثبتوا أنهم قاموا بواجب العناية لأن قرينة التقصير هنا قرينة قانونية لا تقبل إثبات العكس $75 (المواد 176 و 177 فقرة أولى و178 من التقنين المدنى) . والمدعى بدين لا يكلف إثبات سببه المشروع ، لأن القانون فرض أن يكون لكل دين سبب مشروع ، وينتقل هنا عبء الإثبات إلى المدين فعليه أن يثبت هو أن الدين سببه غير مشروع ( م 137 فقرة 1مدنى ).

كذلك يعتبر السبب المذكور فى العقد هو السبب الحقيقى ، حتى يقيم المدين الدليل على ما يخالف ذلك (م 137 فقرة 2 مدنى) . والتأشير على سند بما يستفاد منه براءة ذمة المدين قرينة على الوفاء ، فينتقل عبء الإثبات من المدين إلى الدائن ، وعلى هذا أن يثبت أن المدين لم يقم بوفاء الدين (م 399 مدنى) .

 

       وفى نطاق الحقوق العينية ، إذا فرضت قيود معينة تحد من حق مالك العقار فى النباء عليه ، فالمدعى الذى يرفع دعوى على المالك متمسكاً بأن هذه القيود هى حقوق ارتفاق لا مجرد التزامات شخصية لا يكلف باثبات ذلك ، لأن القانون أقام قرينة على أن هذه القيود هى حقوق ارتفاق ، فاذا أراد المالك أن ينفى أنها حقوق ارتفاق وأنها ليست إلا التزامات شخصية انتقل إليه هو عبء هذا الإثبات (م 1018 فقرة 1مدنى) .

 

      

ومن هذه المثلة نرى أن القرينة القانونية إذا كانت قابلة لإثبات العكس إنما تنقل عبء الإثبات ممن يتمسك بها إلى خصمه ، أما إذا كانت غير قابلة لإثبات العكس فانها تعفى من يتمسك بها من الإثبات إعفاء نهائياً ولا تقتصر على نقل عبء الإثبات ([116]) .

 

$76  52 ـ كذلك تكون البينةعلى من يدعى خلاف ما هو ثابت فعلا : ومن يتمسك بما هو ثابت أصلا أو ظاهراً أو فرضاً يمكن أن نقول إنه يتمسك بما هو ثابت حكماً . وهو لا يكلف بالإثبات كما قدمنا ، بل من يدعى خلاف ما هو ثابت حكماً . وهو لا يكلف بالإثبات كما قدمنا ، بل من يدعى خلاف ما هو ثابت حكماً هو الذى يحمل عبء الاثبات . كذلك الحال

 

 

 

 

 

 

 

 

فيمن يتمسك بما هو ثابت فعلا ([117]) ، لا يكلف هو أيضاً بالاثبات ، وإنما يحمل عبء الاثبات من يدعى خلاف ما هو ثابت فعلا . والثابت فعلا هو ما أقام الخصم الدليل عليه بالطرق القانونية ، حقيقة أو ضمناً .

 

       مثل ذلك دائن يرفع دعوى الدين على مدينه ، فيدعى خلاف الأصل وهو براءة الذمة كما قدمنا ، فعليه إذن عبء إثبات الدين . فاذا ما أثبته حقيقة بسند مكتوب مثلا ، فلا يجوز للمدين أن يدعى وفاء الدين ، أى خلاف ما هو ثابت حقيقة ، إلا إذا حمل عبء إثبات ما يدعيه.

 

       ولو أن المدين فى المثل الذى قدمناه لم يكلف المدعى باثبات الدين حقيقة ، بل دفع الدعوى بالمقاصة ، كان هذا بمثابة إقرار ضمنى منه بالدين ، فيكون الدين ثابتاً ضمناً. وعلى المدين إثبات عبء انقضاء الدين بالمقاصة لأنه يدعى خلاف ما هو ثابت ضمناً .

 

 

$77 ومن ثم ثرى أن البينة تكون على من يدعى خلاف ما هو ثابت فعلا ، حقيقة كان هذا الثبوت أو ضمناً .

 

53 ـ استخلاص مبدأ عام فيمن يحمل عبء الاثبات : ونستطيع بعدما قدمناه أن نضع المبدأ الآتى : كل من يتمسك بالثبات حكماً ـ أصلا أو ظاهراً أو فرضاً ـ أو بالثابت فعلا ـ حيقة أو ضمنا ـ لا يقع عليه عبء الإثبات . وإنما يقع عبء الإثبات على من يدعى خلاف الثابت حكماً أو فعلا ،  لأنه يدعى خلاف الأصل أو الظاهر أو المفروض أو الثابت ، فوجب أن يحمل عبء إثبات ما يدعيه ([118]) . وغنى عن البيان أن تحديد من يحمل عبء الإثبات مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض .

 

ب ـ عبء الاثبات من ناحية التطبيق :

 

54 ـ كيف يقوم بالاثبات عملا من يحمل عبئه : متى تعين أى الخصمين يحمل عبء الاثبات ، وفقاً للمبدأ العام الذى قدمناه ، كان هذا الخصم $78 هو المكلف باقامة الدليل بالطرق القانونية على صحة ما يدعيه . فاذا ادعى شخص أنه أقرض شخصاً آخر مبلغاً من المال ، فعليه أن يثبت عقد القرض . ولكن هل معنى ذلك أن يثبت أيضاً أن عقد القرض خال من جميع أسباب البطلان ، وهذه ترجع إلى التراضى والمحل والسبب وإلى الأهلية وعيوب الارادة من غلط وتدليس وإكراه واستغلال ، ثم يثبت بعد ذلك أن العقد بعد أن العقد صحيحاً لم ينقض الدين الذى نشأ عنه بأى سبب من الأسباب كالوفاء والتجديد والمقاصة واتحاد الذمة والابراء ونحو ذلك ، ثم بعد أن يثبت أن الدين لم ينقض يثبت أيضاً أنه لم يلحقه أى تعديل ، وهكذا ! .

 

       من الواضح أن عبء الاثبات ، إذا فسرعلى هذا النحو ، ينوء به الخصم . ولذلك تقضى الضرورة أن يقتصر الخصم على إثبات عقد القرض . وبعد ذلك يستعان بالقرائن التى قدتمناها . فما هو ثابت حكماً أو فعلا لا يكلف باثباته ، ويترتب على ذلك أن القرض متى أثبته الدائن ، كان من الثابت حكماً أنه خال من أسباب البطلان ، فاذا ادعى المدين أن العقد قد لحقه سبب منها فعليه هو أن يثبت ذلك كما أسلفنا . ثم متى ثبت عقد القرض ، أصبح ثابتاً فعلا ، فاذا ادعى المدين خلاف ذلك ، بأن ادعى أن الدين قد انقضى بسبب من أسباب الانقضاء أو أنه قد لحقه أى تعديل ، فعليه هو عبء الاثبات كما تقدم القول ([119]) .

 

       ونرى من ذلك أن عبء الاثبات لا يقل كاهل أحد الخصمين دون الآخر ، بل هو يوزع بين الخصمين على النحو المتقدم ([120]) . قد يقع هذا التوزيع بحكم  $79  الواقع بمقتضى قرائن قضائية ينقل بها القاضى عبء الاثبات بحسب تقديره من الخصم إلى خصمه ، وقد يقع بحكم القانون بمقتضى قرائن قانونية ينتقل بها عبء الإثبات من خصم إلى آخر وقد يقع أخيراً بحكم الاتفاق بين الطرفين.

 

       55 ـ توزيع عبء الاثبات . بحكم الواقع : فمثل أن يقع التوزيع بحكم الواقع عن طريق قرائن قضائية ما يأتى :

 

(1) شخص يريد أن يثبت صورية عقد صدر من أب إلى ولده ، فيثبت إلى جانب علاقة البنوة أن الولد وهو صغير السن عديم الكسب ليس له مال ظاهر يسمح بدفع الثمن المذكور فى العقد أنه قد دفع . فتقوم قرينة قضائية على أن واقعة دفع الثمن واقعة صورية . فينق القاضى عبء الإثبات إلى الأب ، ليثبت مصدراً معيناً دفع منه الولد الثمن ، أو أن حقيقة العقد هبة فى صورة بيع وعندئذ يكون له حكم الهبة لا حكم البيع .

(2) شخص يطالب آخر بتعويض لاعتدائه على اختراع له حصل على باءته وسجلها . فعلى المدعى أن يثبت حصوله على البراءة وأنه قام بتسجيلها وفقاً للأوضاع المقررة فى القانون . وعند ذلك ينقل القاضى عبء الاثبات إلى المدعى عليه ليثبت ، إذا استطاع ، أن هذا الاختراع بالرغم من صدور براءة به وتسجيلها ليس بالجديد الذى يستحق الحماية .

(3) أنكر الخصم أن الختم الموقع به على الورقة هو ختمه . فعند ذلك يحمل الخصم الآخر عبء إثبات صحة الختم طبقاً للإجراءات المقررة فى القانون . فاذا أثبت ذلك نقل القاضى عب الإثبات إلى الخصم الأول ، ليثبت كيف وصل ختمه هذا الصحيح إلى الورقة التى عليها التوقيع ، ويكون ذلك عن طريق دعوى  $80 التزوير التى يجب أن يسار فيها بطريقها القانونى كما قضت بذلك محكمة النقض ( نقض مدنى 26 أبريل سنة 1934 مجموعة عمر 1 رقم 174 ص 346 ) .

 

(4) شخص يريد أن يثبت أن له حيازة المنزل محل النزاع ، فيقدم مستندات تثبت أنه هو الذى يؤجر المنزل ويقبض أجرته ويدفع ضريبته . فتقوم قرينة قضائية على أنه هو الحائز للمنزل . وعند ذلك ينقل القاضى عبء الإثبات إلى الخصم الآخر ليدحض هذه القرينة القانونية ، بأن يثبت مثلا أن الخصم الأول إنما يؤجر المنزل ويدفع الضريبة لا لحسابه الشخصى بل لحساب المالك الذى يدير هو أعماله . وهكذا ينقل القاضى عبء الاثبات من خصم إلى آخر تبعاً لما يستخلص كل منهما من قرائن يكون من شأنها أن تلقى عبء الإثبات على خصمه .

(5) موظف فصل من وظيفته ، فيرفع دعوى على الحكومة يقول فيها إن فصله كان تعسفياً . ولما كان هو الذى يحمل عبء إثبات التعسف ، فانه يستطيع فى هذا السبيل أن يطلب ضم ملف خدمته ليثبت منه تقدير الرؤساء لكفايته ومن الناحية الخلقية ، نقل القاضى عبء الإثبات إلى الحكومة لتقول هى بدوره لأى سبب بالذات قد فصلته . فان ذكرت الحكومة سبباً معيناً لفصله ، نقل عبء الإثبات إلى المدعى ، لثبت أن هذا السبب غير صحيح أو أنه لا يكفى بفرض صحته لنفى التعسف . وهكذا يتناوب الموظف والحكومة الإثبات إلى أن يعجز أحدهما عن أن يرد عبء الإثبات إلى صاحبه ، فيكون هو المحكوم عليه فى الدعوى . 

 

56 ـ توزيع عبء الاثبات . بحكم القانون : ومثل أن يقع التوزيع بحكم القانون عن طريق قرائن قانونية ما يأتى :

(1) يريد الدائن إثبات إعسار المدين . هنا يتكفل القانون بتحليل عناصر الإثبات وتوزيعها على الخصمين عن طريق إقامة قرائن قانونية . فقد نصت المادة 239 من التقنين المدنى على أنه (( إذا ادعى الدائن إعسار المدين ، فليس عليه إلا أن يثبت مقدار ما فى ذمته من ديون ، وعلى المدين نفسه أن يثبت أن له مالا يساوى قيمة الديون أو يزيد عليها )) . فالدائن إذن يحمل عبء إثبات مقدار ما فى $81  ذمة المدين من ديون . وعندئذ ينتقل عبء الإثبات إلى المدين ، ويكون عليه أن يثبت أن له مالا يفى بمجموع هذه الديون . وبمقدار كثرة الديون التى يستطيع الدائن إثباتها فى ذمة المدين يثقل عبء المدين فى إثبات أن ماله يفى بديونه . فان عجز عن هذا الإثبات اعتبر معسراً .

 

       (2) يريد الحائز أن يثبت أنه كسب الملكية بالتقادم ، أى أن يثبت أن حيازته استمرت المدة التى حددها القانون لتمام التقادم . هنا أيضاً يتكفل القانون بتوزيع عناصر الإثبات على الخصمين . فقد نصت المادة 971 من التقنين المدنى على أنه (( إذا ثبت قيام الحيازة فى وقت سابق معين وكانت قائمة حالا ، فان ذلك يكون قرينة على قيامها فى المدة ما بين الزمنين ، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك )) . فالحائز يحمل عبء إثبات أن حيازته بدأت فى وقت معين وأنها قائمة حالا . وهنا يقيم القانون قرينة على أن الحيازة استمرت قائمة فى المدة ما بين الزمنين . وينتقل بذلك عبء الإثبات إلى الخصم الآخر . ويكون عليه أن يثبت أنها انقطعت فى هذه المدة .

 

       (3) إذا أمن شخص على حياته ، ثم انتحر ، برئت ذمة المؤمن ( شركة التأمين ) من التزامه بدفع مبلغ التأمين إلى المستفيد . ومع ذلك لا تبرأ مة المؤمن من هذا الالتزام إذا كان سبب الانتحار يرجع إلى فقدان إرادة المنتحر . فاذا مات المؤمن على حياته وادعت شركة التأمين أنه مات منتحراً فبرئت ذمتها من الالتزام بدفع مبلغ التأمين إلى المستفيد ، فان القانون هنا أيضاً يوزع عبء الإثبات على كل من شركة التأمين والمستفيد . فقد نصت الفقرتان الأوليان من المادة 756 من التقنين المدنى على ما يأتى: (( (1) تبرأ ذمة المؤمن من التزامه بدفع مبلغ التأمين إذا انتحر الشخص المؤمن على حياته . ومع ذلك يلتزم المؤمن أن يدفع لمن يؤول إليهم الحق مبلغاً يساوى قيمة احتياطى التأمين . (2) فاذا بأكمله. وعلى المؤمن أن يثبت أن المؤمن على حياته مات منتحراً ، وعلى المستفيد أن يثبت أن المؤمن على حياته كان وقت انتحاره فاقد الإراده )) . فشركة التأمين تحمل إذن عبء إثبات أن المؤمن على حياته قد انتحر . وعندئذ يفرض القانون فرضاً قابلا لإثبات العكس أن الانتحار كان بارادة المنتحر ، وأن هذا لم يكن فاقد الإرادة وقت انتحاره . فينتقل عبء

                                                                     ( م 6 الوسيط جـ 2 )

 

 

$82 الإثبات إلى المستفيد . وعليه أن يثبت ، حتى يستحق مبلغ التأمين بأكمله ، أن المنتحر كان وقت انتحاره فاقد الإرادة ([121]) .

 

       (4) عقد أبرم بطريق المرسلة . ولكن الموجب ادعى أنه عدل عن إيجابه قبل أن يتم العقد . فعلى الخصم الآخر أن يثبت أن العقد قد تم إبرامه ـ أى أن الموجب قد علم بالقبول ـ قبل هذا العدول . ويوزع القانون عبء الإثبات بين الخصمين ، إذ تنص المادة 91 من التقنين المدنى على ما يأتى : (( ينتج التعبير عن الإرادة أثره فى الوقت الذى يتصل فيه بعلم من وجه إليه ، ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به ، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك )) . فعلى الخصم الآخر الذى قبل الإيجاب أن يثبت أن قبوله وصل إلى الموجب فى وقت سابق على الوقت الذى علم فيه بعدول الموجب عن إيجابه . وعند ذلك يفرض القانون أن الموجب قد علم بالقبول وقت وصوله إليه . فينتقل عبء الإثبات إلى الموجب . وعليه أن يثبت أنه بالرغم من وصول القبول إليه قبل عدوله عن الإيجاب ، إلا أنه لم يعلم به إلا بعد عدوله وعلم الخصم الآخر بهذا العدول .

      

       (5) باع شخص مالا يملكه . وبعد موته نازع ورثة البائع المشترى فى أن الثمن المذكور فى عقد البيع صورى ، وأن البيع قد صدر فى مرض الموت فيكون وصية ، ومن ثم لا ينفذ إلا من ثلث التركة . يوزع القانون عبء الإثبات هنا أيضاً بين الورثة والمشترى.  فقد نصت الفقرتان الثانية والثالثة من المادة 916 على ما يأتى : (( 2 ـ وعلى ورثة من تصرف أن يثبتوا أن العمل القانونى قد صدر من مورثهم وهو فى مرض الموت ، ولهم إثبات ذلك بجتميع الطرق ، ولا يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً. 3 ـ وإذا أثبت الورثة أن التصرف صدر من مورثهم فى مرض الموت ، اعتبر التصرف صادراً على سبيل التبرع ، ما لم يثبت من صدر له التصرف عكس ذلك . كل هذا ما لم توجد أحكام خاصة تخالفه )) . فالورثة إذن يحملون عبء إثبات أن البيع قد صدر فى مرض الموت . ومتى أثبتوا ذلك قامت قرينة قانونية على أن العقد مقصود به التبرع وأن ثمناً ما لم يدفع . وعند ذلك ينتقل عبء الإثبات إلى المشترى . وعليه أن يثبت أنه دفع للبائع ثمناً لا يقل عن قيمة المبيع بمقدار يجاوز$83  ثلث التركة ، وإلا فان البيع ، فيما تجاوز فيه زيادة قيمة البيع على الثمن ثلث التركة ، لا يسرى فى حق الورثة ( م477 مدنى) .

 

       ونرى من الأمثلة التقدمةأن كل قرينة قانونية قابلة لإثبات العكس ليست فى الواقع إلا توزيعاً لعبء الإثبات بين الخصمين ، يتكفل به القانون .

 

       ونرى كذلك مما سبق بيانه أن من يحمل عبء الاثبات ليس مطالباً فى الواقع من الأمر باثبات كامل قاطع . ولا هو يكلف ـ على عكس ما ذهب إليه الأستاذان أوبرى ورو ([122]) ـ باثبات كل عنصر من العناصر التى تتكون 

 

 

$84 منها الواقعة مصدر الحق المدعى به . وليست الحقيقة القضائية التى يتولى إثباتها بالحقيقة المطلقة التى لا يداخلها الشك . فالقانون لا يطلب المستحيل . وإنما يكتفى ممن يحمل عبء الاثبات أن يقنع القاضى بأن الأمر الذى يدعيه أمر مرجح الوقوع بحيث يكون من المعقول التسليم بوقوعه فعلا ، وينفى القاضى ما بقى من شك يحوم حول الأمر بأن ينقل عبء الاثبات إلى الخصم الآخر ، ليثبت أنه ، بالرغم من الظواهر التى ترجح وقوع الأمر ، توجد قرائن أخرى تجعل الراجح مرجوحاً . ثم يرد عبء الاثبات إلى الخصم الأول ، ليهدم هذه القرائن.

$85 بقرائن أخرى تعيد للأمر كفة الرجحان . وهكذا يتقاذف الخصمان الكرة ، كل منهما يدفعها إلى صاحبـه ، إلى أن يعجـز أحهمـا عن ردها ، فتسقط من يده ، ويسجـل علـى نفسـه الخسارة ([123]) .

      

       فلا نبالغ إذن فى القول بفداحة الاثبات . فان الخصم يتخفف من هذا العبء بأمرين : (أولا) بتحليل الواقعة المراد إثباتها إلى عناصر متعددة يتوزع بين الخصمين عبء إثباتها ، فيقوم كل منهما بنصيبه فى هذا العبء . (ثانياً) بعدم مطالبة الخصم ـ فى العناصر التى يكلف باثباتها ـ باثبات قاطع يصل بها إلى درجة الحقيقة المطلقة . بل يكفى أن يثبت رجحانها . وهذا هو شأن الحقيقة القضائية ، لا يقدر لها أن تصل إلى مرتبة الاطلاق ([124]) .

       $86 57 ـ تعيين من يقع عليه عبء الاثبات بحكم الاتفاق ( التعديل الاتفاقى لقواعد عبء الاثبات ) : وغنى عن البيان أن القواعد التى قدمناها فى عبء الإثبات قل أن تعتبر من النظام العام ، لأن الكثير منها لم يوضع إلا لحماية الخصوم . فمن الجائز إذن ، ما لم يوجد نص يقض بغير ذلك ، عند ما يضع القانون .

 

 

 

$87 قرينة قانونية تنقل عبء الاثبات إلى الخصم معين حماية للخصم الآخر ، أن يتفق الطرفان مقدماً على إلغاء هذه القرينة ، وإعادة عبء الاثبات إلى من كان ينتفع بها ، فينزل بذلك عن الحماية التى منحها له القانون ، ويكون فى هذا تعديل اتفاقى لقواعد عبء الاثبات ، وهو صحيح قانوناً .

ونأتى بأمثلة لذلك : (1) الأصل فى الضرر الذى يحدثه الحيوان أن حارس الحيوان هو المسئول عنه ، إلا إذا أثبت هذا أن وقوع الضرر كان بسبب أجنبى (م 176 مدنى) ولكن يجوز الاتفاق مقدماً على نقل عبء الاثبات إلى.

$88 المضرور . فيصح أن يتفق شخصان شريكان فى مرعى واحد على أن كل ضرر يقع من مواشى أحدهما على مواشى الآخر لا يكون الأول عنه إلا إذا أثبت الآخر خطأ فى جانبه . (2) الأصل أن أمين النقل مسئول عن الضرر الذى يحدث أثناء النقل للشخص أو الشئ الذى ينقله ، والمسئولية هنا مسئولية عقدية ، فعلى أمين النقل إذن يقع عبء الإثبات. ولكن يحوز الاتفاق مقدماً ـ ما لم يكن هذا شرط إذعان ـ على نقل عبء الإثبات من أمين النقل إلى المتعاقد معه ، فيصبح هذا هو المكلف باثبات خطأ فى جانب أمين النقل على أساس المسئولية العقدية لا المسئولية التقصيرية . (3) إذا جاوز الضرر قيمة التعويض الاتفاقى (الشرط الجزائى) ، فلا يجوز للدائن أن يطالب بأكثر من هذه القيمة إلا إذا أثبت أن المدين قد ارتكب غشاً (م 231 مدنى) . ولكن يجوز للطرفين أن يتفقا مقدماً على نقل عبء الإثبات من الدائن إلى المدين ، فيكون للدائن أن يطالب بقيمة الضرر التى جاوزت قيمة الشرط الجزائى ما لم يثبت المدين أنه لم يرتكب غشاً. (4) المستأجر مسئول عن حريق العين المؤجرة إلا إذا أثبت أن الحريق نشأ عن سبب لا يد له فيه (م584 فقرة 1مدنى) ولكن يجوز للطرفين أن يتفقا مقدماً على نقل عبء الإثبات المؤجر خطأ فى جانبه ([125]) ، وبذلك يتحول التزام المستأجر من التزام بحقيق غاية إلى التزام ببذل عناية ([126]) .

 

       وكما يقع التعديل الاتفاقى لقواعد عبء الإثبات مقدماً قبل حصول النزاع على النحو الذى قدمناه ، كذلك يصح أن يقع هذا التعديل أثناء النزاع . فيجوز لخصم لم يكن فى الأصل مكلفاً باثبات واقعة أن يتطوع لإثباتها ، فاذا أجابه القاضى إلى طلبه فليس له بعد ذلك أن يحتج بأنه غير مكلف قانوناً بالإثبات . ذلك أن تطوعه لإثبات الواقعة مع سكوت خصمه يكون بمثابة اتفاق بينهما على نقل عبء الإثبات إليه ، فيلزمه أن يضطلع بهذا العبء . وقد قضت محكمة النقض بأن القواعد التى تبين على أى خصم يقع عبء الإثبات لا تتصل بالنظام العام ، ولذا يجوز الاتفاق على مخالفتها ، وإذن فمتى كان الطاعن قد طلب من$89  المحكمة احالة الدعوى على التحقيق لإثبات ما يدعيه ، فليس له أن ينعى بعد ذلك على الحكم باجابته إلى ما طلب ، حتى ولو كان فيما طلب متطوعاً لاثبات ما هو غير ملزم بحمل عبئه ([127]) .

 

ثالثاً ـ طرق الاثبات    

 

1ـ ما هى طرق الاثبات (سلطة الخصوم وسلطة محكمة النقض فى شأنها)

58 ـ طرق الاثبات التى رسمها القانون واجراءاتها وقوو كل طريق منها : رسم القانون طرق افثبات المختلفة . وهو ستة : (1) الكتابة ecrit (2) الشهادة أو البينة temoignage (3) القرائن presomptions (4) الاقرار aveu (5) اليمين serment (6) المعاينة constatation .

ونبادر إلى استبعاد المعاينة من بين موضوعات القانون المدنى ، إذ هى لا تنطوى إلا على إجراءات اصطلح على جعلها كلها من مباحث قانون المرافعات ، سواء فى ذلك ما تعلق منها بانتقال المحكمة للمعاينة visite des lieux  (م 185 ـ 188 مرافعات ) أو ما تعلق بالمعاينة الفنية التى يقوم بها الخبراء (expertise) ([128])  (م 225ـ $90 252 مرافعات ) . فتكون طرق الاثبات التى تعالج فى القانون المدنى هى الخمسة الأولى . وتعيين هذه الطرق وتحديد قيمة كل طريق منها من مسائل القانون المدنى ، أما الإجراءات التى رسمها القانون للسير فى كل طريق فمن مسائل قانون المرافعات ولا شأن لنا بها هنا .

       والكتابة من أقوى طرق الإثبات ، ولها قوة مطلقة إذ يجوز أن تكون طريقاً لاثبات الوقائع القانونية والتصرفات القانونية دون تمييز كما سنرى ولم تكن لها هذه القوة قديماً ، بل كان المقام الأول للشهادة فى وقت لم تكن فيه الكتابة منتشرة بل كانت الغلبة للأمية ، فكان الاعتماد على الرواية دون القلم . هكذا كان الأمر فى الفقه الإسلامى وفى سائر الشرائع . ثم أخذت الكتابة تنتشر ، وساعد على ذلك اختراع الطباعة ، فعلت الكتابة على الشهادة وصار لها المقام الأول . ومن مزايا الكتابة أن يمكن إعدادها مقدماً للإثبات منذ نشوء الحق دون التربص إلى وقت المخاصمة فيه ، ولذلك سميت بالدليل المعد prevue preconstituee . وقد أوجبها القانون بوجه عام طريقاً للإثبات فى الأحوال التى يمكن فيها إعدادها مقدماً ، وهى الأحوال التى يكون فيها مصدر الحق تصرفاص قانونياً ، فان التصرف القانونى يسهل اعداد كتابة لإثباته من وقت صدوره . أما الواقعة القانونية ، وهى عمل مادى ، فقد لا يتيسر إعداد كتابة لإثباتها ، لذلك يجوز بوجه عام إثباتها بجميع طرق الإثبات لا بالكتابة وحدها . ومن مزايا الكتابة أيضاً أنها لا يتطرق إليها من عوامل الضعف ما يتطرق إلى الشهادة ، فالشهود يجوز عليهم الكذب ، وعوزهم الدقة على كل حال ، وتتعرض ذاكرتهم للنسيان . على أن الكتابة ، إذا خلت مما يلحق الشهادة من كذب$91 .أو اضطراب أو نسيان ، لا تخلو هى أيضاً من احتمال التزوير . وقد رسم قانون المرافعات إجراءات معينة للطعن فى الكتابة بالانكار أو بالتزوير (م253 ـ 291 مرافعات ) .

 

       أما الشهادة أو البينة فقد كانت من أقوى الأدلة فى الماضى كما قدمنا ، ثم تزلت للأسباب التى بيناها إلى مكان أدنى . فهى طريق للإثبات ذو قوة محدودة ، إذ لا يجوز إثبات التصرفات القانونية بها إلا فى حالات استثنائية ، ولا يثبت بها إلا الوقائع القانونية لأنها أعمال مادية فجاز إثباتها بالبينة لموقع الضرورة ([129]) . وقد حاطها المشرع بضمانات عدة ، فرسم إجراءات دقيقة لسماع الشهود ( م189 ـ 224 مرافعات ) ، وفرض عقوبة على شهادة الزور ، وترك للقاضى التقدير الأعلى فى الأخذ بها إذا أقنعه أو فى اطراحها إذا هو لم يقتنع .

 

       أما القرائن فهى طريق للإثبات غير مباشر ، لأن الخصم لا يثبت فيها الواقعة ذاتها محل النزاع بل واقعة أخرى متصلة بها يرى القانون أو القاضى أن فى إثباتها إثباتاً للواقعة الأولى ـ وهو الواقعة محل النزاع ـ إثباتاً غير مباشر . والقرائن قسمان : قرئان قانونية يقررها القانون بنص فيه ، وقرائن قضائية يستنبطها القاضى من وقائع الدعوى وظروفها وله حرية واسعة فى تقديرها . والقرائن القانونية إما أن تكون قرئان بسيطة تقبل إثبات العكس ، أو قرائن قاطعة لا يجوز إثبات عكسها ([130]) . أما القرائن القضائية فكلها قابلة لإثبات العكس . وإذا كانت $92 القرائن تنطوى فى كثير من الأحوال على وقائع مادية ملموسة لا يتطرق إليها الكذب أو الاضطراتب كما يتطرق إلى الشهادة ، إلا أنها تقوم على أساليب دقيقة من الاستنباط لا يؤمن فيها العثار . ومن ثم جعلت القرائن ، من حيث قوتها فى الاثبات ، بمنزلة الشهادة ذات قوة محدودة ، ولايجوز قبولها إلا حيث تقبل الشهادة . ولم يرسم قانون المرافعات للقرائن إجراءات معينة ، فجميع الأحكام الخاصة بها أحكام موضوعية وهى متناثرة فى جميع نواحى القانون .

       أما الاقرار فانه إذا صدر من الخصم على نفسه بحق لخصمه ، لا يكون فى الواقع من الآمر طريقاً لاثبات هذا الحق ، بل إعفاء من إثباته ، ونزولا من الخصم المقر عن حقف فى مطالبة خصمه باثبات ما يدعيه . ولما كان الاقرار نزوى عن حق المطالبة بالاثبات ، فهو من جهة يقبل فى الوقائع المادةي والتصرفات القانونية على السواء ، وهو من جهة أخرى يكون حجة قاصرة على المقر دون غيره ، فهو وحده الذى نزل عن حق المطالبة بالاثبات ، وقد يكذب فى إقراره فيقر بشئ فى حق نفسه تخلصاً مما هو أشد أو إلحاقاً للضرر بغيره . وقد رسم قانون المرافعات إجراءات خاصة تمهد للإقرار ، هى إجراءات استجواب الخصوم .

$93 (interrogatoire) واستحضارهم شخصياً أمام القاضى (comparution persnnelle) ( م 166 ـ 174 مرافعات ) .

   174 مرافعات) .

       بقيت اليمن . ويمكن القول منها إنها طريق للإثبات من وجوه أربعة : إذا إذا حلفها من وجهت إليه فقد ثبت حقه بيمينه ، وإذا نكل دون أن يردها فقد ثبت حق خصمه بنكو له ، وإذا ردها إلى الخصم فحلف فقد ثبت حق الخصم بيمينه ، وإذا ردها إلى الخصم فلم يحلف فقد ثبت حقه بنكول خصمه . على أن الواقع من الأمر أن اليمين كالإقرار ليست طريقاً للإثبات ، لأن توجيه اليمين إلى الخصم أو ردها عليه إنما هو احتكام إلى ذمته ، فان حلف كان هذا تحملا للحق ، وإن نكل كان هذا بمثابة الإقرار . ومن ثم يقبل توجيه اليمين فى الوقائع المادية والتصرفات القانونية على السواء ، شأن اليمين فى ذلك شأن الإقرار . وقد رسم قانون المرافعات الإجراءات اللازمة فى تحليف اليمين (م 175 ـ 184 مرافعات ) .

       ونرى مما تقدم أن القانون قد عين طرق الإثبات المختلفة ، وحدد لكل طريق قوته ، بمقتضى قواعد وضعها لذلك ([131]) . فهل تعتبر هذه القواعد من النظام العام لا سلطان للخصوم عليها ، أم هى قواعد قابلة للتعديل بالاتفاق فيما بين الخصوم ؟ هذا ما ننتقل الآن إليه .

 

$94  59 ـ الاتفاقات الخاصة بطريق الاثبات ([132]) : يذهب الفقه الفرنسى إلى القول ببطلان هذه الاتفاقات . وحجته فى ذلك أن طرق الاثبات تتعلق بحسن تنظيم القضاء والتعرف على خير السبل التى يهتدى بها القضاة إلى الحقائق ، ومن ثم تكون القواعد التى تعين هذه الطرق وتحدد قوة كل منها قواعد تتعلق بالنظام العام ، ولا يجوز للخصوم الاتفاق على مخالفتها ([133]) . بل يذهب فريق من الفقهاء فى فرنسا إلى بطلان الاتفاقات المعلقة بقواعد الاثبات كافة ، ليس فحسب القواعد المتعلقة بطرق الاثبات ، بل أيضاً القواعد المتعلقة بتحديد الواقعة المراد إثباتها وبتعيين من من الخصوم يحمل عبء الاثبات ([134]) ، وهى القواعد التى سبق أن قررنا أنها لا تتعلق بالنظام العام . ولكن القضاء الفرنسى يذهب إلى القول بصحة الاتفاقات الخاصة بطرق الاثبات كغيرها التى تتعلق بعبء الاثثبات وبالواقعة المراد إثباتها . ولا يستثنى من ذلك إلا الاتفاقات الخاصة بقواعد لا يختلف أحد فى أنها متعلقة بالنظام العام ، كالقواعد الخاصة باثبات الميلاد والوفاة والزواج وإثبات النسب والقوعد الخاصة بوجوب مناقشة الأدلة التى يقدمها الخصوم وبقوة الأوراق الرسمية ونحو ذلك ([135]) . وينهض لتوجيه الرأى الذى يذهب إليه القضاء الفرنسى اعتباران : أولهما أن الأصل فى موقف القاضى من الدعوى الحياد كما تقدم القول ، والخصمان هما اللذان يقفان موقفاً إيجابياً ، فلهما أن يسيرا على القواعد التى رسمها القانون للإثبات ، ولكن لا عليهما أن يخالفا هذه القواعد باتفاق بينهما إلى قواعد أخرى يريانها أقرب إلى أداء العدالة $95 ومحيص الحقائق ([136]) . والاعتبار الثانى أن إثبات الحق لا يزيد فى الخطر عن الحق ذاته ، وما دام صاحب الحق يستطيع النزول عنه ، فيكف لا يستطيع الاتفاق مع خصمه على طريق معين لاثبات هذا الحق !

 

       ومن ثم فقد حكم القضاء الفرنسى بصحة الاتفاق الخاص بإثبات براءة ذمة الوكيل بطرق أيسر من تلك التى رسمها القانون فى القواعد العامة للإثبات وفى القواعد الخاصة بعقد الوكالة ([137]) . وحكم أيضاً بجواز الاتفاق على الاثبات بطريق أيسر مما قرره القانون : كالبينة بديلا من الكتابة ([138]) ، أو بطريق أصعب ([139]) ، أو بطريق لم يرسمه القانون ([140]) ، وهذا ما لم يكن هناك اعتبار واضح من النظام العام ([141]) .

       أما فى مصر فيمكن القول بأن الفقه يذهب إلى أن أكثر قواعد الاثبات لا تعتبر من النظام العام . وكان القضاء ، فى ظل القانون القديم ، يميز بين الاتفاق على الاثبات بالكتابة حيث يبيح القانون الاثبات بالبينة ، وهذا اتفاق جائز مستساغ ، وبين الاتفاق على الاثبات بالبينة حيث يحتم القانون الاثبات بالكتابة ، وهذا كان القضاء يجيزه إذا تم بعد وقوع الخصومة ولا يجيزه إذا أبرم مقدماً قبل  $96  وقوع الخصومة . وسنعود إلى هذه المسألة ببيان أوفى ([142]) .

 

       والذى يعنيان هنا أن نبينه هو أنه يمكن القول إجمالا إن قواعد الاثبات ليست من النظام العام لما سبق ذكره من الاعتبارات التى سقناه فى توجيه القضاء الفرنسى . يوجد حقاً من هذه القواعد ما توحى طبيعته أنه من النظام العام ، كأن تكون الورقة الرسمية حجة على الناس كافة إلى أن يطعن فيها بالتزوير ، وكأن تكتون الورقة العرفية حجة على الغير فى تاريخها الثابت ، وكحجية القرائن القانونية القاطعة فى كثير من الأحوال . ولكن أكثر القواعد لا تعتبر من النظام العام ، فيصح الاتفاق على ما يخالفها . ومن ثم يجوز الاتفاق على نقل عبء الاثبات كما قدمنا . ويجوز الاتفاق أيضاً على ألا تكون للرسائل الموقع عليها ولا للرقيات ولا للدفاتر والأوراق المنزلية قوة الورقة العرفية من حيث الاثبات ( م396 و398 مدنى ) .ويجوز بوجه عام الاتفاق على عدم إعمال القرائن القانونية البسيطة وهى التى تقبل إثبات العكس . ويجوز أخيراً الاتفاق على أن يكون الاثبات بالكتابة حيث يجيز القانون الاثبات بالبينة، أو أن يكون الاثبات بالبينة حيث يحتم القانون الاثبات بالكتابة ([143]) ، وهذه هى المسألة التى سنتناولها ببيان واف عند الكلام فى قوة البينة والقرائن فى الاثبات .

 

          $97      60 ـ سلطة محكمة النقض فيما يتعلق بطرق الاثبات : تعيين طرق الإثبات ، وبيان متى يجوز استعمال كل منها ، وتحديد قوة كل طريق من هذه الكرق ، هذه جميعها مسائل قانون تخضع لرقابة محكمة النقض . ولكن متى قبل القاضى طريق افثبات الذى رسمه القانون فى الوضع الذى أجازه فيه وجعل أنه قوته المحددة قانوناً ، فان تقدير مبلغ اقتناع القاضى بالدليل يعتبر من المسائل الموضوعية التى لا تعقيب لمحكمة النقض عليها ([144]) . وأخص ما يظهر ذلك فى قوة الإقناع التى تسمد من شهادة الشهود ، وفى القرائن القضائية التى يستنبطها القاضى من وقائع الدعوى وظروفها ، ما دام قاضى الموضوع قد بين فى حكمه الاعتبارات المعقولة التى أسس عليها الحكم ، ولم يعتمد واقعة بغير سند ، ولم يستخلص من الوقائع نتيجة غير مقبولة عقلا . فان بنى حكمه على واقعة لا سند لها ، أو استخلص نتيجة غير مقبولة عقلا ، كان حكمه معيباً وتعين تقضه ([145]) .

$98  ب ـ تقسيم طرق الاثبات ( تقسيمات خمسة )

      

       61 ـ طرق مباشرة وطرق غير مباشرة : يمكن أن تنقسم طرق الإثبات إلى طرق مباشرة (preuves directes) وطرق غير مباشرة (preuves indirectes) .

       فالطرق المباشرة هى التى تنصب دلالتها مباشرة على الواقعة المراد إثباتها . وهذه هى الكتابة والبينة . فالكتابة تسجل الواقعة المراد إثباتها بالذات ، سواء  $99 كانت تصرفاً قانونياً كما هو الغالب أو كانت واقعة قانونية ، فتكون طريقاً مباشراً لإثبات هذه الواقعة . والشهود إذا انصبت شهادتهم على صحة الواقعة المراد إثباتها بالذات ، تصرفاً قانونياً كانت أو واقعة قانونية ، يثبتون هذه الواقعة بطريق مباشر . ويلاحظ أن المعاينة والخبرة طريقان مباشران للإثبات ، بل هما الطريقان اللذان يتصلان اتصالا مادياً مباشراً بالواقعة المراد إثباتها ، ولكنهما من مباحث قانون المرافعات كما قدمنا .

 

       والطرق غير المباشرة هى التى لا تنصب دلالتها مباشرة على الواقعة المراد إثباتها ، ولكن تستخلص من طريق الاستنباط . وهذه هى القرائن وافقرار واليمين . أما القرائن فقد قدمنا أن الإثبات فيها لا ينصب على الواقعة المراد إثباتها بالذات ، بل على واقعة أخرى متصلة بها اتصالا وثيقاً ، بحيث يعتبر إثبات الواقعة الثانية ( الواقعة البديلة ) إثباتاً للواقعة الأولى (الواقعة الأصيلة) استنباطاً .ومن ثم تنطوى القرائن على استبدال (deplacement) محل آخر فى الإثبات بالمحل الأصلى . فهى إذن تثبت المحل الأصلى ـ أى الواقعة المراد إثباتها ـ بطريق غير مباشر . وكل من الإقرار واليمين لا يعتبر طريقاً مباشراً للإثبات ، فهو وإن تناول  $100 . الواقعة المراد إثباتها بالذات ، إلا أن صحة هذه الواقعة لا تستخلص منه مباشرة بل عن طريق الاستنباط . فالإقرار لا يثبت صحة الواقعة المراد إثباتها مباشرة ، بل هو يعفى الخصم من إثباتها ، فتصبح ثابتة بطريق غير مباشر . وكذلك اليمين ، إذ هى احتكام إلى ذمة الخصم ، فان حلف لم يكن هذا معناه أن الواقعة التى حلف عليها هى صحيحة حتما ، بل تعتبر صحيحة نزولا على مقتضى الاحتكام ، وإن نكل كان نكوله بمثابة إقرار يعفى خصمه من الاثبات ، ففى حالة الحلف يكون خصمه قد أعفاه من الاثبات ، وفى حالة النكول يكون هو الذى أعفى خصمه ، وفى الحالتين تكون الواقعة المراد إثباتها قد ثبتت بطريق غير مباشر . ولما كان الإعفاء من الإثبات ، سواء فى الاقرار أو فى اليمين ، مقصوراً على الخصمين ، قان حجية الإقرار واليمين حجية قاصرة عليهما غير متعدية إلى الغير . أما حجية القرائن فهى حجية متعدية ([146]) .

 

       62 ـ طرق مهيأة وطرق غير مهيأة : ويمكن أيضاً تقسيم طرق الإثبات إلى طرق مهيأة (preuves preconstituees) وطرق غير مهيأة (preuves casuelles) .

       فالطرق المهيأة هى التى أعدها صاحب الشأن مقدماً لإثبات حقه فى حالة المنازعة فيه . والطرق المهيأة هى عادة الكتابة ، يعدها صاحب الشأن مقدماً لإثبات تصرف قانونى كعقد بيع ، أو لإثبات واقعة قانونية كميلاد أو موت أو ميراث . لذلك تسمى الكتابة فى هذه الحالة سنداً (acte) لأنها أعدت لتكون دليلا يستند إليه عند قيام النزاع .

       والطرق غير المهيأة هى التى لا تهيأ مقدماً ، بل تتهيأ وقت قيام النزاع فى الحق المراد إثباته . وكل طرق الإثبات فيما عدا الكتابة تكون عادة طرقاً غير مهيأة . فالشهود لا تعد فى العادة إلا عند قيام النزاع . والقرائن لا تستخلص من وقائع القضية وظروفها إلا أما القاضى وهو ينظر الدعوى . وكذلك الإقرار واليمين ، لا يجديان إلا إذا كانا فى مجلس القضاء وقت نظر النزاع . أما الإقرار غير القضائى  $101 فان ثبت بالكتابة كانت الكتابة فى هذه الحالة دليلا مهيأ ، وإن ثبت بالبينة فالعبرة بها وهى عادة دليل غير مهيأ ([147]) ، وغنى عن البيان أن المعاينة والخبرة دليلا لا يتهيئان إلا بعد قيام النزاع ونظر الدعوى أمام القضاء .

 

       على أن الدليل المهيأ قد يصبح دليلا مهيأ إذا أعده صاحب الشأن مقدماً ، وذلك كالبينة فقد يعد صاحب الحق مقدماً شهوداً على حقه وقت نشوئه ليهيء الدليل على هذا الحق إذا توزع فيه . وكذلك الدليل المهيأ قد يصبح دليلا غير مهيأ إذا لم يعد فى الأصل ليكون دليلا للاثبات ، وذلك كدفاتر التجار فهى قد أعدت أصلا لضبط معاملات التجار ولكن قد تستخدم عرضاً كدليل للإثبات . ومن ثم لا تسمى الكتابة سنداً (acte) إلا إذا كانت دليلا مهيأ .

 

       63 ـ طرق ذات حجية ملزمة وطرق ذات حجية غير ملزمة : ويمكن كذلك تقسيم طرق الاثبات إلى طرق حجيتها ملزمة وطرق حجيتها غير ملزمة .

       فالطرق ذات الحجية الملزمة هى الطرق التى حدد القانون مبلغ حجيتها ولم يتركها لمحض تقدير القاضى . وهذه هى الكتابة والاقرار واليمين والقرائن القانونية . وبعض هذه الأدلة حجيتها قاطعة لا تقبل إثبات العكس ، وهى اليمين والقرائن القانونية القاطعة . وبعضها حجيتها غير قاطعة فتقب لإثبات العكس ، وهذه هى الكتابة إذ تقبل الانكار والطعن بالتزوير ، والاقرار إذ يجوز للمقر أن يثبت أن إقراره غير صحيح ، والقرائن القانونية البسيطة ، إذ يجوز دحضها باثبات ما يخالفها .

 

       والطرق ذات الحجية غير الملزمة هى البينة والقرائن القضائية . وقد قدمنا أن حجية هذين الطريقين غير ملزمة للقاضى ، فهو حر فى تكوين مبلغ اقتناعه بشهادة وفى استنباط القرائن القضائية من وقائع الدعوى وظروفها ، ولا رقابة عليه لمحكمة النقض فى ذلك ([148]) .

 

$102    64 ـ طرق أصلية وطرق تكميلية وطرق احتياطية : وتنقسم أيضاً طرق الاثبات إلى طرق أصلية وطرق تكميلية وطرق احتياطية .

       فالطرق الأصيلة هى الدلة التى تقوم بذاتها دون أن تكون مكملة لأدلة موجودة . وهى قد تكون كافية وحدها ، كالكتابة وكالبينة والقرائن القضائية فى الوقائع القانونية وفى الصرفات القانونية التى لا تزيد قيمتها على عشرة جنيهات . وقد تكون غير كافية ولابد من استكمالها بطرق تكميلية ، كمبدأ الثبوت بالكتابة فهو طريق أصلى ولكنه غير كاف ولابد من استكماله بالبينة أو بالقرائن القضائية أو بهما معاً ([149]) .

 

       والطرق التكميلية هى الأدلة التى لا تقوم بذاتها ، بل تكون مكملة لأدلة موجودة . وذلك كالبينة والقرائن القضائية واليمين المتممة ، فهذه يستكمل لها مبدأ الثبوت بالكتابة فى التصرفات القانونية التى تزيد قيمتها على عشرة جنيهات . ويلاحظ أن البينة والقرائن القضائية قد تكون طرقاً أصلية ، وذلك فى الوقائع القانونية وفى التصرفات القانونية التى لا تزيد قيمتها على عشرة جنيهات كما سلف القول ، وقد تكون طرقاً تكميلية ، وذلك فى التصرفات القانونية التى تزيد قيمتها على عشرة جنيهات عند وجود مبدأ ثبوت بالكتابة كما قدمنا . ويلاحظ أيضاً أن البينة والقرائن القضائية قد تكون أدلة بدلية لا تكميلية ، فتحل محل الكتابة لا تكملها ، وذلك فى حالة وجود مانع يحول دون الحصول على دليل كتابى أو يحول دون تقديمه بعد الحصول عليه . ويلاحظ أخيراً أن اليمين المتممة يستكمل بها لا مبدأ الثبوت بالكتابة فحسب ، بل أيضاً أى تدليل أصلى آخر يراه القاضى فى حاجة إلى استكمال كالبينة والقرائن القضائية فى الوقائع القانونية وفى التصرفات القانونية إذا لم تزد قميتها على عشرة جنيهات .

             والطرق الاحتياطية هى الطرق التى يلجأ إليها الخصم عندما يعوزه أى طريق

$103 آخر . وهذه هى الإقرار واليمين الحاسمة . فاذا عدم الخصم الدليل على دعواه ، لم يقى أمامه إلا أن يلجأ إلى استجواب خصمه عساه يحصل على إقرار منه ، أو أن يوجه إليه اليمين الحاسمة وبذلك يحتكم إلى ضميره . والطرق الاحتياطية قد تسعف فى بعض الأحيان وهذا هو القليل النادر ، ولكنها فى الكثرة الغالبة من الأحوال تقضى على من لجأ إليها . ولذلك لا يلجأ إليها الخصم إلا فى الضرورة الصوى ، عندما تلجئه الحاجة الملحة إليها . وهى فى الواقع ليست طرقاً للإثبات ، بل طرقاً للاعفاء من الإثبات كما قدمنا ([150]) .

 

       65 ـ طرق ذات قوة مطلقة وطرق ذات قوة محدودة وطرق معفية من الاثبات : وتنقسم أخيراً طرق الإثبات إلى طرق ذات قوة مطلقة وطرق ذات قوة محدودة وطرق معفية من الاثبات :

 

       أما الطرق ذات القوة المطلقة فى الاثبات فهى الطرق التى تصلح لاثبات جميع الوقائع ، سواء كانت وقائع مادية أو تصرفات قانونية ، وأيا كانت قيمة الحق المراد إثباته . ولا يوجد من الطرق التى نعالجها ما هو ذو قوة مطلقة فى الاثبات على هذا النحو إلا الكتابة ، فهى تصلح لاثبات جميع الوقائـع المادية وجميع التصرفـات القانونية مهما بلغت قيمـة الحق ([151]) .

 

       والطرق ذات القوة المحدودة فى الاثبات هى الطرق التى تصلح لاثبات بعض الوقائع القانونية دون بعض ، فهى إذن محدودة القوة . وهذه هى البينة والقرائن القضائية ، إذ هى لا تصلح لإثبات التصرفات القانونية إذا زادت قميتها على عشرة جنيهات إلا فى حالات استثنائية معينة . وكذلك اليمين المتممة طريق للإثبات ذات قوة محدودة فهى لا تصلح إلا لإتمام دليل ناقص .

$104 والطرق المعفية من الاثبات هى الاقرار واليمين الحاسمة والقرائن القانونية ، وقد تقدم بيان ذلك . ولما كانت هذه الطرق تعفى من الاثبات ، فهى تصلح للاعفاء من إثبات أية واقعة مادية أو أى تصرف قانونى مهما بلغت قيمته ، فهى من هذه الناحية ذات قوة مطلقة([152]) .

 

       وهذا التقسيم هو أهم التقسيمات تجميعاً ؛ إذ هو يرتكز على ما لكل طريق من قوة فى الاثبات ، والقوة فى الاثبات هى التى تخلع علىكل طريق قيمته وتميزه من الطرق الأخرى . لذلك نتخذه أساساً لاستعراض طرق الاثبات المختلفة فى أبواب ثلاثة :

 

       الباب الأول ـ فى طرق الاثبات ذات القوة المطلقة : الكتابة .

       الباب الثانى ـ فى طرق الاثبات ذات القوة المحدودة : البينة والقرائن القضائية ([153]).

       الباب الثالث ـ فى الطرق المعفية من الاثبات : الاقرار واليمين والقرائن القانونية .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

$105 الباب الأول

طرق الاثبات ذات القوة المطلقة

الـكتابة

       66 ـ الورقة والسند والتصرف : يقوم لبس فى لغة القانون الفرنسية من شأنه أن يخلط ما بين التصرف وأداة إثباته ، فالشيئان يطلق عليهما لفظ واحد ، هو لفظ (acte) . وقد تسرب هذا اللبس إلى لغة القانون العربية ، فأطلق لفظ (( العقد )) على التصرف ، ثم استعمل اللفظ عينه فى أداة إثباته فقيل ((عقد رسمى)) و ((عقد عرفى)) وقصد بذلك الورقة الرسمية أو العرفية الورقة التى تعد لإثبات التصرف ([154]) .

       وحتى لا يقوم هذا اللبس نقصر لفظ (( العقد )) على الوع المعروف من التصرفات القانونية . أما أداة الإثبات فلها لفظان فى اللغة العربية : السند والورقة . ولما كان لفظ ((الورقة)) أعم فى المعنى من لفظ ((السند)) إذ السند معناه كما قدمنا الورقة المعد للاثبات ، أى الدليل المهيأ (prevue preconstituee) ، فالأولى أن نقف عند لفظ ((الورقة)) ، فنستعمل هذا اللفظ فى الأجلة الكتابية جميعاً ، سواء أعدت للإثبات أو لم تكن معدة . ونقول ((الورقة الرسمية )) ((والورقة العرفية)) ، قاصدين بذلك الدليل الكتابي الذى يثبت به التصرف ولو لم يكن معداً للإثبات ، كالرسائل والبرقيات والدفاتر التجارية . وفرق ما بين التصرف والورقة المثبتة له ، فقد يكون التصرف صحيحاً والورقة باطلة ،  $106 وعلى  العكس من ذلك قد يكون التصرف باطلا الورقة صحيحة ([155]) .

       67 ـ أنواع الاوراق وقوتها فى الاثبات : والأوراق ـ كأداة للإثبات ـ قسمان : (1) أوراق رسمية (actes authentiques) ، ويقوم بتحريرها موظف عام محتص وفقاً لأوضاع مقررة . وهى كثيرة متنوعة : منها الأوراق الرسمية المدنية كتلك التى تثبت العقود والتصرفات المدنية ، ومنها الأوراق الرسمية العامة كالقرارات الإدارية والقوانين والمعاهدات ،ومنها الأوراق الرسمية القضائيةكعرائض الدعوى وأوراق المحضرين ومحاضر الجلسات والأحكام ـ (2) أوراق عرفية (actes sous seing prive)  ، ويقوم بتحريرها الأفراد فيما بينهم . وهى نوعان : (1) أوراق معدة للإثبات كالأوراق المعدة لإثبات التصرفات القانونية من بيع وإيجار ونحوهما وتسمى أيضاً (( بالسندات )) (ب) وأوراق غير معدة للإثبات كدفاتر التجار والدفاتر والأوراق المنزلية والرسائل والرقيات .

       والكثرة الغالبة من الأوراق الرسمية والعرفية هى (( سندات )) أو أوراق معدة للإثبات ، فهى دليل مهيأ (prevue preconstituee) ، وقد تقدم ذكر ذلك ([156]) . والأصل أن الورقة التى تعد لإثبات تصرف تكتب عقب إبرام هذا التصرف ، فالمتبايعان مثلا يبرمان عقد البيع فيما بينهما ثم يعدان ورقة لإثباته . ولكن يقع كثيراً أن المتعاقدين يبرمان العقد وقت كتابة الورقة والتوقيع عليها ، ولا يعتبر العقد قد تم إلا بالتوقيع . بل ليس ما يمنع أن تكتب ورقة إعداد $107 لإثبات تصرف لم يتم إبرامه ، فلا يعتبر العقد فى هذه الحالة قد أبرم بمجرد كتابة الورقة ولو وقعت . وقد قضت محكمة استئناف أسيوط فى هذا المعنى بأن (( التعاقد لا يعتبر تاماً ملزماً بمجرد تدوين نصوصه كتابة ولو حصل التوقيع عليها ، بل إنه لا بد من قيام الدليل على تلاقى إرادة المتعاقدين على قيام الالتزام ونفاذه ، وهذا ما يقتضى تسليم السند المثبت له لصاحب الحق فيه ، بحيث لو تبين أنه لم يسلم إليه مطلقاً لما صلح هذا الالتزام ، كما أنه إذا تبين أنه قد تحرر مكتوب بالتعاقـد ولكنه سلم لأميـن فانه يتعين البحث فى ظروف وشـروط تسليـم ذلـك المكتـوب للأمين )) ([157]) .

 والأوراق ـ رسمية كانت أو عرفية ـ لها حجية فى الإثبات يحددها القانون ، وهى تتفاوت قوة وضعفا . وأقوى الأوراق فى الإثبات هى الأوراق الرسمية . فهى حجة على الناس كافة على الوجه الذى سنبينه فيما بعد . أما الأوراق العرفية المعدة للإثبات فقوتها أقل من قوة الأوراق الرسمية ، إذ هى لا تنهض حجة إذا أنكرها من صدرت منه ، وعند ذلك يرسم القانون إجراءات معينة لتحقيق صحة صدورها ([158]) . وسنعود إلى هذه المسألة فى موضعها ببيان أوفى . والأوراق العرفية غير المعدة للإثبات لا يكون لها من الحجية إلا القدر الذى يعينه القانون ، كما هو الأمر فى شأن الرسائل والبرقيات ودفاتر التجار .

       وحجية الأوراق ـ رسمية كانت أو عرفية ـ لا تقتصر على ما تثبته هذه الأوراق عن طريق التقرير (disposition) ، بل تتناول أيضاً ما تثبته عن طريق الاخبار (enunciation) إذا اتصل اتصالا مباشراً بما تثبته عن طريق التقرير . وفى هذا المعنى تنص المادة 1320 من التقنين المدنى الفرنسى على ما يأتى : (( تكون الورقة ـ رسمية كانت أو عرفية ـ حجة على الطرفين حتى فيما لم تذكره إلا على سبيل الاخبار ، ما دام الاخبار متصلا اتصالا مباشراً بما ذكر على سبيل التقرير ، أما إذا كان الاخبار أجنبياً عن التقرير ، فلا يصلح إلا مبـدأ

ثبوت $108 بالكتابة ([159]) . والورقة المعدة للإثبات إنما أعدت أصلا لتثبت ما قرره الطرفان من بيع أو إيجار أو وفاء أو تجديد أو غير ذلك من التصرفات القانونية ، وهذا هو ما تثبته الورقة عن طيق التقرير . ثم إنه قد يرد فى الورقة ذكر لبعض الوقائع ليست هى التى أعدت الورقة أصلا لإثباتها ، ولكنها تتصل بها ، وقد ذكرت على سبيل التمهيد والإيضاح . وتأتى الأساتذة بلانيول وريبير وجابولد ([160]) بمثلين لما يذكر فى الورقة على سبيل الأخبار : (1) ورقة أعدت لإثبات دين قديم ، وذكر فيها على سبيل الأخبار أن فوائد هذا الدين مدفوعة إلى يوم تحرير الورقة . فهذا الاخبار له صلة مباشرة بالدين الذى أعدت الورقة لإثباته على سبيل التقرير ، ومن ثم يكون للإخبار هنا حجية كاملة ، فهو دليل كتابى على الوفاء بفوائد الدين إلى اليوم الذى حررت فيه الورقة . (2) ورقة أعدت لتجديد مرتب (rente) عن طريق تغير المدين ، فذكر فيها على سبيل الإخبار صلته بالمرتب قبل التجديد صلة غير مباشرة ، ولا يصلح دليلا كاملا لمجرد أن المدين الجديد قد تعهد بدفع المرتب مستقبلا ، ومن ثم لا يكون الإخبار هنا إلا مبدأ ثبوت بالكتابة يجب استكماله بالبينة أو بالقرائن .

 

       68 ـ الفروق ما بين الورقة الرسمية والورقة العرفية : وقبل أن نفصل الكلام فى الورقة الرسمية والورقة ، نورد هنا أبرز ما بينهما من فروق . فالورقة الرسمية تختلف عن الورقة العرفية من ناحية الشكل ومن ناحية  $109 الحجية فى الإثبات ومن ناحية القـوة فـى التنفيذ .

       1 ـ فمن ناحية الشكل : يشترط فى الورقة الرسمية أن يقوم بتحريرها موظف عام مختص وفقاً لأوضاع مقررة . أما الورقة العرفية فالشرط الوحيد لصحتها هو توقيع المدين ، هذا إذا كانت معدة للإثبات ، أما إذا لم تكن معدة فلا ضرورة حتى لهذا التوقيع .

       2 ـ ومن ناحية الحجية فى الإثبات : كل من الورقة الرسمية والروقة العرفية حجة على الكافة ( أولا ) من حيث صدورها من موقعها . ولكن الورقة الرسمية لا تسقط حجيتها هنا إلا من طريق الطعن بالتزوير ، أما الورقة العرفية الرسمية لا تسقط حجيتها هنا إلا من طريق الطعن بالتزوير ، أما الروقة العرفية فيكفى فيها إنكار الخط أو التوقيع . (ثانياً) من حيث صحة ما ورد فيها . ولكن الورقة الرسمية حجة إلى حد الطعن بالتزوير فيما ورد على لسان الموظف العام أنه علمه بنفسه ، أما صحة ما قرره رواية عن الغير فيجوز دحضها باثبات العكس وفقاً للقواعد المقررة ، وتاريخ الورقة الرسمية يعتبر صحيحاً إلى حد الطعن بالتزوير . والورقة العرفية يجوز دحض صحة ما ورد فيها جميعاً باثبات العكس ، لا فرق فى ذلك بين ما قرر موقها أنه علمه بنفسه وما قرره رواية عن الغير ، وتاريخ الورقة العرفية يكون حجة على موقعيها ولكنه لا يكون حجة على الغير إلا إذا كان تاريخاً ثابتاً .

       3 ـ ومن ناحية القوة في التنفيذ الورقة الرسمية يمن النفيذ بها مباشرة دون حاجة إلى حكم ، ويكون ذلك بالصورة التنفيذية للورقة ([161]) . فيستطيع البائع مثلا أن ينفذ بالثمن بموجب الصورة التنفيذية للبيع الرسمى ، كما يستطيع المشترى أن ينفذ بحقه فى تسلم المبيع . ولا يجوز الشروع فى التنفيذ قبل إعلان الورقة الرسمية إلى الخصم ، ويشتمل الإعلان على تكليف المدين بالوفاء وبيان $110المطلوب منه (م 460 مرافعا) . هذا هو تنبيه بالوفاء (commandement) لا مجرد إنذار (summation) . وينبنى على ذلك أن للمدين أن يعارض فى هذه التنبيه ، وأن يتقدم بوجوه الطعن التى يتمسك بها إلى المحكمة المختصة . وإذا بدئ فى تنفيذ الورقة الرسمية جاز للمدين رفع إشكال فى التنفيذ لوقفه ، ويكون ذلك أمام محكمة الموضوع ( م 479 مرافعات ) . أما الورقة العرفية فليست لها ، على خلاف الورقة الرسمية ، قوة تنفيذية . فاذا كان سند الدين ورقة عرفية ورفض المدين تنفيذ التزاماته طوعاً ، فانه لا يمكن إجباره على التنفيذ حى لو كان معترفا ً بالورقة ، إلا إذا حصل الدائن على حكم قابل للتنفيذ ، والحكم لا الورقة هو الذى ينفذ ([162]) . وتفصيل القول فى الأوراق من ناحية القوة فى التنفيذ هو من مباحث قانون المرافعات .

       وننتقل الآن إلى تفصيل البحث فى الأوراق الرسمية ثم فى الأوراق العرفية على التعاقب .

$111الفصل الأول

الأوراق الرسمية

 

       69 ـ ناحيتان : نتناول تفصيل البحث فى الأوراق الرسميةمن ناحيتين :

       (أولا) من ناحية شروط صحتها .

       (ثانيا) من ناحية حجيتها فى الإثبات .

 

الفـرع الأول

الشروط الواجب توافرها لصحة الورقة الرسمية

       70 ـ النصوص القانونية : تنص المادة 390 من التقنين المدنى على ما يأتى :

       (( 1 ـ الورقة الرسمية هى التى يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوى الشأن ، وذلك طبقاً الأوضاع القانونية وفى حدود سلطته واختصاصه )) .

       (( 2 ـ فإذا لم تكسب هذه الورقة صفة الرسمية ، فلا يكون لها إلا قيمة الورقة العرفية متى كان ذوو الشأن قد وقعوها بامضاءاتهم أو بأختامهم أو ببصمات أصابعهم ([163]) .

$112 ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق المادة 226/291 ([164]) .

       ويقابل فى التقنينات المدينة العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادة 5 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 450 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى المادتين 154و155 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 377 ([165]) ـ

       $113 ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادتين 1317و1318 ([166])

$114 ويتبين من نص المادة 390 من نالتقين المدني المصرى أن هناك شروطاً ثلاثة يجب توافرها لتكون الورقة الرسمية صحيحة ([167]) .

       ( أولا ) أن يقوم بكتابة الورقة أو بتلقيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة .

       ( ثانياً ) أن يكون هذا الموظف أو الشخص مختصاً من حيث الموضوع ( في حـدود سلطته ) ومن حيث المكان ( في اختصاصه ) .

       ( ثالثاً ) أن يراعى في توثيق الورقة الأوضاع التى قررها القانون ([168])  .

 

 

       ونتناول بالبحث كلا من هذه الشروط الثلاثة ، ثم نبحث جزاء الإخلال بأى منها .

المبحث الأول

صدور الورقة الرسمية من موظف عام أو شخص مكلف . بخدمة عامة

       71 ـ كيف تصدر الورقة الرسمية ونوعا البيانات التي تتضمنها :

تقول المادة 390 أن الورقة الرسمية هى التى يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوى الشأن . وترجمت هذه $115 العبارة الأخيرة ، في الترجمـة الفرنسية التى قامت بها وزارة العدل للتقنين المدني الجديد ، على الوجه الآتي :

"…constate…  des faits qui ont eu lieu en sa presene ou des declarations a lui faites par les interesses".

ومعناها : (( ... يثبت ... الوقائع التى حدثت في حضوره والأقوال التى ألقيت إليه من ذوى الشأن )) .

       فالورقة الرسمية يكون صدورها إذن من الموظف العام بأن يكون هو الذي يحررها . وليس من الضرورى أن تكون مكتوبة بخطه ، بل يكفى أن يكون تحريرها صادراً باسمه . ويجب على كل حال أن يوقعها بامضائه .

       ويثبت فيها نوعين من البيانات : (1) ما تم على يديه . أي أنه يثبت في الورقة الرسمية جميع الوقائع التى وقعت تحت نظره وبمشهد منه خاصة بالتصرف الذى يوثقه . فيثبت حضور ذوى الشأن ، وما قام به كل منهم كأن يكون المشترى مثلا سلم الثمن كله أو بعضه للبائع أمام الموثق ، وحضور الشهود أمامه مع ذكرهم بأسمائهم ، وتاريخ تحرير الورقة الرسمية ، وتلاوته الصيغة الكاملة للورقة ومرفقاتها مع بيان الأثر القانونى المترتب عليها ، وقيام ذوى الشأن والشهود بتوقيعها ، وغير ذلك من الوقائع التى تمت بمحضر منه وتحت بصره . (2) ما تلقاه من ذوى الشأن من أقوال وبيانات وتقريرات فى شأن التصرف القانوني الذي تشهد به الوقة ، أى ما وقع تحت سمعه . فالبائع مثلا قرر أنه باع عيناً بحدود معينة بثمن معين وتعهد بالتزامات معينة ، وقرر المشترى أنه قبل شراء هذه العين بهذا الثمن وأنه من جهته تعهد بالتزامات معينة ، وهكذا .

       وسنرى فيما يلى أن التمييز بين هذين النوعين من البيانات ـ ما وقع تحت بصره وما وقع تحت سمعه ـ له أهمية كبيرة من ناحية حجية الورقة الرسمية ، فالنوع الأول له حجية مطلقة إلى حد الطعن بالتزوير ، والنوع الثانى يجوز دحض وصحته باثبات العكس .

       72 ـ موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة : والموظف العام هو شخص عينته الدولة للقيام بعمل من أعمالها ، سواء آجرته على هذا العمل كالموثق ، أو لم تؤجره كالعمدة .

$116 ويتنوع الموظفون العامون بتنوع الأوراق الرسمية فالموظف الذى يقوم بتحرير التصرفات هو المأمور الرسمى أو الموثق ، والموظف الذى يقوم بكتابة الأحكام هو القاضى ، والموظف الذى يثبت ما يدور في جلسة القضاء من إجراءات ومرافعات هو كاتب الجلسة ، والموظف الذى يقوم باعلان أوراق المرافعات المختلفة وتنفيذ الأحكام والأوراق الرسمية هو المحضر.

       ويبقى الموظف عاماً حى لو كان يعمل في إدارة حكومية يقوم عادة بعملها الشركات في البلاد الأخرى . كمصلحة السكك الحديدية ومصلحة البريد . ويترتب على ذلك أن أوراق النقل الخاصة بمصلحة السكك الحديدية وحوالات البريد تعتبر أوراقاً رسمية ، ويكون التزوير فيها جناية لا جنحة . وكذلك حال الموظفين الذين يعملون في إدارة الأموال الخاصة لدولة ( مصلحة الأملاك ) ، فتعتبر الوراق التى يكتبونها أوراقاً رسمية . وموظفوا وزارة الأوقاف والأشخاص المعنوية العامة الأخرى كالجامعات ودار الكتب ومجالس المديريات والمجالس البلدية والقروية ، كل هؤلاء يعتبرون موظفين عامين .

       وليس من الضرورى أن يكون من تصدر منه الورقة الرسمية موظفاً عاما، بل يكفى أن يكون مكلفاً بخدمة عامة ، وهذا تعديل في المشروع التمهيدى للتقنين المدني الجديد أجرته لجنة المراجعة . فالمأذون يقوم بتحرير عقود الزواج وإشهادات الطلاق . والخبير يقوم بتحرير محضر بأعماله وتقرير يقدمه عن المهمة التى انتدب لها ، وكذلك القسيس فيما يتعلق بزواج المسيحيين ، وقضاة المجالس الملية وكتبتها فيما تيعلق بأحكام هذه المجالس وبمحاضر حلساتها . وهؤلاء ليسو موظفين عامين ، ولكنهم أشخاص مكلفون بخدمة عامة .

       73 ـ الموظفون العامون الذين كانوا يقومون بالتوثيق قبل النظام الحالى : أنشئ النظام الحالي : أنشئ النظام الحالى للتوثيق في مصر بمقتض قانون رقم 68 لسنة 1947 ، وعمل به من أول يناير سنة 1948 . وقبل أن نبسط أحكام هذا القانون ، نذكر فى إيجاز من هم الموظفون العامون الذين كانوا يقومون بالتوثيق فى مصر قبل النظام الحالى ، أى إلى آخر شهر ديسمبر سنة 1947 . كان المنوط به القيام بتوثيق العقود والأوراق الرسمية في مصر جهات ثلاثاً :

       $117(1) كتاب المحاكم المختلطة الكلية : وكانوا يعتبرون بمثابة موثقين للعقود ويسمون (greffiers-notaires) فيوثقون جميع أنواع التصرفات . ويستوى أن يكون أصحاب الشأن من المصريين أو الأجانب ، إذ كان اختصاص المحاكم المختلطة يمتد إلى الفريقين . والصيغة التنفيذية التى كان قلم كتاب المحكمة المختلطة يضعها على الورقة الرسمية يجعلها صالحة للتنفيذ على المصريين والأجانب جميعاً . فاذا كان التنفيذ على مصريين قام به محضر من المحاكم الوطنية . وإن وجد صالح أجنبى قام بالتنفيذ محضر من المحاكم المختلطة .

       (2) قضاة المحاكم الشرعية أو من يحيل هؤلاء القضاة عليه التوثيق من كتاب هذه المحاكم : والأوراق الرسمية التى كانت المحاكم الشرعية توثقها تسمى ((إشهادات )) ، وهى العقود والتصرفات التى تقرها الشريعة الإسلامية ، سواء كانت تتعلق بالأحوال الشخصية كالوصية والهبة والوقف ـ أما إشهادات الزواج والطلاق فكانت ولا تزال من اختصاص المأذونين الشرعيين ـ أو كانت تتعلق بالمعاملات المالية كالبيع والقسمة والوكالة . ويستوى هنا أيضاً أن يكون أصحاب الشأن من المصريين أو من الأجانب . ولم تكن المحاكم الشرعية تضع الضيغة التنفيذية على ما توثقه من إشهادات إذ لم يكن بها محضرون للتنفيذ . وكانت الجهة التى تضع الصيغة التنفيذية على إشهادات المحاكم الشرعية هى المحاكم الوطنية إذا كان ذوو الشأن جميعاً مصريين ، ويقوم بالتنفيذ محضر من هذه المحاكم . أما إذا كان بين ذوى الشأن أجنبى ، فالجهة التى كانت تضع الصيغة التنفيذية هى المحاكم المختلطة ، ويقوم بالتنفيذ محضر منها . ولا يزال ، حتى بعد نفاذ النظام الجديد ، للمحاكم الشرعية اختصاص فى التوثيق سنذكره فيما يلى .

       (3) كانت المادة 47 من اللائحة القديمة لترتيب المحاكم الأهلية تنص على أنه (( يلزم أن يكون بطرف كتبة المحاكم الابتدائية دفاتر للرهونات والتسجيل والقيد ، ويجب عليهم تحرير كافة العقود والمشارطات ، وتكون العقود التي يحررونها في قوة العقود الرسمية، ويحفظ أصلها بقلم كتاب المحكمة )) . ولكن هذا النص لم يعمل به ، وبقى معطلا إلى أن دخل النظام الجديد للتوثيق . ولم يعين بالمحاكم الأهيلية موظفون للتوثيق ولم تنظم له سجلات ، فيما عدا بعض المسائل الخاصة بقبول الإقرارات الرسمية وحق الاختصاص والشفعة . وقد جرى العمل على $118 توثيق أكثر التصرفات في المحاكم المختلطة ، وتوثيق بعضها لا سيما الوقف فى المحاكم الشرعية .

       74 ـ الموظفون العامون الذين يقومون بالتوثيق فى النظام الحالى : ظهر في العمل عيوب تعدد جهات التوثيق على النحو الذي أسلفناه . فصدر قانون رقم 68 لسنة 1947 ، بتاريخ 29 يونية سنة 1947 ( الوقائع المصرية عدد 3 يوليه سنة 1947 ) ، والمعمول به من أول يناير سنة 1948 ، يوحد جهات التوثيق ويعيد تنظيمه . وتقول المذكرة الإيضاحية لهذا القانون : (( وإذا كانت هذه الحالة ([169]) لم تعد موافقة لظروف العصر ، فقد اتجه الرأى من زمن إلى وضع نظام ثابت للتوثيق تتوحد به جهاته وتنتظم شؤونه على وجه يكفل تحقيق الطمأنينة التامة على الحقوق واستقرار المعاملات )) .

       وقد قضى قانون التوثيق ولائحته التنفيذية بتوحيد جميع جهات التوثيق فى جهة واحدة ، ليست هى أياً من المحاكم المتقدمة الذكر ، بل هى مكاتب مستقلة ([170]) تتولى توثيق المحررات التى يقضى القانون بأن يطلب المتعاقدون توثيقها . $119 وتتولى توثيق جميع هذه المحررات ، عدا ما كان مها متعلقاً بالوقف ([171])  والأحوال الشخصية للمسلمين ([172]) فيبقى توثيقها كما كان للمحاكم الشرعية([173]) . أما التوثيق من اختصاص هذه المكاتب الموحدة . ولكن غير المسلمين من الأجانب يكون لهم الخيار فى توثيق أوراقهم المتعلقة بالأحوال الشخصية بين مكاتب التوثيق أو جهاتهم القنصيلة ، إذ الشكل فى قواعد القانون الدولى الخاص قد يخضع للقانون الوطنى المشترك (م 20 مدنى ) كما يخضع لقانون البلد الذى تمت فيه أو قانون الموضوع أو قانون موطن المتعاقدين ([174]) . 

       $120 أما الموظفون العامون الذين يقومون بالتوثيق فى النظام الجديد فهم ـ عدا قضاة المحاكم الشرعية وكتبتها والمأذونين الشرعيين فيما يتعلق بالوقف والأحوال الشخصية للمسلمين ، وعدا القنصليات الأجنبية عند اخيارها فيما يتعلق بالأحوال الشخصية لغير المسلمين الأجانب ـ موظفون معينون لهذا الغرض ، إذ تنص المادة الأولى من اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق على أن (( يقوم بالتوثيق موثقون وموثقون مساعدون يعينون بقرار من وزير العدل )) .

       ويتبين مما تقدم أن الذين يقومون بالتوثيق فى مصر هم ، كقاعدة عامة ، موظفون عامون يعينهم وزير العدل . وكانوا قبل ذلك أيضاً موظفين عامين يعينهم وزير العدل فى المحاكم المختلطة وفى الحاكم الشرعية . أما فى فرنسا فيقوم بالتوثيق طائفة تسمى (( بالموثقين )) (notaries) ، ولهم نظم خاصة ، وماض بعيد ، وتقاليد قوية . وهم ليسو بالموظفين الذين يتقاضون أجراً من الدولة ، بل يؤجرون على أعمالهم من أصحاب الشأن ، شأنهم فى ذلك شأن المحامين ومحضرى القضايا (avoues) وسائر أصحاب المهن المنظمة رسمياً (officiers ministeriels) ، ويوجد لهم نظير فى بعض البلاد العربية يسمى بالكاتب العدل . وأقرب نظير لهم فى مصر هم المأذونون الشرعيون ، إذ لا يتقاضى هؤلاء أجراً من الدولة ، وإن كان إختصاصهم محصوراً فى دائرة الأحوال الشخصية للمسلمين وفى بعض نواحيها ، فيضيق اختصاصهم كثيراً بل ويختلف عن اختصاص الموثقين فى فرنسا ([175]) .

$121 المبحث الثاني

اختصاص الموظف من حيث الموضوع ومن حيث المكان

المطلب الأول

اختصاص الموظف من حيث الموضوع

75 ـ المقصود (( بالسلطة )) فى نص المادة 390 : لا يكفى لصحة الورقة الرسمية أن يوقم بتحريرها موظف عام ، بل يجب أيضاً أن يكون هذا $122 الموظف مختصاً بكتابتها من حيث الموضوع . وتشترط المادة 390 السابق إيرادها أن يكون الموظف العام قد عمل (( فى حدود سلطته واختصاصه )) . وفى رأينا أن المقصود (( بالسلطة )) فى هذا النص جملة أمور : (1) ولاية الموظف العام من حيث قيامها (2) أهلية الموظف العام من حيث عدم قيام مانع شخصى به يجعله غير صالح لتوثيق ورقة بالذات (3) الاختصاص الموضوعى للموظف العام من حيث نوع الأوراق

 

الرسمية التى يجوز له أن يقوم بتوثيقها . وهذا كله يدخل فى (( سلطة )) الموظف العام ([176]) . أما (( الاختصاص )) فنرى قصره على الاختصاص المكانى الذى سننتقل إليه فيما يلى ([177]) :

       ونستعرض هذه الأمور الثلاثة متعاقبة : الولاية والأهلية والاختصاص الموضوعى .

76 ـ الولاية : يجب أن تكون ولاية الموظف المختص قائمة ([178]) وقت تحرير الورقة الرسمية . فاذا كان قد عزل من وظيفته ، أو وقف عن عمله ، أو نقل منه ، أو حل غيره محله على أى وجه آخر ، فان ولايته تزول ، ولا يجوز له مباشرة علمه ، وتكون الورقة التى يحررها عندئذا باطلة للإخلال بشرط من شروط صحتها  ([179]) . وعلى أنه إذا كان الموظف لم يعلم بالعزل أو الوقف أو النقل أو انتهاء الولاية ، وكان ذوو الشأن هم أيضاً حسنى النية لا يعلمـون بشـئ من ذلك ، $123 فان الورقة الرسمية التى يحررها الموظـف فى هذه الظروف تكون صحيحة رعاية للوضع الظاهر المصحوب بحسن النية  ([180]) .

       وتطبيقاً لحماية الوضع الظاهر يكفى أيضاً أن يكون الموظف قد ولى وظيفته ولو فى الظاهر ، حتى لو كان تعيينه فى هذه الظيفة قد وقع مخالفاً للقانون ، فانه فى هذه الحالة يعتبر موظفاً فعلياً (fonctionnaire de fait) ، أى موظفاً من حيث الواقع . ويعتبر أيضاً موظفاً فعلياً الموظف الذى عينته سلطة غير شرعية قد استقر سلطانها ، كحكومة الثورة أو حكومة دولة أجنبية غازية . ففى جميع هذه الأحوال يكون توثيق الموظف المعين تعييناً باطلا أو المولى من قبل سلطة غير شرعية توثيقاً صحيحاً ، تطبيقاً لنظرية الموظف الفعلى وهى نظرية معروفة فى القانون الإدارى ([181]) .

       77 ـ الاهلية  ([182]) : متى ثبت للموثق الولاية على النحو المتقدم ، وجب أن يكون ، بالنسبة إلى كل ورقة رسمية يوثقها ، أهلا لتوثيقها . وهو فى الأصل أهل لتوثيق جميع الأوراق الرسمية التى تدخل فى اختصاصه . غير أن اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق سلبته الأهلية فى أية ورقة رسمية بالذات تكون له فيها مصلحة شخصية أو تربطه بأصحاب الشأن فيها صلة معينة من قرابة أو مصاهرة . فنصت المادة الرابعة من هذه اللائحة على أنه (( لايجوز للموثق أن يباشر توثيق محرر يخصه شخصياً أو تربطه وأصحاب الشأن فيه صلة مصاهرة أو قرابة لغاية الدرجة الرابعة )) .

       فلا يجوز إذن أن يكون الموثق نفسه طرفاً فى الورقة الرسمية التى يوثقها ، بائعاً أو مشترياً فى عقد بيع مثلا ، أو وكيلا أو موكلا فى عقد وكالة ، أو نحو ذلك . $124 ولا يجوز له ذلك لا بنفسه ولا بشخص مسخر عنه ، كأن يكون البائع أو المشترى يبيع أو يشترى لحسابه ولو بغير توكيل ظاهر . ولا يجوز بوجه عام أن تكون له مصلحة شخصية مباشرة فى الورقة التى يوثقها ، كأن يكون شريكاً لذوى الشأن فى الصفقة التى تثبتها الورقة الموثقة ([183]) ، فان المادة الرابعـة من اللائحة التنفيذية ، عند ما سلبته الأهلية فى الحالات التى نصت عليها ، كان ذلك (( لرفع مظنة المحاباة أو التأثير فى إرادة أحد المتعاقدين )) كما تقول المذكرة الإيضاحية لهذه اللائحة ، ومظنة المحاباة أو التأثير قائمة إذا وجدت للموثق فى الورقة التى يوثقها مصلحة شخصية مباشرة . وجزاء ذلك بطلان الورقة الرسمية ، حتى فى الأجزاء التى لا مصلحة للموثق فيها .

       كذلك لا يجوز أن يكون بين الموثق وأصحاب الشأن صلة قرابة أو مصاهرة لغاية الدرجة الرابعة ، دفعاً لمظنة المحاباة أو التأثير . فلا يجوز للموثق أن يوثق بيعاً مثلا يكون فيه البائع أو المشترى فرعاً أو أصلاً له لغاية الدرجة الرابعة ، بدخول الغاية ، أو يكون أخاً أو أختاً أو فرعاً لأيهما كذلك . ومثل القرابة المصاهرة . فلا يجوز أولا ـ ولو من غير نص صريح فى المادة الرابعة من اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق ـ أن يوثق الموثق لزوجته أو لزوجه . ثم لا يجوز له بعد ذلك أن يوثق لأحد من أقارب زوجته أو زوجه لغاية الدرجة الرابعة على النحو الذى قدمناه ، لقيام صلة المصاهرة بين الموثق وهؤلاء ([184]) .

       $125 وتنص المادة الثامنة من اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق على أنه (( لا يجوز توثيق محرر إلا بحضور شاهدين كاملى الأهلية مقيمين بالمملكة المصرية ولهما إلمام بالقراءة والكتابة ولا صالح لهما فى المحرر المطلوب توثيقه ولا تربطهما بالمتعاقدين أو بالموثق صلة مصاهرة أو قرابة لغاية الدرجة الرابعة )) . فيجب إذن ألا يكون بين الموثق وشاهدى الورقة الرسمية صلة قرابة أو مصاهرة لغاية الدرجة على النحو الذى قدمناه فيما يتعلق بأصحاب الشأن فى الورقة الرسمية ، فهم والشاهدان

 

 

 

 

من هذه الناحية بمنزلة سواء ([185]) . ولكن لا يشترط انتفاء صلة القرابة أو المصاهرة لغاية الدرجة الرابعة فيما بين الشاهدين نفسيهما .

       78 ـ الاختصاص الموضوعى : ويجب أن يكون الموثق مختصاً من الناحية الموضوعية بنوع الورقة الرسمية التى يقوم بتوثيقها . والموثق ، طبقاً للمادة الأولى من قانون التوثيق ، مختص بتوثيق جميع المحررات التى يقضى القانون أو يطلب المتعاقدون توثيقها . فلك تصرف قانونى يشترط القانون فيه ورقة رسمية ، كالهبة والرهن الرسمى ، يختص الموثق بتوثيقه . وكذلك جميع التصرفات القانونية التى لا يشترط فيها القانون ورقة رسيمة ، بل تكون تصرفات رضائية ويجوز إثباتها فى ورقة عرفية ، كالبيع والإيجار والوكالة والقسمة والصلح ، يجوز لأصحاب الشأن إثباتها فى ورقة رسمية ، وعندئذ يكون الموثق مختصاً بتوثيقها . ولا يخرج من الاختصاص الموضوعى للموثق إلا الوقف والأحوال الشخصية للمسلمين فهذه يكون التوثيق فيها من اختصاص المحاكم الشرعية $126 قضاة وكتبة ومن اختصاص المأذونين كما سبق القول ، وإلا الأحوال الشخصية للأجانب غير المسلمين فهذه يكون التوثيق فيها جوزاً لا وجوباً من اختصاص القنصليات الأجنبية ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك . ويترتب على ما تقدم أنه لا يجوز ، وفقاً لوقاعد الاختصاص الموضوعى ، أن يوثق القاضى الشرعى عقد بيع ، ولا المأذون عقد هبة ، ولا الموثق حجة وقف .

       وفى الحدود المتقدمة الذكر يقوم الموثق ، فيما يتعلق بتوثيق الأرواق الرسمية ، بما يأتى : (1) تلقى المحررات وتوثيقها (2) إثباتها فى الدفاتر المعدة لذلك (3) حفظ أصولها ،ن وموافاة المكتب الرئيسى بصور منها ، وإعطاء ذوى الشأن صورها ، وإعداد فهارس لها (4) وضع الصيغة التنفيذية على صور المحررات الرسمية الواجبة التنفيذ ([186]) .

 

المطلـب الثانـي

اختصاص الموظف من حيث المكان

       79 ـ الاختصاص المكانى : ولا يكفى أن يكون الموثق مختصاً من حيث الموضوع ، بل يجب أيضاً أن يكون مختصاً من حيث المكان . وقد نصت المادة الرابعة من قانون التوثيق على أنه (( لا يجوز للموثق أن يباشر عمله إلا فى دائرة اختصاصه )) . فلكل مكتب للتوثيق دائرة معينة يقوم فى حدودها الموثقون ومساعدوهم المعينون فى هذا المكتب بتوثيق الأوراق الرسمية التى يطلب إليهم توثيقها .

       ونبادر إلى القول بأن هذا الاختصاص المكانى إنما يفيد مكتب التوثيق وحده ، أى أن الموثقين ومساعديهم الملحقين بمكتب معين لا يجوز لهم مباشرة عملهم خارج دائرة اختصاصهم . ولكن أصحاب الشأن من يطلبون توثيق $127 أوراقهم غير مقيدن بدائرة اختصاص معينة ، فيجوز لشخص مقيم بأسوان أن يطلب إلى مكتب للشهر فى القاهرة أو فى طناطا أو فى أية جهة أخرى توثيق أية ورقة رسمية يريد توثيقها . فالقيد المكانى يرد إذن على مكاتب التوثيق ولا يرد على أصحاب الشأن . فلا يجوز لموظفى مكتب التوثيق أن يوثقوا ورقة رسمية إلا فى الدائرة المكانية لاختصاصهم . بل يجب أن يكون التوثيق فى مكتب التوثيق بالذات ، وفى مواعيد العمل الرسمية ، إلا إذا كان أحد أصحاب الشأن فى حالة لا تسمح له بالحضور إلى الكتب ، فيجـوز عندئذ للموثق أن ينتقل إلى محل إقامته لإجراء التوثيق وذلك بعد دفـع الرسـم المقرر للانتقال ، وعليه

 

إثبات هذا الانتقال فى الدفاتر المعدة لذلك ([187]) .

      

       80 ـ انتشار مكاتب التوثيق فى أنحاء البلاد : ومكاتب التوثيق ، وفقاً للنظام الجديد ، منتشرة فى جميع أنحاء الدولة . ولكل مكتب منها دائرة معينة لاختصاصه الكانى . ويعين عدد هذه الكاتب ومقر كل منها واختصاصه المكانى بقرار من وزير العدل ([188]) .

       وقد صدر فعلا قرار من وزير العدل فى 21 من شهر أكتوبر سنة 1947 ـ عمل به من أول يناير سنة 1948 تاريخ تنفيذ قانون الشهر ـ يقضى بإنشاء مكاتب للتوثيق فى جميع عواصم المديريات والمحافظات ([189]) ، ويتناول اختصاص كل مكتب منها المديرية أو المحافظة التى تقع فى دائرتها ([190]) .

 

 

 

 

 

       $128 ثم أنشئ لكل مكتب منها فروع فى مختلف الجهات التى بها محاكم جزئية أو مأموريات للشهر العقارى ([191])  .

       فأصبح الاختصاص المكانى لكل مكتب للتوثيق ، بفضل هذا التنظيم ، محدداً معروفاً . وأصبحت هذه المكاتب وفروعها منتشرة فى كل مكان وجد فيه سابقاً قلم للتوثيق (( حتى لا يتكبد جمهور المتعاملين مشقة فى الانتقال إلى المكتب الواقع فى عاصمة المديرية لإجراء ما كان يتم فى المحاكم الجزئية أو الشرعية فى المراكز وامتنع عليها إجراؤه اعتباراص من تاريخ تنفيذ النظام الجديد ))  ([192])  .

المبحـث الثالـث

مراعاة الأوضاع التى قررها القانون

       81 ـ الاوضاع والاجراءات التى قررها قانون التوثيق ولائحته التنفيذية : لما كان التوثيق فى مصر ، فى الكثرة الغالبة منه ، تقوم به مكاتب التوثيق ، فنبسط هنا الأوضاع والإجراءات التى قررها قانون التوثيق ولائحته التنفيذية فى توثيق الأوراق الرسمية  ([193]) .

 

 

$130 ويمكن تقسيم هذه الأوضاع والإجراءات إلى مرحل ثلاث :

       ( المرحلة الأولى ) مرحلة ما قل التوثيق : دفع الرسم والتثبت من أهلية المتعاقدين ورضائهم .

       ( المرحلة الثانية ) مرحلة التوثيق : ما يراعى فى كتابة الورقة الرسمية والشهود وتلاوة الورقة وتوقعها .

       ( المرحلة الثالثة ) مرحلة ما بعد التوثيق : حفظ الأصول وتسليم الصور .

 

       82 ـ مرحلة ما قبل التوثيق : لا يقوم الموثق بتوثيق ورقة رسمية إلا إذا دفع الرسم المستحق عنها ( م3 لائحة تنفيذية ) . فاذا ما دفع الرسم وجب على الموثق قبل إجراء التوثيق أن يتأكد من شخصية المتعاقدين بشهادة شاهدين بالغين عاقلين معروفين له ، أو أن تكون شخصيتهما ثابتة بمستند رسمى ( م 7 لائحة تنفيذية ) ، وذلك تحاشياً للتلاعب وتفادياً من وقوع التزوير ما أمكن ( المذكرة الإيضاحية للائحة التنفيذية ) . ثم يجب بعد ذلك أن يتثبت من أهلية المتعاقدين ورضاهئهم . وله أن يطلب ـ إثباتاص لأهلية المتعاقدين ـ تقديم ما يؤيد تلك الأهلية من مستندات كشهادة ميلاد أو شهادة طبية أو أى مستند آخر ( م 5 لائحة تنفيذية ) . والمقصود بالأهلية هنا البلوغ والعقل وعدم وجود مانع قانونى لدى أحد المتعاقدين ، كأن يباشر وصى أو قيم التعاقد على مال قاصر أو محجور عليه بدون إذن فى ذلك من الجهة المختصة ( المذكرة الإيضاحية للائحة التنفيذية ) . وإذا تم التعاقد بوكيل ، فعلى الموثق أن يتأكد من أن مضمون الورقة المطلوب توثيقها لا يجاوز حدود الوكالة ( م6 لائحة تنفيذية ) .

       فاذا اتضح للموثق عدم توافر الأهلية أو الرضاء لذى المتعاقدين ، أو إذا كانت الورقة الرسمية المطلوب توثيقها ظاهرة البطلان كما إذا كانت تثبت بيعاً على أرض موقوفة وقفاً خيرياً ، كان للموثق أن يرفض التوثيق وأن يعيد الورقة إلى ذوى الشأن بكتاب موصى عليه مع إبداء الأسباب ( م6 قانون التوثيق ) . ولا شك أن منح الموثق هذه السلطة من مقتضيات ما توخاه قانون التوثيق من ضبط المحررات ومراعاة صحتها والدقة فيها ، لما تتمتع به من خصائص ومميزات . ولا يتحقق ذلك إذا كانت وظيفة الموثق تنحصر فى تلقى إرادة ذوى الشأن ، دون التأكد منها $131 أو مراجعتهم فيها ( المذكرة الإيضاحية لقانون التوثيق ) . ولمن رفض توثيق ورقته أن يتظلم إلى قاضى الأمور الوقتية بالمحكمة التى يقع مكتب التوثيق فى دائراتها فى خلال عشرة أيام من إبلاغ الرفض إليه . ويكون التظلم بعريضة يبين فيها أوجه تظمله . وله أن يطعن فى القرار الذى يصدره قاضى الأمور الوقتية أمام غرفة المشورة بالمحكمة الابتدائية . وقرار القاضى باجراء التوثيق أو رفضه وكذلك قرار غرفة المشورة فى هذا الشأن لايجوز حجية الأمر المقضى فى موضوع المحرر ( م 7 قانون التوثيق ) ([194]) .

 

       83 ـ مرحلة التوثيق : فاذا تم التثبت من أهلية ذوى الشأن ورضائهم على الوجه المبين فيما تقدم ، انتقل الموثق إلى توثيق الورقة الرسمية ذاتها . ويجب أن تكون مكتوبة بخط واضح غير مشتمل على إضافة أو تحشير أو كشط ، وذلك لإبعاد كل شبهة عن المحرر ، وإذا اقتضى الأمر إضافة أو حذفاً فيجب ذكر ذلك فى آخر المحرر موقعاً عليه من ذوى الشأن أو وكلائهم من المحامين ، ويكتفى الموثق بمراجعتها وتلاوتها والاستيقاع والتوقيع عليها كما سيأتى .

      

       أما البيانات التى تتضمنها الورقة فهى نوعان : ( أولا ) البانات الخاصة بموضوع الورقة ، أى البيانات الخاصة بالبيع أو الرهن أو الوكالة أو غير ذلك من التصرفات التى قصد إثباتها فى الورقة . ( ثانياً ) البيانات العامة التى يجب ذكرها في كل ورقة رسمية أياً كان موضوعها ، وهذه هى :

 

       (1) ذكر السنة والشهر واليـوم والسـاعة التـى تم فيهـا التوثيـق ويكـون ذلـك بالأحـرف (2) اسـم الموثـق ولقبه ووظيفته (3) بيان ما إذا كان التوثيق قد تم فـى

 

 

$132 المكتب أو فى أى مكان آخر (4) أسماء الشهود ([195]) (5) أسماء أصحاب الشأن وأسماء آبائهم وأجدادهم لآبائهم وصناعاتهم ومحال ميلادهم وإقامتهم ، وأسماء وكلائهم ، ومن تقضى الحال بوجودهم للمعاونة فيما إذا كان أحد ذوى الشأن ضريراً أو ضعيف البصر أو أبكم أو أصم إذ يجب فى هذه الحالة على الموثق أن يتأكد من إستعانته بمعين يوقع المحرر معه ([196]) .

       ويجب أن تكون الورقة مكتوبة باللغة العربية . فاذا كان أحد المتعاقدين يجهل هذه اللغة أو لا يعرفها معرفة كافية ، استعان الموثق بمترجم يقدمه المتعاقدون ويكون محل ثقتهم . ويجب أن يوقع المترجم الورقة مع المتعاقدين والشهود والموثق ، ويجب ذكر اسمه من بين من تقضى الحال بوجودهم للمعاونة ([197])   .

 

       $133 فاذا تم كل ذلك ، وجب على الموثق قبل توقيع ذوى الشأن على الورقة التى توثق أن يتلو عليهم الصيغة الكاملة للورقة ومرفقاتها ، وأن يبين لهم الأثر القانوني المترتب عليها دون أن يؤثر فى إرادتهم . فاذا كانت الورقة مكونة من عدة صفحات ، وجب عليه أن يرقم صفحاتها ([198]) .

       فاذا تمت التلاوة على هذا النحو ، وقع الموثق هو وأصحاب الشأن والشهود ـ وكذلك عند الاقتضاء المترجم ومن استعان به ذو الشأن إذا كان ضريراً أو ضعيف البصر أو أبكم أو أصم ـ الورقة صفحة صفحة وكذلك المرفقات ([199]) .

       84 ـ مرحلة ما بعد التوثيق : وأهم ما فى هذه المرحلة هو حفظ الأصول وتسليم الصور . فيحفظ بمكتب التوثيق أصول الأوراق الرسمية التى توثق على حسب أرقامها فى ملفات خاصة بكل سنة ( م18 اللائحة التنفيذية ) . ولا يجوز أن تنقل من مكاتب التوثيق هذه الأصول ولا الدفاتر أو الوثائق المتعلقة بها . على أنه يجوز للسلطات القضائية الاطلاع عليها . فاذا أصدرت سلطة قضائية قراراً بضم أصل ورقة رسمية موثقة إلى دعوى منظورة أمامها ، وجب أن ينتقل القاضى المنتدب إلى المكتب ويحرر بحضوره صورة مطابقة لأصل الورقة الرسمية ، ويعمل بذيلها محضر يوقعه القاضى والموثق وكاتب المحكمة ، ثم يضم الأصل إلى ملف النزاع ، وتقوم الصورة مقام الأصل لحين رده ( م10 اللائحة التنفيذية ) ([200]) . ويتولى المكتب غرسال صورة من كل ورقة رسمية تم $134 توثيقها إلى المكتب الرئيسى بالقاهرة لحفظنا فيه ( م20 اللائحة التنفيذية والمادة 2 بند 4 من قانون التوثيق ) .

       ولا تسلم صورة الورقة الرسمية التى تم توثيقها إلا لأصحاب الشأن . ولا تنسخ الصورة لتسليمها لأصحاب الشأن إلا بعد دفع الرسم . ويوضع على هذه الصورة رقم التوثيق وتاريخه وصيغة التسليم وتاريخها ، ويوقعها الموثق ، ويوضع عليها خاتم المكتب ، ويؤشر الموثق على أصل الورقة بالتسليم ويوقع هذا التأشير ( م 8 فقرة أولى من قانون التوثيق وم 19 اللائحة التنفيذية ) . ويجوز تسليم صورة من الورقة الرسمية للغير بعد الحصول على إذن من قاضى الأمور الوقتية بالمحكمة التى يقع مكتب التوثيق فى دائرتها ( م8 فقرة 2 من قانون التوثيق ) .

       وإذا كانت الورقة الرسمية واجبة التنفيذ ، وسلمت منها الصورة التنفيذية ، وضع مكتب التوثيق عليها الصيغة التنفيذية ( م 2 بند 3 قانون التوثيق ) . ثم لا يجوز تسليم صورة تنفيذية ثانية إلا بقرار من قاضى الأمور المستعجلة ( م9 قانون التوثيق ) ([201]) .

$135 المبحث الرابع

جزاء الاخلال بشرط من هذه الشروط

 

       85 ـ الجزاء هو البطلان : بينا فيما تقدم الشروط الواجب توافرها لصحة الورقة الرسمية . فاذا اختل شرط من هذه الشروط ، كانت الورقة الرسمية باطلة كورقة رسمية .

       ويترتب على ذلك أنه إذا كان الذى قام بتوثيق الورقة ليس موظفاً عاماً ، أو كان موظفاً عاماً ولكنه عند توثيقه للورقة كان قد عزل أو وقف عن عمله أو نقل أو حل محله أحد آخر لأى سبب ، فان الورقة التى وثقها فى جميع هذه الأحوال تكون باطلة . وقد قدمنا أن الموظف الفعلى (fonctionnaire de fait) إذا وثق ورقة رسمية كان توثيقه صحيحاً وفقاً لنظرية معروفة فى القانون الإدارى . وقدمنا كذلك أن الموظف العام إذا كان قد عزل أو وقف أو نقل ولم يكن يعلم بانقطاع ولايته وقت توثيق الورقة الرسمية ، وكان أصحاب الشأن غير عالمين أيضاً بذلك أى كانوا حسنى النية ، فان الورقة تكون صحيحة .

       ويترتب على ذلك أيضاً أن الموظف العام إذا لم تكن له سلطة فى التوثيق ، بأن كانت له مصلحة شخصية مباشرة فى الورقة الموثقة ، أو ربطته بأصحاب الشأن أو بالشهود قرابة أو مصاهرة لغاية الدرجة الرابعة ، أو وثق ورقة من نوع لا اختصاص له فيه ، فوثق مثلا حجة وقف كان الواجب أن يكون موثقها هو القاضي الشرعى أوكاتبه ، و وثق القاضى الشرعى عقد بيع أو نحو ذلك ، فان الورقة تكون باطلة فى جيمع هذه الأحوال . وقد رأينا فيما يتعلق برابطة القرابة أو المصاهرة أن الشهرة العامة قد يكون من شأنها تصحيح الورقة .

       ويترتب على ذلك أيضاً أن الموثق إذا قام بتوثيق الورقة فى غير دائرة اختصاصه المكانى ، أو فى غير مكتب التوثيق أو فى غير مواعيد العمل إلا لمانع يبرر انتقاله ، كانت الورقة باطلة ([202]) .

 

       $136 ويترتب على ذلك أخيراً أن الأوضاع والإجراءات الواجب مراعاتها فى توثيق الورقة إذا لم تراع كانت الورقة باطلة . ولكن هنا يجب التمييز بين الأوضاع والإجراءات الجوهرية وتكون هى التى جزاؤها البطلان ، وبين الأوضاع والإجراءات غير الاجوهرية ولا يترتب البطلان عليها . ويعتبر من الأوضاع والإجراءات الجوهرية البيانات العامة الواجب ذكرها فى الورقة الرسمية ـ تاريخ التوثيق واسم الموثق وأسماء أصحاب الشأن والشهود ([203]) ـ وكذلك حضور الشاهدين وقت توثيق الورقة ، وحضور المترجم عند الاقتضاء وحضور المعين بالنسبة إلى المصاب باحدى العاهات الثلاث ، وكون التوثيق باللغة العربية ، وإثبات أن الورقة الرسمية قد تليت وأن الأثر القانونى للورقة قد بين لأصحاب الشأن ([204]) ، والتوقيعات التى نص عليها  ([205]) . ولا يعتبر جوهرياً ، فلا يترتب عليه البطلان ، عدم دفع الرسم ([206]) ، وعدم تثبت الموثق من شخصية المتعاقدين عن طريق شاهدين أو عن طريق مستند رسمى ([207]) ومجاوزة الورقة لحدود الوكالة إذا كان التعاقد بوكيل ([208]) ، وترقيم الصفحات صفحة صفحة ([209]) ، والإضافة والتحشير والكشط ([210]) .

 

       76 ـ ما يترتب على البطلان : قلنا إذا اختل شرط من شروط صحة الورقة الرسمية ترتب على ذلك بطلان الورقة ، فما الذى يترتب على هذا البطلان ؟

        الأصـل أن الورقـة الرسميـة إذا كانـت باطلـة تكـون جميـع أجزائهـا باطلـة ،

$137 فلا يبطل جزء ويصح جزء . فاذا كان للموثق مصلحة شخصية مباشرة فى الورقة مثلا ، فان الورقة تكون كلها باطلة ولا يقتصر البطلان على الجزء الذى يثبت للموثق فيه هذه المصلحة الشخصية المباشرة . وإذا لم يوقع أحد الشهود على الورقة ، أو لم يوقع المترجم أو المعين ، ومن باب أولى إذا لم يوقع الموثق أو أحد أصحاب الشأن ، كانت الورقة كلها باطلة حى تاريخها ، مع أن التاريخ لم يقع فيه بطلان . ومن ثم لا يعتبر التاريخ ثابتاً ، بل يكون تاريخاً عرفياً لا حجية فيه على الغير .

       على أنه يجب التمييز بين الورقة التى تثبت التصرف القانونى والتصرف القانونى ذاته . فاذا كانت الورقة باطلة ، فلا يستدعى ذلك حتما أن يكون التصرف القانونى باطلا . بل يبقى هذا التصرف قائماً وإن كان إثباته عن طريق الورقة الرسمية قد انعدم . وقد يصح إثباته عن طريق آخر غير الكتابة ، بل قد يصح إثباته بالورقة الرسمية الباطلة ذاتها إذا صحت كورقة عرفية على النحو الذى سنبينه فيما يلى . ويستثنى مما قدمناه الفرض الذى يكون فيه التصرف القانوني شكلياً ، أى يجب لانعقاده أن يكتب فى ورقة رسمية كالهبة والرهن الرسمى ، فعندئذ تصبح الورقة الرسمية ركناً فى التصرف ، فاذا كانت باطلة بطل التصرف ذاته ([211]) .

وكذلك الأمر فيما إذا اتفق المتعاقدان على أن يكون تعاقدهما بورقة رسمية إذا ما قد قصدا أن تكون الرسمية ركناً فى العقد .

       وقد يقع ان الورقة الرسمية يكون ظاهرها الصحة ، ثم يطعن بالتزوير فى جزء من أجزائها ، ويتبين من إجراءات الطعن أن هذا الجزء مزور ، فهل ينبنى على ذلك أن تصبح الورقة الرسمية كلها باطلة كورقة رسمية ؟ مثل ذلك أن يذكر الموثق فى الورقة الرسمية أن المشترى دفع الثمن أمامه للبائع ، ويتبين بعد الطعن بالتزوير فى هذه العبارة أن المشترى لم يدفع شيئاً أمام الموثق . ومثل ذلك أيضاً $138 أن يطعن بالتزوير فى تاريخ الورقة أو فى توقيعات بعض الشهود أو بعض ذوى الشأن ، ويتبين من إجراءات الطعن بالتزوير أن هذه الاجزاء فعلا مزورة . نرى في مثل هذه الأحوال التمييز بين ما إذا كان الجزء من الورقة الذى ثبت تزويره جوهرياً لصحة الورقة الرسمية فتكون الورقة باطلة فى جميع أجزائها ، وبين ما إذا كان هذا الجزء غير جوهرى فتبقى الأجزاء الأخرى للورقة الرسمية صحيحة ، ففى المثلين المتقدمين ، إذا ثبت تزوير العبارة التى تثبت أن المشترى دفع الثمن للبائع فان هذا الجزء وحده هو الذى يفقد قوته فى الإثبات وتبقى سائر أجزاء الورقة الرسمية صحيحة محتفظة بقوتها فى الإثبات ، أما إذا ثبت أن تاريخ الورقة أو توقيع أحد الشهود أو أحد أصحاب الشأن مزور فان هذا الجزء الذى ثبت تزويره جوهرى لصحة الورقة الرسمية ومن ثم يكون الورقة باطلة فى جميع أجزائها .

 

       87 ـ قيمة الورقة الرسمية الباطلة : قدمنا أن الفقرة الثانية من المادة 390 تقضى بأن الورقة إذا لم تكسب صفة الرسمية فلا يكون لها إلا قيمة الورقة العرفية متى كان ذوو الشأن قد وقعهوها بامضاءاتهم أو بأختامهم أو ببصمات أصباعهم .

       والورقة لا تكسب صفة الرسمية إذا كانت باطلة لسبب من الأسباب التى قدمناها . يستوى فى ذلك ورقة لم يوقعها الموثق ، وورقة وقعها موثق مسلوب الولاية ، وورقة وقعها موثق غير مختص موضوعاص بتوثقها ، وهذه حالات يمكن القول أن الورقة فيها تكون منعدمة كورقة رسمية . ويستوى فى ذلك أيضاً ورقة وثقها موثق ثبتت له الولاية والاختصاص الموضوعى ولكن نقصه الاختصاص المكانى ، وورقة اختل فيها إجراء جوهرى كما إذا شهد عليها شاهد واحد لا شاهدان ، وهذه حالات لا يمكن القول أن الورقة فيها تكون منعدمة ولكنها تكون قطعاً باطلة كورقة رسمية . لم يفرق التقينين المصرى الجديد بين هذيه الفرضين ـ فرض انعدام الورقة كورقة رسمية وفرض بطلانها ـ ففيهما معاً لا تكسب الورقة صفة الرسمية ، ومن ثم لا يكون لها إلا قيمة الورقة العرفية إذا كانت موقعة من أصحاب الشأن . وهذا حكم بديهى فى القانون المصرى ، فان الورقة فى الاحوال التى قدمناها ، إذا كانت قد فقدت شرطاً $139 من شروط الصحة لقيامها كورقة رسمية ، فانها مع ذلك قد استوفت شروط الورقة العرفية . فهى ورقة مكتوبة وقعها من صدرت منه ، والتوقيع وحده كاف لصحة الورقة العرفية فى التقنين المصرى ومن ثم تكون لها حجية الورقة العرفية ، فتعتبر صادرة ممن وقعها ما لم يطعن فيها بالإنكار ( م 394 مدنى ) ([212]) . وهذا ضرب من ضروب التحول (conversion) شبيه بتحول التصرف الباطل إلى تصرف آخر صحيح توافرت فيه أركانه وشروط صحته ( م 144 مدنى ) ، فالورقة الرسمية الباطلة قد تحولت هنا إلى ورقة عرفية صحيحة لتوافر شروط صحة الورقة العرفية فيها . ولكن لا يكون تاريخها تاريخاً ثابتاُ كما قدمنا .

       هذا الحكم البديهى لم يكن فى حاجة إلى نص ، فما هو إلا تطبيق للقواعد العامة . ويقطع فى ذلك أن التقنيـن القديـم لم يكـن يتضمـن نصـاً فـى هـذا المعـنى ، ومـع ذلك فقـد كـان الحكـم فيـه هـو عيـن الحكـم الذى قدمنـاه  ([213]) . ومـا كنـا لنسهـب

 

$140 فى هذه المسألة لولا أن المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهدى للتقنين المدنى الجيد أوردت عبارات يفهم منها وجوب إعمال نوع من التمييز بين الورقة الرسمية المنعدمة ـ حيث يكون الموظف العام غير مختص موضوعاً أو حيث تكون له مصثلحة شخصية مباشرة أوحيث يكون قد أغفل التوقيع على الورقة أو نحو ذلك ـ وفى هذه الحال تبطل الورقة كورقة رسمية ثم لا تكون لها قيمة الورقة العرفية ، وبين الورقة الرسمية الباطلة ـ إذا لم يكن للموثق مثلا اختصاص فى توثيقها من حيث المكان ـ وفي هذه الحالة تبطل الورقة كذلك كورقة رسمية ولكن تكون لها قيمة الورقة العرفية ([214])  .

 

       وهذا التمييز يقوم حقاً في التقنين املدنى الفرنسى . والسبب في ذلك أن هذا التقنين لا يكتفي في صحة الورقة العرفية أن تكون موقعة من أصحاب الشأن ، ب يشرط فوق ذلك ، كما سنرى ، تعدد النسخ الأصلية في العقوج الملزمة للجانبين وكتابة كل الإلتزام بالحروف لا بالأرقام مع اعتماد المدين لها بخصه في القود الملزمة لجانب واحد . فإذا كانت الورقة الرسمية الموقع عليها من أصحاب الشأن باطلة ، لم يكن التوقيع عليها وحده كافياً لإعتبارها بمنزلة الورقة العرفيـة ، $141 إذ ينقصها شرط آخر هو تعدد النسخ أو اعتماد المدين . ومن ثم كان جعل مثل هذه الورقة الرسمية الباطلة بمنزلة الورقة العرفية لا بد فيه من نص هو الذي ينشئ لها هذه القيمة . وقد وجد فعلا هذا النص في التقنين المدني الفرنسي في المادة 1318 على النحو الآتي : (( الورقة التي لا تكسب صفة الرسمية بسبب عدم اختصاص الموظف العام أو بسبب عدم أهليته أو بسبب عيب في الشكل تكون لها قيمة الورقة العرفية إذا كانت موقعة من ذوى الشأن )) ([215]) . ولما كان هذا النص منشئاً ، فهو الذي يضفى على الورقة الرسمية الباطلة قيمة الورقة العرفية ، ولولاه لما كانت لها هذه القيمة من تلقاء نفسها ، فقد عمد الفقه الفرنسي إلى عدم التوسع في تفسيره ، وميز بين ورقة رسمية منعدمة([216]) ، حيث لا يكون للورقة وجود أصلا فلا تصلح أن تكون ورقة عرفية([217]) ، وبين ورقة رسمية باطلة([218]) حيث توجد وتكون لها قيمة الورقة العرفية ، ولو أن شرط تعدد النسخ أو إعتماد المدين ينقصها ، وذلك بفضل نص المادة 1318 الذى أنشأ لها هذه القيمة .

       هذا التمييز هو إذن مستساغ في التقنين الفرنسي . ولكنه غير مستساغ في التقنين المصري . فقد قدمنا أن الورقة العرفية في هذا التقنين لا يشترط في صحتها إلا توقيع أصحاب الشأن ، دون حاجة إلى تعدد النسخ أو إلى إعتماد المدين . فمتى وجد هذا التوقيع على الورقة الرسمية الباطلة ، أيا كن سبب بطلانها ، ولو $142 كانت ورقة رسمية منعدمة ، فقد إستوفت شرط صحة الورقة العرفية وصار لها قيمتها ، لا بفضل نص منشئ كما في التقنين الفرنسي ، بل بفضل تطبيق القواعد العامة ، وليست الفقرة الثانية من المادة 390 إلا كاشفة عن هذا التطبيق ولم تكن هناك حاجة إليها كما سبق القول . فمن أين إذن أتت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى بهذا التمييز ؟ .

      

       الواقع من الأمر أنه هذا تمييز لا يستقيم في التقنين المصرى . والمذكرة الإيضاحية في القول به جد خاطئة . والسبب في هذا الخطأ أن مشروعاً أولياً للتقنين المصرى في الإثبات كان يحوى شروطاً للورقة العرفية هى نفس شروط التقنين الفرنسى . ومن ثم كان التمييز مستساغاً في هذا المشروع الأولى كما هو مستساغ في التقنين الفرنسي وقد كتبت المذكرة الإيضاحية للمشروع الأولى على هذا الأساس . ثم عدل المشروع الأولى ، ورجع المشروع التمهيدى للتقنين المصرى إلى الاكتفاء بتوقيع المدين لصحة الورقة العرفية وأغفل الشرط الآخر ، فلم يعد التمييز مستساغاً في هذا الوضع . ولكنه بقى مع ذلك بارزاً في المذكرة الإيضاحية التى أدمجت كما هى في مجموعة الأعمال التحضيرية ، وكان ذلك سهواً ، إذ كان من الواجب حذف هذا التمييز بعد تعديل المشروع الأولى على الوجه الذى أشرنا إليه([219]) .

$143الفرع الثاني

حجية الورقة الرسمية في الإثبات

 

       88 ـ افتراض صحة الرسمية : متى كانت المظاهر الخارجية للورقة تنبئ أنها ورقة رسمية ، اعتبرت كذلك إلى أن يثبت ذو المصلحة أنها ليست لها صفة الرسمية لبطلانها أو لتزويرها ، ولا يكون ذلك إلا عن طريق الطعن بالتزوير إلا إذا جاز إثبات البطلان عن طريق آخر .

       وبذلك يتم للورقة الرسمية السليمة في مظهرها قرينتان : قرينة بسلامتها المادية ، وأخرى بصدورها من الأشخاص الذين وقعوا عليها وهم الموظف العام وأصحاب الشأن([220]) . فهى إذن ، حتى يطعن فيها بالتزوير ، حجة بسلامتها المادية وبصدروها ممن صدرت منه دون حاجة إلى الإقرار بها . وهذا علا خلاف الورقة العرفية ، فسنرى أنها لا تكون حجة بما فيها قبل الإقرار بها([221]) .

       لكن إذا كانت المظاهر الخارجية للورقة تدل في ذاتها على أن بها تزويراً واصحاً كوجود كشط فيها أو حبر مختلف في اللون أو نحو ذلك ، أو على أنها $144 ورقة رسمية باطلة كعدم توقيعها من الموثق أو من أصحاب الشأن أو كوضوح أن الموثق غير مختص موضوعاً بتوثيقها ، جاز للقاضى أن يرد الورقة ، بإعتبارها مزورة باطلة([222]) . وقد نصت المادة 260 من تقنين المرافعات على ما يأتي : (( للمحكمة أن تقدر ما يترتب على الكشط والمحو والتحشير وغير ذلك من العيوب المادية في الورقة من إسقاط قيمتها في الإثبات أو إنقاصها . وإذا كانت صحة الورقة محل شك في نظر المحكمة ، جاز لها من تلقاء نفسها أن تدعو الموظف الذى صدرت عنه أو الشخص الذى حررها ليبدى ما يوضح حقيقة الأمر فيها )) ([223]) .

 

       89 ت مسائل ثلاث في حجية الورقة الرسمية : فإذا خلص للورقة صفتها الرسمية على النحو المتقدم ، كان لها في أصلها وفي صورها ، حجية في الإثبات إلى مدى بعيد ، فيما بين الطرفين ، وبالنسبة إلى الغير .

       فنتكلم إذن في مسائل ثلاث :  (1) حجية الورقة الرسمية فيما بين الطرفين (2) حجية الورقة الرسمية بالنسبة إلى الغير (3) حجية الورقة الرسمية فيما يتعلق بصورها .

 

المبحث الأول

حجية الورقة الرسمية فيما بين الطرفين

       90 ـ النصوص القانونية : تنص المادة 391 من التقنين المدني على ما يأتي :

       (( الورقة الرسمية حجة على الناس كافة بما دون فيها من أمور قام بـها محـررها $145 في حدود مهمته أو وقعت من ذوى الشأن في حضوره ، ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً )) ([224]) .

       ويقابل هذا النص في التقنين المدني القديم المادة 226/291([225]) ـ ويقابل في التقنينات المدنية العربية الأخرى : في قانون البينات السورى المادة السادسة ، وفي التقنين المدنى العراقي المادة 451 ، وفي تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبناني المواد من 156 إلى 159 ، وفي التقنين المدني الليبى المادة 378([226])  ـ

$146 ويقابل في التقنين المدني الفرنسي المادة 1319([227]) .

       ويتبين من هذه النصوص :

       ( أولا ) أن الورقة الرسمية حجة على الناس كافة . وسنتناول هنا حجيتها فيما بين الطرفين ، على أن تكلم فيما يلى في حجيتها بالنسبة إلى الغير .

       ( ثانياً ) أن الورقة الرسمية حجة بما دون فيها من أمور قام بها محررها في حدود مهمته أو وقعت من ذوى الشأن في حضوره ، ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً . ويتضح من هذا أن هناك نوعين من البيانات في الورقة الرسمية : (1) بيانات تكون للورقة الرسمية فيها حجية إلى أن يطعن في الورقة بالتزوير $147 (2) بيانات دون ذلك فى القوة ، فهى ككل بيان يثبت في ورقة مكتوبة يعتبر صحيحاً حتى يوقم الدليل على ما يخالفه ([228]) . وقد كان المشروع التمهيدى يتضمن فقرة في هذا المعنى حذفت في لجنة الشيوخ اكتفاء بتطبيق القواعد العامة . فعلينا إذن أن نبحث : (1)

       91 ـ حجية الورقة الرسمية حتى يطعن فيها بالتزوير : تكون للورقة الرسمية حجية في الإثبات حتى يطعن فيها بالتزوير ، وذلك فيما دون فيها من أمور قام بها الموثق في حدود مهمه أو وقعت من ذوى الشأن في حضوره . فهناك إذن طائفتان من البيانات لها هذه الحجية : بيانات عن الأمور التى قام بها الموثق في حدود مهمته ، وبيانات عن أمور وقعت من ذوى الشأن في حضوره.

       أما الأمور التى قام بها الموثق في حدود مهمته وبينها فى الورقة الرسمية التى وثقها فكثيرة . من ذلك تأكده من شخصية المتعاقدين بشهادة شاهدين أو بستند رسمى ، وتثبته من أهلية المتعاقدين ورضائهما ، وصدور الكتابة منه ، والبيانات العامة التى أثبتها في الورقـة وهـى التاريخ ([229]) واسم الموثق وبيان ما إذا كان التوثيق قد تم في المكتب أو في مكان آخر وحضور شاهدين واسم كل منهما وحضور أصحاب الشأن وأسماؤهم وحضور المترجم والمعين عند الاقتضاء وتلاوته الورقة لذوى الشأن والتوقيعات التى تحملها الورقة([230]) .

$148 أما البيانات عن الأمور التى وقعت من وذى الشأن فى حضوره فأكثرها يتعلق بموضوع الورقة الرسمية التى قام بتوثيقها ، أي البيانات الخاصة بهذه الورقة بالذات . فإن كان الموضوع بيعاً ، فإن الموثق يثبت في الورقة أن البائع قرر أنه يبيع والمشترى دفع الثمن إلى البائع أمام الموثق فيذكر الموثق ذلك في الورقة الرسمية . كل هذه البيانات التى وقعت من ذوى الشأن في حضور الموثق وأثبتها في الورقة ، بعد أن أدركها بالسمع أو بالبصر de visu aut de auditi  ، تكون لها ححية في الإثبات إلى أن يطعن فيها بالتزوير([231]) .

       وسواء كانت البيانات متعلقة بالأمور التى قام بها الموثق أو بالأمور التى وقعت من ذوى الشأن في حضوره ، فلا بد حتى تثبت لها هذه الحجية أن تكون في حدود مهمة الموثق . فإذا خرجت عن هذه الحدود ، كأن أثبت الموثق أن أصحاب الشأن أقارب أو أن أحدهم يبلغ كذا من العمر أو أنهم قرروا أمامه أنهم أجانب أقاموا مدة معينة في البلاد ، فلا تكون لهذه البيانات حجية لأنها لا تدخل في مهمة الموثق([232]) .

       $149 وقد حصرت على هذا النحو في دائرة محدودة البيانات التى تكون لها حجية لا تدحض إلا إذا لجأ من ينكرها إلى طريق الطعن بالتزوير . ذلك أن طريق الطعن بالتزوير طريق معقد محفوف بالمصاعب والمخاطر ، وقد رسم له تقنين المرافعات إجراءات ومواعيد دقيقة شدد فيها من التزامات الطاعن بالتزوير، وفرض عليه غرامة إذا حكم بسقوط ادعائه أو برفض هذا الادعاء([233]). وليس أمام من تحتم عليه الطعن بالتزوير إلا سلوك هذا الطريق ، فليس له أن يستجوب خصمته تمهيداً للحصول على إقرار منه ، ولا أن يوجه له اليمين الحاسمة ، ولا أن يطلب إحالة الدعوى على التحقيق بغير الطريق المرسوم للطعن بالتزوير ، $150 ولا أن يطلب إثبات وقائع تتعارض مع البيانات الثابتة بالورقة الرسمية حتى لو كان يتمسك بمدبأ ثبوت بالكتابة ويريد أن يستكمله بالبينة أو بالقرائن([234]) .

$151 وله أن يطعن بالتزوير في أية حالة كانت عليها الدعوى ، ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف([235]) ، ولكن لا لأول مرة أمام محكمة النقض ، وذلك كله بشرط ألا يكون الطعن بالتزوير كيدياً([236]) .

       92 ـ حجة الورقة الرسمية حتى يقوم الدليل على العكس أما ما أثبته الموثق في الورقة الرسمية باعتباره وارداً على لسان ذوى الشأن من بيانات ، فلا تصل الحجية فيه إلى حد الطعن بالتزوير . بل يعتبر ما ورد من ذلك صحيحاً في ذاته إلى أن يثبت صاحب المصلحة عكسه بالطرق المقررة فى قواعد الإثبات([237]) . ومن هذه القواعد أه لا يجوز إثبات عكس ما بالورقة المكتوبة إلا بالكتابة أو بمبدأ ثبوت بالكتابة مستكملا بالبينة أو بالقرائن . فلا يجوز إذن إثبات عكس ما ورد في الورقة الرسمية على لسان ذوى الشأن إلا إذا كانت هناك كتابة تثبت هذا العكس ، أو القليل مبدأ ثبوت بالكتابة تعززه البينة أو القرائن([238]) .

       $152 والأصل في هذه المسألة أن كل طعن في بيان وارد بورقةرسمية ، يتضمن مساساً بأمانة الموثق وصدقه ، لا يكون إلا عن طريق الطعن بالتزوير كما رأينا . ذلك أن اختيار الموظف العام خاضع لشروط تتوافر بها الثقة فيه ، وهو معرض لعقوبات قاسية فيما إذا أحل بهذه الثقة([239]) . أما الطعن الذى لا يتضمن مساساً بأمانة الموثق أو بصدقه فيكفى فيه إثبات العكس على النحو الذى قررناه .

       ومن ثم يكون البيان المتعلق بتأكد الموثق من شخصية المتعاقدين وبتثبته من أهليتهما ورضائهما لا يجوز إنكاره إلا بطريق الطعن بالتزوير كما قدمنا . ولكن إذا اقتصر المدعى على إنكار شخصية المتعاقدين أو إنكار توافر الأهلية فيهما أو إنكار أن رضاءهما صحيح غير مشوب بعيب ، دون أن يتعرض لتثبت الموثق من كل ذلك ، جاز أن يثبت ما يدعيه بالطرق المقررة دون حاجة إلى الطعن بالتزوير ، لأن المدعى لا تشكك في ذمة الموثق ، إذ هو يسلم أن الموثق قد تأكد من كل ذلك ، ولكن بالرغم من هذا التأكد فإنه قد أخطأ عن حسن نية .

       وكذلك البانات العامة التى يثبتها الموثق بعضها لا يجوز إنكاره بتاتاً إلا بطريق الطعن بالتزوير ، كتاريخ الورقة الرسمية الذى يعتبر تاريخاً ثابتاً كما قدمنا ، واسم الموثق ، وبيان ما إذا كان التوثيق قد تم في المكتب أو في مكان آخر ، وحضور الشهود ، وحضور أضحاب الشأن ، والتوقيعات ، وقد تقدم ذكر ذلك . أم حقيقة أسماء أصحاب الشأن وأسماء الشهود وحقيقة ألقابهم وصناعاتهم ومحال إقامتهم ، فما قرروه من ذلك فى الورقة الرسمية له ناحيتان : واقعة التقرير في ذاته أى صحة الأسماء والألقاب والصناعات ومحال الإقامة وهذه يكفى فيها إثبات العكس لأن الإنكار في هذا كله لا يمس أمانة الموثق إذ هو لم يكتب إلا ما قرره هؤلاء على عهدتهم ، صادقين كانوا أو كاذبين .

       $153 ثم إن البيانات الخاصة بموضوع الورقة الرسمية لها أيضاً ناحيتان : واقعة التقرير ـ أي أن أصحاب الشأن قرروا أمام الموثق كذا وكذا ـ وهذه لها حجية إلى حد الطعن بالتزوير ، ثم صحة التقرير في ذاته وهذه يجوز إنكارها وإثبات العكس لأن ذلك لا يمس أمانة الموثق . مثل ذلك أن يثبت الموثق أن أحد المتعاقدين قرر أنه باع للمتعاقد الآخر داراً وقرر المتعاقد الآخر أنه اشترى هذه الدار ، فواقعة التقرير من بيع وشراء لها حجية إلى حد الطعن بالتزوير ، ولكن هذا لا يمنع ذا المصلحة ، وهو لا يتعرض لواقعة التقرير في ذاتها ولا يمس بذلك أمانة الموثق ، من أن يتمسك بأن هذا البيع صورى بالرغم من أن المتعاقدين قررا أمام الموثق غير ذلك ، وله أن يثبت هذه الصورية بالطرق المقررة قانوناً دون حاجة إلى الطعن بالتزوير . ولو أثبت الموثق أن المشترى دفع أمامه الثمن وقدره كذا إلى البائع ، فواقعة دفع مبلغ قدره كذا له حجية إلى حد الطعن بالتزوير ، ولكن هذا ذا المصلحة من إثبات أن الدفع بالرغم من صحة واقعته فى ذاتها كان دفعاً صورياً ، بأن كانت النقود هى نقود البائع وأعطاها للمشترى ليسلمها هذا له أمام الموثق([240]) ، أو بأن النقود التى دفعها المشترى أمام الموثق أعادها له البائع بعد خروجهما ، وله أن يثبت ذلك بالطرق المقررة قانوناص دون حاجة إلى الطعن بالتزوير لأنه لا يمس في اعائه هذا أمانة الموثق([241]) .

       $154 وكذلك قيام التصرف القانونى ذاته وصحته التى تفترض توافر الأهلية والخلو من عيوب الرضاء ووجود محل صالح وسبب مشروع ، ونفاذ التصرف القانوني فيما بين الطرفين وفي حق الغير ، كل ذلك لا شأن له بما قرره الموثق من وقع التصرف ، فلكل ذى مصلحة أن ينازع في أية مسألة من هذه وعليه إثبات ما يدعيه وفقاً للقواعد المقررة قانوناً([242]) .

 

المبحث الثاني

حجية الورقة الرسمية بالنسبة إلى الغير

       93 ـ قاعدة عامة : رأينا أن المادة 391 من التقنين المدني تقضى بأن الورقة الرسمية حجة على الناس كافة. فهى إذن حجة بما جاء فيها ، لا على أصحاب الشأن وحدهم ، بل هى أيضاً على الغير([243]) .

       وقد رأينا فيما تقدم كيف تكون حجة على أصحاب الشأن ، فبسطنا متى تقوم هذه الحجية إلى حد الطعن بالتزوير ومتى تقوم حتى يقدم الدليل على العكس .

       ونستعرض هنا بالنسبة إلى الغير ما قدمناه بالنسبة إلى أصحاب الشأن ، فنذكر متى تكون الورقة الرسمية حجة على الغير إلى حد الطعن بالتزوير ، ومتى تكون حجة على الغير حتى يقوم الدليل على العكس .

 

 

$155 94 ـ حجية الورقة الرسمية بالنسبة إلى الغير إلى حد الطعن بالتزوير :

قد تكون هناك محل للاحتجاج على الغير بالورقة الرسمية . مثل ذلك مدين يبيع داراً له بورقةرسمية ، ويدعى الدائن أن هذا البيع الرسمى لم يصدر من مدينه ليتمكن بذلك من التنفيذ بحقه على الدار المبيعة . ومثل ذلك أيضاً مؤجر العقار يبيعه بورقة رسمية ، ويدعى المستأجر أن البيع لم يصدر من المؤجر وذلك حتى يقى في العين المؤجرة فلا يخرجه منها المشترى بالرغم من أن عقد الإيجار غير ثابت التاريخ ([244]) . أو يثبت مؤجر العقار الذى باعه الخالصة بالأجرة عن مدة مستقبلة فى ورقة رسمية ، فينكر المشترى صدور هذه المخالصة من المؤجر ليتمكن بعد أن يستبقى المستأجر فى العين من مطالبته بهذه الأجرة([245]) .

       فى هذه الفروض وغيرها تكون للورقة الرسمية بالنسبة إلى الغير عين الحجية التى لها فيما بين الطرفين على النحو الذى قدمناه . فيستطيع المشترى من المدين ، فى المثل الأول ، أن يحتج بالبيع الرسمى على دائن البائع ، ولا يجوز للدائن ، إلى أن يطعن بالتزوير ، أن ينكر ما ورد فى الورقة الرسمية من أمور قام بها الموثق فى حدود مهمته أو بيانات وقعت من ذوى الشأن فى حضوره ، كصدور البيع من المدين وتاريخ الورقة الرسمية وحضور الشهود وصحة التوقيعات وما ذكره الموثق من أن المشترى دع أمامه الثمن إلى المدين وغير ذلك من الأمور التى فصلناها فيما تقدم فى صدد الكلام فى حجية الورقة الرسمية فيما بين الطرفين . كذلك فى المثل الثاني لا يجوز للمستأجر ، إلى أن يطعن بالتزوير ، أن ينكر ما ورد فى ورقة البيع الرسمية الصادرة من المؤجر على النحو الذى قدمناه . وفى المثل الثالث لا يجوز للمستأجر ، إلى أن يطعن بالتزوير ، أن ينكر ما ورد فى ورقة البيع الرسمية الصادرة من المؤجر على النحو الذى قدمناه . وفى المثل الثالث لا يجوز للمشترى ، إلى أن يطعن بالتزوير ، أن ينكر المخالصة بالأجرة الصادرة من المؤجر إلى المستأجر .

       وظاهر من الأمثلة التى قدمناها أن  الغير الذى يحتج عليه بالورقة الرسمية هو نفس الغير الذى يحتج عليه بالتصرف القانوني ، فهو في المثلين الأولين الدائن وفى المثل الأخير الخلف الخاص.

ولما كان التصرف القانونى سارياً في حقه ، فقد $156 وجب إثباته بالنسبة إليه ، فيثبت بالورقة التى أثبت فيها التصرف على النحو الذى قدمناه([246]) .

       95 ـ حجية الورقة الرسمية بالنسبة إلى الغير حتى يقوم الدليل على العكس : ولكن حجية الورقة الرسمية بالنسبة إلى الغير ، كحجيتها فيما بين الطرفين ، لا تمنع الغير من إنكار صحة الوقائع التى أثبتها الموثق فى ذاتها ، دون أن يتعرض فى ذلك لأمانة الموثق أو صدقه . ولا يحتاج فى ذلك إلى الطعن بالتزوير ، بل يكفى أن يقيم الدليل على العكس بالطرق المقررة قانوناً . وله أن ينازع فى صحة التصرف أو فى نفاذه فى حقه وفقاً للقواعد التى قررها القانون . فدائن البائع له أن يطعن بالصورية في البيع الرسمى الصادر من مدينه ، وأن يثبت هذه الصورية بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن لأنه من الغير([247]) . كذلك المستأجر له أن يطعن بالصورية فى البيع الرسمى الصادر من المؤجر ، وأن يثبت الصورية بجميع الطرق لأنه من الغير ، وله أيضاً دون أن يطعن فى البيع $157 بالصورية أن يتمسك بأنه لا يسرى فى حقه لأن عقد الإيجار ثابت التاريخ الصادرة من المؤجر إلى المستأجر بالصورية على النحو الذى قدمناه ، كما يستطيع باسم البائع أن يطعن فيها بالغلط أو بالتدليس أو بالإكراه أو بنقص الأهلية أو بغير ذلك من العيوب التى تشوب التصرف القانوني .

       ونرى من ذلك أن حجية الورقة الرسمية بالنسبة إلى الغير هى ذات حجيتها فيما بين الطرفين . وكل ما ذكرناه هناك يسرى هنا([248]) .

$158 المبحث الثالث

حجية الورقة الرسمية فيما يتعلق بالصور

       96 ـ النصوص القانونية : تنص المادة 392 من التقنين المدني على ما يأتى :

       (( 1 ـ إذا كان أصل الورقة الرسمية موجوداً ، فان صورتها الرسمية ، خطية كانت أو فوتوغرافية ، تكون حجة بالقدر الذى تكون فيه مطابقة للأصل )) .

       (( 2 ـ وتعتبر الصورة مطابقة للأصل ، ما لم ينازع فى ذلك أحد الطرفين . وفى هذه الحالة تراجع الصورة على الأصل )) .

       وتنص المادة 393 على ما يأتى :

       (( إذا لم يوجد أصل الورقة الرسمية ، كانت الصورة حجة على الوجه الآتى :

ا ) يكون للصور الرسمية الأصلية ، تنفيذية كانت أو غير تنفيذية ، حجية الأصل متى كان مظهرها الخارجى لا يسمح بالشك فى مطابقتها للأصل . ب ) ويكون للصور الرسمية المأخوذة من الصور الأصلية الحجية ذاتها ، ولكن يجوز فى هذه الحالة لكل من الطرفين أن يطلب مراجعتها على الصورة الأصلية التى أخذت منها . جـ ) أما ما يؤخذ من صور رسمية للصور المأخوذة من الصور الأصلية فلا يعتد به إلا لمجرد الاستئناس تبعاً للظروف )) ([249]) .

$159 ويقابل هذان النصان فى التقنين المدنى القديم المادة 231/ 296([250]) ـ ويقابلان فى القنينات المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادتان السابعة والثامنة ، وفى التقنين المدنى العراقى المواد من 452 إلى 454 ، وفى تقنين $160 أصول المحاكات المدنية اللبناني المواد من 173 إلى 176 ، وفى التقنين المدني الليبى المادتين 379 و 380 ([251]) ـ ويقابلان فى التقنين المدنى الفرنسى المادتين $161 1334 و 1335([252]) .

$162 97 ـ الأصل والصورة : وتعرض هذه النصوص لحجية صور الورقة الرسمية . ذلك أن كل ما قدمناه فى حجية الورقة الرسمية إنما يرد فى حجية أصل الورقة لا فى حجية صورها . والرفق بين الأصل والصورة أن الأصل هو الذى يحمل التوقيعات إذ أن جميع من وقعوا الورقة الرسمية إنما وقعوا على الأصل ، هذا إلى أن الأصل هو الورقة بعينها التى صدرت من الموثق . أما صورة الورقة الرسمية فهى لا تحمل التوقيعات وليست هى التى صدرت من الموثق ، بل هى منقولة عن الأصل بواسطة موظف عام مختص ، فهى من هذه الناحية ورقة رسمية ولكن رسميتها فى أنها صورة لا فى أنها أصل ([253]) . والمفروض أنها مطابقة للأصل مطابقة تامة ، بما ورد فى الأصل من بيانات وما يحمله من توقيعات .

       ولا فرق بين الصورة الخطية والصورة الفوتوغرافية ما دامـت كلتاهمـا صـورة $163 رسمية ، بل لعل الصورة الفوتوغرافية هى الأدق من الناحية الفعلية([254]) .

       أما إذا كانت صورة الورقة الرسمية ليست هى ذاتها صورة رسمية بل صورة عرفية ، فليست لها أية حجية .

       وتقل حجية الصورة الرسمية عن حجية الأصل . ولبيان ذلك يجب أن نميز بين فرضين : (أولا) إذا كان الأصل موجوداً (ثانياً) إذا كان الأصل غير موجود([255]) .

       98 ـ حجة الصورة إذا كان الأصل موجوداً : بينا فيما تقدم أن أصل الورقة الرسمية يبقى محفوظاً فى مكتب التوثيق الذى وثق الورقة . ومن ثم كانت الحالة الغالبة فى حجية اصورة هى حالة ما إذا كان الأصل موجوداً ، إذ قل أن ينعدم هذا الأصل .

       وإذن يشترط لقيام هذا الفرض شرطان : (1) أن يكون أصل الورقة الرسمية موجوداً حتى يمكن الرجوع إليه عند الحاجة . (2) أن تكون الورقة التى يحتج بها ليست هى هذا الأصل ، بل صورة من الأصل . ولكن يشترط فى هذه الصورة أن تكون صورة رسمية ، فلو كانت صورة عرفية فلا يعتد بها كما قدمنا . ويكفى أن تكون صورة رسمية ، دون حاجة إلى أن تكون صورة مأخوذة من الأصل بطريق مباشر . فقد تكون مأخوذة مباشرة من الأصل ، وفى هذه الحالة قد تكون هى الصورة التنفيذية (grosse) أوتكون صورة أولى بسيطة (expedition) . وقد تكون مأخوذة من صورة مأخوذة من الأصل ، أو من صورة مأخوذة عن صورة من الأصل ، أياً كان عدد الصور الرسمية التى توسطت بينها وبين الأصل . فما دام الأصل (minute) موجوداً فإنه يكفى فى الصورة أن $164 تكون صورة رسمية فحسب ، إذ يمكن دائماً مضاهاتها على الأصل .

       ومتى توافر هذان الشرطان ، كان للصورة الرسمية ، خطية كانت أو فوتوغرافية، حجية فى الإثبات بفضل قرينة قانونية وردت في الفقرة الثانية من المادة 390، إذ قضى هذا النص بأن (( تعتبر الصورة مطابقة للأصل ، ما لم ينازع فى ذلك أحد الطرفين ، وفى هذه الحالة تراجع الصورة على الأصل )) .

       ومن ذلك يتبين أن القرينة هنا قرينة قانونية قابلة لإثبات العكس .

       فهى أولا قرينة قانونية على المطابقة . وصاحب المصلحة يقتصر على تقديم الصورة . وهى التى تكون معه غالباً ، دون الأصل المودع فى مكتب التوثيق . وعند ذلك يعتبرها القاضى مطابقة للأصل دون أى تحقيق ، ويجعل لها حجية الإثبات التى للأصل على التفصيل الذى قدمناه . ولكن الحجية هنا إنما تأتى من افتراض مطابقة الصورة للأصل ، فهى إذن حجية مستمدة من الأصل لا من الصورة .

       وهى ثانياً قرينة قابلة لإثبات العكس . فللخصم أن ينازع فى مطابقتها للأصل . ومجرد المنازعة يكفى لإسقاط القرينة([256]) .

وعند ذلك يتعين على المحكمة تحقيق $165 مطابقة الصورة المقدمة لأصلها . وتصدر لهذا الغرض قراراً بضم الأصل إلى ملف الدعوى ، وينتقل القاضى المنتدب إلى مكتب التوثيق ، ويحرر بحضوره صور مطابقة للأصل ويحرر بذيلها محضر يوقعه القاضى والموثق وكاتب المحكمة ، ثم يضم الأصل إلى ملف النزاع ، وتقوم الصورة مقام الأصل إلى ملف الدعوى أمكن للمحكمة مضاهاة الصورة عليه ، فان وجدت مطابقة للأصل ثبتت لها حجيته ، وإلا استبعدت وبقى الأصل هو المستند فى الدعوى بحجيته المعروفة .

       وهذا الذى قررناه فى شأن حجية الصورة الرسمية إذا كان الأصل موجوداً هو ما كان متبعاً دون نص فى التقنين المدنى السابق([257]) .

       $166 99 ـ حجية الصورة إذا كان الأصل غير موجود : هذا يميز التقنين المدنى الجديد (م 393) بين حالات ثلاث : (1) حالة الصور الرسمية الأصلية ، أى الصور الرسمية المأخوذة مباشرة من الأصل . (2) حالة الصور الرسمية المأخوذة من الصور الرسمية الأصلية (3) حالة الصور الرسمية المأخوذة من الصور الرسمية للصور الرسمية الأصلية .

       وأصل الورقة الرسمية لا يفقد إلا نادراً كما قدمنا ، إذ هو دائماً محفوظ فى مكتب التوثيق أو فى قلم كتاب المحكمة الذى وثقه وقد سبقت الإشارة إلى ذلك . ولكن يقع أن يفقد الأصل إذا قدم العهد به ، أو قبل ذلك بسبب حريق أو سرقة أو أى عارض آخر . ويقع على الخصم المتمسك بالصورة عبء إثبات فقد الأصل([258]) .

       100 ـ حجية الصور الرسمية الأصلية : وهذه كما قدمنا الصور الرسمية التى تنقل مباشرة من الأصل (original, minute) وتشمل : (أولا) الصورة التنفيذية ، وهى الصورة الرسمية التى تنقل مباشرة من الأصل وتوضع عليها الصيغة التنفيذية ، ولا تعطى إلا لأصحاب الشأن ، ومرة واحدة ، فلا يجوز تسليم صورة تنفيذية ثانية إلا بقرار من قاضى الأمور المستعجلة ( م 9 قانون التوثيق ) . ويسميها الفرنسيون (grosse) لأنها تكتب بحروف مكبرة ، بخلاف الأصل والصور الأخرى فهى تكتب بحروف عادية . ( ثانياً ) الصورة الأصلية الأولى (premiere expedition) ، وهى التى تنقل من الأصل عقب التوثيق لإعطائها لذوى الشأن دون أن توضع عليها الصيغة التنفيذية . وهى لا تعطى إلا لذى شأن([259])، ويؤشر الموثق بالتسليم فى أصل المحرر ويوقع هذا التأشير ( م 8 قانون التوثيق و م 19 لائحة قانون التوثيق ) . ( ثالثاً ) الصورة الأصلية البسيطة (simple expedition) ، وتنقل هى أيضاً مباشرة من الأصل ، $167 ولكنها لا تنقل إلا بعد التوثيق بمدة من الزمن . ويجوز دائماً إعطاؤها لذوى الشأن . ولا يجوز إعطاؤها للغير إلا بعد الحصول على إذن من قاضى الأمور الوقتية بالمحكمةالتى يقع مكتب التوثيق فى دائرتها ( م 8 قانون التوثيق ) . ( رابعاً ) الصورة الرسمية التى تحرر بحضور القاضى المنتدب عند صدور قرار من سلطة قضائية بضم الأصل إلى ملف الدعوى . وهو صورة تحرر مطابقة للأصل ، ويحرر بذيلها محضر يوقعه القاضى والموثق وكاتب المحكمة ، وتقوم مقام الأصل إلى حين رده كما سبق القول ( م 10 فقرة 2 قانون التوثيق ) .

       هذه كلها صور رسمية أصلية ، ولها جميعاً حجية واحدة هى حجية الأصل المفقود ، وذلك متى كان مظهرها الخارجى لا يسمح بالشك فى مطابقتها للأصل([260])  . أما إذا كان المظهر الخارجى للصورة يبعث على الشك فى أن يكون $168 قد عبث بها ، كما إذا وجد كشط أو محو أو تحشير أو نحو ذلك ، فان الصورة تسقط حجيتها فى هذه الحالة([261]) .

ويتبين من ذلك أن الصورة الرسمية الأصلية سليمة المظهر الخارجى تكون لها حجية الأصل على النحو الذى قدمناه . وتستمد هذه الحجية ، لا من الأصل فهو غير موجود فرضاً ، بل منها ذاتها([262]) ، وذلك بالرغم من أنها لا تحمل توقيع الخصم ولا تمكن مضاهاتها على الأصل المفقود . ومن ثم ندرك ما ينطوى عليه هذا الحكم من جرأة . ومن أجل هذا اتجه رأى لجنة مجلس الشيوخ فى البداية إلى استبعاد ، (( لأن فى بقائه خطورة إذ قد تكون الورقة خالية من الشوائب فى مظهرها

 

الخارجى ولكنها لا تطابق الأصل ، وعدم وجود هذا $169 الأصل سيكون حائلا دون تحقيق صحتها ، وإعطاؤها قوة الأصل فيه خطورة كبيرة )) . ولكن اللجنة عدلت عن هذا الرأة ، واستبقت الحكم بعد استيثاقها م أنه هو الحكم الصحيح ، وإن كان يعتبر استثناء من القواعد العامة([263]) .

       101 ـ حجية الصور الرسمية المأخوذ من الصورة الرسمية الأصلية : وهذه ليست الصور الرسمية الأصلية (expeditions) التى نقلت مباشرة من الأصل ، بل هى صور رسمية نقلت من الصور الرسمية الأصلية . فهى لا تعتبر صوراً من الأصل إلا بطريق غير مباشر .

       ولذلك لا يجوز أن تكون لها حجية أكبر من حجية الصور الأصلية التى هى ليست إلا صوراً منها ، وبشرط أن تكون الصور الأصلية موجودة حتى إذا طلب أحد الطرفين مضاهاتها على أصلها أمكن ذلك . ومن ثم لا تكون للصورة المأخوذة من الصورة الأصلية حجية مستمدة من ذاتها ، بل هى تقتصر على التمتع بقرينة المطابقة للصورة حجية مستمدة من ذاتها ، بل هى تقتصر على التمتع بقرينة المطابقة للصورة الأصلية ، وتنتفى القرينة بمجرد إنكار أحد الطرفين لهذه المطابقة([264]) ، وعندئذ يتعين إحضار الصورة الأصلية للمضاهاة . فان وجدت الصورة الثانية مطابقة لها ، كانت لها حجيتها على التفصيل الذى قدمناه فى حجية الصور الأصلية ، ذلك أن هذه الحجية مستدمة كما قدمنا من الصورة الأصلية لا من الصورة الثانية . أما إذا وجدت الصورة الثانية غير مطابقة للصورة الأصلية ، استبعدت تلك واستبقيت الصورة الأصلية وهى التى تكون لها الحجية فى كل حال .

       بقى فرض ما إذا كانت الصورة الأصلية غير موجودة فلا تمكن مضاهاة الصورة الثانية عليها. ونرى فى هذه الحالة ، أما سكوت النص ، ألا تكون للصورة الثانية حجية محددة ، ولا

 

 

يعتد بها إلا لمجرد الاستئناس ، شأنها فى ذلك $170 شأن صور الصور المأخوذة من الصور الأصلية ، وهى التى ننتقل الآن إليها([265]) .

       102 ـ حجية صور الصور المأخوذة من الصور الأصلية : وهنا تتعدد الحلقات ، وتنفرج المسافة ما بين الصورة والأصل . فالصورة التى يحتج بها ليست إلا صورة لصورة مأخوذة من الصورة الأصلية ز فهى بالنسبة إلى الأصل صورة الصورة ، أى الصورة الثالثة .

       فان كانت الصورة الأصلية موجودة وجب اسحضارها ، وهى التى تثبت لها حجية الأصل على التفصيل الذى قدمناه . بل إن الصورة الثالثة لا تتمتع بقرينة مطابقتها للصورة الأصلية فانها تتمتع بقرينة مطابقتها للأصل ، وقد تقدم ذكر ذلك . وسواء كانت الصورة الثالثة مطابقة للصورة الثانية فى حالة وجود هذه أو غير مطابقة ، فهذا لا أهمية له ، بل لا فائدة من تحقيق هذه المطابقة . والمهم هو مطابقة الصورة الثالثة للصورة الأصلية إن وجدت هذه .

       فان كانت الصورة الأصلية هى أيضاً مفقودة كالأصل ، فان الصورة الثالثة ـ طابقت

 

 

الصورة الثانية أو لم تطابق ـ لا تكون لها حجية ، ولا يعتد بها $171 إلا لمجرد الاستئناس تبعاً للظروف ، باعتبارها مجرد قرينة([266]) فهى إذن لا تصلح حتى مبدأ ثبوت بالكتابة .

       ومن ثم يتبين أن الصورة الثالثة ـ ومن باب أولى أية صورة دونها([267]) ـ لا حجية لها فى ذاتها . فان وجدت الصورة الأصلية ، كانت الحجية لهذه الصورة . وإن كانت الصورة الأصلية مفقودة ، سواء وجدت الصورة الثانية أو لم توجد ، فلا يعتد بالصورة الثالثة إللا لمجرد الاستئناس كما قدمنا([268]) .

       103 ـ أحكام التقنين المدنى السابق : أما التقنين المدنى السابق فقد تضمن نصاً واحداً فى هذه المسألة . فقد كانت المادة 231/296 تنص على أنه : (( إذا قدم الخصم صور سندات غير صروها الواجبة التنفيذ وهى صورها الأولى ، ولم يقدم الأصل ، وكانت الصور المذكورة محررة بمعرفة أحد المأمورين العمومين ، فللقاضى النظر في درجة اعتماد تلك الصور . وعلى كل حال فانها تعتبر فى مقام مبادئ الثبوت بالكتابة )) . والنص الفرنسى لهذه المادة فى القانون الأهلى أدق من هذا النص العربى ، فقد كان يجرى على الوجه الآتى .

''La valeur probante des copies de titres autres que les  expeditions ececutoires ou premieres expeditions, quand ces copies auront ete faites par des officieres publics, sera appreciee par le juge si l'original n'est pas represente , ces copies vaudront au moins un commencement de prevue par  ecrit".                                                                                                  ويتبين من المقابلة بين النصين العربى والفرنسى أن هناك خلافاً فيما بينهما . فالنص العربى يجعل الصور التنفيذية هى الصور الأولى ، إذ يقول : (( غير $172 صورها الواجبة التنفيذ وهى صورها الأولى )) . أما النص الفرنسى فيجعل الصور الأولى شيئاً غير الصور التنفيذية ، إذ يقول (Ecpeditions executoires ou premieres expeditions) والصحيح هو النص الفرنسى ، فالصور الأولى ، كما تكون صوراً تنفيذية ، قد تكون صوراً غير تنفيذية ، وقد سبق ذكر ذلك ، والتقنين المدنى الفرنسى ، وهو الأصل الذى نقل عنه التقنين المدنى السابق ، صريح فى هذا التمييز([269]) . فيجب إذن الأخذ بالنص الفرنسى للتقنين المدنى السابق . وهو يميز بين حالتين : (1) حالة الاحتجاج بالصورة التنفيذية أو بالصورة الأولى غير التنفيذية ، وسكوت التقنين عن حكم هذه الحالة معناه أن لكل من الصورتين حجية الأصل([270]) (2) حالة الاحتجاج بصورة أصلية بسيطة ، أى بصورة أصلية غير الصورة التنفيذية وغير الصورة الأولى ، وفى هذه الحالة ينظر القاضى فى تقدير قمتها ولا ينزل بها عن مرتبة مبدأ الثبوت بالكتابة ، أى قد يعتبرها دليلا كاملا ، وقد يعتبرها مبدأ ثبوت بالكتابة يستكمل بالبينة أو بالقرائن([271]) .

       $173 ولم يعرض التقنين السابق للحالتين الأخريين اللتين عرض لها التقنين الجديد : الصورة الثانية والصورة الثالثة . ويبدو أن الصورة الثانية فى التقنين السابق ـ وهى صورة الصورة الأصلية ـ كانت لها حجية الصورة الأصلية على التفصيل المتقدم فى هذا التقنين بشرط أن تكون الصورة الأصلية موجودة وأن تكون صورتها مطابقة لها ، إذ ليس فى هذا إلا تطبيق للقواعد العام وهى نفس القواعد التى قررها التقنين الجديد . أما الصورة الثالثة ، وهى صورة الصورة الأصلية ، فتقتصر قيمتها على مجرد الاستئناس بها كقرنية بسيطة ، وذلك ما لم توجد الصورة الأصلية فتكون عندئذ الحجية لها لا لصورة صورتها . وهذا هو أيضاً تطبيق للقواعد العامة ، وقد قرر التقنين الجديد هذا الحكم كما رأينا([272]) .

       ويتبين من ذلك أنه لا يوجد خلاف بين التقنين الجديد والتقنين إلا فى حالة واحدة ، هى حالة الصورة الأصلية البسيطة (simple expedition) عند فقد الأصل . ففى التقنين الجديد تكون لهذه الصورة حجية الأصل إذا كان $174 مظهرها الخارجى لا يسمح بالشك فى مطابقتها للأصل ، أما فى التقنين القديم فقد يكون لهذه الصورة حجية الأصل وقد تنزل إلى مرتبة إلى مرتبة مبدأ الثبوت بالكتابة وفقاً لتقدير القاضى . والقانون الذى يسرى هو القانون الذى أخذت الصورة الأصلية البسيطة فى ظله ، فان أخذت قبل 15 من شهر أكتوبر سنة 1949 سرى التقنين القديم ، وإلا فالتقنين الجديد هو الذى يسرى .

 

$175 الفصل الثاني

الأوراق العرفية

 

       104 ـ الأوراق العرفية المعدة للإثبات والأوراق العرفية غير المعدة للإثبات : يمكن تقسيم الأوراق العرفية التى تكون لها حجية فى الإثبات إلى قسمين :

       (القسم الأول) أوراق أعـدت مقدمـاً للإثبـات ، فهـى أدلـة مهيأة (preuves preconstituees) ولذلك تكون موقعة ممن هى حجة عليه .

       (والقسم الثاني) أوراق لم تعد مقدماً للأثبات ، ولكن القانون يجعل لها حجية فى الإثبات إلى مدى معين ، فهى أدلة عارضة (preuves casuelles) . وأكثر هذه الأوراق لا تكون موقعة ممن هى حجة عليه ، وذلك كدفاتر التجار والدفاتر والأوراق المنزلية . وبعضها قد يكون موقعاً وان لم يعد فى الأصل للأثبات ، وذلك كالرسائل وأصول البرقيات([273]) .

 

 

 

 

       ونتكلم فى كل من هذيه القسمين من الأوراق .

الفـرع الأول

الأوراق العرفية المعدة للإثبات

       105 ـ شروط صحتها وحجيتها فى الإثبات : نتناول بحث الأوراق العرفية المعدة للإثبات ، كما بحثنا الأوراق الرسمية ، من ناحيتين : (1) الشروط الواجب توافرها لصحة الورقة العرفية (2) حجية الورقة العرفية فى الإثبات .

 

$176 المبحث الأول

الشروط الواجب توافرها لصحة الورقة العرفية

       106 ـ التوقيع هو الشرط الوحيد فى القانون المصرى : الورقة العرفية المعدة للإثبات لا يشترط فى صحتها إلا توقيع من هى حجية عليه([274]) . فإذا كان العقد ملزماً للجانبين كالبيع ، وأثبت فى ورقة عرفية ، وجب توقيع كل من البائع والمشترى . وإذا كان ملزماً لجانب واحد كالوديعة ، وجب توقيع المودع عنده . وإذا كان مخالصة بالدين ، وجب توقيع الدائن . وهكذا .

       ويكون التوقيع عادة بالإمضاء . ويجوز أن يكون ـ لا سيما بالنسبة إلى $177 الأمين ـ بالختم([275]) أو ببصمة الأصبع([276]) . والختم لا يزال منتشراً فى مصر ، وفى القرى بوجه خاص ، لانتشار الأمية . وعيبه أن التقليد فيه أيسر منه فى $178 الإمضاء . أما بصمة الأصبع فأكثر دقة([277]) . ولا يشترط فى الإمضاء أو الختم أن يوضع بالإسم الثابت فى ورقة الميلاد ، بل يكفى أن يوقع صاحب الشأن بالاسم الذى اعتاد أن يوقع به([278]) .

       ويوضع التوقيع عادة فى آخر الورقة حتى يكون منسحباً على جميع البيانات المكتوبة الورادة فيها . ولكن ليس من الضرورى توقيع الإضافات والإحالات وما إليها كما هو الأمر فى الورقة الرسمية ، ويترك غير الموقع منها لتقدير القاضى من ناحية قوة الإثبات ، ولذلك يكون الأفضل توقيعها قطعاً للشك .

       ويجب على صاحب الشأن أن يوقع بنفسه . فاذا وقع الورقة باسمه شخص كأمين سر أو مدير مكتب أو نحو ذلك ، فالتوقيع لا يصح والورقة باطلة لا حجية لها([279]) . أما البيانات المكتوبة ـ ولابد من الكتابة إذ الورقة العرفية هى ورقة مكتوبة ـ فيصبح أن تكون بخط المدين أو الدائن أو أجنبى . وله أن يكتبها بأية لغة ، حتى بلغة اصطلاحية معروفة من أصحاب الشأن ، فاللغة العربية ليست ضرورية كما هو الأمر فى الورقة الرسمية . ويجوز أن تكون الكتابة باليد أو بالطباعة بالآلة الكتابة أو بالفوتوغرافيا أو بأية طريقة أخرى ( أنظر المادة 145 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبناني ) . وإذا كانت الكتابة باليد ، صح أن تكون بالمداد أو بالقلم الرصاص أو بأية مادة كاتبة أخرى . وكثير من الأوراق العرفية ، كعقود الإيجار والمخالصات وعقود التأمين واشتراكات المياه والنور وكثير من $179 عقود الإذعان ، تكون مطبوعة ، ويقتصر أصحاب الشأن بوجه عام على ملء الفراغ الذى يخصص العقد المقصود إبرامه .

       ولا يشترط فى صحة الورقة العرفية أن تكون مؤرخة ، إلا فى حالات معينة نص عليها القانون كالكمبيالة والسند الأذنى والشيك والتظهير . ولكن التاريخ فى الورقة العرفية بيان من البيانات الهامة ، فقل أن يغفله أصحاب الشأن ، وإلا شق عليهم بعد ذلك إثباته . بل إن تاريخ الورقة العرفية لا يكون حجة على الغير إلا إذا كان ثابتاً كما سنرى .

       ويتبن مما قدمناه أن التوقيع هو الشرط الوحيد لصحة الورقة العرفية . فاذا لم يوضع التوقيع على الورقة ، لم تكن لها حجية فى الإثبات ( انظر المادة 143 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى ) ـ ذلك أن الورقة العرفية إنما تستمد حجيتها من التوقيع وحده . والورقة العرفية غير الموقعة لا تصلح حتى مبدأ ثبوت بالكتابة ، إلا إذا كانت مكتوبة بخط المدين . وإذا تعددت التوقيعات ، فليس من الضرورى أن توضع جميعها فى وقت واحد ، بل كل من وقع على الورقة يكون قد ارتبط بها([280]) ، إلا إذا تبين من الظروف أصحاب الشأن إنما أرادوا ألا يرتبطوا إلا بتوقيعهم جميعاً([281]) .

       وغنى عن البيان أن الورقة العرفية إذا كانت باطلة فلا يؤدى بطلانها إلى بطلان التصرف القانونى ذاته الذى قصد بالورقة أن تثبته ، بل يبقى هذا التصرف قائماً ويصح أن يكون جائز الإثبات بطرق أخرى .

       107 ـ قيمة التوقيع على بياض : وقد يضع صاحب الشأن توقعيه على الورقة العرفية قبل كتابتها قبل كتابتها، فيقال عندئذ إنه وقع على بياض (blanc seing).

 

       ويكون قد قصد بذلك أن يعهد إلى الطرف الآخر أن يكتب فوق التوقيع البيانات التى اتفق معه على عناصرها الجوهرية وترك إليه استكمال تفصيلاتها على أسس معينة . مثل ذلك أن يوقع شخص شيكاً على بياض لمصلحة شخص آخر له معه حساب جار ، ويعهد إليه أن يضع الرغم الدال على قيمة الشيك بمقدار ما على موقع الشيك من رصيد الحساب الجارى بعد تصفيته . ومن ثم يكون من وقع على بياض قد وثق فى صاحبه واطمأن إلى أمانته ، ومن هنا يجئ الخطر فى التوقيع على بياض إذا خان الأمانة من اؤتمن .

       ومهما يكن من أمر فان التوقيع على بياض صحيح . وهو من شأنه أن يكسب البيانات التى ستكتب بعد ذلك فوق هذا التوقيع حجية الورقة العرفية ، فان هذه الحجية تستمد كما قدمنا من التوقيع لا من الكتابة ، فيستوى أن تكون الورقة قد كتبت قبل التوقيع أو بعده . والمهم أن من يوقع الورقة يوقعها بخطه ، ويقصد من توقيعها أن يرتبط بالبيانات التى سترد فى الورقة .

       على أن من يؤتمن على هذا التوقيع يجب عليه أنت يرعى الأمانة ، فلا يضع فى الورقة بيانات غير ما اتفق عليه مع الموقع ، وإلا عوقب جنائياً ([282]) .

       أما الناحية المدنية ، فعبء إثبات تسليم الورقة الموقعة على بياض وخيانة من تسلمها يقع على من وضع توقيعه على بياض . ويراعى فى ذلك القواعد المقررة فى الإثبات . ذلك أنه إذا ما كتبت الورقة البيضاء بعد التوقيع عليها ، أصبحت قيمتها فى الإثبات قيمة الورقة العرفية التى لم توقع إلا بعد أن تمت كتابتها . ولكن يبقى للمدين الحق فى أن يثبت أنه إنم سلم توقيعه على بياض للدائن وأن ما كتبه هذا فـوق التوقيع لم يكن هـو المتفـق عليـه بينهـما . ويكـون إثبـات ذلك طبقـاً للقواعـد العامـة ، أى أنـه لا يجـوز إثبات عكس المكتوب إلا بالكتابة

 

 

$181 كما سنرى([283]) . فإذا استطاع هذا الإثبات ، فقدت الورقة حجيتها فيما بينهما . ولكنها لا تفقد هذه الحجية بالنسبة إلى الغير حسن النية ، فمن تعامل مع متسلم الورقة معتقداً أنها ورقة صحيحة ، فحولت إليه مثلا ، جاز له أن يتمسك بحجية الورقة فى حق من وقع على بياض([284]) ، ويرجع الموقع ، على من أساء استعمال توقيعه([285]) .

       ولكن إذا كان التوقيع على بياض ذاته قد تم الحصول عليه من غير علم صاحب التوقيع ، ولم يقصد الموقع أن يسلم توقيعه على بياض إلى من أساء استعمال هذا التوقيع ، بل حصل عليه هذا خلسة ، كان التوقيع نفسه غير صحيح ، وكانت الورقة باطلة ، وعوقب من أساء استعمال التوقيع بعقوبة التزوير ( م340 عقوبات ) ([286]) . ولصاحب التوقيع أن يثبت هذا الإختلاس بجميع الطرق ، ومنها البينة والقرائن ، لأنه إنما يثبت غشاً . فاذا ما أثبت ذلك فان الورقة تسقط حجيتها فى حقه بعدأن انكشف بطلانها على ما قدمنا . بل إن الغير حسن النية الذى تعامل مع المختلس على أساس أن الورقة صحيحة لا يستطيع أن يتمسك بحجية الورقة فى حق صاحب التوقيع ، ذلك أن صاحب التوقيع لم يسلم توقيعه على بياض للمختلس ، كما فعل ف الحالة السابقة ، بل اختلس منه التوقيع اختلاساً ، فلا يمكن أن ينسب إليه أى إهمال([287]) .

       108 ـ شرطـان آخـران لصحـة الورقـة العرفيـة فـى التقنيـن المدنى الفرنسى : ويشترط التقنيـن المدنـى الفرنسـى لصحـة الورقـة العرفية ، فـوق التوقيـع، 

 

 

 

$182 شرطين آخرين لم يشترطهما التقنين المدنى المصرى([288]) .

       أما الشرط الأول فقد نصت عليه المادة 1325 من التقنين المدنى الفرنسى([289]) ، إذ تقضى بأن الأوراق العرفية التى تثبت عقوداً ملزمة للجانبين لا تكون صحيحة إلا إذا تعددت نسخها([290]) بقدر تعدد أطراق العقد ذوى المصالح المستقلة([291]) ، ويجب أن يذكر فى كل نسخة عدد النسخ التى حررت من هذا السند . فاذا كان العقد بيعاً مثلا ، وكان كل من البائع والمشترى شخصاً واحداً ، فانه يجب أن يكتب من عقد البيع نسختان ، إحداهما للبائع والخرى للمشترى ، فاذا تعدد النسخ التى تعطى للبائعين أو تعطى للمشترين بقدر تعددهم ، حتى يحتفظ كل متعاقد بنسخة لنفسه([292]) .

$183 ثم إن لا يكفى تعدد النسخ ، بل يجب أيضاً ، كما قدمنا ، أن يذكر فى كل نسخة عدد النسخ التى حررت ، وذكر هذا العدد موقعاً عليه من الخصم هو الذى يثبت تعدد النسخ وفقاً لما يتطلبه القانون حتى فى حالة امتناع هذا الخصم عن تقديم النسخة التى احتفظ بها . فاذا لم تتعدد النسخ ، أو لم يذكر عددها فى كل نسخة ، كانت الورقة العرفية باطلة كدليل للإثبات([293]) . ولا يوجد نص فى التقنين المدنى المصرى كما قدمنا ـ لا فى القديم ولا فى الجديد ـ يقابل نص المادة 1325 من التقنين المدنى الفرنسى المتقدمة الذكر . فلا يشترط إذن فى القانون المصرى تعدد النسخ فى العقود الملزمة للجانبين ، وإذا كتبت نسخة واحدة كانت دليلا كتابياً كاملا يجوز لكل من المتعاقدين أن يتمسك به([294]) . ولكن الضرورة العملية تقضى فى أكثر الأحيان أن تكتب نسخ بقدر عدد المتعاقدين ذوى المصالح المتعارضة ، حتى يحتفظ كل متعاقد بنسخة لنفسه دليلا على حقه([295]) .

       وأما الشرط الثانى فقد نصت عليه المادة 1326 من التقنين المدنى الفرنسى ، إذ تقضى بأن الأوراق العرفية التى تثبت عقوداً ملزمة لجانب واحد يجب إما أن $184 تكتب كلها بخط المدين ، أو فى القليل أن يكتب المدين بخطه قيمة الالتزام ـ حروفاً لا أرقاماً ـ مسبوقة بعبارة يعتمد بها المدين التزامه ، وتكون عادة إحدى هاتين العبارتين : Bom pour أو approuve pour ، ثم يوقع المدين بإمضائه هذه العبارة ، وهذا التوقيع ينسحب على الاعتماد وعلى مشتملات الورقة فى وقت واحد([296]) . والعقود الملزمة لجانب واحد التى تخضع لهذا الشرط هى العقود التى يكون محل الالتزام فيها مبلغاً من النقود أو جملة من الأشياء المثلية التى تعد أو تقاس أو توزن أو تكال ، حتى يستطاع تقدير محل الالتزام برقم هو الذى يكتبه المدين بخطه حروفاً([297]) . ولا مقابل لهذا النص أيضاً فى التقنين المصرى ، لا القديم ولا الجديد ، فلا يكون هذا الشرط لازماً لصحة الورقة العرفية فى مصر .

       وتقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى ، دون سائر التقنينات العربية ، يشترط فى الورقة العرفية هذين الشرطين اللذين يشترطهما التقنين الفرنسى ( أنظر المادتين 146 و147 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى ) .

المبحث الثانى

حجية الورقة العرفية فى الإثبات

 

       109 ـ مسائل ثلاث : تجرى هنا ـ فى حجية الورقة العرفية ـ $185 على ما جرينا عليه هناك فى حجية الورقة الرسمية . فنتكلم فى حجية الورقة العرفية فى الإثبات فيما بين الطرفين ، ثم فى حجيتها فى الإثبات بالنسبة غلى الغير ، ثم فى حيجة صور الورقة العرفية فى الإثبات .

       ولا محل للكلام فى افتراض عرفية الورقة كما تكلمنا فى افتراض رسميتها . ذلك أن الرسمية لها أوضاع وإجراءات إذا اختلت بطلت الورقة ، فكان من ذلك أنه متى كانت مظاهرها الخارجية تنبئ بأنها ورقة رسمية اعتبرت كذلك ، وافترض أن هذه الأوضاع والإجراءات قد روعيت حتى يثبت ذو المصلحة أنها لم تراع . أما الورقة العرفية فلا يشترط لصحتها مراعاة أوضاع وإجراءات معينة ، فلا محل إذن لافتراض أن هذه الأوضاع والإجراءات قد روعيت([298]) .

 

المطلب الأول

حجية الورقة العرفية فيما بين الطرفين

       110 ـ النصوص القانونية : تنص المادة 394 من التقنين المدنى على ما يأتى :

       (( تعتبر الورقة العرفية صادرة ممن وقعها ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة . أما الوارث أو الخلف فلا يطلب منه الإنكار ، ويكفى أن يحلف يميناً بأنه لا يعلم أن الخط أو الإمضاء أو الختم أو البصمة هى لمن تلقى عنه الحق)) ([299]) .

       $186 ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى القديم المادة 227/ 292([300]) ـ ويقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادتين 9 و10 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 455 ، وفى تقنين أصول المحاكمت المدنية اللبنانى المواد 149 ـ 151 ، وفى التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة المادة 381([301]) ـ

$187 ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المواد 1322 ـ 1324([302]) .

       ويتبين من هذه النصوص : ( أولا ) أن الورقة العرفية حجة على الناس كافة ، فيما بين الطرفين وبالنسبة إلى الغير . وسنبحث حجية الورقة العرفية بالنسبة إلى $188 الغير فيما يلى .  ( ثانياً ) فيما بين الطرفين ، تكون للورقة العرفية ، من حيث صدورها ممن وقع عليها ، حجية قائمة إلى أن ينكرها صاحب التوقيع . ومن حيث صحة ما ورد بها من الوقائع فى ذاتها ، تكون للورقة العرفية حجية قائمة إلى أن يثبت العكس . وهذه هى قوة الورقة العرفية فى الإثبات فيما بين الطرفين . ونتناول الآن هذه المسألة بشقيها .

       111 ـ حجية الورقة العرفية من حيث صدورها ممن وقع عليها : إذا احتج ذو شأن بورقة عرفية على من تحمل توقيعه ، فان صاحب التوقيع إما أن يعترف بأن التوقيع له وأن الورقة صادرة منه ، وإما أن ينكر أن الورقة كلها أو بعضها صادرة منه ، وإما إن يخرج بالسكوت عن الاعتراف أو الإنكار . ومقتضى نصى المادة 394 السابقة الذكر أن السكوت هو بمثابة الاعتراف . وإذا أراد صاحب التوقيع أن ينفى صدور الورقة منه ، فعليه أن ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أ بصمة .

       فإذا اعترف صاحب التوقيع بصدور الورقة منه ، أو سكت ولم ينكر صراحة صدورها([303])، اعتبرت الورقة صادرة منه ، واعتبر التوقيع توقيعه والخط المنسوب إليه خطه ، وتصبح الورقة العرفية ، من حيث صدورها ممن وقع عليها ، فى قوة $189 الورقة الرسمية . ولا يجوز لصاحب التوقيع أن يعود بعد ذلك إلى الإنكار ، إلا أن يطعن بالتزوير([304]) .

       أما إذا أنكر صراحة توقيعه أوخطه ، فأنكر بذلك أن الورقة كلها أو بعضها صادرة منه ، فعلى المحتج بالورقة عبء إثبات صدورها من صاحب التوقيع ، وذلك بأن يطلب إحالة الورقة على التحقيق([305]) . وفقاً لإجراءات رسمها تقنين المرافعات فى تحقيق التوقيع والخطوط .

       $190 والإنكار إنما يرد على الأوراق العرفية ، أما ادعاء التزوير فيرد على جميع الأوراق الرسمية والعرفية (م 261 مرافعات) . ومعنى ذلك أن الورقة العرفية تحتمل الطعن بالتزوير والإنكار . فلصاحب التوقيع أن يكون هو المهاجم ، فيطعن فى الورقة العرفية بالتزوير ، ويقع عليه عندئذ عبء الإثبات . وله كما بينا ، أن يقتصر على إنكار الورقة ، فيلجأ المحتج بها إلى إجراءات تحقيق الخطوط ، ويقع عليه لاعلى صاحب التوقيع عبء الإثبات . أما إذا كانت الورقة رسمية ، ويقع عليه لا على صاحب التوقيع عبء الإثبات . أما إذا كانت الورقة رسمية ، فلا يستطيع صاحب التوقيع إنكار صدروها منه إلا إذا طعن فى الورقة بالتزوير كما قدمنا([306]) . والذى يبرر هذا الفرق في الحكم بين الورقة الرسمية والورقة العرفية أن الورقة الرسمية تحمل توقيع الموظف العام الذى وثقها ، وفى هذا الموظف من الضمانات وعليه من المسئولية ما يسمح بافتراض صحة صدور الورقة الرسمية من صاحب التوقيع . فاذا أراد هذا أن ينكر صدور الورقة منه ، فعليه هو عبء الإثبات ولا سبيل له إلا الطعن بالتزوير . أما الورقة العرفية فلا يتوافر فيها هذه الضمانات ، بل هى ورقة تحمل توقيعاً يقول المتمسك بها أنه توقيع خصمه ، فاذا أنكر هذا الخصم $191 لم يكن عليه هو أن يحمل عبء الإثبات ، بل المتمسك بالورقة هو الذى يحمل هذا العبء فيثبت أن الورقة صادة حقاً صادرة حقاً من صاحب التوقيع عن طريق إجراءات تحقيق الخطوط([307]) . وإذا أنكر صاحب التوقيع صدور الورقة العرفية منه ، ثم أثبت التحقيق $192 أنه هو الذى وقعها ، صارت هذه الورقة العرفية ، كالورقة التى اعترف بها أو سكت عن إنكارها ، فى قوة الورقة الرسمية . وفى جميع الأحوال ، سواء $193 اعترف بالورقة أو سكت عن إنكارها أو أنكرها وأثبت التحقيق صدورها منه ، يجوز له أن يطعن فى هذه الورقة العرفية بالتزوير ، كما

يجوز له ذلك فى الورقة $194 الرسمية ، ويحمل هو عبء إثبات تزويرها([308]) .

       112 ـ حجية الورقة العرفية من حيث صحة الوقائع التى وردت بها : ويجب التمييز بين صدور البيانات المدونة فى الورقة العرفية ممن وقعها (realite materielle) ـ وهذه كما رأينا تقوم عليها قرينة مؤقتة تسقط بمجرد إنكار الورقة دون حاجة إلى الطعن بالتزوير ـ وبين صحة هذه البيانات فى ذاتها (sincerite morale) ، وهل هى وقائع جدية أو هى صورية . فاذا كانت الورقة العرفية تثبت مثلا أن بيعا صدر من شخص إلى آخر وأن المشترى قبض الثمـن ، افترض أن هذه الوقائـع جميعهـا جديـة غير صورية ، وكان ذكرها فى الورقة $195 العرفية قرينة على أنها صحيحة . ولكنها قرينة يجوز دحضها باثبات العكس([309]) . فلصاحب التوقيع أن يثبت فى مواجهة الطرف الآخر أن البيع صورى أو أن الثمن لم يقبض . ولا يقتصر صاحب التوقيع هنا على الإنكار ـ كما فعل عندما أنكر صدور الورقة منه ـ بل يقع عليه عبء إثبات العكس طبقاً للقواعد العامة . ومن هذه القواعد أنه لا يجوز ، بالنسبة إلى الطرف الآخر ، إثبات ما يخالف الكتابة أو ما يجاوزها إلا بالكتابة .

       ويدخل فى صحة الوقائع صحة تاريخ الورقة العرفية . فالتاريخ الذى تحمله هذه الورقة تفترض صحته ، حتى يثبت صاحب التوقيع أنه غير صحيح وأن حقيقته كذا ، ولا يثبت هنا أيضاً ما يخالف المكتوب إلا بالكتابة([310]) .

       كذلك قيام التصرف القانونى فى ذاته ، من صحة ونفاذ وغير ذلك ، كل هذا ينفتح باب الطعن فيه أمام صاحب التوقيع ، ولا يمنعه اعترافه بصدور الورقة منه من أن يطعن فى التصرف القانونى ـ لا فى الورقة ـ بالغلط أو بالتدليس أو بالإكراه أو بعدم مشروعية السبب أو بأى موضوعى أو شكلى آخر .

 

$196 المطلب الثانى

حجية الورقة العرفية بالنسبة إلى الغير

       113 ـ تعريف مبدئى للغير : الغير هنا ـ كالغير فى حجية الورقة الرسمية ـ هو كل شخص يجوز أن يسرى فى حقه التصرف القانونى الذى تثبته الورقة ، ومن ثم يصح أن يحتج عليه بهذه الورقة كدليل على التصرف الذى يراد أن يسرى فى حقه . وهو بوجه عام الخلف العام والخلف الخاص والدائن .

       وسنرى أن (( الغير )) تضيق دائرته فى حجية تاريخ الورقة العرفية([311]) .

       ونستعـرض حجيـة الورقـة العرفيـة بالنسبـة إلى الغـير ـ كمـا استعرضناها فيما بين الطرفيـن ـ ( ا ) من حيث صحـة صدورهـا من صاحب التوقيـع . ( ب ) ومـن

 

 

 

$197 حيث صحة الوقائع التى وردت بالورقة . ونضيف مسألة ثالثة لها هنا أهميـة خاصـة : ( جـ ) ومن حيث صحة التاريخ الذى تحمله الورقة .

 

       114 ـ ( ا ) حجية الورقة العرفية بالنسبة إلى الغير من حيث صدورها ممن قوع عليها : هى نفس الحيجة فيما بين الطرفين على النحو الذى قدمناه . فتعتبر الورقة العرفية ، بالنسبة إلى الخلف العام ( الوارث والموصى له بجزء من التركة ) والخلف الخاص والدائن ، صادرة من صاحب التوقيع إلى أن ينكر ـ صاحب التوقيع لا الغير ـ صدروها منه دون حاجة إلى أن يطعن فيها بالتزوير([312]) . أما إذا اعترف بالورقة أو سكت ، فقد أصبحت الورقة حجية عليه وعلى الغير معاً ، وإذ أراد هو ، أو أراد الغير ، إنكارها بعد ذلك فلا سبيل إلا الطعن بالتزوير([313]) .

       وإذا احتج بالورقة العرفية بعد موت صاحب التوقيع على الوراث أو الموصى له أو الخلف الخاص أو الدائن ، فان هؤلاء لا يطلب منهم إنكار صريح ، كما كان يطلب من صاحب التوقيع ، لإسقاط حجية الورقة العرفية ، بل يتكفى من أى منهم ، حتى لا تكون الورقة حجة عليه إلا بعد التحقيق ، أن يحلف يميناً بأنه لا يعلم أن الخط أو الإمضاء أو الختم أو البصمة هى لمن تلقى عنه الحق .

 

$198 وهذا بعد كل ما يستطيع أن يؤكده ، فلا يطلب منه أكثر من ذلك([314]) .

       115 ـ ( ب ) حجية الورقة العرفية بالنسبة إلى الغير من حيث صحة الوقائع التى وردت بها : وهنا الحجية أيضاً هى نفس الحجية فيما بين الطرفين على النحو الذى قدمناه . فللوارث مثلا أن يثبت صورية الورقائع الورادة فى الورقة العرفية وفقاً للقواعد المقررة فى للإثبات. وكذلك يفعل الخلف الخاص والدائن ، ويلاحظ هنا أن كلا من هذين يعتبر من الغير فى الصورية ، فله أن يثبتها بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن([315]) .

       ولهؤلاء جميعاً أن يدفعوا التصرف القانونى الذى تثبته الورقة العرفية بجميع الدفوع الموضوعية والشكلية التى كانت لصاحب التوقيع . فلهم أن يطلبوا إبطال $199 التصرف لنقص الأهلية أو للغلط أو التدليس أو الاكراه أو الاستغلال ، ولهم أن يدفعوا ببطلان التصرف لعدم مشروعية المحل أو السبب أو لعدم استيفاء الشكل ، ولهم أن يتمسكوا بانقضاء الالتزام بالوفاء أو بغيره من أسباب الانقضاء ، إلى غير ذلك من الدفوع .

       أما صحة التاريخ الذى تحمله الورقة العرفية بالنسبة إلى الغير فله شأن آخر ، وهو م ننتقل الآن إليه .

       116 ـ ( جـ ) حجية الورقة العرفية بالنسبة إلى الغير من حيث صحة التاريخ الذى تحمله الورقة : هذه هى أهم مسألة فى حجية الورقة العرفية بالنسبة إلى الغير . فالورقة العرفية تحمل تاريخاً معيناً ، يفترض فيما بين الطرفين أنه هو التاريخ الصحيح حتى يثبت العكس . فهل للتاريخ هذه الحجية بالنسبة إلى الغير ؟

       ظاهر أن هذا لا يمكن التسليم به . فقد يكون الطرفان متواطئين فى تقديم التاريخ أو فى تأخيره لتحقيق غرض معين . يتواطآن فى تقديم التاريخ حتى يتفاديا مثلا الطعن بالدعوى البولصية من دائن تاريخ سنده متقدم على البيع الذى تشهد به الورقة العرفية فيقدمان تاريخ الورقة حتى يكون البيع أسبق من سند الدائن فلا يستطيع هذا أن يطعن فى البيع بالدعوى البوليصية . أويقدمان تاريخ البيع حتى لا تطعن الورثة بأنه وقع فى مرض الموت . وقد يتواطآن فى تأخير التاريخ حتى يتفاديات الطعن فى التصرف بنقص الأهلية ، فيؤخرا تاريخ الورقة ليخفيا أن أحد المتعاقدين كان قاصراً وقت التعاقد([316]) .

       فالمعقول إذن ألا يكون تاريخ الورقة العرفية حجة على الغير إلا إذا كان ثابتاً على وجه قاطع ، وعلى هذا جرى نص القانون . وحتى نتناول هذه المسألة بالبحث نستعرض أولا نص القانونن ، ثم نحدد ثانياً من هو المقصود بالغير ، ثم نبين ثالثاً ما هى الأوراق العرفية التى تخضع لتطبيق القاعدة ، ثم نتكلم أخيراً فى الطرق التى يصبح بها التاريخ ثابتاً فى هذه الأوراق.

      

 

       $200 117 ـ ( أولا ) النصوص القانونية : تنص المادة 395 من التقنين المدنى على ما يأتى :

       (( 1 ـ لا تكون الورقة العرفية حجة على الغير فى تاريخها إلا منذ أن يكون لها تاريخ ثابت . ويكون تاريخ الورقة ثابتاً : ( ا ) من يوم أن تقيد بالسجل المعد لذلك ( ب ) من يوم أن يثبت مضمونها فى ورقة أخرى ثابتة التاريخ ( جـ ) من يوم أن يؤشر عليها موظف عـام مختص ( د ) من يوم وفاة أحد ممن لهم على الورقة أثر معترف به من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة ، أو من يوم أن يصبح مستحيلا على أحد من هؤلاء أن يكتب أو يبصم لعلة فى جسمه ، وبوجه عام من يوم وقوع أى حادث آخر يكون قاطعاً فى أن الورقة قد صدرت قبل وقوعه )) .

       (( 2 ـ ومع ذلك يجوز للقاضى تبعاً للظروف ألا يطبق حكم هذه المادة على الخالصات)) ([317]) .

       ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى القديم المادتين 228 ـ 229/293 ـ 294([318])

$201 ويقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادة 11 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 456 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى المادة 152 ، وفى التقنين المدنى للمملكة المتحدة الليبية الادة 382([319])

ـ ويقابل $202 فى التقنين المدنى الفرنسى 1328([320]) .

       118 ـ ( ثانياً ) من هو المقصود (( بالغير )) فى تاريخ الورقة العرفية : ليس (( الغير )) بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية هو نفس (( الغير )) بالنسبة إلى حجية البيانات الأخرى الواردة فى هذه الورقة . فقد رأينا أن الغير فى الحالة الثانية هو بوجه عام الخلف العام والخلف الخاص والدائن ، أى كل شخص يجوز ان يحتج عليه بها . أما الغير بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية فهو أخص من ذلك . ويجب أن نستمد تحديد منطقته من الوضع الذى هو فيه .

       ويحسن قبل أن نحدد هذا (( الغير )) أن نحدد أولا من لا يعتبر (( غيراً )) ، ثم ننتقل بعد ذلك إلى تحديد (( الغير )) .

       119 ـ من لا يعتبر (( غيراً )) بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية : لا يعتبر (( غيراً )) ، فيحتج عليه بتاريخ الورقة العرفية وذلك إلى أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ ، كل من كان ممثلا فى التصرف الذى تشهد به الورقة . ومن ثم لا يعتبر (( غيراً )) :

       (1 ) الطرفان فى الورقة العرفية ، فهذان يكون التاريخ العرفى للورقة حجة عليهما . فاذا كان أحدهما قاصراً أو محجوراً عليه ، واتفق الطرفان على تأخير التاريخ حتى لا ينكشف أن التصرف قد صدر وقت القصر ، أو على تقديمه حتى لا ينكشف أن التصرف قد صدر وقت القصر، أو على تقديمه حتى لا ينكشف أن التصرف قد صدر وقت الحجر ، كان التاريـخ المؤخر أو المقدم حجة عليهما ، إلا أن يثبت ذو المصلحة منهما أن التاريخ غير صحيح . ولما كان $203 تأخير التاريخ أو تقديمه قد وقع هنا تهرباً من أحكام القانون ، فانه يجوز إثبات ذلك بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن([321]) .

       (2) الأصيل إذا كان أحد أطراف الورقة العرفية هو نائبه ، سواء كانت النيابة اتفاقية كالوكيل أو قضائية كالحارس القضائى أو قانونية كالولى والوصى والقيم . فتاريخ الورقة العرفية التى يوقعها النائب يكون حجة على الأصيل ولو لم يكن تاريخاً ثابتاً ، إلا إذا أثبت الأصيل عدم صحة التاريخ وأنه قدم مثلا حتى لا ينكشف أن التصرف صدر فى وقت كانت النيابة فيه قد انقضت ، وله أن يثبت ذلك بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن بسبب ما انطوى عليه تقديم التاريخ من الغش . وهو لا يعتبر (( غيراً )) لأنه كان ممثلا فى التصرف الذى أبرمه النائب لحسابه ، فيكون التاريخ العرفى لهذا التصرف حجة عليه إلى أن ثبت أنه غير صحيح([322]) .

       (3) الوراث وكل خلف عام كالموصى له بحصة من التركة . ذلك أن الخلف العام يعتبر مثلا فى جميع العقود التى يبرمها السلف ، فتسرى فى حقه هذه التصرفات أياً كان تاريخها إلى يوم موت المورث . وما دام أنه كان ممثلا فى التصرف ، فلا يعتبر (( غيراً )) بالنسبة إلى تاريخه . فالبيع المدون فى ورقة عرفية الصادر من المورث يكون حجة فى تاريخه العرفى على الوراث كما هو حجة على المورث ، ومن ثم لا تعتبر العين المبيعة جزءاً من التركة يمتد إليها حق الوراث([323]) . وإذا باع شخص داراً بورقة عرفية غير ثابتة التاريخ ، وكان هذا التاريخ يكون حجة على السفيه وعلى ورثته جميعاً ، ولا يستطيع أحد منهم أن ينقضى هذه الحجية إلا إذا أثبت أن التاريخ قد قدم عمداً حتى يصور البيع واقعاً فى وقت لم يكن فيه البائع محجوراً عليه ، وأن التاريخ الحقيقى كان بعد تسجيل قرار الحجر ( م 114 ـ 115 مدنى ) . ولما كان تقديم التاريخ فى هذه الحالة يعتبر غشاً ، فيجوز للوارث إثبات عدم صحته بجميع الطرق([324]) .

       $205 والوارث لا يعتبر (( غيراً )) بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية كما قدمنا ، يستوى فى ذلك أن يدفع البيع الصادر من مورثه بمقولة إنه صدر بعد تسجيل قرار الحجر للسفه ، أو بمقولة أنه صدر من المورث وهو فى مرض الموت . فى الحالتين معاً يكون التاريخ غير الثابت حجة عليه . وفى الحالتين معا يستطيع أن يثبت عدم صحة التاريخ بجميع طرق الإثبات ، ما دام أن هذا التاريخ قد قدم غشاً لإخفاء أن البيع إنما صدر بعد تسجيل قرار الحجر أو صدر فى مرض الموت . ولا يعتد ـ فى صدد حجية التاريخ ـ بأن الوارث فى حالة الحجر إنما يهاجم البيع باعتباره خلفاً لمورثه فيستمد منه هذا الحق كما لو كان المورث هو الذى يهاجم البيع ، وهو فى حالة مرض الموت إنما يهاجم البيع بمقتضى حق له خاص (droit proper) استمده من القانون ضد المشترى والمورث جميعاً . لا يعتد بهذا الفرق ، قلنا ، فى صدد حجية التاريخ ، وإنما يعتد به فى صدد سريان البيع . فاذا أثبت الوارث أن البيع قد صدر بعد تسجيل قرار الحجر ، جاز له ، باسم مورثه ، أن يطلب إبطال البيع للسفه . أما إذا أثبت أن البيع قد صدر فى مرض الموت ، جاز له ، باسمه هو لا باسم مورثه ، أن يطلب عدم سريان البيع فى حقه فيما زاد على ثلث التركة . وهذا بخلاف حجية التاريخ ، فيستوى فيها أن يهاجم الوراث التصرف الصادر من مورثه المحجور بمقتضى حق استمده منه وخلفه عليه ، أو يهاجم التصرف الصادر من مورثه وهو فى مرض الموت بمقتضى حق شخصى استمده من القانون . ففى الحالتين توافرت له المصلحة فى مهاجمة التصرف . وإذا كانت هذه المصلحة قد استمدها من مورثه فى الحالة الأولى ومن شخصه فى الحالة الثانية ، فان هذا لا يمنع من أنه ليس (( غيراً )) فى الحالتين ، فيحتج عليه فيهما معاً بالتاريخ العرفى للتصرف الصادر من مورثه $206 إلى أن يثبت أن هذا التاريخ غير صحيح([325]) .

       والذى أوقع اللبس فى هذه المسألة هو الخلط ما بين (( الغيرية )) فى سريان التصرف (( والغيرية )) فى ثبوت التاريخ . فالوارث ، فى تصرفات مورثه الصادرة فى مرض الموت ، يعتبر (( غيرا )) من ناحية سريان هذه التصرفات فى حقه ، فهى لا تسرى عليه فيما يجاوز ثلث التركة . ولا يعتبر (( غيراً )) من ناحية ثبوت التاريخ ، $207 فيحتج عليه بالتاريخ العرفى للتصرف الصادر من مورثه إلى أن يثبت أن هذا التاريخ غير صحيح([326]) .

       أما القضاء المصرى فى هذه المسألة فهو متردد مضطرب . بدأ يأخذ بالرأى الصحيح . ثم رجع عنه إلى الرأى الخاطئ . ثم وقف بين الرأيين : فهو من الناحية العملية على هدى من أمره إذ يجعل تاريخ التصرف الصادر فى مرض الموت حجة على المورث إلى أن يثبت عدم صحته ، وهو من الناحية الفقهية يبدو أنه خلط ـ ولا يزال يخلط ـ بين (( الغيرية )) فى سريـان التصرف و (( الغيرية )) فى ثبوت التاريخ([327]) .

$208 وتأثر التقنين المصرى الجديد بهذا القضاء فى مرحلته الأخيرة . فنصت الفقرة الثانية من المادة 916 على ما يأتى : (( وعلى ورثة من تصرف أن يثبتوا أن العمل القانونى قد صدر من مورثهم وهو فى مرض الموت ، ولهم إثبات ذلك بجميع $209 الطرق . ولا يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً )) . فالأصل أن الوارث يحتج عليه بتاريخ التصرف الصادر من مورثه ، ولو لم $210 يكن هذا التاريخ ثابتاً . ولكن إذا ادعى أن التصرف قد صدر من مورثه وهو فى مرض الموت ، كانت له مصلحة فى إثبات عدم صحة التاريخ وله أن يثبت ذلك بجميع الطرق ، ومنها البينة والقرائن ، لما ينطوى عليه تقديم تاريـخ التصـرف $211 من غش أريد به الإخلال بحقه الشخصى فى الميراث . إلى هنا ونص التقنين الجديد مستقيم . لكن تأتى بعد ذلك العبارة الأخيرة :( ولا يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً )) ([328]) . وهى عبارة غير صحيحة على إطلاقها . إن أريد بها ـ كما هو ظاهر العبارة ـ إن التاريخ العرفى للتصرف الصادر من المورث لا يحتج به على الورثة ، فهذا غير صحيح , وقد رأينا أن هذا التاريخ حجة على الوارث إلى أن يثبت عدم صحته . وإن أريد بها ـ كما هو التأويل المستخلص من سياق النص ـ أن التاريخ العرفى لا يحتج به على الوارث إلى الحد الذى يمنعه من إثبات العكس بل يجوز له ما دام التاريخ غير ثابت أن $212 يقيم الدليل على عدم صحته ، فهذا صحيح ، ولكن فيم الحاجة إلى إيراد هذا

 

 

$ 213 $

ونرى من ذلك أن الدائن العادي هد يعنيه التاريخ الذي صدر فيه تصرف مدينه ، ولكن لا ليكون " غيراً " ما دام المدين قد مثله في هذا التصرف ، بل لأن له مصلحة تخول له ، مع بقاء التاريخ العرفي حجة عليه ، أن يثبت عدم صحته . ويتحقق ذلك في دعويين : الدعوى غير المباشرة والدعوى البولصية .

أما في الدعوى غير المباشرة فالدائن يطال بحق لمدينه المعسر ، تعمد هذا المدين عدم المطالبة به إضراراً بدائنه ، أو في القليل أهمل في المطالبة غير مبال بما يترتب على هذا الإهمال من مساس بالضمان العام الذي لدائنه على أمواله . هنا يتقدم الدائن ، نائباً عن المدين والنيابة أضفيت عليه بحك القانون ، لمطالبة مدين مدينه بهذا الحق . فهو يعمل بمقتضى ماله من ضمان عام على أموال مدينه ، ولا يزال باقياً في هذه المرحلة التمهيدية لم يجتزها إلى مرحلة التنفيض ، ومن ثم لا يكون الدائن في هذه الحالة " غيراً " إلى تاريخ الأوراق العرفية الصادرة من مدينه إلى مدين المدين . فإذا تقدم مدين المدين ، في الدعوى غير المباشرة ، بورقة عرفية صادرة من المدين تفيد إبراءه من الدين مثلا ، كان التاريخ العرفي لهذه الورقة حجة على الدائن كما هو حجة على المدين . فالدائن ليس " عيراً " بالنسبة إلى تاريخ هذه الورقة ، ولا يشترط أن يكون هذا التاريخ ثابتاً ليكون حجة عليه ، وذلك لسببين : أولهما أن الدائن إنما يعمل نائبا عن المدين فما يحتج به على المدين يحتج به على الدائن . والسبب الثاني أن الدائن في الدعوى غير المباشرة لم يفعل غير أن يحافظ على ضمانه العام ، فهو لم ينتقل كما قدمنا إلى مرحلة التنفيذ كما هو شأن الدائن الحاجز الذي انتقل بالحجز إلى هذه المرحلة ، فإذا سلم أن الدائن الحاجز يصبح بالحجز " غيراً " كما سنرى ، فإن ذلك لا يستتبع أن يكون الدائن الذي يباشر الدعوى غير المباشرة من " الغير " ( [329] ) . على أنه يلاحظ أن الدائن إذا لم يكن $ 214 $ " غيراً " في الدعوى غير المباشرة ، وأنه يحتج عليه بالتاريخ العرفي للورقة المثبتة للأبراء الصادرة من مدينه ، إلا أنه يستطيع – كما يستطيع المدين – أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ وأنه قدم حتى يقع الإبراء في وقت سابق على رفع الدعوى غير المباشرة . وله في هذه الحالة أن يثبت تقديم التاريخ بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن لما انطوى عليه من الغش . وعمد ذلك يستطيع أن يطعن في الإبراء بالدعوى البولصية ليجعله غير سار في حقه

 $ 215 $

 . وننتقل الآن إلى الدعوى البولصية . وفيها أيضاً لا يعتبر الدائن من " الغير " . فهو ، وإن لم يكن يعمل في هذه الدعوى – كما كان يعمل في الدعوى غير المباشرة – كنائب عن المدين ، بل يعمل باسمه الشخصي ، إلا أنه لا يزال دائناً عادياً لم ينتقل بعد إلى مرحلة التنفيذ . صحيح هو يعمل بمقتضى حق خاص أعطاه له القانون ، ولكن شأنه في ذلك هو شأن الوارث الذي طعن في تصرفات مورثه الصادرة في مرض الموت ، كلاهما يعمل بمقتضى حق خاص به وهذا الحق الخاص هو الذي تقوم عليه مصلحته في الطعن . ولا يزال الدائن الذي يباشر الدعوى البولصية واقفاً عند مرحلة التمهيد للتنفيذ ، شأنه في ذلك شأن الدائن الذي يباشر الدعوى غير المباشرة ، كلاهما يعمل بمقتضى حق الضمان العام ، وكلاهما دون مرتبه الدائن لحاجز الذي انتقل بالحجز إلى مرحلة التنفيذ . وفي المثال المتقدم إذا أبرأ المدين مدينه من الدين بورقة عرفية تاريخها غير ثابت ، كان هذا التاريخ حجة على الدائن ، لا عند مباشرته الدعوى غير المباشرة فحسب ، بل أيضاً عند مباشرته للدعوى البولصية . ويستطيع الدائن هنا أيضاً أن يثبت عدم صحة التاريخ ، بجمع الطرق ، ليصل إلى إثبات أن تاريخ الإبراء متأخر – لا عن تاريخ مباشرته للدعوى غير المباشرة كما كان يفعل عندما كان يباشر هذه الدعوى – بل عن تاريخ نشوء حقه وهو الآن يباشر الدعوى البولصية .ونرى من ذلك أن الدائن في الدعوى البولصية ليس " غيراً " ، فيحتج عليه بالتاريخ العرفي لتصرف مدينه ، إلى أن يثبت عدم صحته ( [330] ) . ونطبق هذا الحكم على مثل آخر : $ 216 $ يبيع المدين بورقة عرفية سيارة يملكها ، فيطعن الدائن في هذا التصرف بالدعوى البولصية . فلا الدائن يعتبر " غيراً " بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية ، ولا المشترى يعتبر " غيراً " بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية فلما قدمناه . وينبني على ذلك أن هذا التاريخ يكون حجة عليه ولو لم يكن ثابتاً ، وذلك إلى أن يقيم الدليل على أنه قد قدم غشاً ليكون سابقا علي حقه تفادياً للدعوى

البولصية . وأما أن المشترى لا يعتبر " غيرا " بالنسبة إلى تاريخ نشوء حق الدائن ، فذلك لأن المشترى قد تركز حقه في السيارة التي اشتراها ولم يتركز حق الدائن في هذه السيارة بالذات ، إذ هي لا تعدو $ 217 $ أن تكون داخلة في ضمانه العام وليس له عليها حتى الآن حق الدائن الحاجز . فليس ثمة تعارض بين حق الدائن وحق المشترى الذي تركز في السيارة بعينها ، وهذا التعارض شرط في " الغير كما سنرى . وينبني على أن المشترى لا يعتبر " غيراً " بالنسبة إلى تاريخ نشوء حق الدائن أن هذا التاريخ يكون ، هو أيضاً ، حجة عليه ولو لم يكن ثابتاً ، وذلك إلى أن يقيم الدليل على أنه قد قدم غشاً ليكون سابقاً على تاريخ بيع السيارة تمكينا للدائن من مباشرة الدعوى البولصية ( [331] ) .

 $ 218 $

120 – من يعتبر " غيراً " بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية :

بعد أن استعرضنا من لا يعتبر " غيراً " بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية ، ننتقل الآن إلى من يعتبر " غيراً . ونبادر إلى القول إن " الغير " ، الذي يتطلب القانون أن يكون تاريخ الورقة العرفية ثابتاً ليكون حجة عليه ، يجب ألا يكون ممثلا في التصرف الذي تشهد به الورقة . وقد رأينا أن الأصيل والوارث والدائن العادي : كلهم ممثلون في التصرف فلا يعتبرون من " الغير "

ولم يبق الآن إلا الخلف الخاص ، وهو من انتقل إليه من السلف مال معين بالذات . ويسرى في حقه ، كما رأينا في الجزء الأول من هذا الوسيط ( [332] ) ، تصرفات السلف المتعلقة بهذا المال إذا كانت سابقة على انتقال المال إلى الخلف ، ولا تسري إذا كانت لاحقة . فتاريخ التصرف إذن له أهمية بالغة ، بل هو المحور الذي يدور عليه سريان التصرف في حق الخلف أو عدم سريانه . ولما كان من اليسير على السلف أن يضيع على الخلف حقه ، بأن يعطي لغيره حقاً يتعارض مع هذا الحق ، وحتى يجعل تصرفه سارياً على الخلف يؤخر تاريخ التصرف بحيث يصبح سابقاً على تاريخ انتقال المال للخلف ، لذلك اشترط القانون ، تفادياً لهذا الغش الذي يعظم صرره بقد ما يسهل وقوعه وبقدر ما يصعب تجنبه ، أن يكون تاريخ التصرف ثابتاً حتى يحتج به على الخلف .

فالغير إذن في تاريخ الورقة العرفية هو الخلف الخاص . والخلف الخاص هو الذي يتلاءم وضعه مع " الغيرية " فيما نحن بصدده : شخص يخلف آخر في مال معين بالذات ، وتكون تصرفات السلف نافذة في حقه على هذا المال قبل تاريخ معين ، فلا يكون تاريخ هذه التصرفات حجة عليه إلا إذا كان ثابتاً وسابقاً على هذا التاريخ .

ويلحق بالخلف الخاص ، في هذه " الغيرية " ، الدائن إذا تركز حقه في مال للمدين معين بالذات . فيصبح " غيراً " بالنسبة إلى تاريخ التصرفات التي تصدر من المدين في هذا المال . ولا يتركز حق الدائن في مال للمدين معين بالذات إلا إذا حجز الدائن على هذا المال . والحجز هو الحلقة الأولى في مرحلة التنفيذ . أما $ 219 $ قبل الحجز ، حتى لو باشر الدائن الدعوى غير المباشرة أو الدعوى البولصية ، فإنه لا يزال في مرحلة سابقة على مرحلة التنفيذ ، وإن كانت تمهد لها . ذلك أن الدائن في الدعوى غير المباشرة وفي الدعوى البولصية لم يتركز حقه بعد على مال للمدين معين بالذات ، بل هو لا يزال يستعمل حقه في الضمان العام على أموال مدينه ، فلا يعتبر من الغير كما قدمنا . فإذا انتقل إلى مرحلة التنفيذ بأن حجز على المال الذي باشر بالنسبة إليه الدعوى غير المباشرة أو الدعوى البولصية اعتبر من الغير . ووضعه ، كوضع الخلف الخاص ، يتلاءم مع هذه " الغيرية " . فهو مثله قد تركز حقه في مال معين بالذات هو المال الذي حجزه ويخشى من تلاعب المدين في هذا المال بالتصرف فيه وتقديم تاريخ التصرف ليصير سابقاً على الحجز ، فاشترط القانون ليسرى التصرف في حق الدائن الحاجز أن يكون ثابت التاريخ وسابقاً على تاريخ الحجز .

أما الدائن لمدين شهر إفلاسه أو إعساره فهذا لم يصل بعد إلى مرحلة التنفيذ ، ومن ثم لا يكون غيراً بالنسبة إلى تاريخ التصرفات التي تصدر من مدينه المفلس أو المعسر .

ونرى من ذلك أن الغير ، بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية ، هو الخلف الخاص ، ويلحق به الدائن الحاجز ( [333] ) ، ولا تعتبر غيراً دائن المدين المفلس أو المعسر . فنتكلم في كل من هؤلاء .

 $ 220 $

121 – الخلف الخاص يعتبر من الغير : نفرض أن صاحب سيارة باعها من آخر بعد ثابت التاريخ . فالمشتري يكون ، في هذه السيارة ، خلفاً $ 221 $ خاصاً للبائع . ولا يحتج عليه بأي تصرف آخر في السيارة يصدر من البائع إذا كان تاريخه غير ثابت . فلو أن بائع السيارة باعها مرة أخرى إلى مشتر ثان ، فإن المشتري الأول يكون من الغير بالنسبة إلى تاريخ هذا التصرف . ومن ثم فإن تاريخ البيع الثاني إذا كان عرفياً لا يحتج به بتاتاً على المشترى الأول ، ويفرض فرضاً غير قابل لإثبات العكس أن هذا البيع الثاني قد صدر بعد البيع الأول ، حتى لو كان تاريخه سابقاً على ذلك . وإذا كان تاريخ البيع الثاني ثابتاُ ، احتج به على المشتري الأول . فإن كان سابقاً على تاريخ عقده ، فضل المشترى الثاني ، و إلا فضل المشترى الأول ( [334] ) . فإذا لم يكن تاريخ البيع الأول ثابتاً ، وكان البيع الثاني تاريخه هو الثابت ، فضل المشترى الثاني لأنه هو الذي تعتبر " غيراً " بالنسبة إلى تاريخ البيع الأول ، ولا يكون هذا التاريخ حجة عليه لأنه تاريخ غير ثابت . فإذا لم يكن أي من البيعين تاريخ ثابت ، لم يعتبر أن من المشتريين " غيراً " فيحتج على كل منهما بالتاريخ العرفي الصادر للآخر ، ولكن يكون لكل منهما أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ ليدل بذلك على أنه هو صاحب التاريخ الأسبق . وغنى عن البيان إن كل هذا إنما يكون إذا لم يسلم البائع السيارة لأحد من المشتريين ، فإن تسلمها أحدهما ملكها ، إما بعقد البيع إذا كان هو السابق ، وإما بالحيازة في المنقول إذا كان هو اللاحق .

وقد أورد التقنين المدني جملة من التطبيقات التشريعية للخلف الخاص الذي يعتبر من الغير ، نذكر منها :

1 – نصت الفقرة الأولى من المادة 604 على أنه " إذا انتقلت ملكية العين المؤجرة اختياراً أو جبراً إلى شخص آخر ، فلا يكون الإيجار نافذاً في حق هذا الشخص إذا لم يكن له تاريخ ثابت سابق على التصرف الذي نقل الملكية " . فهنا انتقلت ملكية العين المؤجرة إلى خلف خاص ، فلا يحتج عليه بتاريخ الإيجار إلا إذا كان ثابتاً .

2 – نصت المادة 1117 على أنه " يشترط لنفاذ رهن المنقول في حق الغير ، $ 222 $ إلى جانب انتقال الحيازة ، أن يدون العقد في ورقى ثابتة التاريخ يبين فيها المبلغ المضمون بالرهن والعين المرهونة بياناً كافياً ، وهذا التاريخ الثابت يحدد مرتبة الدائن المرتهن " . فإذا ارتهن المنقول دائنان ، متعاقبان ، كان كل منهما " غيراً " بالنسبة إلى تاريخ الآخر ، فلا يحتج عليه إلا بالتاريخ الثابت ، ومن ثم كان التاريخ الثابت هو الذي يحدد مرتبة الدائن المرتهن .

3 – نصت المادة 305 في حوالة الحق على أنه " لا تكون الحوالة نافذة قبل المدين أو قبل الغير إلا إذا قلبها المدين أو أعلن بها ، على أن نفاذها قبل الغير بقبول المدين يستلزم أن يكون هذا القبول ثابت التاريخ " . فالمحال له خلف خاص في الحق الذي انتقل إليه من المحيل ، ولا يحتج عليه في حوالة أخرى صادرة من المحيل إلا بالتاريخ الثابت لهذه الحوالة . فإن تمت الحوالة الأخرى بإعلان إلى المدين فهذا الإعلان تاريخه ثابت لا محالة . وإن تمت بقبول المدين ، فالتاريخ الثابت لهذا القبول هو الذي يعتد به .

4 – نصت المادة 1123 على أنه " 1 – لا يكون رهن الدين نافذاً في حق المدين إلا بإعلان هذا الرهن إليه أو بقبوله له وفقاً للمادة 305 – 2 – ولا يكون نافذاً في حق الغير إلا بحيازة المرتهن لسند الدين المرهون ، وتحسب للرهن مرتبته من التاريخ الثابت للإعلان أنو القبول " . وليس رهن الدين إلا تطبيقا لحوالة الحق . فصاحب الحق يتصرف فيه بالحوالة بيعاً أو رهناً أو بأي تصرف آخر . وهنا أيضاً المحال له ، وهو الدائن المرتهن ، خلف خاص في الحق إلا بالتاريخ الثابت على النحو الذي قدمناه في حوالة الحق .

ويحسن ، قبل أن نترك " الخلف الخاص " ، أن نلاحظ أننا لم نجعله في الأمثلة التي قدمناها خلفاً خاصاً في عقار ، بل عيناه مشترياً أو مرتهناً لمنقول أو دين لأن العقار يستلزم إجراءات أخرى غير ثبوت التاريخ ، هي التسجيل أو القيد ، وسنرى أنه يشترط في التجرد " للغيرية " ألا يكون القانون قد تطلب إجراءات أخرى إلى جانب التاريخ الثابت ( [335] ) .

 $ 223 $

133 – الدائن الحاجز يعتبر من الغير : قدمنا أن الدائن الحاجز ، في المال المحجوز ، يكون في وضع الخلف الخاص على هذا المال . وهو إن لم يكن كالخلف الخاص ذا حق عيني في المال المحجوز إذ لا يزال حقه شخصياً ، إلا أنه ركز حقه في هذا المال بالحجز ، وأصبح القانون يحميه من تصرفات مدينه التالية للحجز كما يحمي الخلف الخاص ( [336] ) . ومن ثم يصبح " غيراً " في تاريخ الورقة العرفية الصادرة من المدين لتشهد على تصرفه في المال المحجوز ، فلا يحتج عليه بهذا التاريخ إلا إذا كان ثابتاً ، ولا يحتج عليه بالتاريخ العرفي ، بل يفرض فرضاً غير قابل لإثبات العكس أن هذا التاريخ تال للحجز فلا ينفذ التصرف في حقه حتى لو كان التاريخ العرفي المدون في الورقة سابقاً على الحجز ويستوي فيما قدمناه أن يكون الحجز على منقول أو على دين للمدين في ذمة الغير ( حجز ما للمدين لدى الغير ) أو على عقار .

أما في الحجز على المنقول فتنص المادة 508 من تقنين المرافعات على أنه " تصبح الأشياء محجوزة بمجرد ذكرها في محضر الحجز ولو لم يعين عليها حارس " . فكل تصرف يصدر من المدين في المال المحجوز بعد حجزه على هذا النحو لا يكون تاريخه حجه على الدائن الحاجز إلا إذا كان ثابتاً وسابقاً على توقيع الحجز . فإن $ 224 $ كان التاريخ غير ثابت ، أو كان ثابتاً ولكنه تال لتوقيع الحجز ، فإن التصرف لا ينفذ في حق الدائن الحاجز .

وفي حجز ما للمدين لدى الغير يحصل الحجز بإعلان إلى المحجوز لديه ينهاه فيه الدائن عن الوفاء بما في يده إلى المحجوز عليه أو تسليمه إياه ( م 547 مرافعات ) . ومن ذلك الوقت يصبح الدائن الحاجز " غيراً " ، وكل تصرف يصدر من المدين في الحق المحجوز لا يكون تاريخه حجة على الدائن الحاجز إلا إذا كان ثابتاً سابقاً على توقيع الحجز . فإذا أبرز المحجوز لديه ورقة عرفية تتضمن إبراءه من الدين أو قبولا منه بحوالة صدرت من المحجوز عليه أو غير ذلك من التصرفات وكان تاريخ هذه الورقة العرفية غير ثابت أو كان ثابتاً ولكنه تال لتوقيع الحجز ، فإن التصرف لا ينفذ في حق الدائن الحاجز . وهناك رأي يذهب إلى لا أن الدائن الحاجز في حجز ما للمدين لدى الغير لا يعتبر " غيراً " ، ولكن هذا الرأي أصبح اليوم مرجوحاً بعد صدور التقنين المدني الجديد وفيه نصان يقضيان يجعل الدائن الحاجز في مرتبة تضاهي مرتبة الخلف الخاص مع مراعاة طبيعة حقه من أنه ليس بحق عيني . النص الأول يجعل الدائن الحاجز يشترط مع المحال له إذا سبق حجزه الحوالة ، إذ تقضي الفقرة الأولى من المادة 314 بأنه " إذا وقع تحت يد المحال عليه حجز قبل أن تصبح الحوالة نافذة في حق الغير ، كانت الحوالة بالنسبة إلى الحاجز بمثابة حجز آخر " . وهذا النص ، وكان موجوداً في تقنين المرافعات القديم ، يعتبر فوق ذلك أن الدائن الحاجز هو من الغير بالنسبة إلى المحال له . والنص القاني يجعل حجز ما للمدين لدى الغير مانعاً من المقاصة بالدين المحجوز ، إذ تقضي المادة 367 بأنه " 1 – لا يجوز أن تقع المقاصة اضراراً بحقوق كسبها الغير 2 – فإذا أوقع الغير حجزاً تحت يد المدين ، ثم أصبح المدين دائناً لدائنه ، فلا يجوز له أن يتمسك بالمقاصة أضراراً بالحاجز " . ولا يكون ذلك إلا إذا كان للدائن الحاجز حق كسبه على الدين المحجوز يمنع من وقوع المقاصة ، وهذا الحق قذ صرح به النص : " حقوق كسبها الغير " ، وهو ذاته الذي يجعل الدائن الحاجز في مرتبة تضاهي مرتبة الخلف الخاص مع مراعاة طبيعة حقه من أنه حق شخصي لا حق عيني كما قدمنا ( [337] ) .

 $ 225 $ وفي الحجز على العقار يكسب الدائن الحاجز على العقار المحجوز حقوقا صريحة واضحة تجعله في مرتبة الخلف الخاص وتمنحه الحماية ذاتها فيعتبر " غيراً " ، $ 226 $ ولا يحتج عليه بتاريخ التصرف الصادر من المدين إلا إذا كان ثابتا . فإن كان التاريخ غير ثابت ، أو كان ثابتا ولكنه تال للحجز ، لم يسر التصرف في حق الدائن الحاجز ، شأنه في ذلك شأن الخلف الخاص . وتطبيقا لهذه القاعدة تنص الفقرة الأولى من المادة 615 من تقنين المرافعات على أنه " يترتب على تسجيل التنبيه اعتبار العقار محجوزاً " . ثم تنص الفقرة الأولى من المادة 616 من هذا التقنين على أنه " لا ينفذ تصرف المدين أو الحائز في العقار ولا يما يترتب عليه من رهو أو اختصاص أو امتياز في حق الحاجزين ولو كانوا دائنين عاديين ، ولا في حق الدائنين المشار إليهم في المادة 637 ، ولا الراسي عليه المزاد ، إذا كان التصرف أو الرهن أو الاختصاص أو الامتياز قد حصل شهره بعد تسجيل تنبيه نزع الملكية " ( [338] ) ثم تنص المادة 621 على أن " عقود الإيجار الثابتة التاريخ قبل تسجيل التنبيه تنفذ في حق الحاجزين والدائنين المشار إليهم في المادة 637 والراسي عليه المزاد ، وذلك بغير إخلال بأحكام القانون المتعلقة بعقود الإيجار الواجبة الشهر . أما عقود الإيجار غير الثابته التاريخ قبل تسجيل التنبيه $ 227 $ فلا تنفذ في حق من ذكروا إلا إذا كانت من أعمال الإدارة الحسنة . وتنص أخيراً المادة 624 على أن " المخلصات عن الأجرة المعجلة والحوالة بها يحتج بها على الدائن الحاجز والدائنين المشار إليهم في المادة 637 والراسي عليه المزاد ، إذا كانت ثابتة التاريخ قبل تسجيل التنبيه ، وذلك بغير الا بأحكام القانون المتعلقة بالمخالصات الواجبة الشهر ، فإذا لم تكن ثابتة التاريخ قبل تسجيل التنبيه فلا يحتج بها إلا لمدة سنة " ( [339] ) .

ويلاحظ أن الدائن المرتهن في الرهن الرسمي ، في خصوص الإيجار الصادر من الراهن وفي خصوص المخالصات عن الأجرة المعجلة والحوالة بها ، يعامل معاملة الدائن الحاجز ( م 1045 و 1064 مدني ) ، لأن الراهن لا تغل يده بالرهن الرسمي عن إيجار العقار المرهون ولا عن قبض الأجرة المعجلة والحوالة بها ، فيصبح شأن الدائن المرتهن في هذه التصرفات شأن الدائن العادي ، وكالدائن العادي أيضاً لا يكون له حق خاص على العقار المرهون يتعارض مع الإيجار وقبض الأجرة والحوالة بها إلا إذا بدأ التنفيذ فيجل التنبيه ( [340] ) . أما الدائن المرتهن في الرهن الحيازي فيعليه أن يستثمر الشيء المرهون استثماراً كاملا ويتولى إدارته ( م 1104 و 1106 مدني ) ، ومن ثم يتعارض وضعه هذا مع حق الراهن في افجار وقبض الأجرة ، فيعتبر " غيراً " في هذه التصرفات منذ تسلم الشيء المرهون ، ولا يحتج عليه بالتاريخ إلا إذا كان ثابتاً ( [341] ) .

 $ 228 $

123 – الدائن إذا أفلس مدينه أو أعسر لا يعتبر من الغير : متى أفلس المدين التاجر وشهر إفلاسة ، رفعت يده عن إرادة أمواله ( م 216 تجاري ) وتصرفاته ، في خلال المدة السابقة على الحكم بشهر الإفلاس منذ العشرة الأيام السابقة على تاريخ توقفة عن الدفع ، الخاصة بتبرعات أو بوفاء دون غير حالة على أي وجه كان هذا الوفاء أو بوفاء ديون حلى بغير النقود أو الأوراق التجارية أو بترتيب حقوق رهن أو اختصاص على أمواله ، تكون كلها باطلة ( م 227 تجاري ) . أما وفاء الديون الحالة بنقود أو أوراق تجارية و المعاوضات فتكون قابلة للإبطال إذا وقعت بعد تاريخ التوقف عن الدفع 228 تجاري ) – ولكن بالرغم من كل ذلك لا نرى أن دائن التفليسة يعتبر من الغير في التصرفات $ 229 $ المصادرة من المدين المفلس . فالحكم بشهر الإفلاس ليس إلا تمهيداً للتنفيذ الجماعي . ودائن المفلس ، لمجرد شهر إفلاي مدينه ، لم يدخل بعد في مرحلة التنفيذ ، كما دخل الدائن الحاجز . والإفلاس لا يعدل الحجز ، وكل ما نتج عنه أن غلت يد المفلس في إدارة أمواله ، وحل محله الدائنون الذين تكتلوا في مجموعة يمثلها السنديك . وهذا لا يغير من مركزهم كدائنين عاديين لم يصلوا بعد إلى مرحلة التنفيذ ، فهم لا يزالون يستعملون حقهم العام في الضمان ، شأنهم في ذلك شأن الدائن الذي يباشر الدعوى البولصية .

ومن ثم يكون التاريخ العرفي للتصرفات الصادرة من المدين المفلس حجة على دائنيه ، ولو كانت تصرفات مدنية ( أي غير تجارية ) . ويكون لهؤلاء ، بداهة ، الحق في إثبات عدم صحة هذا التاريخ وإثبات التاريخ الحقيقي لهذه التصرفات فيعطي عندئذ لكل تصرف حكمه القانوني : ما صدر في المدة المشتبه فيها ، وما صدر بعد توقف المدين عن الدفع ، وما صدر بعد الحكم بشهر الإفلاس ( [342] ) .

 $ 230 $

وكالإفلاس الإعسار . وقد نصت المادة 257 من التقنين المدني على أنه " متى سجلت صحيفة دعوى الإعسار ، فل يسري في حق الدائنين أي تصرف للمدين يكون من شأنه أن ينقص من حقوقه أو يزيد في التزاماته ؛ كما لا يسرى في حقهم أي وفاء يقوم به المدين " . ويتبين من ذلك أن حكم شهر الإعسار له أثر حكم شهر الإفلاس في غل يد المدين عن التصرف في أمواله . ولكننا لا نرى – هنا أيضاً – أن دائن المدين المعسر يعتب من الغير في التصرفات الصادة رمن مدينه . فالحكم بشهر الإعسار ، كالحكم بشهر الإفلاس ، ليس إلا تمهيداً للتنفيذ ، ولم يدخل الدائنون بعد في مرحلة التنفيذ لمجرد الحكم بشهر إعسار مدينهم . بل لعل إنعدام " الغيرية " في الإعسار أولى منه في الإفلاس ، إذ ليس في الإعسار تصفية جماعية كما في الإفلاس ، بل يبقى كل دائن موكولا إلى الأجراءات الفردية التي يتخذها وحده ، فلا يتكتل الدائنون في مجموعة يمثلها السنديك . وما الإعسار ، على الوجه الذي نظم به في التقنين المدني الحديد ، إلا الدعوى البولصية ، أحكم تنظيمها ، ورتبت مراحلها ، وحددت مواعيدها ، ويسر فيها عبء الإثبات ، فانضبطت آثارها ، ووضحت معالمها . فإذا كان الدائن في الدعوى البولصية لا يعتبر من " الغير " كما قدمنا ، فليس غريباً إلا يعتبر أيضاً من " الغير " في الإعسار . ومن ثم يكون التاريخ العرفي للتصرف الصادر من المدين المعير حجه على دائنه . ويكون للدائن الحق في إثبات التاريخ الحقيق لهذا التصرف ، فإن كان لاحقاً لتسجيل صحيفة دعوى الإعسار ، لم يسر في حقه ( [343] ) .

 $ 231 $

124 – الشروط الواجب توافرها في توافرها في " الغير " : ويخلص مما قدمناه أن " الغير " في ثبوت التاريخ آل يعدو أن يكون الخلف الخالص أو الدائن الحاجز . ويشترط في ً الغير " ، خلفاً كان أو دائناً ، شروط ثلاثة :

( 1 ) أن يكون هو نفسه ذا تاريخ ثابت . وقد رأينا فيما أسلفناه أن الخلف الخاص ، حتى لا يحتج عليه بغير التاريخ الثابت ، يجب أن يكون تاريخه هو ثابتاً ، فإذا تنازع المشتريان للمنقول ، ولم يكن أي من المشتريين أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ فإذا لم يكن " الغير " خلفاً خاصاً ، كان دائناً حاجزاً ، ومن الواضح أن الدائن الحاجز له دائما تاريخ ثابت .

 $ 232 $

( 2 ) أن يكون القانون آل يتطلب إجراءات أخرى غير ثبوت التاريخ . ومن أجل ذلك تركنا عمداً ، كنا سبقت الإشارة ، عند الكلام في الخلف الخاص ، مشتري العقار والمرتهن له . ذلك أن القانون يتطلب في بيع العقار إجراء آخر هو التسجيل ، وفي رهن العقار إجراء آخر هو القيد . ومن ثم كانت المفاضلة بين المشتريين لعقار واحد ليست بالأسبقية في التاريخ الثابت بل بالأسبقية في التسجيل ، وكان المفاصلة بين المرتهنين لعقار واحد ليست هي أيضاً بالأسبقية في التاريخ الثابت بل بالأسبقية في القيد .

 $ 233 $

( 3 ) أن يكون " الغير " ، خلفاً كان أو دائناً ، حسن النية فإذا أسرع المشتري الثاني للمنقول في إثبات تاريخ البيع الصادر له وهو يعلم أن البيع الأول سابق على عقده وأن لم يكن ثابت التاريخ ، فالمفاضلة لأول وهله بين المشتريين تقضى بتفضيل المشتري الثاني ثابت التاريخ على المشترى الأول غير ثابت التاريخ . ولكن إذا استطاع المشترى الأول أن يثبت علم المشترى الثاني وقت شرائه المنقول بسبق بيعه من آخر ، فإنه يثبت بذلك أن المشترى الثاني ليس حسن النية ، فيختل في هذا المشترى الثاني شرط من شروط " الغير " ومن ثم يحتج عليه بتاريخ البيع الأول وأن لم يكن ثابتاً ( [344] ) .

 $ 234 $

125 – ( ثالثاً ) الأوراق العرفية التي تخضع لقاعدة ثبوت التاريخ : يخضع لقاعدة ثبوت التاريخ كل ورقة عرفية تعد للإثبات مقدماً كدليل كامل ، على أن يكون الدليل الكتابي واجباً ، وعلى أن يستثنى من ذلك الخالصات .

ومن ثم لا تسرى هذه القاعدة في الأحوال الآتية :

1 – إذا لم تكن هناك ورقة عرفية أصلا لإثبات التصرف القانوني . وذلك كما لو وجد تصرف قانون غير مكتوب وأشير إليه في البيانات الواردة في ورقة رسمية ، فلا يقال إن لهذا التصرف القانون تاريخاً ثابتاً هو تاريخ الورقة الرسمية ، لأن التصرف دانه غير ثابت في ورقة عرفية .

2 –إذا كانت هناك ورقة عرفية دليلا كتابياً على التصرف ، ولكن هذه الورقة لم تعد مقدماً للإثبات . فدفاتر التجار والدفاتر والأوراق المنزلية لا تسرى عليها قاعده ثبوت التاريخ . أما الرسائل فإذا أعدت مقدماً للإثبات سرت عليها القاعدة ، وكذلك إذا لم تعد مقدماً للإثبات متى مصلحة أن تكون دليلا كتابياً $ 235 $ كاملا فإنها تخضع لقاعدة ثبوت التاريخ استثناء مما تقدم ( [345] ) .

3 – إذا كانت هناك ورقة عرفية ، ولكنها ليست دليلا كاملا . وذلك كمبدأ الثبوت بالكتابة ، فهو ، كقاعدة عامة لا يشترط فيه التاريخ الثابت على النحو المقرر في الدليل الكامل ، ليكون حجة على الغير . وسنعود إلى هذه المسألة عند الكلام في مبدأ الثبوت بالكتابة ( [346] ) .

 $ 236 $ 4 – إذا كانت هناك ورقة عرفية تعتبر دليلا كاملا ، ولكن الدليل الكتابي يكون غير واجب . ويتحقق ذلك في المسائل التجارية ، فهذه يجوز فيها دائما الإثبات بالبينة والقرائن ، فإذا وجدت ورقة عرفية اتخذت دليلا كتابياً فلا يشترط أن يكون تاريخها ثابتاً ليكون حجة على الغير ( [347] ) . ويتحقق ذلك أيضاً في الورقة العرفية المعدة لإثبات التزام قيمته لا تزيد على عشرة جنيهات ، لأن الإثبات الكتابي هنا أيضاً غير واجب ( [348] ) . ويتحقق ذلك أخيراً فيما إذا كانت الورقة العرفية تثبت واقعة مادية لا تصرفاً قانونياً ، أو تصرفاً قانونياً يسرى في حق الغير باعتباره واقعة مادية ( [349] ) ، ففي إثبات الوقائع المادية لا يجب الدليل الكتابي .

5 – إذا كان الورقة العرفية التي يقدمها الخصم دليلا كتابياً كاملا هي مخالصة من دين ، فلا يشترط في المخالصات التاريخ الثابت لتكون حجة على الغير بتاريخها . وقد كان القضاء المصرى فلي ظل التقنين المدني القديم ( [350] ) ، وكذلك $ 237 $ القضاء في فرنساً ، يستثني المخالصات من قاعدة ثبوت التاريخ ، لما في اشتراط التاريخ الثابت في الخالصات من صعوبات عملية ( [351] ) . فمن اشترى داراً مؤجرة سرى في حقه المخالصات بالأجرة الصادرة من البائع للمستأجر ولو لم تكن ثابتة التاريخ ، إلا إذا كانت الأجرة عن مدة مستقبلة تزيد على ثلاث سنوات فيشترط التسجيل . والدائن الذي يحجز تحت يد مدين المدين حجز ما للمدين لدى الغير يحتج عليه بالتاريخ العرفي للمخالصات الصادرة من المدين ، فتسرى هذه المخلصات في حقه إذا كان تاريخها سابقاً على الحجز ( [352] ) . وفي جميع الأحوال يجوز للغير الذي يحتج عليه بالتاريخ العرفي للمخالصة أن يثبت بجميع الطرق أن هذا التاريخ غير صحيح وأنه قدم أو أخر غشاً من طرفي الخالصة للاضرار بحقه . وقد أقر التقنين المدني الجديد هذا الاستثناء بنص صريح ، فنصت الفقرة الثانية من المادة 395 على أنه " يجوز للقاضي ، تبعاً للظروف ، ألا يطبق حكم هذه المادة على الخالصات " . فجعل النص التقدير إلى القاضي في خصوص الخالصات ، إن رأى أن هناك صعوبات عملية كافية تمنع من توافر التاريخ الثابت لم يطلبه ، و إلا أخضع الخالصات كغيرها من الأوراق العرفية على الغير ( [353] ) و ( [354] )

 $ 238 $

126 – ( رابعاً ) الطرق القانونية التي يصبح بها التاريخ ثابتاً :

الأصل أن التاريخ العرفي للورقة جزء من هذه الورقة العرفية ، فمضمونه هو أيضاً جزء من الاتفاق الذي تشهد به هذه الورقة . فطرفا الورقة قد اتفقا ، فيما اتفقا عليه ، على أن يكون تاريخ اتفاقهما هو كذا . ومن ثم كان هذا التاريخ العرفي حجة عليهما ، شأنه شأن سائر أجزاء الاتفاق ( [355] ) . ولكل منهما أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ بالطرق المقررة قانوناً كما سبق القول . أما الغير ، على التحديد الذي يسطناه ، فهذا التاريخ العرفي ، بالنسبة إلى الغي ر ، ليس صحيحاً . ولا يستطيع الطرفان إثبات التاريخ الصحيح في مواجهة الغير إلا بطريق من الطرق التي عينها القانون ، وهي الطرق التي يصبح بها التاريخ ثابتاً فيكون حجة على الغير .

 $ 239 $

وقد ذكر التقنين الجديد من هذه الطرق خمسة على وجه التحديد ، ثم عم أحد هذا التخصيص فذكر أن التاريخ يكون ثابتا من يوم وقوع أي حادث آخر فيكون قاطعا في أن الورقة قد صدرت قبل وقوعه . ومن ثم يكون التاريخ ثابتا على وجه من الوجوه الآتية :

 ( 1 ) من يوم أن تقيد الورقة العرفية بالسجل المعد لذلك . وقد نظمت اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق الطريق العادي لإثبات التاريخ على هذا الوجه . فنصت المادة 31 من هذه اللائحة على أن تقوم مكاتب التوثيق بعد أداء الرسم المقرر بإثبات تاريخ المحررات العرفية بكتابة محضر يثبت فيه تاريخ تقديم المحرر ورقم إدراجه في الدفتر المعد لذلك ، ويختم بخاتم المكتب ، ويوقعه الموثق . ذلك أن هناك في مكتب التوثيق دفتراً تدرج فيه المحررات التي أثبت تاريخها بأرقام متتابعة ، ويبين في هذا الدفتر أسماء ذوى الشأن ومحال إقامتهم وموضوع المحرر وأداء الرسم ، ويوقعه الموثق وصاحب الشأن عند تسلم المحرر ( م 32 من اللائحة ) ، كما يوجد فتر هجائي للفهارس ( م 33 من اللائحة ) . ويسلم مكتب التوثيق شهادة لمن يطلبها بحصول إثبات تاريخ الورقة العرفية ( م 34 من اللائحة ) .

هذه هي الإجراءات العادية لإثبات التاريخ من طريق قيد الورقة العرفية بسجل معد لذلك . وتوجد طرق أخرى لقيد الورقة العرفية في سجل رسمي فيكون تاريخها ثابتا من يوم هذا القيد ، نذكر منها طريقين : التصديق على التوقيعات والتسجيل .

وقد نظم قانون التوثيق أيضاً التصديق على التوقيعات . فقضت المادة 21 من لائحته بأن يقوم الموثق بالتصديق على توقيعات ذوى الشأن في المحررات العرفية ، بحضور شاهدين بالغين عاقلين معروفين له يتأكد بشهادتهما من شخصية ذوي الشأن . ويوقع هؤلاء أمام الموثق على الورقة العرفية ، ويكتب الموثق محضراً في ذيل الورقة يذكر فيه أسماءهم ومحال إقامتهم وحصول التوقيع منهم أمامه وأسماء الشهود ومهنهم ومحال إقامتهم . ويوقع هذا المحضر الشهود والموثق ، ثم يوضع عليه خاتم المكتب ورقم إدراجه في دفتر تدرج فيه محاضر التصديق على التوقيعات بأرقام متتابعة ( م 24 – 25 من اللائحة ) . وعند إتمام $ 240 $ التصديق تسلم الورقة العرفية إلى صاحب الشأن ، ويصبح تاريخ المحضر المدون بذيلها هو تاريخها الثابت .

والتسجيل إجراء آخر لإثبات التاريخ ، عن طريق قيد الورقة العرفية في سجل معد لذلك . وهنا القيد يكون كاملا ، ويتم التسجيل الآن بالتصوير الفوتوغرافي . فكل ورقة عرفية مسجلة تكون ثابتة التاريخ من يوم تسجيلها على الأقل . بل إنه لما كان التسجيل لا يكون إلا بعد التصديق على التوقيع ، فتاريخ الورقة المسجلة يثبت من يوم التصديق على التوقيع ، ولا يتأخر إلى يوم التسجيل .

( 2 ) من يوم أن يثبت مضمون الورقة العرفية في ورقة أخرى ثابتة التاريخ وذلك بأن تذكر الورقة العرفية ، مع تحديد موضوعها تحديداً معيناً لها مانعاً للبس ، في ورقة رسمية – لأن الورقة الرسمية ثابتة التاريخ بحكم رسميتها كما قدمنا – أو في أية ورقة عرفية تكون ثابتة التاريخ بوجه من الوجوه القانونية . وعند ذلك تكسب الورقة العرفية تاريخاً ثابتاً هو التاريخ الثابت للورقة الأخرى التي جرى فيها ذكر الورقة الأولى ( [356] ) . مثل ذلك أن يذكر في ورقة تثبت عقد بيع – رسمية $ 241 $ وعرفية مصدق فيها على التوقيع – توكيل عرفي صادر من البائع إلى وكيل بيع بالنيابة عنه ، فهذا التوكيل العرفي إذا كانت غير ثابت التاريخ يصبح ، بذكره في ورقة البيع ثابتة التاريخ ، ذا تاريخ ثابت هو تاريخ ورقة البيع ( [357] ) .

( 3 ) من يوم أن يؤشر على الورقة العرفية موظف عام مختص . مثل ذلك أن تقدم الورقة العرفية في قضية فيؤشر عليها القاضي أو كاتب الجلسة ، أو تقدم في تحقيق فيؤشر عليها المحقق ، أو تقدم في جرد رسمي فيؤشر عليها مندوب الجرد ، أو تقدم لصرف نقود بها فيؤشر عليها مندوب الخزانة العامة . وتكسب المراسلات المسجلة تاريخاً ثابتاً هو تاريخ ختم مصلحة البريد إذا أمكن التثبت منه بالرجوع إلى السجلات الرسمية التي سجلت فيها هذه المراسلات . أما المراسلات غير المسجلة فلا يثبت تاريخها من ختم مصلحة البريد ، لأنه لا توجد سجلات رسمية يمكن الرجوع إليها للتثبت من صحة التاريخ . والتاريخ الذي يضعه المحكمون في أحكامهم لا يعتبر تاريخاً ثابتاً ( [358] ) ، وكذلك تأشير الخبير على ورقة عرفية وذكره الورقة في محضر أعماله لا يكسبها تاريخاً ثابتاً ، لأن المحكمين والخبراء لا يعتبرون موظفين عامين ولا يمكن التثبت من صحة التاريخ الذي وضعوه على الورقة العرفية ( [359] ) . هذا ما لم يكن الخبير موظفاً عاماً ، كما هو شأن الخبراء والموظفين في وزارة العدل .

( 4 ) من يوم وفاة أحد ممن لهم على الورقة العرفية أثر معترف به من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة أصبع . أما الخط والامضاء المعترف بصدروهما من الشخص المتوفى فأمرهما واضح ، ذلك أن الورقة العرفية التي تحمل خطاً أو إمضاء لشخص متوفي لا بد أن تكون قد صدرت قبل وفاة هذا الشخص ، فتاريخها $ 242 $ ثابت من وقت الوفاة ( [360] ) . ويستوي أن يكون الشخص المتوفى طرفاً في الورقة أو شاهد أو كفيلا أو غير ذلك ، فالحكمة قائمة في جميع هذه الأحوال ( [361] ) . على أن مجرد وجود خط لشخص متوفى في الورقة لا يكفي لإثبات التاريخ ، بل يجب أيضاً أن تكون الورقة قد وقعت منذ وجود هذا الخط ، إذ يحتمل أن يعهد إلى شخص في كتابة ورقة عرفية فيكتبها ، ولكنها تبقى مشروعاً دون توقيع إلى أن يتوفى الكاتب ، ثم يوقع ذوو الشأن الورقة بعد وفاته ، فلا تكون الورقة ثابتة التاريخ من يوم الوفاة . وهذا ما لم تكن الورقة تعتبر دليلا من غير توقيع ، كالتأشير على سند الوفاء .

بقى الختم وبصمة الاصبع . أما أن الختم يثبت تاريخ الورقة التي تحمل بصمته ، فأمر كان مقرراً في التقنين المدني الأهلي السابق ، وتابعه في ذلك التقنين المدني الجديد . وهو محل للنظر ، إذ أن بقاء الختم بعد وفاة صاحبه واحتمال التوقيع بهذا الختم بعد الوفاة شيء يقع . وقد كان التقنين المدني المختلط لا يذكر أن ختم المتوفى يثبت تاريخ الورقة العرفية ( [362] ) . ومهما يكن من أمر فإنه يجوز ، بالرغم من وجود بصمة الختم في الورقة ، إثبات أن التوقيع بالختم لم يتم إلا بعد الوفاة ( [363] ) . $ 243 $ وبصمة الاصبع أدق من بصمة الختم ، فهي أقرب إلى إثبات تاريخ الورقة العرفية التي تحمل هذه البصمة لشخص متوفى . على أن احتمال توقيع الورقة العرفية ببصمة شخص متوفى بعد وفاته لا يزال قائماً وإن كان احتمالا بعيداً ، وهو أبعد على كل حال من احتمال التوقيع بالختم بعد وفاة صاحبه ( [364] ) .

( 5 ) من يوم أن يصبح مستحيلا على أحد ممن لهم على الورقة العرفية أثر معترف به من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة اصبع أن يكتب أو يبصم لعلة في جسمه . والمثل المألوف لهذه الحالة أن تبتر يد شخص في تاريخ معروف ، فتكون الورقة العرفية التي وقعها بيده قبل أن تبتر ذات تاريخ ثابت هو تاريخ هذا البتر . وهذا صحيح بالنسبة إلى الخط والامضاء وبصمة الاصبع . أما الختم فيمكن التوقيع به بعد بتر اليد ، بل بعد بتر اليدين معاً ، إذ يجوز أن يوقع به غير صاحبه ، فلا تكسب الورقة منه تاريخاً ثابتاً في المثال المتقدم . وقد تكون العلة في الجسم التي تستحيل معها الكتابة شيئاً آخر غير البتر كالشلل .

وقد عمم التقنين المدني الجديد بعد التخصيص كما قدمنا ، فذكر أن الورقة العرفية تكون ثابتة التاريخ من يوم وقوع أي حادث آخر – غير الحوادث التي تقدم ذكرها – يكون قاطعاً في أن الورقة قد صدرت قبل وقوعه . مثل ذلك الجنون العارض ، فقد يوقع شخص سليم العقل ورقة عرفية ، ثم يصاب بالجنون بعد ذلك ، فمن يوم ثبوت عزله في مستشفى أو في مكان آخر يكون تاريخ الورقة ثابتاً ، مع أن الجنون ليس علة في الجسم – وهذا ما اقتصر النص على ذكره – بل هو علة في العقل ( [365] ) .

 $ 244 $

وقد كان التقنين المدني السابق يفسره الفقه والقضاء على النحو الذي قدمناه . فهو ، بالرغم من أنه لم يورد في المادة 299 / 294 إلا بعض طرق إثبات التاريخ – قيد الورقة في سجل عام واثر معترف به لشخص متوفى وتأشير على الورقة من موظف عام مختص – فإن هذه الطرق لم تحمل على إنها وردت على سبيل الحصر . ومن ثم لا يكون هناك فرق بين التقنين القديم والتقنين الجديد في طرق إثبات التاريخ ( [366] ) .

 $ 245 $

أما التقنين المدني الفرنسي فقد اقتصر على طرق ثلاثة لإثبات التاريخ ، ذكرها على سبيل الحصر ، وهي :

( 1 ) تسجيل الورقة العرفية وفقاً لإجراءات معينة ( enregistrement ) ( 2 ) ذكر مضمون الورقة العرفية في ورقة رسمية ( 3 ) توقيع معترف به من شخص متوفى ، طرفاً كان أو شاهداً ( [367] ) .

ومت ثبت التاريخ على وجه من الوجوه المتقدمة الذكر في التقنين المدني المصري ، صار هذا التاريخ الثابت هو الحجة على الغير ، لا التاريخ العرفي الذي يسبقه . ولكن تصبح حجيته على الغير أقوى من حجية التاريخ العرفي على طرفي الورقة ، ذلك أن الغير لا يستطيع أن يدحض حجية التاريخ الثابت $ 246 $ إلا عن طريق الطعن بالتزوير ، أما من كان طرفاً في الورقة فيستطيع أن يدحض حجية التاريخ العرفي بإثبات أن هذا التاريخ غير صحيح دون حاجة إلى الطعن بالتزوير . وإذا قام تنازع بين ورقتين لهما تاريخ ثابت في يوم واحد ، فإن أمكن تعيين الورقة الأسبق فضل صاحبها . ويتحقق ذلك إذا كان طريق ثبوت التاريخ بالقيد في السجل ، وعينت ساعة القيد أو أعطيت الورقتان رقمين مسلسلين ، فالورقة الأسبق في الساعة أو في الرقم المسلسل هي التي يفضل صاحبها . وإذا لم يمكن تعيين الورقة الأسبق ، كما لو كانت الورقتان قد وقعهما شخص واحد توفى واتخذ تاريخ وفاته تاريخاً ثابتاً لكل من الورقتين نف صاحب الورقة المكلف بإثبات أسبقيته يتقدم عليه صاحب الورقة الأخرى لأن الأول قد عجز عن إثبات هذه الأسبقية ( [368] ) .

المطلب الثالث

حجية الورقة العرفية فيما يتعلق بالصور

127 – الأصل ألا حجية لصور الأوراق العرفية : رأينا فيما تقدم أن صور الأوراق الرسمية لها قوة متفاوتة في الإثبات ، مع أن الصورة لا تحمل توقيع من صدرت منه الورقة والتوقيع هو الذي تتركز فيه قوة الإثبات . وتعليل ذلك كما رأينا يرجع إلى أن صورة الورقة الرسمية هي أيضاً ورقة رسمية يقوم بتحريرها موظف رسمي مختص ، فتضفى عليها رسميتها من الثقة ما يجعل لها قيمة في الإثبات تتفاوت قوة وضعفاً .

أما صورة الورقة العرفية فليست لها في الأصل أية قيمة في الإثبات ، ولو كمبدأ ثبوت بالكتابة . فهي لا تحمل توقيع من صدرت منه الورقة . وهي في الوقت ذاته ليست ورقة رسمية حتى تضفي عليها رسميتها شيئاً من الثقة . ولا قيمة لصورة الورقة العرفية إلا بمقدار ما تهدي إلى الأصل إذا كان موجوداً ، فيرجع إليها ، وتكون الحجية للأصل لا الصورة . أما إذا كان الأصل غير $ 247 $ موجود ، فلا سبيل للاحتجاج بالصورة ، لما قدمناه من إنها لا تحمل التوقيع ومن إنها ليست ورقة رسمية ، ولجواز أن تكون الصورة محرفة أو أن يكون الأصل مزوراً فلا يتيسر الاهتداء إلى التوزير بالاقتصار على الصورة ( [369] ) . وهذا صحيح حتى لو كانت الصورة المأخوذة من الأصل صورة فوتوغرافية ( [370] ) .

وغني عن البيان أن صور الصور للورقة العرفية ليست لها هي أيضاً ، من باب أولى ، أية قيمة في الإثبات .

 $ 248 $

128 – استثناءان تكون فيهما لصورة الورقة العرفية قيمة في الإثبات : على أن هناك استثنائينمن المبدأ الذي قدمناه تكون فيهما لصورة الورقة العرفية قيمة معينة في الإثبات :

( الاستثناء الأول ) في حالة التسجيل ، فقد تكون لصورة الورقة المسجلة قيمة في الإثبات ( [371] ) . ونميز في ذلك بين عهدين : العهد السابق على قانون التسجيل ( رقمي 18 و 19 لسنة 1923 ) وعهد قانون التسجيل ( الذي حل محله القانون رقم 114 لسنة 1946 الخاص بالشهر العقاري ) .

ففي العهد الأول كان التسجيل يتم بنقل صورة حرفية من الورقة المقدمة للتسجيل في سجل عام ، ثم يختم الأصل بختم يدل على حصول التسجيل ويعاد إلى صاحبه . فإذا أعطيت صورة من الورقة المسجلة كانت هذه الصورة رسمية ، لأن موظفاً عاماً مختصاً كان هو الذي ينقل هذه الصورة ، لا عن الأصل فهو عند صاحبه كما قدمنا ، ولكن عن الصورة الرسمية لهذا الأصل العرفي وهي الصورة المدونة في السجل العام . ولما كانت صورة الصورة هذه هي صورية رسمية لصورة رسمية ، فقد كان القضاء في البداية يعتد بها ، في حالة فقد الأصل ، كدليل كامل أو على الأقل كمبدأ ثبوت بالكتابة ( [372] ) . ثم رجع عن ذلك ، وأنكر حجية هذه الصورة الرسمية حتى كمبدأ ثبوت بالكتابة ، لما رأى ما لجأ إليه بعض الناس ، من تقديم أوراق مزورة للتسجيل وإعدام الأصل المزور ، والتقدم بعد ذلك بصورة رسمية منقولة عن الصورة المدونة في السجل العام ، فلا يظهر التزوير لا في صورة الصورة ولا في الصورة الأصلية ، إذ أن الموظف العام لم يكن من اختصاصه ولا $ 249 $ فى إمكانه التحقق من سلامة الأوراق التى تقدم للتسجيل( [373] ) .

وفى العهد الثانى ، عهد قانون التسجيل ثم الشهر العقارى وهو العهد الحالى ، اتخذ المشرع احتياطات دقيقة . وتتخلص هذه الاحتياطات فى وجوب التصديق على التوقيع قبل تسجيل المحرر ، وفى هذا ضمان كاف لعدم تزوير الأوراق ولصحة صدورها من موقيعها ، ثم فى طريقة التسجيل ذاتها فقد صار الأصل هو الذى يحفظ بمكتب الشهر ويعطى لأصحاب الشأن صور فوتوغرافية من هذا الأصل . هذه الصور الفوتوغرافية ، التى تمكن إعادة أخذها فيما بعد منقولة دائماً عن الأصل وإعطاؤها لأصحاب الشأن إذا احتاجوا إليها ، هى صور رسمية دقيقة من أصل محفوظ فى مكتب السجل العقارى ، فقيمتها فى الإثبات لا شك فيها . ذلك أنه إذا كان الأصل موجوداً وهو الغالب ، ولم ينازع الخصم فى مطابقة الصورة الفوتوغرافية للأصل ، اكتفى بالصورة دليلا كاملا فى الإثبات ( [374] ) . فإن نازع الخصم فى المطابقة ، أمكنت مضاهاة الصورة على الأصل المحفوظ بمكتب الشهر ، وكانت الحجية للأصل لا للصورة . أما إذا فقد الأصل – وهذا نادر ولكنه يقع $ 250 $ أحياناً لقوة قاهرة كحريق أو سرقة - فإن دقة الصورة الفوتوغرافية ورجحان سلامة الأصل من التزوير بعد التصديق على التوقيع ، كل ذلك يسمح بإعطاء هذه الصورة الفوتوغرافية قوة إثبات كاملة أو فى القليل يجعلها مبدأ ثبوت بالكتابة( [375] ) .

( الاستثناء الثانى ) فى حالة ما إذا كانت صورة الورقة العرفية مكتوبة بخط المدين ، فتكون لهذه الصورة بعض القيمة فى الإثبات . ويلاحظ أن هذه الصورة المكتوبة بخط المدين لا تحمل توقيعه ، وإلا صارت إما نسخة ثانية ، لا مجرد صورة ، فتكون لها حجية الأصل كالنسخة الأولى ، وإما سنداً مؤيداً ( Acte Recognitif ) وسيأتى بيان قيمته فى الإثبات . فالصورة التى نحن بصددها هى إذن مكتوبة بخط $ 251 $ المدين ولا تحمل توقيعه ، ويمكن فى هذه الحالة اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة لأنها صادرة من المدين ما دامت بخطة ، وتستكمل بالبينة أو القرائن( [376] ) .

على أنه ليس من الضرورى أن تكون صورة الورقة العرفية مكتوبة بخط المدين نفسه لاعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة ، بل يكفى أن تكون صادرة من نائب المدين . مثل ذلك أن يعلن محضر – وهو نائب المعلن - ورقة عرفية إلى المعلن إليه . فالصورة التى يتركها المحضر بخطه ( أو المفروض أنها بخطة لأنها صادرة منه ) تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة يتمسك به الخصم ضد المعلن ، إذ أن هذه الصورة مكتوبة بخط نائب المدين وهو المحضر ، فكأنها صادرة من المدين( [377] ) .

129 - السند المؤيد وقيمته فى الإثبات : وبين الأصل والصورة يوجد سند ، لا هو مجرد صورة ( Copie ) لأنه يحمل توقيع المدين ، ولا هو نسخة ثانية ( Exemplaire ) من الأصل لأنه غير معاصر للأصل بل يكتب بعده . فهو إذن اضعف من الأصل ، وأقوى من الصورة . هذا هو السند المؤيد أو السند الجديد ( Acte Recognitif, Titre Nouvel ) وهو سند يتضمن إقراراً بحق سبق إثباته فى محرر يسمى بالسند الأصلى ( Acte Primordial ) . ويتميز السند المؤيد عن مطلق الإقرار بالحق بأنه لا يتضمن إقراراً على إطلاقه ، بل يشير إلى أن الحق المقر به قد سبق إثباته فى سند أصلى . ومن ثم إذا تعارض السند المؤيد مع السند الأصلى ، كان السند الأصلى هو المعتبر . ولو كان السند المؤيد إقراراً محضاً لأخذ به دون السند الأصلى( [378] ) .

والسند المؤيد ، على هذا النحو ، يصلح من الناحية القانونية لقطع التقادم ، ومن الناحية العملية لتوفير دليل الإثبات عند فقد السند الأصلى إذا كان هذا $ 252 $ معرضاً للفقد . ويغلب أن يكون ذلك فى الديون الطويلة الآجال وفى الإيرادات المؤيدة ، حيث يحتاج الدائن من وقت إلى آخر أن يحصل على سند مؤيد لسنده الأصلى لقدم العهد بالسند الأصلى ، فيقطع التقادم ويجدد الدليل( [379] ) .

وقد تضمن التقنين المدنى الفرنسى نصاً يقرر قيمة السند المؤيد فى الإثبات . فنصت المادة 1337 من هذا التقنين على ما يأتى : " السندات المؤيدة لا تعفى من تقديم السند الأصلى ، إلا إذا كان نص السند الأصلى قد دون خصيصاً فى السند المؤيد . وما اشتمل عليه السند المؤيد زائداً على السند الأصلى إذا وجدت جملة من السندات المؤيدة المتطابقة ، تدعمها الحيازة ، ويكون تاريخ أحد هذه السندات يرجع إلى ثلاثين سنة " ( [380] ) .

ويتبين من هذا النص أن السند المؤيد ، فى التقنين الفرنسى ، لا يصلح فى ذاته دليلا كاملا . وهناك فرضان : ( الفرض الأول ) أن السند الأصلى موجود . وفى هذه الحالة لا يكون السند المؤيد دليلا أصلا ، بل يجب على الدائن إبراز السند الأصلى . فإذ كان هناك خلاف بينه وبين السند المؤيد فالعبرة بالسند الأصلى ، إلا إذا تبين من الظروف أن السند المؤيد ليس فى حقيقته إلا تجديداً للدين فتكون العبرة بالدين الجديد . ( الفرض الثانى ) أن السند الأصلى غير موجود . وفى هذه الحالة لا يكون للسند المؤيد قوة فى الإثبات كدليل كامل( [381] ) ، ولكنه يكون مبدأ ثبوت بالكتابة يستكمل بالبينة $ 253 $ وبالقرائن . ومع ذلك قد لا يكون دليلا كاملا فى حالتين :

( 1 ) إذا كان نص السند الأصلى مدوناً بأكمله فى السند المؤيد .

( 2 ) إذا تعددت السندات المؤيدة ، وكانت متطابقة ، ودعمتها الحيازة ، وكان أحدها يرجع تاريخه إلى ثلاثين سنة على الأقل . فيجوز للقاضى فى هذه الحالة ، إذا كان السند الأصلى قد قد ، أن يعد السندات المؤيدة دليلا كاملا ، ويترك ذلك إلى تقديره . وهذه الأحكام ينتقدها الفقه فى فرنسا ( [382] ) ، لأنها لا تتفق مع القواعد العامة .

فإن هذه تقضى –وهذا ما يجب إتباعه فى مصر ما دام لا يوجد نص فى هذه المسألة - بأنه إذا وجد سند مؤيد لسند سابق ، اعتد بالسند المؤيد كدليل إثبات كامل ، إذ هو موقع من المدين وليس مجرد صورة لورقة عرفية ، سواء فى ذلك أشتمل على نص السند الأصلى أو لم يشتمل ، وتعددت السندات المؤيدة أيا كان تاريخها أو لم تتعدد . ولكن لما كان السند المؤيد يشير إلى سند أصلى ، فالمفروض أن السند المؤيد مطابق للسند الأصلى ، إلى أن يثبت المدين العكس بإبرازه السند الأصلى . وبهذا تقضى المادة 292 من المشروع الفرنسى الإيطالى . وقد كان المشروع التمهيدى للتقنين الجديد يحتوى على نص مماثل ، إذ كانت المادة 537 من هذا المشروع تنص على ما يأتى : " السند المؤيد لسند سابق يكون حجة على المدين . على أنه يجوز للمدين أن يثبت عدم صحة هذا السند بتقديم السند الأصلى " . ولكن لجنة المراجعة حذفت هذا النص ، ويغلب أن يكون ذلك اكتفاء بالقواعد العامة( [383] ) .

 $ 254 $

الفرع الثانى

الأوراق العرفية غير المعدة للإثبات

130 - بيان هذه الأوراق : رأينا فيما تقدم أن الورقة العرفية التى تعد للإثبات لا تكون دليل إثبات كامل إلا إذا كان موقعاً عليها ، وأن التوقيع هو الذى يضفى على الورقة حجيتها . على أنه توجد بعض أوراق عرفية لم تعد مقدماً للإثبات ، ومع ذلك يجعل لها القانون بنص خاص حجية معينة ، ولا يشترط فيها أن يكون موقعاً عليها .

وقد نص التقنين المدنى الجديد على أربعة أنواع هذه الأوراق العرفية غير المعدة للإثبات معينة ، وهى :

( 1 ) الرسائل والبرقيات .

( 2 ) دفاتر التجار .

( 3 ) الدفاتر والأوراق المنزلية .

( 4 ) التأشير ببراءة ذمة المدين( [384] ) .

 $ 255 $

المبحث الأول

الرسائل والبرقيات

131 - النصوص القانونية : تنص المادة 396 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " 1 - تكون للرسائل الموقع عليها قيمة الورقة العرفية من حيث الإثبات " .

 " 2 - وتكون للبرقيات هذه القيمة أيضاً إذا كان أصلها المودع فى مكتب التصدير موقعاً عليها من مرسلها ، وتعتبر البرقية مطابقة لأصلها حتى يقوم الدليل على عكس ذلك " .

 " 3 - وإذا أعدم أصل البرقية ، فلا يعتد بالبرقية إلا لمجرد الاستئناس " ( [385] ) .

ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق .

ويقابل هذا النص فى التقنين المدنية العربية الأخرى : فى قانون البيانات السورى المادة 12 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 457 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى المواد 162 - 166 ، وفى التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة المادة 383( [386] ) – ولا يوجد فى التقنين المدنى الفرنسى نص مقابل .

 $ 256 $

ونتكلم فى قيمة الرسالة ( Lettre Missive ) فى الإثبات ، ومتى يحتج بها المرسل إليه ، ومتى يحتج بها الغير ، ثم فى قوة البرقية فى الإثبات .

132 - قيمة الرسالة فى الإثبات : تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " لم يعرض تقنين من التقنينات ( [387] ) للرسائل بوصفها ضرباً من ضروب الأدلة الكتابية ، وقد يلتمس للتقنين $ 257 $ الفرنسى بعض العذر فى إغفالها إذا روعى أن التعامل بالرسائل كان فى سنة 1804 بالغ الندورة . . . بيد أنه من المسلم أن التعامل بالرسائل أخذ يتزايد نصيبه من الأهمية ، تحى أصاب من سعة النطاق بسطة جديرة بالاعتبار . وليس شك فى أن هذا الضرب من التعامل قد اضطرد بوجه خاص فى المسائل التجارية ، لكن المتعاملين من التجار لم يستشعروا ضرورة لحكم تشريعى جديد نظراً لانتفاء قيود الإثبات فى هذه المسائل . على أن التعامل بالرسائل شمل الروابط المدنية أيضاً ، ومن عجب أن يستشعر واضعو المشروع الفرنسى الإيطالى ضرورة تشبيه البرقية بالورقة العرفية المادة 484 دون أن يشيروا إلى الرسائل " ( [388] ) .

وقد كان الفقه والقضاء فى مصر ( [389] ) ، فى ظل التقنين السابق وبالرغم من انعدام النص ، يذهبان إلى أن الرسالة متى وصلت إلى المرسل إليه صارت ملكه ، وله أن يستخدمها كدليل إثبات على حق يدعيه عند المرسل ، حتى لو تضمنت سراً فيخير المرسل بين أن يقدم الرسالة إلى القضاء بالرغم من احتوائها لهذا السر أو أن ييسر له المرسل الإثبات من طريق آخر غير الرسالة . وقد ترتفع السرية عن الرسالة بعد وجودها إذا نشرت وعرفها الجمهور ولو عن طريق دعوى جنائية انتهت بحكم بالبراءة( [390] ) . ثم إن ما ورد فى الرسالة إذا كان بخط المدين أو كان موقعاً عليه منه يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة أو دليلا كاملا ، على أن يترك ذلك إلى تقدير القاضى ، فإن الرسالة ليست فى الأصل معدة للإثبات ، وما يدونه المرسل بها لا يلتزم فيه من الاحتياط ما يلتزمه فى الورقة العرفية التى تعد مقدماً للإثبات ، فيجب أن يكون هذا محلا للاعتبار( [391] ) .

 $ 258 $

أما التقنين الجديد فلم يترك الأمر إلى تقدير القاضى ، بل نص صراحة على أن " تكون للرسائل الموقع عليها قيمة الورقة العرفية من حيث الإثبات " ( [392] ) . وكان التقنين الجديد جريئاً فى إيراده لهذا النص ، فلم يسبقه إليه تقنين آخر كما تقول المذكرة الإيضاحية . وقد سلب القاضى حريته فى التقدير ، فلم يعد هذا يستطيع ، إذا رأى أن المرسل لم يحتط فى رسالته ولم يقصد إلى أن ينتج جميع الآثار القانونية التى تترتب على ما كتبه فى هذه الرسالة ، أن يرفع عن الرسالة حجيتها أو أن ينتقض من هذه الحجية كما كان يستطيع فى ظل التقنين السابق . فمتى كانت الرسالة موقعة من المرسل ، استوفت شرائط الورقة العرفية ، وصار $ 259 $ بها حجيتها ، حتى لو كانت لم تستوف شرطاً جوهرياً هو أن تكون قد أعدت مقدماً للإثبات فإن هذا الإعداد السابق من شأنه أن يفرض على المرسل الاحتياط والتمعن . بالرغم من ذلك أصبحت الرسالة الموقعة فى التقنين الجديد ، كما قدمنا ، بمنزلة الورقة العرفية المعدة للإثبات ، ولها قيمة الدليل الكامل . فهى حجة على المرسل من حيث صدورها منه ، إلا أن ينكر توقيعه أو خطه على النحو الذى قدمناه فى الأوراق العرفية المعدة للإثبات . وهى أيضاً حجة على المرسل بصحة المدون فيها ، إلا أن يثبت العكس بالطرق المقررة ، وهو لا يستطيع أن يثبت ما يخالف الكتابة أو ما يجاوزها إلا بالكتابة . وهى أخيراً حجة على المرسل من حيث قيام التصرف القانونى الذى تشهد به الرسالة ، على أن له أن يدفع هذا التصرف بجميع الدفوع الموضوعية والشكلية التى يسمح بها القانون( [393] ) .

 $ 260 $

والذى لا يزال يفرق فى نظرنا بين الرسالة الموقعة والورقة العرفية المعدة للإثبات ، حتى فى ظل التقنين الجديد ، هو أن القاضى عند تفسيره للعبارات الواردة فى الرسالة الموقعة –إذا كانت هذه الرسالة لم تعد مقدماً للإثبات ويندر أن تعد لهذا الغرض فى غير المسائل التجارية - لابد أنه ملق بالا إلى أن كاتب هذه العبارات لم يصطنع الحيطة المألوفة عند من يقصد أن يرتبط بعباراته ارتباطاً قانونياً ، فيفسر الرسالة بما يتلاءم مع الجو الذى كتبت فيه .

أما إذا كانت الرسالة غير موقعة ولكنها مكتوبة بخط المرسل ، فهى تصلح مبدأ ثبوت بالكتابة كما كان الأمر فى التقنين السابق . وصورة الرسالة لا حجية لها كصورة أية ورقة عرفية( [394] ) .

133 - متى يجوز للمرسل إليه أن يحتج بالرسالة : من حق المرسل إليه أن يقدم الرسالة إلى القضاء ليستخلص منها دليلا لصالحه ضد المرسل متى كانت له مصلحة مشروعة فى ذلك ( [395] ) . فإذا تضمنت الرسالة اتفاقاً تم بينه وبين $ 261 $ المرسل ، أو التزاماً تعهد به المرسل ، أو مخالصة ، أو إبراء ، أو إقراراً ، أو نحو ذلك ، كان للمرسل إليه مصلحة مشروعة فى أن يقدم الرسالة دليلا على ما تقدم . وكذلك إذا تضمنت الرسالة جريمة فى حق المرسل غليه كتهديد أو احتيال أو قذف أو سب ، أو كانت دليلا على جريمة هو مجنى عليه فيها كجريمة الزنا ( [396] ) ، كان له أن يقدمها إلى القضاء دليلا للإثبات .

على ألا يكون فى كل هذا انتهاك لحرمة السرية . فإذا كانت هناك سرية تنتهك ، ولم ينبه المرسل غليه المرسل حتى ييسر له الإثبات من طريق آخر على النحو الذى سبق أن بيناه ، فلا يجوز للمرسل إليه أن يقدم الرسالة إلى القضاء ، وإن فعل جاز للمرسل أن يطلب استبعادها ، وله الرجوع على المرسل غليه بالتعويض ( [397] ) .

 $ 262 $

وينتقل حق المرسل إليه فى الرسالة كدليل إثبات إلى ورثته من بعده . فلهم استعمالها كخلف له فى نفس الحدود التى يجوز فيها ذلك للمرسل إليه : لمصلحة مشروعة وبشرط عدم انتهاك حرمة السرية .

وهذه الأحكام إنما هى تطبيق للقواعد العامة ، وكان معمولا بها فى ظل التقنين السابق .

134 - متى يجوز للغير أن يحتج بالرسالة : ولا يقتصر حق الاحتجاج بالرسالة على المرسل إليه وورثته ، بل يمتد هذا الحق إلى الغير ، وهو كل شخص غير المرسل إليه وورثته تكون له مصلحة مشروعة فى الاحتجاج بها . مثل ذلك أن تتضمن الرسالة إقراراً من المرسل يفيد الغير ، أو تتضمن اشتراطا لمصلحة هذا الغير . ذلك أن حق الاحتجاج بالرسالة ليس مستمداً من أنها ملك للمرسل إليه ومن أنه فى الاحتجاج بها إنما يستعمل ملكه ، ولكنه مستمد من أن الرسالة تنطوى على دليل إثبات ، فمن كان فى حاجة إلى هذا الدليل لإثبات دعواه أمام القضاء جاز له أن يطلب تقديم الرسالة . ويتبين من ذلك أن حق الاحتجاج بالرسالة مستمد ، لا من حق الملك ، بل من الحق فى الإثبات وهو الحق الذى رسمنا مداه فيما تقدم( [398] ) .

وهو حق ضيق فى التشريع المصرى . فقد رأينا أن تقنين المرافعات الجديد ( م 253 ) يجيز للخصم – وهو هنا الغير – أن يطلب إلزام خصمه – وهو هنا المرسل إليه إذا كانت الدعوى قائمة بينه وبين الغير – بتقديم أية ورقة منتجة فى الدعوى ، ومن ذلك الرسالة التى تتضمن دليلا لمصلحة الغير ، إذا كانت الرسالة محررة لمصلحة الخصمين أو كانت مثبتة لالتزاماتهما وحقوقهما المتبادلة أو استند إليها خصمه فى أية مرحلة من مراحل الدعوى . ويجب فوق ذلك ألا يكون فى $ 263 $ تقديم الرسالة انتهاك لحرمة السرية ، وإلا وجب أيضاً استئذان المرسل قبل تقديمها ، هذا ما لم يكن المرسل نفسه هو الخصم الذى طلب تقديم الرسالة .

وهذا كله ول كانت الرسالة فى يد المرسل إليه كما هو الغالب . ولكنها قد تقع فى يد الغير الذى له مصلحة مشروعة فى الاحتجاج بها . فإن وقعت فى يده بطريقة غير مشروعة ، كأن كان قد أخذها خلسة أو احتيالا ( [399] ) ، فلا يجوز له تقديمها بتاتاً ، وإذا قدمها وجب استبعادها . أما إذا وقعت فى يده بطريقة مشروعة ( [400] ) ، فلا يجوز له كذلك تقديمها إلا بإذن المرسل إليه مالك الرسالة ، ما لم يكن له فيها حق الإثبات فى الأحوال التى قدمناها فيجوز له تقديمها بغير إذن المرسل إليه ( [401] ) . وفى جميع الأحوال لا يجوز تقديم الرسالة إذا كان فى تقديمها انتهاك لحرمة السرية إلا بعد استئذان المرسل ( [402] ) ، . ولا تعتبر الرسالة سرية لمجرد أنها موجهة لشخص غير الذى يحتج بها ( [403] ) ، بل السرية ترجع إلى موضوع الرسالة نفسه ، وقاضى الموضوع هو الذى يقدر ذلك ( [404] ) .

135 - قوة البرقية فى الإثبات : والبرقية قوتها فى الإثبات كقوة الرسالة الموقعة ، بشرط أن يكون أصل البرقية المودع فى مكتب التصدير موقعاً عليه $ 264 $ من المرسل . ذلك أن البرقية هى أصل وصورة . فالأصل يكتبه المرسل عادة بخطه ويوقعه ، وهو يحفظ فى مكتب التصدير لمدة معينة هى ثلاثة أشهر من تاريخ صدور البرقيات الداخلية وعشرة شهور من الشهر التالى لصدور البرقيات الخارجية وخمسة عشر شهراً من الشهر التالى لصدور البرقيات اللاسلكية ( [405] ) . والصورة يكتبها عامل البرق الذى يتلقى البرقية فى مكان وصولها ، ويرسل بها إلى المرسل إليه . فلا يكون إذن فى حيازة المرسل إليه كدليل للإثبات إلا هذه الصورة . وهى فى ذاتها ، كصورة لورقة عرفية ، ليست لها قيمة فى الإثبات . وإنما تفترض مطابقتها للأصل ما دام الأصل لا يزال موجوداً بمكتب التصدير . فإذا ادعى المرسل أن هذه المطابقة غير متوافرة ، فعليه أن يطلب من " مصلحة التلغرافات " تقديم الأصل ، وتضاهى عليه الصورة . فإن تحقق التطابق ، أن للبرقية حجية الورقة العرفية : من حيث صحة صدورها من مرسلها إلى حد الإنكار ، ومن حيث صحة الوقائع الواردة بها إلى حد إثبات العكس ، ومن حيث قيام التصرف القانونى الذى تشهد به مع جواز دفعه بجميع الدفوع الموضوعية والشكلية ، وكذلك من حيث جواز تمسك المرسل إليه وتمسك لغير بالبرقية على النحو الذى بسطناه فى الرسالة . ولكن هذه الحجية مستمدة ، لا من الصورة ، بل من الأصل الذى وجدت الصورة مطابقة له . ويعتبر تاريخ البرقية تاريخاً ثابتاً ، لأن خاتم المكتب الذى يختم به الأصل يحمل تاريخ الإرسال ويمكن التأكد من صحة التاريخ بالرجوع إلى دفتر معد لذلك ( [406] ) . فإذا لم تكن الصورة مطابقة للأصل ، فالعبرة بالأصل الموقع من المرسل لا بالصورة التى يكون التحريف قد تسرب إليها من عامل البرق .

أما إذا كان الأصل الموقع عليه قد أعدم بعد انقضاء المدة المعينة( [407] ) ، $ 265 $ أو كان غير موجود بأن سرق أو احترق أو ضاع أو فقد لأى سبب آخر ، فلا عبرة بالصورة ، لأن الحجية إنما هى كما قدمنا مستمدة من الأصل . ولا تصلح الصورة فى هذه الحالة إلا لمجرد الاستئناس ، وهذا ما تنص عليه صراحة الفقرة الثالثة من المادة 396 وقد تقدم ذكرها . ولا تعتبر الصورة مبدأ ثبوت بالكتابة لأنها ليست بخط المرسل ، ولا يعتد بأنها صدرت من موظف عام لأنه ليس من شأنه أن يتحقق من شخصية مرسل البرقية ، ويقع كثيراً أن يكتب البرقية ويتولى إرسالها شخص غير صاحبها( [408] ) .

بقيت حالة ما إذا كان الأصل غير موقع عليه من المرسل . وهذه تخضع للقواعد العامة ، إذ لم يرد نص خاص فى شأنها . وتقضى القواعد العامة فى هذه الحالة أن تكون العبرة بالأصل لا بالصورة كما قدمنا . فإذا لم يوجد الأصل عبر الموقع ، فالصورة لا تصلح إلا لمجرد الاستئناس وفى كثير من الحذر لأن الأصل لم يوقع عليه . وإذا وجد الأصل غير الموقع ، فهو أيضاً لا يكون دليلا كاملا لانعدام التوقيع ، ولكنه قد يكون مبدأ ثبوت بالكتابة إذا كان مكتوباً بخط المرسل( [409] ) .

 $ 266 $

على أن الأحكام نفسها التى أوردها التقنين الجديد فى شأن البرقيات ليست إلا تطبيقاً للقواعد العامة ، وقد كان معمولا بها فى ظل التقنين السابق دون نص( [410] ) .

المبحث الثانى

دفاتر التجار

136 - النصوص القانونية : تنص المادة 397 من التقنين على ما يأتى :

 " 1 - دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار ، غير أن البيانات المثبتة فيها عما ورده التجار تصلح أساساً يجيز للقاضى أن يوجه اليمين المتممة إلى أى من الطرفين وذلك فيما يجوز إثباته بالبينة " .

 " 2 - وتكون دفاتر التجار حجة على هؤلاء التجار ، ولكن إذا كانت هذه الدفاتر منتظمة فلا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلا لنفسه أن يجزئ ما ورد فيها ويستبعد منه ما كان مناقضاً لدعواه " ( [411] ) .

 $ 267 $

ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق . ولكن التقنين التجارى أشتمل على نصوص طبقها القضاء واستخلص منها الأحكام التى تضمنتها المادة 397 من التقنين المدنى الجديد ، فيما عدا حكماً واحداً استحدثته هذه المادة وهو الحكم الخاص بالبيانات الواردة فى دفاتر التاجر متعلقة بما ورده لغير التاجر ، وقد نقل هذا الحكم عن المادة 1329 من التقنين المدنى الفرنسى .

ويقابل هذا النص فى التقنينات العربية : فى قانون البينات السورى المواد 14 و 17 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 458 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى المواد 170 – 172 ، وفى التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة 384 ( [412] ) ، $ 268 $ ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادتين 1329 و 1330( [413] ) .

المطلب الأول

الدفاتر التجارية

137 - مسألتان : نبحث هنا : ( أولا ) ما هى الدفاتر التجارية وكيف تنظم ( ثانياً ) متى يجوز للقاضى الأمر بتقديمها ومتى يجوز له الأمر بالإطلاع عليها .

 $ 269 $

138 - ما هى الدفاتر التجارية وكيف تنظم : لا نطيل فى بحث هذه المسألة فهى من مسائل القانون التجارى . وبحسبنا هنا أن نذكر أن التقنين التجارى أوجب على التجار ، تنظيما لحساباتهم وتيسيراً عليهم فى الإثبات ، أن يمسكوا دفاتر معينة كانت ، بحسب المواد 11 - 13 من التقنين التجارى التى ألغاها القانون رقم 388 لسنة 1953 ، ما يأتى ( [414] ) :

( 1 ) دفتر اليومية : ( Livre - Journal ) : كانت المادة 11 من التقنين التجارى تنص على أنه " يجب على كل تاجر أن يكون له دفتر يومية يشتمل على بيان ما له وما عليه من الديون يوماً فيوماً ، وعلى بيان أعمال تجارته ، وبيان ما اشتراه أو باعه أو قبله أو أحاله من الأوراق التجارية ، وعلى بيان جميع ما قبضه وما دفعه . ويكون مشتملا أيضاً على المبالغ المنصرفة على منزله شهراً فشهراً إجمالا بغير بيان لمفرداتها " .

ونرى من ذلك أن دفتر اليومية هذا يدون فيه التاجر كل العمليات التى يجريها فى يومه ، دون تمييز بين ما هو متعلق بتجارته وما هو غير متعلق بها ، حتى الهبات والصدقات والتبرعات ، وحق المبالغ المنصرفة على منزلة وإن كان يذكرها إجمالا شهراً فشهراً . ولكن أهم ما يدون فى دفتر اليومية هو ما يتعلق $ 270 $ بأعمال التجارة ، فيدون التاجر ، يوماً فيوماً ، ما اشتراه أو باعه ، وما قبضه أو دفعه ، وما استجده من حقوق أو استحدثه من ديون ، وما قبله من الأوراق التجارية أو أحاله منها ، وكل بيان بأى عمل تجارى آخر أجراه .

( 2 ) دفتر المراسلات ( Livre - copie des lettres ) : وكانت المادة 12 من التقنين التجارى تنص على أنه " يجب على التاجر أن يقيد فى دفتر مخصوص صور ما يرسله من الخطابات المتعلقة بالأشغال ، وأن يجمع ما يرد إليه منها فى كل شهر ويضعه فى ملف على حدته " .

والأمر هنا مقصور على المراسلات المتعلقة بأعمال التجارة؛ دون المراسلات المتعلقة بالشؤون الخاصة . فيقيد التاجر فى دفتر المراسلات صور جميع المراسلات التى أصدرها متعلقة بعمله التجارى ، سواء كانت خطابات أو برقيات أو قوائم ( Factures ) أو تذاكر نقل ( lettres de voiture ) أو تذاكر شحن ( Connais – sements ) أو غير ذلك . ويحتفظ بما يتلقاه من مراسلات ، أى بالأصول ذاتها ، جامعاً ما يرد إليه منها كل شهر فى ملف على حدة ( en liasse ) . وهذه المراسلات –ما أصدره وما تلقاه - قد تكون مصدراً لإثبات كثير من العقود والأعمال التجارية .

( 3 ) دفتر الجرد ( livre des inventaires ) : وكانت المادة 13 من التقنين التجارى تنص على أنه " يجب على كل تاجر أن يجرد كل سنة أمواله المنقولة والثابتة ، ويحصر ما له وما عليه من الديون ، ويقيد صورة قائمة الجرد المذكور فى دفتر بعد ذلك زيادة على الدفترين المذكورين فى المادتين السابقتين " .

فالجرد إذن هو حصر سنوى لأموال التاجر المنقولة والثابتة ، وكذلك حصر سنوى لما للتاجر وما عليه من الديون . وتقيد صورة من قائمة هذا الجدر فى دفتر الجرد( [415] ) .

 $ 271 $

وكانت المادة 14 من التقنين التجارى تنص على أنه " يجب أن تكون هذه الدفاتر خالية م كل فراغ أو بياض أو كتابة فى الحواشى ، عدا ما يترك من البياض فى الدفتر الذى تقيد فيه صور الخطابات بطريق الطبع . ويلزم قبل بدء الكتابة فى اليومية ودفتر الجرد أن تنمر كل صحيفة منهما ، وتوضع على كل ورقة بدون مصاريف علامة المأمور الذى تعينه المحكمة الابتدائية لذلك ، وفى آخر كل سنة يضع هذه المأمور أيضاً فى الدفترين المذكورين وفى دفتر صور الخطابات التأشير اللازم بحضور التاجر الذى يقدمها ، بدون أن يجوز للمأمور المذكور بأى وسيلة كانت الإطلاع على مضمون الدفاتر المقدمة له ولا حجزها عنده " . وقد قصد بتنمير الصفحات منع التاجر من إعدام بعض هذه الصفحات ، ومن وضع علامة ( Paraphe ) المأمور –ويكون غالباً رئيس قلم الكتاب بالمحكمة - عليها منع التاجر من تحشير صفحات جدد إلا إذا زور علامة المأمور فيعاقب على جريمة التزوير ، ومن وضع التأشير فى نهاية الدفتر منع التاجر من إضافة صفحات جديدة إلا إذا عرض نفسه هنا أيضاً لعقوبة التزوير . وتنص المادة 15 من التقنين التجارى على أن " الدفاتر التى يجب على من يشغل بالتجارة اتخاذها لا تكون حجة أمام المحاكم ما لم تكن مستوفية للإجراءات السالف ذكرها " . فإذا استوفت الدفاتر التجارية هذه الإجراءات ، كانت منتظمة ، وكان لها من الحجية ما سنذكره فيما يلى . على أن الدفاتر غير المنتظمة ، وهى التى لم تستوف هذه الإجراءات كلها أو بعضها ، لا يزال لها بعض الحجية كما سنرى .

هذا وقد ألغى المشرع المصرى ، بمقتضى القانون رقم 388 لسنة 1953 المنشور فى الوقائع المصرية ( العدد 64 مكرر الصادر فى 6 أغسطس سنة 1953 ) ، المواد 11 - 14 من التقنين التجارى وهى المواد التى تقدم ذكرها ، واستبدال بها نصوصاً جديدة تنظم دفاتر التجار تنظيما أدق وأكثر مسايرة للنظم الحديثة فى إدارة الأعمال . وقد أصبح بموجب هذا القانون الجديد واجباً على التاجر أن يمسك من الدفاتر التجارية العدد الذى تستلزمه طبيعة تجارته وأهميتها ، بحيث $ 272 $ لا يقل عدد هذه الدفاتر عن اثنين : ( 1 ) دفتر اليومية الأصلى وتقيد فيه جميع العمليات المالية التى يقوم بها التاجر وكذلك مسحوباته الشخصية . ويتم هذا القيد يوماً فيوماً . ويجوز استعمال دفاتر يومية مساعدة ، ويكتفى فى هذه الحالة بتقييد إجمالى للعمليات فى دفتر اليومية الأصلى فى فترات منتظمة من واقع هذه الدفاتر . ( 2 ) دفتر الجرد : وتقيد فيه تفاصيل البضاعة الموجودة فى آخر السنة المالية ، أو بيان إجمالى عنها إذا كانت التفاصيل واردة بدفاتر وقوائم مستقلة . وعند ذلك تعتبر هذه الدفاتر والقوائم جزءاً متمما للدفتر المذكور . ويحتفظ التاجر بصور من المراسلات والبرقيات التى يصدرها وبأصول ما يرد إليه منها ، ويقوم هذا مقام دفتر المراسلات . وقد استبقى قانون سنة 1953 تنمير الصفحات وتوقيع الموثق الواقع فى دائرة اختصاصه المحل التجارى ( بدلا من رئيس قلم كتاب المحكمة ) على كل ورقة( [416] ) .

 $ 273 $

فالقانون التجارى إذن ألزم التجار اتخاذ دفاتر منتظمة يسجلون فيها ما لهم من الحقوق وما عليهم من الديون ، ويقيدون جميع ما يرتبط بأعمالهم التجارية . وقد جعل لعدم انتظام هذه الدفاتر جزائين : جزاء مدنياً هو سلب هذه الدفاتر من كثير من قوتها فى الإثبات ، وجزاء جنائياً إذا أفلس التاجر ودفاتره غير منتظمة( [417] ) .

139 - تقديم دفاتر التجار والإطلاع عليها : ولما كان من أهم أغراض دفاتر التجار هو أن تكون أدلة للإثبات ، فقد نص التقنين التجارى على وسيلتين لتحقيق هذا الغرض : أولاهما تقديم هذه الدفاتر ( Representation ) والأخرى الإطلاع عليها ( Communication )( [418] ) .

أما التقديم ، فقد نصت عليه المادة 18 من التقنين التجارى على الوجه الآتى : " يجوز للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها فى أثناء الخصومة بتقديم الدفاتر لتستخرج منها ما يتعلق بهذه الخصومة " . وهذه الوسيلة جائزة فى جميع المنازعات التجارية والمدنية ، سواء كان الخصم الآخر تاجراً أو غير تاجر ، لإطلاق النص . $ 274 $ وللمحكمة أن تلجأ إليها من تلقاء نفسها دون طلب من الخصوم . والغرض منها محدود : هو أن تطلع المحكمة –دون الخصوم - على دفاتر التاجر ، لا فى جميع أجزائها ، بل فى الجزء الذى وردت فيه البيانات المتعلقة بالخصومة . وقد تطلع المحكمة على هذا الجزء بنفسها ، أو بواسطة خبير تندبه لذلك وهو الغالب . ويقع إطلاع المحكمة أو الخبير على الدفتر بحضور التاجر صاحبه وتحت رقابته . ويجوز للمحكمة ، إذا كانت الدفاتر التى أمرت بتقديمها فى مكان بعيد ، أن تطلب من أقرب محكمة القيام بهذه المهمة ( Commission Rogatoire ) فتقوم بها وتحرر تقريراً بذلك ترسله إلى المحكمة الأولى ( [419] ) .

وأما الإطلاع ، فقد نصت عليه المادة 16 من التقنين التجارى على الوجه الآتى : " لا يجوز للمحكمة ، فى غير المنازعات التجارية ، أن تأمر بالإطلاع على الدفترين المتقدم ذكرهما ( اليومية والمراسلات ) ولا على دفتر الجرد إلا فى مواد الأموال المشاعة أو مواد التركات وقسمة الشركات وفى حالة الإفلاس . وفى هذه الأحوال يجوز للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها بالإطلاع على تلك الدفاتر " . والإطلاع أوسع مدى من التقديم ، وأشد خطراً . فيستطيع هذا أن يطلع على جميع محتوياتها بما قد تشتمل عليه من أسرار . ولكنه أضيق نطاقاً : فإنه إذا جاز للمحكمة أن تأمر بالإطلاع من تلقاء نفسها دون طلب من الخصم وهذه هى الحال فى التقديم ، فإنها لا تأمر بذلك إلا فى المنازعات التجارية وفى بعض المنازعات المدنية . وينتقد فقهاء القانون التجارى إطلاق حرية المحكمة فى الأمر بالإطلاع فى جميع المنازعات التجارية ، لأن فى الإطلاع إفشاء لسر التاجر ، وكان الواجب فى نظرهم أن يلتزم المشرع المصرى نص المادة 14 من التقنين المدنى الفرنسى وهى لا تجيز الإطلاع إلا فى مواد التركات والذمم المشتركة الناشئة عن الزواج بمقتضى نظام اختلاط الأموال وقسمة الشركات والإفلاس( [420] ) . ولكن لا مناص من احترام النص الصريح ، وأجازه الأمر بالإطلاع : ( أولا ) فى جميع المنازعات التجارية . ( ثانياً ) فى بعض المنازعات $ 275 $ المدنية ، وهذه هى :

( 1 ) مواد الأموال المشاعة : والنص الفرنسى لهذه العبارة هو : Communaute أى نظام اختلاط الأموال ، وليس الشيوع ( indivision ) . فإذا نزوج . فإذا نزوج التاجر على مقتضى نظام اختلاط الأموال ( regime de communaute ) ، ودخل متجره فى الذمة المشتركة ، ثم انحلت رابطة الزوجية ووجبت تصفية هذه الذمة ، جاز للمحكمة أن تأمر بإطلاع الخصم –الزوجة أو ورثتها أو الزوج أو ورثته - على الدفاتر التجارية ليقرر نصيبه من الذمة المشتركة( [421] ) .

( 2 ) مواد التركات : فإذا توفى التاجر وقام نزاع بين ورثته – على تقسيم التركة ، جاز للمحكمة إلزام الورثة الذين يحوزون دفاتر مورثهم التجارية بإطلاع بقية الورثة عليها ، حتى يستطيع كل منهم أن يقدر نصيبه من التركة . وهذا الحق مقصور على الورثة والموصى لهم بحصة من التركة ، دون الموصى له بعين معينة أو الأجنبى .

( 3 ) قسمة الشركات : فإذا انحلت الشركة ، جاز للمحكمة أن تأمر بإطلاع كل شريك على الدفاتر التجارية للشركة ليتبين مقدار نصيبه . وهذا الحق مقصور على الشركاء ، فلا يشمل دائنى الشركة . وقد نصت المادة 519 من التقنين المدنى الجديد ، بالنسبة إلى الشركاء المدنية ، على أن " الشركاء غير المديرين ممنوعون من الإدارة ، ولكن يجوز لهم أن يطلعوا بأنفسهم على دفاتر الشركة ومستنداتها ، وكل اتفاق على غير ذلك باطل " . ويسرى هذا النص على الشركاء المتضامنين والشركاء موصين فى شركات التوصية البسيطة والشركات عموماً فى شركات المحاصة ، أما الشركاء المساهمون سواء فى شركات المساهمة أو شركات التوصية بالأسهم فلا يجوز لهم طلب الإطلاع على دفاتر الشركة لكثرة عددهم ولتفادى تعطيل أعمال الشركة أو ذيوع أسرارها ، ومع ذلك يجوز للمحكمة استثناء أن تأمر بإطلاع الشريك المساهم على دفاتر الشركة متى كانت له مصلحة جدية فى هذا الإطلاع ( [422] ) . ونصت المادة 691 من التقنين المدنى الجديد على أنه " 1 . إذا نص العقد على أن يكون للعامل فوق الأجر المتفق عليه أو بدلا منه حق فى جزء من أرباح رب العمل ، أو فى نسبة مئوية من جملة الإيراد أو من مقدار الإنتاج أو من قيمة ما يتحقق من وفر أو ما شاكل ذلك ، وجب على رب العمل أن يقدم إلى العامل بعد كل $ 276 $ جرد بياناً بما يستحقه من ذلك . 2 - ويجب على رب العمل فوق هذا أن يقدم إلى العامل ، أو إلى شخص موثوق به يعينه ذوو الشأن أو يعينه القاضى ، المعلومات الضرورية للتحقق من صحة هذا البيان ، وأن يأذن له فى ذلك بالإطلاع على دفاترة " . ومن ذلك نرى أن حق إطلاع الشركاء على دفاتر الشركة ثابت لهم فى أحوال ثلاثة : إذا انحلت الشركة ، أو وهى قائمة للشركاء غير المديرين ، أو عند اشتراط أن يكون للعامل جزء من الأرباح أو الإيراد أو مقدار الإنتاج أو نحو ذلك . 4 - حالة الإفلاس . فللسنديك الحق فى الإطلاع على دفاتر المفلس حتى يتمكن من تأدية مهمته . ولا يجوز للدائن ، بصفته الفردية ، أن يطلب هذا الإطلاع ، إلا إذا عين مراقباً – هذا ويمكن الآن إضافة حالة خامسة ، إذ يجوز لمصلحة الضرائب الإطلاع على دفاتر الممولين لتقدير الضريبة على الأرباح التجارية والصناعية ( قانون رقم 14 لسنة 1939 )( [423] ) .

وإذا أمرت المحكمة بتقديم أو بالإطلاع عليها ، وامتنع الخصم من تنفيذ أمر المحكمة ، فإن المادة 257 من تقنين المرافعات الجديد تجيز للمحكمة أن تستخلص من هذا الامتناع معنى الاعتراف بالدين . وكذلك يجوز للمحكمة أن تجبر الخصم على التنفيذ بطريق التهديد المالى ( Astreintes )( [424] ) .

المطلب الثانى

قوة الدفاتر التجارية فى الإثبات

140 - حجية الدفاتر التجارية : لدفاتر التجار حجية فى الإثبات حددها $ 277 $ القانون . وتتلخص هذه الحجية فى مسألتين :

( 1 ) دفتر التاجر حجة عليه .

( 2 ) وقد يكون حجة له .

141 - دفتر التاجر حجة عليه : رأينا أن الفقرة الثانية من المادة 397 من التقنين المدنى تقضى بأن " تكون دفاتر التجار حجة على هؤلاء التجار ، ولكن إذا كانت هذه الدفاتر منتظمة فلا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلا لنفسه أن يجزئ ما ورد فيها ويستبعد منه ما كان مناقضاً لدعواه " .

فالقاعدة الجوهرية فى هذه المسألة إذن أن دفتر التاجر حجة عليه . ذلك أن هذا الدفتر هو بمثابة إقرار منه مكتوب . والتاجر إما أن يكون قد كتبه بخطه أو بإملائه ، أو فى القليل كتب الدفتر بإشرافه وتحت رقابته ، فهو صادر منه على كل حال . ونم ثم يكون هذا الدفتر حجة عليه ، سواء كان خصمه تاجراً فى نزاع تجارى أن يرد فى دفتر يومية التاجر أو فى دفتر المراسلات بيان بأن تاجر جملة ورد له مقداراً معيناً من البضاعة بسعر معين ، فهذا البيان حجة على التاجر صاحب الدفتر لمصلحة تاجر الجملة ، وسنرى أن دفتر تاجر الجملة فى مثل هذا النزاع قد يضاهى هو أيضاً على دفتر التاجر الأول . ومثل أن يكون الخصم تاجراً فى نزاع مدنى أن يرد فى دفتر اليومية مثلا بيان عن صفقة عقدها التاجر مع تاجر مثله وقبل فيها شراء عقار بثمن معين ، فهذا البيان يكون حجة على التاجر المشترى لمصلحة التاجر البائع ، والنزاع هنا مدنى لأن يتعلق بشراء عقار فى غير عمل تجارى . ومثل أن يكون الخصم غير تاجر أن يرد فى دفتر يومية التاجر مثلا بيان بتوريد سلعة بثمن معين إلى عميل له غير تاجر ، فهذا البيان حجة على التاجر ، وليس حجة على العميل إلا إذا توافرت شروط معينة سيأتى ذكرها فيما يلى .

على أننا إذ نقرر أن دفتر التاجر حجة عليه على النحو الذى قدمناه ينبغى ألا نغفل أن فى هذا خروجاً على القواعد العامة فى الإثبات من ناحيتين :

( 1 ) أن دفتر التاجر ورقة عرفية غير موقعة من التاجر ، بل يغلب ألا تكون مكتوبة بخطه ، وقد يقع فيه من الأخطاء ما لا قبل للتجار بملافاته .

( 2 ) أن هذا $ 278 $ الدفتر هو فى حوزة التاجر ، ويلزمه القانون كما رأينا أن يقدمه ليستخلص منه دليل ضده ، فهو إذن يجبر على أن يقدم دليلا على نفسه . من أجل هذا روعى هذا الدليل أمران :

( الأمر الأول ) أنه جوازى للقاضى ، فله أن يأخذ به وله أن يطرحه . والمادة 17 من التقنين التجارى ، وسيرد ذكرها ، صريحة فى معنى الجواز( [425] ) . والقاضى يأخذ بهذا الدليل إذا وقع فى نفسه أنه ارتفع عن الشبهات ، كأن تكون الدفاتر منتظمة ، وأن يكون الدفتر الذى ورد فيه الدليل من الدفاتر الإلزامية التى تمكن مضاهاتها بنظائرها عند التاجر الآخر ، وأن يلمس القاضى العناية والدقة فى إمساك الدفتر ، بل قد يكون البيان مكتوباً بخط التاجر نفسه . على أنه يجب ألا يفهم من ذلك أن الدفتر إذا كان اختيارياً ( [426] ) ولم يكن مكتوباً بخط التاجر لا يستخلص القاضى منه دليلا ضده ، فإن هذا جائز ، وتقدير الأمر مرده إلى القاضى نفسه ومبلغ اقتناعه بقوة الدليل . بل إن الدفاتر قد لا تكون منتظمة ، وبالرغم من أن المادة 15 من التقنين التجارى تقضى بأن الدفاتر لا تكون حجة أمام المحاكم ما لم تكن مستوفية للإجراءات ( [427] ) ، فإن القاضى قد يقتنع بالبيان الوارد فى الدفتر لأنه لا يشعر بأى افتعال بل يبعث على الاطمئنان ، فيأخذ بهذا الدليل( [428] ) .

 $ 279 $

وكل ما يترتب على عدم انتظام الدفتر قانوناً هو أن القاضى يستطيع أن يجزئ الدليل . فإذا كان قد ورد فى دفتر غير منتظم أن التاجر استورد بضاعة معينة وقد دفع ثمنها ، فهذا البيان دليل ضده على أنه استورد البضاعة ، ولكن يجوز لمن ورد البضاعة أن يستبعد من هذا الدليل ما يتعلق بدفع الثمن ، فيكون بذلك قد أثبت من الدفتر نفسه أن البضاعة وردت ، وعلى التاجر صاحب الدفتر أن يثبت أن الثمن قد دفع . أما لو كان الدفتر منتظما ، فقد قضت المادة 397 من التقنين المدنى بأنه لا يجوز لمن يريد أن يستخلص منه دليلا لنفسه أن يجزئ ما ورد فيه ويستبعد ما كان مناقضاً لدعواه . ففى المثل المتقدم ، فى حالة انتظام الدفتر ، يجب على من ورد البضاعة أن يأخذ البيان الوارد فى الدفتر كاملا ، فيكون هذا البيان دليلا على توريد البضاعة وعلى دفع الثمن فى وقت واحد . فإن أنكر مورد البضاعة أنه قبض الثمن ، فعليه هو –لا على التاجر صاحب الدفتر المنتظم - أن يثبت ذلك( [429] ) .

( والأمر الثانى ) أن القاضى إذا رأى أن يأخذ بالدليل المستخلص من الدفتر ، فإن لصاحب الدفتر ، ولو كان دفتره منتظما ، أن يثبت عكس ما ورد فيه ، وذلك بجميع الطرق حتى بالبينة أو بالقرائن . ولا يعترض على هذا الحكم بأنه لا يجوز إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة ، فإن الوارد بالدفتر ليس دليلا كاملا لأنه ورقة عرفية غير موقعة كما قدمنا ، وإنما هو قرينة قابلة لإثبات العكس ، هذا إلى أنه إذا كان النزاع تجارياً فإن جميع طرق الإثبات جائزة فيه( [430] ) .

 $ 280 $

142 - قد يكون دفتر التاجر حجة له : الأصل أن الشخص لا يجوز له أن يصطنع دليلا لنفسه ، حتى لو كان تاجراً ، وحتى لو كنت دفاتره منتظمة . فكل ما ورد فى دفتر التاجر ، كقاعدة عامة ، لا يصلح أن يكون دليلا له لأنه صادر منه . بل هو لا يكون مبدأ ثبوت بالكتابة لأنه غير صادر من خصمه . وإنما يكون دليلا ضده هو على النحو الذى قدمناه . ومع ذلك فقد أباح القانون أن يكون دفتر التاجر حجة له استثناء فى حالتين اثنتين :

( الحالة الأولى ) فى الدعاوى التجارية ما بين تاجر وتاجر ( [431] ) . وقد رأينا أن فى هذه الدعاوى يكون دفتر التاجر حجة عليه ، لا فيها فحسب بل وفى الدعاوى التجارية ما بين تاجر وغير تاجر وفى الدعاوى المدنية إطلاقاً . فإذا وقفنا من هذه الأنواع الثلاثة عند الدعاوى التجارية ما بين تاجر وتاجر ، وقررنا أن دفتر التاجر يكون حجة عليه ، وجب أن نستكمل الحكم فنقرر أن دفتر التاجر –فى الدعاوى التجارية ما بين تاجر وتاجر - كما يكون حجة عليه قد يكون حجة له . وتنص المادة 17 من التقنين التجارى فى هذا الصدد على ما يأتى : " ويجوز للقضاة قبول الدفاتر التجارية لأجل الإثبات فى دعاوى التجار المتعلقة بمواد تجارية إذا كانت تلك الدفاتر مستوفية للشروط المقررة قانوناً " . ففى المثل الذى قدمناه إذا ورد فى دفتر يومية التاجر أو فى دفتر المراسلات مثلا بيان بأن تاجر جملة ورد له مقداراً معيناً من البضاعة بسعر معين ، فهذا البيان كما قدمنا حجة على التاجر صاحب الدفتر لو كان هو الذى ينكر وقوع الصفقة أو لا يسلم بكمية البضاعة أو بمقدار الثمن . وقد يكون هذا البيان نفسه حجة له على تاجر الجملة لو أن هذا التاجر الأخير هو الذى ينكر شيئاً من ذلك . والأخذ بهذا الدليل على هذا النحو متروك لتقدير القاضى ، فإن النص لا يوجب الأخذ به بل يقول : " يجوز للقضاة قبول الدفاتر التجارية " .

ومما ييسر على القاضى الأخذ بهذا الدليل حجة للتاجر أن الدعوى تجارية $ 281 $ ما بين تاجر وتاجر ، فعند تاجر الجملة هو أيضاً دفاتر تجارية ورد فيها البيان الوارد فى دفاتر التاجر الأول . فما على القاضى إلا أن يضاهى ما بين الدفاتر . فإن تطابقت اطمأن إلى هذا التطابق فى الأخذ بالدليل . وإن لم تتطابق ، فإن كانت دفاتر أحد التاجرين منتظمة رجح أن يأخذ القاضى بها . ومع ذلك قد يأخذ بالدفاتر غير المنتظمة فى هذا البيان بالذات ، ويرجحها على الدفاتر المنتظمة . وإن كانت دفاتر كل من التاجرين منتظمة أو غير منتظمة ، كان القاضى حراً فى أن يأخذ بدفاتر هذا أو بدفاتر ذاك ، وقد لا يأخذ بهذه ولا بتلك ، ويتلمس الدليل من طريق آخر ( [432] ) .

ويلاحظ فيما قدمناه أمران :

( 1 ) أن القاضى قد يأخذ بدفتر غير منتظم لتاجر حجة له ، مع أن المادة 17 من التقنين التجارى تشترط لجواز قبول الدفاتر للإثبات أن تكون منتظمة . وقد قدمنا أن هذا الشرط لم يراع عند ما أخذ القاضى بالدفتر غير المنتظم حجة على التاجر ، فلا يراعى هنا أيضاً عند أخذه بالدفتر غير المنتظم حجة للتاجر متى رأى أن البيان يبعث على الاطمئنان ولا يشعر بأى افتعال ، فإن كل هذه البيانات ليست إلا قرائن بسيطة لا تقيد القاضى فى الأخذ بها .

( 2 ) ولما كانت البيانات قرائن بسيطة ، فإنه يجوز دائماً ، عند أخذ بيان فى دفتر تاجر حجة له ، أن يثبت خصمه عكس هذا البيان بجميع الطرق ، حتى بالبينة والقرائن لما قدمناه من الاعتبارات .

( الحالة الثانية ) فى دعوى التاجر على غير التاجر بالنسبة إلى البيانات الواردة فى دفتر التاجر عما ورده لغير التاجر . وقد رأينا أن الفقرة الأولى من المادة 397 تقول فى هذا الصدد ما يأتى : " دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار ، غير أن البيانات المثبتة فيما عما ورده التجار تصلح أساساً يجيز للقاضى أن يوجه اليمين المتممة إلى أى من الطرفين وذلك فيما يجوز إثباته بالبينة " .

 $ 282 $

فالأصل إذن ألا يكون دفتر التاجر حجة له ، لا على التاجر ، ولا على غير التاجر من باب أولى ( [433] ) . على أنه كما جاز استثناء أن يكون دفتر التاجر حجة له على التاجر فيما قدمناه ، يجوز كذلك استثناء أن يكون دفتر التاجر حجة له على غير التاجر ولكن بشروط أشد ، إذ يجب توافر الشروط الآتية :

( 1 ) أن يكون محل الالتزام سلعة وردها التاجر لعميله غير التاجر ، كالخباز يورد الخبز " والبقال " يورد " خزين " المنزل ( [434] ) .

( 2 ) أن يكون الالتزام مما يجوز إثباته بالبينة بالنسبة إلى العميل غير التاجر ، أى لا تجاوز قيمته عشرة جنيهات . وهذا الشرط أضافته لجنة المراجعة ، فقد كان المشروع التمهيدى لا يشتمل عليه محتذياً فى ذلك التقنين الفرنسى ( م 1329 ) . وقانون البينات السورى ( م 14 ) لا يشتمل هو أيضاً على هذا الشرط .

( 3 ) أن يكمل الدليل باليمين المتممة يوجهها القاضى إلى التاجر الذى يحتج بدفتره ، فلا تجوز التكملة هنا بالبينة أو بالقرائن ( [435] ) .

فإذا توافرت هذه الشروط ، فإنه يبقى بعد ذلك أمران :

( 1 ) أن الأخذ بهذا الدليل جوازى للقاضى ، فله أن يأخذ به أو لا يأخذ ، كما هى الحال فى سائر الأدلة التى تستخلص من دفاتر التجار . وهو لا يأخذ به غالباً إذا كان الدفتر غير منتظم .

( 2 ) أن للقاضى أن يسمح لغير التاجر بنقض الدليل المستخلص ضده من دفتر التاجر ، ويكفى فى هذا النقض البينة أو القرائن . بل إن للقاضى بأن يستنبط من القرائن فى نقض هذا الدليل ما يكتفى معه بتوجيه اليمين المتممة $ 283 $ إلى غير التاجر لا إلى التاجر ، لتفنيد الدليل لا لتأييده ( [436] ) .

ويلاحظ أن هذا الحكم وحده –دون سائر الأحكام التى قدمناها - هو الذى استحدثه التقنين المدنى الجديد ، نقلا عن التقنين المدنى الفرنسى ( [437] ) .

المبحث الثالث

الدفاتر والأوراق المنزلية

143 - النصوص القانونية : تنص المادة 398 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " لا تكون الدفاتر والأوراق المنزلية حجة على من صدرت منه إلا فى الحالتين الآتيتين " :

 " أ - إذا ذكر فيها صراحة أنه استوفى ديناً " .

 " ب - إذا ذكر صراحة أنه قصد بما دونه فى هذه الأوراق أن تقوم مقام $ 284 $ السند لن أثبتت حقاً لمصلحته ( [438] ) " . ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق .

ويقابل النص فى التقنين المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادة 18 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 459 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى المادة 169 ، وفى التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة المادة 385( [439] ) . ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادة 1331( [440] ) .

 $ 285 $

ويتبين من هذه النصوص أن الدفاتر والأوراق المنزلية لا تكون بوجه عام حجة لصاحبها . ولكنها قد تكون حجة عليه . فعندنا مسائل ثلاث :

( 1 ) ما هى الدفاتر والأوراق المنزلية .

( 2 ) الدفاتر والأوراق المنزلية لا تكون حجة لصاحبها .

( 3 ) الدفاتر والأوراق المنزلية قد تكون حجة على صاحبها .

144 - ما هى الدفاتر والأوراق المنزلية : الدفاتر والأوراق المنزلية تشمل ما ألف الناس تدوينه فى مذكرات خاصة عن شؤونهم المالية و المنزلية : ما قبضوه أو دفعوه من مال ، وما أنفقوا على معيشتهم ، وما قاموا به من ضروب التعامل ، وما ارتبطوا به من التزامات ، وما لهم من حقوق عند غيرهم وما عليهم من ديون ، وما ينوون القيام به من أعمال ومشروعات .

وليس لهذه الدفاتر والأوراق المنزلية شكل خاص أو أغراض معينة أو أسماء معروفة كما رأينا ذلك فى دفاتر التجار . ولا يلتزم أحد بتدوين هذه الدفاتر والأوراق أو بحفظها كما يلتزم التجار بإمساك الدفاتر التجارية على النحو الذى بيناه .

فتارة تكون الأوراق المنزلية دفاتر كاملة منظمة كدفاتر الحساب ، وهذه تبعث عادة على الاطمئنان عند تقدير قوتها فى الإثبات . وطوراً تكون فى صورة " أجندات " ويوميات . وأخرى تكون فى صورة مذكرات بعضها يكتب فى دفاتر وبعضها فى أوراق منثورة . وهذه الدفاتر والأوراق قد تكون موقعة من صاحبها ، والغالب ألا تكون موقعة . والأصل أن صاحبها يكتبها بخطه ، ولكن قد يعهد فى كتبابتها إلى أمين سر خاص أو إلى كاتب فى خدمته . وقد تكتب بالمداد أو بالرصاص أو بالآلة الكاتبة . والبارز فى شأنها أنها دفاتر وأوراق خاصة كتبها صاحبها ، دون أن يتقيد بشكل معين ، محتفظاً بها للرجوع إليها عند الاقتضاء( [441] ) .

 $ 286 $

145 - الدفاتر والأوراق المنزلية لا تكون حجة لصاحبها : والأصل أن أحداً لا يستطيع أن يصطنع دليلا لنفسه . ونم ثم لا تكون هذه الدفاتر والأوراق المنزلية حجة لصاحبها ، إذ هى صادرة منه . بل هى لا تكون مبدأ ثبوت بالكتابة لمصلحته ، لأنها غير صادرة من خصمه . فإذا قدم الدائن دليلا على حقه دفتراً منزلياً أثبت فيه هذا الحق ، أو قدم المدين دليلا على براءة ذمته من الدين ورقة منزلية أثبت فيها أنه وفى به ، فلا يجوز أن يؤخذ هذا دليلا لا على وجود الحق ولا على براءة الذمة ، بل لا يجوز اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة كما قدمنا ( [442] ) . ويترتب على ذلك أن المدين إذا دفع بتقادم الدين ، فلا يجوز لدائنه أن يتمسك بانقطاع التقادم بحجة أنه أثبت فى أوراقه المنزلية أن المدين كان يقوم بدفع أقساط الدين أو بدفع فوائده مما يعد اعترافاً بالدين قاطعاً للتقادم ( [443] ) .

على أنه قد يقع أن يكون ما دون فى الأوراق المنزلية قرينة قضائية على صحة ادعاء الدائن ، كما لو كان طبيباً واعتاد أن يدون فى مذكراته الخاصة على نحو منظم ما يقوم به نم زيارات للمرضى ، ولو فيما يجاوز نصاب البينة لقيام المانع الأدبى . ولا تعدو القرينة هنا أن تكون قيمة قضائية يؤخذ بها أو لا يؤخذ ، وهى على كل حال قابلة لإثبات العكس ( [444] ) . ثم إنه يجوز أن يقبل الخصم الاحتكام $ 287 $ برضاه إلى ما دون فى مذكرات خصمه وأوراقه المنزلية ، فإذا كانت هذه المذكرات والأوراق قد دونت بقدر كاف من العناية والدقة جاز أن تكون دليلا لصاحبها( [445] ) .

وليس فى كل ما قدمناه إلا تطبيق للقواعد العامة لا حاجة فيه إلى نص . ولم يشتمل التقنين القديم ولا التقنين الجديد ( [446] ) على نص فى ذلك . فالأحكام فى هذه المسألة واحدة فى ظل التقنيين .

146 - الدفاتر والأوراق المنزلية قد تكون حجة على صاحبها : أما أن تكون الدفاتر والأوراق المنزلية حجة على صاحبها ، فهذا جائز من ناحيتين : ناحية تطبيق القواعد العامة وناحية وجود نص خاص يقضى بذلك .

ولكن قد نتساءل –قبل الدخول فى هذه التفصيلات - كيف يتأتى أن يبرز الشخص دفاتر وأوراقاً منزلية تكون حجة عليه ، وهو لا يجبر أن يقدم دليلا على نفسه؟ يحدث ذلك ، بحكم القانون ، فى الحالات التى يجوز فيها للخصم إلزام خصمه بتقديم أية ورقة منتجة فى الدعوى تكون تحت يده . ويتحقق هذا فى حالة ما إذا كانت الأوراق المنزلية مشتركة بين الخصمين كما هو الأمر فى التركات والشركات ، وفى حالة ما إذا كان الخصم قد استند إليها فى أية مرحلة $ 288 $ من مراحل الدعوى ( م 253 من تقنين المرافعات ) . ويحدث ذلك أيضاً ، بحكم الواقع ، فى محضر حصر التركة ، إذ يدون فى المحضر عادة ما ورد من بيانات فى دفاتر المورث وأوراقه المنزلية عما له من حقوق وما عليه من ديون وعن بعض التفصيلات التى تتعلق بتركته . وفى غير ذلك لا يجوز إلزام الشخص بتقديم دفاتره وأوراقه المنزلية أو الأمر بالإطلاع عليها ، كما جاز فى دفاتر التجار على ما رأينا ( [447] ) .

فإذا تقدمت الأوراق المنزلية إلى القضاء عن طريق من الطرق المتقدمة ، فإن القواعد العامة تقضى بأن ما ورد فيها من البيانات قد يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة ضد صاحبها إن كانت قد كتبت بخطه . وقد يعتبرها القضاء دليلا كاملا إذا كانت تحمل توقيع صاحبها وكانت لا تدع مجالا للتشكك فى صحتها . فالأمر متروك لتقدير القضاء ، إذ قد لا يطمئن القاضى إلى حجية ورقة منزلية لم تعد للإثبات وقد وقعها صاحبها على عجل أو عن خطأ أو قبل أن يتم الأمر الذى ورد البيان فى شأنه ( [448] ) . وفى كل هذا لا فرق ما بين التقنين الجديد والقديم ( [449] ) .

ولكن التقنين الجديد استحدث –فوق ما تقدم ذكره - نصاً يقضى بأن الدفاتر والأوراق المنزلية تكون حجة على من صدرت منه فى حالتين :

( 1 ) إذا ذكر فيها صراحة أنه استوفى دينا .

( 2 ) وإذا ذكر صراحة أنه قصد بما دونه $ 289 $ فى هذه الأوراق أن تقوم مقام السند لمن أثبتت حقاً لمصلحته ( [450] ) .

والجديد فى هذا النص أنه ليس من الضرورى أن تكون الأوراق وفى هاتين الحالتين تحمل توقيع صاحبها ، وإلا جاز أن يكون ذلك دليلا كاملا بالتطبيق للقواعد العامة من غير حاجة إلى نص خاص . بل ليس من الضرورى أن تكون هذه الأوراق مكتوبة بخط صاحبها ، ويكفى أن تكون مكتوبة بخط أمين سره أو كاتب عنده أو مدير لأعماله ، بل قد تكون مكتوبة بخط المدين الذى كتب البيان لصالحه إذا كان قد فعل ذلك تحت بصر الدائن وبموافقته . وبالرغم من أن الأوراق غير موقعة ولا مكتوبة بخط صاحبها ، فهى تصلح مع ذلك أن تكون دليلا كاملا ضده باستيفاء الدين أو بالمديونية . وهذا هو وجه الاستثناء من القواعد العامة ، ومن ثم قامت الحاجة إلى نص خاص ينشئ هذا الحكم .

ولابد فى تطبيق هذه الاستثناء من أن يذكر صاحب الأوراق صراحة أنه استوفى الدين إذا كان دائناً ، أو أنه قصد أن يعترف بدين عليه لا يوجد به سند فى يد الدائن وأن تقوم الأوراق مقام هذا السند غير الموجود إذا كان مديناً . ولا يكفى أن يفهم ذلك ضمناً من البيان الذى يكتبه ولو كان موقعاً منه ( [451] ) . وإذا ذكر صراحة أنه استوفى الدين ، ثم محا ما كتبه أو شطبه بحيث أصبح غير مقروء ، فإن حجية البيان تزول . أما إذا بقى البيان المشطوب مقروءاً ، فإنه يستمر حافظا لحجيته . وهذا بخلاف البيان الذى يذكر فيه صاحبه صراحة أنه يعترف بدين عليه وقد قصد أن تقوم الأوراق مقام السند ، فإن محو هذا البيان أو شطبه يزيل حجيته ، سواء أصبح البيان غير مقروء أوب قى مقروءاً . والفرق بين الحالتين أن الاعتراف بالدين أمر ذو خطر ، فأى محو أو شطب يلحقه يكفى لإزالة حجيته حتى لو بقى مقروءاً بعد المحو أو الشطب ( [452] ) . وإذا كان البيان $ 290 $ المكتوب تتعارض أجزاؤه وينقض بعضها بعضاً ، كان على القاضى أن يفسره بما يزل هذا التعارض ( [453] ) . ولا تجوز تجزئة البيان والأخذ بجزء منه دون جزء ، فإذا جاء فى البيان أن الدائن قد استوفى الدين مقاصة فلا يجوز أن يتمسك المدين بأن الدين قد استوفى نقداً ، بل يجب أن يستبعد البيان بجملته ويتقدم لإثبات أنه وفى الدين نقداً( [454] ) .

على أن الحجية التى أضفاها القانون على البيان الوارد فى الأوراق المنزلية ليست مطلقة . بل يجوز لصاحب هذه الأوراق أن يثبت أن البيان الوارد فيها غير صحيح ، وأنه إنما كتب خطأ أو قبل أن يتم الأمر الذى ورد البيان فى شأنه أو نحو ذلك . ويجوز إثبات ذلك بجميع الطرق ، حتى بالبينة أو بالقرائن . ولا يقال هنا إنه لا يجوز إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة ، فإن البيان المكتوب ليس ورقة عرفية موقعة ولمي عرض مقدماً للإثبات ، فيجوز إثبات عكسه بغير الكتابة . وسنعود إلى هذه المسألة بتفصيل أوفى( [455] ) .

المبحث الرابع

التأشير ببراءة ذمة المدين

147 - النصوص القانونية : تنص المادة 399 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " 1 - التأشير على سند بما يستفاد منه براءة ذمة المدين حجة على الدائن $ 291 $ إلى أن يثبت العكس ، ولو لم يكن التأشير موقعاً منه ، ما دام السند لم يخرج قط من حيازته " .

 " 2 - وكذلك يكون الحكم إذا أثبت الدائن بخطه دون توقيع ما يستفاد منه براءة ذمة المدين فى نسخة أصلية أخرى للسند أو فى مخالصة ، وكانت النسخة أو المخالصة فى يد المدين " ( [456] ) .

ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق المادة 230 / 295( [457] ) .

 $ 292 $

ويقابل فى التقنين المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادة 19 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 460 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المادة 167 ، وفى التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة المادة 386( [458] ) – ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادة 1332( [459] ) .

 $ 293 $

148 - حالتان : ويستخلص من نص التقنين الجديد –وقد احتذى فيه نص التقنين المدنى الفرنسى - أن التأشير على سند بما يفسر براءة ذمة المدين ، دون توقيع من الدائن ، يكون قرينة على الوفاء . وهى بعد قرينة قابلة لإثبات العكس . والذى يقف بالدائن عادة عن التوقيع هو أن يكون الوفاء جزئياً . فيدفع المدين الفوائد أو قسطاً من الدين ، ومن ثم يكتفى الدائن بالتأشير بذلك إما فى سند الدين الذى بيده ، وإما فى نسخة أصلية أخرى للسند فى يد المدين ، وإما فى مخالصة يحتفظ بها المدين ليؤشر فيها الدائن تباعاً بما يقوم به المدين من دفعات متوالية( [460] ) . ولا يوقع الدائن هذا التأشير ببراءة ذمة المدين ( [461] ) انتظاراً $ 294 $ للوفاء ببقية الدين ، فإذا تم الوفاء بالدين كله أعطى المدين مخالصة نهائية ، أو سلمه سند الدين ( [462] ) . على أن هذا لا يمنع من أن يكون التأشير ببراءة ذمة المدين من الدين كله .

وقد رأينا أن نص التقنين الجديد يميز بين حالتين : ( 1 ) التأشير على سند فى يد الدائن . ( 2 ) التأشير على سند أو مخالصة فى يد المدين . فنبحث كلا منهما .

 $ 295 $

المطلب الأول

التأشير على سند فى يد الدائن

149 - شرطان : يشترطن حتى تتوافر الحجية للتأشير على سند فى يد الدائن ، شرطان : ( 1 ) أن يكون هناك تأشير ببراءة ذمة المدين على سند الدين . ( 2 ) أن يبقى السند دائماً فى حيازة الدائن .

150 - الشرط الأول – تأشيرة ببراءة ذمة المدين على سند الدين : يجب أن يكون التأشير مكتوباً فى سند الدين ذاته . فإذا كتب فى روق أخرى غير هذا السند ، فى صورة للسند أو فى ورقة مستقلة عنه ، لم تقم قرينة الوفاء . ذلك أن أصل السند هو الذى يحتج به الدائن ، ويطالب المدين بمقتضاه . فالتأشير ببراءة ذمة المدين فى هذا الأصل بالذات يمنع الدائن أن يبرز السند لمطالبة المدين به دون أن يكون التأشير ببراءة ذمة المدين ثابتاً فى نفس السند الذى يطالب به . أما إذا كتب التأشير فى صورة للسد أو فى ورقة مستقلة عنه ، فإنه يسهل على الدائن إخفاء هذه أو تلك ، ثم يطالب المدين بمقتضى السند الأصلى وهو لا يحمل أى تأشير . ولهذا يحرض المدين على أن يكون التأشير فى سند الدين ذاته . ومن هنا تقوم قرينة الوفاء .

ويكتب التأشير فى أى مكان من السند ، فى ذيله أو على هامشه أو فى ظهره أو فى أى مكان آخر ( [463] ) .

 $ 296 $

ويكون مضمون هذا التأشير هو براءة ذمة المدين . وأية عبارة تفيد هذا المعنى تكفى ، فلا يشترط لفظ معين . فالتأشير بأن ذمة المدين قد برئت من الدين ، أو أبرئت ، أو أن الدين قد انقضى ، أو أنا لمدين قد قام بالوفاء ، أو أنه قد تخالص ، أو أنه قام بوفاء مبلغ كذا ، أو بوفاء قسط معين ، أو نحن ذلك من العبارات التى تفيد براءة ذمة المدين براءة كلية أو جزئية ، كل هذا يصلح أن يكون تأشيراً بالمعنى المقصود .

ولا يكون التأشير موقعاً من الدائن كما قدمنا ، وإلا لصلح أن يكون دليلاً كاملاً دون حاجة إلى نص . وكونه غير موقع من الدائن هو الذى يكشف عن وجه الاستثناء فى هذه المسألة ، إذ يكون القانون قد جعل من ورقة صادرة من شخص معين دليلاً كاملاً على هذه الشخص مع أن الورقة غير موقعة منه .

بل ليس ضرورياً أن يكون التأشير مكتوباً بخط الدائن . وهذا هو أيضاً حكم التقنين المدنى السابق ( م 230 / 295 ) ( [464] ) . أما التقنين المدنى الفرنسى ( م 1332 فقرة أولى ) فقد اشترط أن يكون التأشير مكتوباً بخط الدائن ( [465] ) . ولم ير التقنين المدنى المصرى الجديد – أسوة بالتقنين المدنى المصرى القديم – أن يضع هذا $ 297 $ الشرط ، وذلك لعدم انتشار الكتابة انتشاراً كافياً . ومن ثم يصح أن يكون التأشير مكتوباً بخط أجنبى ، بل بخط المدين نفسه ، ما دام السند فى حيازة الدائن كما سيأتى . ولكن إذا لم يكن من الضرورى أن يكون التأشير مكتوباً بخط الدائن ، فإنه يجب على الأقل أن يكون مكتوباً بإملائه أو بموافقة منه حتى يكون صادراً عنه ويكون هناك محل لقيام القرينة على الوفاء . ويفرض دائماً أن التأشير قد كتب برضاء الدائن ، حتى يثبت هو أنه كتب بغير رضائه .

وسواء كتب التأشير بخط الدائن أو كتب بخط غيره ، فقد يحدث أن هذا التأشير يمحى أو يشطب ( [466] ) . فهل تزول قوة التأشير فى الإثبات بهذا المحو أو الشطب ، أو هى تبقى بالرغم من ذلك؟ انقسم الفقه الفرنسى فى هذه المسألة ( [467] ) . وقد $ 298 $ تأ أثيرت المسألة فى لجنة المراجعة فرؤى تركها للقواعد العامة . ويبدو أن التأشير الممحو أو المشطوب يجب أن يبقى حافظاً لقوته فى الإثبات ، فتقوم قرينة الوفاء بالرغم من المحو أو الشطب . والدائن هو الذى يثبت أن القرينة فى الحقيقة غير قائمة ( [468] ) ، بأن يثبت أن المحو أو الشطب كان بسبب مشروع ، كأن يكون قد كتب التأشير مقدماً متوقعاً الوفاء فلم يتم ، فمحا التأشير تبعاً لذلك . ولو قلنا بالرأى الآخر ، وبأن التأشير تزول قوته بالمحو أو الشطب ، لسهل على الدائن بعد التأشير ببراءة ذمة المدين فى سنده بيده وفى حيازته أن يمحو هذا التأشير أو يشطبه ( [469] ) .

151 - الشرط الثانى - بقاء الند دائماً فى حيازة الدائن : ويجب حتى تقوم قرينة الوفاء أن يكون سند الدين الذى يحمل التأشير باقياً فى يد الدائن ، لم يخرج قط من حيازته . فإذا كان قد خرج من حيازته ولو لحظة واحدة ، منع ذلك من قيام قرينة الوفاء ، إذ يحتمل أن التأشير – وقد رأينا أنه لا يشترط فيه أن يكون بخط الدائن – قد كتب بخط أجنبى أو بخط المدين نفسه فى هذه اللحظة بالذات التى خرج فيها السند من حيازة الدائن . فإذا ما استرد الدائن حيازة السند ، لم تبق له حيلة فى التأشير إلا المحو أو الشطب ، وقد رأينا أنهما لا يزيلان قرينة الوفاء ( [470] ) .

 $ 299 $

وقد كان التقنين المدنى السابق لا يشترط هذا الشرط ، وهو فى الوقت ذاته لا يشترط – كما رأينا – أن يكون التأشير بخط الدائن . فقد كانت المادة 230 / 295 من هذا التقنين ، وقد سبق ذكرها ، تجرى على الوجه الآتى :

 " التأشير على سند الدين بما يفيد براءة المدين منه يكون حجة على الدائن ولو لم يكن ممضى منه ، إلا إذا أثبت الدائن خلاف ذلك ( [471] ) " . ومن ثم كان الخطر كبيراً فى ظل هذا التقنين السابق من قيام قرينة الوفاء على غير أساس من الواقع . فكان لا يبقى أمام الدائن إلا دحض القرينة بالدليل العكسى بعد قيامها . والظاهر أنه كان يكفيه فى ذلك أن يثبت أن السند قد خرج من حيازته فترة من الزمن ، حتى ينتقل عبء الإثبات إلى المدين ليثبت أن التأشير لم يكتب فى اللحظة التى خرج منه سند الدين من حيازة الدائن ( [472] ) . ولما كان التقنين الجديد قد استحدث شرط بقاء السند فى حيازة الدائن ، فالعبرة بتاريخ خروج السند $ 300 $ من حيازة الدائن لمعرفة القانون الذى يسرى . فإن كان السند قد خرج من حيازة الدائن قبل يوم 15 من أكتوبر سنة 1949 ، فالتقنين القديم هو الذى يسرى ، ولا يمنع خروج السند من حيازة الدائن أن تقوم قرينة الوفاء وفقاً لهذا التقنين . وإن كان السند قد خرج من حيازة الدائن فى تاريخ غير سابق على 15 من أكتوبر سنة 1949 ، فالتقنين الجديد هو الذى يسرى ، وتسقط قرينة الوفاء .

وفى جميع الأحوال التى يسرى فيها التقنين الجديد ، يفترض دائماً أن السند لم يخرج من حيازة الدائن . فإذا ادعى هذا أنه خرج من حيازته فى أية لحظة ، فعليه عبء إثبات ذلك . وعلى هذا الوجه يتيسر إثبات واقعة مطلقة كالواقعة التى نحن بصددها ( [473] ) . وإذا تمكن الدائن من إثبات أن السند خرج من حيازته فإنه يكون بذلك قد أثبت عدم قيام قرينة الوفاء ، ولم يقتصر على دحضها بالدليل العكسى بعد قيامها ( [474] ) .

152 - حجية التأشير على السند إذا توافر الشرطان : وردت الفقرة الأولى من المادة 399 من التقنين المدنى نصاً خاصاً يقرر حجية هذا التأشير . ولكن قبل أن نعرض لهذا النص الخاص ، نبادر إلى القول إن التأشير على سند الدين بما يفيد براءة ذمة المدين قد تكون له حجية معينة إذا طبقت القواعد العامة فى الإثبات بقطع النظر عن هذا النص الخاص . فهو إذا كان مكتوباً بخط الدائن . أمكن أن يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة ضده ، ولو لم يتوافر فيه الشرطان اللذان تقدم ذكرهما . مثل ذلك أن يكتب الدائن بخطه التأشير ببراءة ذمة المدين فى ورقة مستقلة عن سند الدين أو فى صورة لهذا السند ، أو أن يكتب هذا التأشير بخطه فى سند الدين ذاته ولكن يخرج هذا السند من حيازته . ففى هذه الأحوال لا يكون التأشير دليلاً كاملاً ضد الدائن ، لأن الشرطين اللذين تطلبهما القانون فى ذلك لم يتوافرا . ولكن هذا التأشير ، ما دام أنه مكتبو بخط الدائن ، يصح اعتباره $ 301 $ مبدأ ثبوت بالكتابة يستكمله المدين بالبينة أو بالقرائن ليثبت أنه قد وفى الدين ( [475] ) .

أما إذا توافر الشرطان على النحو الذى تقدم ذكره ، فإن التأشير على سند الدين يكون حجة كاملة على الدائن ، ولا حاجة للمدين باستكمالها ليثبت أنه وفى الدين . ويقع عبء الإثبات هنا على الدائن لا على المدين ، فهو الذى عليه أن يدحض قرينة الوفاء التى قامت باستيفاء التأشير لشرطيه ، فإذا لم يدحضها بالدليل العكسى فقد تم للمدين إثبات أنه قد قام بوفاء الدين .

وعندنا أن حجية التأشير تقوم على أساس ورقة عرفية غير موقعة ، هى هذا التأشير ذاته . ولا يمنع ذلك من القول بأن هذه الورقة العرفية يستخلص القانون منها قرينة على وفاء الدين ، وهى قرينة قابلة لإثبات العكس . فإذا نحن قلنا إن القرينة هنا قرينة قانونية بسيطة ، وقلنا إنها فى الوقت ذاته تقوم على ورقة عرفية غير موقعة ، فلا تعارض ما بين القولين . فجميع الأوراق العرفية غير الموقعة – دفاتر التجار والأوراق المنزلية وغيرها – هى فى هذا الوضع : أوراق عرفية غير موقعة تستخلص منها قرائن قانونية بسيطة ( [476] ) .

فمتى وجد التأشير على سند الدين مستوفياً لشرطيه ، استخلصت منه قرينة قانونية بسيطة على وفاء المدين بالدين . وكان التأشير حجة على الدائن ، ولكنها حجة قابلة للدحض . ذلك أن علة الاعتداء بهذا التأشير هى أن الدائن يقر فى سند الدين ذاته أن استوفى حقه ، وهذا الإقرار هو بمثابة " إقرار غير قضائى لا يمكن استبعاده من السند الذى يتقدم به لاستيداء حقه " ( [477] ) . ولكن يجوز مع ذلك هذا الإقرار غير مطابق للواقع . وتورد المذكرة الإيضاحية $ 302 $ للمشروع التمهيدى مثلاً لذلك فيما " لو سلم الدائن السند لوكيل فوضه فى استبقاء الدين ، فهو يؤشر على هذا السند بالتخالص قبل أن يسلمه لوكيله ، ويقوم هذا برده إليه بما سبق أن دون فيه من تأشيرات فيما إذا تخلف المدين عن الوفاء عند المطالبة ( [478] ) . فيرجع سند الدين فى هذه الحالة وهو يحمل تأشير الدائن ببراءة ذمة المدين ، دون أن يكون الدائن قد استوفى الدين . ومن ذلك نرى أن القرينة هنا قد يقوم من الواقع دليل على عكسها . ومن أجل ذلك عندما أقام القانون هذه القرينة ، جعل حجيتها قابلة للدحض ( [479] ) . فيجوز للدائن ، بالرغم من التأشير ببراءة ذمة المدين ، أن يقيم الدليل على العكس ، أى على أن ذمة المدين لا تزال مشغولة بالدين .

وله أن يثبت ذلك بجميع الطرق ، حتى بالبينة أو بالقرائن . ولا يعترض $ 303 $ عليه أنه يثبت ما يخالف الكتابة بغير الكتابة ، فإن التأشير الذى يثبت عكسه هنا هو ورقة عرفية غير موقعة يجوز إثبات عكسها بجميع الطرق ( [480] ) ، وسيأتى تفصيل ذلك .

المطلب الثانى

التأشير على سند أو مخالصة فى يد المدين

153 - شرطان : يشترط هنا أيضاً ، حتى تتوافر الحجية للتأشير على سند أو مخالصة فى يد المدين ، شرطان : ( 1 ) أن يكون هناك بخط الدائن تأشير ببراءة $ 304 $ ذمة المدين على نسخة أصلية أخرى لسند الدين أو على مخالصة ( 2 ) أن تقع نسخة السند أو المخالصة فى حيازة المدين .

154 - الشرط الأول – تأشير بخط الدائن على نسخة أصلية للسند أو على مخالصة بباءة ذمة المدين : يجب أن يكون التأشير هنا مكتوباً إما فى نسخة أصلية لسند الدين تكون بيد المدين وإما فى مخالصة يحتفظ بها المدين . والنسخة الأصلية ( double ) لسند الدين ليست صورة ( copie ) للسند ، بل هى أصل ( original ) كسند الدين ذاته . ويفهم من ذلك أن سند الدين كتب من نسختين أصليتين إحداهما بيد الدائن والأخرى بيد المدين . وفى هذه النسخة الأصلية الأخرى التى بيد المدين يقع تأشير الدائن . وفى هذا المعنى تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى : " ويراعى أن المشروع قد عنى فى النص باستظهار ما يقصد بكلمة نسخة ، فليس يقصد بها مجرد صورة أخرى من سند الدين ، وإنما شفعت هذه الكلمة بنعت أصلية " تعييناً لدلالة المقصود " ( [481] ) . غنى عن البيان أن عبارة " النسخة الأصلية " قد تسربت إلى التقنين المصرى من التقنين المدنى الفرنسى ، إذ يشترط هذا التقنين الأخير أن يكون سند العقد الملزم للجانبين من نسخ أصلية متعددة كما رأينا . فقى عقد البيع توجد نسخة من العقد فى يد الباع ونسخة أخرى فى يد المشترى . فإذا دفع المشترى قسطاً من الثمن ، أشر البائع فى نسخة المشترى ببراءة ذمة المدين من هذا القسط . وهذا ما يقع أيضاً فى مصر بحكم الضرورة لا بمقتضى النص ، بل كان النص موجوداً كما رأينا فى المشروع الأول الذى سبق المشروع التمهيدى . ويصح أن يقع التأشير ، لا على النسخة الأخرى لسند الدين ، بل على مخالصة أعدت لتسجيل ما يقوم المدين بدفعه واحتفظ بها المدين إثباتاً لهذا الوفاء ( [482] ) .

ويتبين من ذلك أن التأشير إذا وقع على صورة للسند أو على رقة أخرى $ 305 $ مستقلة عن نسخة السند ، وأمكن اعتبار هذه أو تلك بمثابة مخالصة أعدت لتسجيل ما يقوم المدين بدفعه ، كان التأشير صحيحاً وقامت قرينة الوفاء ( [483] ) .

ويكتب التأشير فى أى مكان من الورقة ، وبأية عبارة تفيد معنى براءة الذمة ، ولا يكون موقعاً عليه من الدائن ، وذلك كله على النحو الذى قدمناه فى التأشير على سند فى حيازة الدائن .

ولكن التأشير هنا يجب أن يكون بخط الدائن ، وهذا على خلاف ما قررناه فى التأشير على سند فى حيازة الدائن من جواز أن يكون هذا التأشير بخط غير خطه . وهذا هو أيضاً حكم التقنين المدنى الفرنسى ( م 1332 ) ، بل إن هذا التقنين يشترط كما رأينا أن يكون التأشير دائماً بخط الدائن ، سواء وقع على سند فى حيازة المدين أو قع على سند فى حيازة الدائن . أما التقنين المدنى المصرى السابق فالأرجح أنه لم يكن يدخل فى حسابه ، عندما أورد المادة 230 / 295 ، إلا التأشير على سند فى حيازة الدائن ، وقد ترك التأشير بخط الدائن على سند فى حيازة المدين تسرى عليه القواعد العامة ، وسنعود إلى هذه المسألة بعد قليل .

واشتراط أن التأشير على سند فى حيازة المدين يكون بخط الدائن أمر واضح ، إذا لو سمح القانون أن يكون التأشير بخط غير الدائن ، لسهل على المدين ، والسند فى حيازته ، أن يستكتب أى شخص عبارة الإبراء ، فتقوم قرينة الوفاء على غير أساس من الواقع . فقوة القرينة إذن هى فى أن التأشير بالإبراء قد كتب بيد الدائن واحتفظ به المدين .

وإذا أنكر الدائن خطه ، وجب على المدين أن يلجأ إلى إجراءات تحقيق الخطوط لإثبات أن التأشير بخط الدائن ( [484] ) . فإذا ما ثبت ذلك ، جاز للدائن بعد $ 306 $ هذا أن يسلك طريق الطعن بالتزوير ( [485] ) .

وإذا محى التأشير أو شطب ، زالت قوته فى الإثبات . ذلك أن السند موجود فى حيازة المدين ، فلا يمكن حمل المحو أو الشطب إلا على أن الوفاء لم يتم ، فمحا الدائن التأشير أو شطبه ، وقبل منه المدين ذلك بأن احتفظ بالسند فى يده والتأشير فيه ممحو أو مشطوب ( [486] ) . وهذا بخلاف ما رأيناه فى المحو أو الشطب عندما يكون السند فى حيازة الدائن ، فقد تقدم أن الفقه الفرنسى منقسم فى هذه المسألة ، ورجحنا الرأى القائل بأن المحو أو الشطب لا يزيل قوة الإثبات التى للتأشير .

155 - الشرط الثانى – وقوع نسخة السند أو المخالصة فى حيازة المدين : والأصل أن نسخة السند أو المخالصة التى أشر عليها الدائن بخطه تكون فى حيازة المدين . ولكن لا يشترط هنا أن تكون باقية دائماً فى حيازته ، بل يكفى أن تكون قد وقعت فى حيازته ولو خرجت بعد ذلك من يده . ذلك أن التأشير يجب أن يكون بخط الدائن كما قدمنا ، فوقوع هذا التأشير بخط الدائن فى حيازة المدين ولو لحظة واحدة يكفى لقيام قرينة الوفاء . ومتى قامت القرينة على هذا الوجه ، كان للدائن أن يدحضها كما سنرى .

والذى يقع عادة أن المدين يبرز الورقة التى تحمل تأشير الدائن بخطه ليحتج بها . فيكون بذلك قد أثبت أنها قد وقعت فى حيازته . أما إذا لم تكن الورقة فى يده ، واستطاع أن يحصل على أمر بتقديمها فقدمت ، فعليه أن يثبت أنها وقعت فى حيازته وقتاً ما حتى تقوم قرينة الوفاء .

156 - حجية التأشير إذا توافر الشرطان : هنا أيضاً نبادر إلى القول إن هذا التأشير ، ولو لم يتوافر شرطاه ، له حجية معينة إذا طبقت القواعد العامة $ 307 $ فى الإثبات ، بقطع النظر عن نص المادة 399 من التقنين المدنى . فهو ما دام مكتوباً بخط الدائن يصح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، ولو لم يتوافر فيه ما قدمناه من الشروط الأخرى . مثل ذلك أن يكتب التأشير فى نسخة أصلية ثالثة ليست فى حيازة الدائن ولا فى حيازة المدين ، أو أن يعجز المدين عن إثبات أن الورقة التى كتب فيها التأشير قد وقعت فى حيازته ، أو نحو ذلك . ففى هذه الأحوال لا يصلح التأشير دليلاً كاملاً ، ولكن يصح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة يستكمل بالبينة أو بالقرائن .

أما إذا توافر الشرطان على النحو الذى تقدم ذكره ، فإن التأشير يكون دليلاً كاملاً ضد الدائن ، ولا حاجة للمدين باستكماله ليثبت أنه وفى الدين ، وذلك بمقضتى نص خاص هو نص المادة 399 . وحجية التأشير تقوم هنا أيضاً على أساس ورقة عرفية غير موقعة هى هذا التأشير ذاته ، على النحو الذى قدمناه فى التأشير على سند فى حيازة الدائن .

ثم إن علة الاعتداد بالتأشير هنا هى أن هذا التأشير قد كتب بخط الدائن نفسه ، وقد ترك الورقة التى تحمل التأشير فى يد المدين ، فتركه إياها فى يد من له مصلحة فى الاحتجاج بها قرينة على أنه استوفى الدين . فالتأشير فى هذه الحالة " يكون فى الواقع بمثابة مخالصة تبقى فى يد المدين " ( [487] ) . ولكن هذه القرينة ، هنا أيضاً ، قد يقوم من الواقع دليل على عكسها ( [488] ) . فقد يتصور – كما تقو المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى – " أن يكون الدائن قد سلم المخالصة $ 308 $ لوكيل مفوض فى استيفاء الدين ، ولما كان من واجب مثل هذا الوكيل أن يرد إلى الموكل المخالصة التى تسلمها إذا لم يتم له استيفاء الدين ، فالمفروض أن الدائن يحتفظ بهذه المخالصة لأنه لم يستوف حقه من المدين " ( [489] ) . فإذا سلم الوكيل ، بالرغم من ذلك ، المخالصة للمدين ولم يستوفى منه الدين ، وعجز عن استرداد المخالصة ، فإنها ، وهى تحمل تأشير الدائن ، تكون فى يد المدين دون أن يكون هذا قد برئت ذمته . وفى هذا دليل من الواقع يدحض القرينة .

من أجل ذلك عندما أقام القانون هذه القرينة ، جعل حجيتها هنا أيضاً قابلة للدحض . فيجوز للدائن ، بالرغم من تأشيره بخطه ببراءة ذمة المدين ،أن يقيم الدليل على العكس ، فيثبت أن ذمة المدين لا تزال مشغولة بالدين .

وله أن يثبت ذلك بجميع الطرق ، حتى بالبنية أو بالقرائن . ذلك أن التأشير الذى يثبت عكسه هو ورقة عرفية غير موقعة يجوز إثبات عكسها بجمع الطرق ، وقد تقدم بيان ذلك .

157 - التأشير على سند فى حيازة المدين فى التقنين المدنى السابق : قدمنا أن المادة 230 / 295 من التقنين المدنى السابق كانت تنص على أن " التأشير على سند الدين بما يفيد براءة المدين منه يكون حجة على الدائن ولو لم يكن ممضى منه ، إلا إذا أثبت الدائن خلاف ذلك " . وكان بعض الفقهاء فى مصر ( [490] ) يذهب إلى أن هذا النص يشمل الحالتين اللتين وردتا بعد ذلك فى المادة 399 من التقنين المدنى الجديد : حالة التأشير على سند فى حيازة الدائن وحالة التأشير على سند فى حيازة المدين . ولكن يصعب القول إن المقصود من عبارة " سند الدين " التى وردت فى نص التقنين السابق هو سند آخر غير السند الذى يحتفظ الدائن به عادة فى حيازته ، وأن هذه العبارة مقصود بها أيضاً " نسخة أصلية $ 309 $ أخرى للسند " . فالأرجح أن يكون المقصود هو النص على حالة واحدة من الحالتين ، هى حالة التأشير على سند الدين وهو فى حيازة الدائن ، وأن الحالة الأخرى قد تركت للقواعد العامة تسرى عليها . ويزيد هذا الترجيح قوة أن نلاحظ أن نص التقنين المدنى السابق لم يشترط أن يكون التأشير بخط الدائن ، مع أن قرينة الوفاء فى التأشير على سند فى حيازة المدين إنما تستمد من أن هذا التأشير يكون بخط الدائن . وهذا الرأى الذى نرجحه هو الرأى الذى سار عليه الفقه فى مصر ( [491] ) .

ومن ثم يكون التقنين المدنى الجديد قد استحدث حكماً لم يكن موجوداً فى التقنين القديم ، بأن جعل للتأشير بخط الدائن على سند فى حيازة المدين حجية كاملة ، ولم يقتصر على اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة كما تقضى بذلك القواعد العامة فى الإثبات . فإذا أشر الدائن بخطه على سند فى حيازة المدين ببراءة ذمته ، فإن كان التأشير قد كتب فى تاريخ سابق على يوم 15 من شهر أكتوبر سنة 1949 فإن التقنين القديم هو الذى يسرى ، ولا يكون هذا التأشير إلا مبدأ ثبوت بالكتابة . أما إذا كان التأشير قد كتب فى تاريخ بعد ذلك ، فإن التقنين الجديد يسرى فى هذه الحالة ، ويعتبر التأشير دليلاً لا حاجة إلى استكماله بدليل آخر ، على النحو الذى بيناه فيما تقدم .

 $ 310 $

الباب الثانى

طرق الإثبات ذات القوة المحدودة

البينة والقرائن القضائية

158 - طرق الإثبات ذات القوة المحدودة – اليمين المتممة ( إحالة ) : قدمنا أن طرق الإثبات ذات القوة المحدودة هى البينة والقرائن القضائية واليمين المتممة .

ونبادر إلى القول أن اليمين المتممة ، لشدة اتصالها باليمين الحاسمة ، ستعاجل معها فى موضع آخر . ونستبقى هنا للبحث البينة والقرائن القضائية .

159 - تعادل البينة والقرائن القضائية من حيث قوة الإثبات : وقد جعل القانون البينة والقرائن القضائية طريقين متعادلين من حيث قوتهما القانونية فى الإثبات . فما يمكن إثباته بأحد الطريقين يستطاع إثباته بالطريق الآخر . وكلا الطريقين أضعف من الكتابة ذات القوة المطلقة فى الإثبات .

وقد رأينا أن البينة والقرائن القضائية لا تكون طرقاً أصلية فى الإثبات إلا فى نطاق محدود . وتكون ، غير ذلك ، طرقاً تكميلية عند وجود مبدأ ثبوت بالكتابة ، وطرقاً بديلة عند وجود مانع يحول دون الحصول على دليل كتابى أو يحول دون تقديمه بعد الحصول عليه .

ويتبين من كل ذلك أن البينة والقرائن ذات قوة محدودة فى الإثبات . فنبحث أولاً ما هى البينة والقرائن . ثم نبين بعد ذلك قوتهما المحدودة .

 $ 311 $

الفصل الأول

البينة والقرائن القضائية

الفرع الأول

البينة

( أو الشهادة )

160 - معنيان للبينة : البينة لها معنيان : ( 1 ) معنى عام ، وهو الدليل أياً كان ، كتابة أو شهادة أو قرائن . فإذا قلنا : البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ، فإنما نقصد هنا البينة بهذا المعنى العام . ( 2 ) معنى خاص ، وهو شهادة الشهود دون غيرها من الأدلة . وقد كانت الشهادة فى الماضى هى الدليل الغاب ، وكانت الأدلة الأخرى من الندرة إلى حد أنها لا تذكر إلى جانب الشهادة ، فانصرف لفظ " البينة " إلى الشهادة دون غيرها . ونقصد هذا المعنى الخاص عندما نقول : مالاً تزيد قيمته على عشرة جنيهات يجوز إثباته بالبينة والقرائن .

وإذا قلنا البينة ، قلنا نقصد معناها الخاص ، ونقصرها على الشهادة . ونتكلم هنا : ( أولاً ) فى أنواع البينة . ( ثانياً ) فى سلطة القاضى الواسعة فى تقدير البينة . ( ثالثاً ) فى القواعد التى تتبع فى سماع البينة .

المبحث الأول

أنواع البينة

161 - الشهادة ( temoignage ) : الأصل فى الشهادة أن تكون شهادة مباشرة ، فيقول الشاهد ما وقع تحت بصره أو سمعه . فالذى يميز الشاهد إذن هو أنه يشهد على وقائع عرفها معرفة شخصية ( ex propriis sensibus ) . وهو يحصل $ 312 $ معرفته الشخصية للواقعة ، إما لأنه رآها بعنيه ، كما إذا كان قد شهد حادثا من حوادث السيارات فجاء إلى مجلس القضاء يشهد بما رأى . وإما لأنه سمعها بأذنه ، كما إذا كان قد حضر مجلس العقد وسمع البائع يتعاقد مع المشترى ، فجاء إلى مجلس القضاء يشهد بما سمع . وإما لأنه رأى وسمع ، كما إذا سمع المقرض يتعاقد مع المقترض ورآه يعطيه مبلغ القرض ( [492] ) .

وتكون الشهادة عادة شفوية ، يدلى بها الشاهد فى مجلس القضاء مستمداً إياها من ذاكرته . وقد نصت المادة 216 من تقنين المرافعات على أن " تؤدى الشهادة شفاهاً ، ولا تجوز الاستعانة بمفكرات مكتوبة إلا بإذن المحكمة أو القاضى المنتدب ، وحيث تسوغ ذلك طبيعة الدعوى " . ومع ذلك فقد نصت المادة 205 من تقنين المرافعات على أن " من لا قدره له على الكلام يؤدى الشهادة ، إذا أمكن أن يبين مراده ، بالكتابة أو بالإشارة " .

ويدعى الشاهد عادة إلى مجلس القضاء ليقول ما رآه أو سمعه من الوقائع المتعلق بالدعوى . ومع ذلك قد يكتفى ، فى ظروف استثنائية ، بتلاوة شهادته المكتوبة أو بضم هذه الشهادة المكتوبة إلى ملف القضية للاعتداد بها ( [493] ) .

وإذا كانت الشهادة المباشرة هى الصورة الغالبة للشهادة ، فإنه يوجد مع ذلك إلى جانبه : ( 1 ) الشهادة السماعية ( temoignage indirect ) ( 2 ) والشهادة بالتسامع ( commune renommee ) ( 3 ) والشهادة بالشهرة العامة ( acte de notoriete ) .

162 - الشهادة السماعية : أى الشهادة غير المباشرة ، وتسمى أيضاً $ 313 $ بالشهادة فى الدرجة الثانية ( [494] ) ( temoignage du second degre ) . وتختلف عن الشهادة الأصلية أو الشهادة المباشرة أو الشهادة فى الدرجة الولى – وهى الشهادة التى سبق ذكرها – فى أن الشاهد هنا يسهد بما سمع رواية عن غيره ، ومن ثم كانت الشهادة سماعية .

والشاهد ، سواء كانت شهادته أصلية أو سماعية ، يشهد عن واقعة معينة بالذات . ولكنه فى الشهادة الأصلية يشهد أنه رأى هذه الواقعة بعينه إن كانت مما يرى ، أو سمعها بأذنه إن كانت مما يسمع . أما فى الشهادة السماعية ، هو يشهد أنه سمع الواقعة يرويها له شاهد يكون هو الذى رآها بعينه أو سمعها بأذنه . مثل ذلك أن يشهد شخص أمام القضاء أنه سمع شخصاً آخر يروى له حادث السيارة وقد رآه بعينيه ، أو سمع شخصاً آخر يورى له التعاقد على البيع أو على القرض وقد سمعه بأذنه . فالشهادة السماعية هى إذن شهادة على الشهادة ( [495] ) .

والشهادة السماعية جائزة حيث تجوز الشهادة الأصلية ( [496] ) . ويقدر القاضى قيمتها كما يقدر الشهادة الأصلية . وقد يراها تعدل الشهادة الأصلية فى القيمة . ولكن الغالب أن تكون الشهادة السماعية دون الشهادة الأصلية من حيث اقتناع القاضى بها ( [497] ) .

 $ 314 $

163 - الشهادة بالتسامع : والشهادة بالتسامع غير الشهادة السماعية . فهى شهادة بما تتسامعه الناس ( oui - dire ) ، لا تنصب على الواقعة المراد إثباتها بالذات ، بل على الرأى الشائع فى جماهير الناس عن هذه الواقعة . وقد رأينا الشهادة السماعية تنصب على الواقعة المراد إثباتها بالذات ، ولكن لا على أن الشاهد رآها بعينه أو سمعها بأذنه ، بل على أنه سمعها تروى له ممن رآها بعينه أو سمعها بأذنه . فالشهادة السماعية يمكن إذن تحرى مبلغ الصدق فيها ، وصاحبها يحمل مسئولية شخصية فيما سمعه بنفسه عن غيره من الرواية عن واقعة معينة بالذات . أما الشهادة بالتسامع فصاحبها لا يروى عن شخص معين ولا الواقعة بالذات ، بل يشهد بما تتسامعه الناس عن هذه الواقعة وما شاع بين الجماهير فى شأنها ، فهى غير قابلة للتحرى ولا يحمل صاحبها مسئولية شخصية فيما شهد به ( [498] ) .

ومن ثم كانت الشهادة بالتسامع غير مقبولة إلا فيما نص عليه القانون . وقد نص التقنين المدنى الفرنسى على قبول الشهادة بالتسامع فى حالتين : ( 1 ) حالة الزوجة ، بعد انتهاء النظام المشترك للأموال ( communaute ) بينها وبين زوجها ، وهى تريد تمييز مالها الخاص ( patrimoine propre ) عن المال المشترك ( patrimoine commun ) ، وذلك إذا لم يوجد محضر جرد ( م 1415 وم 1504 مدنى فرنسى ) . ( 2 ) حالة ورثة أى من الزوجين ، بعد موته ، يريدون تحديد المال المشترك ( patrimoine commun ) فى مواجهة الزوج الآخر الذى ظل باقياً على قيد الحياة ، وذلك أيضاً إذا لم يوجد محضر جرد ( م 1442 مدنى فرنسى ) . ويذهب فريق من الفقهاء الفرنسيين إلى قصر قبول الشهادة بالتسامع على هاتين $ 315 $ الحالتين دون غيرهما ( [499] ) . ويرى بعض آخر أن يقيس عليهما كل حالة أخرى يراد فيها إثبات منقولات بأعيانها فى مواجهة من كان مكلفاً بحصرها فى محضر جرد وقصر فى ذلك ( [500] ) . أما فى مصر فالقضاء المختلط كان بوجه عام لا يقبل الشهادة بالتسامع فى المسائل المدينة ( [501] ) . أما فى المسائل التجارية ، وكذلك فى الأحوال التى يقبل فيها الإثبات بالبينة أو بالقرائن ، فتقبل الشهادة بالتسامع على سبيل الاستئناس وباعتبار أنها مجرد قرينة بسيطة لا يؤخذ بها إلا فى كثير من الحذر والاحتياط ( [502] ) . وفى الفقه الإسلامى لا تقبل الشهادة إلا فى مسائل معينة ، عدوا منها خمساً هى الشهادة بالنسب وبالموت وبالنكاح وبالدخول وبولاية القاضى ، ثم أضافوا إليها خمساً هى أصل الوقف وشرائطه والعتق والولاء والمهر ( [503] ) . ولا نرى ما يمنع من الأخذ بأحكام الفقه الإسلامى فى هذه المسألة تطبيقاً للفقرة الثانية من المادة الأولى من التقنين المدنى ، وهى تقضى بأنه $ 316 $ " إذا لم يوجد نص تشريعى يمكن تطبيقه ، حكم القاضى بمقتضى العرف ، فإذا لم يوجد ، فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية " .

 $ 317 $

وإذا قبلت الشهادة بالتسامع ، فهى كالشهادة الأصلية والشهادة السماعية تضع فى سماعها للقواعد التى تخضع لها الشهادة بوجه عام ( [504] ) .

164 - الشهادة بالشهرة العامة : أما الشهادة بالشهرة العامة فليست بشهادة بالمعنى الصحيح . بل هى ورقة مكتوبة ، تحرر أمام جهة رسمية ، تدون فيما وقائع معينة ، تشهد بها شهود يعرفون هذا الوقائع عن طريق الشهرة العامة .

وفى مصر يمكن اعتبار إعلام الوراثة ومحضر حصر التركة وتقرير غيبة المفقود من قبيل هذه الأوراق . فهى تحرر أمام جهات رسمية ، المحكمة الشرعية أو مندوب من المحكمة الحسبية أو غير ذلك ، وتدون فيها أسماء الورثة أو أعيان التركة أو واقعة غياب المفقود ، وذلك بناء على شهادة طائفة من الناس يشهدون وفقاً لما عرفوه عن طريق الشهرة العامة .

وفى فرنسا ينص القانون على جواز استعمال مثل هذه الأوراق كأدلة . من ذلك أنه إذا تعذر على أحد الزوجين عند عقد زواجه أن يحصل على شهادة ميلاده ، كان له أن يقدم عوضاً عنها شهادة تحمل اسمه ولقبه وصناعته ومحل $ 318 $ إقامته وتاريخ ميلاده بقدر الإمكان وغير ذلك من البيانات بناء على أقوال شهود ثلاثة يعرفون ذلك عن طريق الشهرة العامة ويدلون بشهادتهم عنها أمام قاضى الصلح ( انظر م 71 من التقنين المدنى الفرنسى ) . ومن ذلك أيضاً إجراءات إعلان غيبة المفقود ، تتضمن تحقيقاً تأمر المحكمة بإجرائه فى مواجهة النيابة العامة ، قد تسمع فيه شهود يدلون بما عرفوه من طريق الشهرة العامة عن ظروف اختفاء المفقود ، ثم يصدر بعد ذلك حكم بإعلان غيبته ( [505] ) . ويكشف العمل فى فرنسا عن كثرة الأحوال التى يلتجأ فيها إلى الحصول على وثائق تقوم على أساس الشهادة بالشهرة العامة ، وذلك فوق الأحوال التى نص عليها القانون . مثل ذلك الإعلام بثبوت الوراثة يدون فيه عدد الورثة وصفاتهم إذا لم يوجد محضر جرد . ومثل ذلك أيضاً الشهادة التى تسجل أن الميت قد مات دون وارث له حق محفوظ فى التركة ( heritier a reserve ) ( [506] ) .

فالشهادة بالشهرة العامة تفترض وجود موظف عام ، موثق أو قاض أو نحو ذلك ، تدلى أمامه الشهود بمعلوماتهم عن الواقعة المراد إثباتها . ويجب أن يكون للشهود معرفة شخصية بهذه الواقعة ، ولكن لا عن طريق محدد ، بل عن طريق الشهرة العامة ( [507] ) . فالمعرفة الشخصية بالواقعة ، لا الشهرة العامة فى ذاتها ، هى التى تقوم عليها قوة الإثبات فى هذه الشهادة . والشهرة العامة إنما تجعل منها شهادة جماعية ( temoignage collectif ) عن طريق تحقيق سريع أمام قاض أو موظف عامة بإجراءات لا تختلف إلا من ناحية الشكل عن إجراءات التحقيق المعتاد ( [508] ) . وللشهادة بالشهرة العامة قوة فى الإثبات يحدده القانون فى كل حالة على حده .

 $ 319 $

المبحث الثانى

سلطة القاضى الواسعة فى تقدير البينة

165 - البينة أضعف من الكتابة : قدمنا أن الشهادة كانت فى الماضى من أقوى الأدلة ، بل كانت هى الدليل الغالب فى وقت لم تكن فيه الكتابة منتشرة ، وكانت الأمية متفشية ، وكان العلم بالرواية واللسان لا بالكتابة والقلم ، حتى كانت الشهادة هى التى تستأثر باسم " البينة " دلالة على أن لها المقام الأول فى البينات ( [509] ) . فلما انتشرت الكتابة ، وتقلص ظل الأمية ، بدأت الكتابة تسود ، ثم أخذت المكان الأول فى الإثبات ، ونزلت البينة إلى المكان الثانى لما تنطوى عليه من عيوب ظاهرة . فالبينة تقوم على أمانة الشهود ، والشهود حتى إذا هم لم يكذبوا معرضون للنسيان ، ثم إن الدقة تنقصهم . هذا إلى أنه إذا أفسح المجال للإثبات بالبينة ، وأصبح اعتماد القضاء عليها ، كثرت القضايا الكيدية لسهولة الحصول على شهود زور يشهدون بالباطل . أما الكتابة فكفتها راجحة ، ومتى كانت بعيدة عن التزوير ، فهى أدق أداء وأكثر ضبطاً للواقع . ثم هى لا يرد عليها النسيان ، فهى دليل هيئ مقدماً ليحيط بالواقعة المراد إثباتها إحاطة شاملة ، لأنها إنما أعدت لهذا الغرض ( [510] ) .

 $ 320 $

من أجل ذلك أنزل القانون البينة دون منزلة الكتابة ، لا فحسب من ناحية أن جعل البينة ذات قوة محدودة فى الإثبات ، بل أيضاً بأن جعل للقاضى بالنسبة إلى البينة سلطة تقدير واسعة ، هى أكبر بكثير من سلطته بالنسبة إلى الكتابة ( [511] ) . فالقاضى ينظر ، أولاً ، هل الإثبات بالبينة فى الأحوال التى يجيزها القانون مستساغ؟ فإذا كان مستساغاً نظر ، ثانياً ، هل الوقائع المراد إثباتها بالبينة متعلقة بالحق المدعى به ومنتجة فى إثباته؟ وهو فى ذلك يتمتع بسلطة تقدير أوسع مما له فى الإثبات بالكتابة . فإذا ما قدر بعد كل ذلك أن يسمع البينة ، كان له ، أخيراً ، سلطان واسع فى تقدير ما إذا كانت البينة التى سمعها مقنعة فى الإثبات .

166 - تقدير ما إذا كان الإثبات بالبينة مستساغاً : قد يكون الإثبات بالبينة جائزاً قانوناً ، ولكن يبقى بعد ذلك للقاضى سلطة تقديرية فى السماح به . فقد يكون فى القضية من القرائن والأدلة الأخرى ما يغنى عن البينة . وعلى النقيض من ذلك قد تكون الوقائع المراد إثباتها بعدية الاحتمال بحيث لا يرى القاضى سبيلاً إلى الاقتناع بالبينة فى إثباتها ( [512] ) . وقد تكون هذه الوقائع $ 321 $ قد طال عليها العهد بحيث يتعذر إثباتها بالبنية فى جميع هذه الأحوال يرى القاضى أن البينة غير مستساغة ، فلا يسمح بها بالرغم من أن القانون يجيزها فى الإثبات ( [513] ) .

ومن ثم نرى أنه لا يكفى أن يجيز القانون الإثبات بالبينة فى بعض الأحوال ، بل يجب أيضاً أن يكون الإثبات بالبينة مستساغاً حسب تقدير القاضى . ولا يخضع $ 322 $ القاضى فى تقديره هذا لرقابة محكمة النقض ( [514] ) .

167 - تقدير ما إذا كانت الوقائع متعلقة بالحق ومنتجة فى الإثبات : هنا أيضاً يتمتع القاضى بسلطة تقدير واسعة لا يتمتع بها فى الإثبات بالكتابة .

ذلك أن الكتابة المعدة للإثبات تشتمل عادة على الوقائع المتعلقة بالحق المدعى به والتى تكون منتجة فى الإثبات ، لأنها إنما أعدت للوفاء بهذه الأغراض . فلا يكون هناك للقاضى مجال واسع فى تقدير ذلك . أما فى الإثبات بالبينة فيتسع المجال للقاضى فى تقدير ما إذا كانت الوقائع التى استدعيت الشهود من أجلها متعلقة بالدعوى ومنتجة فى الإثبات . فإن الغالب أن تكون الشهود لم تعد للشهادة من قبل ، فإذا توخوا الأمانة فى شهادتهم فهم لا يشهدون إلا على الوقائع التى يتفق أن يكونوا قد رأوها أو سمعوها ، وهذه الوقائع قد تكون متعلقة بالحق المدعى به ، وقد لا تكون متعلقة به . وإذا كانت متعلقة ، فقد تكون منتجة فى الإثبات أو لا تكون . كل هذا متروك لتقدير القاضى ، وهو فى هذا التقدير يتمتع بسلطة واسعة لا يخضع فيها لرقابة محكمة النقض ( [515] ) ، كما قدمنا عند الكلام فى الشروط الواجب توافرها فى الواقعة التى تكون محلاً للإثبات .

168 - تقدير ما إذا كانت البينة كافية : ثم إن القاضى ، إذا رأى الإثبات بالبينة مستساغاً ، وقدر أن الوقائع المراد إثباتها متعلقة بالحق المدعى به ومنتجة فى الإثبات ، وسمع الشهود فى هذه الوقائع ، فإن له بعد ذلك كله سلطة واسعة فى تقدير ما إذا كانت شهادة هؤلاء الشهود كافية فى إثبات هذه الوقائع .

وهو فى ذلك لا يتقيد بعدد الشهود ، ولا بجنسهم ، ولا بسنهم . فقد يقنعه شاهد واحدا ، ولا يقنعه شاهدان أو أكثر . قد يصدق المرأة ، ولا يصدق الرجل . $ 323 $ وقد تكون شهادة صبى صغيراً أبلغ فى إقناعه من شهادة رجل كبير ( [516] ) .

وقد كان للشهادة فى القديم نصاب محدد : رجلان ، أو رجل وامرأتان ، أو شهود أربعة ، أو نحو ذلك ( [517] ) . فزال هذا النصاب ، لا فى المسائل الجنائية فحسب ، بل أيضاً فى المسائل المدنية والتجارية . وكذلك زالت ضرورة تزكية الشهود ، فلم يعد الشاهد يزكيه شاهد آخر ، بل الذى يزكيه هو مبلغ ما يبعثه فى نفس القاضى من الاطمئنان إلى دقته ، والثقة فى أمانته ( [518] ) .

 $ 324 $

والقاضى يقدر ما إذا كانت البينة كافية . وله فى ذلك سلطان كامل ، لا يخضع هنا أيضاً لرقابة محكمة النقض ( [519] ) .

ويتبين مما تقدم أن البينة حجة ليست مقيدة فحسب ، بل هى أيضاً غير ملزمة وغير قاطعة . ولكنها حجة متعدية ، أى أن الوقائع التى تثبت بطريقها تعتبر ثابتة ، لا على من أقيمت فى مواجهته فحسب ، بل أيضاً بالنسبة إلى جميع من يتأثر بالحكم الذى صدر فى الدعوى .

المبحث الثانى

القواعد التى تتبع فى سماع البينة

169 - من مباحث قانون المرافعات : أما القواعد التى تتبع فى سماع الشهود فهى من مباحث قانون المرافعات . ونجتزئ هنا ببيان كيف تحال القضية إلى التحقيق لسماع الشهود ، وكيف تسمع الشهود ، متوخين الإيجاز .

170 - كيف تحال القضية إلى التحقيق لسماع الشهود : فى الأحوال التى يجيز فيها القانون الإثبات بالبينة ، ويرى القاضى أن هذا الإثبات مستساغ على النحو الذى بيناه ، يجوز للمحكمة ، من تلقاء نفسها متى رأت فى ذلك فائدة $ 325 $ للحقيقة أو بناء على طلب الخصم ، أن تأمر بالإثبات بالبينة ( [520] ) . والحكم الذى يصدر بإحالة القضية إلى التحقيق لسماع الشهود يجب أن يبين فى منطوقه كل واقعة من الوقائع المأمور بإثباتها ، واليوم الذى يبدأ فيه التحقيق ، والميعاد الذى يجب أن يتم فيه ( م 189 - 191 مرافعات ) . وهذا هو ما يسمى بالتحقيق الفرعى ( enquete incidente ) .

171 - كيف تسمع الشهود : يكون التحقيق – سماع الشهود – أمام المحكمة . ويجوز لها ، إذا خيف التعطيل ، أن تندب أحد قضاتها لإجرائه ( م 193 مرافعات ) .

والإذن لأحد الخصوم فى إثبات واقعة بشهادة الشهود يقتضى دائماً أن يكون للخصم الآخر الحق فى نفيها بهذا الطريق ( م 192 مرافعات ) . وفى هذا ضمان كبير اتخذ ضد تحيز الشهود أو ضعف ذاكرتهم أو عدم دقتهم عن طريق إيجاد $ 326 $ ضرب من التوازن بين شهود الإثبات وشهود النفى ( [521] ) . وتقضى المادة 194 من تقنين المرافعات بأن التحقيق يستمر إلى أن يتم سماع جميع شهود الإثبات والنفى فى الميعاد ، ويجرى سماع شهود النفى فى نفس الجلسة التى سمعت فيها شهود الإثبات إلا إذا حال دون ذلك مانع . ويلاحظ أن تقنين المرافعات الجديد استوحى نظام المرافعات الشرعية فى حصر الدليل ، فأوجب أن يكون للتحقيق ميعاد لا يجوز مدة أكثر من مرة واحدة ( م 195 مرافعات ) ، ولم يجز سماع شهود بناء على طلب الخصوم بعد انقضاء ميعاد التحقيق ، وإن جاز ذلك بأمر المحكمة ( م 196 مرافعات ) ( [522] ) .

ولابد من تحليف الشاهد اليمين قبل أداء الشهادة ، وإلا كان التحقيق باطلاً ( م 212 مرافعات ) ( [523] ) . وإذا رفض الشاهد الحضور امتنع بغير برر قانونى عن أداء اليمين أو عن الإجابة ، حكم عليه بغرامة ، ويجوز للمحكمة إصدار أمر بإحضاره ( م 199 وم 201 مرافعات ) .

ولا يجوز رد الشاهد ولو لكان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم ، إلا أن يكون غير قادر على التمييز بسبب حداثة أو هرم أو مرض أو لأى سبب آخر ( م 203 مرافعات ) .

وتثبت إجابات الشهود فى المحضر . ولا يجوز للشاهد أن يفشى سر وظيفته أو سر مهنته إلا بإذن خاص ، ولا لأحد الزوجين أن يفشى سر الزوجية ولو بعد انقضائها بغير رضاء الزوج الآخر ( م 206 - 209 مرافعات ) .

وبمجرد انتهاء التحقق والفراغ من سماع الشهود تحدد أقرب جلسة لنظر $ 327 $ الدعوى ( م 221 مرافعات ) ( [524] ) .

الفرع الثانى

القرائن القضائية

172 - النصوص القانونية : تنص المادة 407 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " يترك لتقدير القاضى استنباط كل قرينة لم يقررها القانون . ولا يجوز الإثبات بهذه القرائن إلا فى الأحوال التى يجيز فيها القانون الإثبات بالبينة ( [525] ) " .

ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق . ولكن المادة 215 / 280 من هذا التقنين كانت تبيح الإثبات بالبينة وبالقرائن فيما زادت قيمته على عشرة جنيهات . وكذلك كانت المادة 117 / 282 تبيح الإثبات بالبينة وبالقرائن فيما زادت قيمته على عشرة جنيهات إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة . فدل ذلك على أن البينة والقرائن متلازمان ، فما يجوز إثباته بالأولى يجوز إثباته بالثانية ، وهذا بالرغم من أن بعض النصوص كانت تكتفى بذكر البينة دون القرائن ( م 220 - 221 / 285 - 286 ) .

 $ 328 $

ويقابل هذا النص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى م 92 : وفى التقنين المدنى العراقى المادة 505 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 310 ، وفى التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة المادة 395 ( [526] ) .

ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادة 1353 ( [527] ) .

173 - تعريف القرينة – نوعان من القرائن : عرفت المادة 1349 من التقنين المدنى الفرنسى القرائن بوجه عام بأنها هى " النتائج $ 329 $ التى يستخلصها القانون أو القاضى من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة "

 " Les presomptions sont des consequences que la loi ou le magistrate tire d'un fait connu a un fait inconnu "

فهى إذن أدلة غير مباشرة ، إذ لا تقع الإثبات فيها على الواقعة ذاتها مصدر الحق ، بل على وقاعة أخرى إذا ثبتت أمكن أن يستخلص منها الواقعة المراد إثباتها . وهذا ضرب من تحويل الإثبات ( deplacement de preuve ) من محل إلى آخر ، وسنعود إلى ذلك فيما بعد . مثل ذلك أن تكون الزوجية قرينة عى الصورية ، فالواقعة المعلومة هى قيام الزوجية بين المتعاقدين ، ويستدل القاضى من هذه الواقعة الثابتة على الواقعة المراد إثباتها ، وهى صورية العقد المبرم ما بين الزوجين . ومثل ذلك أيضاً أن يكون وجود سند الدين فى يد المدين قرينة على الوفاء ، فالواقعة المعلومة هى وجود سند الدين فى يد المدين ، ويستدل القاضى من هذه الواقعة على واقعة الوفاء . ومثل ذلك أخيراً أن يكون التصرف فى مرض الموت قرينة على التصرف وصية ، فالواقعة المعلومة هى إبرام التصرف فى مرض الموت ، ويستدل القاضى منها على أن هذا التصرف وصية .

والقرائن ، كما قدمنا ، إما قرائن قانونية أو قرائن قضائية . فالقرائن القانونية ( presomptions legales, presomptions de droit ) هى التى ينص عليها القانون . وهى ليست طريقاً للإثبات ، بل هى طريق يعفى من الإثبات ، فسنبحثها إذن مع الإقرار واليمين . والقرائن القضائية ( presomptions juduciaires, presomptions du fait de l'homme, presomptions simples ) هى التى تترك لتقدير القاضى يستخلصها من ظروف القضية وملابساتها ، وهى وحدها موضع هذا البحث .

ونبحث : ( أولاً ) عناصر القرينة القضائية وسلطة القاضى فى تقديرها ( ثانياً ) تكييف القرائن بوجه عام وتحولها من قرائن قضائية إلى قرائن قانونية .

المبحث الأول

عناصر القرينة القضائية وسلطة القاضى فى تقديرها

174 - عنصران للقرينة القضائية : للقرينة القضائية عنصران : $ 330 $ ( 1 ) واقعة ثابتة يختارها القاضى من بين وقائع الدعوى ، وتسمى هذه الواقعة بالدلائل أو الأمارات ( indices ) . وهذا هو العنصر المدى للقرينة . ( 2 ) عملية استنباط يقوم بها القاضى ، ليصل من هذه الواقعة الثابتة إلى الواقعة المراد إثباتها . وهذا هو العنصر المعنوى للقرينة .

175 - واقعة ثابتة يختارها القاضى : قد يستخلص القاضى الدليل – إذا لم يوجد إقرار أو يمين أو قرينة قانونية – لا من ورقة مكتوبة ، ولا من بينة تسمع ، ولكن من ظروف القضية وملابستها ، أو كما يقول التقنين المدنى العراقى ( م 505 ) من قرائن يستخلصها من ظروف الدعوى بعد أن يقتنع بأن لها دلالة معينة . وسبيله إلى ذلك أن يختار بعض الوقائع الثابتة أماه فى الدعوى . قد يختارها من الوقائع التى كانت محل مناقشة بين الخصوم . وقد يختارها من ملف الدعوى ، ولو من تحقيقات باطلة . بل قد يختارها من أوراق خارج الدعوى ، كتحقيق إدارى أو محاضر إجراءات جنائية ولو كانت هذه المحاضر قد انتهت بالحفظ ( [528] ) .

وقد تكون الواقعة التى اختارها القاضى ثابتة بالبينة ( [529] ) أو بورقة مكتوبة ( [530] ) ، $ 331 $ أو بيمين نكل الخصم عن حلفها ( [531] ) ، أو بإقرار من الخصم ( [532] ) ، أو بقرينة أخري دلت علي الواقعة التي تستنبط منها القرينة ( [533] ) ، أو بجملة من الطرق مجتمعه ( [534] ) .

 $ 332 $ يقف القاضي إذن عند واقعة يختارها تثبت عنده ، ولتكن واقعة قرض ثبتت بورقة مكتوبة أو ببينة أو بقرينة أو بغير ذلك . والقاضي حر في اختيار الواقعة التي يقف عندها ، إذ يراها أكثر مواتاة للدليل وأيسر في استنباط القرينة .

176 - استنباط الواقعة المراد إثباتها من الواقعة الثابتة : ويبدأ بعد ذلك أشق مجهود يبذله القاضي في استخلاص الدليل . إذ عليه أن يستنبط من هذه الواقعة الثابتة الدليل عل الواقعة التي يراد إثباتها ، فيتخذ من الواقعة المعلومة قرينة علي الواقعة المجهولة . ففي المثل المتقدم لا يكون القاضي متعنتا إذا هو استخلص من واقعة القرض التي اختارها أن المقترض كان في حاجة إلي المال عندما عقد القرض ، فإذا أدعي أنه اشتري ، بعد القرض بأيام قليلة وقبل أن يفي بالقرض ، دارا من المقرض بثمن يزيد كثيرا علي مبلغ القرض ، ودفع له الثمن في الحال ، كانت هذه الوقائع متعارضة مع دلالة الواقعة الثابتة . فإذا طعن شخص في عقد البيع الصادر من المقرض إلي المقترض بأنه بيع صوري ، أو دفع بصورية دفع الثمن ، كان للقاضي أن يستخلص من واقعة القرض وحاجة المقترض إلي المال وتعارض هذه الحاجة مع دفعه ثمنا كبيراً يزيد كثيراً علي مبلغ القرض ، كان له أن يستخلص من كل ذلك قرينة علي أن المقترض لم يدفع إلي المقرض ، فتكون هذه القرينة القضائية دليلا علي الصورية .

 $ 333 $ سلطة القاضي وساعة في التقدير : وقد رأينا فيما تقدم أن للقاضي سلطة واسعة في استنباط القرائن القانونية . فهو حر في اختيار واقعة ثابتة ، من بين الوقائع المتعددة التي يراها أمامه ، لاستنباط القرينة منها ، ثم هو واسع السلطات في تقدير ما تحمله هذه الواقعة من الدلالة ، وهذا هو الاستنباط . وفيه تختلف الأنظار ، وتتفاوت المدارك . فمن القضاة من يكون استنباطه سليما فيستقيم له الدليل ، ومنهم من يتجافي استنباطه مع منطق الواقع . ومن ثم كانت القرينة القضائية من أسلم الأدلة من حيث الواقعة الثابتة التي تستنبط منها القرينة ، ومن أخطرها من حيث صحة الاستنباط واستقامته ( [535] ) .

والقاضي ، فيما له من سلطان واسع في التقدير ، قد تقنعه قرينة واحدة قوية الدلالة ، ولا تقنعه قرائن متعددة إذا كانت هذه القرائن ضعيفة متهافتة ( [536] ) . وأما ما يذكره التقنين المدني الفرنسي ( م 1353 ) من وجوب اجتماع قرائن قوية الدلالة دقيقة التحديد ظاهرة التوافق ، فليس إلا من قبيل توجيه القاضي ( [537] ) . ويبقي حق التقدير النهائي في ذلك له . ولا تعقب عليه محكمة النقض في $ 334 $ هذا التقدير ( [538] ) ، ما دامت القرينة التي اعتبرها دليلا علي ثبوت الواقعة تؤدي عقلا إلي ثبوتها ( [539] ) .

178 - لا يجوز أن يثبت بالقرائن القضائية إلا ما يجوز إثباته بالبينة : ونري مما تقدم أن الإثبات بالقرائن القضائية لا يخلو من الخطر فالقاضي ، كما رأينا ، يتمتع في استنباط القرينة القضائية بحرية واسعة ، في ميدان تتفاوت فيه الأفهام ، وتتباين الأنظار . فليس ثمة من استقرار كاف في وزن الدليل ، وما يراه قاض قرينة منتجة في الإثبات لا يري قاض آخي فيه شيئا .

من أجل ذلك كانت القرينة القضائية ، كدليل إثبات ، دون منزلة الكتابة ، فهي تتساوي في منزلتها مع البينة ( [540] ) . ولا يجوز الإثبات بقرينة قضائية إلا $ 335 $ حيث ييجوز الإثبات بالبينة ( [541] ) . ( م 407 مدني ) ( [542] ) .

 $ 336 $ ولا يفوتنا هنا أن نشير إلي ما سبق أن ذكرناه في عبء الإثبات من أن هذا العبء ينتقل في الواقع من خصم إلي خصم وفقا للقرائن القضائية التي يستخلصها القاضي من ظروف الدعوي . فالقاضي يأخذ بالقرائن القضائية ، لا للإثبات الكامل فحسب ، بل أيضا لنقل عبء الإثبات من جانب إلي جانب ، ثم لرده إلي الجانب الأول ( [543] ) .

والقرينة القضائية كالبينة حجة متعدية غير ملزمة ، وهي أيضا كالبينة غير قاطعة ، غذ هي دائما تقبل إثبات العكس ، إما بالكتابة أو بالبينة أو بقرينة مثلها أو بغير ذلك ، فهي من هذه الناحية كالقرينة القانونية غير القاطعة .

المبحث الثاني

تكييف القرائن بوجه عام وتحولها من قرائن قضائية إلي قرائن قانونية

176 - تكييف القرائن بوجه عام : القرينة ليست إلا نقل الإثبات من الواقعة المراد إثباتها بالذات إلي واقعة أخري قريبة منها ، إذا ثبتت اعتبر ثبوتها دليلا علي صحة الواقعة الأولي .

ويقلو بارتان في هذا المعني : " تقتضي طبيعة الأمور أن نستبدل بإثبات الواقعة مصدر الحق المدعي به ، وهي واقعة يتعذر إثباتها ، إثبات واقعة أخري قريبة منها ( voisin ) ومتصلة بها ( connexe ) ويطلب الخصم من القاضي أن يستخلص من صحة الواقعة الثانية ، عن طريق استنباط يطول أو يقصر ، صحة $ 337 $ الواقعة الأولي التي لا يتمكن من إثباتها بطريق مباشر ، فيتحول محل الإثبات علي نحو ما وهذا ما اقترح تسميته بتحول الإثبات ( deplacement de prevue ) وهو من الخصائص الجوهرية للإثبات القضائي " ( [544] ) .

ففي القرينة القضائية القاضي هو الذي يختار هذه الواقعة القريبة المتصلة بالواقعة المراد إثباتها . أما في القرينة القانونية فالقانون هو الذي يتولي هذا الاختيار ( [545] ) .

وهذه الواقعة القريبة المتصلة - وهي الأمارة ( indice ) - لا تعطي للقاضي إلا علما ظنيا . وبالاستنباط ينتقل القاضي من العلم الظني إلي العلم اليقيني ( de la vraisemblanca a la certitude ) ، ومن الراجح إلي المحقق ( de la probabilite au reel ) ( [546] ) .

180 - تحول القرائن القضائية إلي قرائن قانونية : يقول بارتان هنا أيضا : " أن القرينة القانونية ليست في الواقع من الأمر إلا قرينة قضائية قام القانون بتعميمها وبتنظيمها " ( La presumption legale n est au fand qu une presumption de fait generalisee et systematisee par la loi ) وهذا صحيح من حيث التكييف والتأصيل . فالقرينة القانونية ليست في الأصل إلا قرينة قضائية تواترت واضطرد وقوعها ، فاستقر عليها القضاء . ومن ثم لم تصبح هذه القرينة متغيرة الدلالة من قضية إلي أخري ، فرأي المشرع في اضطرادها واستقرارها ما يجعلها جديرة بأن ينص علي توحيد دلالتها ، فتصبح بذلك قرينة قانونية ( [547] ) .

 $ 338 $ والأمثلة علي ذلك كثيرة ، نذكر بعضها :

يشترط في نجاح الدعوي البوليصية في المعاوضات أن يكون المدن معسراً ، وأن يكون هناك تواطؤ بين المدين ومن تصرف له . فكان إعسار المدين تقوم عليه ، في ظل التقنين المدني السابق ، قرينة قضائية ، تحولت في التقنين المدني الجديد إلي قرينة قانونية ، إذ تنص المادة 239 من هذا التقنين علي أنه " إذا ادعي الدائن إعسار المدين ، فليس عليه إلا أن يثبت مقدار ما في ذمته من ديون ، وعلي المدين نفسه أن يثبت أن له ما لا يساوي قيمة الديون أو يزيد عليها " .

وكانت هناك ، في ظل التقنين السابق ، سلسلة من القرائن القضائية تقوم دليلا علي غش المدين وتواطئه مع من تصرف له بعوض . وقد تحولت هذه القرائن القضائية إلي قرائن قانونية في التقنين المدني الحالي ، إذ تنص المادة 238 من هذا التقنين علي أنه " إذا تنص المادة 238 من هذا التقنين علي أنه " إذا كان تصرف المدين بعوض اشترط لعدم نفاذه في حق الدائن أن يكون منطويا علي غش من المدين ، وأن يكون من صدر له التصرف علي علم بهذا الغش . ويكفي لاعتبار التصرف منطويا علي الغش أن يكون قد صدر من المدين وهو عالم أنه معسر ، كما يعتبر من صدر له التصرف عالما بغش المدين إذا كان قد علم أن هذا المدين معسر " .

وجري القضاء ، في ظل التقنين المدني السابق ، علي اعتبار الوفاء بقسط من الأجرة قرينة قضائية علي الوفاء بالأقساط السابقة ( [548] ) . واضطرد هذا القضاء واستقر ، فارتفعت هذه القرينة القضائية في التقنين المدني الجديد إلي منزلة القرينة القانونية ، إذ نصت المادة 587 من هذا التقنين علي أن " الوفاء بقسط من الأجرة قرينة علي الوفاء بالأقساط السابقة علي هذا القسط ، حتي يقوم الدليل علي عكس ذلك " .

وقد يقع ، علي النقيض من ذلك ، أن قرينة قانونية تنزل إلي قرينة قضائية ، $ 339 $ كما وقع في القرينة المستفادة من وجود سند الدين في يد المدين .فقد كان التقنين المدني السابق ( م 219 / 284 )يجعله قرينة قانونية علي الوفاء ، إلي أن يقيم الدائن دليل علي العكس ( م 220 / 285 ) ولن يستبق التقنين المدني الجديد هذا النص ، نزلت هذه القرينة القانونية إلي مرتبة القرينة القضائية .

وبالرغم من أن القرينة القضائية والقرينة القانونية من طبيعة واحدة من حيث التكييف والتأصيل ، إلا أنهما تختلفان من حيث مهمة كل منهما . فالقرينة القضائية طريق إيجابي من طرق الإثبات أما القرينة القانونية فهي ، كما قدمنا ، إعفاء من الإثبات ، مؤقت أو دائم وفقا لما إذا كانت القرينة تقبل إثبات العكس أو لا تقبل ذلك ( [549] ) .

 $ 340 $ الفصل الثاني

قوة البينة والقرائن في الإثبات

181 - قوة مطلقة وقوة محدودة : تقضي المادة 400 من التقنين المدني بأن التصرف القانوني ، في غير المواد التجارية ، لا يجوز إثباته بالبينة إذا زادت قيمته علي عشرة جنيهات أو كان غير محدد القيمة .

فالقوة المحدودة في الإثبات للبينة والقرائن إنما هي في ميدان التصرفات القانونية المدنية . ويستخلص من ذلك أن للبينة والقرائن قوة مطلقة في الإثبات خارج هذا الميدان . فتكون لها هذه القوة المطلقة في الوقائع القانونية المادية ( faits juridiques materiels ) وفي التصرفات القانونية التجارية ( actes juridiques commerciaux ) .

الفرع الأول

قوة الإثبات المطلقة للبينة والقرائن

المبحث الأول

الوقائع القانونية المادية

182 - طبيعة الوقائع المادية تستعصي علي فرض الكتابة للإثبات : هناك فرق واضح بين التصرف القانوني والواقعة المادية .

فالتصرف القانوني إرادة تتجه إلي إحداث أثر قانوني معين فيرتب القانون عليها هذا الأثر ، ولما كانت هذه الإرادة لها مظهر خارجي هو التعبير ، فإن القانون اقتضي ألا يكون إثبات هذا التعبير ، كقاعدة عامة ، إلا عن طريق الكتابة ، وذلك لاعتبارين أساسيين : ( 1 ) لأن التعبير عن إرادة تتجه لإحداث أثر قانوني أمر دقيق ، قد يغم علي الشهود فلا يدركون معناه ، ولا يؤدون الشهادة $ 341 $ فيه بالدقة الواجبة ، وسنعود إلي هذا الاعتبار عند الكلام في إثبات التصرف القانوني . ( 2 ) والتصرف القانوني ، فوق ذلك ، هو الذي تستطاع تهيئة الدليل الكتابي ( prevue preconstituee ) عليه وقت وقوعه ، ومن ثم كان اشتراط الكتابة لإثباته أمرا ميسوراً .

أما الواقعة المادية فلا يقوم في شأنها أي من الاعتبارين المتقدمين . فهي تحدث ، وتراها الناس ، فلا تختلف أفهامهم كثيرا في روايتها كما وقعت ، إذ هي ليست من الدقة والتعقيد بالمنزلة التي رأيناها للتصرف القانوني . وهب أن واقعة مادية كانت من الدقة بحيث تختلف أفهام الناس في إدراكها ، فهل يكون ميسوراً تسجيلها بالكتابة عند وقوعها؟ قليل من الوقائع هو الذي يتيسر فيه ذلك . وقد عمد المشرع إلي الخطير من هذه الوقائع ، كالميلاد والموت ، فأوجب تسجيله بالكتابة علي نحو خاص ( [550] ) . أما الكثرة الغالبة من الوقائع المادية التي تحدث آثاراً قانونية فلا يتيسر إثباتها بالكتابة . فيكفي إذن إثباتها بالبينة وبالقرائن . بل بنفتح في إثباتها جميع أبواب الإثبات ، وبخاصة باب المعاينة فهو من أرحب الأبواب للوقوف عليها ( [551] ) .

183 - أنواع الوقائع المادية : والوقائع المادية التي تحدث آثاراً قانونية كثيرة متنوعة .

 $ 342 $ منها ما يكون مصدراً للالتزام ، كالعمل غير المشروع ( [552] ) . والبناء والغراس في الإثراء علي حساب الغير ، والقيان بأعمال مادية في الفضالة ، والجوار والقرابة في الالتزامات القانونية .

ومنها ما يكون سببا لكسب الحقوق العينية ، كالموت والميلاد في الميراث ( وهذان يراعي في إثباتهما أوضاع خاصة كما قدمنا ) ، والحيازة ، والاستيلاء ، والبناء والغراس في الالتصاق ، ومضي الزمن في التقادم ، والجوار في الشفعة .

ومنها ما يحدث آثاراً قانونية أخري ، كانتزاع الحيازة في قطع التقادم ، واستعمال حقوق الارتفاق بعد تركها ، وتنفيذ الالتزامات عن طريق أعمال مادية ( [553] ) . والعمل بالإعسار أو بالفقه( [554] ) أو بالعيوب الخفية أو بالبيع في $ 343 $ الشفعة ( [555] ) أو بغير ذلك من الوقائع ( [556] ) ، والتواطؤ ، والغلط والتدليس ( [557] ) والإكراه والاستغلال ، والعرف إذا كان ملحوظا في العقد .

فالقاعدة العامة في هذه الوقائع المادية ، التي أوردنا بعض أمثلة منها ، أنه يجوز إثباتها بجميع الطرق ، ومنها البينة والقرائن . فللبينة والقرائن إذن ، في ميدان الوقائع المادية ، قوة مطلقة في الإثبات تستوي في ذلك مع الكتابة ، بل قد تزيد عليها من ناحية الحاجة إليها .

184 - وقائع مادية تستوقف النظر : وهناك حالات للوقائع المادية تحتاج إلي إمعان في النظر .

فهناك وقائع مختلطة ( faits mixtes ) ، يقوم فيها العمل المادي إلي جانب التصرف القانوني ، وذلك كالوفاء والإقرار ، فهذه حكمها في الإثبات حكم التصرفات القانونية لا تثبت فيما زاد علي النصاب إلا بالكتابة . أما الاستيلاء $ 344 $ فواقعة مختلطة ، ولكن يغلب فيها طابع العمل المادي ، ومن ثم تثبت بالبينة والقرائن .

وهناك وقائع مركبة ( faits complexes ) ، كالشفعة وهذه تجتمع فيها جملة من الوقائع : الجوار وهو واقعة مادية تثبت بجميع الطرق ، وبيع العين المشفوع فيها وهو بالنسبة إلي الشفيع واقعة مادية أيضا تثبت بجميع الطرق ، وإرادة الأخذ بالشفعة وهذا تصرف قانونية لا يثبت إلا بالكتابة بل لا بد من طريق خاص في التعبير عن الإرادة هنا بينه القانون .

والحيازة واقعة مادية ( [558] ) ، ولكن قد يداخلها تصرف قانوني . فإذا أراد المالك أن يثبت أن الحائز للعين هو مستأجر منه ، وجب عليه أن يثبت عقد الإيجار بالكتابة إذا زاد علي النصاب . أما إذا أراد إثبات أن الحائز لا يقوم بأعمال الحيازة لحسابه الشخصي بل باعتباره مستأجراً فلا يستطيع التملك بالتقادم ، كان كل من الحيازة والإيجار واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق ( [559] ) .

 $ 345 $ والغير في التصرف القانوني يجوز له إثبات هذا التصرف بجميع الطرق لأنه ليس طرفا فيه ، فهو بالنسبة إليه واقعة مادية ( [560] ) . وحتي فيما بين المتعاقدين قد يقع ليس فيما إذا كان المطلوب إثباته تصرفا قانونيا فلا يثبت إلا بالكتابة ، أو واقعة مادية فتثبت بجميع الطرق ( [561] ) .

 $ 346 $ وفي الإخلال بالتزام عقدي ، يجوز إثبات العمل المادي الذي كون واقعة $ 347 $ الإخلال بجميع الطرق لأنه واقعة مادية ( [562] ) . أما العقد الذي أخل به فهو تصرف قانوني ، لا يجوز إثباته فيما زاد علي النصاب إلا بالكتابة .

وفي التبديد وغيره من الجرائم التي تستند إلي عقود مدنية ، لا يجوز إثبات هذه العقود فيما زاد علي النصاب إلا بالكتابة . ومن ثم نري أن الإخلال بالتصرف القانوني قد يكون واقعة مادية ، وأن الجريمة قد تنطوي علي تصرف قانوني ( [563] ) .

 $ 348 $ وقطع التقادم إذا تم بواقعة مادية ، كالعودة إلي استعمال حق الارتفاق ، يثبت بجميع الطرق وإذا تم بتصرف قانوني ، كالاعتراف بحق الارتفاق أو دفع الفوائد والأقساط ، فلا يجوز الإثبات فيما زاد علي النصاب إلا بالكتابة ( [564] ) .

والشركة الفعلية ( societe de fait ) واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق ( [565] ) .

ودفع غير المستحق تصرف قانوني يجب إثباته بالكتابة فيما زاد علي النصاب ( [566] ) .

وأعمال الفضالة بالنسبة إلي رب العمل وقائع مادية يجوز لهذا إثباتها بجميع الطرق ، حتي لو كان من بين هذه الأعمال تصرف قانوني قام به الفضولي . ولا يجوز إثبات هذا التصرف القانوني ، فيما بين الفضولي ومن تعاقد معه ، إلا بالكتابة فيما زاد علي النصاب ( [567] ) .

 $ 349 $ المبحث الثاني

التصرفات القانونية التجارية

  185 - جواز الإثبات بالبينة بالقرائن في التصرفات القانونية التجارية : رأينا أن المادة 400 من التقنين المدني تستثني المواد التجارية من وجوب الإثبات بالكتابة إذا زادت قيمة التصرف علي عشرة جنيهات . فالتصرف القانوني التجاري إذن يجوز إثباته بالبينة وبالقرائن ، حتي لو كانت قيمته تزيد علي عشرة جنيهات أو كان غير محدد القيمة .

  وقد كانت المادة 234 / 299 من التقنين المدني السابق تنص علي هذا الحكم فتقول : " عقود البيع والشراء وغيرها من العقود في المواد التجارية يجوز إثباتها ، بالنسبة للمتعاقدين وغيرهم ، بكافة طرق الثبوت ، بما فيها الإثبات بالبينة وبقرائن الأحوال " . واكتفي التقنين المدني الجديد باستبعاد المواد التجارية في المادة 400 من وجوب الإثبات بالكتابة علي النحو الذي قدمناه ، فلم يورد نصا يقابل المادة 234 / 299 من التقنين المدني السابق تجنبا للتكرار .

  والسبب في إباحة الإثبات بالبينة وبالقرائن في المسائل التجارية ، أيا كانت قيمة التصرف القانوني ، هو ما يقتضيه التعامل التجاري من السرعة وما يستلزمه من البساطة . وما يستغرقه من وقت قصير في تنفيذه ( [568] ), علي أن هناك من المسائل التجارية ما لا يستقيم إلا بالكتابة مثل ذلك الأوراق التجارية ، لم يقتصر القانون فيها علي اشتراط الكتابة ، بل اشترط في الكتابة أن تستوفي شروطا معينة . كذلك فعل في المسائل التجارية التي تستغرق وقتا طويلا وتنطوي علي أهمية خاصة ، كما هو الأمر في عقود الشركات التجارية ( م 40 - 46 تجاري ) ، وفي عقود بيع السفن ( م 3 بحري ) ، وفي إيجارها ( م 91 بحري ) ، وفي التأمين عليها أو علي البضائع ( م 174 بحري ) ، وفي القروض البحرية ( م 150 بحري ) $ 350 $ علي أن الإثبات بالبينة وبالقرائن في المسائل التجارية أمر جوازي للقاضي ، كما هو شأن الإثبات بالبينة وبالقرائن في أية مسألة أخري . فقد رأينا ان القاضي يقدر ما إذا كان الإثبات بالبينة وبالقرائن مستساغا ، ثم يقدر بعد ذلك ما إذا كانت البينة أو القرائن المقدمة للإثبات بهما غير مستساغ . وله أن يقدر أن هذا الإثبات لابد من تعزيزه بالكتابة ، وبخاصة بما هو مدون في الدفاتر التجارية لاسيما إذا كانت التصرفات المراد إثباتها ذات قيمة كبيرة أو كانت مما يصعب ضبطه بغير الكتابة وله سلطة واسعة في تقدير ما إذا كانت البينة أو القرائن المقدمة للإثبات كافية لاقناعة بصحة الواقعة المدعي بها ( [569] ) . ويجوز لأصحاب الشأن ، علي كل حال ، أن يتفقوا علي أن يكون الإثبات فيما بينهم في المسائل التجارية بالكتابة ، فتكون الكتابة عندئذ واجبة لأن إباحة الإثبات بالبينة وبالقرائن في التصرفات التجارية ليست قاعدة من النظام العام ، فيجوز الاتفاق علي ما يخالفها ، وسنعود إلي هذه المسألة .

   $ 351 $ 186 - العبرة بنوع التعامل وصفة الخصوم لا بالمحكمة المختصة : والقانون التجاري هو الذي يبين متي يعتبر التصرف القانوني تجاريا ، فيجوز إثباته بالبينة أو بالقرائن أيا كانت قيمته ( [570] ) .

وقد يقع التصرف القانوني بين شخصين ويعتبر بالنسبة إلي كل منهما تصرفا مدنيا ، كالمزارع يبيع جزءاً من محصوله إلي المستهلك . فالإثبات هنا لا يجوز أن يكون بالبينة أو بالقرائن إلا فيما لا يجاوز النصاب .

وقد يقع التصرف بين شخصين ويعتبر بالنسبة إلي كل منهما تصرفا تجاريا ، كصاحب المصنع يبيع سلعته من التاجر . فالإثبات يجوز أن يكون هنا بالبينة أو بالقرائن ، أيا كانت قيمة التصرف .

وقد يقع التصرف بين شخصين فيكون بالنسبة إلي أحدهما تصرفا مدنيا وبالنسبة إلي الآخر تصرفا تجاريا ، كالمزارع يبيع محصوله من التاجر ، وكالمستهلك يشتري من تاجر التجزئة ، وكعقد النشر بين المؤلف والناشر ، وكعقد النقل بين المسافر أو صاحب البضاعة وأمين النقل ، وكعمليات المصارف بين العميل والمصرف . وهذا ما يسمي بالتصرف المختلط . ففي هذه الحالة تسري القواعد المدنية في الإثبات علي من كان التصرف مدينا بالنسبة إليه ، فلا يجوز بالبينة أو بالقرائن إثبات تسليم الثمن إلي المزارع ولا تسليم السلعة إلي من اشتري من تاجر التجزئة ولا تسليم الأرباح إلي المؤلف ولا تسليم البضاعة إلي صاحبها من أمين النقل ولا العمليات المصرفية ضد العميل إلا فيما لا يجاوز النصاب . وتسري القواعد التجارية في الإثبات علي من كان التصرف تجاريا بالنسبة إليه ، فيمكن إثبات تسليم المحصول للتاجر ، وتسليم الثمن لتاجر التجزئة ، ومقدار أرباح المؤلف ضد الناشر ، وتسليم البضاعة لأمين النقل ، والعمليات المصرفية ضد المصرف ، بالبينة أو بالقرائن ، أيا كانت قيمة الالتزام ( [571] ) . $ 352 $ والعربة بنوع التعامل لا بالمحكمة المختصة . فقد يطرح نزاع تجاري أمام محكمة $ 353 $ المدنية ، فنتبع قواعد الإثبات التجارية . وقد يطرح نزاع مدني أمام محكمة تجارية ، فنتبع قواعد الإثبات المدنية ( [572] ) .

187 - جميع المسائل التجارية يجوز إثباتها بالبينة وبالقرائن ، حتي فيما يخالف الكتابة أو يجاوزها : ومتي ثبت للتصرف الصفة التجارية علي الوجه الذي قدمناه ، جاز إثباته ، كما سبق القول ، بالبينة وبالقرائن ، أيا كانت قيمة التصرف ، حتي لو كان الأمر يتعلق بجريمة تنطوي علي عقد مدني كجريمة التبديد ، فيجوز إثبات عقد الودية مثلا بجميع الطرق أيا كانت قيمة الشيء المودع ( [573] ) .

ومن باب أولي يجوز إثبات الوقائع المادية في المسائل التجارية بجميع طرق الإثبات . مثل ذلك أن يصاب عامل في مصنع ، فلهذا العامل أن يثبت مسئولية صاحب المصنع بجميع الطرق .

بل يجوز أيضا ، إذا كان التصرف القانوني التجاري ثابتا بالكتابة ، إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها بالبينة وبالقرائن ( [574] ) . وسنعود إلي هذه المسألة في موضع آخر .

 $ 354 $ الرفع الثاني

قوة الإثبات المحدودة للبينة والقرائن

188 - القاعدة العامة والاستثناءات : رأينا فيما تقدم أن للبينية والقرائن قوة مطلقة في إثبات الوقائع المادية والتصرفات القانونية التجارية . وتبقي ، بعد ذلك ، التصرفات القانونية المدنية . وهذه ليس للبينة والقرائن فيها إلا قوة إثبات محدودة وقد وضع القانون في ذلك قاعدة عامة ، ثم أورد عليها استثناءات معينة .

 $ 355 $ أما القاعدة فهي ذات شقين : ( أولا ) لا يجوز إثبات التصرفات القانونية المدنية ، إذا زادت قيمته علي عشرة جنيهات ، إلا بالكتابة . ( ثانياً ) وحتي إذا كان التصرف القانوني المدني لا تزيد قيمته علي شعرة جنيهات ، فإنه إذا كان ثابتا بالكتابة ، لم يجز إثبات ما يخالف هذه الكتابة أو ما يجاوزها إلا بالكتابة . ونري من ذلك أن هذه القاعدة العامة تضيق من نطاق الإثبات بالبينة والقرائن ، وتجعل قوة هذين الطريقين في الإثبات محدودة فلا يجوز أن تثبت بهما التصرفات المدنية التي تزيد قيمتها علي عشرة جنيهات ، بل وتلك التي لا تزيد قيمتها علي هذا المقدار إذا كانت مكتوبة ويراد إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها ، وغني عن البيان أن هذا الميدان الذي استبعد فيه الإثبات بالبينة وبالقرائن ذو نطاق واسع ، فهو يستغرق الكثرة الغالبة من التصرفات المدنية التي تكون عادة محلا للتقاضي . ومن ثم كانت البينة والقرائن ذات قوة في الإثبات جد محدودة في ميدان التصرفات القانونية المدنية .

علي أن هذين الطريقين تعود لهما المطلقة في الإثبات في الاستثناء الذي أورده القانون علي القاعدة العامة التي أسلفناها . وهو استثناء له أيضا شقان : ( أولا ) يجوز مع ذلك الإثبات بالبينة وبالقرائن فيما زاد علي عشرة جنيهات أو فيما يخالف الكتابة أو يجاوزها إذا كان هناك مبدأ ثبوت بالكتابة . ( ثانياً ) ويجوز أيضا الإثبات بالبينة وبالقرائن فيما زاد علي عشرة جنيهات أو فيما يخالف الكتابة أو يجاوزها إذا وجد مانع من الحصول علي الكتابة أو من تقديمها بعد الحصول عليها . ونري من ذلك أن البينة والقرائن ، وقد كانت قوتهما محدودة في القاعدة العامة ، انطلقنا في الاستثناء ، وأصبح من الجائز إثبات جميع التصرفات المدنية بهما عند وجود مبدأ ثبوت بالكتابة أو عند قيام المانع ( [575] ) .

ونبحث الآن القاعدة العامة ثم الاستثناءات .

 $ 356 $ المبحث الأول

القاعدة العامة

189 - الأصل التاريخي لهذه القاعدة : نبتت هذه القاعدة في القانون الفرنسي القديم ، وقد كان هذا القانون كغيره من القوانين القديمة ( [576] ) ، يجعل البينة هي الأصل في الإثبات ، فيجوز إثبات أي التزام بها أيا كانت قيمته ( [577] ) .

وبقيت هذه الحال سائدة إلي أن انتشرت الكتابة ، وبدأ الناس يألفون تدوين عقودهم ومعاملاتهم . فصدر قانون في فبراير سنة 1566 ، سمي " أمر مولان " ( Ordonnance Moulins ) ، تقضي المادة 56 منه بوجوب تدوين المعاملات $ 357 $ التي تزيد قيمتها علي مائة جنيه فرنسي في ورقة رسمية أمام موثق العقود ، وذلك نظراً للشكوي التي ترددت من عيوب الإثبات بالشهادة . وهذه الورقة هي وحدها التي تكون دليلا للإثبات ، دون أن تقبل البينة فيما يجاوز هذا الدليل الكتابي ، أو فيما يدعي أنه اتفق عليه قبل كتابة الدليل أو في أثناء كتابته أو بعد الكتابة ( avant icelui lors et depuis ) ولا يخل هذا الحكم بجواز إثبات التعامل في ورقة عرفية . وبعد مائة عام من صدور هذا الأمر صدر أمر آخر يؤكده في سنة 1667 ، وهو قانون لويس الرابع عشر في الإصلاح القضائي ، ويقضي بوجوب تدوين المعاملات التي تزيد قيمتها علي مائة جنيه ، ولو كانت ودائع اختيارية ، في أوراق رسمية أو عرفية . ولا يقبل الإثبات بالبينة لما يخالف ما اشتملت عليه هذه الأوراق أو يجاوزه ، ولا لما يدعي أنه اتفق عليه قبل الكتابة أو في أثنائها أو بعدها ، ولو لم تجاوز القيمة مائة جنيه ، دون أن يخل ذلك بما قد جري العمل عليه أمام القضاة والقناصل في المسائل التجارية ( [578] ) .

وبقي هذا النص معمولا به في القانون الفرنسي القديم . ثم نقله التقنين المدني الفرنسي نقلا يكاد يكون حرفيا ، فنصت المادة 1341 من هذا التقنين علي أنه " يجب إعداد ورقة رسمية أو عرفية لإثبات الأشياء التي تزيد قيمتها علي مائة وخمسين فرنكا ، ولو كانت ودائع اختيارية ولا تقبل البينة فيما يخالف أو يجاوز مشتملات هذه الأوراق ، أو فيما يدعي أنه وقع قبل كتابتها أو في أثناء الكتابة أو بعدها ، $ 358 $ ولو كانت القيمة تقل عن مائة وخمسين فرنكا . وهذا كله دون إخلال بأحكام قوانين التجارة ( [579] ) " .

وقد جعل قانون نابليون نصاب البينة مائة وخمسين فرنكا ، وكانت في القانون الفرنسي القديم مائة جنيه وقيمتها كانت تبلغ نحوا من ألفين من الفرنكات . وقد نزل نصاب البينة إلي هذا المقدار نظراً لزيادة انتشار الكتابة كما قال جوبير ( jaubert ) في تقريره عن هذا النص( [580] ) .ثم نقصت قيمة الفرنك فصدر قانون أول أبريل سنة 1928 يرفع نصاب البينة إلي خمسمائة فرنك . ثم هبطت قيمة الفرنك بعد ذلك هبوطا جسيما ، فصدر قانون 21 فبراير سنة 1948 يرفع النصاب مرة أخري إلي خمسة آلاف من الفرنكات وفي مصر قرر نصاب البينة منذ التقنين المدني السابق بعشرة جنيهات . ولم يتغير هذا النصاب في التقنين الجديد ، وإن كانت قيمة العملة قد نزلت نزولا كبيراً ، للمعادلة ما بين هذا النزول الكبير وزيادة انتشار الكتابة .

ونري مما تقدم أن " أمر مولان " كان هو نقطة التحول عن البينة إلي الكتابة . وقد ذكر الأمر لهذا التحول سببين : ( أولهما ) ما تنطوي عليه الشهادة من خصر ، ليس فحسب من حيث فساد ذمة الشهود ، بل أيضا من حيث ضعف ذاكرتهم واحتمال تطرق السهو النسيان إليها . ( والثاني ) ما يستتبع السماح بالبينة في الإثبات من كثرة القضايا التي ترفعها الناس اعتمادا علي سهولة اصطياد الشهود وشرائهم عند الضرورة ، وما يترتب علي ذلك من ازدحام المحاكم بالقضايا وتراكم هذه القضايا وتعقدها وطول إجراءاتها . ويضيف " بارتان " سببا ثالثاً هو ما ينطوي $ 359 $ عليه التصرف القانوني من دقة تضييق بها الشهادة . فالشهود قد يستطيعون رواية مادية ، أما أن يرددوا عبارات تم بها التصرف القانوني ترديداً صادقا أمنيا بهذا ما ينوء به كاهل الكثرة الغالبة من الشهود ( [581] ) .

190 - هل تعتبر هذه القاعدة العامة بشقيها من النظام العام : بقي ، قبل الدخول في تفصيلات هذه القاعدة العامة ، أن نبين هل هي تعتبر $ 360 $ من النظام العام . فإنها إذا اعتبرت كذلك ، لم يجز الاتفاق علي أن يكون الإثبات بالكتابة فيما لا تزيد قيمته علي عشرة جنيهات ، ولا أن يكون الإثبات بالبينة فيما تزيد قيمته علي عشرة جنيهات أو فيما يخالف الكتابة أو يجاوزها . ثم يكون للمحكمة أن تقضي بهذه الأحكام من تلقاء نفسها ، ولا تعتد بنزول الخصوم عنها ، ويجوز التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض . ونبحث هذه المسألة الهامة في القانون الفرنسي ، ثم في القانون المصري .

القانون الفرنسي : الفقه والقضاء في فرنسا مختلفان فيما إذا كانت هذه القاعدة تعتبر من النظام العام . فالفقه الفرنسي يذهب إلي وجوب اعتبارها من النظام العام ( [582] ) . كما يبدو من الأسباب التي ذكرت في أمر مولان ( Moulins ) وهو أول سند تشريعي لهذه القاعدة . والفقه ، وهو يأخذ في شبه إجماع ( [583] ) . بهذا الرأي ، يستند إلي الحجتين الآتيتين : ( أولا ) أن القانون في تنظيمه طرق الإثبات إنما يبغي الوصول إلي خير الحلول لحسم النزاع ما بين الأفراد ، ومن ثم فهو يمس تنظيم القضاء نفسه ، وتنظيم القضاء يعتبر من النظام العام ( [584] ) . ( ثانياً ) أن $ 361 $ الاعتبار الأساسي الذي استند إليه المشرع في تحريم البينة إلا في حدود ضيقة هو أن السماح بها يفسح المجال للإكثار من رفع القضايا وازدحام المحاكم بها اعتماداً علي تصيد الشهود وشرائهم عند الاقتضاء ، وهذا الاعتبار تعتبر من النظام العام أنه بالنظام العام ( [585] ) . ويرتب الفقه الفرنسي علي أن القاعدة تعتبر من النظام العام أنه لا يجوز الاتفاق علي الإثبات بالبينة أو بالقرائن فيما تزيد قيمته علي النصاب ، أو فيما يخالف الكتابة أو يجاوزها ولو لم تزيد قيمته علي النصاب . كذلك لا يجوز الاتفاق علي الإثبات بالكتابة فيما لا تزيد قيمته علي النصاب ( [586] ) . ويستوي في ذلك أن يكون الاتفاق ما بين الخصوم علي ما يخالف القاعدة واقعا قبل رفع النزاع إلي المحكمة أو بعد رفعة ، ففي الحالتين يكون الاتفاق باطلا لمخالفته للنظام العام ( [587] ) . وللقاضي أن يحكم من تلقاء نفسه ، دون طلب من الخصوم بل بالرغم $ 362 $ من تنازلهم أو من اتفاقهم علي العكس ، بوجوب تطبيق الأحكام التي تقضي بها هذه القاعدة . وللخصوم أن يتمسكوا بهذا الأحكام ، ولو لأول مرة ، أمام محكمة النقض .

أما القضاء الفرنسي فيذهب ، في شبه إجماع كذلك ، إلي أن القاعدة وإن كانت تتعلق بالمصلحة العامة إلا أنها ليست من النظام العام ( [588] ) . وذلك للاعتبارين الآتيين : ( أولا ) أن الإثبات إنما يتناول حقوقا فردية للخصوم ، وللخصم أن ينزل عن حقه ، فيملك من باب أولي أن يتفق مع خصمه علي طريق إثباته ( [589] ) .( ثانياً ) أن موقف القاضي في الإثبات هو موقف الحياد التام ، والخصوم وحدهم هم الذين يقومون بالنشاط الإيجابي في الإثبات . فهلم إذا شاءوا أن يعينوا بالاتفاق فيما بينهم الطرق التي يثبتون بها حقوقهم دون تدخل من القاضي . ولا $ 363 $ بتدخل المشرع ، فيرسم طرق الإثبات ، إلا إذا لم يتفق الخصوم ، صراحة أو ضمنا ، علي شيء من ذلك ( [590] ) .

ويرتب القضاء الفرنسي علي أن القاعدة لا تعتبر من النظام العام عكس النتائج التي يرتبها الفقه الفرنسي علي أن القاعدة تعتبر من النظام العام . فيجوز الاتفاق علي الإثبات بالبينة أو بالقرائن فيما تزيد قيمته علي النصاب ، أو فيما يخالف الكتابة أو يجاوزها ولو لم تزد قيمته علي النصاب ( [591] ) . ويجوز الاتفاق كذلك علي الإثبات بالكتابة فيما لا تزيد قيمته علي النصاب( [592] ) .ويستوي في هذا الجواز أن يكون الاتفاق واقعا قبل رفع النزاع إلي المحكمة أو بعدها ( [593] ) . وليس للقاضي أن يحكم من تلقاء نفسه بوجوب تطبيق الأحكام التي تقضي بها هذه القاعدة إذا نزل الخصوم عن التمسك بها صراحة أو ضمنا ، أو حتي إذا اقتصر الخصم علي عدم الاعتراض علي خصمه وهو يخالفها في إثبات ما يدعيه ( [594] ) . وليس للخصوم أن يتمسكوا بهذا الأحكام لأول مرة أمام محكمة النقض ( [595] ) .

 $ 364 $ القانون المصري : أما في مصر ، وفي عهد التقنين المدني السابق ، فقد كان الفقه والقضاء متفقين علي أن القواعد المتعلقة بطرق الإثبات ، إذا كانت تجيز البينة ، لا تعتبر من النظام العام ، فيجوز للطرفين أن يتفقا علي أن الإثبات لا يكون إلا بالكتابة حتي لو لم تزد قيمة الالتزام علي عشرة جنيهات ( [596] ) . $ 365 $ إذا كانت قواعد الإثبات تتطلب الكتابة : فقد كان هناك رأي يعتبر هذه القواعد من النظام العام ، فلا يجوز الاتفاق مقدما علي الإثبات بالبينة ، بل لا يجوز نزول أحد الطرفين عن حقه في الإثبات بالبينة حتي لو قبلها الخصمان( [597] ) . وكان هناك رأي ثان يميز بين الحالتين ، فلا يجيز الاتفاق مقدما علي جواز الإثبات بالبينة ، ولكنه يجيز تراضي الخصمين أثناء رفع الدعوي علي قبول البينة في الإثبات إذ يكون قد تبين لهما مدي النزاع وأهميته ( [598] ) . وكان $ 366 $ هناك رأي ثالث لا يعتبر هذه القواعد من النظام العام ، دون تمييز بين حالة وحالة ، فيجيز تراضي الخصمين علي قبول البينة أثناء رفع الدعوي ، بل ويجيز الاتفاق مقدما علي الإثبات بالبينة ، فعنده أن جميع القواعد المتعلقة بطرق الإثبات ، سواء كانت تحتم الكتابة في الإثبات أو تجيز الإثبات بالبينة ، ليست $ 367 $ من النظام العام ( [599] ) .

أما التقنين المدني الجديد فقد حسم ، فيما نري ، هذا الخلاف . فقد قضت الفقرة الأولي من المادة 400 من هذا التقنين بعدم جواز الإثبات بالبينة إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته علي عشرة جنيهات أو كان غير محدد القيمة ، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك . فأجاز التقنين الجديد صراحة الاتفاق علي جواز الإثبات بالبينة في تصرف قانوني تزيد قيمته علي عشرة جنيهات ( [600] ) ، $ 368 $ فبالأولي يجوز الاتفاق علي وجوب الإثبات بالكتابة في تصرف قانوني لا تزيد قيمته علي عشرة جنيهات( [601] ) . كما يجوز الاتفاق علي الإثبات بالبينة فيما يخالف الكتابة أو يجاوزها . وم دام الاتفاق مقدما علي كل ذلك جائزاً ، فمن الجائز أيضا ، من باب أولي ، أن يتم الاتفاق علي كل ذلك بعد رفع النزاع . وقد يفهم مثل هذا الاتفاق دلالة من عدم اعتراض الخصم علي طريق الإثبات الذي لجأ إليه خصمه ، ومن مساهمته في هذا الطريق بمناقشته للشهود في التحقيق أو بطلبه استدعاء شهود للنفي أو بأي عمل آخر . ولا يجوز للقاضي من تلقاء نفسه رفض الإثبات بالبينة حيث يوجد القانون الإثبات بالكتابة ، من غير طلب من الخصوم . كما لا يجوز أن تثار المخالفة للقواعد المتعلقة بطرق الإثبات لأول مرة أمام محكمة النقض ، إذا لم تكن أثيرت قبل ذلك أمام محكمة الموضوع . ويجوز ، أخيرا ، الاتفاق علي الإثبات بالبينة دون القرائن ، أو علي الإثبات بالقرائن جون البينة ، وذلك فيما تزيد قيمته علي عشرة جنيهات أو فيما يخالف الكتابة أو يجاوزها ( [602] ) .

وننتقل الآن إلي القاعدة العامة في كل من شقيها .

 $ 369 $ المطلب الأول

لا تقبل البينة أو القرائن في تصرفات قانونية تزيد قيمتها علي عشرة جنيهات

  191 - النصوص القانونية : تنص المادة 400 من التقنين المدني الجديد علي ما يأتي :

 " 1 - في غير المواد التجارية ، إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته علي عشرة جنيهات ، أو كان غير محدد القيمة ، فلا تجوز البينة في إثبات وجوده أو انقضائه ، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك " .

 " 2 - ويقدر الالتزام باعتبار قيمته وقت صدور التصرف . ويجوز الإثبات بالبينة إذا كانت زيادة الالتزام علي عشرة جنيهات لم تأت إلا من ضم الفوائد والملقحات إلي الأصل " .

 " 3 - وإذا اشتملت الدعوي علي طلبات متعددة ناشئة عن مصادر متعددة ، جاز الإثبات بالبينة في كل طلب لا تزيد قيمته علي عشرة جنيهات ، ولو كانت هذه الطلبات في مجموعها تزيد علي هذه القيمة ، ولو كان منشؤها علاقات بين الخصوم أنفسهم أو تصرفات من طبيعة واحدة . وكذلك الحكم في كل وفاء $ 370 $ لا تزيد قيمته علي عشرة جنيهات ( [603] ) " .

وتنص المادة 401 علي ما يأتي :

 " لا يجوز الإثبات بالبينة ولو لم تزد القيمة علي عشرة جنيهات : "

 " أ - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . " .

 " ب - إذا كان المطلوب هو الباقي أو هو جزء من حق لا يجوز إثباته إلا بالكتابة " .

 " جـ - إذا طالب أحد الخصوم في الدعوي بما تزيد قيمته علي عشرة جنيها ، ثم عدل عن طلبه إلي ما لا يزيد علي هذه القيمة ( [604] ) .

 $ 371 $ وتقابل هذه النصوص المادتين 215 - 216 / 280 - 281 من التقنين المدني السابق ( [605] ) .

وتقابل في التقنينات المدنية العربية الأخري : في قانون البينات السوري المواد 52 إلي 55 ، وفي التقنين المدني العراقي المواد 486 إلي 489 ، وفي تقنين أصول المحاكمات المدني اللبناني المواد 241 إلي 246 ، وفي التقنين الليبي المادتين 387 - 388 ( [606] ) . وتقابل في التقنين المدني الفرنسي $ 372 $ المواد 1341 - 1346 ( [607] ) .

ويخلص من نصوص التقنين المدني المصري أن التصرف القانوني لا يجوز إثباته بالبينة أو بالقرائن إلا إذا كانت قيمة الالتزام الناشيء عن هذا التصرف $ 373 $ لا يزيد علي عشرة جنيهات مصرية . فإن كانت القيمة تزيد علي عشرة جنيهات ، فلا يجوز الإثبات إلا بالكتابة ، إلا إذا وجد اتفاق أو نص في القانون يجيز الإثبات بالبينة أو بالقرائن . أما الاتفاق ، فقد قدمنا أن القاعدة ليست من النظام العام ، فيجوز الاتفاق علي أن يكون الإثبات بالبينة أو بالقرائن فيما يزيد علي عشرة جنيهات ، كما يجوز الاتفاق علي أن يكون الإثبات بالكتابة فيما لا يجاوز عشرة جنيهات . وأما النص ، فهناك نصوص قانوني تجيز الإثبات بالبينة وبالقرائن فيما يزيد علي عشرة جنيهات ، كما إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة أو وجد مانع من الحصول علي الكتابة أو من تقديمها بعد الحصول عليها وسنري تفصيل ذلك . كما توجد نصوص توجب الإثبات بالكتابة فيما لا يجاوز عشرة جنيهات ، من ذلك عقد الصلح ( م 552 مدني ) وعقد الكفالة ( م 773 ) وعقد إنشاء ملكية الأسرة ( م 851 مدني ) واتفاق التحكيم ( م 821 مرافعات ) والشركات التجارية ( م 40 و 46 تجاري ) وشروط استخدام قبودان السفينة وضباطها وملاحيها ( م 65 بحري ) وعقد إيجار السفينة ( م 90 بحري ) وعقد التأمين البحري ( م 174 بحري ) ( [608] ) . فإذا لم يوجد اتفاق أو نص ، فالقاعدة هي $ 374 $ ما قدمنا ( [609] ) . ويقتضي الأمر إذن أن نبحث مسألتين : ( أ ) كيف نحدد التصرفات القانونية المدنية التي تسري عليها هذه القاعدة . ( ب ) كيف نحدد قيمة الالتزامات شئة عن هذه التصرفات لنري هل تزيد علي عشرة جنيهات أو لا تزيد عليها .

1 - تحديد التصرف القانوني

192 - الاتفاقات والعقود : تسري القاعدة المتقدم ذكرها علي جميع التصرفات القانونية المدنية . فهي إذن لا تسري علي الوقائع المادية ولا علي التصرفات القانونية التجارية كما تقدم القول( [610] ) .

ويدخل في التصرفات القانونية المدنية جميع الاتفاقات والعقود ، أيا كان الأثر الذي يترتب عليها .

فتدخل العقود والاتفاقات التي تنشيء الالتزام أو تنقل الحق العيني ، كالبيع والقرض والإيجار والمقاولة والوكالة والعارية والوديعة( [611] ) والوعد بالبيع $ 375 $ أو بالشراء وغير ذلك من العقود والاتفاقات الملزمة للجانبين أو الملزمة لجانب واحد .

كما تدخل العقود والاتفاقات التي تقضي الالتزام أو تنقله ، كالوفاء والتجديد ( [612] ) وحوالة الحق وحوالة الدين ( [613] ) .

كما تدخل العقود والاتفاقات التي تحدث أي أثر قانوني آخر ، كالاتفاق علي تأجيل الدين ، أو إضافة شرط له ، أو إلغاء شرط فيه ، أو النزول عن جزء منه ، أو الاتفاق علي فوائد للدين أو إنقاصها أو زيادتها أو إلغائها ، أو الاتفاق علي إعطاء تأمين بالدين كرهن أو كفالة ، أو الحلول الاتفاقي .

وقد قدمنا أن القانون يتطلب ، في بعض الأحوال ، فوق الكتابة ، شكلا خاصا كالرسمية ، ويكون هذا الشكل ضروريا ، لا فثبات العقد فحسب ، بل أيضا لانعقاده ، وذلك كالهبة والرهن الرسمي . وقد يكون مجرد الكتابة ، ولو عرفية ، ضرورية لانعقاد العقد لا لإثباته فحسب ، وذلك كعقد الشركة ( م 507 ) وقد تكون الكتابة لازمة لإثبات العقد أيا كانت قيمته ، وليست لازمة لانعقاده ، وذلك كالصلح والتحكيم . ومن ذلك نري أن العقد قد يشترط لانعقاده كتابة رسمية ، أو كتابة عرفية ، وقد تكون الكتابة لازمة لإثبات العقد لا لانعقاده ، تارة في جميع الأحوال ، وطوراً فيما يجاوز عشرة جنيهات ( [614] ) .

 $ 376 $ 193 - التصرفات القانونية الصادرة عن إرادة منفردة : ولا يقتصر سريان القاعدة علي العقود والاتفاقات التي تتم بإرادتين متوافقتين . ملزمة للجانبين أو ملزمة لجانب واحد ، بل تسري القاعدة أيضا علي كل تصرف قانوني ولو كان صادراً عن إرادة منفردة . ويرجع ذلك إلي أن كل تصرف قانوني - إرادة كان أو أكثر - يمكن إعداد الدليل عليه مقدما ، فهو قابل للدليل المهيأ ( Preuve preconstituee ) ، ومن ثم اشترط القانون في إثباته الكتابة إذا زادت قيمته علي عشرة جنيهات ( [615] ) .

 $ 377 $ فتسري القاعدة إذن علي الإيجاب الملزم ، والقبول ، والوعد بجائزة ، والإجازة ( confirmation ) ، والإقرار ( ratification ) والاعتراف بدين طبيعي ، والإقرار بالدين ، والإبراء في التقنين المدني الجديد ، وقبول المنتفع في الاشتراط لمصلحة الغير ، وقبول الغير في التعهد عن الغير ، وفسخ العقد ، وإلغائه إذا كان غير محدد المدة كما في الإيجار والوكالة والعارية والوديعة ، واستعمال حق الخيار في الالتزامات التخييرية ، والرجوع في الهبة ، والنزول عن حق عيني كحق الانتفاع وحق الارتفاق وحق الرهن ، والنزول عن الشفعة ، واعتماد الحساب ، والتنبيه بالإخلاء .

عل أن هناك تصرفات قانونية بإرادة منفردة يتطلب القانون فيها شكلا خاصا لانعقادها ، لا لإثباتها فحسب ، وذلك كالإعذار ( م 219 مدني ) ، وعرض الدين علي الدائن ( م 334 - 340 مدني ) ( [616] ) ، وتطهير العقار ( م 1065 - 1066 مدني ) ، والأخذ بالشفعة ( م 942 ) ( [617] ) .

2 - تحديد قيمة الالتزام

194 - نصاب البينة عشرة جنيهات : حتي يجوز إثبات التصرف القانونية بالبينة أو بالقرائن ، يجب ألا تزيد قيمة الالتزام علي عشرة جنيهات مصرية . وهذه القيمة هي ذاتها التي كان التقنين المدني السابق قد حددها ، لم يزدها التقنين الجديد بالرغم من أن قيمة العملة قد نقصت كثيرا عن ذي قبل وكان التفكير قد اتجه ، في لجنه المراجعة ، إلي رفع هذا النصاب إلي عشرين جنيها . ولكن عدل عن ذلك واستبقي النصاب كما هو ، عشرة جنيهات . ومعني ذلك أن النصاب قد نزل ، في الحقيقة ، بانخفاض قيمة العملة ، إلي أقل من الربع ، ويبر ذلك انتشار التعليم في البلاد . وقد رأينا أن استبقاء نصاب البينة في هذا المستوي المنخفض حمل المشرع علي أن يبيح الاتفاق علي الإثبات بالبينة حيث تكون الكتابة لازمة ، وسنري كذلك ، ولنفس السبب ، أن تقدير قيمة الالتزام في التقنين الجديد ينظر فيه إلي أصل الالتزام دون ضم الفوائد والملحقات ، وأن الدعوي إذا اشتملت علي طلبات متعددة ناشئة عن مصادر متعددة فلا تضم هذه الطلبات بعضها إلي بعض بل تبقي البينة جائزة في كل طلب لا تزيد قيمته علي عشرة جنيهات .

وقد التزمت التقنينات المدنية العربية الأخري نصابا مماثلا . فالنصاب في التقنين المدني العراقي عشرة دنانير ، وفي التقنين المدني للمملكة المتحدة الليبية عشرة جنيهات ، وفي قانون البينات السور مائة ليرة ، وهذه قيم تتقارب كثيراً مع قيمة النصاب في التقنين المدني المصري . أما في تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبناني فالنصاب أقل كثيراً ، إذ هو خمس وخمسون ليرة .

وكان النصاب في القانون الفرنسي القديم مائة جنيه . ثم نقص في تقنين نابليون إلي مائة وخمسين فرنكا بسبب انتشار الكتابة . ولما نزلت قيمة العملة ، رفع النصاب إلي خمسمائة فرنك بقانون صدر في أول أبريل سنة 1928 ، ثم إلي خمسة آلاف من الفرنكات بقانون صدر في 21 من فبراير سنة 1948 ، $ 379 $ وقد تقدم ذكر ذلك ( [618] ) .

وقد يكون محل الالتزام مبلغا من النقود ، فيسهل عندئذ تحديد قيمته وإذا كان النقد أجنبيا حول إلي نقد مصري بسعره وقت صدور التصرف القانوني لا وقت المطالبة .

وإذا كان محل الالتزام شيئا غير النقود ، قدر القاضي قيمته وقت صدور التصرف لا وقت المطالبة ، دون أن يتقيد في ذلك بتقدير المدعي ، وله عند الحاجة أن يستعين بخبير . فإذا طالب المدعي بأمتعة أو أثاث مثلا أودعها عند المدعي عليه ، وقدرها بعشرة جنيهات أو أقل ، ومن ثم طلب إثبات الوديعة بالبينة ، وعارض المدعي عليه متمسكا بأن الأثاث المدعي به هو ملكه وأنه لو صحت فإن قيمة الأثاث تبلغ أكثر من عشرة جنيهات فلا يجوز إثبات الوديعة بالبينة ، فللقاضي في هذه الحالة أن يعين خبيراً لتقدير قيمة الأثاث وقت إبرام عقد الوديعة لا وقت رفع الدعوي ( [619] ) . ومتي عينت القيمة وقت إبرام العقد ، $ 380 $ فلا عبرة بما يطرأ عليها بعد ذلك من نقص أو زيادة ( [620] ) .

أما إذا كان الالتزام غير محدد القيمة كدعوي تقديم حساب لا يعرف بعد رصيده ( [621] ) ، فإنه لا يجوز الإثبات هنا بالبينة أو بالقرائن ، ويعتبر الالتزام غير محدد القيمة كالالتزام الذي تزيد قيمته علي عشرة جنيهات فلا يجوز إثباته إلا بالكتابة .

195 - العبرة بقيمة الالتزام وقت صدور التصرف لا وقت المطالبة : وقد رأينا فيما تقدم أن العبرة بقيمة الالتزام وقت صدور التصرف لا وقت المطالبة . وهذا هو الحكم الذي يتفق مع طبائع الأشياء . ذلك أن الدليل الكتابي المطلوب فيما تزيد قيمته علي عشرة جنيهات هو دليل مهيأ يجب $ 381 $ إعداده مقدما عند صدور التصرف . فلا يستطيع الدائن إلا أن يقف عند هذا الوقت لمعرفة ما إذا كان واجبا عليه إعداد هذا الدليل ( [622] ) .

وهذا ما تنص عليه صراحة الفقرة الثانية من المادة 400 ، فقد رأينا أنها تقضي بأن " يقدر الالتزام وقت صدور التصرف " ( [623] ) . ومن ثم فالعبرة ليست بما يطلبه المدعي وقت رفع الدعوي أو بعد رفعها ، بل بقيمة الالتزام وقت صدور التصرف .

ويترتب علي ذلك نتيجتان أساسيتان : ( الأولي ) أن المدعي إذا طالب بمبلغ أكبر من عشرة جنيهات علي أساس تصرف قانوني قيمته وقت صدوره لا تزيد علي عشرة جنيهات ، جاز الإثبات بالبينة وبالقرائن . ( والثانية ) أن المدعي إذا طالب بمبلغ لا يزيد علي عشرة جنيهات علي أساس تصرف قانوني تزيد قيمته وقت صدوره علي عشرة جنيهات ، لم يجز الإثبات بالبينة أو بالقرائن بل وجب تقديم دليل كتابي .

196 - النتيجة الأولي – المطالبة بأكثر من عشرة جنيهات علي أساس تصرف قيمته لا تزيد علي عشرة جنيهات : رأينا أن الإثبات هنا يجوز أن يكون بالبينة وبالقرائن ، لأن العبرة بالقيمة وقت صدور التصرف لا وقت المطالبة . ويتفرع علي ذلك المسائل الآتية :

( 1 ) تقضي الفقرة الثانية من المادة 400 من التقنين المدني بأنه : " يجوز الإثبات بالبينة ( وبالقرائن ) إذا كانت زيادة الالتزام علي عشرة جنيهات لم تأت إلا من ضم الفوائد والملحقات إلي الأصل " . فهنا لا تزيد قيمة الالتزام وقت صدور $ 382 $ التصرف علي عشرة جنيهات . ومن ثم يكون من حق الدائن الإثبات بالبينة وبالقرائن ، ولو طالب المدين بأزيد من عشرة جنيهات إذا كانت هذه الزيادة إنما أتت من ضم مصروفات الدين وفوائده إلي أصله . إذ العبرة بقيمة الالتزام في أصله وقت صدور التصرف ، وهذه القيمة لا تزيد علي عشرة جنيهات ، ولا يحسب ما يضاف إلي هذا الأصل من ملحقات وفوائد ( [624] ) .ولو قلنا بغير ذلك لكان في هذا القول بعض الحرج علي الدائن . ويكفي أن نفرض أن الدائن أقرض المدين تسعة جنيهات بفائدة 7% لمدة سنة واحدة . فمن حق هذا الدائن أن يعتمد في إثبات حقه علي البينة والقرائن ، وليس عليه أن يحصل علي دليل كتابي ، فأن أصل الدين تسعة جنيهات ، بل إن أصل الدين وفوائده لمدة السنة لا تزيد كلها علي عشرة جنيهات . فإذا استمهل المدين الدائن في سداد الدين سنة أخري وقبل الدائن ، كان مجموع الدين وفوائده في نهاية السنتين أكثر من عشرة جنيهات . فإذا نحن لم نقتصر علي أصل الدين في حساب نصاب البينة ، بل ضممنا إلي الأصل الفوائد ، لما جاز الإثبات بالبينة في هذه الحالة .

ويذهب التقنين المدني الفرنسي ( م 1342 ) في هذه المسألة مذهبا آخر . فهو إمعانا منه في كراهية الإثبات بالبينة ، يقضي بضم الملحقات والفوائد إلي الأصل في حساب نصاب البينة . ففي المثل المتقدم ما دام القرض وفوائده لمدة السنة - ومجموع ذلك كان معلما للدائن منذ صدور عقد القرض - لا يزيد علي نصاب البينة ، فلا عليه أن يغفل كتابة سند بالدين إذ له أن يعتمد في إثبات حقه علي البين’ . أما إذا رضي بتأجيل الدين سنة أخري ، فأصبح مجموع الأصل والفوائد يزيد في نهاية السنتين علي نصاب البينة ، فقد كان عليه وقت أن رضي بالتأجيل أن يشترط لذلك كتابة سند بالدين وفوائده لأنه لم يعد يستطيع الإثبات بالبينة بعد التأجيل . وأما الفوائد التي لا تستحق إلا بعد رفع الدعوي فهذه لا تضم $ 383 $ إلي الأصل في حساب النصاب ، لأنها لم تكن معروفة ولا تمكن معرفتها وقت صدور التصرف ( [625] ) .

والحكم الذي أورده التقنين المدني المصري الجديد في عدم ضم الفوائد والملحقات إلي الأصل ، وخالف به حكم التقنين المدني الفرنسي ، منقول عن المشروع الفرنسي الإيطالي ، وهو أيسر في حساب النصاب وأقرب إلي المنطق ويوازن في الوقت ذاته مستوي النصاب المنخفض كما تقدم القول ( [626] ) .

 $ 384 $ ( 2 ) لو أن شركة محاصة – وتخضع في الإثبات للقواعد العامة – كان رأس مالها لا يزيد علي عشرة جنيهات ، وكان ربح أحد الشركاء من هذه الشركة أكثر من عشرة جنيهات ، وطالب الشريك بهذا الربح وكان عليه أن يثبت وجود الشركة ، جاز له أن يثبت وجودها بالبينة وبالقرائن ، ولو أن المبلغ الذي يطالب به أكثر من عشرة جنيهات . ذلك أنه يؤسس مطالبته علي عقد شركة لا تزيد قيمته علي عشرة جنيهات ، والعبرة بالقيمة وقت صدور التصرف ، لا بالمبلغ المطالب به وقت رفع الدعوي ( [627] ) .

 $ 385 $ ( 3 ) لو أن عقداً لا تزيد قيمته علي عشرة جنيهات أخل به المدين ، فرجع الدائن بتعويض يزيد علي عشرة جنيهات بسبب هذا الإخلال ، جاز له أن يثبت وجود العقد بالبينة وبالقرائن ، ولو أنه يطالب بمبلغ يزيد علي عشرة جنيهات ، لأنه يؤسس طلبه علي عقد لا تزيد قيمته علي نصاب البينة ( [628] ) .

 $ 386 $ النتيجة الثانية – المطالبة بما لا يزيد علي عشرة جنيهات علي أساس تصرف يزيد علي عشرة جنيهات : العبرة هنا أيضا ، كما قدمنا ، بقيمة التصرف القانوني لا بالمبلغ المطالب به ، ومن ثم لا يجوز في هذه الحالة الإثبات بالبينة وبالقرائن ، بل يجب تقديم دليل كتابي ، لأن قيمة التصرف تزيد علي عشرة جنيهات . ويتفرع علي ذلك المسائل الآتية :

( 1 ) تقضي المادة 401 بند ( ب ) من التقنين المدني الجديد بأنه لا يجوز الإثبات بالبينة ( ولا بالقرائن ) ، ولو تم تزد القيمة المطالب بها علي عشرة جنيهات ، " إذا كان المطلوب هو الباقي أو هو جزء من حق لا يجوز إثباته إلا بالكتابة " . فلو اقترض شخص عشرين جنيها ، وكان الوفاء بالقرض مقسطا علي أربعة أقساط متساوية مقدار كل قسط منها خمسة جنيهات ، وطالب الدائن المدين بأحد هذه الأقساط وكان عليه أن يثبت عقد القرض ، فلا يجوز أن يثبته بالبينة أو بالقرائن ، ولو أنه لا يطالب إلا بخمسة جنيهات ، لأنه يؤسس طلبه علي تصرف قانوني قيمته وقت صدوره تزيد علي عشرة جنيهات ، فكان عليه أن يعد دليلا كتابيا لإثباته . وهذا أيضا صحيح ولو كان القسط المطالب به هو القسط الأخير ، فالاعتبارات التي بني عليها الحكم في الحالة الأولي متحققة في هذه الحالة ، فيكون الحكم واحداً في الحالتين ( [629] ) .

( 2 ) تقضي المادة 401 بند ( جـ ) من التقنين المدني الجديد بأنه لا يجوز الإثبات بالبينة ( ولا بالقرائن ) " إذا طالب أحد الخصوم في الدعوي بما تزيد $ 387 $ قيمته علي عشرة جنيهات ، ثم عدل عن طلبه إلي ما لا يزيد علي هذه القيمة " . فهنا قد أسس المدعي دعواه علي تصرف قانوني تزيد قيمته علي عشرة جنيهات وطالب بهذه القيمة ، فلا يجوز له الإثبات بالبينة أو بالقرائن حتي لو أنقص بعد ذلك ما يطالب به إلي ما لا يزيد علي نصاب البينة . إذ العبرة ليست بما يطالب به ، بل بقيمة التصرف القانوني الذي يؤسس عيه دعواه( [630] ) . وغني عن البيان $ 388 $ أن المدعي إذا كان قد أخطأ عند رفع الدعوي في تقدير قيمة التصرف القانوني بأكثر من عشرة جنيهات ، وأدرك خطأه بعد ذلك فصحح دعواه وجعل قيمة ما يطالب به لا يزيد علي عشرة جنيهات وهو قيمة التصرف القانوني بعد التصحيح ، فإن الإثبات بالبينة وبالقرائن جائز في هذه الحالة ( [631] ) .

( 3 ) لو أن النزاع انحصر في مبلغ لا يزيد علي عشرة جنيهات ، ولكنه يقوم علي تصرف قانوني تزيد قيمته علي هذا المبلغ ، فالإثبات بالبينة أو بالقرائن غير جائز ، إذ العبرة ليست بالمبلغ المتنازع عليه بل بقيمة التصرف القانوني المتخذ بتسليم حصان قال أن اشتراه منه بمبلغ ثلثمائه فرنك ( لنقل ثلاثين جنيها ) وسلم البائع بصدور البيع منه ، ولكنه قال إن الثمن الذي اتفق عليه كان أربعمائة فرنك ( لنقل أربعين جنيها ) فهنا لا يجوز للمشتري إثبات أن الثمن كان ثلاثين جنيها بالبينة أو بالقرائن ، ولو أن النزاع بينه وبين المشتري قد انحصر في مبلغ عشرة جنيهات هو الفرق بين الثمن الذي يدعيه والثمن الذي يدعيه البائع ( [632] ) .

198 - اشتمال الدعوي علي طلبات متعددة : رأينا أن الفقرة الثالثة من المادة 400 من التقنين المدني تنص علي أنه " إذا اشتملت الدعوي علي طلبات متعددة ناشئة عن مصادر متعددة ، جاز الإثبات بالبينة في كل طلب لا تزيد قيمته علي عشرة جنيهات ، ولو كانت هذه الطلبات في مجموعها تزيد علي هذه القيمة ، ولو كان منشؤها علاقات بين الخصوم أنفسهم أو تصرفات من طبيعة واحدة وكذلك الحكم في كل وفاء لا تزيد قيمته علي عشرة جنيهات " .

 $ 389 $ وليس في هذا الحكم من جديد ، فالمفروض ان هناك بين شخصين ديونا متعددة نشأت عن مصادر متعددة ، ولو كانت طبيعة هذه المصادر واحدة كأن كانت كلها عقود قرض ولكن كل عقد منها متميز عن العقد الآخر . ففي هذه الحالة يستقل كل دين بطريقة إثباته ، ما دام متميزاً عن الديون الأخري في قيمته وفي مصدره . فإذا كانت قيمته لا تزيد علي عشرة جنيهات جاز الإثبات بالبينة وبالقرائن ، وإلا فلا يجوز إلا الدليل الكتابي ولا يحول دون سريان هذا الحكم أن يكون الدائن قد جمع هذه الديون وطالب بها كلها في دعوي واحدة ، فزادت قيمة المجموع علي عشرة جنيهات . فلا يزال كل دين منها متميزا عن الديون الأخري كما قدمنا ، وكان الدائن يستطيع أن يرفع بكل دين دعوي مستقلة ، فيجوز له فيها الإثبات بالبينة وبالقرائن فيما لا يزيد علي عشرة جنيهات . فلا يتغير الحكم إذا هو جمع الديون في دعوي واحدة اختصاراً في الإجراءات . كذلك لا يحول دون سريان الحكم أن يكون كل دين من هذه الديون مصدره تصرف قانوني من طبيعة واحدة ، ما دام كل تصرف منها متميزاً عن التصرف الآخر ، وذلك كبيع أو إيجاز فيما إذا طالب الدائن المدين بأثمان مبيعات أو بأجور أعيان مؤجرة . ففي هذه الحالة أيضا يبقي كل دين متميزاً عن الديون الأخري ، فيجوز إثباته بالبينة وبالقرائن إذا لم تزد قيمته علي عشرة جنيهات ( [633] ) .

كذلك إذا كان الدين عشرين جنيها مثلا ، ووفي المدين جزءاً منه لا يزيد علي عشرة جنيهات ، سواء كان ما وفاه هو بعض الدين أو هو الجزء الباقي من الدين ، فإن المدين يستطيع إثبات هذا الوفاء الجزئي بالبينة وبالقرائن . ذلك أن الوفاء هو ذاته تصرف قانوني متميز عن مصدر الدين الموفي به ، فتسري في إثباته القواعد التي تسري في إثبات مصدر الدين فإن كانت القيمة الموفي بها ، $ 390 $ ولو كان هذا الوفاء جزئيا ، لا تزيد علي عشرة جنيهات ، جاز الإثبات بالبينة وبالقرائن . وكل وفاء جزئي آخر تصرف قانوني مستقل عن السابق وعن اللاحق . فإذا أريد إثبات جملة من الوفاءات الجزئية ، كل منها لا تزيد قيمته علي بالبينة وبالقرائن ، كما جاز ذلك في إثبات الطلبات المتعددة الناشئة عن مصادر متعددة ولو كان منشؤها تصرفات من طبيعة واحدة بين الخصوم أنفسهم كما سبق القول . ومن ثم يتميز إثبات الدين عن إثبات وفائه . فالدين لا تجوز تجزئته لإثبات كل جزء منه لا يزيد علي عشرة جنيهات بالبينة وبالقرائن ، مادام الدين في مجموعه يزيد علي هذه القيمة . أما الوفاء فالعبرة فيه ، لا بأصل الدين ، لا بل بالقدر الموفي به ، فتجوز تجزئة الدين في الوفاء به إلي أجزاء كل منها لا يزيد علي عشرة جنيهات ، وإثبات كل وفاء جزئي بالبينة وبالقرائن ( [634] ) . $ 391 $ هذا هو ما قرره التقنين المدني الجديد بنص صريح ، فأجاز كما رأينا إثبات طلبات المتعددة الناشئة عن مصادر متعددة بالبينة في كل طلب لا تزيد قيمته علي عشرة جنيهات ولو كانت هذه الطلبات في مجموعها تزيد علي هذه القيمة . وقد كان هذا هو الحكم أيضا في عهد التقنين المدني السابق ، وهو علي كل حال لا يعدو أن يكون تطبيقا للقواعد العامة ( [635] ) .

ولكن مع وضوح هذا الحكم لم يأخذ التقنين المدني الفرنسي به ، بل ذهب مذهبا آخر ، إمعانا منه في كراهية الإثبات بالبينة وتضييقا للخناق علي من يحاول التهرب من الإثبات الكتابي . فقضي في المادة 1345 بأنه إذا اشتملت الدعوي $ 392 $ علي طلبات متعددة ، لم يقم علي أي منها دليل كتابي ( [636] ) ، وكان مجموع هذه الطلبات يزيد علي خمسة آلاف فرنك ، فلا يجوز الإثبات بالبينة ، حتي لو قرر المدعي أن هذه الطلبات تولدت من مصادر متنوعة ونشأت في أوقات مختلفة ، إلا أن تكون حقوقا انتقلت إليه بطريق الميراث أو الهبة أو غير ذلك من أشخاص متعددين . ويبرر الفقهاء في فرنسا هذا النص بأنه أريد به أن يسد الطريق علي الدائن الذي يطالب مدينه بمبلغ يزيد علي خمسة آلاف فرنك ، ولكي يستطيع الإثبات بالبينة وبالقرائن يجزيء مطالبته إلي مبالغ متعددة ، كل مبلغ منها لا يزيد علي خمسة آلاف فرنك ، ويزعم أنها ديون قد تولدت من مصادر متنوعة ونشأت في أوقات مختلفة ، ويتقدم لإثبات ذلك بشهادة الشهود أو بدلالة القرائن . فيمنعه القانون من ذلك ، ويلزمه في هذه الحالة بتقديم دليل كتابي ، مفترضا أن الدين واحد ، وهو يزيد علي نصاب البينة . ولا ضير بعد ذلك علي الدائن ، حتي لو لم يكن الدين واحداً . ويكفيه في الاحتياط أن يطلب من مدينة دليلا كتابيا كلما تجمعت ديون في ذمة هذا المدين يزيد مجموعها علي نصاب البينة ( [637] ) . ولما كان التقنين الفرنسي حذراً إلي هذا الحد ، فقد قاده حذره أن ينتقل من هذه الخطوة إلي خطوة أخري أبعد منها ، فأوجب في المادة 1346 علي الدائن أن يجمع كل طلباته التي لم يقم عليها دليل كتابي كامل ، أيا كان مصدرها ، فيرفع بها دعوي واحدة ، فإذا هو أغفل دينا منها كان مستحقا وقت رفع الدعوي ، لم تقبل منه ، بعد ذلك ، الدعوي بهذا الدين ( [638] ) .

 $ 393 $ ولم ير التقنين المصري الجديد ، ومن قبله التقنين المدني المصري القديم ، ما يدعو إلي كل هذا الحذر الذي استتبع كل هذا التعقيد . فسكت التقنين القديم ولم يورد نصا مماثلا للنص الذي رأيناه في التقنين المدني الفرنسي . ونص التقنين الجديد صراحة علي الرجوع إلي القواعد العامة في هذه المسألة حتي لا يقع أي لبس فيها ( [639] ) . وإذا حاول الدائن أن يتهرب من الدليل الكتابي بتجزئة الدين $ 394 $ الواحد ، وهو ما أراد التقنين الفرنسي أن يتوفاه ، فإن الباب مفتوح أمام المدين لإثبات هذا التحايل بجميع الطرق ( [640] ) .

المطلب الثاني

لا تقبل البينة أو القرائن فيما يخالف الكتابة أو يجاوزها

199 - النصوص القانونية : تنص المادة 401 ( بند 1 ) من التقنين المدني علي ما يأتي :

 " لا يجوز الإثبات بالبينة ولو لم تزد القيمة علي عشرة جنيهات : ( أ ) فيما يخالف أو يجاوز ما أشتمل عليه دليل كتابي ( [641] ) .

 $ 395 $ ولا مقابل لهذا النص في التقنين المدني السابق ، ولكن الحكم كان مطبقا دون نص ( [642] ) .

ويقابل النص في التقنينات المدنية العربية الأخري : في قانون البينات السوري المادة 55 ، وفي التقنين المدني العراقي المادة 489 ، وفي تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبناني المادة 153 ، وفي التقنين المدني الليبي المادة 388 ( [643] ) . ويقابل في التقنين المدني الفرنسي المادة 1341 ( [644] ) .

 $ 396 $ 200 - تاريخ القاعدة وشروطها : وتحريم إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها إلا بالكتابة قاعدة قديمة تمتد جذورها إلي القانون الروماني . ثم تغلبت البينة في العصور الوسطي علي ما قدمنا . ثم عادي كفة الكتابة إلي الرجحان ، فرفعها أمر مولان ( Moulins ) في سنة 1566 إلي الصدارة بين طرق الإثبات علي النحو الذي قدمناه . ولكن هذا الأمر لم يحرم إلا إثبات ما يجاوز الكتابة بغير الكتابة ، وفيما يزيد علي مائة جنيه وهو نصاب البينة إذ ذاك . ثم أتي أمر سنة 1667 فوسع الحكم ، وحرم إثبات ما يجاوز الكتابة أو ما يخالفها بغير الكتابة حتي فيما لا يزيد علي نصاب البينة . وبذلك رجحت كفة الكتابة رجحانا كبيراً ، فهي مطلوبة فيما يزيد علي نصاب البينة ، وحتي في حدود هذا النصاب إذا تعارضت مع البينة وجب الأخذ بها ونبذ البينة . فانقلب الوضع بذلك ، وبعد أن كانت البينة فوق الكتابة ( فemonins passent letters ) أصبحت الكتابة فوق البينة ( letters passent temoins ) ، وقد سبقت الإشارة إلي ذلك ( [645] ) .

وقد قدمنا أن القاعدة التي نحن بصددها ليست إلا الشق الثاني من قاعدة أعم ، $ 397 $ وهي القاعدة التي بوجوب الإثبات بالكتابة فيما يزيد علي نصاب البينة وفيما يخالف الكتابة أو يجاوزها . ويمكن حصر شروط تطبيق هذا الشق الثاني من القاعدة في أربعة : ( 1 ) أن تكون هناك كتابة أعدت للإثبات ( 2 ) أن يراد إثبات ما يخالف هذه الكتابة أو يجاوزها ( 3 ) أن يكون الإثبات مقصوراً علي العلاقة بين المتعاقدين فلا يتعدي إلي الغير ( 4 ) ألا يكون هناك احتيال علي القانون ( fraude a la loi ) .

201 - الشرط الأول – وجود كتابة أعدت للإثبات : يجب أن تكون هناك كتابة قد أعدت للإثبات . والكتابة المعدة للإثبات هي الكتابة التي وقع عليها المدين ، رسمية كانت أو عرفية .

أما الأوراق التي لم تعد للإثبات ، كالدفاتر التجارية والأوراق المنزلية ، فيجوز إثبات ما يخالفها أو ما يجاوزها بالبينة أو بالقرائن . ولكن إذا كانت هذه الأوراق موقعا عليها وأريد بها الإثبات ، كما هو الغالب في المراسلات ، فإنها تعتبر في حكم الكتابة المعدة للإثبات ، ولا يجوز إثبات ما يخالفها أو ما يجاوزها إلا بالكتابة ( [646] ) .

 $ 398 $ كذلك يجوز إثبات ما يخالف مبدأ الثبوت بالكتابة أو ما يجاوزه بالبينة أو بالقرائن ، لأن مبدأ الثبوت بالكتابة لا يكون عادة موقعا عليه وإلا كان دليلا كتابيا كاملا ، والمطلوب في القاعدة التي نحن بصددها ألا يهدم الدليل الكتابي الكامل بالبينة أو بالقرائن( [647] ) .

ثم يجب أخيرا أن يكون الثابت بالكتابة التزاما غير تجاري . ذلك أن الالتزامات التجارية يجوز إثباتها ، كما رأينا ، بالبينة وبالقرائن ، أيا كانت قيمتها ، ولو زادت علي عشرة جنيهات . فكذلك يجوز إثبات ما يخالف الكتابة أو ما يجاوزها في المسائل التجارية بالبينة وبالقرائن ، أيا كانت قيمة الالتزام ( [648] ) . وقد تقدم ذكر ذلك .

فمتي كانت هناك كتابة معدة للإثبات ، وكانت دليلا كتابيا كاملا ، في غير التزام تجاري ، فقد توافر الشرط الأول ، أيا كانت قيمة الالتزام الثابت بهذا الدليل الكتابي الكامل ، ولو كانت هذه القيمة لا تزيد علي عشرة جنيهات . ومن ثم لا يجوز إثبات ما يخالف ورقة مكتوبة لا تزيد قيمتها علي عشرة جنيهات ، ولا إثبات ما يجاوزها ، بالبينة أو بالقرائن ، ولو أن هذا الدليل كان جائزاً $ 399 $ ابتداء لإثبات وجود التصرف لو لم توجد ورقة مكتوبة ( [649] ) . بل إن القاعدة التي نحن بصددها لا تظهر فائدتها إلا إذا كانت قيمة الالتزام لا تزيد علي عشرة جنيهات ، فتمتنع البينة والقرائن حيث كانت تجوز لولا هذه القاعدة . أما إذا كانت قيمة الالتزام تزيد علي عشرة جنيهات فالقاعدة لا تقول جديداً ، لأن الإثبات بالبينة أو بالقرائن في هذه الحالة ممنوع من الأصل ، سواء في ذلك لا توجد كتابة أصلا أو توجد ويراد إثبات ما يخالفها أو يجاوزها ( [650] ) .

وإذا أريد إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها ، فلا بد من أن يكون الإثبات بالكتابة كما قررنا . ولكن يجوز أن يحل محل الكتابة مبدأ ثبوت بالكتابة معزز بالبينة أو بالقرائن ، فإن هذا النوع من الإثبات يرد استثناء من قاعدة الدليل الكتابي بشقيها كما سنري .

202 - الشرط الثاني : إثبات ما يخالف الكتابة أو ما يجاوزها : ونتكلم : ( أولا ) فيما يخالف الكتابة ( ثانياً ) فيما يجاوز الكتابة ( ثالثاً ) فيما لا يعتبر مخالفا للكتابة أو مجاوزاً لها .

أولا - ما يخالف الكتابة لا يجوز إثباته إلا بالكتابة : إذا أريد إثبات ما يخالف ورقة رسمية ، فيما يقرر الموظف العام أنه وقع تحت بصره أو سمعه ، فقد رأينا أنه لا بد في ذلك من الطعن بالتزوير . أما إذا أريد إثبات ما يخالف الورقة الرسمية في غير ذلك ، أو إثبات ما يخالف مشتملات الورقة العرفية أيا كانت فهذا جائز ، عل أن يكون الدليل علي ما يخالف الكتابة هو أيضا دليل كتابي ، ولو كان ذلك مبدأ ثبوت بالكتابة معززاً بالبينة أو بالقرائن كما قدمنا . ومثل إثبات ما يخالف الكتابة أن يتقدم الخصم لإثبات أنا ما ورد في الورقة من أن الثمن المدفوع هو مبلغ كذا بيان غير صحيح ، والصحيح أن المبلغ المذكور في الورقة هو مبلغ أكبر $ 400 $ - لمنع الشفعة مثلا - أو هو مبلغ أقل لتخفيض رسوم التسجيل مثلا ، فإذا كان الخصم هو أحد طرفي العقد لم يجز له إثبات ذلك إلا بالكتابة . ومثل ذلك أيضا أن يريد البائع إثبات أن البيع المكتوب بيع صوري ، فلا يستطيع ذلك إلا بالكتابة ، وهي هنا ورقة الضد ( contre – letter ) ومثل ذلك أخيراً أن يوجد سند مكتوب يثبت أن في ذمة المدين التزاما قيمته مائة جنيه مثلا ، فلا يستطيع المدين أن يثبت بالبينة أو بالقرائن أن حقيقة الالتزام خمسون جنيها لا مائة ، وكذلك الأمر لو أن الثابت في السند التزام قيمته عشرة جنيهات وأراد المدين أن يثبت بالبينة أو بالقرائن أن حقيقة الالتزام خمسة لا عشرة فلا يستطيع ( [651] ) .

ثانياً – ما يجاوز الكتابة لا يجوز إثباته إلا بالكتابة : ولا يجوز للخصم أن يثبت ما يجاوز الكتابة إلا بالكتابة . مثل ذلك أن يتقدم المدين لإثبات أن الالتزام المكتوب ، وهو منجز ، علق بعد ذلك علي شرط أو اقترن بأجل . أما إذا كان الالتزام قد كتب معلقا علي شرط أو مقترنا بأجل وأراد الدائن أن يثبت أنه التزام منجز ، فهذا يكون إثباتا لما يخالف الكتابة ، ولا يكون هو أيضا إلا بالكتابة كما رأينا . ومثل ذلك أيضا أن يكون القرض المكتوب لم يذكر فيه أنه قرض بالفائدة ، وأراد الدائن أن يثبت أن هناك فائدة متفقا عليها ، فلا يجوز إثبات ذلك إلا بالكتابة ، حتي لو كانت الفائدة وأصل الدين معها لا يزيد علي عشرة جنيهات ، لأن هذا إثبات لما يجاوز الكتابة . أما إذا ذكر في القرض المكتوب سعر للفائدة ، وأراد الدائن أن يثبت أن السعر المتفق عليه هو أكبر مما ذكر ، أو أراد المدين أن يثبت أن هذا السعر أقل ، فهذا إثبات لما يخالف الكتابة ، ولا يكون هو أيضا إلا بالكتابة كما قدمنا . كذلك لا يجوز إثبات تجديد التزام ( novation ) ثابت في ورقة مكتوبة إلا بالكتابة ، ولو كانت قيمة الالتزام الجديد ، أو كانت قيمة كل من الالتزامين الجديد والقديم ، لا تزيد علي عشرة جنيهات ، لأن هذا إثبات لما يجاوز الالتزام المكتوب . وبوجه عام لا يجوز إثبات اتفاق إضافي فوق ما هو ثابت بالكتابة إلا بالكتابة ، سواء ادعي $ 401 $ ان هذا الاتفاق الإضافي قد تم قبل الكتابة أو تم في أثنائها أو تم بعدها ، علي حد تعبيرا التقنين المدني الفرنسي ( م 1341 ) ( [652] ) .

ثالثاً - ما لا يعتبر مخالفا للكتابة أو مجاوزاً لها لا يتحتم إثباته بالكتابة : أما إذا أريد إثبات شيء متعلق بما هو ثابت بالكتابة ، ولكنه لا يخالفها ولا يجاوزها ، فإن إثبات ذلك يكون وفقا للقواعد العامة ، ولا تتحتم الكتابة . فيجوز إثبات الوقائع المادية ، وكذلك إثبات التصرفات القانونية إذا لم تزد قيمتها علي عشرة جنيهات ، بالبينة وبالقرائن . مثل ذلك إثبات انقضاء الالتزام الثابت بالكتابة ، فهذه واقعة لا تخالف الكتابة ولا تجاوزها ، بل هي تؤكدها ،إذ انقضاء الالتزام ينطوي دلالة عل وجوده . فإذا كان انقضاء الالتزام قد تم بتنفيذ أعمال مادية ، كبناء منزل أو نقل بضاعة أو القيام بخدمة معينة ، فإن هذه الأعمال تثبت بالبينة وبالقرائن ولو كانت قيمة الالتزام تزيد علي عشرة جنيهات . أما إذا كان انقضاء الالتزام قد تم بتصرف قانوني ، كوفاء مبلغ من النقود ، فإن هذا الوفاء يثبت بالبينة أو بالقرائن إذا لم يزد المبلغ الموفي به علي عشرة جنيهات حتي لو كان مجموع الدين أكثر من ذلك أو كان الدين ثابتا بالكتابة ( [653] ) . $ 402 $ وكالوفاء الإبراء ، فهو تصرف قانوني يقضي الدين ، ويثبت بالبينة وبالقرائن إذا لم تزد قيمته علي عشرة جنيهات . كذلك في المقاصة ، يجوز للمدين إثبات الحق الذي له في ذمة دائنه ، ليوقع المقاصة بمقداره ، بالبينة وبالقرائن ، إذا كانت قيمة هذا الحق لا تزيد علي عشرة جنيهات ، حتي لو كان الدين الذي تقع فيه المقاصة ثابتا بسند مكتوب أما تجديد الدين المكتوب فقد رأينا أنه يعتبر مجاوزاً لما هو ثابت بالكتابة ، فلا يجوز إثباته إلا الكتابة ( [654] ) .

 $ 403 $ كذلك يجوز إثبات وقائع مادية يكون من شأنها تفسير العبارات الغامضة ، أو التوفيق فيا بينها إذا كانت متعارضة ( [655] ) ، أو تحديد ما ورد مطلقا في الورقة المكتوبة ، وذلك بالبينة وبالقرائن ، فليس في هذا إثبات لما يخالف الكتابة أو يجاوزها ( [656] ) . وكذلك الأمر في إثبات الظروف والملابسات المادية التي أحاطت بكتابة العقد ( [657] ) .

ويجوز أيضا إثبات عيب من عيوب الإرادة كالغلط والتدليس والإكراه ، في سند مكتوب ، بالبينة وبالقرائن ، فليس في ذلك إثبات لما يخالف الكتابة ، لأن الكتابة ليست دليلا علي صحة التصرف حتي يعتبر الطعن في صحته مخالفا لها . وقد قدمنا أن عيوب الإرادة إنما هي وقائع مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق ( [658] ) .

 $ 404 $ ويجوز أخيرا إثبات التاريخ الذي كتبت فيه الورقة ، فيما بين الطرفين ، بالبينة وبالقرائن ، إذا لم يكن مكتوبا ، حتي لو كانت قيمة الالتزام تزيد علي عشرة جنيهات أو كان التزاما مكتوبا ، فليس في هذا إثبات لما يخالف الكتابة أو يجاوزها ، بل هو إثبات لواقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق . أما إذا كان تاريخ الورقة مكتوبا هو أيضا ، فلا يجوز إثبات عدم صحته إلا بالكتابة . وأما بالنسبة إلي الغير فلابد من التاريخ الثابت عل الوجه الذي تقدم ذكره( [659] ) .

203 - الشرط الثالث - الإثبات مقصور علي العلاقة فيما بين المتعاقدين : وكل ما قدمناه من وجوب الإثبات بالكتابة فيما يخالف الكتابة أو يجاوزها إنما يكون في العلاقة ما بين المتعاقدين ، إذ هما اللذان كانا يستطيعان الحصول علي الكتابة منذ البداية . وكالمتعاقدين الخلف العام .

أما الغير فيجوز له الإثبات بالبينة وبالقرائن فيما يخالف الكتابة أو يجاوزها ، كما أن له إثبات وجود التصرف نفسه بالبينة وبالقرائن ولو زادت قيمته علي عشرة جنيهات كما سبق القول ، ففي الحالتين يعتبر التصرف بالنسبة إليه وهو من الغير واقعة مادية يجوز إثباتها أو إثبات ما يخالفها أو يجاوزها بجميع الطرق .

فإذا باع شخص عقاراً من آخر ، وكتب في عقد البيع أن الثمن ألف جنيه مثلا ، وأراد الشفيع الأخذ بالشفعة ، فإن له أن يثبت أن حقيقة الثمن ثمانمائة لا ألف - أي يثبت ما يخالف الكتابة - بالبينة وبالقرائن ، لأن من الغير في عقد البيع الذي يعتبر بالنسبة إليه واقعة مادية .

 $ 405 $ وفي العقد الصوري الثابت بالكتابة ، تثبت الصورية فيما بين المتعاقدين بالكتابة حتي لو كانت قيمة العقد لا تزيد علي عشرة جنيهات . أما الغير - وهو هنا الدائن والخلف الخاص - فله أن يثبت الصورية بالبينة وبالقرائن ، حتي لو كان العقد الصوري مكتوبا وحتي لو كانت قيمته تزيد علي عشرة جنيهات ( [660] ) .

 $ 406 $ وسنعود إلي هذه المسألة تفصيلا عند الكلام في دعوي الصورية .

 $ 407 $ الشرط الرابع - ألا يكون هناك احتيال علي القانون ( [661] ) : وحتي فيما بين المتعاقدين ، يشترط في تطبيق القاعدة التي تقضي بوجوب الإثبات بالكتابة فيما يخالف الكتابة أو يجاوزها ألا يكون هناك احتيال علي القانون $ 408 $ ( fraude a la loi ) والسبب في ذلك أنه متي وجد احتيال علي القانون ، فيجب تيسير كشفه وإباحة إثباته بجميع الطرق ، حتي يلقي جزاءه الحق . ويستوي في هذا أن يكون من يريد إثبات الاحتيال من الغير أو يكون أحد المتعاقدين ممن اشترك في الاحتيال بنفسه ويريد الآن الكشف عنه . ففي الحالتين يقضي النظام العام بضرورة فضح هذا الاحتيال ، ومن ثم أبيح ، حتي للمتعاقد نفسه بعد أن اشترك فيه ، أن يثبته بجميع الطرق ولو بالبينة أو بالقرائن ( [662] ) .

ولما كان الاحتيال علي القانون ليس إلا تواطؤاً ما بين المتعاقدين علي مخالفة قاعدة قانونية تعتبر من النظام العام وإخفاء هذه المخالفة تحت ستار تصرف مشروع ، فقد وضح من ذلك أن من الطبيعي أن يتخذ هذا الاحتيال مظهر الصورية . فيكون هناك تصرف غير مشروع هو التصرف الحقيقي الذي وقع الاتفاق عليه ، يستره تصرف مشروع هو التصرف الظاهر الذي يقع الطعن فيه . والجديد هنا أن الطاعن في التصرف الظاهر - أي التصرف الصوري - ليس هو الغير ، وإلا كان من حقه أن يثبت الصورية بجميع الطرق دون حاجة إلي التذرع بالاحتيال علي القانون . ولكن الطاعن هو المتعاقد نفسه ، ويريد أن يثبت صورية العقد المكتوب بالبينة وبالقرائن ، وكان الأصل ألا يستطيع $ 409 $ إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة ، لولا أنه يتذرع بأن هناك احتيالا علي القانون ( [663] ) .

ولم يرد في التقنين المدني نص علي هذا الحكم ( [664] ) . غير أن القضاء أجمع علي الأخذ به في اضطراد مستقر ، وطبقه في حالات كثيرة .

من ذلك أن يكون سبب الدين قماراً ، ويكتب المتعاقدات أنه قرض فيجوز للمدين في هذه الحالة أن يثبت ما يخالف المكتوب بالبينة وبالقرائن ، ليدل علي أن السبب الحقيقي للدين هو القمار لا القرض ( [665] ) .

 $ 410 $ ومن ذلك أن يخفي العقد ربا فاحشا ، ويكتب المتعاقدان سببا غير ذلك ، فيجوز للمدين أن يثبت الربا الفاحش - وهو يخالف المكتوب - بالبينة وبالقرائن ( [666] ) .

وقضت محكمة النقض بأن الوارث الذي يطعن في تصرف صادر من مورثه في صورة بيع منجز بأن حقيقته وصية ، وأنه قصد به الاحتيال علي قواعد الإرث المقررة شرعاً إضراراً بحقه فيه ، يجوز له إثبات هذا الاحتيال بأي طريق من الطرق القانونية ، فلا علي المحكمة فيما تقضي به من إحالة الدعوي إلي التحقيق لتمكين الطاعنين في التصرف من إثبات حقيقة الواقع فيه بشهادة الشهود ( [667] ) .

كذلك يجوز إثبات ما يخالف الكتابة بالبينة وبالقرائن إذا كان السبب الحقيقي الذي تخفيه الكتابة هو صدور العقد أثناء الحجر علي المدين ( [668] ) ، أو قيام علاقة غير شرعية بين المدين والدائن ( [669] ) ، أو تخفيض ثمن المبيع هربا من بعض رسوم التسجيل ( [670] ) . أو التحايل علي إخفاء الرهن في صورة البيع هربا من قانون $ 411 $ الخمسة الأفدنة ( [671] ) ، أو هربا من ضرورة اتخاذ إجراءات التنفيذ ( [672] ) ، أو تمييز بعض الورثة علي بعض آخر ( [673] ) ، أو غير ذلك من الأسباب غير المشروعة المخالفة للنظام العام ( [674] ) .

علي أنه يجب أن يعزز الإدعاء بوجود تحايل علي القانون قيام قرائن قوية تجعل وقوعه محتملا ، حتي يمكن الترخيص بعد ذلك في إثبات هذا التحايل بالبينة وبالقرائن علي وجه حاسم ( [675] ) .

وننتهي من معالجة هذه المسألة بملاحظتين :

الملاحظة الأولي أنه لا يكفي للترخيص في إثبات ما يخالف الكتابة بالبينة وبالقرائن أن يدعي المتعاقد صورية العقد أيا كان سبب هذه الصورية ، بل يجب أن يكون هذا السبب غير مشروع لمخالفته للنظام العام . أما إذا كان السبب مشروعا فلا يجوز للمتعاقد أن يثبت صورية العقد المكتوب إلا بالكتابة ( [676] ) ، وقد تقدمت الإشارة إلي ذلك .

 $ 412 $ والملاحظة الثانية أن الحكم الذي نحن بصدده - الإثبات بالبينة وبالقرائن لوجود تحايل علي القانون – وإن كانت تطبيقاته في الكثرة الغالبة منها ترد كما رأينا في نطاق إثبات ما يخالف الكتابة ، وقد عالجناه في هذا المكان لهذا السبب ، إلا أن ذلك لا يمنع من ورود تطبيقات له في نطاق إثبات وجود التصرف القانوني نفسه ، فيكون استثناء واردا علي الشق الأول من قاعدة وجوب الدليل الكتابي . ويقع ذلك عند إثبات الوفاء ، فمن وفي بدين غير مشروع ، وأراد استرداد ما وفي به ، جاز له أن يثبت الوفاء - وهو تصرف قانوني - بالبينة وبالقرائن ، ولو زادت قيمته علي عشرة جنيهات ، لوجود تحايل علي القانون ( [677] ) .

المبحث الثاني

الاستثناءات

205 - نوعان من الاستثناءات : قدمنا أن هناك أحوالا استثنائية يجوز فيها الإثبات بالبينة وبالقرائن ، حتي لو زادت قيمة الالتزام علي عشرة جنيهات ، وحتي لو كان المراد إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها . فتكون هذه الأحوال إذن استثناء من قاعدة وجوب الدليل الكتابي بشقيها . $ 413 $ وهذه الاستثناءات ، كما أسلفنا القو نوعان :

( النوع الأول ) أحوال يقوم فيه دليل كتابي غير كامل يجعل وجود التصرف القانوني المدعي به قريب الاحتمال ، وهذا الدليل الكتابي غير الكامل يسمي مبدأ الثبوت بالكتابة ( commencement de prevue par ecrit ) .

( والنوع الثاني ) أحوال يقوم فيها مانع ، إما من الحصول علي دليل كتابي ، وإما من تقديم هذا الدليل بعد الحصول عليه لفقده بسبب أجنبي ( [678] ) .

المطلب الأول

مبدأ الثبوت بالكتابة ( [679] )

206 - النصوص القانونية : تنص المادة 402 من التقنين المدني علي ما يأتي :

 $ 414 $ " 1 - يجوز الإثبات بالبينة فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة " .

 " 2 - وكل كتابة تصدر من الخصم ، ويكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعي به قريب الاحتمال ، تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة ( [680] ) .

ويقابل هذا النص في التقنين المدني السابق المادة 217 / 282 ( [681] ) .

ويقابل في التقنينات المدنية العربية الأخري : في قانون البينات السوري المادة 56 ، وفي التقنين المدني العراقي المادة 490 ، وفي تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبناني المادة 242 ، وفي التقنين المدني الليبي المادة 389 ( [682] ) . $ 415 $ ويقابل في التقنين المدني الفرنسي المادة 1347 ( [683] ) .

207 - نطاق مبدأ الثبوت بالكتابة : ويتبين من نص التقنين المدني المصري أنه إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة - بالشروط التي سنفصلها – جاز إثبات التصرف القانوني بالبينة أو بالقرائن أو بهما معا ، أي أن البينة والقرائن تأتي معززة لدليل كتابي ناقص فتكمله ( [684] ) . ومبدأ الثبوت بالكتابة ، معززاً بالبينة أو بالقرائن ، $ 416 $ يكون دليلا كاملا في كل ما كان يجب إثباته بالكتابة . فيكون دليلا كاملا علي : ( 1 ) تصرف قانوني تزيد قيمته علي عشرة جنيهات ( 2 ) ما يخالف الكتابة أو يجاوزها ( 3 ) تصرف قانوني اشترط القانون بنص خاص أن يكون إثباته بالكتابة كالصلح والكفالة . ولكنه لا يصلح دليلا علي تصرف شكلي كالهبة والرهن الرسمي ، إذ هو لا يحل محل الشكل ، فإن الشكل ذاته ركن في التصرف ( [685] ) .

 $ 417 $ 208 - أركان مبدأ الثبوت بالكتابة : وحتي يكون هناك مبدأ ثبوت بالكتابة يجب ، وفقا للنص الذي قدمناه ، أن تتوافر أركان ثلاثة : ( 1 ) أن تكون هناك ورقة مكتوبة . ( 2 ) وأن تكون هذه الورقة صادرة من الخصم الذي يحتج بها علية أو ممن يمثله . ( 3 ) وأن يكون من شأن هذه الورقة أن تجعل وجود التصرف القانوني قريب الاحتمال ( [686] ) .

 " 1 - وجود ورقة مكتوبة

209 - الأعمال المادية لا تكون مبدأ ثبوت بالكتابة : لا بد لتوافر الركن الأول من وجود ورقة مكتوبة . أما مجرد الأعمال المادية ، إيجابية كانت أو سلبية ، ولو كانت ثابتة بالبينة أو بالقرائن ، فلا تكفي . ويترتب علي ذلك أن تنفيذ الالتزام ، إذا انطوي علي أعمال مادية محضة كبناء منزل أو نقل بضاعة ، وثبت بغير الكتابة كما هو الشأن في هذه الأعمال إذ تثبت عادة بالبينة أو بالقرائن أو بالمعاينة ، فإنه لا يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة . أما إذا كان تنفيذ الالتزام ينطوي علي تصرف قانوني كالوفاء بمبلغ من النقود ، فلا بد من إثبات $ 418 $ هذا التنفيذ وهو تصرف قانوني بورقة مكتوبة إذا زادت القيمة علي عشرة جنيهات وهذه الورقة – سواء كانت دليلا كتابيا كاملا علي التنفيذ أو لم تكن إلا مبدأ ثبوت بالكتابة - تكون في الوقت ذاته مبدأ ثبوت بالكتابة بالنسبة إلي إثبات وجود الالتزام . فإذا كان الوفاء منصبا علي مبلغ لا يزيد علي عشرة جنيهات وكان هذا هو كل الدين ، فإثبات الوفاء يجوز بالبينة وبالقرائن ، ولكننا في هذه نكون في غير حاجة إلي مبدأ ثبوت بالكتابة لإثبات الالتزام ذاته ، إذ يجوز إثباته هو أيضا بالبينة وبالقرائن .

وقد يكون مبدأ الثبوت بالكتابة أعمالا مادية تسجل بعد ذلك في ورقة مكتوبة ، فعند ذلك تكون هذه الورقة المكتوبة – لا الأعمال المادية - هي مبدأ الثبوت بالكتابة ( [687] ) .

210 - الشروع في الوفاء : وقد كان التقنين المدني السابق ينص في المادة 221 / 286 منه علي أن " الشروع في الوفاء يصح أن يكون عند الاقتضاء سببا للقاضي في أن يأذن بالإثبات بالبينة " . ولم يستبق التقنين الجديد هذا النص ، وقد كانت هناك فائدة في استبقائه ، إذ يتميز في بعض صوره عن مبدأ الثبوت بالكتابة . ذلك أن الشروع في الوفاء قد يكون عملا ماديا محضا ، فيثبت بغير ورقة مكتوبة . وكان في هذه الحالة ، وفقا لنص المادة 221 / 286 من التقنين المدني السابق ، يصلح سببا للقاضي في أن يأذن في الإثبات بالبينة . أما بعد أن أغفل التقنين المدني الجديد إيراد هذا النص ، فلم يعد الشروع في الوفاء يصلح $ 419 $ في هذه الحالة أن يكون مبدأ بالكتابة يجيز الإثبات بالبينة ( [688] ) .

وإذا كان الشروع في الوفاء تصرفا قانونيا كالوفاء بمبلغ من النقود أو دفع الفوائد ، فإن كان المبلغ الموفي به أكثر من عشرة جنيهات فلا بد في إثبات الوفاء من ورقة مكتوبة . وعندئذ تصلح هذه الورقة مبدأ ثبوت بالكتابة لإثبات الالتزام ذاته ، دون حاجة إلي استبقاء نص المادة 221 / 286 من التقنين السابق . أما إذا كان المبلغ الموفي به لا يزيد علي عشرة جنيهات ، فيمكن إثبات الوفاء وحده بالبينة أو القرائن دون ورقة مكتوبة . ولكن إثبات الوفاء بالبينة أو بالقرائن في هذه الحالة لا يمكن التذرع به ، كما قدمنا ، لإثبات الالتزام ذاته إذا كان يزيد علي عشرة جنيهات ، حتي في عهد التقنين السابق ، بل يجب للوصول إلي إثبات الالتزام أن يكون الوفاء ثابتا بورقة مكتوبة . وهنا أيضا تصلح هذه الورقة مبدأ ثبوت بالكتابة لإثبات الالتزام ذاته دون حاجة إلي استبقاء نص المادة 221 / 286 ( [689] ) .

 $ 420 $ ويخلص من ذلك أن المادة 221 / 286 ، إذا كان يستطاع الاستغناء عنها في حالة ما إذا كان الشروع في الوفاء ينطوي علي تصرف قانوني ، فقد كانت هناك فائدة في استبقائها في حالة ما إذا كان الشروع في الوفاء ينطوي علي عمل مادي ( [690] ) .

211 - أية كتابة تصلح مبدأ ثبوت بالكتابة : وكل كتابة تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، أيا كان شكلها وأيا كان الغرض منها .

فسند غير موقع - إذ السند الموقع يكون دليلا كتابيا كاملا - ودفاتر تجارية ، وسجلات وأوراق منزلية ، ومراسلات موقعة كانت أو غير موقعة ، ومؤرخة وموجهة إلي من يحتج بها أو موجهة إلي الغير ما دام يمكن تقديمها إلي القضاء ، وتأشيرات علي سند الدين ، كل هذه تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، هذا إذا لم تكن دليلا كاملا في الحالات التي نص القانون فيها علي ذلك وقد تقدم بيانها .

كذلك يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة محاضر الجرد ، ودفاتر الحساب ، والإيصالات ( [691] ) ، والمخالصات ، والتأشيرات المدونة في هامش الأوراق $ 421 $ والسندات أو في ظهرها ، والمذكرات الشخصية ولو كانت مدونة في أوراق منثورة ، وصور الأوراق الرسمية ، وصور الأوراق العرفية كصورة العقد المسجل ( [692] ) .

وتصلح الأوراق القضائية ونحوها من الأوراق أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، حتي لو كانت أوراقا في قضية أخري ، وذلك كالبيانات المدونة في أسباب الحكم ( [693] ) ، وما ورد في محاضر الجلسات ومحاضر التحقيق ( [694] ) ، والإقرارات التي تدون في مذكرات الخصوم ولو أمضاها الوكلاء عنهم ( [695] ) ، والبيانات التي تقدم لمصلحة الشهر العقاري أو لمصلحة البيد أو للمصالح الحكومية الأخري وتدون في أوراق رسمية ( [696] ) .

 $ 422 $ ويجوز أن يستخلص مبدأ الثبوت بالكتابة من مجموع أوراق متفرقة لا من ورقة واحدة ، كما إذا كانت الورقة الصادرة من الخصم تشير إلي ورقة أو أوراق أخري غير صادرة منه ولكنها هي ، دون الأوراق الأخري ، التي تجعل وجود التصرف القانوني قريب الاحتمال ( [697] ) .

212 - السندات الباطلة : والسند الرسمي إذا كان باطلا - أيا كان سبب بطلانه - وكان موقعا من ذي الشأن ، تكون له قيمة الورقة العرفية كما سبق القول . فمن باب أولي يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة إذا لم يكن صالحا لأن يكون دليلا كتابيا كاملا .

أما إذا كان السند الرسمي الباطل غير موقع من ذوي الشأن ، وكان عدم التوقيع راجعا إلي جهل ذي الشأن الكتابة أو عدم استطاعته إياها أو رفضه للتوقيع ، فإنه يصلح كذلك أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة ( [698] ) . وقد رأينا أن الورقة الرسمية الباطلة ، إذا كانت غير موقعة من المدين ، لا تكون لها قيمة الورقة العرفية ، حتي لو كان الموثق قد ذكر فيها عجز المدين عن التوقيع ، ولكنها في هذه الحالة تصلح ، كما قدمنا أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة . أما إذا كان السند الرسمي الباطل غير موقع عليه ، لا لجهل بالكتابة أو عدم استطاعة لها أو رفض للتوقيع ، فإنه يكون مجرد مشروع لم يتم ، ولا تكون له قيمة الورقة العرفية ، ولا يصلح كذلك أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة . وإذا كان السند الرسمي الباطل صادراً من عدة مدينين متضامنين ولم يوقعه إلا بعض هؤلاء ، فلا تكون له قيمة $ 423 $ الورقة العرفية ، وكذلك لا يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، لا بالنسبة إلي من لم يوقع لعدم التوقيع ، ولا بالنسبة إلي من وقع لأنه لم يوقع إلا كمدين متضامن مع آخرين فلو صلحت مستنداً ضده لفقده حق الرجوع علي من لم يوقع من هؤلاء المدينين ( [699] ) .

والسند العرافي ، إذا كان باطلا لعدم التوقيع عليه ، يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة إذا كان مكتوبا بخط المدين أو كان صادراً منه أو ممن يمثله ( [700] ) . وكذلك السند العرفي الموقع عليه أو الصادر من المدين ، دون ذكر لمقدار الدين ، يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، فيجوز إثبات الدين بالبينة أو بالقرائن ، ولا يعد هذا إثباتا لما يجاوز الكتابة لأن الكتابة هنا ليست دليلا كتابيا كاملا بل مبدأ ثبوت بالكتابة .

213 - البيانات السلبية - تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب أو امتناعه عن الإجابة : وفي بعض الحالات قد يكون مجرد بيان سلبي ، أي مجرد إغفال ذكر بيان في ورقة مكتوبة ، صالحا لأن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة . وقد قضت محكمة استئناف أسيوط بأن السكوت ، إذا كان ذا دلالة علي الوفاء ، ومرتبطا بورقة متعلقة بالدين ، يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة ( [701] ) . وقضت محكمة استئناف مصر بأن مبدأ الثبوت بالكتابة قد ينتج من عدم ذكر أمر في ورقة تحتويه عادة ، كما إذا لم يذكر الورثة في محضر جرد أموال مورثهم دينا من الديون ، فإن هذا يصح اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة في التخلص من هذا الدين ( [702] ) . وقضت محكمة النص الفرنسية بأن عدم ذكر دين متنازع عليه في محضر $ 424 $ جرد قد يكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، علي أساس أن محضر الجرد الحالي من ذكر الدين هو الورقة المكتوبة ( [703] ) .

وتفريعا علي هذا المبدأ نصت المادة 173 من تقنين المرافعات الجديد علي أنه " إذا تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب بغير عذر مقبول ، أو امتنع عن الإجابة بغير مبرر قانوني ، جاز للمحكمة أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود والقرائن في الأحوال التي ما كان يجوز فيها ذلك " . والورقة المكتوبة في هذه الحالة هي المحضر الرسمي الذي دون فيه تخلف الخصم عن الحضور أو امتناعه عن الإجابة ( [704] ) . $ 425 $ فكأن الواقعة التي يتكون منها مبدأ الثبوت هي واقعة مستقلة عن الكتابة ، ليست الكتابة إلا لإثباتها ( [705] ) .

214 - التاريخ الثابت لمبدأ الثبوت بالكتابة : يميز الفقه في فرنسا بين ورقة عرفية موقع عليها وقد أعدت للإثبات ولكنها لا تصلح إلا مبدأ ثبوت بالكتابة - وذلك كالورقة العرفية التي لم تتعدد نسخها أو لم تحمل عبارة الاعتماد المعروفة - وبين ورقة عرفية لم يوقع عليها ولم تعد للإثبات وتصلح مع ذلك أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة - وذلك كدفاتر التجار والسجلات والأوراق المنزلية والمذكرات الشخصية . ففي الحالة الأولي لا يكون تاريخ الورقة حجة علي الغير إلا إذا كان ثابتا وفقا للطرق التي سبق بيانها في ثبوت التاريخ ، وذلك بالرغم من أن الورقة ليست إلا مجرد مبدأ ثبوت بالكتابة . وفي الحالة الثانية يكون تاريخ الورقة حجة علي الغير دون حاجة إلي أن يكون تاريخا ثابتا ، وللغير أن يثبت أن هذا التاريخ غير صحيح بجميع الطرق لأنه ليس طرفا في الورقة ( [706] ) .

ولما كانت الحالة الأولي لا تتحقق في مصر ، إذ هي ترجع إلي أحكام في التقنين الفرنسي أغفلها التقنين المصري - تعدد النسخ وعبارة الاعتماد - فإنه يمكن القول أن مبدأ الثبوت بالكتابة في القانون المصري يكون تاريخه حجة علي الغير دون حاجة إلي أن يكون ثابتا . والغير الذي ينازع في صحة هذا التاريخ يستطيع أن يثبت عدم صحته بجميع الطرق ، حتي بالبينة أو بالقرائن ، لأنه من الغير وليس طرفا في الورقة التي يحتاج بها عليه كمبدأ ثبوت بالكتابة كما سبق القول .

215 - ما لا يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة : ويتبين مما قدمناه أنه لا يكون هناك مبدأ ثبوت بالكتابة إذا لم تكن هناك ورقة مكتوبة يستند إليها في الإثبات ، $ 426 $ ولو كانت ورقة أغفل فيها ذكر الواقعة المراد إثباتها حيث كان يجب ذكرها وهو ما سميناه بالبيان السلبي فيما تقدم . فأي عمل مادي ، إيجابي أو سلبي ، واي قول لا ينتهي إلي بيانات مدونة – أو مغفلة حيث كان يجب تدوينها - في ورقة مكتوبة ، لا يكون مبدأ ثبوت بالكتابة . ومن ثم لا تكفي الأقوال الشفوية إذا كان لا يمكن إثباتها بالكتابة ، وإن كان يمكن إثباتها بالبينة أو بالقرائن ( [707] ) .

وإذا كان المراد هو إثبات ما يخالف الكتابة أو ما يجاوزها عن طريق مبدأ ثبوت بالكتابة معززاً بالبينة أو بالقرائن ، فلا يصح أن تكون الورقة ذاتها التي يراد إثبات ما يخالفها أو يجاوزها هي مبدأ الثبوت بالكتابة ، بل يجب أن يكون مبدأ الثبوت بالكتابة ورقة أخري صادرة في تاريخ تال لهذه الورقة التي يراد إثبات ما يخالفها أو يجاوزها ( [708] ) .

 $ 427 $ رقابة محكمة النقض : وكون هذا الركن الأول - وجود ورقة مكتوبة – قد توافر في مبدأ الثبوت بالكتابة أو لم يتوافر مسألة من مسائل القانون تخضع لرقابة محكمة النقض ( [709] ) .

 " 2 - صادرة من الخصم أو ممن يمثله

217 - الورقة صادرة من الخصم : حتي تصلح الورقة مبدأ ثبوت بالكتابة ، يجب أن تكون صادرة من الخصم الذي يحتج عليه بها ، مدعيا كان في الدعوي التي رفعها أو مدعي عليه في الدفع الذي تقدم به ( [710] ) وصدور الورقة من الخصم إما أن يكون صدورا ماديا ( materiel ) أو صدوراً معنويا ( intellectual ) .

فالصدر المادي يتحقق بأن تكون الورقة بتوقيع الخصم أو بخطه - وأي الشيئين يكفي : التوقيع أو الخط . والورقة التي وقعها الخصم تكون في الغالب دليلا كتابيا كاملا إذا أعدت أصلا لإثبات المدعي به . ولكنها قد لا تكون أعدت لذلك ، واقتصرت علي بيانات تجعل المدعي به قريب الاحتمال ، وعندئذ يكفي لاعتبارها صادرة من الخصم أن تكون بتوقيعه دون أن تكون بخطه ( [711] ) . ولكن يجب أن يكون التوقيع هو التوقيع الصحيح للخصم ، فلا يكفي أن يكون مجرد تأشيرة $ 428 $ ( paraphe ) أو علامة ( marque ) أو توقيع هامشي ( signature marginale ) ( [712] ) . وقد تكون الورقة غير موقع عليها من الخصم ، ولكنها مكتوبة بخطه . وهذا يكفي لاعتبار الورقة صادرة منه ، ولا حاجة إلي التوقيع( [713] ) . وسواء كانت الورقة موقعة من الخصم أو مكتوبة بخطه ، فالواجب في الحالتين أن يكون الخصم غير منكر لتوقيعه أو لخطه . أما إذا أنكر ، فلابد من الالتجاء إلي إجراءات تحقيق الخطوط علي النحو الذي بيناه فيما تقدم ، فإن ظهر من التحقيق أن التوقيع أو الخط هو له اعتبرت الورقة صادرة منه ، وهذا ما لم يطعن فيها بالتزوير وينجح في هذا الطعن ( [714] ) .

والصدور المعنوي يتحقق بأن الخصم - وهو لم يوقع الورقة ولم يكتبها بخطه - يعتبرها كما لو كانت صادرة منه . فقد يكون الخصم أميا فتكتب الورقة بأملائه ( [715] ) ، $ 429 $ وتعتبر في هذه الحالة صادرة منه دون أن يكون قد وقعها أو كتبها بخطه ( [716] ) .وقد تكون الورقة لم تكتب بأملائه ، ولكنه تمسك بها مقراً بما ورد فيها ، كمخالصة صادرة من الخصم الآخر تمسك بها ، فتعتبر كأنها صادرة منه دون أن تكون بتوقيعه أو بخطة ( [717] ) . ويلاحظ أن ارتضاء الخصم للورقة التي لا تحمل توقيعه أو خطه ، واعتبارها صادرة منه ، واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن ( [718] ) . والورقة الرسمية غير الموقع عليها من الخصم قد تعتبر صادرة منه صدوراً معنويا ، وصفة الموظف العام الذي كتب هذه الورقة قد تكفي وحدها ذلك . فالإقرارات والبيانات التي ترد في أسباب الحكم ( [719] ) ، $ 430 $ وتلك التى ترد فى محضر الاستجواب ( [720] ) ، أو فى محضر المعاينة ، كل هذه تعتبر صادرة من الخصم صدوراً معنوياً ، فهى لا تحمل توقيع الخصم أو خطه ، ولكنها مدونة فى أوراق رسمية منسوبة إلى الخصم ، بواسطة موظفين عامين فوق مستوى الشبهات ( [721] ) . وهذا بخلاف الورقة الرسمية الموثقة ، فإنها إذا لم تكن موقعة من الخصم ، ولم يكن عدم التوقيع راجعاً إلى الجهل بالكتابة أو عدم $ 431 $ استطاعتها أو رفض التوقيع ، فلا تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة ، لأنها تعتبر فى هذه الحالة مجرد مشروع لم يتم ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك ( [722] ) .

218 - الورقة صادرة ممن يمثل الخصم : ويصح أن تكون الورقة صادرة ، لا من الخصم نفسه ، بل ممن يمثل الخصم وقت تحرير الورقة . والأدق أن يقال : ممن يمثله الخصم أو ممن يمثل الخصم ( [723] ) .

فمثل من يمثله الخصم المورث . فالورقة الصادرة من المورث تعتبر كأنها صادرة من الوارث ، وتصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة يحتج بها على الوارث كما $ 432 $ كان يحتج بها على المورث . ومثل من يمثله الخصم أيضا المدين إذا استعمل الدائن حقوقه . فالورقة الصادرة من المدين تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة يحتج بها على الدائن ( [724] ) .

ومثل من يمثل الخصم وكيله . فالورقة التى تصدر من الوكيل فى حدود وكالته تعتبر كأنها صادرة من الموكل ، ويحتج بها عليه كمبدأ ثبوت بالكتابة ( [725] ) .

على أنه يجب إثبات عقد الوكالة وفقاً للقواعد العامة $ 433 $ والمحامى يعتبر وكيلاً عن الخصم الذي يترافع عنه . فالإقرارات والبيانات التى كتبها فى مذكراته منسوبة إلى موكله تعتبر صادرة من الموكل ، وتصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة يحتج بها عليه . وهذا هو أيضا شأن ما يدلى به فى مرافعته منسوبا إلى موكله ، ويدون فى محضر الجلسة ، أو فى محضر التحقيق .

كذلك المحضر يعد وكيلاً . فكل إعلان يقوم به المحضر على لسان الخصم يعتبر كأنه صادر من الخصم ، كصحيفة الدعوى والمعارضة فى التنبيه وغير ذلك من أوراق المحضرين ( [726] ) .

ويمثل الولى والوصى والقيم القاصر والمحجور عليه ، فى حدود ولاية كل منهم . فالورقة الصادرة من أحد من هؤلاء ، فى هذه الحدود ، تعتبر كأنها صادرة من القاصر أو المحجور عليه .

219 - مالا يعتبر صادرا من الخصم ولا ممن يمثله : ويتبين مما تقدم أن الورقة ما لم تكون صادرة من الخصم ، أو ممن يمثله الخصم أو ممن يمثله الخصم أو ممن يمثل الخصم ، لا تكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، ولا يحتج بها على الخصم .

فالورقة الصادرة من الخصم الآخر لا تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة يحتج بها على الخصم الأول ( [727] ) ، للسبب المتقدم ، ولأن الشخص لا يستطيع أن يصطنع $ 434 $ الدليل لنفسه ( [728] ) .

والورقة الصادرة من الزوج لا يحتج بها على زوجته ، ولا يحتج بالورقة الصادرة من الزوجة على زوجها ، هذا ما لم يكن أحدهما وكيل الآخر وفى حدود هذه الوكالة ( [729] ) .

كذلك لا يحتج بالورقة الصادرة من الإبن على أبيه ، ولا من الأب على ابنه ( [730] ) . ولا يحتج بالورقة الصادرة من أحد الشركاء فى الشيوع على باقى الشركاء ، ولا من أحد المتهمين فى جريمة على شركائه أو الفاعلين الأصليين الآخرين ، ولا من أحد الخصوم فى الدعوى على المنضمين معه فى الخصومة ، ولا من مصفى الشركة على أحد الشركاء ( [731] ) .

كذلك لا يحتج على الخصم بما يصدر عن الغير من إقرارات وبيانات عند استجوابه . ومن ثم لا يجوز استجواب ولا الأمر باستحضار غير الخصم ( [732] ) .

 $ 435 $ 220 - رقابة محكمة النقض : وكون الورقة صادرة من الخصم ، أو ممن له صفة فى تمثيل الخصم له أو فى تمثيله للخصم ، هو الركن الجوهرى فى مبدأ الثبوت بالكتابة ، إذ هو الذي يصل الورقة بالخصم ويجعلها حجة عليه . وهذه مسألة من مسائل القانون ، ومن ثم كان البت فيها خاضعاً لرقابة محكمة النقض ، مثلها فى ذلك مثل الركن الأول ( [733] ) .

3 - تجعل المدعى به قريب الاحتمال

221 - معنى قريب الاحتمال : لا يكفى أن تكون الورقة المقدمة كمبدأ ثبوت بالكتابة من شأنها أن تجعل الواقعة المراد إثباتها محتملة ، بل يجب أن تجعل هذه الواقعة مرجحة الحصول ، لا ممكنة الحصول فحسب ( [734] ) .

فإذا توافر ركن قرب الاحتمال على هذا النحو ، فإن مبدأ الثبوت بالكتابة ، هو وحده أيضاً ، لا يكفى دليلا كاملا على صحة الواقعة المراد إثباتها ، كما تقدم القول . بل تجب تكملته بالبينة ، أو بالقرائن ، أو بهما معا .

وليس القاضى مجبراً ، عند وجود مبدأ ثبوت بالكتابة ، أن يحيل الدعوى إلى التحقيق لتكملة الدليل . فقد يرى فى ظروف القضية وملابساتها وفيما يحوطها من القرائن القضائية ما يقنعه بصحة الواقعة المدعى بها ، وتكون القرائن فى هذه الحالة هى التى أكملت مبدأ الثبوت بالكتابة . وقد يقوم من ظروف القضية وملابساتها ما يقنعه بعكس ذلك ، فلا يحتاج أيضا فى هذه الحالة إلى أن يحيل الدعوى إلى التحقيق ، ويزول ما كان لمبدأ الثبوت بالكتابة من أثر كدليل .

 $ 436 $ وقد يرى القاضى أن يحيل الدعوى إلى التحقيق لاستكمال مبدأ الثبوت بالكتابة بالبينة أو بالقرائن . وهنا أيضاً يستبقى القاضى سلطته الكاملة فى التقدير فيسمع الشهود ، وقد يقتنع فتصبح عنده الواقعة المدعى بها ، وقد لا يقتنع فيعتبر أن هذه الواقعة لم يقم عليها الدليل ( [735] ) .

222 - قرب الاحتمال مسألة موضوعية لا تخضع لرقابة محكمة النقض : وتقدير ما إذا كان مبدأ الثبوت بالكتابة يجعل الواقعة المدعى بها قريبة الاحتمال مسألة واقع . ومحكمة الموضوع فى تقديرها لهذه المسألة لا تخضع لرقابة محكمة النقض ، فلا يجوز الطعن فى تقديرها أمام هذه المحكمة . وهذا هو الذي انعقد عليه الاجماع ، فقهاً وقضاء ، فى مصر وفى فرنسا ( [736] ) .

 $ 437 $ فمن الأركان الثلاثة لمبدأ الثبوت بالكتابة ، يكون الركنان الأولان – وجود ورقة وكونها صادرة من الخصم – من مسائل القانون ، فهما يخضعان لرقابة محكمة النقض . والركن الثالث – قرب الاحتمال – من مسائل الواقع ، لقاضى الموضوع فيها سلطان لا معقب عليه من المحكمة العليا .

223 - ضوابط ثلاثة فى تقدير قرب الاحتمال : ومن يستقرئ الفقه والقضاء يستطيع أن يستخلص ضوابط يستأنس بها فى تقدير ما إذا كان مبدأ الثبوت بالكتابة من شأنه أن يجعل الواقعة المراد إثباتها قريبة الاحتمال .

وهى ضوابط يستأنس بها قاضى الموضوع ، ولكنه غير مقيد بها قانوناً . وسواء اتبعها أو لم يتبعها ، فتقديره كما قدمنا غير خاضع لرقابة محكمة النقض ( [737] ) .

ذلك أن الورقة التى تقدم على اعتبار أنها مبدأ ثبوت بالكتابة يمكن أن ترد إلى أحد أنواع ثلاثة :

1-                  ورقة كان من الممكن أن تكون دليلا كتابياً كاملا على الواقعة المراد إثباتها .

2-                  ورقة لم يكن ممكنا أن تكون دليلا كتابياً كاملا على الواقعة المراد إثباتها ، ولكنها تشير إلى هذه الواقعة .

3-                  ورقة لم يكن ممكنا أن تكون دليلا كتابياً كاملا على الواقعة المراد إثباتها ، ثم هى لا تشير إلى هذه الواقعة .

 $ 438 $ 224 - ورقة كان من الممكن أن تكون دليلا كتابيا كاملا على الواقعة المراد إثباتها : وذلك كالأوراق الرسمية والأوراق العرفية وغيرها من الأوراق التى جعل لها القانون قوة معينة فى الإثبات كدفاتر التجار والسجلات والأوراق المنزلية والرسائل .

وهذه أوراق فى الأصل تكون دليلا كتابيا كاملاً . فإذا نقصها شرط من الشروط التى يتطلبها القانون لم تعد تصلح أن تكون دليلا كاملا ، وانقلبت إلى مبدأ ثبوت بالكتابة ، إذ هى تذكر الواقعة المراد إثباتها ذكر الدليل الكامل ، فلا يكون هناك شك فى أنها تجعل هذه الواقعة قربة الاحتمال . وإذا فاتها أن تكون دليلا كتابياً كاملا لما اعتورها من النقض ، فإنها تصلح فى القليل أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة .

فالورقة الرسمية إذا شابها عيب فى الشكل ، ولم تصلح أن تكون ورقة عرفية ، فإنها تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة . مثل ذلك السند الرسمى الباطل غير الموقع عليه من ذى الشأن ، إذا كان عدم التوقيع راجعاً إلى جهل ذى الشأن الكتابة أو عدم استطاعته إياها أو رفضه للتوقيع ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك ( [738] ) " .

وصور الأوراق الرسمية التى لا تصلح دليلا كاملا طبقا لأحكام القانون ، كالصورة الرسمية الأصلية إذا لم يكن مظهرها الخارجى لا يسمح بالشك فى مطابقتها للأصل ، وصورة الصورة الأصلية إذا كانت الصورة الأصلية غير موجودة على رأى أشرنا إليه فيما تقدم ، تصلح فى الغالب أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة على النحو الذي أسلفنا الإشارة إليه .

والورقة العرفية المكتوبة بخط المدين إذا لم تكن موقعة ، وثبت أن عدم التوقيع لا يرجع إلى رفض المدين لتوقيعها مما يجعلها فى منزله مشروع لم يتم ، تكون مبدأ ثبوت بالكتابة .

 $ 349 $ وصور العقود المسجلة تكون مبدأ ثبوت بالكتابة على الوجه الذي ذكرناه فيما تقدم .

ودفاتر التجار ، حين تكون حجة على غير التجار فيا قام التجار بتوريده مع توجيه اليمين المتممة ( م 397 فقرة أولى ) تكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، أكمل هنا ، لا بالبينة ولا بالقرائن ، بل باليمين المتممة . وهذا وضع خاص نص عليه القانون .

والأوراق والسجلات المنزلية ، إذا كانت مكتوبة بخط صاحبها دون توقيعه ، وفى غير الحالتين اللتين نص فيهما القانون على أن تكون دليلا كاملا ( م 398 : إذا ذكر أنه استوفى دينا ، أو أن الورقة تقوم مقام السند ) ، تكون مبدأ ثبوت بالكتابة على النحو الذي قدمناه .

والرسائل إذا كانت غير موقعة ، وكذلك الأصل غير الموقع من البرقيات تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة على التفصيل الذي أسلفناه ذكره ( [739] ) .

225 - ورقة لم يكن ممكنا أن تكون دليلا كتابيا كاملا على الواقعة المراد إثباتها ولكنها تشير إلى هذه الواقعة : وهذه الإشارة قد تكون إيجابية أو سلبية .

والأمثلة كثيرة على الإشارة الإيجابية . منها كتاب يرسله شخص إلى آخر ، يتكلم فيه عن بيع أو قرض أو أى عقد آخر ، فيكون هذا الكتاب مبدأ ثبوت بالكتابة ضد صاحبه على وقوع هذا العقد . وكتاب يرسله المدين ، يذكر فيه الدين الثابت فى ذمته دون أن يذكر مقداره وشروطه ، فيكون مبدأ ثبوت بالكتابة على هذا الدين ( [740] ) . وكتاب يكتبه الدائن إلى ورثة مدينه ، يسألهم إذا كان فى أوراق مورثهم شىء يفيد براءة ذمته ، فإذا ما استوثق أن شيئا من ذلك لا يوجد رفع الدعوى يطالب بالدين ، فيعتبر هذا الكتاب الذي أرسله الدائن إلى الورثة $ 440 $ وأشار فيه إلى براءة ذمة المدين مبدأ ثبوت بالكتابة على هذه البراءة ( [741] ) .

 $ 441 $ أما أن تشير الورقة إلى الواقعة المراد إثباتها إشارة سلبية فذلك يتحقق على أحد وجهين :

 $ 422 $ أ ) إما بأن تثبت الورقة واقعة هى عكس الواقعة المراد إثباتها تماما ، ثم يتبين بعد ذلك تزوير الورقة ، فتنتفى هذه الواقعة العكسية وتصبح الواقعة المراد إثباتها قريبة الاحتمال . مثل ذلك أن يطالب الدائن مدينه بالدين وليس مع الدائن سند مكتوب ، فيبرز المدين مخالصة مزورة ، فتكون هذه المخالصة بعد أن ثبت تزويرها مبدأ ثبوت بالكتابة لإثبات الدين ( [742] ) . ومثل ذلك أيضا أن يثبت أن تاريخ الورقة مزور وأن التاريخ الصحيح هو ما قرره من ادعى التزوير ، فإن ذلك يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة لإثبات صحة ما يذهب إليه مدعى التزوير ، إذ أن عكسه قد ثبت تزويره ، فأصبح ما يذهب إليه قريب الاحتمال ( [743] ) .

ب ) وإما أن تكون الورقة المراد اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة من شانها فى الأصل أن تثبت واقعة متنازعاً عليها ، فإذا هى لم تثبتها كان فى ذلك إشارة سلبية إلى أن هذه الواقعة غير صحيح . مثل ذلك أن تجرد تركة المدين الميت بحضور دائنه ولم يذكر الدين فى محضر الجرد ، فخلو المحضر من ذكر هذا الدين مع حضور الدائن وقت الجرد قد يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة على الوفاء ، إذ لو كان الدين لا يزال فى ذمة المدين لما خلا منه محضر الجرد ( [744] ) . ومثل ذلك أيضاً أن يتمسك المدين بأن الدائن أبرأه من الدين ، ويحتج بأن ورثة الدائن بعد موته ، وهم يعلمون بالدين وحقيقة الإبراء منه ، قد اقتسموا التركة ولم يذكروا شيئا فى عقد القسمة عن هذا الدين ، فيعتبر عدم التنويه عنه فى عقد القسمة مبدأ ثبوت بالكتابة على صحة الإبراء ( [745] ) .

 $ 443 $ وسواء كانت الإشارة إيجابية أو سلبيا ، فقد قدمنا أنه يجب لاعتبار الورقة مبدأ ثبوت بالكتابة أن يكون من شأنها جعل الواقعة المراد إثباتها مرجحة الحصول ، لا محتلمة فحسب . فالاتفاق المكتوب ما بين شخصين على جواز إثبات العقود المبرمة بينهما بالبينة لا يصلح مبدأ ثبوت بالكتابة لإثبات عقد أبرم بعد هذا الاتفاق ، إذ أن هذا الاتفاق المكتوب ليس من شأنه أن يجعل العقد المدعى به مرجح الحصول ، ولا يزيد على أن يجعله محتملا ( [746] ) .

226 - ورقة لم يكن ممكنا أن تكون دليلا كتابيا كاملا على الواقعة المراد إثباتها ثم هى لا تشير إلى هذه الواقعة : ويبدو لأول وهلة أن مثل هذه الورقة لا تكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، لأنه يبعد أن يكون من شأنها أن تجعل واقعة لا تشير إليها بتاتا – لا إيجاباً ولا سلبا – مرجحة الحصول . ولكن يقع مع ذلك ، فى بعض الأحوال الاستثنائية ، أن مثل هذه الورقة تثبت واقعة أخرى لها ارتباط بالواقعة المراد إثباتها ، ويكون ثبوت هذه الواقعة الأخرى من شأنه أن يجعل الواقعة المراد إثباتها قريبة الاحتمال . فينتقل الإثبات بذلك من محل إلى آخر ، $ 444 $ وهذا ما عرفناه بتبدل محل الإثبات أو تحوله ( deplacement de preuve ) ويتحقق ذلك فى الأمثلة الآتية :

1 - رفع شخص على آخر دعوى الدين ، فقدم المدعى عليه ورقة تفيد أن المدعى مدين له بعد تاريخ استحقاق الدين المدعى به . فهذه الورقة تصلح مبدأ ثبوت بالكتابة على وفاء الدين المدعى به . ذلك أن المدين لا يبدأ فى العادة أن يكون دائنا لدائنة إلا بعد أن يوفيه الدين الذي عليه . فالورقة تثبت واقعة مديونية الدائن للمدين . والواقعة المراد إثباتها هى وفاء المدين الدين لدائنه .

وثبوت الواقعة الأولى يجعل الواقعة المراد إثباتها قريبة الاحتمال ( [747] ) .

2 - إذا قرر الدائن المرتهن شطب الرهن ، فإن هذا التقرير يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة على وفاء الدين المضمون بالرهن . ذلك أن الدائن المرتهن لا يرضى عادة بشطب الرهن قبل أن يستوفى حقه . وتقرير الدائن لشطب الرهن ورقة تثبت رضاء الدين بهذا الشطب . والواقعة المراد إثباتها هى وفاء الدين المضمون بالرهن . وثبوت الواقعة الأولى يجعل الواقعة المراد إثباتها قريبة الاحتمال .

3 - قضت دائرة النقض الجنائية ( [748] ) بأنه إذا أخذ أحد ضباط القرعة قيمة البدل العسكرى من والد أحد المقترعين وبددها ، وزور شهادة معافاة باسم المقترع بالمذكور ، فإن هذه الشهادة المزورة تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة بالنسبة إلى تسلم المبلغ . ذلك أن شهادة المعافاة المزورة تثبت أن قيمة البدل العسكرى $ 445 $ لم يسدد الخزانة الحكومة . وهذه الواقعة تجعل واقعة تسلم الضابط للبدل وتبديده إياه قريبة الاحتمال ( [749] ) .

 $ 446 $ المطلب الثانى

قيام المانع من الحصول على الكتابة أو من تقديمها

227 - النصوص القانونية : تنص المادة 403 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " يجوز أيضا الإثبات بالبينة فيما كان يجب إثباته بالكتابة : "

( أ ) إذا وجد مانع مادى أو أدبى يحول دون الحصول على دليل كتابى .

( ب ) إذا فقد الدائن سنده الكتابى لسبب أجنبى لا يد له فيه " ( [750] ) .

ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق المادتين 215 / 280 و 218 / 283 ( [751] ) .

ويقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادة 57 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 491 ، وفى تقنين أصول المحاكمات $ 447 $ المدنية اللبنانى المادة 242 ، وفى التقنين الليبى المادة 391 ( [752] ) .

ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادة 1348 ( [753] ) .

 $ 448 $ ويتبين من نص التقنين المدنى المصرى أنه جمع بين حالتين تتميز إحداهما عن الأخرى ، وإن كانتا تشتركان من ناحية قيام المانع فى كل منهما :

( 1 ) حالة قيام المانع من الحصول على الكتابة .

( 2 ) حالة قيام المانع من تقديم الكتابة بعد الحصول عليها ، وذلك لفقدها بسبب أجنبى

1 - قيام المانع من الحصول على الكتابة

228 - المانع المادى والمانع الأدبى : إذا وجد مانع من الحصول على الكتابة لإثبات تصرف قانونى كان الواجب إثباته بالدليل الكتابى ، فلا مناص من النزول عند حكم الضرورة ، والسماح بالبينة والقرائن تحل محل الكتابة فى إثبات هذا التصرف . والمانع وفقاً لنص المادة 403 ( بند 1 ) إما أن يكون مانعاً ماديا أو مانعا أدبيا .

وفى الحالتين – قيام المانع المادى أو قيام المانع الأدبى – يجوز الإثبات بالبينة والقرائن : ( 1 ) فيما تزيد قيمته على عشرة جنيهات . ( 2 ) فيما يخالف الكتابة أو يجاوزها . ( 3 ) فى كل عقد يتطلب القانون أن يكون إثباته بالكتابة ولم لم تزد قيمته على عشرة جنيهات ، كالصلح والكفالة . أما العقد الشكلى الذي لا ينعقد إلا بورقة رسمية ، كالهبة والرهن الرسمى ، فلا يثبت ، بل لا يوجد ، بغير هذه الورقة الرسمية . وقد مر بيان ذلك عند الكلام فى مبدأ الثبوت بالكتابة $ 449 $ والبينة والقرائن ، فى الصور الثلاث المتقدم ذكرها ، لا تكمل الدليل الكتابى كما كان الأمر فى مبدأ الثبوت بالكتابة – بل تحل محل هذا الدليل لقيام الضرورة ( [754] ) .

والمانع ، ماديا كان أو أدبياً ، واقعة مادية يكلف بإثباتها الخصم الذي يدعيها ، وله أن يثبتها بالبينة والقرائن ، فيجب إذن على الخصم أن يثبت أولا قيام المانع ، ثم يثبت بعد ذلك التصرف القانونى المدعى ، ويثبت هذا وذاك بجميع الطرق ( [755] ) .

وأيا كان المانع ، مادياً أو أدبيا ، فإن تقديره موكول إلى قاضى الموضوع وهو لا يخضع فى ذلك إلى رقابة محكمة النقض ، ما دام يورد فى أسباب حكمه الواقعة التى اعتبرها مانعاً ، ويبين لماذا أضفى عليها هذا الاعتبار . فإن أتى فى ذلك بما هو مستساغ معقول ، حمل تكييفه على الصحة ، وإلا صار ما اعتبره من ذلك كأنه منتزع من غير دليل ( [756] ) .

ونستعرض الآن كلا من المانعين : المادى والمانع الأدبى .

 $ 450 $ 1 - المانع المادى

229 - أمثلة على المانع المادى : لم يورد التقنين المدنى الجديد ، ولا التقنين المدنى السابق ، أمثلة على المانع ، ماديا كان أو أدبيا ، كما فعلت بعض التقنينات الأخرى . ونورد هنا بعض ما أوردته هذه التقنينات ، وما أخذ به القضاء والفقه من حالات المانع المادى .

فقد نص التقنين المدنى الفرنسى ( م 1348 ) على بعض هذه الحالات على سبيل التمثيل . فذكر : ( 1 ) الالتزامات التى تنشأ من شبه العقد أو الجريمة أو شبه الجريمة . ( 2 ) الوديعة الاضطرارية التى تقع فى حالات الحريق والتهدم والاضطرابات والغرق ، وكذلك وديعة النزيل فى الفندق ، وذلك كله وفقا لصفة الشخص ولظروف الواقع . ( 3 ) الالتزامات المعقودة عند نزول أحداث غير منظورة لم يكن يستطاع معها كتابة ورقة .

ونص قانون البينات السورى ( م 57 ) على حالتين : ( 1 ) ألا يوجد من يستطيع كتابة السند ( 2 ) أن يكون طالب الإثبات شخصا ثالثاً لم يكن طرفاً فى العقد .

ونص التقنين المدنى العراقى ( م 491 ) على حالة واحدة هى ألا يوجد من يستطيع كتابة السند .

ويضيف الفقه – والقضاء حالات أخرى . منها عيوب الإرادة من غلط وتدليس وإكراه واستغلال . ومنها الاحتيال على القانون ، والسبب غير المشروع ، ومنها الصورية بالنسبة إلى الغير وفيما بين المتعاقدين . ومنها ما جرت العادة أن يعتبر الحصول على دليل كتابى فيه متعذراً .

وننبه بادئ ذى بدء إلى أن هذا كله لم يذكر على سبيل الحصر ، بل على سبيل التمثيل . فيجوز أن توجد إلى جانب هذه الحالات حالات أخرى يقوم فيها المانع المادى من الحصول على دليل كتابى ، بل قد تجد حالات لم تكن موجودة من قبل .

 $ 451 $ ونقتصر هنا على تنسيق الأمثلة التى قدمناها وترتيبها ، حتى تتحدد من وراء ذلك فكرة المانع المادى .

ويمكن تقسيم ما قدمناه من الحالات إلى طوائف ست : ( 1 ) الالتزامات التى تنشأ من مصدر غير عقدى ، وعيوب الإرادة . والذى يجمع بين هذه الحالات أنها جميعها فى الواقع من الأمر ليست تصرفات قانونية ، بل هى وقائع مادية ، فهى ليست استثناء من قاعدة وجوب الدليل الكتابى . ( 2 ) أن يكون طالب الإثبات غير طرف فى التصرف القانونى وما يتصل بذلك من الصورية .

( 3 ) الاحتيال على القانون والسبب غير المشروع . ( 4 ) الودائع الاضطرارية ، ويلحق بها ، بالنسبة إلى البلاد التى لم تنتشر فيها الكتابة انتشاراً كافياً ، ألا يوجد من يستطيع كتابة السند . ( 5 ) الأحداث غير المنظورة بوجه عام . ( 6 ) ما جرت به العادة .

230 - الالتزامات غير العقدية وعيوب الإرادة : يذكر التقنين المدنى الفرنسى ( م 1348 ) بين حالات المانع المادى مصادر الالتزامات غير العقدية ، ويعددها على الوجه الذي اختاره فى ترتيب هذه المصادر : شبه العقد والجريمة وشبه الجريمة . ونلاحظ فى هذا الصدد أمرين : ( أولا ) لو فرضنا جدلا أن مصادر الالتزام غير العقدى تصرفات قانونية ، فإن المانع هنا من الكتابة ليس مانعاً خاصاً فى حالة بالذات ، بل هو مانع عام فى جميع هذه الحالات دون تمييز ما بين حالة وحالة . وعندنا أن المقصود بقيام المانع أن يكون هذا المانع ذاتيا يقوم فى حالة بالذات ، لا أن يكون مانعاً موضوعيا يقوم بالنسبة إلى طائفة من الحالات فى جميع أفرادها ( [757] ) .

( ثانياً ) وقبل ذلك ، يجب أن يلاحظ أن المصادر غير العقدية للالتزام ليست تصرفات قانونية إطلاقاً بل هى وقائع مادية ، وقد رأينا أن الدليل الكتابى إنما وضع للتصرفات القانونية دون الوقائع $ 452 $ المادية أما هذه فالأصول فيها أن يكون إثباتها بجميع الطرق ، ويدخل فى ذلك البينة والقرائن والمعاينة كما قدمنا . فلم يكن التقنين المدنى الفرنسى فى أية حاجة إلى استثناء المصادر غير العقدية من قاعدة وجوب الإثبات بالدليل الكتابى ، فهى فى الأصل لم تدخل فى هذه القاعدة حتى تستثنى الظاهرى ، وأحسن التقنين المصرى فى تجنب متابعته فى هذا الخطأ ( [758] ) .

وإذا رتبنا مصادر الالتزام غير العقدية الترتيب الحديث ، وقلنا أنها العمل غير المشروع والإثراء بلا سبب والقانون ، وجدنا أن العمل غير المشروع يكون دائما عملا مادياً له أركان ثلاثة ، هى الخطأ والضرر وعلاقة السببية ، وكل ركن من هذه يعتبر واقعة مادية يجوز إثباتها بالبنية والقرائن . على أن هناك أعمالا غير مشروعة تقوم على أساس عقود مدنية ، كجريمة التبديد فهذه يجب فى إثباتها إثبات العقد المدنى الذي تقوم عليه ، ولا بد فى إثبات العقد المدنى من مراعاة $ 453 $ قواعد الإثبات المتعلقة بالتصرفات القانونية ، فلا يجوز إثبات ما تزيد قيمته على عشرة جنيهات بالبينة أو القرائن ، سواء فى ذلك كانت المحكمة محكمة مدنية أو محكمة جنائية ، وقد مر ذكر ذلك ( [759] ) .

أما فيما يتعلق بالإثراء بلا سبب ، فالوفاء بغير المستحق يكون عادة تصرفا قانونياً ، لا يجوز إثباته بالبينة أو القرائن إذا زاد المبلغ الموفى به على عشرة جنيهات ( [760] ) . والفضالة ، بالنسبة إلى رب العمل ، هى واقعة مادية يجوز إثباتها بالبينة والقرائن . ولكن الفضولى قد يبرم ، فيما يأتيه من أعمال الفضالة ، تصرفاً قانونياً مع الغير ، ففيما بينه وبين هذا الغير لا يثبت هذا التصرف إلا وفقا لقواعد الإثبات فى التصرفات القانونية . وهذا التصرف نفسه يعتبر ، بالنسبة إلى رب العمل ، واقعة مادية يجوز له إثباتها بجميع الطرق . وأعمال الإثراء بلا سبب الأخرى تكون غالبا أعمالا مادية يجوز إثباتها بالبينة والقرائن ، كالبناء والغراس ، ولكن يقع فى بعض الأحوال أن تكون تصرفات قانونية كمن يوفى دين غيره ويرجع على المدين ، ففى هذا الرجوع تراعى قواعد الإثبات فى التصرفات القانونية ( [761] ) .

أما الوقائع المادية التى ينص القانون على أنها تنشئ التزامات ، فإن إثباتها جائز بجميع الطرق . على أنه يلاحظ أن القرابة لها فى الغالب طرق إثبات خاصة ، وأن الجوار يثبت عادة بالمعاينة .

ثم يذكر الفقه ، فيما يجوز إثباته بالبينة والقرائن لقيام المانع المادى ، عيوب الإرادة من غلط وتدليس وإكراه واستغلال . ولكن هذه أيضاً وقائع مادية ، لا معنى لاستثنائها من قاعدة لا تسرى إلا على التصرفات القانونية . صحيح أن هذه العيوب تلتصق بالإرادة ، أى بالتصرف القانونى ، ولكن التصرف القانونى فى ذاته يثبت وفقا للقواعد العامة ، ومن يدعى وجوده عليه أن يثبته ، فإذا ثبت وجوده كان على من يدعى أن التصرف شابه عيب من هذه العيوب أن يثبت ذلك ، ويجوز له أن يثبت هذا العيب بالبينة والقرائن لأنه واقعة مادية كما قدمنا ( [762] ) .

231 - طالب الإثبات ليس طرفا فى التصرف القانونى ، فإذا استبعدنا ما قدمناه من الوقائع المادية ، واقتصرنا على التصرفات القانونية ، وجب أن نقصر دائرة تطبيق الدليل الكتابى على العلاقة فيما بين طرفى التصرف . فالدليل الكتابى غير مطلوب إلا فى هذا النطاق . أما الغير الذي لم يكن طرفا فى التصرف ، فله أن يثبته ، إذا دعته مصلحة مشروعة إلى هذا الإثبات ، بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن . وليس ذلك راجعاً ، فى نظرنا ، إلى قيام مانع مادى حال دون حصول الغير على الكتابة المثبتة للتصرف . لا شك فى أن هذا المانع المادى موجود ، ولكنه مانع عام يوجد فى كل حالة يكون طالب الإثبات فيها من الغير بالنسبة إلى التصرف القانونى ، وقد قدمنا أن المانع يجب أن يكون خاصاً يوجد فى حالة بالذات . والعلة ، فى نظرنا ، فى أن نبيح للغير أن يثبت تصرفاً قانونياً ليس طرفاً فيه بجميع الطرق ، هى أن هذا التصرف بالنسبة إليه يعتبر واقعة مادية ، والواقعة المادية يجوز إثباتها بجميع الطرق .

وقد رأينا أن الشفيع يستطيع إثبات البيع الذي يأخذ فيه بالشفعة بجميع الطرق ، لأنه من الغير ، فيعتبر البيع بالنسبة إليه واقعة مادية . ورأينا فى الفضالة أن الفوضى فى أعمال فضالته قد يبرم تصرفاً قانونياً مع الغير ، فلرب العمل ، إذا اقتضى الأمر ، أن يثبت هذا التصرف بجميع الطرق ، لأنه لم يكن طرفا فى هذا التصرف ، فيعتبر التصرف بالنسبة إليه واقعة مادية . وقد يتعاقد صاحب المصنع من أحد الفنيين ، فيأتى مصنع منافس ويستخدم هذا الفنى قبل انتهاء خدمته فى المصنع الأول ، فإذا رجع صاحب المصنع الأول على صاحب المصنع الآخر بتعويض ، وطولب أن يثبت عقد استخدام المصنع الآخر لهذا الفنى ، كان له أن يثبت هذا العقد بجميع الطرق ، لأنه ليس طرفا فيه ، فيعتبر بالنسبة إليه واقعة مادية . والحاجز على مال مدينة قد يضطر إلى إثبات ملكية المدين للمال المحجوز عليه بمقتضى تصرف قانونى لم يكن طرفا فيه ، فيثبت هذا التصرف بجميع الطرق ، إذ هو بالنسبة إليه واقعة مادية . والحاجز على مال مدينة قد يضطر إلى إثبات ملكية المدين للمال المحجوز عليه بمقتضى تصرف قانونى لم يكن طرفياً فيه ، فيثبت هذا التصرف بجميع الطرق ، إذ هو بالنسبة إلى واقعة مادية . ويمكن القول إذن بوجه عام أن كل شخص لم يكن طرفاً فى تصرف قانونى ، وكانت له مصلحة فى إثبات هذا التصرف ، يجوز له الإثبات بجميع الطرق ، لأن التصرف يعتبر بالنسبة إليه واقعة مادية ( [763] ) .

 $ 455 $ كذلك يستطيع الغير ، فى تصرف قانونى مكتوب ، أن يثبت بجميع الطرق ما يخالف الكتابة أو يجاوزها ، لأن التصرف يعتبر بالنسبة إليه واقعة مادية . والمثل البارز لذلك هو الصورية . فالعقد الصورى ، فيما بين المتعاقدين ، تصرف قانونى لا يجوز إثبات ما يخالفه – أى إثبات الصورية – إذا كان العقد مكتوباً ، إلا بالكتابة ( [764] ) . أما بالنسبة إلى الغير ، فيجوز له هذا الإثبات بجميع الطرق ، لأن العقد الصورى بالنسبة إليه يعتبر واقعة مادية ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك .

232 - الاحتيال على القانون والسبب غير المشروع : فإذا اقتصرنا على العلاقة فيما بين طرفى التصرف القانونى ، أمكن أيضا أن نتصور جواز أن يثبت أحد الطرفين التصرف القانونى بجميع الطرق ، لا لأن التصرف يعتبر بالنسبة إليه واقعة مادية فهو تصرف قانونى بالنسبة إلى كل من الطرفين ، بل لأن هناك سبباً غير مشروع ، كربا فاحش أو مقامرة ، يراد إخفاؤه احتيالا على القانون . وقد قدمنا أن الاحتيال على القانون يبيح الإثبات بجميع الطرق ، فهو مبدأ عام يضاهى فى عمومه مبدأ قيام المانع ، ولا يتفرغ عنه . ولذلك يجب ألا نخلط ما بين المبدأين . وقد سبق أن عالجنا مبدأ الاحتيال على القانون وكيف يجيز الإثبات بالبينة والقرائن .

233 - الودائع الاضطرارية وما يلحق بها : وننتقل الآن إلى النطاق الحقيقى لقيام المانع . فهو دائرة العلاقة بين طرفى التصرف القانونى فيما ليس فيه احتيال على القانون ، وذلك بعد أن استبعدنا من هذا النطاق الواقعة المادية فهى ليست بتصرف قانونى ، واستبعدنا الغير الذي يعتبر التصرف القانونى بالنسبة إليه واقعة مادية ، واستبعدنا الاحتيال على القانون وهو يبيح كمبدأ عام مستقل الإثبات بجميع الطرق . وننظر ، فى حدود هذا النطاق الحقيقى ، كيف يحول المانع المادى دون الحصول على الدليل الكتابى .

ونواجه أول ما نواجه الوديعة الاضطرارية ( depot necessaire ) وما يلحق بها . فهنا يقوم مانع مادى يتعذر معه الحصول على الكتابة لإثبات التصرف .

 $ 456 $ فمن فوجئ بخطر الحريق أو النهب أو الاضطراب أو التهدم أو الغرق أو نحو ذلك ، فبادر إلى إنقاذ متاعه من هذه الأخطار بإيداعه عند الغير ، لا يجد من الوقت ولا من الظروف التى أحاطت به متسعاً للحصول من المودع عنده على دليل كتابى بالوديعة إذا زادت قيمتها على عشرة جنيهات . وبحسبه أن وجد من يستودعه متاعه فى هذه الظروف الحرجة . فإذا زال الخطر وأراد استرداد متاعه ، وأنكر المودع عن الوديعة ، كان على المودع أن يثبت أولا قيام المانع من الحصول على الدليل الكتابى ، أى الخطر الذي كان يتهدده . وهذه واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق . ثم يجوز له بعد ذلك أن يثبت بالبينة والقرائن عقد الوديعة ذاته .

ويلحق بالوديعة الاضطرارية وديعة النزيل فى الفندق لأمتعته . فقد شبه التقنين المدنى الفرنسى ( م 1348 وم 1352 ) هذه الوديعة بالوديعة الاضطرارية ، من حيث قيام المانع المادى من الحصول على دليل كتابى . أما التقنين المدنى المصرى فقد سكت عن ذلك ، وترك المسألة للقواعد العامة . وقد نصت المادة 727 من التقنين المدنى على أن " 1 - يكون أصحاب الفنادق والخانات وما ماثلها ، فيما يجب عليهم من عناية بحفظ الأشياء التى يأتى بها المسافرون والنزلاء ، مسئولين حتى عن فعل المترددين على الفندق أو الخان . 2 - غير أنهم لا يكونون مسئولين ، فيما يتعلق بالنقود والأوراق المالية والأشياء الثمينة ، عن تعويض يجاوز خمسين جنيها ، ما لم يكونوا قد أخذوا على عاتقهم حفظ هذه الأشياء وهم يعرفون قيمتها ، أو يكونوا قد رفضوا دون مسوغ أن يتسلموها عهدة فى ذمتهم ، أو يكونوا قد تسببوا فى وقوع الضرر بخطأ جسيم منهم أو من أحد تابعيهم " . وظاهر من هذا النص أن مسئولية صاحب الفندق العقدية ، بمقتضى عقد الوديعة ، تختلف عن مسئولية التقصير . فهو مسئول مسئولية عقدية ، بمقتضى عقد الوديعة ، عن المحافظة على الأمتعة التى يأتى بها النزيل . وإثبات عقد الوديعة فى هذه الحالة يكون بجميع الطرق ، لقيام مانع مادى من الحصول على الكتابة . ونلاحظ منذ الآن أن المانع المادى أخذ هنا يتخفف من حدته ، فلم يعد مانعاً مادياً يجعل الحصول على الدليل الكتابى متعذراً كما كان الأمر فى الوديعة الاضطرارية ، بل هو مانع مادى يجعل الحصول على الدليل الكتابى غير مألوف ويتعارض مع ظروف الإيداع . ويقدر ما يتخفف المانع $ 457 $ المادى هنا من حدته ، بقدر ما يفقد من صبغة الخصوص فيه ، ويقرب من أن يكون مانعاً عاماً لا يختص بحالة دون حالة ، لولا أن وديعة نزيل الفندق هى ذاتها حالة متخصصة بين الودائع بوجه عام . وهنا أيضا تتسع الثغرة فى قاعدة الدليل الكتابى لتترك مجالا غير ضيق للإثبات بالبينة . أما فيما يختص بالنقود والأوراق المالية والأشياء الثمينة فمسئولية صاحب الفندق العقدية ، بمقتضى عقد الوديعة الذي يثبت بالبينة والقرائن ، لا تجاوز خمسين جنيها مصرياً . فإن جاوز الضرر هذا المبلغ ، تحولت مسئولية صاحب الفندق إلى مسئولية تقصيرية ، أو بقيت عقدية على حسب الأحوال . وعلى النزيل أن يثبت أحد أمور ثلاثة : ( 1 ) عقد وديعة خاصة ، يتعهد بمقتضى صاحب الفندق بالمحافظة على النقود والأوراق المالية والأشياء الثمينة وهو عارف قيمتها . وهذا العقد لا يجوز فى إثبات البينة أو القرائن لأن قيمته تزيد على عشرة جنيهات . ( 2 ) خطأ من صاحب الفندق ، هو أنه رفض دون مسوغ أن يتسلم النقود أو الأوراق المالية أو الأشياء الثمينة عهدة فى ذممته . وهذا الخطأ واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق . ( 3 ) خطأ جسيما من صاحب الفندق أو من أحد تابعيه ، أياً كان هذا الخطأ ، ولكن لا يكفى أن يكون خطأ عادياً بل أن يكون جسيماً . وهذا الخطأ أيضا واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق ( [765] ) .

وينص كل من قانون البينات السورى ( م 57 ) والتقنين المدنى العراقى ( م 491 ) صراحة على أنه " يعتبر مانعاً مادياً ألا يوجد من يستطيع كتابة السند " ( [766] ) .

وهنا أيضا يزداد المانع المادى تخففاً من حدته . فيصبح للعرف والبيئة دخل فى تقديره . ففى البلاد التى لم تنتشر فيها الكتابة انتشاراً كافياً قد يتعذر فى بعض الأحوال العثور على شخص يستطيع كتابة السند الذي يراد إعداد كدليل كتابى على التصرف القانونى المعقود . فيقدر القاضى ظروف البيئة فى كل مسألة بالذات ، ليرى إذا كان حقاً قد تعذر العثور على من يكتب السند ، فيقضى بقيام المانع المادى ويرخص فى الإثبات بالبينة . وطالب الإثبات بالبينة هو الذي يحمل $ 458 $ عبء إثبات تعذر العثور على من يكتب السند فى الظروف التى انعقد فيها التصرف القانونى ، ويستطيع إثبات ذلك بالبينة والقرائن لأنه إنما يثبت واقعة مادية . ونلاحظ أن المانع المادى هنا هو مانع خاص ذاتى ، لا مانع عام موضوعى . ولا يعتد به إلا فى القوانين التى تنص عليه . ففى التقنين المصرى ، حيث لا نص ، لا يكون هذا مانعاً يسوغ الإثبات بالبينة والقرائن .

234 - الأحداث غير المنظورة بوجه عام : وقد أضاف التقنين المدنى الفرنسى ( م 1348 بند 3 ) عبارة عم بها ظروف الودائع الاضطرارية ، فأجاز الإثبات بالبينة " عند نزول أحداث غير منظورة لم يكن يستطاع معها كتابة ورقة " . ويجب أن تكون النازلة غير منظورة ، وأن تكون جسيمة بحيث تجعل التعاقد على الالتزام أمراً بلغ حداً من الاستعجال لا يتسع معه الوقت للحصول على سند كتابى . فالقرض الذي يعطى لإسعاف أحد الجنود فى جيش يتقهقر منهزماً ( [767] ) ، وإقراض شخص مالا طرأت الحاجة إليه وهو على وشك السفر ، أو وهو مصاب فى حادث لم يكن يتوقعه ، وإيداع السيارة فى مكان عام حيث لا يوجد من الحراس عدد كاف لتسلم جميع السيارات المودعة ( [768] ) ، وإصابة المودع بشلل فجائى اضطر معه للانتقال إلى المستشفى قبل الحصول على سند كتابى ( [769] ) ، وإيداع صندوق بداخله نقود أثناء قيام البوليس بالتفتيش ( [770] ) ، كل هذه حالات يجوز فيها الإثبات بالبينة والقرائن لقيام المانع المادى الذي يخول دون الحصول على سند كتابى . ويقدر القاضى كل حالة على حدتها ، ليرى هل هناك مانع مادى ، فالمانع إذن خاص ذاتى ، لا عام موضوعى .

235 - ما جرت به العادة : وهنا يتخفف المانع المادى من حدته إلى حد أقصى ، ويزداد اتساع الثغرة فى قاعدة الدليل الكتابى . إذ لا يكون المانع $ 459 $ المادى راجعاً إلى التعذر أصلا ، بل إلى مجرد ما جرت به العادة وألفته الناس فى التعامل . وفى هذا خرق واسع تحدثه البينة فى نطاق الدليل الكتابى . ويزيد فى خطورة الأمر أن المانع يبدأ فى التحول من مانع ذاتى إلى مانع موضوعى ، لولا بقية من الذاتية هى التى تركت لتقدير القاضى لينظر فى كل حالة على حدة هل جرت العادة فى مثلها ألا يؤخذ سند كتابى .

وقد جرت العادة ألا يأخذ السيد من خادمه دليلا كتابيا على ما يعهد إليه به من مال أو متاع . وجرت عادة أصحاب الفنادق والمطاعم والمقاهى ألا يأخذوا دليلا كتابيا على ما يقدمون إلى عملائهم من خدمة ومأكل ومشرب . وجرت عادة التجار ألا يأخذوا دليلا كتابيا على ما يرسلوا إلى المنازل من سلع . وجرت العادة فى الأسواق أن تجرى المبايعات بالشروط المألوفة دون كتابة ، فإذ خرجت الشروط عن نطاق المألوف دونت فى ورقة مكتوبة ( [771] ) .

ويختلط المانع المادى هنا بالمانع الأدبى الذي سنراه فى عرف بعض المهن . ومن الفقهاء من يميز بين عادة عامة تجرى بين فريق كبير من الناس بحيث تعتبر قاعدة قانونية مصدرها العرف ، وهذا هو المانع المادى ، وبين عادة خاصة جرى عليها شخصان فى التعامل فيما بينهما ، مما يمكن اعتباره دليلا على وجود صلة متينة بين المتعاملين تمنع من الحصول على سند مكتوب ، وهذا هو المانع الأدبى( [772] ) . وفى رأينا أن المانع المادى والمانع الأدبى يتلاقيان عند العادة ، ويصعب هنا الفصل فيما بينهما فصلا دقيقا . فالعادة من حيث إنها تضع قاعدة مألوفة للسلوك المتبع يتعذر معها الحصول على دليل كتابى تكون مانعاً مادياً ، ومن حيث إنها تتغلغل فى النفوس إلى حد يحجم معه المتعاملون من طلب دليل كتابى تكون مانعاً أدبيا .

 $ 460 $ ب - المانع الأدبى

236 - تقدير المانع الادبى موكول لقاضى الموضوع – اتساع الثغرة فى الدليل الكتابى : وقد يكون المانع أدبياً غير مادى . وتقدير ذلك – كما هو الأمر فى المانع المادى – موكول للقاضى . وتقديره موضوعى لا معقب عليه لمحكمة النقض ( [773] ) كما تقدم القول . ويميل القضاء إلى التوسع فى الموانع الأدبية ، فتتسع بذلك إلى حد بعيد الثغرة فى قاعدة الدليل الكتابى . ويساعد على ذلك أن القضاء لا يميل إلى تحديد ما هو المانع الأدبى ، فيترك القاضى حراً فى تقدير كل حالة على حدتها ، فيحد من صرامة وجوب الحصول على سند مكتوب بعد هبوط قيمة العملة وصعود مستوى الأسعار ( [774] ) .

وأكثر ما ترجع الموانع الأدبية – وفقا لأحكام القضاء – إلى أمور ثلاثة : ( 1 ) الزوجية والقرابة ( 2 ) علاقة الخدمة ( 3 ) العرف المتبع فى بعض المهن .

237 - الزوجية والقرابة : كثيراً ما تقوم علاقة الزوجية أو القرابة مانعاً أدبياً يحول دون الحصول على الدليل الكتابى الذي يتطلبه القانون . فإذا أثبت الخصم هذه العلاقة ( [775] ) ، وقرر القاضى ، وفقاً لظروف كل حالة وملابساتها – ومن ثم يكون المانع الأدبى خاصاً ذاتياً لاعاماً موضوعياً – أنها علاقة كافية لتقوم مانعاً أدبياً يحول دول الحصول على الدليل الكتابى ، أباح للخصم الإثبات بالبينة والقرائن بدلا من الكتابة .

 $ 461 $ فعلاقة الزوجية قد تحول – وفقاً لظروف كل حالة – دون الحصول على دليل كتابى لإثبات قرض ما بين الزوجين ، أو لإثبات الوفاء بالدين ، أو لإثبات أى تصرف قانونى آخر ( [776] ) . وكعلاقة الزوجية علاقة المصاهرة ، وقضت محكمة استئناف مصر بأن الموانع الأدبية التى تسمح بالإثبات بالبينة والقرائن تخضع لظروف الدعوى أيضا لا لشدة القرابة وحدها ، فإذا زوجت سيدة ابن خالتها من ابنتها بغير مهر ، وجهزت هى ابنتها ، وأقامت الإبنة وزوجها عندها ليسرها ، هذه الظروف كلها تمنع الزوج أدبيا منعاً قوياً من مطالبة أم زوجته بكتابة إذا أودعها مالا ما أثناء إقامته وزوجته عندها ( [777] ) . وعلاقة الخطبة وحدها قد تكفى فى بعض الأحوال لقيام المانع الأدبى . وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن العرف جرى بين المصريين ، وخصوصا المسلمين منهم ، على أنه بعد الاتفاق على الخطبة ودفع المهر وقبل إتمام الزفاف ، يشترى الجهاز ، فإذا سلم للخاطب ، ولم يتم الزواج ، وطولب به جاز إثبات الدعوى بالبينة ، إذ يوجد فى هذه الظروف مانع أدبى يحول دون الحصول على سند كتابى من الخاطب ( [778] ) .

والعلاقة بين الولد وأبويه كثيراً ما تحول دون الحصول على الدليل الكتابى ، $ 462 $ وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن صلة الأبوة هى من الموانع الأدبية ( [779] ) . وكذلك علاقة الأخوة ، وقد قضت محكمة النقض بأنه مما لا نزاع فيه أن المانع كما يكون مادياً يجوز أن يكون أدبيا ، والتقدير فى ذلك على كل حال لمحكمة الموضوع ، فإذا رأت فى قضية ما ، لعلاقة الأخوة بين الطرفين ، ولاعتبارات شتى أوردتها فى حكمها ، توفر هذا المانع الأدبى المسوغ للإثبات بالبينة ، فلا معقب على ما رأته فى هذا الشأن ( [780] ) . كذلك صلة القرابة بين المتهم وخالته تعتبر مانعا ادبيا من الحصول على الكتابة ( [781] ) . ودرجة القرابة التى تربط المتهم بعمته وقد سلمته سنداً مثبتاً لدين لها على أبنها ، تعتبر مانعاً أدبياً ، لأن الإيداع يدل فى ذاته على أن للمتهم عند عمته منزلة خاصة ، فتكليفا يأخذ إيصال عليه بهذا الإيداع تكليف يتنافر مع هذا الائتمان ( [782] ) . وسواء كانت القرابة قريبة أو بعيدة ، فمحكمة الموضوع هى التى تقدر ، فى كل حالة بالذات ، متى تعتبر هذه القرابة مانعاً أدبياً . وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن حال الصلات العائلية فى ذاتها من حيث تعيين درجة القرابة بالدقة ليست هى التى يترتب عليها بطريقة مطرده المانع الأدبى الذي يحول دون الحصول على كتابة مثبتة للدين أو للتخالص منه ، بل قد يوجد ذلك المانع ولو كانت القرابة بعيدة فى الظاهر ، تبعاً لطبيعة الصلات العادية بين الخصوم من محبة وإخلاص ( [783] ) . وقضت محكمة النقض بأن اعتبار صلة القرابة بين أطراف الخصومة من الموانع الأدبية التى تحول دون الحصول على دليل كتابى هو من الأمور الواقعية التى تستقل بتقديرها محكمة الموضوع بلا معقب عليها من محكمة النقض ( [784] ) .

 $ 463 $ وقد تقوم صلات أخرى – غير صلات الزوجية والقربى – تكون مانعاً أدبيا من الحصول على الكتابة . من ذلك صلة الجوار ( [785] ) ، وصلة الوكالة غير المأجورة ( [786] ) . بل إن مجرد العادة ( [787] ) ، أو مركز الشخص الاجتماعى ( [788] ) ، قد يكون مانعاً أدبياً يحول دون الحصول على سند مكتوب .

هذا وقد اختارت بعض التقنينات العربية أن تحدد متى تعتبر صلة القرابة والزوجية مانعاً أدبياً ، فحولت بذلك هذه الصلة من مانع خاص ذاتى إلى مانع عام موضوعى . من ذلك أن نص قانون البينات السورى ( م 57 ) على أنه " تعتبر مانعاً أدبياً القرابة ما بين الزوجين ، أو ما بين الأصول والفروع أو ما بين الحواشى إلى الدرجة الثالثة ، أو ما بين أحد الزوجين وأبوى الزوج الآخر " . $ 464 $ ونص أيضاً تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى ( م 242 ) على أنه " يكتفى بمجرد الاستحالة المعنوية ، وهى تنشأ خصوصاً عن العرف المتبع فى بعض المهن ، أو علاقات القربى ما بين الأصول والفروع أو عن الروابط الزوجية " . ونص أخيراً التقنين المدنى العراقى ( م 491 ) على جواز الإثبات بالشهادة فيما كان يجب إثباته بالكتابة " إذا كان العقد مبرماً ما بين الزوجين ، أو ما بين الأصول والفروع ، أو ما بين الحواشى إلى الدرجة الرابعة ، أو ما بين أحد الزوجين وأبوى الزوج الآخر " ( [789] ) .

238 - علاقة الخدمة : والعلاقة ما بين المخدوم والخادم قد لا تسمح ، تبعاً للظروف ، بالحصول على الدليل الكتابى . فخدمة المنازل لا يستطيعون عادة تقديم دليل كتابى على مقدار أجورهم وشروط خدمتهم ( [790] ) ، ولا على ما قدموه لحساب المخدوم من مبالغ صرفوها فى الشؤون المنزلية ( [791] ) . وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن صلة الخادم بسيده وطول خدمته عنده يعتبر من المواقع الأدبية ( [792] ) .

وكذلك العلاقة ما بين رب العمل والعامل قد لا تسمح هى أيضاً ، تبعاً للظروف ، بأن يكون هناك دليل كتابى . مثل ذلك العلاقة ما بين صاحب المصنع وعامله ( [793] ) ، والعلاقة ما بين رب العمل وكاتبه ( [794] ) ، والعلاقة ما بين والد التلميذ والمعلم ( [795] ) ، والعلاقة ما بين خادم الفندق ومخدومه ( [796] ) .

 $ 465 $

239 - عرف بعض المهن : وتقضى الظروف فى بعض المهن ألا يكون هناك دليل كتابى على التعامل . ويتحقق ذلك بنوع خاص فى مهنة الطب ، فإن الطبيب فى أكثر الظروف لا يحصل على دليل كتابى من المريض بما اتفقا عليه من أجر للعلاج . بل قد لا يتفقان أصلا على الأجر ، ويطلب الطبيب أجره بعد ذلك وفقاً للعرف الجارى ، دون أن يطلب منه تقديم دليل كتابى فيما يزيد على عشرة جنيهات ( [797] ) .

وحائك الملابس لا يأخذ عادة ورقة مكتوبة من عميله ، فيجوز له إثبات حقه فى ذمة العميل بالبينة والقرائن ، حتى لو زادت القيمة على عشرة جنيهات . وله أن يستعين فى ذلك بدفاترة التجارية وفقاً لقواعد الإثبات الخاصة بهذه الدفاتر( [798] ) .

وقد اشرنا فيما قدمناه كيف يلتقى المانع المادى والمانع الأدبى فيما يقضى به العرف فى كثير من الأحوال من جواز الإثبات بالبينة وبالقرائن .

2 - قيام المانع من تقديم الكتابة لفقدها بسبب أجنبى

240 - نطاق تطبيق القاعدة : رأينا ، فيما قدمناه ، قيام مانع مادى أو أدبى يحول دون الحصول على دليل كتابى ، فجاز الإثبات بالبينة والقرائن نزولا عند حكم الضرورة . أما هنا ، فقد حصل الدائن على الدليل الكتابى الذى يقضى به القانون ، ولكنه بعد حصوله على هذا الدليل فقده لسبب أجنبى لابد له فيه . فمكان الضرورة فى هذه الحالة أكثر وضوحاً ، لأن الدليل الكتابى قد وجد فعلا ولكنه ضاع بغير تقصير من الدائن . لذلك يجوز عندئذ أن تحل $ 466 $ البينة والقرائن محل الدليل الكتابى لإثبات :

( 1 ) ما تزيد قيمته على عشرة جنيهات .

( 2 ) ما يخالف الكتابة أو يجاوزها .

( 3 ) أى عقد يشترط القانون أن يكون إثباته بالكتابة ولو لم تجاوز قيمته عشرة جنيهات كالصلح والكفالة .

( 4 ) أى عقد شكلى ، كالهبة والرهن الرسمى على التفصيل الذى سنورده فيما يلى . وفى هذا تختلف هذه القاعدة عن القاعدة السابقة ، فقد رأينا أن قيام المانع لا يجيز إثبات العقد الشكلى بالبينة والقرائن( [799] ) .

241 - أمور ثلاثة يجب إثباتها : ومن يدعى أنه حصل على سند مكتوب ثم فقده بسبب أجنبى ، عليه أن يثبت أموراً ثلاثة :

( 1 ) أنه كان قد حصل فعلا على سند مكتوب . ويجوز أن يثبت ذلك بجميع الطرق ، لأنه إنما يثبت واقعة مادية ( [800] ) .

 $ 467 $

( 2 ) وأن هذا السند قد فقد . وهذه أيضاً واقعة مادية يجوز إثباتها بالبينة بالقرائن( [801] ) .

( 3 ) وأن فقد السند كان بسبب أجنبى لا يد له فيه ، كسرقة أو حريق أو نحو ذلك من الحوادث التى لم يكن يتوقعها ( [802] ) . وهذه أيضاً واقعة مادية يجوز له إثباتها بالبينة والقرائن( [803] ) . ويلاحظ هنا أمران ( أولهما ) أن السبب الأجنبى لا يتشدد فيه التشدد الذى رأيناه فى المسئولية ، فيكفى أن يثبت صاحب السند أنه لم يقصر فى المحافظة عليه حتى يعتبر أنه فقد السند بسبب أجنبى( [804] ) . و( الثانى ) أن إثبات السبب الأجنبى قد يتضمن فى الوقت ذاته إثبات فقد السند . فإذا أثبت $ 418 $ شخص مثلا أن حريقاً لا يد له فيه التهم منزله ، ولم يستطع انتشال أوراقه ومستنداته فاحترقت جميعها ، كان فى هذا إثبات للسبب الأجنبى وإثبات عقد السند المكتوب ما دام قد أثبت أن أوراقه قد احترقت جميعها ( [805] ) .

فإذا استطاع الخصم إثبات هذه الأمور الثلاثة –وكلها يمكن إثباتها بجميع الطرق لأنها وقائع مادية كما رأينا - كان له بعد ذلك أن يثبت الحق الذى يدعيه بالبينة والقرائن ، حتى لو زادت قيمته على عشرة جنيهات ، وحتى لو خالف بهذا الإثبات أو جاوز ما هو ثابت بالكتابة( [806] ) .

242 - التوسع فى القاعدة والتضييق منها : وقاعدة فقد السند بسبب أجنبى يوسع فيها ، فيجوز إثبات تصرف قانونى شكلى ، هبة أو رهن رسمى مثلا ، بالبينة والقرائن إذا ثبت أن هذا التصرف كان فى سند ثم فقد السند بسبب أجنبى . ولكن يجب هنا ، عند إثبات سبق وجود السند ، أن يثبت صاحب الشأن أيضاً أن هذا السند كان مستوفياً للشكل الذى يتطلبه القانون( [807] ) . وتختلف هذه القاعدة ، $ 469 $ كما قدمنا ، عن قاعدة قيام المانع وقاعدة مبدأ الثبوت بالكتابة فى هذا الصدد . فقد رأينا أن العقد الشكلى لا يجوز إثباته بالبينة والقرائن ، حتى عند قيام مانع حال دون الحصول على الكتابة ، وحتى مع وجود مبدأ ثبوت بالكتابة . أما هنا –عند فقد السند بسبب أجنبى - فيجوز إثبات العقد الشكلى بالبينة والقرائن ، لأن السند مفرغاً فى الشكل الذى يتطلبه القانون قد وجد فعلا ، فاستكمل التصرف أركانه وقام صحيحاً ، ثم فقد السند بعد ذلك بسبب أجنبى ليس من شأنه أن يؤثر فى قيام التصرف . ومتى كانت الدعوى أن التصرف القانون قد وجد فعلا مستوفياً لشكله القانونى ، فلا يوجد ما يمنع حينئذ من إثبات سبق هذا الوجود بالبينة والقرائن( [808] ) .

ويضيق فى القاعدة من ناحية أخرى . فقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه يجوز الاتفاق على عكسها ، مثلها فى ذلك مثل سائر قواعد الإثبات ، وأنه إذا اشترط رب العمل أن العامل لا يجوز له أن ينضم إلى صندوق المعاش إلا إذا أثبت أنه قضى مدة معينى فى خدمة رب العمل ، وأن هذا الإثبات لا يجوز أن يكون إلا من واقع العامل ( Livret de L'ouvrier ) ، أو بمستخرج من سجلات رب العمل ( Extrait des livres du patron ) ، فلا يسمح للعامل أن يثبت أنه قضى المدة المعينة فى الخدمة بطريق آخر غير هذين الطريقين ، حتى لو كان رب العمل لم يحتفظ بسجلاته وكان العامل قد فقد دفتره( [809] ) .

 $ 470 $

الباب الثالث

الطرق المعفية من الإثبات

الإقرار واليمين والقرائن القانونية

343 - قوة مطلقة – حجية قاصرة وحجية متعدية : قدمنا ( [810] ) أن الإقرار واليمين والقرائن القانونية تصلح للإعفاء من إثبات أية واقعة مادية أو أى تصرف قانونى مهما بلغت قيمته . فهى من هذه الناحية كالكتابة قوتها مطلقة .

وقدمنا أيضاً ( [811] ) أن الإعفاء من الإثبات فى الإقرار وفى اليمين مقصور على الخصمين ، فحجية الإقرار واليمين غير متعدية إلى الغير ، ومن ثم تكون حجية قاصرة . أما حجية القرائن القانونية فغير مقصورة على الخصمين ، فهى حجية متعدية .

ونعالج هذه الطرق الثلاثة –الإقرار واليمين والقرائن القانونية - متعاقبات فى فصول ثلاثة .

 $ 471 $

الفصل الأول

الإقرار

244 - تعريف الإقرار بوجه عام : الإقرار هو اعتراف شخص بحق عليه لآخر ، سواء قصد ترتيب هذا الحق فى ذمته أو لم يقصد ( [812] ) .

فلا يكون إقراراً إنشاء الشخص الحق فى ذمته بتصرف قانونى أو بواقعة قانونية ، كالمشترى يلتزم بدفع الثمن وكمن يرتكب عملا غير مشروع يلتزم بالتعويض ، ذلك أن إنشاء الحق غير الاعتراف به . ولما كان إنشاء الحق بتصرف قانونى يحتاج فى إثباته إلى ورقة مكتوبة إذا كانت قيمة هذا الحق تزيد على عشرة جنيهات ، فهذه الورقة تكون دليل إثبات لا إقراراً ، لأنها أعدت من مبدأ الأمر لتثبت التصرف القانونى ، وتكون فى الغالب معاصرة لنشوئه أو بعد ذلك بوقت قليل . أما إذا كتب المدين إقراراً على نفسه بذات الحق ، فإنه لا ينشئ بذلك حقاً فى ذمته ، ولكنه يقر بوجود هذا الحق بعد أن نشأ( [813] ) . ويكتب المقر إقراره عادة بعد نشوء الحق الذى يقر به بوقت غير قصير ، مدفوعاً إلى ذلك باعتبارات متنوعة . فقد يكتب الإقرار بعد نزاع ينتهى فى تسويته إلى هذا الإقرار ، وقد يكتبه بعد تصفية حساب قديم ، وقد يكتبه حتى يمكن صاحب الحق من ورثته أن يتقاضى حقه قبل قسمة التركة ، وقد يكتبه حتى يمكن صاحب الحق من ورثته أن يتقاضى حقه قبل قسمة التركة ، وقد يكتبه عندما يحس أنه منيته قد دنت ليترك لصاحب الحق إقراراً بحقه فيبرئ ذمته سواء كتب الإقرار فى مرض الموت أو قبل ذلك . أما إذا كان السند المثبت للحق قد ضاع أو قدم عليه العهد ، فكتب المدين سنداً مؤيداً للسند الأصلى ، فهذا ليس إقراراً بل هو السند المؤيد الذى بسطنا أحكامه فيما تقدم . فالورقة المكتوبة إذن قد تكون سنداً أصلياً ، أو سنداً مؤيداً للسند الأصلى ، أو إقراراً مكتوباً بالدين .

 $ 472 $

ولا يكون إقراراً ما يسلم به الخصوم اضطراراً على سبيل الاحتياط من طلبات خصمه . فإذا قرر فى مذكرة قدمها استعداده لدفع مبلغ من النقود أقل من المبلغ المدعى به بعد أن أنكر وجود الحق فى ذمته أصلا ، ولكنه يعرض هذا المبلغ على خصمه حسما للنزاع واحتياطاً لما عسى أن تتجه إليه المحكمة من إجابة الخصم إلى بعض طلباته ، فإن هذا لا يكون إقراراً ، لأنه ليس اعترافاً خالصاً بوجود هذا المبلغ فى ذمته ، بل هو تسليم جدلى ببعض المدعى به لحسم النزاع . فهو أقرب إلى أن يكون مشروع صلح يعرضه على الخصم ، حتى إذا قبله هذا انحسم النزاع بينهما( [814] ) .

ولا يكون إقراراً شهادة الشاهد على المدين بوجود الدين فى ذمته ، فإن الشاهد يقر بوجود الحق لا فى ذمته هو بل فى ذمة شخص آخر ( [815] ) .

ولا يكون إقراراً إبداء الخصم رأيه فى الحكم القانونى الذى ينطبق على النزاع ، كأن يقرر أن قانوناً أجنبياً معيناً هو الواجب التطبيق . فهو هنا لا يقر بحق ، ولكنه يدلى برأيه فى حكم قانونى ، وللمحكمة أن تأخذ برأيه أو لا تأخذ ( [816] ) .

وقد يقع الإقرار على الحق فى ذاته ، فيعترف المدين أن فى ذمته لآخر مبلغاً معيناً من المال . أو يقع على المصدر الذى أنشأ هذا الحق ، كأن يعترف بوجود عقد قرض ألزمه بهذا المبلغ من المال . بل قد يقع الإقرار على ادعاء ( Allegation ) أياً كان ، فيعترف المشترى مثلا بما يدعيه على دائن البائع من أنه يعرف إعسار البائع فى الدعوى البولصية التى يرفعها الدائن على كل من البائع والمشترى . $ 473 $ ولذلك يكون من الأدق تعريف الإقرار بأنه اعتراف شخص بإدعاء يوجهه إليه شخص آخر( [817] ) .

ولكن لا يكون هناك إقرار إذا كانت الواقعة المسلم بها ليست محل إدعاء من جانب الخصم ولا محل إنكار من جانب المقر . فإذا بلغ رب العمل عن وقوع حادث لأحد عماله وفقاً لأحكام قانون إصابات العمل ، فلا يعد هذا إقراراً من جانب رب العمل بمسئوليته عن هذا الحادث( [818] ) .

وإذا كان يغلب فى الإقرار أن يقصد المقر أن يؤخذ بإقراره وأن تترتب فى ذمته نتائجه القانونية ، إلا أن وجود هذا القصد عنده لا يشترط لقيام الإقرار . فقد يصدر الإقرار من شخص لمجرد تقرير الواقع دون أن يقصد ، وحتى دون أن يعرف ، النتائج القانونية التى تترتب على هذا الإقرار . بل عن نية الإقرار ذاتها لا تشترط ، فقد يقر الشخص بوقائع لم يكن معترفاً بها وهو فى صدد الدفاع عن حقه ، أو وهو فى صدد استجواب المحكمة أو الخصم له ، دون أن يشعر أنه قد أدلى بأى إقرار . والمهم أن يكون الإقرار قد صدر عن اختيار لا عن إجبار( [819] ) .

 $ 474 $

245 - صور الإقرار وشكله : وليس للإقرار شكل خاص ، بل عن له صوراً متعددة . فهو قد يكون صريحاً أو ضمنياً . والصريح قد يكون مكتوباً أو شفوياً . وفى جميع الأحوال يكون الإقرار قضائياً أو غير قضائى .

والغالب أن يكون الإقرار صريحاً . فيكون تقريراً ( declaration ) يصدر من المقر بوقائع يعترف بصحتها . وقد يكون هذا التقرير مكتوباً ، ولا يشترط شكل خاص فى هذه الكتابة . فيجوز أن يكون الإقرار وارداً فى كتاب أو فى برقية أو فى أية رسالة أخرى يوجهها المقر إلى الطرف الآخر . ويجوز أن يكون فى ورقة مستقلة تعطى للمقر له يتخذها سنداً . ويجوز أن يكون وارداً فى صحيفة الدعوى ، أو فى مذكرة يقدمها الخصم المقر للمحكمة ، أو فى طلبات مكتوبة يوجهها الخصم المقر للخصم الآخر . كذلك قد يكون الإقرار شفوياً . فإن كان خارج القضاء ، أمكن الاستشهاد على صدوره بشهود فيما يمكن سماع الشهادة فيه . وإن كان إقراراً قضائيا ، صح أن يكون فى أثناء تحقيق أو استجواب أو فى الجلسة ذاتها ، وفى هذه الأحوال يدون الإقرار فى محضر التحقيق أو محضر الاستجواب أو محضر الجلسة ، فيسهل بذلك التثبت من صدوره ومن مضمونه .

ويندر أن يكون الإقرار ضمنياً أو مستخلصاً من مجرد السكوت . فلا يستخلص من تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب ولا من امتناعه عن الإجابة عند استجوابه من المحكمة أو من الخصم ، فهذا لا يكون إلا بمثابة مبدأ ثبوت بالكتابة يستكمل بالبينة والقرائن( [820] ) . وقد نصت المادة 166 من تقنين المرافعات ، كما رأينا ، على أن " للمحكمة أن تستجوب من يكون حاضراً من الخصوم ، ولكل منهم أن يطلب استجواب خصمه الحاضر " . ونصت المادة 167 من هذا التقنين على أن " للمحكمة كذلك أن تأمر بحضور الخصم لاستجوابه ، سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب خصمه ، وعلى من تقرر استجوابه أن يحضر بنفسه الجلسة التى حددها القرار " . ثم نصت المادة 173 على أنه " إذا تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب بغير عذر مقبول ، أو امتنع عن الإجابة بغير مبرر قانونى ، جاز للمحكمة أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود والقرائن فى الأحوال $ 475 $ التى ما كان يجوز فيها " ( [821] ) . أما نكول الخصم عن حلف اليمين أو ردها ، ونكول من ردت عليه اليمين عن حلفها ، فإن ذلك يكون بمثابة الإقرار . وفى الحقوق التى تتقادم بسنة واحدة ، كحقوق التجار والصناع والعمال والخدم ، يقوم التقادم على افتراض الوفاء ، ومن ثم يجب على المدين أن يتمسك بالتقادم وأن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلا ( م 348 مدنى ) . فالامتناع عن التمسك بالتقادم يكون بمثابة إقرار ضمنى بعدم الوفاء ( [822] ) . كذلك دفع دعوى الدائن بأن الدين قد انقضى لسبب غير الوفاء ، كالمقاصة أو الإبراء ، يكون بمثابة إقرار ضمنى بأن الدين لم يوف ، ومن ثم إذا تبين أن الدفع بالمقاصة أو الإبراء غير صحيح لم يجز للمدين أن يلجأ بعد ذلك إلى الدفع بالوفاء( [823] ) .

ثم إن الإقرار ، فى جميع الصور المتقدمة ، قد يكون خارج القضاء ويسمى إقراراً غير قضائى ( Aveu Extrajudiciaire ) ، أو يكون أمام القضاء ويسمى إقراراً قضائياً ( Aveu judiciaire ) .

 $ 476 $

246 - الإقرار غير القضائى : لم يعرض التقنين المدنى الجديد ولا التقنين المدنى السابق للإقرار غير القضائى . ومعنى ذلك أن الأمر فيه متروك للقواعد العامة . أما التقنين المدنى الفرنسى فقد ذكر فى المادة 1354 أن الإقرار الذى يحتج به على الخصم إما أن يكون خارج القضاء أو أمام القضاء . ثم نص فى المادة 1355 على أن " الادعاء بصدور إقرار شفوى محض خارج القضاء لا يجدى فى جميع الأحوال التى لا يجوز فيها إثبات الدعوى بالبينة " ( [824] ) . ثم عرض فى المادة 1356 للإقرار أمام القضاء وبين أحكامه ، فذكر أنه حجة كاملة على المقر ، وأنه لا تصح تجزئته ، ولا الرجوع فيه إلا لغلط فى الواقع ( [825] ) . ويستخلص الفقه الفرنسى من أن المادة 1356 من التقنين المدنى الفرنسى بينت أحكام الإقرار القضائى وسكتت عن أحكام الإقرار غير القضائى أن أحكام النوع الأول من الإقرار لا تسرى على النوع الثانى . فالإقرار غير القضائى ليس حجة قاطعة ، ولا هو غير قابل للتجزئة ، ولا غير قابل للرجوع فيه حتى دون إثبات غلط وقع فيه المقر . بل هو موكول إلى القاضى ، يقدر ، وفقاً لظروف الدعوى وملابساتها ، قوته فى الإثبات . فله أن يجعل حجة قاطعة أو أن يجرده من هذه الحجية ، وله أن يرفض تجزئته أو أن يجزئه . وله ألا يقبل الرجوع فيه أو أن يجيز فيه الرجوع ، ولا يخضع فى شيء من ذلك لرقابة محكمة النقض( [826] ) .

 $ 477 $

وفى القانون المصرى أيضاً يخضع الإقرار غير القضائى للقواعد العامة كما قدمنا . ومن ثم يحسن التمييز بين إثبات قيامه وبين حجيته فى الإثبات .

فالإقرار غير القضائى يقوم بصدوره من المقر شفوياً أو فى ورقة مكتوبة . أن كان شفوياً ، وأنكره من نسب إليه ، وجب على من يحتج به أن يثبت أولا صدوره من خصمه . ويخضع فى ذلك للقواعد العامة فى الإثبات . وقد نصت المادة 222 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى على أن " الإقرار غير القضائى ، أى الإقرار فى غير مجلس القاضى ، يجب إثباته وفقاً للقواعد العامة المختصة بالإثبات " . فإن كانت قيمة الدعوى لا تزيد على عشرة جنيهات ، جاز له إثبات صدور الإقرار من خصمه بالبينة والقرائن . وإن زادت قيمة الدعوى على هذا المقدار ، لم يجز إثبات صدور الإقرار إلا بالكتابة وفقاً للقواعد المقررة فى هذا الشأن ( [827] ) . على أنه يصح أن المقر يعترف أمام القضاء بالإقرار الشفوى الصادر منه خارج القضاء ، فيصبح الإقرار غير القضائى ثابتاً بإقرار قضائى . ولكنه يبقى مع ذلك إقراراً غير قضائى ، لأن الإقرار هنا ليس إقراراً بالدعوى ذاتها ، بل هو ليس إلا إقراراً غير قضائى ، لأن الإقرار الصادر خارج القضاء ، فيكون أثره محصوراً فى هذا النطاق( [828] ) . ومن ثم يكون أمام القاضى لإثبات الدعوى إقرار غير قضائى ثبت وجوده ، فيقدر قوته فى الإثبات على النحو الذى يقدر به قوة أى إقرار آخر غير قضائى . أما إذا كان الإقرار غير القضائى فى ورقة مكتوبة ، كان هذا الإقرار هو الطريق لإثبات الدعوى ذاتها بعد أن ثبت قيامه بهذه الورقة( [829] ) .

 $ 478 $

فإذا ما ثبت قيام الإقرار غير القضائى على النحو الذى قدمناه ، كانت له حجية فى الإثبات تتبع إلى حد كبير الصورة التى قامت به ( [830] ) . فإن قامت به صورة إقرار مكتوب ، فله قوة الكتابة التى تضمنته ، رسمية كانت أو عرفية ، على التفصيل الذى قدمناه فى الكتابة( [831] ) . ومن ثم يكون الإقرار غير القضائى الوارد فى ورقة رسمية له حجية الورقة الرسمية . فهو ، من حيث صدوره من المقر ، له حجية كاملة إلى حد الطعن بالتزوير . ومن حيث صحة الإقرار فى ذاته ، له حجية على المقر ولكن للمقر إثبات عكس ما جاء فى إقراره وأنه لم يكن إلا إقراراً صورياً أو إقراراً متواضعاً عليه بينه وبين خصمه أو نحو ذلك ، على ألا يثبت ذلك إلا بالكتابة لأنه يثبت عكس ما جاء فى ورقة مكتوبة . ومن حيث أثره القانونى ، يخضع الإقرار غير القضائى للقواعد العامة إذا لم يرد فى شأنه نص خاص . فهو حجة على المقر ما لم يثبت عدم صحته على النحو الذى قدمناه ، وهو قابل للتجزئة ، وهو كذلك قابل للرجوع فيه فى الحدود التى تسمح بها القواعد العامة . والمهم فى شأنه أنه لما إقراراً صادراً خارج القضاء فإنه للقاضى سلطة واسعة فى تقدير قوته فى الإثبات ، ذلك أن صاحبه يكون عادة $ 479 $ أقل حيطة فى أمره ، وأقصر تمعناً فى عواقبه ، مما لو كان إقراراً صادراً أمام القضاء( [832] ) . فتجزئته تكون أصعب من تجزئة الإقرار القضائى ، ولا تتقيد بالنص الذى ورد فى هذه المسألة فى شأن الإقرار القضائى ، وذلك حتى يعامل المقر إقراراً غير قضائى فى يسر ، فقد يقر بالدين وبانقضائه عن طريق المقاصة ثم لا يتجزأ إقراره إذا رأى القاضى عدم التجزئة( [833] ) . والرجوع فيه لغط أو تدليس أو إكراه أن نقض فى الأهلية جائز كما هو جائز فى الإقرار القضائى ، $ 480 $ بل يصح الرجوع فيه لغلط فى القانون( [834] ) .

وإذا كان الإقرار غير القضائى مكتوباً فى ورقة عرفية ، كانت له حجية هذه الورقة . فهو ، من حيث صدوره من المقر ، له حجية كاملة ولكن إلى حد الإنكار لا إلى حد الطعن بالتزوير . ونم حيث صحة الإقرار فى ذاته من حيث أثره القانونى ، لا فرق فى ذلك بين الورقة العرفية والورقة الرسمية ، وما قلناه هناك يقال هنا .

وإن قامت بالإقرار غير القضائى صورة إقرار شفوى ، فأمر إثباته كما قدمنا موكول إلى القواعد العامة . ولكن متى اعتبر القاضى أنه قد ثبت وجب أن تكون حجيته فى الإثبات هى نفس حجية الإقرار المكتوب ، ففى الحالتين قد ثبت أن هناك إقراراً غير قضائى قائماً ، فوجب ألا تتغير حجيته فى حالة عما هى فى الحالة الأخرى . ومن ثم يكون لهذا الإقرار حجية كاملة من حيث صحته فى ذاته إلى أن يثبت من نسب إليه الإقرار عدم صحته ، وله الإثبات بجميع الطرق إذا كان الإقرار ذاته قد ثبت بالبينة والقرائن . ويكون لهذا الإقرار أخيراً أثره القانونى وفقاً للقواعد العامة ، فيخضع فى تجزئته وفى جواز الرجوع فيه للقواعد ذاتها التى يخضع لها الإقرار المكتوب( [835] ) .

 $ 481 $

247 - الإقرار القضائى : وننتقل الآن إلى الإقرار القضائى ، وهو الذى أفرده التقنين المدنى بالذكر ، وعناه وحده بلفظ " الإقرار " ، وخصمه بقواعد تميزه عن الإقرار غير القضائى( [836] ) .

ونبحث الإقرار القضائى –ونطلق عليه لفظ " الإقرار " دون نعت كما فعل التقنين المدنى - ونتناول فى البحث : ( أولا ) أركانه ، و( ثانياً ) حجيته فى الإثبات .

الفرع الأول

أركان الإقرار

248 - النصوص القانونية : تنص المادة 408 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " الإقرار هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه ، وذلك أثناء السير فى الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة( [837] ) " .

 $ 482 $

ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق ، ولكن الحكم كان معمولا به دون نص .

ويقابل النص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادتين 93 و 94 ، وفى التقنين المدنى العراقى 461 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 210 ، وفى التقنين المدنى الليبى م 396 ( [838] ) .

ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادة 1354 والفقرة الأولى من المادة 1356( [839] ) .

ويتبين من نص التقنين المدنى المصرى أن للإقرار أركاناً أربعة :

( 1 ) اعتراف الخصم .

( 2 ) بواقعة قانونية مدعى عليه بها .

( 3 ) أمام القضاء .

( 4 ) أثناء السير فى الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة ( [840] ) .

 $ 483 $

249 - الركن الأول – اعتراف الخصم : الإقرار اعتراف يصدر من المقر . والاعتراف تقرير ( Declaration ) لواقعة معينة على اعتبار أنها حصلت . ولاشك فى أن التقرير على هذا النحو هو عمل مادى ، كالشهادة والكتابة والتوثيق والحلف . فالإقرار إذن فى أصله عمل مادى ، أى واقعة قانونية ( Fait Juridique ) ، وليس بتصرف قانونى ( [841] ) .

ولكن الإقرار من جهة أخرى ، ينطوى على نزول من جانب المقر عن حقه فى مطالبة خصمه بإثبات ما يدعيه ، كما سنبين فيما يلى . والنزول ( Renonciation ) تصرف قانونى من جانب واحد ( Acte Juridique Unilateral ) . فيكون التكييف الصحيح للإقرار إذن هو أنه واقعة مادية تنطوى على تصرف قانون ( [842] ) . فهو واقعة مختلطة ( Fait Mixte ) ، مثله فى ذلك مثل الوفاء ( Paiement ) والاستيلاء ( Occupation ) ، فكلاهما واقعة مادية تنطوى على تصرف قانونى : الوفاء ينطوى على إرادتين متطابقتين فى إنهاء الدين ، والاستيلاء ينطوى على إرادة تملك المال محل الاستيلاء ( [843] ) .

 $ 484 $

ولما كان الإقرار واقعة مادية تنطوى على تصرف قانونى ، أى وقاعة مختلطة كما قدمنا ، كان لكل من هاتين الناحيتين فيه – الواقعة المادية والتصرف القانونى – نتائجه القانونية .

فالإقرار من حيث إنه واقعة مادية لا حاجة فى تمامه إلى قبول من الخصم الذى صدر الإقرار لصالحه . وسواء صدر الإقرار أثناء استجواب أو فى الجلسة أو ضمن مذكرات القضية وأوراقها ، فإن مجرد صدوره من صاحبه يجعله قائماً لا يتوقف فى قيامه على قبول من الخصم الآخر . وإذا كان هذا الخصم الآخر يطلب عادة إثبات الإقرار فى المحضر ، فهو يفعل ذلك لا لإظهار قبوله إياه ، بل لتسجيله كما صدر حتى يتيسر الرجوع إليه دون أن يقع اختلاف فى مضمونه ( [844] ) . ويترتب على ذلك أن الإقرار إذا صدر لا يجوز للمقر الرجوع فيه بحجة أن الخصم المقر له لم يظهر بعد قبوله إياه ، إذ الإقرار تام نافذ بمجرد صدوره دون حاجة إلى قبول ( [845] ) .

والإقرار من حيث إنه ينطوى على تصرف قانونى من جانب واحد لا يحتاج أيضاً إلى قبول . ثم إنه يجب لصحته نفس الشروط الواجب توافرها لصحة هذا التصرف القانونى . فالمقر ، كما قدمنا ، إنما ينزل عن حقه فى مطالبة خمسه بإثبات الواقعة التى يدعيها ، وهذا النزول يجعل هذه الواقعة فى غير حاجة إلى الإثبات ، فتصبح مصدراً لالتزام المقر . ومن ثم يشترط لصحة هذا النزول – أى لصحة $ 485 $ الإقرار – ما يشترط لصحة التزام المقر بالواقعة التى أقر بها . فيجب إذن أن يكون المقر أهلاً للالتزام بهذه الواقعة ، وأن تكون إرادته غير مشوبة بعيب من عيوب الإرادة : غلط أو تدليس أو إكراه . فإذا كان المقر يقر بواقعة قرض مثلاً ، وجب أن يكون قد بلغ سن الرشد وألا يكون محجوراً ، حتى يكون أهلاً للالتزام بالقرض الذى أقر به ( [846] ) . ويجب ألا يكون قد وقع فى غلط جوهرى لا فى الواقع ولا فى القانون ( [847] ) . كما لا يجوز أن يكون قد اندفع $ 486 $ إلى إقراره بتدليس أو إكراه ( [848] ) . وهو الذى يحمل عبء إثبات ذلك إذا ادعاه ( [849] ) . فإن أثبت أنه لم يكن أهلاً أو أن إقراره قد شابه غلط جوهرى أو تدليس أو إكراه ، كان الإقرار باطلاً ، وكان له الرجوع فيه ( [850] ) .

كذلك ما دام الإقرار ينطوى على تصرف قانونى ، وما دام هذا التصرف هو النزول عن حق ، فإن الإقرار يكون فى حكم عمل من أعمال التصرف ( acte de disposition ) ، ويجب للتوكيل فيه أن تصدر وكالة خاصة ، فلا تكفى $ 487 $ الوكالة العامة ( [851] ) . وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 702 على هذا الحكم صراحة إذ تقول : " لابد من وكالة خاصة فى كل عمل ليس من أعمال الإدارة ، وبوجه خاص فى البيع والرهن والتبرعات والصلح والإقرار والتحكيم وتوجيه اليمين والمرافعة أمام القضاء ( [852] ) " . ومن ثم لا يصح الإقرار من وكيل عام . ولا يصح الإقرار الصادر من محام ( [853] ) ، ما لم يكن التوكيل الصادر إلى هذا المحامى منصوصاً فيه على تفويضه فى الإقرار ( [854] ) . ولا يشترط تعيين محل الإقرار على وجه التخصيص ( م 702 فقرة 2 مدنى ) . أما الولى والوصى والقيم فيصح إقرارهم عن الأصيل فى الحدود التى يجوز لهم فيها القيام بأعمال $ 488 $ التصرف ، فيشترط إذن فى كثير من الأحوال لصحة هذا الإقرار الحصول على إذن من المحكمة الحسبية ( [855] ) . أما الإقرار بواقعة قانونية فحجته مقصورة عليم ، إلا إذا كانت الواقعة عملاً من أعمال الإدارة المخولة لهم بحكم القانون ( [856] ) .

 $ 489 $

وأخيراً ما دام الإقرار ينطوى على تصرف قانونى ، فإنه يرد عليه ما يرد على التصرفات القانونية من احتمال الصورية والتواطؤ ( [857] ) . فقد يكون الإقرار صورياً تواطأ عليه المقر والمقر له أضراراً بحقوق الغير كالدائنين والخلف ، ويجوز لهؤلاء إثبات الصورية بجميع الطرق ولو بالبينة والقرائن ، فإذا أثبتوها لم ينفذ الإقرار فى حقهم ( [858] ) . والإقرار الصادر فى مرض الموت يعتبر فى حكم الوصية ، فلا ينفذ إلا من ثلث التركة ( [859] ) . على أن الإقرار يصح ولو كان خالياً من ذكر سببه السابق عليه ، لأنه ليس منشئاً للحق بل هو مظهر له ، ومن ثم كان حكمه هو ظهور ما أقر به المقر لا ثبوته ابتداء ( [860] ) .

 $ 490 $

250 - الركن الثانى – واقعة قانونية مدعى بها : ويجب أن ينصب الإقرار على واقعة قانونية مدعى بها على المقر . ولا يلزم أن تكون هذه الواقعة تصرفاً قانونياً ، بل يصح أن تكون واقعة مادية . ولا يلزم كذلك أن تكون الواقعة مصدراً لحق من الحقوق ، بل أية واقعة يمكن الادعاء بها يجوز فيها الإقرار . وقد رأينا أنه يمكن الادعاء بأية واقعة يترتب عليها أثر قانونى ، كما إذا ادعى الدائن علم المشترى بأعسار المدين البائع فى الدعوى البولصية ، فهذه واقعة يمكن أيضاً أن ينصب عليها الإقرار .

وما دام الإقرار ينطوى على تصرف قانونى كما قدمنا ، وهو ضرب من التصرف فى الشئ المقر به من جانب المقر ، لذلك يجب أن يكون محل الإقرار معيناً تعييناً كافياُ مانعاً من الجهالة الفاحشة . وقد ورد فى التقنين المدنى العراقى $ 491 $ نص صريح فى هذا المعنى ، إذ تقضى الفقرة الأولى من المادة 463 من هذا التقنين بأنه " يشترط ألا يكون المقر به مجهولً جهالة فاحشة ، أما الجهالة اليسيرة فلا تكون مانعاً من صحة الإقرار " ( [861] ) .

ويجب بداهة أن يكون محل الإقرار لا يكذبه ظاهر الحال ، وإلا كان إقراراً صورياً لا قيمة له . وقد ورد فى التقنين المدنى العراقى أيضاً نص على هذا الحكم ، إذ تقضى المادة 465 من هذا التقنين بأنه " يشترط ألا يكذب ظاهر الحال الإقرار ، فلو أقر شخص ببنوة آخر أكبر منه فى السن لا يصح إقراره " ( [862] ) .

ويجب أخيراً أن يكون محل الإقرار مما يجوز التعامل فيه . فالإقرار بشئ مخالف للقانون أو للنظام العام أو للآداب غير صحيح . ويترتب على ذلك أنه لا يصح الإقرار بفوائد تزيد على الحد المسموح به قانوناً ، ولا الإقرار بإيجار منزل للعهارة ، ولا الإقرار باتفاق على ارتكاب جريمة . وهذا لا يمنع من قبول هذا الإقرارات فى المسئولية الجنائية ( [863] ) .

 $ 492 $

ويصح الإقرار فى التصرف أيا كانت قيمته ، ولو زادت على نصاب البينة ، فالإقرار كما قدمنا حجيته مطلقة ( [864] ) .

251 - الركن الثالث – أمام القضاء : وهذا الركن هو الذى يميز الإقرار القضائى عن الإقرار غير القضائى ، ويكمله الركن الرابع وهو أن يكون صادراً أثناء السير فى الدعوى .

 $ 493 $

فالإقرار الذى لا يصدر أمام القضاء لا يعد إقراراً قضائياً . ويعتبر قضاءا كل جهة نظمها القانون من جهات القضاء ، فلا يقتصر ذلك على القضاء المدنى وحده . ويعتد بالإقرار الصادر أمام القضاء التجارى ، والقضاء الإدارى ، والقضاء الشرعى ، والقضاء الملى . كذلك يعتد بالإقرار الصادر فى دعوى مسئولية مدنية مرفوعة أمام القضاء الجنائى ، وبالإقرار الصادر أمام قاضى التحضير ، وأمام القاضى المنتدب لوضع التقرير فى محكمة القضاء الإدارى والقاضى المنتدب للتحقيق أو للاستجواب . بل إن الإقرار يصدر عادة أثناء الاستجواب ، فوجب أن يكون صحيحاً إذا صدر أمام القاضى المنتدب لهذا الغرض .

ويجب أن يصدر الإقرار أمام محكمة مختصة اختصاصاً موضوعياً على الأقل ( [865] ) .

ويجوز أن يصدر الإقرار أما المحكين ( arbitres ) ( [866] ) .

ولكن الإقرار الصادر أمام النيابة العامة أو النيابة الحسبية أو الخبير أو المحقق الإدارى لا يعتبر إقراراً قضائياً ، لأن هذه الجهات ليست بجهات قضاء ( [867] ) .

252 - الركن الرابع - أثناء سير الدعوى : ولا يكفى أن يصدر الإقرار أمام القضاء ، بل يجب أن يصدر أيضاً فى خلال إجراءات الدعوى التى يكون الإقرار فيها دليل الإثبات . فيصح أن يكون فى صحيفة الدعوى ذاتها ، أو فى المذكرات التى تليها ، أو فى المذكرات التى يرد بها على الدعوى . ويصح أن يكون أمام القاضى المنتدب للتحقيق . وأكثر ما يكون ، كما قدمنا ، فى خلال استجواب تقرره المحكمة . ويجوز أن يصدر أمام المحكمة نفسها فى جلسة من جلسات $ 494 $ المرافعة ، كما تجوز أن يصدر عند إبداء الطلبات الختامية وقبل إقفال باب المرافعة . بل يجوز أن يلى أقفال باب المرافعة فى مذكرات تقدم من الخصوم يرد فيها بعضهم على بعض ، فيصدر من أحد الخصوم إقرار فى مذكرته, وهكذا يجوز أن يصدر الإقرار إلى وقت النطق بالحكم ( [868] ) .

ولكن الإقرار الذى يصدر فى إحدى الدعاوى ، فيكون فيها إقراراً قضائياً ، لا يكون فى دعوى أخرى ، ولو بين الخمسين وفى نفس الواقعة ، له قوة الإقرار القضائى ، ذلك أن الإقرار القضائى مقصور قوته على الدعوى التى صدر فيها ، فإذا تمسك به الخصم المقر له أو الغير فى دعوى أخرى تالية ، كان الإقرار بالنسبة إلى هذه الدعوى التالية إقراراً غير قضائى . فلو أن خصماً أقر لخصمه أنه اشترى من الغير الأرض التى ينازعه فيها ، وكان هذا فى دعوى من دعاوى الحيازة ، فإن إقراره هذا يعد إقراراً قضائياً فى دعوى الحيازة التى صدر فيها الإقرار . ولو أراد الخصم الذى صد ر الإقرار له أن يتمسك بهذا الإقرار فى دعوى الملكية ، وهى غير دعوى الحيازة ، كان له أن يفعل ذلك ولكن على أنه إقرارا غير قضائى ( [869] ) . ويستقيم هذا الحكم مع تأصيل الإقرار من أنه نزول من المقر عن حقه فى مطالبة خصمه بالإثبات ، فقد نزل المقر فى دعوى الحيازة عن مطالبة خصمه بإثبات شرائه للأرض من الغير ، وإذا كان قد نزل عن هذه المطالبة فى دعوى الحيازة فلا يستخلص من هذا نزوله عن المطالبة بهذا الإثبات فى دعوى الملكية . فهو قد نزل عن المطالبة بالإثبات فى دعوى معينة دون غيرها $ 495 $ من الدعاوى ، فأثر النزول يجب أن يكون مقصوراً على هذه الدعوى ( [870] ) .

كذلك الإقرار أمام محكمة غير مختصة من ناحية الولاية أو من ناحية الاختصاص الموضوعى لا يعد إقراراً قضائياً ، بخلاف الإقرار أمام محكمة غير مختصة من ناحية المكان ، ذلك أن أحكام الاختصاص من ناحية الولاية ومن ناحية الموضوع تعد من النظام العام أما أحكام الاختصاص من ناحية المكان فليست كذلك ( [871] ) . فالإقرار أمام محكمة شرعية فى قضية المختص بها هى المحكمة الوطنية لا يكون أمام $ 496 $ هذه المحكمة الأخير إقراراً قضائياً ، بل هو إقرار غير قضائى . والإقرار أمام المحكمة الجزئية فى قضية المختص فيها هى المحكمة الكلية يكون إقراراً غير قضائى بالنسبة إلى هذه المحكمة الأخيرة .

والإقرار خارج إجراءات الدعوى ولو فى الوقت الذى تنظر فيه الدعوى لا يكون إقراراً قضائياً . فلو أن خصماً أرسل كتاباً لخصمه ، أثناء نظر الدعوى القائمة بينهما ، يتضمن إقراراً ، وتمسك الخصم المقر له بهذا الكتاب أمام المحكمة ، فإن الإقرار فى هذه الحالة يعد إقراراً غير قضائى . كذلك يعد إقراراً غير قضائى ما يذكر فى تظلم مرفوع إلى الجهة الإدارية ولو كان هذا التظلم متعلقاً بدعوى كانت مرفوعة وقت تقديم التظلم أمام محكمة مدنية ( [872] ) .

الفرع الثانى

حجية الإقرار

253 - النصوص القانونية : تنص المادة 409 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " 1 - الإقرا حجة قاطعة على المقر " .

 " 2 - ولا يتجزأ الإقرار على صاحبه ، إلا إذا انصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى ( [873] ) " .

 $ 497 $

ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق المادة 233 / 298 ( [874] ) .

ويقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادتين 100 - 101 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادتين 469 - 470 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى المادتين 266 - 227 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 397 ( [875] ) .

 $ 498 $

ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادة 1356 ( [876] ) .

254 - مسائل ثلاث : ويتبين من نص التقنين المدنى السالف الذكر أن الإقرار حجة قاطعة على المقر ، وهو أيضاً حجة قاصرة عليه . ثم إن الإقرار فى الأصل لا يتجزأ على صاحبه ، ومع ذلك يتجزأ الإقرار إذا انصب على وقائع متعددة دون أن يستلزم وجود واقعة منها وجود الوقائع الأخرى .

فعندنا إذن مسائل ثلاث : ( 1 ) الإقرار حجة قاطعة على المقر . ( 2 ) الإقرار حجة قاصرة على المقر . ( 3 ) تجزئة الإقرار .

المبحث الأول

الإقرار حجة قاطعة على المقر

255 - الإقرار حجة قاطعة على المقر لا يقبل إثبات العكس ، وهو ذو أثر كاشف : إذا توافر للإقرار أركانه على الوجه الذى بيناه ، صار إقراراً قضائياً ، وكان حجة قاطعة على المقر . ومعنى ذلك أن الواقعة التى أقر بها الخصم تصبح فى غير حاجة إلى الإثبات ، ويأخذ بها القاضى واقعة ثابتة بالنسبة إلى الخصم الذى أقر بها ( [877] ) . والإقرار لا يكون حجة للمقر لأن الشخص $ 499 $ لا يصطنع الدليل لنفسه ، ولا يكون إلا حجة عليه .

والحجة هنا قاطعة ، لا يجوز إثبات عكسها . ولكن هذا لا يمنع من أن يطعن المقر فى إقراره بأنه صورى تواطأ عليه مع خصمه ، أو أنه وقع نتيجة غلط أو تدليس أو إكراه ، أو أنه صدر منه وهو ناقص الأهلية . فإذا أثبت ذلك بالطرق الجائزة قانوناً بطل الإقرار ، ولا يكون هذا رجوعاً فى إقرار موجود ، بل هو إلغاء لإقرار ظهر بطلانه . أما الإقرار القائم الصحيح فلا يجوز الرجوع فيه ، ولا يجوز إثبات عكسه ، فهو إذن حجة قاطعة على المقر ( [878] ) .

وأثر الإقرار كاشف لا منشئ . وقد قضت محكمة النقض بأن الإقرار لا يكون سبباً لمدلوله ، وإنما هو دليل تقدم الاستحقاق عليه فى زمن سابق . فحكمه ظهور ما أقر به المقر ، لا ثبوته ابتداء ( [879] ) .

256 - تأصيل الحجية القاطعة للإكراه - إعفاء الخصم من الإثبات ونزول عن مطالبته به : واختلف النظر فى تأصيل الحجية القاطعة للإقرار . فالفقيهان أوبرى وروى - ومعهما أكثر الفقهاء – يذهبان إلى أن الإقرار هو قلب لعبء الإثبات ( renversement de la charge de preuve ) ، وبعد أن كان من يدعى وقاعة يطالب بإثباتها ، فإن إقرار خصمه بهذه الواقعة ينقل عبء الإثبات منه إلى المقر . والمقر بعد إقراراه هو الذى يحمل إثبات أن إقراره غير صحيح ، وذلك بالطعن فى الإقرار بوجه من الوجوه التى تقدم ذكرها . ولما كانت $ 500 $ هذه الوجوه يندر تحققها ، فقل أن يكون الإقرار صورياً وقل أن يشوبه عيب أو نقص فى الأهلية ، فإن الإقرار يصبح إذن ، فى الكثرة الغالبة من الأحوال ، ليس قلباً لعبء الإثبات فحسب ، بل إعفاء من الإثبات ( dispense de preuve ) . ذلك أن الخصم إذا ادعى واقعة وجب عليه إثباتها . فإذا أقر إذا ادعى واقعة وجب عليه إثباتها . فإذا أقر خصمه بهذه الواقعة ، كان هذا معناه أنه يعفيه من هذا الإثبات . فتصبح الواقعة ثابتة ، لا لأن دليلاً أثبتها ، بل لأنها فى غير حاجة إلى الإثبات ( [880] ) .

ويضيف بارتان ( [881] ) إلى ذلك أن التأصيل على النحو المتقدم يتضمن حتماً أن المقر ، وهو يعفى خصمه من إثبات ما يدعيه ، ينزل فى الوقت ذاته عن حقه فى مطالبة خصمه بهذا الإثبات . وهذا هو التأصيل الذى وقفن عنده ، عندما قررنا أن الإقرار واقعة قانونية تتضمن تصرفاً قانونياً هو نزول المقر عن حقه فى مطالبة خصمه بالإثبات ( [882] ) .

 $ 501 $

257 - قد يكون الإقرار مبدأ ثبوت بالكتابة : وإذا كان الإقرار حجة قاطعة بالوقعة التى تضمنها بالذات ، فإنه يصلح أيضاً أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة لواقعة متصلة بالواقعة التى تضمنها بالذات . وقد سبق إيراد هذه القاعدة وأمثلتها . ويسوق أوبرى ورو لها مثلاً إقرار الزوج بتوكيل زوجته بقبض الفوائد ، فهذا الإقرار حجة قاطعة بالنسبة إلى واقعة التوكيل بقبض الفوائد ، ومبدأ ثبوت بالكتابة بالنسبة إلى واقعة التوكيل بقبض رأس المال ( [883] ) . وسنرى أيضاً فيما يلى أن الإقرار غير القابل للتجزئة – الإقرار الموصف وبعض صور الإقرار المركب – إذا كانت تجزئته غير ممكنه ، فإن هذا لا يحول دون اعتبار مبدأ ثبوت بالكتابة ( [884] ) .

المبحث الثانى

الإقرار حجة قاصر على المقر

258 - الإقرار حجة على المقر والخلف العام ولا يتعدى إلى غيرهما : ولما كان الإقرار هو إعفاء من الإثبات ونزول عن المطالبة بهذا الحق ، فهو من هذه الناحية تصرف قانونى يقتصر أثره على المقر ( [885] ) . ويتعدى أثر الإقرار إلى ورثة المقر بصفتهم خلفاً عاماً له ، فيصح الاحتجاج عليهم بما حواه إقراره ( [886] ) .

 $ 502 $

ولا يتعدى أثر الإقرار إلى غير المقر ورثته ( [887] ) . فلا يتعدى إلى الدائن ( [888] ) ، أو الشريك أو الورثة فيما بينهم . فلو أقر أحد الشركاء فى الشيوع بتصرف الشركاء فى الملك الشائع ، كان إقراره بهذا التصرف حجة عليه وحده ، ولا يكون حجة على الشركاء الآخرين الذين لم يصدر منهم إقرار . ولو أقر أحد الورثة بحق على التركة ، فإن إقراره يكون حجة عليه دون سائر الورثة ( [889] ) . ولو أقر أحد المدينين المتضامنين بالدين ، فلا يسرى هذا الإقرار فى حق الباقين ( م 295 فقرة أولى مدنى ) ، ويكون الإقرار حجة قاصرة على المدين الذى صدر منه الإقرار .

والدائن والخلف الخاص ، بخلاف الورثة ، لا يتعدى إليهما أثر الإقرار كما قدمنا . فإذا أقر المدعى عليه فى دعوى استحقاق دار بملكية الدار للمدعى ، لم يكن هذا الإقرار حجة على دائنه ، ويجوز للدائن أن يتدخل فى الدعوى ويثبت بجميع الطرق أن الإقرار غير صحيح ، حتى تبقى الدار لمدينه فيستطيع أن ينفذ عليها بالدين . كذلك إذا كان المدعى عليه فى المثل المتقدم قد باع الدار لآخر ، ثم رفعت عليه دعوى الاستحقاق وأقر بملكية الدار للمدعى ، فإن هذا الإقرار $ 503 $ يكون حجة قاصر عليه دون المشترى ، ويستطيع هذا أن يتدخل فى الدعوى ليثبت أن الإقرار لا صحة له حتى تخلص له ملكية الدار . وفى الحالتين المتقدمتين إذا حكم فى الدعوى بمقتضى إقرار المدعى عليه قبل أن يتدخل الدائن أو المشترى ، فلهذين الاعتراض على الحكم اعتراض الخارج عن الخصومة وفقاً لأحكام المواد 450 إلى 456 من تقنين المرافعات ، لإثبات عدم صحة الإقرار الصادر من المدعى عليه إذ هو حجة قاصر عليه لا تتعدى إليهما ، ذلك أن الدائن أو المشترى كان وقت صدور الحكم ممن يتعدى إليهم الحكم ويعتبر حجة عليهم ، ومن ثم يثبت له حق الاعتراض .

أم الورثة ، فلو مات المدعى عليه بعد الإقرار وقبل الحكم فى الدعوى ، فإن الإقرار لا يكون حجة عليهم ، ولهم أن يثبتوا عدم صحته بجميع الطرق حتى تبقى الدار فى التركة . ولكن إذا صدر الحكم قبل موت المورث وفى مواجهته ، فإنه يسرى على الورثة ولا يثبت لهم حق الاعتراض . ذلك أنهم وقت صدور الحكم ضد مورثهم كان الحكم يسرى فى حقهم باعتبارهم خلفاً عاماً ، فيبقى الحكم سارياً فى حقهم حتى بعد موت المورث وقيام حقهم فى الإرث .

259 - الإقرار لا يكون حجة على المقر لصالحه : ويبقى الإقرار حجة قاصر على المقر حتى بالنسبة إلى المقر لصالحه . ذلك أن الإقرار إذا كان حجة للمقر لصالحه ، فإن لا يكون حجة عليه . فلو أن المدين أقر لدائنه بالدين ، وقال إنه وفاه أو أن الدين سقط بعد ذلك بالمقاصة ، فلا يكون قوله إنه وفاه أو أن الدين سقط بالمقاصة حجة على الدائن ( [890] ) . وهذا ما يعرف بالتجزئة فى الإقرار ، وننتقل الآن إليه .

 $ 504 $

المبحث الثالث

التجزئة فى الإقرار

260 - الإقرار البسيط : إذا اقتصر الإقرار على تصديق المدعى للمدعى عليه فى جميع ما ادعاه ، فإن الإقرار يكون فى هذه الحالة إقراراً بسيطاً محضاً ( aveu pur et simple ) ، ولا محل إذن للنظر فيما إذا كان يتجزأ أو لا يتجزأ . فلو أن المدعى قال فى دعواه إنه أقرض المدعى عليه مائة ، فأقر المدعى عليه بأنه اقترض من المدعى المائة ولم يزد على ذلك شيئاً ، كان هذا إقراراً بسيطاً ، وكان حجة قاطعة على المدعى عليه . كذلك إذا قال المدعى إنه أقرض المدعى عليه مائة وفى منها خمسين فأقر المدعى عليه بأنه اقترض من المدعى المائة ووفى منها الخمسين ، أو قال المدعى إنه أقرض المدعى عليه مائة مؤجلة إلى سنتين فأقر المدعى عليه أنه اقترض المائة مؤجلة إلى السنتين ، كان الإقرار فى هاتين الحالتين بسيطاً وكان حجة قاطعة على المدعى عليه . ولا محل هنا للنظر فى تجزئة الإقرار ، فإن الوقائع المدعاة قد أقر المدعى عليه بها جميعاً ولم يضف إليها شيئاً ، ففيم إذن تكون التجزئة .

 $ 505 $

261 - الإقرار الموصوف : لكن إذا أقر المدعى عليه ببعض ما ادعاه المدعى دون بعض أو أضاف شيئاً ، فهنا تقوم الحاجة إلى النظر فى التجزئة . ذلك أن المدعى قد يقول فى دعواه إنه أقرض المدعى عليه مائة مؤجلة إلى سنتين كما قدمنا ، وقد حل الأجل فاستحق الدفع . ويقر المدعى عليه بأنه اقترض المائة ولكن مؤجلة إلى ثلاث سنوات لا إلى سنتين ، فلم يحل الأجل ولم يستحق الدفع . فالإقرار هنا لا يكون إقراراً بسيطاً ، بل يكون إقراراً موصوفاً ( aveu qualifie ) . ذلك أن المدعى عليه لم يقر بالدين على الوجه الذى ذكره المدعى ، وهو دين مؤجل إلى سنتين وقد حل أجله فأصبح مستحقاً ، بل أقر بالدين معدلاً أى موصوفاً ، فقال إنه دين مؤجل إلى ثلاث سنوات ولم يحل الأجل فيم يصبح مستحقاً . والوصف هنا هو عدم حلول أجل الدين ، إذ الدائن يطالب بدين حال ، والمدين يقر بدين لم يحل . وقد يطالب الدائن أيضاً بدين منجز ، ويقر المدين بدين معلق على شرط . فكل من الأجل والشرط يعتبر وصفاً للدين ، فهو وصف فى الإقرار ، ولذلك سمى الإقرار موصوفاً .

والذى تجب مراعاته فى الوصف هو أن يكون مقترناً بالدين وقت نشوئه ، لا أن يكون حادثاً جد بعده . والأجل والشرط وصفان يقترنان بالدين وقت نشوئه ، لا يجدان بعده ، ومن ثم يون الإقرار المتضمن لهما إقراراً موصوفاً ( [891] ) .

وحكم الإقرار الموصوف أنه لا يتجزأ على صاحبه . فقد أقر المدين بالدين موجلاً أو معلقاً على شرط ، فأما أن يأخذ الدائن الإقرار كله موصوفاً كما هو ، وإما أن يدعه كله . وليس له أن يجزئه ، فيقتصر على إقرار المدين بالدين ويدع الوصف الذى دخل على الدين من أجل أو شرط . ويمتنع عليه إذن أن يقول إن المدين أقر بالقرض فهو ثابت فى ذمته بإقراره ، وعليه الآن أن يثبت أن القرض موصوف بأجل أو شرط . وإنما للدائن إما أن يأخذ بالإقرار كله ، فيعتبر الثابت هو الدين موصوفاً بالأجل أو الشرط ، وإما أن يطرحه $ 506 $ كله ، فلا يعتبر الدين ثابتاً أصلاً بالإقرار . وعليه إذا أطرح الإقرار أن يحمل عبء إثبات ما ادعاه ، فيعود إلى سيرته الأولى إذ هو مدع يحمل عبء الإثبات . وقد كان بالإقرار الذى أطرحه معفى من هذا العبء . وفى هذه الحالة يتعين على الدائن أن يثبت الدين ، وعلى المدين أن يثبت الأجل أو الشرط ( [892] ) . ويجوز أيضاً أن يتخذ الدائن من الإقرار طريقاً لإثبات القرض فى ذاته ، ثم يثبت هو – لا المدين – أن القرض قد حل أجله أو أنه غير معلق على شرط . وهذا كله مقصود من القول بعدم تجزئة الإقرار . فالدائن بالخيار ، إذا لم يرد الأخذ بالإقرار كله ، بين أن يطرحه كله ويحمل عبئ إثبات دعواه كما لو لم يكن هناك أى إقرار ، وبين أن يستبقى من الإقرار ما هو فى صالحه ويدحض بدليل يقدمه هو ما ليس فى صالحه من الإقرار . والممتنع هو أن يستبقى ما هو فى صالحه ويلقى على المقر عبء إثبات ما ليس فى صالحه ، فإن هذا يعتبر تجزئة للإقرار . ولا تصح التجزئة فى الإقرار الموصوف .

262 - الإقرار المركب : وإذا قال المدعى فى دعواه إنه أقرض المدعى عليه مائة ، وأقر المدعى عليه بأنه اقترض المائة ولكنه وفاها أو وفى $ 507 $ جزءاً منها ، فإن الإقرار هنا يكون إقراراً مركباً ( aveu complexe ) . والفرق بين الإقرار المركب والإقرار الموصوف – وكل منهما يشتمل على واقعة أصلية وواقعة مرتبطة بها – أن فى الإقرار الموصوف تقترن الواقعة المرتبطة بالواقعة الأصلية من وقت نشئو الواقعة الأصلية كما قدمنا . فالأجل أو الشرط قد اقترن بالدين من وقت نشوئه ، أما فى الإقرار المركب فالواقعة المرتبطة لا تقترن بالواقعة الأصلية من وقت نشئوها بل تجد بعدها ، فالإقرار بالدين مع الوفاء به إقرار مركب يتكون من واقعة المديونية وهى الواقعة الأصلية وواقعة الوفاء وهى الواقعة المرتبطة بها ، ولكن واقعة الوفاء لم تقترن بواقعة المديونية من وقت نشوئها ، بل جدت بعدها إذا حصل الوفاء بعد أن وجدت المديونية ( [893] ) .

والأصل فى الإقرار المركب أنه هو أيضاً لا يتجزأ على صاحبه ( [894] ) . فإذا اقر المدين أنه اقترض المائة ولكنه وفاها ، فلا يجوز للدائن إلا أن يأخذ بالإقرار كله أو يطرحه كله ( [895] ) . فإذا أخذ بالإقرار كله برئت ذمة المدين من الدين وخسر الدائن دعواه ، إذ يكون قد ثبت أن الدين كان موجوداً ولكن المدين وفاه . وإذا أطرح الدائن الإقرار كله ، اعتبر الإقرار كأن لم يكن ، وكان على الدائن أن يثبت الدين وعلى المدين أن يثبت الوفاء . ويجوز أيضاً للدائن – كما قدمنا فى الإقرار الموصوف – أن يستبقى الإقرار بالقرض ، ويحمل هو عبء إثبات أن المدين لم يقم بوفائه . والممتنع هو أن يستبقى الإقرار بالقرض ويلقى عبء $ 508 $ إثبات الوفاء على المدين ، فإن هذا يعتبر تجزئة للإقرار حيث لا تصح التجزئة .

وكذلك يكون الحكم فيما إذا أقر المدين بأنه اقترض المائة ولكن الدين انقضى بالتجديد ( [896] ) أو انقضى بالإبراء . ففى هاتين الحالتين لا يتجزأ الإقرار على صاحبه . ولا يجوز للدائن أن يستبقى من الإقرار ما هو فى صالحه ، ويلقى عبء إثبات إما ليس فى صالحه على المدين ، فيستبقى ثبوت القرض بالإقرار ويطلب من المدين إثبات التجديد أو الإبراء ، وعليه أن يأخذ بالإقرار كله فتكون ذمة المدين قد برئت من الدين ، أو يطرحه كله فعليه هو أي يثبت القرض وعلى المدين أن يثبت التجديد أو الإبراء ، أو يستبقى القرض ثابتاً بالإقرار وعليه هو أن يثبت أن التجديد أو الإبراء الذى يدعيه المدين لا صحة له ( [897] ) ، فإذا أطرح الإقرار كله وأراد أن يثبت القرض ، كان له أن يعتبر الإقرار المطرح مبدأ ثبوت بالكتابة للقرض يعززه بالبينة والقرائن ( [898] ) . أما إذا استبقى القرض ثابتاً بالإقرار ، وأراد أن يثبت أن التجديد أو الإبراء لا صحة له ، فلا يجوز فيما يزيد على عشرة جنيهات أن يثبت ذلك إلا بالكتابة ( [899] ) .

فى هذه الأحوال الثلاثة – الإقرار بالمديونية مع وفاء الدين والإقرار بها مع التجديد والإقرار بها مع الإبراء – يوجد إقرار مركب من واقعة أصلية وواقعة مرتبطة بها ، وحكم هذا الإقرار أنه لا يتجزأ على صاحبه كما رأينا . والمشترك فى هذه الأحوال الثلاثة أن الواقعة المرتبطة تستلزم حتماً وجود الواقعة $ 509 $ الأصلية . فالوفاء بالدين يستلزم حتماً وجود الدين قبل ذلك ، وكذلك تجديد الدين والإبراء منه كل منهما يستلزم حتماً سبق وجود دين حصل فيه التجديد أو وقع فيه الإبراء . ومن ثم لا يمكن للواقعتين ، الواقعة الأصلية والواقعة المرتبطة بها ، أن تنفك إحداهما عن الأخرى ، فهما متلازمتان ولا تصح فيهما التجزئة . أما إذا كانت الواقعة المرتبطة لا تستلزم حتماً وجود الواقعة الأصلية ، فلا تلازم ما بين الواقعتين ، ويمكن تصر وقوع إحداهما دون وقوع الأخرى ، ومن ثم كانت التجزئة فيهما جائزة . والمثل المألوف لهذه الحالة هو الإقرار بالقرض مع وقوع المقاصة فيه بدين آخر ( [900] ) . فالمدين هنا قد أقر بالواقعة الأصلية وهى واقعة القرض ، وأضاف إليها واقعة مرتبطة بها وهى وجود دين له على الدائن أوقع المقاصة بين الدينين . وظاهر أنه لا تلازم ما بين الواقعة الأصلية والواقعة المرتبطة ، ومديونية المدين للدائن لا تستلزم حتماً مديونية الدائن للمدين ، كما أن مديونية الدائن للمدين لا تفترض حتماً مديونية المدين للدائن ، إذ أن الدين الذى يدعيه الدائن منفصل عن الدين الذى يدعيه المدين ، ووجود أحدهما لا يستلزم وجود الآخر . ومن ثم كان الفصل بينهما ممكناً ، وصحت التجزئة فى الإقرار . فإذا أقر المدين بالقرض ، ولكنه قال إنه سقط بالمقاصة ، كان للدائن فى هذه الحالة أن يجزئ الإقرار على المدين . فيعتبر الإقرار قائماً فيما هو فى صالحه فقط ، وبذلك يكون القرض ثابتاً بالإقرار ، ولا يكلف الدائن عبء إثباته . أما بقية الإقرار فلا يؤخذ به ، ولا يتقل عبء الإثبات فيه إلى الدائن ، بل المدين هو الذى يكلف بإثباته إذا أصر عليه . ويكون إذن على المدين أن يثبت أن له ديناً فى ذمة الدائن كان سبباً فى وقوع المقاصة . فإن عجز عن إثبات ذلك بقى الإقرار قائماً فى إثبات القرض . ويكون الإقرار قد تجزأ على هذا النحو ، أخذ منه الدائن ما هو فى صالحه ، وألقى عبء إثبات ما ليس فى صالحه على المدين ( [901] ) .

 $ 510 $

والمعيار الذى اتخذناه هنا لمعرفة ما إذا كان الإقرار المركب لا يتجزأ على صاحبه أو يجزأ هو معيار تشريعى ذكره التقنين المدنى الجديد كما رأينا فى الفقرة الثانية من المادة 409 حيث يقول : " ولا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا انصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى ( [902] ) " . ولا تزال هذه المسألة محل خلاف فى الفقه $ 511 $ الفرنسى ( [903] ) . وكان القضاء المصرى فى عهد التقنين المدنى السابق يطبق هذا $ 512 $ المعيار ( [904] ) . ومهما يكن من أمر فقد أحسن المشرع المصرى صنعاً إذ حسم $ 513 $ الخلاف بنص قاطع ( [905] ) .

263 - رقابة محكمة النقض : ومن الواضح أن مسألة تجزئة الإقرار أو عدم تجزئته مسألة من مسائل القانون تخضع لرقابة محكمة النقض . فإذا جزأت محكمة الموضوع إقراراً لا تصح تجزئته ، أو رفضت تجزئة إقرار تصح تجزئته ، كان حكمها غير سليم ويتعين نقضه . ولكن يجب أن تثار مسألة التجزئة أمام محكمة الموضوع ، فلا يصح أن تثار لأول مرة أمام محكمة النقض ( [906] ) .

 $ 514 $

الفصل الثانى

اليمين

264 - اليمين بوجه عام : اليمين قول يتخذ فيه الحالف الله شاهداً على صدق ما يقول أو على إنجاز ما يعد ، ويستنزل عقابه إذا ما حنث . ويستخلص من هذا التعريف أمران :

( 1 ) لا يعتبر اليمين عملاً مدنياً فحسب ، بل هو أيضاً عمل دينى . فالحالف إنما يستشهد الله ، ويستنزل عقابه . ولا يكفى أن يؤكد الإنسان صدق قوله أو وعده ليكون حالفاً ، ما دام لم يستشهد الله على ذلك . وتكون تأدية اليمين بأن يقول الحالف : " أحلف " )م 180 مرافعات ) . ولكن إذا كانت هناك أوضاع مقررة فى دين من يحلف اليمين ، جاز له أن يطلب تأدية اليمين وفقاً لهذه الأوضاع ( م 181 مرافعات ) . وعلى العكس من ذلك إذا كان دين من يحلف يفرض عليه ألا يقسم باسم الله ، بل يقتصر على مجرد التأكيد ، جاز له أن يكتفى بذلك ما دام هذا التأكيد يعتبر يميناً فى دينه .

( 2 ) تكون اليمين إما لتوكيد قول ( probatoire, affirmatif ) أو لتوكيد وعد ( promissoire ) . فاليمن لتوكيد قول هى اليمين التى تؤدى لتوكيد صدق الحالف فيما يقرره . واليمين لتوكيد وعد هى اليمين التى تؤدى لتوكيد إنجاز وعد أخذه الحالف على نفسه ، مثل ذلك اليمين التى يحلفها القضاة ورجال النيابة والخبراء والشهود وبعض الموظفين ( كموظفى السلك الدبلوماسى والقنصلى ) على أن يؤدوا أعمالهم بالأمانة والصدق أو أن يقرروا الحق فيما به يشهدون ( [907] ) .

265 - اليمين القضائية واليمين غير القاضية : والذى يعنينا هنا هى اليمين لتوكيد قول ، لأنها هى اليمين التى تدخل فى منطقة الإثبات . وهى إما أن تكون يميناً قضائية ( serment judiciaire ) تؤدى أمام القضاء ، أو غير قضائية ( serment extrajudiciaire ) تؤدى أو يتفق على تأديتها فى غير مجلس القضاء .

 $ 515 $

واليمين غير القضائية ليست لها أحكام خاصة ، بل تتبع فى شأنها القواعد العامة . فإذا اتفق شخصان على أن أحدهما يحلف اليمين على حق مدعى به ، فهذا الاتفاق لا يجوز إثباته بالبينة أو القرائن إلا فى الأحوال التى يجوز فيها ذلك . أما حلف اليمين ذاتها فواقعة مادية يجوز إثباتها بجميع طرق الإثبات . والنتائج التى تترتب على حلف اليمين غير القضائية هى النتائج التى اتفق عليها الطرفان ، ولا يجوز ردها إلا إذا كان هناك اتفاق على ذلك . ويندر أن يلجأ الخصوم إلى الاتفاق على يمين غير قضائية ( [908] ) .

266 - اليمين الحاسمة اليمين المتممة : وإذا وقفنا عند اليمين القضائية ، وهى اليمين الغالبة ، وجدناها نوعين : ( 1 ) اليمين الحاسمة ( serment litis - decisoire ) وهى يمين يوجهها الخصم إلى خصمه يحتكم بها إلى ضميره لحسم النزاع . ( 2 ) اليمين المتممة ( serment suppletoire, suppletif ) ، وهى يمين يوجهها القاضى إلى أى من الخصمين ليستكمل بها الأدلة التى قدمها هذا الخصم .

واليمين الحاسمة ، دون اليمين المتممة ، هى التى كان ينبغى أن تدخل وحدها فى هذا الباب ، لأنها هى التى تعفى من الإثبات . أما اليمين المتممة فهى طريق تكميلى للإثبات ، ولا تعفى منه . ولكن اشتراك اليمينين فى كثير من الأحكام يجعل من المناسب جمعهما فى فصل واحد . فنتكلم فى كل منهما .

الفرع الأول

اليمين الحاسمة

267 - تكييف اليمين الحاسمة : عندما يعوز الخصم الدليل الذى يسمح به القانون لإثبات دعواه ، ولا يقر له خصمه بصحة ما يدعيه ، لا يبقى أمامه إلا طريق واحد يلجأ إليه ، هو أن يحتكم إلى ضمير هذا الحكم . فيوجه إليه $ 516 $ اليمين الحاسمة يطلب إليه حلفها لحسم النزاع ، ولا يملك من وجهت إليه اليمين إلا أن يقبل هذا الاحتكام . وهذا هو الإسعاف الذى يتقدم به القانون إلى الخصم الذى يعوزه الدليل القانونى ، بل هذه هى الكفارة التى يكفر بها القانون عن تشدده فى اقتضاء أدلة قضائية معينة لا يغنى عنها بديل . فالقانون ، إذ يتشدد فى اقتضاء أدلة معينة ، لا يصل إلا إلى الحقيقة القضائية ، وهى بعد حقيقة نسبية ، وذلك سعياً وراء الاستقرار . ولكنه ، بعد أن يقضى واجب الاستقرار ، يرضى جانب العدل ، بتمكين من يعوزه الدليل القضائى من أن يحتكم إلى ضمير خصمه الذى أنكر عليه ما يدعيه من حق ، فيوجه إليه اليمين الحاسمة . فإن حلفها الخصم ، فقد أثبت بذلك أن ضميره راض بإنكار صحة الادعاء ، ولما كان هذا الادعاء لا دليل عليه ، لم يبق بد من الحكم برفضه . وإن نكل ، كان فى هذا النكول إقرار ضمنى بصحة الادعاء ، فوجب الحكم عليه بمقتضى هذا الإقرار ( [909] ) .

ويتبين من ذلك أن توجيه اليمين الحاسمة هو تصرف قانونى ( acte juridique ) ، إذ هو إرادة الخصم الذى يوجه اليمين فى أن يحتكم إلى ضمير خصمه بما يترتب على ذلك من نتائج قانونية . والاحتكام على هذا النحو يعتبر تصرفاً قانونياً يتم بإرادة منفردة ( acte juridique uni??????? ) ، إذ هو ينتج أثره بمجرد توجيه اليمين . وسنرى أن توجيه اليمين يجوز الرجوع فيه إلى أن يقبل الخصم الذى $ 517 $ وجهت إليه اليمين أن يحلف ، ولكن هذا ليس قبولاً لإيجاب ، إذ أن الخصم الذى وجعت إليه اليمين لا يملك إلا أن يقبل الحلف أو أن يرد اليمين على من وجهها ، أى أنه لا يملك إلا قبول الاحتكام إلى ضميره أو أن يحكم هو ضمير الخصم الذى وجه اليمين . ومن ثم لا يكون توجيه اليمين تصرفاً يحتاج إلى قبول ، بل القبول هنا هو لجعل الخصم فى أن يحلف اليمين أو يردها حقاً غير قابل للنقض ، كحق المنتفع فى الاشتراط لمصلحة الغير عندما يقبل ما اشترط لمصلحته . هذا إلى أن توجيه اليمين تصرف شرطى ( acte - condition ) ، لأن الخصم إنما يعلن إرادته فى أن ينتفع بنظام استقل القانون بتقرير أحكامه ، ولا يستطيع الخصم لهذه الأحكام تبديلاً ( [910] ) .

وسنرى أن هذا التكييف لليمين الحاسمة تترتب عليه آثار قانونية هامة . وهو التكييف الذى نقف عنده . والفقه يتردد فى تكييف اليمين الحاسمة بين أنها تحكيم أو صلح ( [911] ) . والذى يقطع فى أنها ليست بصلح أن الصلح يقتضى نزول كل من المتصالحين عن جانب من ادعائه ، ومن يوجه اليمين لا ينزل عن شئ $ 518 $ دون شئ ، فهو إما أن يخسر كل دعواه أو يقضى له بها كلها . فإذا ما خسر دعواه أو كسبها فليس ذلك مترتباً على إرادته ، بل هى النتيجة المحتمة لاحتكامه إلى ضمير خصمه . وضمير الخصم هو الذى حكم : إما بخسارة الدعوى إذا حلف الخصم ، أو بكسبها إذا نلك . وقد ورد فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ما يؤيد هذا التكييف ( [912] ) .

 $ 519 $

ثم إن الحلف ذاته هو دون شك واقعة قانونية ، لأنه عمل مادى يترتب عليه أثر قانونى هو الحكم برفض دعوى من وجه اليمين . ورد اليمين تصرف قانونى كتوجيه اليمين ، إذ هو أيضاً احتكام إلى ذمة الخصم . والنكول عن اليمين عمل مادى سلبى ، ولكنه ينطوى على تصرف قانونى ، إذ النكول يتضمن إقرار بدعوى من وجه اليمين أو ردها ، فالنكول والإقرار سواء فى التكييف القانونى . أما اليمين المتممة ، توجيهاً وحلفاً نوكولاً ، فواقعة قانونية ، إذ هى عمل مادى محض ، وهى طريق من طرق الإثبات التكميلية .

268 - مبحثان : وبعد أن كيفنا اليمين الحاسمة على الوجه السالف الذكر ، نتناول هذه اليمين فى مبحثين : ( 1 ) توجيه اليمين الحاسمة ( 2 ) الآثار التى تترتب على توجيهها .

المبحث الأول

توجيه اليمين الحاسمة

269 - مسائل خمس : نبحث ، فى توجيه اليمين الحاسمة ، المسائل الآتية : ( 1 ) من يوجه اليمين الحاسمة ( 2 ) لمن توجه ( 3 ) متى توجه ( 4 ) موضوعها ( 5 ) عدم جواز الرجوع فيها .

المطلب الأول

من يوجه اليمين الحاسمة

270 - النصوص القانونية : تص الفقرة الأولى من المادة 410 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " يجوز لكل من الخصمين أن يوجه اليمين الحاسمة إلى الخصم الآخر ، $ 520 $ على أنه يجوز للقاضى أن يمنع توجيه اليمين إذا كان الخصم متعسفاً فى توجيهها ( [913] ) " .

ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق المادة 224 / 289 ( [914] ) .

ويقابل فى التقنينات المدينة العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادتين 112 و 113 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 471 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدينة اللبنانى المادتين 228 و 229 فقرة أولى ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 399 فقرة 1 ( [915] ) .

 $ 521 $

ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادتين 1357 و 1358 ( [916] ) .

271 - أى من الخصمين يستطيع توجيه اليمين : والذى يوجه اليمين الحاسمة هو أى من الخصمين يكون عليه عبء إثبات واقعة قانونية . فالمدعى وعليه عبء إثبات الدعوى ، والمدعى عليه وهو الذى يثبت الدفع ، يستطيع أى منهما أن يوجه اليمين الحاسمة إلى خصمه فيما يجب عليه هو أن يثبته ، فيستبدل بعبء الإثبات الاحتكام إلى ضمير الخصم .

272 - ما يترتب على أن توجيه اليمين تصرف قانونى – الأهلية وعيوب الإرادة والوكالة الخاصة والصورية : ولما كان توجيه اليمين الحاسمة هو كما قدمنا تصرف قانونى ، إذ هو تحكيم لضمير الخصم ، فإنه يجب لصحته $ 522 $ ما يجب لصحة التحكيم . وقد نصت المادة 819 من تقننين المرافعات على أنه " لا يصح التحكيم إلا ممن له الصرف فى حقوقه " . هذا من ناحية الأهلية . ومن ناحية الإرادة يجب أن يكون توجيه اليمين الحاسمة غير مشوب بغلط أو تدليس أو إكراه . ومن ناحية التوكيل فى توجيه اليمين يجب أن تكون هناك وكالة خاصة كما فى التحكيم ، وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 702 من التقنين المدنى على أنه " لابد من وكالة خاصة فى كل عمل ليس من أعمال الإدارة ، وبوجه خاص فى البيع والرهن والتبرعات والصلح والإقرار والتحكيم وتوجيه اليمين والمرافعة أمام القضاء " . ولما كان توجيه اليمين تصرفاً قانونياً كما قدمنا ، فإنه ترد عليه الصورية كما ترد على الإقرار . ومن ثم نرى أن توجيه اليمين ، كالإقرار ، تشترط فيه الأهلية الكاملة ، ويجب أن يكون خالياً من عيوب الإرادة ، ولابد فيه من وكالة خاصة ، وترد عليه الصورية .

فيشترط إذن فى الخصم الذى يوجه اليمين أن يكون كامل أهلية التصرف ( [917] ) . أى أن يكون قد بلغ سن الرشد وألا يكون محجوراً . فالصبى الذى لم يبلغ سن الرشد ، والمحجور عليه لجنون أو عته أو غفلة أو سفه ، لا يجوز لأى منهما أن يوجه اليمين إلا بنائب عنه يملك ذلك . والنائب قد يكون الولى ، وهو يملك توجيه اليمين لأنه يملك التصرف ، والوصى والقيم ، وهذا لا يجوز لهما توجيه اليمين إلا فى الأعمال التى يملكانها وهى أعمال الإدارة ، أما فى أعمال التصرف فلابد فى توجيه اليمين من إذن المحكمة الحسبية ( [918] ) .

 $ 523 $

ويشترط أيضاً أن يكون توجيه اليمين غير مشوب بغلط أو تدليس أو إكراه . ويكون توجيه اليمين مشوباً بغلط فى الواقع إذا أخفى الخصم الذى وجهت إليه اليمين عن الخصم الذى وجه اليمين مستنداً صالحاً لإثبات دعوى الخصم الثانى ، فيعتقد هذا ، عن غلط ، ألا سبيل أمامه إلا توجيه اليمين . وقد يكون الغلط فى القانون ، كما إذا اعتقد الخصم الذى وجه اليمين أن البينة ممنوعة قانوناً ، وليست معه كتابة تثبت ما يدعيه ، فوجه اليمين إلى خصمه ، ثم تبين بعد توجيه اليمين أن القانون يجيز البينة . وقد يكون الخصم الذى وجه اليمين إنما وجهها بسبب تدليس وقع عليه من خصمه ، بأن أوهمه هذا مثلاً أن القانون لا يجيز له الإثبات بالبينة فليس أمامه من سبيل غير توجيه اليمين . وقد يكون توجيه اليمين عن إكراه وقع على الخصم خارج مجلس القضاء ، فلم ير بداً من توجيه اليمين إلى خصمه ، ولا يعد إكراهاً أن يجد الخصم نفسه مجرداً من أى دليل على حقه فيضطر إلى توجيه اليمين ثم يستجد بعد ذلك دليل يحصل عليه . وفى جميع الأحوال التى يكون فيها توجيه اليمين مشوباً بغلط أو تدليس أو إكراه ، يعتبر توجيه اليمين غير صححي بصفته تصرفاً قانونياً ، ويجوز لمن وجه اليمين أن يبطله ، حتى بعد أن يقبل الخصم الآخر الحلف ، وحتى بعد أن يحلف .

ويشترط كذلك فيمن يوكل لتوجيه اليمين أن تصدر له وكالة خاصة فى ذلك ، ولا تكفى الوكالة العامة . ومن ثم لا يصح توجيه اليمين من وكيل عام ، ولا يصح من محام ما لم يكن التوكيل الصادر إليه منصوصاً فيه على تفويضه فى توجيه اليمين . ولكن لا يشترط تعيين محل توجيه اليمين على التخصيص ، فيصح التوكيل فى توجيه اليمين فى خصومة معينة دون تحديد ادعاء معين بالذات ( [919] ) .

 $ 524 $

ويجوز أخيراً أن ترد الصورية على توجيه اليمين . ويكون ذلك نتيجة لتواطؤ الخصمين إضراراً بحقوق الغير كالدائنين والشركاء والخلف . فيخفى الخصم الأدلة التى يملكها لإثبات حقه ، ويقتصر على توجيه اليمين الحاسمة إلى خصمه ، فيحلفها هذا ، فيخسر المدعى دعواه ، ويضر بذلك دائنيه وشركاءه والخلف وغيرهم من لهم مصلحة . ويجوز لهؤلاء التدخل فى الدعوى قبل صدور الحكم لمنع الإضرار بحقوقهم . وإذا صدر الحكم ، جاز لهم أن يعارضوا فيه عن طريق اعتراض الخارج عن الخصومة لإثبات التوطؤ . وسنعود إلى هذه المسألة عند بحث حجية اليمين .

373 - رقابة القاضى : وإذا كان لأى الخصمين ممن يحمل عبء الإثبات توجيه اليمين الحاسمة إلى خصمه ، فإن للقاضى رقابة عليه فى توجيه هذه اليمين . وقد كان القضاء يجعل هذه الرقابة ثابتة للقاضى فى عهد التقنين المدنى السابق ، فيجوز للقاضى تعديل صيغة اليمين تبعاً لوقائع القضية إذا كان ذلك بموافقة الخصم الذى وجهها ( [920] ) ، ويجوز له أيضاً أن يرفض توجيهها إذا رأى أن الدعوى يكذبها ظاهر الحال وأن فى توجيه اليمين تعسفاً ، أو أنها ثابتة بغير يمين ، أو أن اليمين بالصيغة التى وجهت بها غير منتجة ( [921] ) . وقد جاء $ 525 $ فى الموجز ( [922] ) ، وهو يبسط الفقه فى عهد التقنين المدنى السابق ، فى هذا المعنى $ 526 $ ما يأتى : " اليمين الحاسمة يوجهها الخصم لا القاضى . . . ولكن للقاضى أن يرفض توجيه اليمين إذا كانت الواقعة المراد الحلف عليها غير محتمله الصدق أو كذبتها مستندات الدعوى ، أو كانت هذه الواقعة ثابتة دون حاجة إلى الحلف ، فيكون توجيه اليمين فى هذه الأحوال إنما يقصد به الكيد للخصم . كذلك للقاضى أن يرفض توجيه اليمين إذا كان المقصود منها استغلال ورع الخصم الذى توجه إليه وشدة تدينه . على أنه إذا رأى القاضى توجيه اليمين إلى شخص شديد التدين ، فلا يجوز لهذا الخصم الامتناع عن الحلف بحجة أن دينه يمنعه من ذلك ( [923] ) " .

ولم يستحدث التقنين المدنى الجديد شيئاً ، إلا أنه نص صراحة على الحكم المتقدم ، وكان غير منصوص عليه فى التقنين المدنى القديم ، فذكر فى آخر الفقرة الأولى من المادة 410 ما يأتى : " على أنه يجوز للقاضى أن يمنع توجيه اليمين إذا كان الخصم متعسفاً فى توجيهها " ( [924] ) . وكان النص فى المشروع التمهيدى $ 527 $ على أن توجيه اليمين الحاسمة لا يكون إلا بإذن القاضى . ولكن اللجنة التشريعية بمجلس النواب خشيت أن يكون النص على هذا الوجه معناه أن توجيه اليمين الحاسمة يكون دائماً معلقاً على إذن القاضى ، وأرادت اللجنة أن تستبقى للمتقاضين الحق فى توجيه اليمين الحاسمة على أن يكون للقاضى منع توجيهها إذا رأى أنها كيدية وأن الخصم متعسف فى توجيهها ، فعدلت النص على النحو الذى رأيناه ( [925] ) .

ويلاحظ أنه إذا كانت الواقعة المراد التحليف عليها غير محتملة الصدق ، أو كذبتها مستندات الدعوى ، أو كانت غير منتجة ( [926] ) ، أو كانت خالي من الدليل ولكن المدعى وجه اليمين مستغلاً فى ذلك ورع خصمه وتحرجه من الحلف ، كان مدعى هذه الواقعة وهو يوجه اليمين على خصمه متعسفاً فى توجيهها ، فيمنعه القاضى ( [927] ) . أما إذا كانت الواقعة ثابتة دون حاجة إلى $ 528 $ الحلف ، فالذى يتعسف فى توجيه اليمين هو الخصم الآخر ، يوجه اليمين إلى المدعى فى الواقعة الثابتة ليحلف أن له الحق الذى يدعيه ، فلا يقبل القاضى فى هذه الحالة توجيه هذه اليمين ، لأنه يستطيع الحكم بثبوت الحق المدعى بمقتضى الأدلة المقدمة دون حاجة إلى تحليف المدعى أية يمين ( [928] ) .

ورقابة القاضى لمنع التعسف فى توجيه اليمين على النحو الذى بسطناه تعتبر خطوة طيبة نحو إيجابية موقف القاضى من الإثبات ( [929] ) .

 $ 529 $

المطلب الثانى

لمن توجه اليمين الحاسمة

274 - توجه اليمين إلى الخصم الذى له حق المطالبة بالإثبات : وتوجه اليمين الحاسمة إلى الخصم الآخر الذى له حق المطالبة بالإثبات ، وتوجيه اليمين إليه تقلب موقفه . فبعد أن كان غير مكلف بشئ وما عليه إلا أن ينتظر من خصمه تقديم الدليل على دعواه فإن لم يقدم هذا الدليل خسر الدعوى وخرج الخصم من القضية منتصراً دون أن يقوم بعمل ، إذا به بعد أن وجهت إليه اليمين يرى نفسه مضطراً إلى قبول احتكام خصمه إلى ضميره ، إذا لم يختر هو بدره أن يحتكم إلى ضمير خصمه برد اليمين عليه . فهو إنما يكسب الدعوى إذا حلف اليمين ، فأصبح إذن مكلفاً بشئ يقوم به حتى يكسب الدعوى ، وقد كان قبل توجيه اليمين إليه غير مكلف بشئ . وإذا نكل عن حلف اليمين ، كان فى هذا معنى الإقرار بحق خصمه ، وقد رأينا أن الإقرار ينطوى على نزول عن حق المطالبة بالإثبات ، وهو الحق الذى كان له قبل توجيه اليمين إليه .

275 - لا توجه اليمين إلا إلى خصم أصلى فى الدعوى : ولا يجوز توجيه اليين إلا إلى خصم أصلى فى الدعوى . فإذا رفع الدائن باسم مدينه دعوى الدين على مدين مدينه ، فلا يجوز للمدعى عليه فى هذه الدعوى أن يوجه اليمين الحاسمة إلى دائن الدائن لأنه ليس إلا نائباً عن الدائن وليس خصماً أصلياً فى الدعوى . فيجب إذن أن يكون توجيه اليمين إلى الدائن ، وهو الخصم الأصلى ، $ 530 $ بعد إدخاله في الدعوى وفقاً للمادة 235 فقرة 2 من التقنين المدني ( [930] ) . ولا توجه اليمين ، في دعوى تقام ضد إحدى الشركات ، إلى شريك انسحب منها فلم يعد خصما ( [931] ) ، ولا إلى شخص ليس خصما في الدعوى ولم موظفاً في الشركة ( [932] ) ، ولا إلى جملة من الشركاء كل شريك يحلف على وقائع لا تخصه هو بل تخص الشركاء الآخرين ( [933] ) . ولا توجه اليمين إلى أحد مديري مصرف إذا كان هذا المدير لا يملك التصرف إلا بالاشتراك مع سائر المديرين ( [934] ) ، ولا إلى الوكيل إذا كانت الواقعة المراد اثباتها منسوبة إلى الأصيل ( [935] ) ، ولا إلى الغير مع إدخاله خصيصاً في الخصومة لحلف اليمين ( [936] ) . وإذا كان الخصم شخصاً معنوياً ، وجهت $ 531 $ اليمين إلى من يمثله ( [937] ) .

276 - توافر أهلية التصرف فيمن يوجه إليه اليمين : ويجب فيمن توجه إليه اليمين أو تتوافر فيه أهلية التصرف فى الحق الذى توجه إليه فيه اليمين ( [938] ) . ذلك أن كل خصم توجه إليه اليمين يجب أن يكون قادراً على الخيار ما بين الحلف والرد والنكول ، ورد اليمين كتوجيهها تشترط فيه أهلية التصرف ، والنكول كالإقرار لا يملكه إلا من ملك التصرف فى الحق . ومن ثم لا يجوز توجيه اليمين إلى صبى لم يبلغ سن الرشد إلا فيما يملك من أعمال الإدارة ، ولا إلى محجور عليه لجنون أو عته أو غفلة أو سفه . ولا يجوز توجيهها إلى النائب عن هؤلاء ، كوصى أو قيم ، إلا عن أعمال صدرت منه شخصياً ( [939] ) أو عن أعمال الإدارة التى يملكها ( [940] ) . أما الولى فيملك التصرف فى مال الصغير ، فيجوز توجيه اليمين إليه .

ويجب أن تتوافر أهلية التصرف فيمن توجه إليه اليمين وقت الحلف ، لا وقت توجه اليمين . فإذا كان أهلا وقت توجيه اليمين ، ثم حجر عليه قبل الحلف ( [941] ) ، فلا يجوز له أن يحلف بعد توقيع الحجر عليه ( [942] ) .

وسنرى أنه إذا جاز التوكل فى توجيه اليمين بمقتضى وكالة خاصة ، فإنه لا يجوز التوكيل أصلاً فى حلف اليمين ، ذلك أن النيابة تجرى فى الاستحلاف ولا تجرى فى الحلف .

 $ 532 $

المطلب الثالث

متى توجه اليمين الحاسمة

277 - النصوص القانونية : تنص الفقرة الثانية من المادة 411 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " ويجوز أن توجه اليمين الحاسمة فى أية حالة كانت عليها الدعوى " ( [943] ) .

ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق ، ولكن الحكم كان معمولاً به دون نص ( [944] ) .

ويقابل النص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادة 114 فقرة 2 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 472 ، وفى تقنين أصول المحاكمان المدينة اللبنانى المادة 231 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 400 فقرة 2 ( [945] ) .

 $ 533 $

ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادة 1360( [946] ) .

278 - توجيه اليمين الحاسمة فى أية حالة كانت عليها الدعوى : ويتبين من نص التقنين المدنى المصرى المتقدم الذكر أنه يمكن توجيه اليمين الحاسمة فى أية حالة كانت عليها الدعوى ، إلى أن يصدر حكم نهائى ( [947] ) . ذلك أن اليمين الحاسمة طريق من طرق الإثبات ، فيمكن الالتجاء إليه بعد تقديم أوجه إثبات أخرى ( [948] ) . بل يجوز بعد إقفال باب المرافعة طلب إعادة فتحها وتوجيه اليمين الحاسمة ( [949] ) . ولكن لا يجوز للخصم توجيهها بعد أن يكون قد قبل من خصمه الإثبات بالبينة ( [950] ) .

ويجوز توجيه اليمين الحاسمة لأول مرة أمام المحكمة الاستئنافية ، فى أية حالة كانت عليها الدعوى ، على الوجه المتقدم الذكر ( [951] ) .

 $ 534 $

ولكن لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة لأول مرة أمام محكمة النقض ( [952] ) .

279 - يجوز توجيه اليمين الحاسمة على سبيل الاحتياط : يحسن هنا أن نميز بين فروض ثلاثة حتى لا يقع لبس فيما بينها ، ولا يختلط بعضها ببعض :

الفرض الأول أن يقدم الخصم أدلة على ادعائه ، فيفحصها القاضى ولا يقتنع بها . وإذ عرف الخصم منه ذلك ، ينزل عما قدم من أدلة ، ويقتصر على توجيه اليمين الحاسمة إلى خصمه . وهذا دون شك جائز . وقد قدمنا أنه يجوز للخصم أن يلتجئ إلى اليمين الحاسمة بعد أوجه إثبات أخرى ، وأمام محكمة الاستئناف ، بل يجوز طلب إعادة القضية إلى المرافعة لتوجيه اليمين الحاسمة ( [953] ) .

والفرض الثانى أن يوجه الخصم اليمين الحاسمة إلى خصمه ، ويقول إنه يوجهها ابتداء حتى إذا حلفها الخصم فإنه يحتفظ لنفسه بالحق فى تقديم أدلة أخرى . وهذا دون شكل غير جائز ( [954] ) ، فإنه متى حلف الخصم اليمين ، خسر من وجهها $ 535 $ إليه دعواه ، ولا يسمح له بالرجوع إلى هذه الدعوى على أية صورة كانت كما سنرى . بل إن مجرد قبول الخصم لحلف اليمين الموجهة إليه تمنع من وجه اليمين من الرجوع فى توجيهها ، ومن ثم تمنعه من التقدم بأدلة أخرى .

والفرض الثالث أن يقدم الخصم أدلة على ادعائه ، ويقول إنه على سبيل الاحتياط ، فى حالة ما إذا لم يقتنع القاضى بهذه الأدلة ، يوجه اليمين الحاسمة إلى خصمه ، وهذا هو توجيه اليمين الحاسمة على سبيل الاحتياط ، وهو الفرض الدقيق الذى نقف قليلاً عنده . ونذكر بادئ ذى بدء أن الخصم قد يجد نفسه فى حاجة إلى هذا الاحتياط . فقد يكون الحكم الذى يوشك أن يصدر فى دعواه حكماً نهائياً – بأن كانت الدعوى أمام المحكمة الاستئنافية أو كانت مما لا يجوز الاستئناف فيه – وقد قدم ما وسعته الطاقة أو يقدمه من الأدلة وهو فى شك من مبلغ اقتناع القاضى بها . فيخشى ، إن هو ترك القاضى يفصل فى الدعوى بحالتها هذه ، أن يصدر حكم نهائى برفضها ، فلا يستطيع بعد ذلك أن يوجه اليمين الحاسمة إلى خصمه . لذلك لا يرى له بداً من الاحتياط : يطلب ، فى حالة ما إذا لم يقتنع القاضى بالأدلة المقدمة ، أن تعاد القضية إلى المرافعة لتوجيه اليمين الحاسمة إلى خصمه . فطلبه إعادة القضية إلى المرافعة ليس طلباً منجزاً كما هى الحال فى الفرض الأول ، بل هو طلب معلق على شرط عدم اقتناع القاضى بالأدلة المقدمة . وقد كان تقنين المرافعات السابق يقضى فى المادة 166 / 187 بأنه لا يجوز التكليف من باب الاحتياط باليمين الحاسمة لأن التكليف بتلك اليمين يفيد ترك ما عداها من أوجه الثبوت للمادة المراد الاستلاف عليها ( انظر أيضاً المادة 255 / 290 من التقنين المدنى السابق ) . وكان يمكن حمل هذا النص على الفرض الثانى دون الفرض الثالث ، فلا يجوز للخصم أن يوجه اليمين الحاسمة إلى خصمه ابتداء ، $ 536 $ مع الاحتفاظ لنفسه ، على سبيل الاحتياط فى حالة حلف الخصم لليمين ، بالحق فى تقدم أدلة أخرى ، ذلك أن التكليف باليمين الحاسمة يفيد ترك ما عداها من أوجه الثبوت الأخرى . ولكن القضاء حمل النص على الفرضين معاً ، وحرم على الخصوم أن يوجه اليمين الحاسمة على سبيل الاحتياط فى أية صورة من الصورتين ( [955] ) . وشاءت صدفة طيبة أن تقنين المرافعات الجديد طلع دون أن يشتمل على نص مماثل للمادة 166 / 187 من تقنين المرافعات السابق ، بحجة أن هذا النص – كما تقول المذكرة التفسيرية لهذا التقنين – يقرر حكماً موضوعياً محله التقنين المدنى . وطلع التقنين المدنى الجديد خالياً هو أيضاً من هذا النص ومن النص الآخر الذى كان يشتمل عليه التقنين المدنى السابق ، إذ كانت المادة 225 / 290 تقضى بأن التكليف باليمين يؤخذ منه أن طالبها ترك حقه $ 537 $ فيما عداها من أوجه الثبوت . فالنص الذى كان القضاء يستند إليه فى تحريم الفرض الثالث هو الآن غير موجود فى التشريع المصرى ( [956] ) . فلا مناص إذن من الرجوع إلى القواعد العامة .

وهذه تحرم دون شك – كما قدنا – الفرض الثانى من الفروض الثلاثة السالفة الذكر . أما الفرض الثالث فلا تثريب على الخصم فيه ، فهو يقدم أدلته ، ويطلب فى الوقت ذاته توجيه اليمين الحاسمة إلى خصمه إذا لم تقتنع المحكمة بهذه الأدلة . وما دام يستطيع أن يوجه اليمين الحاسمة فى أية حالة كانت عليها الدعوى إلى أن يصدر حكم نهائى ، ففى الفرض الذى نحن بصدده لم يصدر حكم نهائى ، فيجوز له إذن أن يوجه اليمين الحاسمة فى هذه الحالة من حالات الدعوى ( [957] ) .

المطلب الرابع

موضوع اليمين الحاسمة

280 - النصوص القانونية : تنص الفقرة الأولى من المادة 411 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة فى واقعة مخالفة للنظام العام . ويجب أن تكون $ 538 $ الواقعة التى تنصب عليها اليمين متعلقة بشخص من وجهت إليه اليمين ، فإن كانت غير شخصية له انصبت اليمين على مجرد علمه بها ( [958] ) " .

ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق ، ولكن الحكم كان معمولاً به دون نص ( [959] ) .

ويقابل النص فى التقنينات المدينة العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادة 114 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادتين 472 و 479 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدينة اللبنانى المادتين 229 فقرة 2 و 230 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 400 فقرة أولى ( [960] ) .

 $ 539 $

ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادة 1359 ( [961] ) .

وتنص المادة 175 من تقنين المرافعات على أنه " يجب على من يوجه لخصمه اليمين أن يبين بالدقة الوقائع التى يريد استحلافه عليها ، ويذكر صيغة اليمين بعبارة واضحة جلية " . وتنص المادة 176 من هذا التقنين على أن " للمحكمة أن تعدل صيغة اليمين التى يعرضها الخصم بحيث تتوجه بوضوح ودقة على الواقعة المطلوب الحلف عليها ( [962] ) " .

281 - لا توجه اليمين الحاسمة لمسألة من مسائل القانون : ونذكر منذ البداية أن اليمين الحاسمة لا يجوز أن توجه إلا فى واقعة قانونية ، أى فى مسألة من مسائل الواقع ، لا فى مسألة من مسائل القانون . ذلك أن استخلاص حكم القانون من شأن القاضى وحده لا من شأن الخصوم ، وقد قدمنا أن هؤلاء لا يكلفون بإثبات مسائل القانون . واليمين الحاسمة فى هذه الناحية كالإقرار ( [963] ) .

282 - توجه اليمين الحاسمة فى واقعة قانونية محددة أياً كانت قيمتها : فلا توجه اليمين الحاسمة إذن إلا لمسالة من مسائل الواقع : واقعة قانونية محددة $ 540 $ واضحة . ويجب على ممن يوجه اليمين أن يضع صيغتها ، بحيث يبين بعبارة واضحة دقيقة الواقعة التى يريد استحلاف خصمه عليها . فإذا رأى القاضى أن الصيغة بعوزها الوضوح أو الدقة ، كان له أن يعدل فيها حتى تتحدد الواقعة المطلوب الحلف عليها ( م 175 - 176 مرافعات ) . وفى هذه الحالة لا توجه اليمين إلا بعد أن يوافق الخصم الذى وضع الصيغة الأولى على التعديل الذى أدخل فيها ، فقد يكون هذا التعديل من شأنه أن يحور الصيغة تحويراً يجعلها تنصرف إلى معنى غير الذى أراده ، فلا يرضى بتوجيه اليمين على هذا النحو ( [964] ) ، وقد قدمنا أن توجيه اليمين تحكيم من جانب الخصم لا من جانب القاضى ( [965] ) .

ويصح توجيه اليمين الحاسمة فى أية واقعة قانونية ، أياً كانت قيمتها ، حتى لو جاوزت هذه القيمة نصاب البينة وليس عند المدعى كتابة تثبت مدعاه . فيستطيع ، وقد عجز عن تقديم الدليل الكتابى الذى يتطلبه القانون ، أن يوجه إلى خصمه اليمين الحاسمة ، وهى آخر ملجأ له فى هذه الحالة . أما إذا كان عنده مبدأ ثبوت بالكتابة ، فهو لا يوجه اليمين الحاسمة إلا إذا عجز عن استكمال دليله بالبينة أو القرائن . فإن استطاع ذلك ، أو استطاع إقناع القاضى باستكمال الدليل عن طريق توجيه اليمين المتممة إليه هو ، فإنه حينئذ لا يلجأ إلى توجيه اليمين الحاسمة إلى خصمه بعد أن توافر لديه الدليل على حقه ( [966] ) .

 $ 541 $

283 - عدم مخالفة الواقعة للنظام العام : ويجب أن تكون الواقعة التى يطلب الحلف عليها غير مخالفة للقانون أو النظام العام أو الآداب . ذلك أن توجيه اليمين تحكيم ، كما قدمنا ، وهو الإقرار فى هذا سيان . وقد نصت المادة 819 من تقنين المرافعات على أنه " لا يصح التحكيم إلا ممن له التصرف فى حقوقه ، ولا يصح التحكيم فى نزاع يتعلق بالأحوال الشخصية أو الجنسية ولا فى المسائل التى لا يجوز فيها الصلح " . ومن ثم لا يجوز توجيه اليمين فى وصية تزيد على الثلث ولا فى هبة عقار لم تكتب فى ورقة رسمية لأن الواقعة تحالف القانون . ولا يجوز توجيه اليمين فى النسب ولا فى الجنسية لأن هذا يخالف النظام الآداب . وقس على ذلك عدم جواز توجيه اليمين فى دعوى يدفع فيها بالتقادم إذا لم يكن مبيناً على افتراض الوفاء ( [967] ) ، أن يدفع بعدم جواز سماعها لحجية الأمر المقضى ، أو يطلب فيها إثبات التزام طبيعى مع الحكم بتنفيذه ، أو إثبات اتفاق على ربا فاحش ( [968] ) .

 $ 542 $

ولكن إذا وجهت اليمين من الشخص الذى كان ضحية الواقعة غير المشروع لإثبات هذه الواقعة وترتيب حكم القانون عليها ، فإن هذا يجوز ، فيجوز للمقترض أن يوجه اليمين إلى المقرض ليحلف على أن مبلغ القرض الذى يطالب به لا يشتمل على فوائد ربوية فاحشة ، ويجوز للمدين بسند أن يوجه اليمين إلى الدائن ليحلف على أن سبب الدين ليس سبباً غير مشروع كمقامرة أو رهان ( [969] ) .

 $ 543 $

284 - يجب أن تكون الواقعة حاسمة فى الدعوى : ولا توجه اليمين الحاسمة إلا فى واقعة حاسمة فى الدعوى ( [970] ) . ذلك أن مهمة هذه اليمين - كما هو ظاهر من اسمها – هى حسم النزاع . وهى بمجرد توجيهها إلى الخصم تقرر مصير الدعوى . فإذا حلفها خسر المدعى دعواه ، وإذا نكل أجيب المدعى إلى طلباته ، وإذا ردها وحلف المدعى كسب الدعوى ، أو ردها ونكل المدعى خس الدعوى . فعلى أى وجه من الوجوه تنتهى اليمين الحاسمة ، فإن النزاع لابد أن ينحسم بها . ومن ثم لا يجوز توجيهها إلى فى الواقعة التى ينحسم بها النزاع . فلا يجوز توجيهها بالنسبة إلى الطلبات الأصلية مع احتفاظ المدعى بالحق ، إذا حلف المدعى عليه ، فى تقديم طلبات احتياطية ( [971] ) . ولا يجوز توجيهها من المقترض إلى المقرض فى أن القرض لا يشتمل على فوائد ربوية إذا كان المقترض يطلب الحكم برفض الدعوى أصلاً لأن القرض لم يتم ( [972] ) .

وغنى عن البيان أن الواقعة الحاسمة فى الدعوى يجب أن تكون الواقعة الأساسية فيها ، فلا يحص توجيه اليمين فى واقعة لا تدخل فى نطاق الدعوى . $ 544 $ مثل ذلك أن ينكر المدعى عليه أنه اقترض المبلغ الذى يطالبه به المدعى ، فلا يجوز توجيه اليمين من المدعى عليه أنه وفى بهذا المبلغ ، ما دام المدعى عليه يقول إنه غير مدين أصلاً ، فلم تدخل واقعة الوفاء فى نطاق ما يدفع به دعوى المدعى . ولا يحص توجيه اليمين فى موضوع الدعوى أمام القضاء المستعجل لأن هذا القضاء لا شأن له بالبت فى الموضوع ، ولكن إذا وجهت اليمين فى واقعة تدخل فى اختصاص القضاء المستعجل أمام هذا القضاء صح ذلك ( [973] ) .

وكون الواقعة التى توجه فيها اليمين داخلة فى الدعوى وحاسمة فيها مسألة واقع لا مسألة قانون ، ومن ثم لا رقابة لمحكمة النقض عليها ( [974] ) .

285 - تعلق الواقعة بشخص من وجهت إليه اليمين – يمين عدم العلم : ويجب أخيراً أن تكون لواقعة متعلقة بشخص من توجه إليه اليمين ( [975] ) . فلا يجوز أن توجه لخصم عن وقائع لا تتعلق بشخصه ( [976] ) ، غلا إذا أريد تحليفه على عدم علمه بهذه الوقائع . فلا توجه اليمين إلى صاحب السيارة $ 545 $ على أن السائق لم يرتكب خطأ كان سبباً فى الحادث الذى وقع إذا لم يكن صاحب السيارة وقت وقوع الحادث مستصحباً للسائق ، وإنما يحلف صاحب السيارة على أنه لا يعلم أن السائق ارتكب خطأ . كذلك لا توجه اليمين إلى وارث على أن مورثه غير مدين بالحق المدعى به ، ولكن يجوز أن يطلب من الوارث أن يحلف على أنه لا يعلم أن مورثه مدين بهذا الحق ، وهذا هو غاية ما يستطيع أن يحلف عليه ( [977] ) .

وفى الحالتين المتقدمتى الذكر إنما يحلف الخصم على عدم العلم لا على البتات ، لأنه يحلف على فعل غيره لا على فعل نفسه ، كما يقول التقنين المدنى العراقى فى الفقرة الأولى من المادة 479 ( [978] ) . ولذلك سيمت هذه اليمين بيمين عدم العلم ( serment de credulite, de credebilite ) ( [979] ) . وهى غير يمين الاستيثاق ( serment liberatoire ) التى سيرد ذكرها عند الكلام فى اليمين المتممة ، وإن $ 546 $ كان يقع الخلط بينهما كثيراً ( [980] ) ، فيمن عدم العلم يمين حاسمة ويمين الاستيثاق الراجع فيها أنها يمين متممة ، وسيأتى بيان ذلك .

 $ 547 $

المطلب الخامس

عدم جواز الرجوع فى اليمين الحاسمة

286 - النصوص القانونية : تنص المادة 412 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " لا يجوز لمن وجه اليمين أو ردها أو يرجع فى ذلك متى قبل خصمه أن يحلف " ( [981] ) .

ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق ، ولكن الحكم كان معمولاً به دون نص ( [982] ) .

ويقابل هذا النص فى التقنينات المدينة العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى م 116 فقرة 2 - وفى التقنين المدنى العراقى المادة 476 - وفى تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى المادة 235 - وفى التقنين المدنى الليبى المادة 401 ( [983] ) . $ 548 $ ويقابل في التقنين المدني الفرنسي المادة 1364 ( [984] ) .

وتنص المادة 177 من تقنين المرافعات على أنه " إذا لم ينازع من وجهت إليه اليمين لا في جوازها ولا في تعلقها بالدعوى ، وجب عليه إن كان حاضراً بنفسه أن يحلفها فوراً أو يردها على خصمه ، وإلا اعتبر ناكلا . ويجوز للمحكمة أن تعطيه ميعاداً للحلف إذا رأت لذلك وجهاً . فإن لم يكن حاضراً وجب تكليفه على يد محضر بالحضور لحلفها بالصيغة التي أقرتها المحكمة وفي اليوم الذي حددته ، فإن حضر وامتنع دون أن ينازع أو تخلف بغير عذر اعتبر ناكلا كذلك " وتنص المادة 178 من تقنين المرافعات أيضاً على أنه " إذا نازع من وجهت إليه اليمين في جوازها أو في تعلقها بالدعوى ، ورفضت المحكمة منازعته وحكمت بتحليفه ، بينت في منطوق حكمها صيغة اليمين ، ويعلن هذا المنطوق للخصم إن لم يكن حاضراً بنفسه ، ويتبع ما نص عليه في المادة السابقة " .

287 – متى يجوز الرجوع في توجيه اليمين الحاسمة وفي ردها : ويتبين من نصوص تقنين المرافعات أن اليمين الحاسمة متى وجهت إلى الخصم ، فله أن ينازع في جواز توجيهها أو في تعلقها بالدعوى . فإن لم ينازع ، أو نازع ورفضت المحكمة منازعته ، حكمت بتحليفه ، وبينت في منطوق حكمها صيغة اليمين المطلوب من الخصم أن يحلفها .

وقد كان من المعقول وقد صدر الحكم بالتحليف – وانقطعت معارضة الخصم فيه فأصبح ملزماً بالحلف أو بالرد وإلا عد ناكلا – أن يصبح ممتنعاً على الخصم الذي وجه هذه اليمين أن يرجع في توجيهها . وهذا هو منطق الوضع الذي صار إليه طالب اليمين : وجه اليمين إلى خصمه ، فصدر حكم بتوجيهها ، $ 549 $ وأصبح خصمه ملزماً إما بالحلف وإما بالرد دون أن يتوقف شئ من ذلك على قبوله ، فكان المنطق يقضى بأن الوقت الذى يعلم فيه الخصم الذى وجهت إليه اليمين بصدور الحكم بتحليفه هو الوقت الذى لا يستطيع فيه الخصم الذى وجه اليمين أن يرجع عن هذا الطلب . أما قبل ذلك فيكون له الرجوع ، ويلجأ فى إثبات الدعوى إلى طرق أخرى غير اليمين ، أو ينزل عن دعواه حتى يتيسر له الحصول على أدلة الإثبات فيرفع الدعوى ثانية إذا كان حقه لم يتقادم .

ولكن نصاً صريحاً فى التقنين المدنى الجديد يقضى ، كما رأينا ، بأنه " لا يجوز لمن وجه اليمين أو ردها أن يرجع فى ذلك متى قبل خصمه أن يحلف " . وهذا النص مصدره المادة 1364 من التقنين المنى الفرنسى ، وتقضى بأن " الخصم الذى وجه اليمين أو ردها لا يجوز له أن يرجع فى ذلك متى أعلن خصمه أنه مستعد لحلف اليمين " . فالنص صريح إذن فى أن من وجه اليمين أو ردها يجوز له الرجوع فى ذلك ما دام خصمه لم يعلن أنه قبل أن يحلف اليمين . فيجوز الرجوع إذن حتى بعد صدور الحكم بتحليف اليمين ، وحتى بعد إعلانه للخصم . ولا يسقط حق الرجوع هذا إلا إذا أعلن الخصم الذى وجهت إليه اليمين أو ردت عليه أنه مستعد للحلف . فإن لم يعلن هذا الاستعداد ، بقى حق الرجوع قائماً حتى يحلف اليمين فعلاً ( [985] ) .

وبالرغم من أن هذا الحكم لا يتفق مع المنطق ، كما قدمنا ، وبالرغم من أن المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى لا تعين على تبريره ( [986] ) ، فإنه الحكم الذى $ 550 $ تقضى به صراحة النص ، وقد جرى عليه الفقه والقضاء فى فرنسا ( [987] ) .

فإذا ما قبل الخصم الحلف ( [988] ) ، ولو كان القبول مقترناً بطلب تعديل اليمين لتكون منتجة فى الإثبات ( [989] ) ، امتنع على الخصم الذى وجه اليمين أو ردها أن يرجع فى ذلك . فإن رجع رفضت دعواه ، لأنه ترك بتوجيه اليمين أو بردها ما عداها من طرق الإثبات ( [990] ) . وذلك كله ما لم يكن توجيه اليمين أو ردها قد شابه غلط أو تدليس أو إكراه ( [991] ) .

 $ 551 $

أما قبول الخصم للحف ، أو قبول أن يحلف فعلاً ، فإنه يجوز الرجوع فى توجيه اليمين أو فى ردها ( [992] ) . ولا يشترط فى الرجوع شكل خاص . بل إن استئناف الحكم القاضى بتوجيه اليمين أو بردها يعتبر رجوعاً فى التوجيه أو فى الرد ( [993] ) .

288 - الأثر الذى يترتب على الرجوع فى توجيه اليمين أو فى ردها : وإذا رجع من وجه اليمين فى وقت كان الرجوع فيه جائزاً ، ثم لجأ إلى طرق أخرى لإثبات دعواه فلم يفلح ، جاز له أنه يعود ثانية إلى توجيه اليمين ، ما لم يكن قد نزل نهائياً عن توجيهها وقبل منه خصمه هذا النزول ( [994] ) .

أما إذا رجع من رد اليمين على خصمه فى هذا الرد ، اعتبر رده لليمين كأن لم يكن ، وعادت اليمين موجهة إليه هو ، وتعين عليه أن يحلف وإلا عد ناكلاً ( [995] ) .

المبحث الثانى

الآثار التى تترتب على توجيه اليمين الحاسمة

289 - مسائل أربع : إذا وجهت اليمين الحاسمة إلى الخصم وفقاً للأحكام التى قدمناها ، لم يسع هذا الخصم إلا أحد أمرين : إما أن يحلف اليمين ، وإما أن يردها على من وجهها . فإذا لم يحلف اليمين أو يردها ، عد ناكلاً $ 552 $ خسر الدعوى ( [996] ) . فتوجيه اليمين الحاسمة إلى الخصم يترتب عليه حتماً من جانب هذا الخصم أحد مواقف ثلاثة : ( 1 ) إما أن يحلف اليمين ( 2 ) وإما أن يردها على خصمه ( 3 ) وإما أن يمتنع عن الحلف والرد فيعد ناكلاً . ثم إن لحلف اليمين أو النكول عنها حجية حددها القانون .

فهذه مسائل أربع نتكلم فيها على التعاقب : ( 1 ) حلف اليمين الحاسمة ( 2 ) ردها ( 3 ) النكول عنها ( 4 ) حجيتها .

المطلب الأول

حلف الخصم لليمين الحاسمة

290 - كيفية الحلف : يجب على الخصم الذى وجعت غليه اليمين الحاسمة ، ولم يردها على خصمه ، أن يؤدى اليمين بنفسه ، لأن خصمه قد احتكم إلى ضميره ، فلا يصح أن يوكل غيره فى الحلف . وقد نصت المادة 183 من تقنين المرافعات على هذا الحكم صراحة فقالت : " لا يجوز التوكيل فى تأدية اليمين " . وإذا صح التوكيل فى تحليف اليمين ، فإن التوكيل فى حلفها لا يجوز ، كما قدمنا . وفى هذا المعنى تقول المادة 473 من التقنين المدنى العراقى : " تجرى النيابة فى التحليف ، ولكن لا تجرى فى اليمين " . ( انظر أيضاً المادة 132 من قانون البينات السورى ) .

وتأدية اليمين تكون بأن يقول الخصم : " أحلف " ( [997] ) ، ثم يذكر صيغة اليمين التى أقرتها المحكمة . فإذا كان دين الخصم يفرض أوضاعاً مقررة فى الحلف ، $ 553 $ جاز للخصم أن يطلب تأدية اليمين وفقاً لهذه الأوضاع ( [998] ) . وقد وردت هذه الأحكام صراحة فى تقنين المرافعات . فنصت المادة 180 من هذا التقنين على أن " تكون تأدية اليمين بأن يقول الحالف أحلف ويذكر الصيغة التى أقرتها المحكمة " . ونصت المادة 181 على أنه " لمن يكلف حلف اليمين أن يؤديها وفقاً للأوضاع المقررة فى ديانته إذ طلب ذلك " . ( انظر أيضاً المادتين 129 و 130 من قانون البينات السورى ) .

 $ 554 $

ويعتبر فى حلف الأخرس ونكوله إشارته المعهودة إن كان لا يعرف الكتابة ، فإن كان يعرفها فحلفه ونكوله بها ( م 182 مرافعات ) . وقد نصت المادة 478 من التقنين المدنى العراقى على أنه " تعتبر يمين الأخرس ونكوله عن اليمين بإشارته المعهودة " . ( [999] ) ( انظر أيضاً المادة 131 من قانون البينات السورى ) .

 $ 555 $

وإذا كان لمن وجهت إليه اليمين عذر يمنعه من الحضور ، انتقل المحكمة أو ندبت أحد قضاتها لتحليفه ( م 179 مرافعات ) .

ويحرر محضر بحلف اليمين ، يوقعه الحالف ورئيس المحكمة أو القاضى المنتدب والكاتب ( م 184 مرافعات ) ( [1000] ) .

291 - ما يترتب على حلف اليمين الحاسمة – النصوص القانونية : تنص المادة 413 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " لا يجوز للخصم أن يثبت كذب اليمين بعد أن يؤدها الخصم الذى وجهت إليه أو ردت عليه . على أنه إذا ثبت كذب اليمين بحكم جنائى ، فإن للخصم الذى أصابه ضرر منها أن يطالب بالتعويض ، دون إخلال بما قد يكون له من حق فى الطعن على الحكم الذى صدر ضده " ( [1001] ) .

ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق المادة 225 / 290 ( [1002] ) .

 $ 556 $

ويقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادة 120 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 481 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى المادة 234 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 402 ( [1003] ) .

ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادة 1363 ( [1004] ) .

ويؤخذ من نص التقنين المدنى الجديد أن الخصم إذا حل اليمين الحاسمة ، انحسم النزاع نهائياً ، وخسر الخصم الذى وجه اليمين دعواه . ولا يجوز لهذا الخصم أن يعود إلى مخاصمة من حلف اليمين مرة أخرى فى نفس موضوع الحق ليثبت كذب اليمين ( [1005] ) كما لا يجوز له أن يقدم أى وجه آخر للإثبات ( [1006] ) .

 $ 557 $

وقد كانت المادة 225 / 290 من التقنين المدنى السابق تنص على أن " التكليف باليمين يؤخذ منه أن طالبها ترك حقه فيما عداها من جميع أوجه الثبوت ( [1007] ) " . وكان الفقه والقضاء فى مصر ، فى ظل هذا النص من التقنين السابق ، لا يجيزان للمدعى ، إذا ثبت أن خصمه حلف كذباً ، أن يطالبه بالتعويض . ويثبت الحلف كذباً عادة فى دعوى جنائية تقام على الحالف . ذلك أن المادة 301 من قانون العقوبات تنص على أن " من ألزم باليمين أو ردت عليه فى مواد مدينة ، وحلف كذباً ، يحكم عليه بالحبس ، ويجوز أن تزاد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه مصرى " . وكان كل ما يستطيع الخصم الذى وجه اليمين إلى خصمه ، فحلف كذباً ، الانتفاع به من هذا النص ، فى عهد التقنين المدنى السابق ، هو أن يبلغ ، كأى فرد عادى ، النيابة العامة عن وقوع جريمة حلف يمين كاذبة ، وأن يقدم للنيابة أدلة الإثبات على كذب اليمين بعد أن يكون قد عثر عليها ، بشرط ألا $ 558 $ تكون هذه الأدلة هى البينة أو القرائن إذا كانت قيمة المحلوف تزيد على عشرة جنيهات . والنيابة العامة هى التى ترفع الدعوى الجنائية إذا رأت وجهاً لذلك . أما الخصم الذى وجه اليمين فلا يجوز له أن يرفع دعوى الجنحة المباشرة ، بل ولا أن يدخل مدعياً مدنياً فى الدعوى الجنائية التى ترفعها النيابة العامة . وحتى إذا صدر الحكم الجنائى بالإدانة فى الدعوى التى رفعتها النيابة العامة ، فلم يكن يجوز للخصم الذى وجه اليمين أن يستند إلى هذا الحكم ليطعن فى الحكم المدنى الذى صدر ضده بعد الحلف ، أو أن يرفع دعوى جديدة بحقه بعد أن ثبت كذب اليمين التى حلفها خصمه . بل لم يكن له أن يرفع دعوى تعويض مدنية عن هذه اليمين الكاذبة ، بالرغم من أن دعوى التعويض هذه هى غير دعواه الأولى التى خسرها ( [1008] ) ، وكان ينبغى ألا يصطدم قبول سماعها بحجية الأمر $ 559 $ المقضى لاختلاف السبب والمحل ، ولا أن ترد باتفاق موهوم قيل باستخلاصه من توجيه اليمين على أساس أن توجيه اليمين صلح وهو ليس يصلح كما قدمنا ، أو على أساس أنه اتفاق على الإعفاء من المسئولية التقصيرية والإعفاء الاتفاقى من المسئولية التقصيرية باطل كما هو معروف .

وقد جاء التقنين المدنى الجديد يسير فى اتجاه آخر ، ويصلح من تطرف هذا الرأى . فهو إذا كان يقضى بأنه لا يجوز للخصم أن يثبت كذب اليمين بعد أن يؤديها الخصم الذى وجهت إليه أو ردت عليه ( [1009] ) ، فإنه من جهة أخرى ينص صراحة على جواز أن يحصل الخصم الذى وجه اليمين على تعويض إذا ثبت على من حلف اليمين بحكم جنائى أنه حلف كذباً . فيجوز إذن للخصم الذى وجه اليمين أن يبلغ النيابة العامة أن خصمه حلف اليمين كذباً ، كما كان يستطيع ذلك فى الماضى . ويجوز له فوق ذلك – وهذا ما لم يكن يستطيعه فى الماضى – إذا ثبت كذب اليمين بحكم جنائى ، أن يرفع دعوى مدنية مبتدأة بالتعويض أمام المحاكم المدنية بد صدور الحكم الجنائى . ولكن يبدو من ظاهر النص أنه لا يستطيع ، قبل ثبوت كذب اليمين بحكم جنائى ، أن يدعى مدنياً فى الدعوى الجنائية التى ترفعها النيابة العامة ، ولا يستطيع كذلك من باب أولى أن يرفع دعوى الجنحة المباشرة . وعليه $ 560 $ أن يتربص حتى يصدر حكم جنائى نهائى بكذب اليمين ، ثم يرفع بعد ذلك دعوى التعويض أمام المحاكم المدنية ( [1010] ) .

ولا يفتح له صدور الحكم الجنائى بكذب اليمين باباً جديداً للطعن فى الحكم المدنى الذى صدر ضده بعد حلف هذه اليمين . ولكن إذا كشف الحكم الجنائى عن وجه من وجوه التماس إعادة النظر فى هذا الحكم المدنى ، كأن أثبت أن الخصم الذى حلف اليمين الكاذبة قد وقع منه غش كان من شأنه التأثير فى الحكم المدنى ( م 417 أولا مرافعات ) ، أو كان سبباً فى الحصول على أوراق قاطعة فى الدعوى كان الخصم الذى حلف اليمين الكاذبة قد حال دون تقديمها ( م 417 رابعاً مرافعات ) ، فإنه يجوز للخصم الذى وجه اليمين أن يلتمس إعادة النظر فى الحكم المدنى إذا كان حكماً ابتدائياً ولم ينقض ميعاد الاستئناف . وهذا ما نصت عليه صراحة العبارة الأخيرة من المادة 413 من التقنين المدنى الجديد ، إذن وهى تجعل للخصم الذى وجه اليمين الحق فى ن يطالب بالتعويض ، تجعل له هذا الحق " دون إخلال بما قد يكون له من حق فى الطعن على الحكم الذى صدر ضده ( [1011] ) " وهذا الحق فى الطعن على الحكم المدنى لم يكن موجوداً فى عهد التقنين المدنى $ 561 $ السابق ، وقد استحدثه التقنين المدنى الجديد هو والحق فى المطالبة بالتعويض بدعوى مبتدأة . لذلك لا تكون لهذه الأحكام المستحدثة أثر رجعى ، ولا تسرى إلى على يمين حاسمة صدر حكم بتوجيهها فى تاريخ غير سابق على 15 من شهر أكتوبر سنة 1949 ميعاد نفاذ التقنين المدنى الجديد ، فإن كان الحكم بتوجيه اليمين قد صدر قبل هذا التاريخ فالتقنين المدنى السابق هو الذى يسرى بأحكامه التى تقدم ذكرها .

المطلب الثانى

رد الخصم لليمين الحاسمة على خصمه

292 - النصوص القانونية : تنص الفقرة الثانية من المادة 410 $ 562 $ من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " ولمن وجهت إليه اليمين أن يردها على خصمه . على أنه لا يجوز الرد إذا انصبت اليمين على واقعة لا يشترك فيها الخصمان ، بل يستقل بها شخص من وجهت إليه اليمين ( [1012] ) " .

ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق للمادة 224 / 289 ( [1013] ) .

ويقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادة 116 فقرة أولى ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 475 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى المادة 233 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 399 فقرة 2 ( [1014] ) .

ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادة 1362 ( [1015] ) .

 $ 563 $

293 - متى يجوز رد اليمين : ويتبين من النص المتقدم الذكر أن اليمين يجوز ردها من الخصم متى وجهت إليه ، وذلك إذا لم يرد الحلف . فمن وجهت إليه اليمين يلتزم إذن التزاماً أصلياً بحلفها ، والتزاماً بدلياً بردها على خصمه . ويترتب على أن الالتزام بالرد هو التزام بدلى لا التزام تخييرى ( [1016] ) أنه إذا وجهت اليمين إلى خصم فأصبح ملتزماً بالحلف أصلاً وبالرد بدلاً ، ثم استحال عليه تنفيذ الالتزام الأصلى وهو الحلف ، بأن مات أو أفلس أو حجر عليه ، فلا يصار إلى الالتزام البدلى وهو رد اليمين ، بل يسقط الالتزامان معاً – الحلف والرد - وتعود الحالة بين من وجه اليمين وورثة من وجهت إليهم إلى ما كانت عليه قبل توجيه اليمين ( [1017] ) . ولو كان الالتزام بالرد التزاماً تخييرياً ، واستحال تنفيذ الالتزام الأصلى وهو الحلف ، لوجب تنفيذ الالتزام التخييرى ، ولاعتبرت اليمين مردودة على الخصم الذى وجهها ( [1018] ) .

294 - شروط رد اليمين : ويشترط فى رد اليمين ما يشترط فى توجيهها ، إذ رد اليمين كتوجيهها تصرف قانونى بإرادة منفردة . فيشترط فى الرد إذن كمال أهلية التصرف ، والخلو من عيوب الإرادة من غلط وتدليس وإكراه ، والخلو من التواطؤ والصورية ، وصدور توكيل خاص إذا فوض الخصم غيره فى الرد . وقد سبق تفصيل ذلك عند الكلام فى توجيه اليمين . ويصبح الرد غير قابل $ 564 $ للرجوع فيه بمجرد قبول الخصم الذى ردت عليه اليمين أن يحلف ، وذلك كما فى توجيه اليمين .

ويشترط أيضاً أن يكون الرد واقعاً على نفس اليمين التى وجهت ، فيجب إذن أن يكون فى واقعة قانونية محددة غير مخالفة للقانون أو النظام العام أو الآداب وحاسمة فى الدعوى . ويشترط ، فوق ذلك ، أن يكون الرد فى واقعة يشترك فيها الخصمان ، فلا يجوز فى واقعة يستقل بها شخص من وجهت إليه اليمين . فإذا وهب رجل لابنه منزلاً واشترط عليه أن يتزوج فى خلال سنة وإلا فسخت الهبة ، ثم رفع دعوى على ابنه بالفسخ ووجه إليه اليمين الحاسمة على أنه تزوج فى خلال السنة ، فلي للابن إلا أن يحلف اليمين فيكسب الدعوى ، أو ينكل فيخسر . ولا يجوز له أن يرد اليمين على أبيه ، ويطلب منه أن يحلف هو على أن الابن لم يتزوج فى خلال السنة ، وذلك لأن واقعة الزواج هذه واقعة لا يشترك فيها الخصمان بل يستقل بها الابن وحده ، فلا يجوز رد اليمين فيها على الأب ( [1019] ) . وقد قضت إحدى المحاكم بأنه إذا وجه الشفيع اليمين للمشترى فى خصوص مقدار ثمن المبيع ، فلا يجوز للمشترى أن يرد اليمين على الشفيع ، لأن هذا أجنبى عن الاتفاق الخاص بالثمن ، فلا يمكنه التأكد من حقيقة مقداره ( [1020] ) .

 $ 565 $

295 - أثر رد اليمين : ومتى ردت اليمين ، أصبحت موجهة إلى من كان قد وجهها أول مرة . فينقلب الموقف ، ويصبح هذا هو الملتزم بالحلف ، ثم لا يجوز له رد اليمين ثانية على من ردها عليه ، وإلا لدرنا فى حلقة مفرغة وأجزنا الرد إلى ما لا نهاية . فإن حلف كسب الدعوى ، وإن لم يحلف عدنا كلا وخسر دعواه . ويجرى فى كيفية الحلف وفيما يترتب من الأثر على الحلف والنكول ، فى حالة الرد ، ما يجرى فى حالة توجيه اليمين .

على أن كل هذا مشروط بأن يكون الرد واقعاً على نفس اليمين التى وجهت أولاً كما قدمنا . فإذا عدلت اليمين المردودة ، كان الرد توجيهاً ليمين جديدة يجوز ردها ثانية . مثل ذلك أن يوجه المدعى اليمين إلى المدعى عليه على أنه ليس فى ذمته الدين المدعى به ، فيرد المدعى عليه اليمين معدلاً ، وبدلاً من أن يطلب من المدعى أن يحلف هو على أن الدين فى ذمة المدعى عليه ، يطلب منه الحلف على أنه لم تقع مقاصة بين الدين والمدعى به وحق يقابله فى ذمة المدعى . فإن رد المدعى عليه اليمين معدلة على هذا النحو ، يكون قد اعترف بأن الدين قد قام ابتداء فى ذمته ولكنه انقضى بعد ذلك بالمقاصة . ولما كان هو المطالب بتقديم الدليل على وقوع المقاصة ، ولا دليل عنده على ذلك ، فهو يوجه يميناً أخرى $ 566 $ جديدة إلى المدعى في خصوص وقوعها . ويجوز عندئذ للمدعى أن يرد اليمين الجديدة على المدعى عليه ليحلف أن له حقاً تقع به المقاصة ( [1021] ) .

المطلب الثالث

النكول عن اليمين الحاسمة

296 – النصوص القانونية : تنص المادة 414 من التقنين المدني على ما يأتي :

 " كل من وجهت إليه اليمين فنكل عنها دون أن يردها على خصمه ، وكل من ردت عليه اليمين فنكل عنها ، خسر دعواه ( [1022] ) " .

ولا مقابل لهذا النص في التقنين المدني السابق ، ولكن الحكم كان معمولا به دون نص .

ويقابل النص في التقنينات المدنية العربية الأخرى : في قانون البينات السوري المادة 119 ، وفي التقنين المدني العراقي المادة 480 ، وفي تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبناني المادة 232 ، وفي التقنين المدني الليبي المادة 403 ( [1023] ) .

 $ 567 $

ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادة 1361 ( [1024] ) .

297 - ممن يقع النكول : ويتبين من نص التقنين المدنى المصرى أن النكول إما أن يقع ممن وجهت إليه اليمين ابتداء ، فلا يردها على خصمه ولا يحلف فيعتبر ناكلا . وإما أن يقع ممن ردت عليه اليمين ، وقد رأينا أنه لا يستطيع ردها ، فإذا لم يحلفها اعتبر ناكلاً .

298 - كيف يقع النكول : ويقع النكول بعدم الحلف حين يجب الحلف . فالنكول إذن موقف سلبى . وقد نظمه تقنين المرافعات فى المادتين 177 و 178 ( [1025] ) . فميز بين ما إذا كان الحكم بالتحليف قد صدر فى حضور الخصم المكلف بالحلف ، أو صدر وهو غائب .

فإن صدر الحكم وهو حاضر – سواء أكان قد نازع فى جواز اليمين أو فى تعلقها بالدعوى ورفضت المحكمة منازعته أم لم ينازع فى ذلك - فإن صيغة اليمين تكون مبينة فى منطوق الحكم ، ويجب على الخصم أن يحلفها فوراً أو يردها على خصمه ، فإن سكت عن الحلف والرد اعتبر ناكلاً . ويجوز مع ذلك أن تعين المحكمة فى حكمها يوماً معيناً للحلف ، ويعتبر نطقها بالحكم إعلاناً للخصوم على شرط أن يكون ثابتاً بمحضر الجلسة أو الحكم أن المكلف باليمن حاضر شخصياً وقت النطق بالحكم . ويراعى فى تجديد جلسة الحلف ميعاد التكليف $ 568 $ بالحضور ، ما لم يقبل المكلف بالحلف ميعاداً أقصر ويكون قبوله هذا مدوناً بمحضر الجلسة ( [1026] ) . وحضور الوكيل يغنى عن حضور المكلف باليمين ، إذا كان هذا الوكيل ممن يصح إعلان الأصيل فى مواجهته ( [1027] ) .

 $ 569 $

وإن كان صدر الحكم بالتحليف فى غيبة المكلف بالحلف ، وجب تكليفه بالحضور على يد محضر لحلف اليمين بالصيغة التى أقرتها المحكمة وفى اليوم الذى حددته . فإن حضر وامتنع عن الحلف والرد دون أن ينازع ، اعتبر ناكلاً . وإن تغيب ، تنظر المحكمة فى سبب غيابه ، فإن اعتبرته عذراً شرعياً جاز لها أن تحدد جلسة أخرى لحلف اليمين ، وإلا اعتبرت غيابة دون عذر شرعى نكولاً ( [1028] ) .

299 - أثر النكول : والنكول يكون بمثابة إقرار ، كما قدمنا ، وتكييفه هو تكييف الإقرار . فإذا نكل الخصم على الوجه المتقدم ذكره ، لم يجز له بعد ذلك أن يطلب السماح له بالحلف من جديد ، بل يحكم عليه عقب نكوله . فإن كان من نكل هو من وجهت إليه اليمين ، كسب من وجه اليمين دعواه . وإن كانت اليمين قد ردت على الخصم الذى وجهها ونكل هذا ، خسر دعواه ، فالدعوى التى يحلف عليها يكسبها المدعى بنكول خصمه ، ويخسرها برد اليمين عليه ونكوله ( [1029] ) .

ويكون الحكم على من نكل مانعاً للمحكوم عليه بعد ذلك أن يثبت صحة الواقعة التى نكل فيها عن الحلف ( [1030] ) و( [1031] ) .

 $ 570 $

المطلب الرابع

حجية اليمين الحاسمة

300 - حجية اليمين الحاسمة من حيث الحلف : اليمين الحاسمة ، كالإقرار ، حجيتها قاصر ، كما قدمنا ، سواء فى ذلك عند الحلف أو عند النكول .

أما من حيث الحلف ، فمن وجه اليمين واحتكم بذلك إلى ذمة خصمنه ، كان أثر هذا الاحتكام قاصراً عليه هو وورثته بصفتهم خلفاً عاماً له .

 $ 571 $

ولا يتعدى هذا الأثر إلى غير الخصم وورثته . فلا يتعدى إلى الشريك أو الورثة فيا بينهم أو المدين المتضامن . فلو وجه أحد الشركاء فى الشيوع اليمين إلى مدعى استحقاق الملك الشائع ، وحلف هذا ، كانت اليمين حجة على الشريك الذى وجه اليمين دون غيره من الشركاء . ولو وجه أحد الورثة اليمين إلى دائن التركة وحلف ، كانت اليمين حجة على الوارث الذى وجه اليمين دون غيره من الورثة . ولو وجه أحد المدينين المتضامين اليمين إلى الدائن وحلف ، كانت اليمين حجة على المدين الذى وجه اليمين دون غيره من المدينين ( م 295 فقرة 2 مدنى ) .

وإذا ادعى شخص ديناً على آخر ، فوجه المدعى عليه اليمين إلى المدعى فحلف ، كانت اليمين حجة على من وجهها ، ولا تكون حجة على دائنيه إذا طعنوا فى اليمين بالتطواطؤ . وإذا تنازع شخصان على عقار ، وباع أحدهما هذا العقار ، ثم وجه اليمين للمتنازع معه فحلف ، كانت اليمن حجة على من وجهها دون المشترى منه . أما إذا كان حلف اليمين قبل البيع ، كانت اليمين حجة على المشترى ( [1032] ) .

301 - حجية اليمين الحاسمة من حيث النكول : وأما من حيث النكول فحجية اليمين قاصرة قصورها من حيث الحلف . فمن نكل من الشركاء فى الشيوع ، كان نكوله حجة عليه دون سائر الشركاء . ومن نكل من الورثة ، كان نكوله حجة عليه دون سائر الورثة . ومن نكل من المدينين المتضامنين ، كان نكوله حجة عليه دون سائر المدينين ( م 295 فقرة 2 مدنى ) .

302 - تعارض قصور حجية اليمين مع قواعد أخرى : ولكن قد تتعارض القاعدة التى تقضى بقصور حجية اليمين مع قواعد أخرى ، فتتعدى $ 572 $ عند ذلك حجية اليمين . من ذلك أثر القاعدة التى تقضى بأن عمل احد المدينين المتضامنين يفيد الباقين . وقد قضت الفقرة الثالثة من المادة 295 مدنى بأنه " إذا اقتصر الدائن على توجيه اليمين إلى أحد المدينين المتضامين فحلف ، فإن المدينين الآخرين يستفيدون من ذلك " . فهنا تعدت حجية اليمين إلى سائر المدينين المتضامنين ( [1033] ) . ومن ذلك القاعدة التى تقضى بارتباط التزام الكفيل بالتزام الأصيل . فاليمين التى توجه إلى المدين الأصلى فيحلفها تبرئ ذمة الكفيل ، وكذلك اليمين التى توجه إلى الكفيل فى أصل الدين لا فى الكفالة فيحلفها تبرئ ذمة الأصيل ( [1034] ) .

 $ 573 $

الفرع الثانى

اليمين المتممة

303 - ما هى اليمين المتممة : اليمين المتممة هى يمين يوجهها القاضى من تلقاء نفسه لأى من الخصمين ، عندنا يرى أن هذا الخصم قدم دليلاً غير كاف على دعواه ، ليتمم الدليل باليمين . وقد جعل القانون للقاضى هذا – على خلاف العادة – دوراً إيجابياً فى الإثبات ( [1035] ) . فأباح له ، إذا لم يقدم أى من الخصمين دليلاً كافياً على ما يدعيه ، أن يختار منهما من يرجح عنده صدق قوله ، فيوجه إليه يميناً يتمم بها أدلته غير الكافية . ومن ثم سميت اليمين باليمين المتممة ( serment suppletif, suppletoire ) .

ونذكر منذ البداية أن اليمين المتممة تختلف اختلافاً جوهرياً عن اليمين $ 574 $ الحاسمة ، فى أن اليمين الأولى يوجهها القاضى لا الخصم ، ولا يوجهها إذا كانت الدعوى خالية من أى دليل ، ولا يتحتم عليه أن يأخذ بما تؤدى إليه من حلف أو نكول فقد يرفض طلب من حلفه ويجيب طلب من نكل . ثم إن مهمة اليمين المتممة غير مهمة اليمين الحاسمة ، فاليمين المتممة إنما توجه لاستكمال أدلة ناقصة ، أما اليمين الحاسمة فتقوم وحدها دليلاً يستبعد أى دليل آخر ( [1036] ) . وسنوعد إلى هذه الفروق بعد أن نفصل أحكام اليمين المتممة .

304 - تكييف اليمين المتممة : وهناك فرق جوهرى آخر بين اليمين المتممة واليمين الحاسمة . فقد رأينا فيما قدمناه أن توجيه اليمين الحاسمة من الخصم إلى خصمه هو تصرف قانونى بإرادة منفردة . أما توجيه اليمين المتممة من القاضى فهو ليس إلا واقعة مادية ، يلجأ إليها القاضى لاستكمال الأدلة . فتتمحض اليمين المتممة إذن طريقاً من طرق الإثبات ذات القوى المحدودة وذات الأثر التكميلى ، ولا تنطوى على أى تصرف قانونى .

ونتكلم فى اليمين المتممة ، كما فعلنا فى اليمين الحاسمة ، فى توجيه اليمين وفى الآثار التى تترتب على توجيهها . ونعقب ذلك بالكلام فى صور خاصة لليمين المتممة : يمين الاستيثاق ويمين الاستظهار ويمين التقويم .

 $ 575 $

1 - توجيه اليمين المتممة

305 - النصوص القانونية : تنص المادة 415 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " 1 - للقاضى أن يوجه اليمين من تلقاء نفسه إلى أى من الخصمين ليبنى على ذلك حكمه فى موضوع الدعوى أو فى قيمة ما يحكم به " .

 " 2 - ويشترط فى توجيه هذه اليمين ألا يكون فى الدعوى دليل كامل ، وألا تكون الدعوى خالية من أى دليل ( [1037] ) " .

ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق المادة 223 / 288 ( [1038] ) .

ويقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادة 121 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 482 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى المادتين 237 و 238 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 404 ( [1039] ) .

 $ 576 $

ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادتين 1366 و 1367 ( [1040] ) .

ونبحث هنا أيضاً ، كما بحثنا فى اليمين الحاسمة ، السائل الآتية : ( 1 ) من يوجه اليمين المتممة ( 2 ) لمن توجه ( 3 ) متى توجه ( 4 ) موضوعها ( 5 ) جواز الرجوع فيها .

306 - من يوجه اليمين المتممة : يوجهها القاضى من تلقاء نفسه ، لا الخصم . ولا يتقيد القاضى فى ذلك بطلب الخصوم ، فلو طلبها خصم فللقاضى أن يقدر هذا الطلب ، فيوجهها أو لا يوجهها . وله أن يوجهها ، كما قدمنا ، حتى لو لم يطلب الخصم توجيهها ( [1041] ) .

307 - لمن توجه اليمين المتممة : وتوجه لأى من الخصمين بحسب تقدير القاضى . فإن رأى القاضى أن أحد الخصمين - المدعى أو المدعى عليه – قدم أدلة على ادعائه فى الدعوى أو فى الدفع ( [1042] ) أرجح من أدلة الخصم الآخر وإن كانت فى ذاتها غير كافية ، ورأى إلى جانب ذلك أن هذا الخصم ذا الدليل $ 577 $ الراجح أولى بالثقة فيه والاطمئنان إليه ، وجه إليه هو ، دون الخصم الآخر ، اليمين المتممة ليستكمل أدلته بها . وإن رأى الخصمين متكافئين فى كل ما تقدم ، فالظاهر أنه يوجه اليمين المتممة إلى المطلوب من الخصمين لا الطالب ، لأن الأصل براءة الذمة ( [1043] ) . على أن القاضى فى كل هذا إنما يسير بحسب اقتناعه وبمقدار ما يطمئن إلى أى من الخصمين ، دون أن يتقيد بقاعدة معينة ، فمن من الخصمين رآه أجدر بالثقة حلفه اليمين ( [1044] ) .

ولا تشترط أهلية خاصة فى الخصم الذى توجه إليه اليمين . بل تكفى فيه أهلية التقاضى ، لأن اليمين المتممة ليست تصرفاً قانونياً ، بل هى وسيلة من وسائل التحقيق والإثبات كما قدمنا . وسنرى أنه لا يصح التوكيل فى حلف اليمين المتممة .

ولا يجوز توجيه اليمين المتممة إلى غير خصم أصلى فى الدعوى . فلا توجه إلى الدائن الذى يرفع الدعوى باسم مدينه ، بل توجه إلى هذا المدين بعد إدخاله فى الدعوى ( [1045] ) .

308 - متى توجه اليمين المتممة : توجه فى أية حالة كانت عليها الدعوى ، إلى أن يصدر حكم نهائى حائز لقوة الشئ المقضى . ويجوز توجيهها بعد إقفال باب المرافعة ، فيعيد القاضى القضية إلى المرافعة إذا رأى محلاً لذلك . كما يجوز توجيهها لأول مرة أمام المحكمة الاستئنافية ، فى أية حالة كانت عليها الدعوى على الوجه المتقدم الذكر .

 $ 578 $

ولكنها لا توجه إلى خصم إلا لاستكمال أدلته . فيجب إذن – كما يقول النص – ألا يكون فى الدعوى دليل كامل ، وألا تكون الدعوى خالية من أى دليل . أى يجب أن يكون فى الدعوى مبدأ ثبوت ( commencement de preuve ) بالكتابة أو بغير الكتابة على حسب الأحوال ( [1046] ) . ذلك أنه إذا كان فى الدعوى دليل كامل ، لم تصبح هناك حاجة لليمين المتممة ، وقضى لمصلحة صاحب هذا الدليل ( [1047] ) . وإذا كانت الدعوى خالية من أى دليل ، لم يصح توجيه ليمين المتممة لأى من الخصمين ، لأن هذه اليمين لا توجه إلا لاستكمال أدلة ناقصة ، فلا تحل مكان أدلة غير موجودة كما هو شأن اليمين الحاسمة ، وإنما يقضى فى هذه الحالة على الخصم الذى خلت دعواه من أى دليل .

والدليل الناقص الذى تكمله اليمين المتممة يختلف باختلاف ما إذا كان الادعاء يجوز إثباته بالبينة والقرائن أو لابد من الكتابة فى إثباته . فإذا كان الإثبات جائزاً بالبينة والقرائن ، فالدليل الناقص يصح أن يكون بينة أو قرائن ليست كافية لإقناع القاضى فيستكملها باليمين المتممة ، ويكون ذلك فى ادعاء لا تجاوز قيمته عشرة جنيهات وكذلك فى جميع المواد التجارية ( [1048] ) . أما إذا كان $ 579 $ الإثبات بالكتابة واجباً ، فالدليل الناقص يجب أن يكون مبدأ الثبوت بالكتابة ، لا مجرد بينة أو قرائن ، إلا فى الحالات التى تجوز فيها البينة والقرائن بدلاً من الكتابة لمسوغ قانونى ، كما إذا كان هناك مانع من الحصول على الكتابة أو فقدت الكتابة بسبب أجنبى بعد الحصول عليها ( [1049] ) و ( [1050] ) .

 $ 580 $

309 - موضوع اليمين المتممة : ولما كانت اليمين المتممة هى لتكملة دليل ناقص ، فالواقعة التى يحلف عليها الخصم هى تلك التى تكمل دليله ليثبت ادعاؤه ، دعوى كان أو دفعاً . فهى إذن لابد أن تكون واقعة غير مخالفة للقانون ولا للنظام العام ولا للآداب ، ويجب أن يكون من شأنها أن تكلم الدليل الناقص فى تقدير القاضى ( [1051] ) .

ويغلب أن تكون الواقعة التى يحلف عليها الخصم اليمين المتممة هى واقعة الادعاء بأجمعها ، كأن يحلف الدائن أن له فى ذمة المدين مبلغ كذا بسبب القرض ، فيستكمل بهذه اليمين مبدأ ثبوت بالكتابة قدمه الإثبات عقد القرض . ولكن لا شئ يمنع من أن تكون الواقعة مجرد قرينة من شأنها ، إذا ثبتت ، أن تضاف إلى أدلة أخرى موجودة فيثبت المدعى به بمجموع هذه الأدلة ( [1052] ) . مثل ذلك أن يحلف المدين يميناً متممة على أنه أقرض الدائن ، بعد حلول الدين المدعى به ، مبلغاً من المال ، ليستخلص من واقعة القرض قرينة تضاف إلى مبدأ ثبوت بالكتابة لإثبات براءة ذمته من الدين المدعى به .

كذلك يغلب أن تكون الواقعة التى يحلف عليها الخصم اليمين المتممة واقعة $ 581 $ شخصية . فإن لم تكن شخصية كان الحلف على عدم العلم ( [1053] ) . ذلك أن اليمين المتممة ، كاليمين الحاسمة ، قد تكون يميناً على عدم العلم . مثل ذلك أن يوجه القاضى اليمين المتممة إلى ورثة المدعى عليه يحلفون أنهم لا يعلمون أن مورثهم قد تسلم الوديعة المدعى بها من المدعى . وليست يمين عدم العلم هذه يمين استيثاق ضرورة ، شأنها فى ذلك شأن يمين عدم العلم الحاسمة ، ولكن يمين الاستيثاق هى التى قد تكون فى بعض صورها يميناً بعدم العلم . وسيأتى تفصيل ذلك عند الكلام فى يمين الاستيثاق .

310 - جواز الرجوع فى اليمين المتممة : واليمين المتممة يجوز الرجوع فيها دائماً . وقد رأينا أن القاضى هو الذى يوجهها . فإذا وجهها إلى أحد الخصمين ، ثم بدا له بعد ذلك أن يرجع ، بأن كشف عن أدلة جديدة أكملت الأدلة الناقصة أو نقضتها فلم يعد هناك مسوغ لتوجيه اليمين المتممة ، جاز له الرجوع . بل يجوز له الرجوع لمجرد أن يكون قد غير رأيه دون حاجة إلى الكشف عن أدلة جديدة ، فقد يعيد النظر فى تقدير الأدلة الموجودة فيراها كاملة وكان يظنها قبل توجيه اليمين ناقصة ، أو لا يرى فيها دليلاً بعد أن كان يظنها أدلة ناقصة ، فيرجع عندئذ عن توجيه اليمين المتممة بعد أن يكون قد وجهها .

وسنرى فيما يلى أنه حتى بعد أن يحلف الخصم اليمين المتممة لا يكون القاضى مقيداً أن يحكم بموجبها ، فقد يرى بعد النظر أن يحم ضد الخصم بعد أن حلف اليمين ، أو يحكم لمصلحته بعد أن نكل .

2 - الآثار التى تترتب على توجيه اليمين المتممة

311 - النصوص القانونية : تنص المادة 416 من تقنين المدنى على ما يأتى :

 $ 582 $

 " لا يجوز للخصم الذى وجه إليه القاضى اليمين المتممة أن يردها على الخصم الآخر ( [1054] ) " .

ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق . ولكن الحكم كان معمولاً به دون نص .

ويقابل النص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادة 124 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 485 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى المادة 239 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 405 ( [1055] ) .

ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادة 1368 ( [1056] ) .

312 - لا خيار لمن وجهت إليه اليمين المتممة فإما الحلف أو النكول : ويتبين من نص التقنين المدنى المصرى ألا خيار لمن وجهت إليه اليمين المتممة ، فهو إما أن يحلف أو ينكل ، ولا يستطيع أن يرد اليمين على الخصم الآخر . ذلك لأن اليمين موجهة إليه من القاضى لا من الخصم الآخر ، ولأنها وسيلة تكميلية لاقتناع القاضى وليست احتكاماً إلى ضمير الخصم حتى يجوز لهذا ردها ليحتكم هو إلى خصمه ( [1057] ) .

 $ 583 $

فالخصم الذى وجه إليه القاضى اليمين المتممة لا مناص له إذن من أحد موقفين : الحلف أو النكول ( [1058] ) . ونرى الآن ماذا يترتب من الأثر على كل من هذين الموقفين .

313 - حلف الخصم لليمين المتممة : يحلف الخصم اليمين المتممة بنفسه ، ولا يجوز له أن يوكل أحداً غيره فى الحلف ، شأن اليمين المتممة فى هذا الشأن اليمين الحاسمة . ذلك أن المقصود من الحلف ، فى الحالتين ، هو تأكيد الخصم لما يدعيه مع تعزيز التأكيد بالإيمان . وهو بعد لو ثبت حنثه فى يمينه ، كان معرضاً للعقوبة الجنائية المنصوص عليها فى المادة 301 من قانون العقوبات وقد تقدم ذكرها . ونص هذه المادة غير مقصور على اليمين الحاسمة ، بل يشمل كل يمين يلزم بها الخصم فى المواد المدنية فيحلفها كذباً . ومن ثم يتناول النص ، فوق اليمين الحاسمة ، اليمين المتممة ويمين الاستيثاق وغيرها من الأيمان التى يلزم بها الخصم فى المواد المدنية .

وكل ما ذكرناه فى كيفية حلف اليمين الحاسمة يسرى بالنسبة إلى حلف اليمين المتممة .

والغالب أن الخصم إذا حلف اليمين المتممة قضى لصالحه ، إن يكون بهذا $ 584 $ الحلف قد استكمل الأدلة التى كانت ناقصة ، وأقنع القاضى بصحة ادعائه ولكن إذا ثبت بحكم جنائى كذب اليمين ، جاز للخصم الآخر أن يطالب بتعويض مدنى ، وهذا دون إخلال بالطعن فى الحكم الذى صدر تأسيساً على اليمين المتممة بطريق التماس النظر . وقد رأينا أن هذا كله جائز فى اليمين الحاسمة ، فهو جائز من باب أولى فى اليمين المتممة . بل ويجوز ، فى اليمين المتممة ، أن يدعى الخصم طالب التعويض مدنياً فى الدعوى الجنائية التى ترفعها النيابة العامة ، كما يجوز له أن يرفع دعوى الجنحة المباشرة ( [1059] ) .

على أنه ليس حتماً على القاضى ، بعد أن يحلف الخصم اليمين المتممة ، أن يقضى لصالحه فقد يقع ، كما قدمنا ، أن القاضى ، بعد حلف اليمين وقبل النطق بالحكم ، يقف على أدلة جديدة تقنعه بأن ادعاء الخصم الذى حلف اليمين يقوم على غير أساس ، فيحكم ضده . بل ليس من الضرورى أن يكشف القاضى أدلة جديدة ، فقد يعيد النظر كما أسلفنا فى القضية ، بعد الحلف وقبل الحكم ، فيقتنع بغير ما كان مقتنعاً به عند توجيه اليمين المتممة ، فيقضى ضد من حلف ( [1060] ) .

 $ 585 $

بل إن القاضى ليقضى لمصلحة من حلف ، ثم يستأنف الحكم ، فترى محكمة الاستئناف رأياً آخر ، غذ هى لا تتقيد بتوجيه اليمين ولا بحلفها فى المحكمة الابتدائية . فقد ترى ألا محل لتوجيه اليمين المتممة ، لأن الأدلة قد أصبحت كافية ، أو كانت كافية من قبل ، أو أن الأدلة معدومة بحيث لا يجوز توجيه هذه اليمين . وحتى إذا رأت أن توجيه اليمين المتممة كان مستساغاً ، فقد ترى أن الخصم الذى كان يجب أن توجه إليه هذه اليمين هو الخصم الآخر ، فتوجهها له لأول مرة فى الاستئناف ، وتغفل اليمين الأخرى التى كانت المحكمة الابتدائية قد وجهتها . بل قد لا تعدل محكمة الاستئناف عن توجيه اليمين المتممة إلى الخصم الذى وجهتها إليه المحكمة الابتدائية ، ولكنها لا تتقيد بموجبها ولا تقتنع بما اقتنعت به المحكمة الابتدائية ، فلا تقضى لمصلحة من حلف اليمين ( [1061] ) .

314 - نكول الخصم عن اليمين المتممة : أما إذا نكل الخصم الذى وجهت إليه اليمين المتممة ، فإن الأدلة الناقصة التى كان قد قدمها لإثبات ادعائه $ 586 $ تبقى ناقصة كما كانت ، بل إن الريبة لتزداد فى صحة ادعائه بعد أن نكل . من أجل ذلك يغلب أن يقضى ضده ( [1062] ) .

ولكن ليس من المحتم هنا أيضاً أن يقضى ضده . فقد تظهر بعد نكوله أدلة جديدة تكمل أدلته الناقصة ، فيقضى لصالحه بالغرم من النكول . بل قد لا تظهر أدلة جديدة ، ولكن القاضى يعيد النظر فى الأدلة التى كان يحسبها ناقصة ، فيرجع عن رأيه ويقدر أنها أدلة كافية ، فيقضى هنا أيضاً لصالحه .

وإذا حكم القاضى ضد الخصم الذى نكل – كما هو الغالب - فقد يستأنف الخصم هذا الحكم . وعند ذلك يكون لمحكمة الاستئناف من الحرية فى التقدير ما كان للمحكمة الابتدائية . فقد تقضى لصالحة بالرغم من نكوله . وقد توجه إليه اليمين المتممة مرة أخرى ، فيحلفها أو ينكل . وفى الحالتين لها حق التقدير على النحو الذى قدمناه . وقد ترى محكمة الاستئناف أن توجه اليمين المتممة إلى الخصم الآخر ، ثم تقضى له أو عليه ، حلف أو نكل ، وفقاً لما تراه .

ونرى من ذلك أن النكول عن اليمين كحلفها لا يقيد القاضى . فليست اليمين المتممة تحكيماً كاليمين الحاسمة ، بل هى إجراء من إجراءات التحقيق ودليل إثبات تكميلى ذو قوة محدودة .

315 - الفروق الجوهرية بين اليمين الحاسمة اليمين المتممة : وقد آه أن نلخص الفروق الجوهرية بين اليمين الحاسمة واليمين المتممة ، ومردها جميعاً يرجع إلى أن اليمين الحاسمة تحكيم يتقيد به الخصوم والقاضى ، أما اليمين المتممة فوسيلة تكميلية من وسائل التحقيق والإثبات لا يتقيد بها أحد . ويترتب على هذا الأصل الفروق الجوهرية الآتية بين اليمينين :

( أولاً ) اليمين الحاسمة يوجهها الخصم تحت رقابة القاضى . أما اليمين المتممة فيوجهها القاضى وحده .

( ثانياً ) لا يجوز للخصم الرجوع فى اليمين الحاسمة بعد أن يقبلها الخصم $ 587 $ الآخر . وللقاضى أن يرجع عن توجيه اليمين المتممة فى أى وقت بعد توجيهها .

( ثالثاً ) اليمين الحاسمة نتائجها محتمة : يكبس من يحلفها ، ويخسر من ينكل عنها ، أما ليمين المتممة فليست لها نتائج محتمة ، ولا يتقيد القاضى بموجبها حلفها الخصم أو نكل .

( رابعاً ) اليمين الحاسمة يجوز ردها على الخصم الآخر ، أما اليمين المتممة فلا ترد ( [1063] ) .

3 - صور خاصة من اليمين المتممة

( يمين الاستيثاق ويمين الاستظهار ويمين التقويم )

316 - تقسيم لليمين المتممة : كل الذى قدمناه من الأحكام إنما هو عن اليمين المتممة الأصلية . ذلك أن لليمين المتممة صوراً أخرى خاصة ، يدخل فيها على الأحكام التى قدمناها كثير من التحوير .

ويمكن – للإيضاح – تقسيم اليمين المتممة إلى يمين متممة أصلية ( serment suppletif, suppletoire ) ويمين استيثاق ويمن استظهار ( serment liberatoire ) ويمين تقويم ( serment en plaids, ad litem, estimatoire ) .

فاليمين المتممة الأصلية ، كاليمين الحاسمة ، تكون إما على واقعة شخصية وإما على عدم العلم . فإذا كانت على عدم العلم سميت يمين عدم العلم ( serment de credulite, de credibilite ) .

وكل من يمين الاستيثاق ويمين الاستظهار يمين توجه فى أحوال معينة ، على النحو الذى سنبينه ، على أن أحكام اليمين المتممة الأصلية لا تسرى على أى من هاتين اليمينين إلا بعد تحوير كبير . فتوجيه اليمين هنا إجبارى على القاضى ، وهو جوازى فى اليمين المتممة الأصلية . والذى توجه إليه اليمين هنا $ 588 $ هو أحد الخصمين بالذات يعنيه القانون ، واليمين المتممة الأصلية توجه لأى من الخصمين . ولا يملك القاضى هنا إلا أن يقضى لمصلحة من حلف اليمين ، وهو لا يتقيد بذلك فى اليمين المتممة الأصلية . وهذه الفروق تقرب يمين الاستيثاق ويمين الاستظهار من اليمين الحاسمة ، وتبعدهما عن اليمين المتممة ( [1064] ) . ولكن مهمة كل من هاتين اليمينين هى التى تلحقها باليمين المتممة ، إذ هى إتمام دليل يراه القاضى ناقصاً فيريد أن يستكمله بهذه اليمين .

ويمين التقويم يمين خاصة لا توجه إلا فى تقويم شئ معين عند ما يستعصى تقوميه عن طريق آخر . وهى أيضاً تنحرف فى أحكامها عن أحكام اليمين المتممة الأصلية فى أنها لا توجه إلى المدعى ، وفى أن موضوعها لا يكون إلا التقويم .

ونستعرض الآن هذه الصور الخاصة من اليمين المتممة : يمين الاستيثاق ويمين الاستظهار ويمين التقويم ( [1065] ) .

317 - يمين الاستيثاق : هذه اليمين توجه فى أحوال ثلاثة نص عليها القانون ، وفى بعضها تكون يميناً على عدم العلم :

( أولاً ) نصت الفقرة الثانية من المادة 378 من التقنين المدنى على أنه " يجب على من يتمسك بأن الحق قد تقادم بسنة ( [1066] ) أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين $ 589 $ فعلا . وهذه اليمين يوجهها القاضى من تلقاء نفسه . وتوجه إلى ورثة المدين أو أوصيائهم ، إن كانوا قصراً ، بأنهم لا يعلمون بوجود الدين أو يعلمون بحصول الوفاء ( [1067] ) " .

فالقانون هنا ، بعد أن جعل بعض الحقوق تتقادم بمدة قصيرة جداً هى سنة فقط ، وجعل من هذا التقادم قرينة على الوفاء ، أراد أن يعزز هذه القرينة – وقد اعتبرها دليلاً غير كامل - بيمين متممة يحلفها المدين على واقعة شخصية له ، هى أداؤه الدين فعلاً . فإذا كان قد مات ، حلفت الورثة ، أو أوصيائهم إن كانت الورثة قصراً ، يمين عدم العلم بأنهم لا يعلمون بوجود الدين ، أو يمين العلم بأنه يعلمون بحصول الوفاء . ونرى من ذلك أن يمين الاستيثاق تكون فى بعض صورها يميناً على واقعة شخصية ، وفى صور أخرى يميناً على عدم العلم ، ونبقى فى الحالتين يمين استيثاق . وقد رأينا كذلك فيما تقدم أن يمين عدم العلم لا تختص بيمين الاستيثاق ، بل هى قد تكون أيضاً فى اليمن الحاسمة وفى اليمين المتممة الأصلية . فلا يجوز إذن الخلط ما بين عدم العلم ويمين الاستيثاق ، وقد سبق أن نبهنا إلى ذلك .

وخصائص يمين الاستيثاق فى الحالة التى نحن بصددها أنها يمين إجبارية ، لابد للقاضى من أن يوجهها إلى المدين أو إلى ورثته . وتوجه إلى هؤلاء دون الدائن . وإذا حلفها من وجهت إليه كسب الدعوى حتما . على أنها تبقى بعد كل ذلك فى نظرنا يميناً متممة لا يميناً حاسمة . فهى تختلف اختلافاً جوهرياً عن اليمين الحاسمة فى أنها ليست هى الدليل الوحيد فى الدعوى ، بل هى دليل تكميلى يعزز الدليل الأصلى وهى قرينة الوفاء المستخلصة من انقضاء سنة على وجود الدين . $ 590 $ على أن هناك رأياً يذهب إلى أن اليمين هنا يمين حاسمة إجبارية يوجهها القاضى من تلقاء نفسه فى حق تقادم بمدة قصيرة . والتقادم يقوم على أساس قرينة الوفاء ، فهى قرينة قانونية قاطعة لا يجوز دحضها إلا بالإقرار أو بالنكول عن هذه اليمين . وسنعود إلى هذا الرأى عند الكلام فى القرائن القانونية القاطعة .

( ثانيا ) نصت المادة 194 / 201 من التقنين التجارى على أن " الأوراق المحررة لأعمال تجارية يسقط الحق فى إقامة الدعوى بها بمضى خمس سنوات . وإنما على المدعى عليهم تأييد براءة ذمتهم بحلفهم اليمين على أنه لم يكن فى ذمتهم شيء من الدين إذا دعوا للحلف . وعلى من يقوم مقامهم أو ورثتهم أن يحلفوا يميناً على أنهم معتقدون حقيقة أنه لم يبق شيء مستحق من الدين " .

فهذا النص أيضاً كالنص السابق يجعل بعض الحقوق التجارية تتقادم بمدة قصيرة هى خمس سنوات . وقد جعل القانون من هذا التقادم قرينة على الوفاء . ولكنه اعتبر هذه القرينة دليلا غير كامل ، فرأى أن يعززها ، إذا طلب الدائن ذلك ، بيمين متممة يحلفها المدين على أن ليس فى ذمته شيء من الدين ، أو يحلفها ورثته ، وهنا يحلفون على أكثر من عدم العلم ، إذ يحلفون على أنهم معتقدون حقيقة أنه لم يبق شيء مستحق من الدين .

ويمين الاستيثاق هذه ليست بإجارية ، ولكن طلبها موكول إلى الدائن لا إلى القاضى . وتوجه إلى المدين أو ورثته دون الدائن . وإذا حلفها من وجهت إليه كسب الدعوى حتما( [1068] ) . ولكنها مع ذلك يمين متممة ، لأنها دليل تكميلى $ 591 $ يعزز دليلا أصلياً فى الدعوى ، هو قرينة الوفاء المستخلصة من انقضاء خمس سنوات على وجود الدين ( [1069] ) .

( ثالثا ) نصت المادة 394 من التقنين المدنى على أن " تعتبر الورقة العرفية صادرة ممن وقعها ، ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة . أما الوارث أو الخلف فلا يطلب منه الإنكار ، ويكفى أن يحلف يميناً بأنه لا يعلم أن الخط أو الإمضاء أو الختم أو البصمة هى لمن تلقى عن الحق " .

وهذا النص يختلف عن سابقيه . فهو يتكلم عن يمين تتمحض فى أنها يمين على عدم العلم . ثم إنها لا تعزز دليلا أصلياً فى الإثبات ، بل هى تساعد الورثة على اتخاذ موقف المنكر للورقة العرفية . فهى لا تثبت شيئاً ، ولكنها تنشئ موقفاً . بيد أنها على كل حال يمين متممة من نوع خاص ، إذ يستكمل بها من حلفها الشروط $ 592 $ القانونية اللازمة لدفع حجية الورقة العرفية فى الإثبات . ومن هذه الناحية وحدها يمكن اعتبارها ، فى كثير من التجوز ، يمين استيثاق( [1070] ) .

318 - يمين الاستظهار : هذه اليمين لا وجود لها فى التقنين المدنى المصرى ، ومن ثم لا نطبق أحكامها عندنا . وهى موجودة فى التقنين المدنى العراقى ، أخذها عن الفقه الإسلامى( [1071] ) . فقد نصت المادة 484 من هذا التقنين على ما يأتى :

 $ 593 $

 " تحلف المحكمة من تلقاء نفسها في الأحوال الآتية : أ – إذا ادعى أحد في التركة حقاً وأثبته ، فتحلفه المحكمة يمين الاستظهار على أنه لم يستوف هذا الحق بنفسه ولا بغيره من الميت بوجه ، ولا أبرأه ، ولا أحاله على غيره ، ولا استوفى دينه من الغير ، وليس للميت في مقابلة هذا الحق رهن . ب – إذا استحق أحد المال واثبت دعواه ، حلفته المحكمة على أنه لم يبع هذا المال ، ولم يهبه لأحد ، ولم يخرجه من ملكه بوجه من انلوجوه . ج – إذا أراد المشتري رد المبيع لعيب ، حلفته المحكمة على أنه لم يرض بالعيب صراحة أو دلالة " . ثم نقل قانون البينات السوري ( م 123 ) هذا النص وأضاف إليه حالة رابعة هي : " إذا طالب الشفيع بالشفعة حلفته المحكمة بأنه لم يسقط حق شفعته بوجه من الوجوه " .

وهذه الحقوق المذكورة في النص تجتمع في إنها تنطوي على شيء من الخفاء فمن يدعى في التركة حقاً ، ومعه الدليل الذي يثبت هذا الحق ، لا يواجه خصمه الحقيقي ، وهو الميت ، ليبدي هذا ما عنده من دفوع لهذا الحق . والورثة قد يجهلون هذه الدفوع أو يجهلون بعضها . لذلك عندما يقيم المدعى الدليل على حقه في التركة ، يعتبر القانون هذا الدليل غير كامل ، ويوجب تعزيزه بيمين متممة ، هي يمين الاستظهار ، على أن المدعى لمي ستوف حقه بأية صورة من الصور . والمستحق للمال إنما قدم دليلا نسبياً على الملك . فيبقى أن يعزز هذا الدليل بيمين متممة ، هي يمين الاستظهار ، على أن المال لم يخرج من ملكه بوجه من لاوجه . والمشتري الذي يرد المبيع ليعب ، ويقدم الدليل على هذا العيب ، يحتمل أن يكون قد رضى به . فعليه أن يعزز دليله بيمين متممة ، هي يمين الاستظهار ، على أنه لم يرض بالعيب صراحة أو دلالة . والشفيع عندما يطالب بالشفعة يحتمل أن يكون قد اسقط شفعته فعليه اني عزز مطالبته بيمين متممة ، هي يمين الاستظهار ، على أنه لم يسقط حق شفعته بحال من الأحوال .

فيمين الاستظهار في الأحوال المنصوص عليها إنما هي ، كما نراها ، يمين متممة . ولكنها يمين متممة لها خصائص يمين الاستيثاق : فهي يمين اجبارية ، يوجهها القاضي إلى خصم بالذات يعينه القانون ، وإذا حلفها الخصم كسب حتما دعواه .

319 – يمين التقويم – النصوص القانونية : تنص المادة 417 $ 594 $ من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " 1 - لا يجوز للقاضى أن يوجه إلى المدعى اليمين المتممة لتحديد قيمة المدعى به إلا إذا استحال تحديد هذه القيمة بطريقة أخرى " .

 " 2 - ويحدد القاضى ، حتى فى هذه الحالة ، حداً أقصى للقيمة التى يصدق فيها المدعى بيمينه( [1072] ) " .

وهذا نص استحدثه التقنين المدنى الجديد . ويقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادة 122 ، وفى التقنين المدنى العراقى 483 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى المادة 240 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 406( [1073] ) . ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادة 1369( [1074] ) .

 $ 595 $

وموضوع يمين التقويم هو ، كما نرى من النص ، تقدير قيمة شيء واجب ترد وتعذر رده ، فيقضى بقيمته . مثل ذلك وديعة أو عارية هلكت بتعد ، يقضى بقيمتها للمودع أو المعير . ومثل ذلك أيضاً بيع أو إيجار فسخ ، وتعذر رد المبيع أو العين المؤجرة بتقصير من المشترى أو المستأجر ، فيقضى بالقيمة للبائع أو المؤجر ( [1075] ) . ولكن هذه القيمة استحال تقديرها بأى طريق –ولو بطريق الخبراء على أساس تعيينها بالوصف - فلم يعد مناص من الرجوع فى قيمتها إلى المدعى ، فيوجه إليه القاضى يمين التقويم . ومن هنا نرى أن الخصم الذى توجه إليه هذه اليمين المتممة هو دائماً المدعى الذى يطالب باسترداد الشيء( [1076] ) ، دون المدعى عليه المطلوب منه الرد . ثم أن موضوع اليمين هو دائماً المبلغ الذى يقدر به المدعى قيمة الشيء المطلوب رده ، على ألا يجاوز هذا المبلغ حداً أقصى بعينه القاضى بحسب تقديره وفقاً لما يستلخصه من ظروف الدعوى ( [1077] ) . وفى هاتين الخصيتين تختلف أحكام يمين التقويم عن أحكام اليمين المتممة الأصلية .

 $ 596 $

ولكن أحكام هذه اليمين تتفق مع أحكام اليمين المتممة الأصلية فى أنها لا يجوز ردها على الخصم الآخر ، وفى أن القاضى لا يتقيد بموجبها . فللقاضى أن يحكم بأقل من المبلغ الذى حلف عليه الخصم أو بأكثر ، لاسيما إذا قدم أحد الخصمين بعد الحلف عناصر جديدة يستطيع القاضى أن يستهدى بها فى تقدير قيمة الشيء . كذلك للمحكمة الاستئنافية أن تنقص أو تزيد فى المبلغ الذى قضت به المحكمة الابتدائية ( [1078] ) .

ولما كان النص مستحدثاً كما قدمنا ، فلا يكون له أثر رجعى ، وهو لا يسرى بما له من خصائص يختلف فيها عن اليمين المتممة الأصلية ، إلا من 15 من شهر أكتوبر سنة 1949 ، عن التزامات بالرد نشأت منذ هذا التاريخ .

 $ 597 $

الفصل الثالث

القرائن القانونية وحجية الأمر المقضى

320 - موضوعان للبحث : عرض الفصل الثالث فى الإثبات ، من التقنين المدنى ، للقرائن ، فتناول القرائن القانونية ، وذكر من بينها حجية الأمر المقضى وارتباط القاضى المدنى بالحكم الجنائى . ثم تناول القرائن القضائية .

ولما كنا قد فرغنا من الكلام فى القرائن القضائية فيما تقدم ، وتناولنا موضوع ارتباط القاضى المدنى بالحكم الجنائى فى الجزء الأول من هذا الكتاب ( [1079] ) ، فلا يبقى للبحث إلا موضوعان :

( 1 ) القرائن القانونية .

( 2 ) حجية الأمر المقضى ، وهى قرينة من أبرز القرائن القانونية .

ونتناول كلا من هذين الموضوعين .

الفرع الأول

القرائن القانونية

321 - النصوص القانونية : تنص المادة 404 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " القرينة القانونية تعفى من تقررت لمصلحته عن أية طريقة أخرى من طرق الإثبات . على أنه يجوز نقض هذه القرينة بالدليل العكس ، ما لم يوجد نص يقضى بغير ذلك( [1080] ) .

 $ 598 $

ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق . على أن الأحكام تكاد تكون واحدة فى القانونين القديم والجديد ، إلا أن التقنين الجديد حسم الأمر فى خصوص القرينة القاطعة أو المطلقة ، فقرر ، كما نرى ، أن القرينة لا تكون قاطعة إلا بنص القانون ، أى إلا إذا نص القانون على أنها لا تقبل النقض .

ويقابل النص فى التقنينات العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادة 89 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 502 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى المادتين 303 و 306 ، وفى التقنين الليبى المادة 392( [1081] ) .

ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادتين 1350 و 1352( [1082] ) .

 $ 599 $

ونتكلم فى مسالتين :

( 1 ) ركن القرينة القانونية والمهمة التى تقوم بها هذه القرينة .

( 2 ) حجية القرينة القانونية فى الإثبات .

المبحث الأول

ركن القرينة القانونية والمهمة التى تقوم بها هذه القرينة

322 - ركن القرينة القانونية هو نص القانون – القرينة القانونية والقرينة القضائية : قدمنا ، عند الكلام فى القرائن القضائية ، أن للقرينة القضائية عنصرين :

( 1 ) واقعة ثابتة يختارها القاضى وتسمى علامة أو أمارة ( indice ) .

( 2 ) وعملية استنباط يقوم بها القاضى ليصل من هذه الواقعة الثابتة إلى الواقعة المراد إثباتها . وقلنا إن هذين العنصرين هما من عمل القاضى : الواقعة الثابتة هو الذى يختارها ، وعملية الاستنباط هو الذى يجريها . وللقاضى سلطة واسعة فى كل ذلك .

 $ 600 $

أما القرينة القانونية فعلى العكس من ذلك لا عمل فيها للقاضى ، بل أن العمل كله للقانون . فركن القرينة القانونية هو نص القانون وحده . فهو الذى يختار العنصر الأول ، أى الواقعة الثابتة . وهو الذى يجرى عملية الاستنباط فيقول : ما دامت هذه الواقعة قد ثبت ، فإن واقعة أخرى معينة تثبت بثبوتها . مثل ذلك ما تنص عليه المادة 91 من التقنين المدنى من أن وصول التعبير عن الإرادة إلى التعبير عن الإرادة . ويستنبط منها القانون واقعة أخرى ، هى العلم بهذا التعبير ، يعتبرها القانون هى أيضاً ثابتة . وقس على ذلك القرائن القانونية التى أقامها التقنين المدنى فى المادتين 238 و 239 وغيرهما من النصوص .

فعنصر القرينة القانونية إذن هو نص القانون ، ولا شيء غير ذلك . ولا يمكن أن تقوم قرينة قانونية بغير نص من القانون . وإذا وجد النص ، فقامت القرينة القانونية ، فإنه لا يمكن أن يقاس عليها قرينة قانونية أخرى بغير نص ، اعتماداً على المماثلة أو الأولوية . بل لابد من نص خاص أو مجموع من النصوص لكل قرينة قانونية ( [1083] ) .

ولا سلطة للقاضى فى القرينة القانونية كما قدمنا . ويغلب أن تكون القرينة $ 601 $ القانونية فى الأصل قرينة قضائية ، انتزعها القانون لحسابه ، فنص عليها ، وحدد مداها ، ونظم حجيتها ، ولم يدع للقاضى فيها عملا ( [1084] ) . فالحقيقة القضائية هنا هى من عمل القانون وحده ، يفرضها على القاضى وعلى الخصوم . وذلك على خلاف الحقيقة القضائية المستمدة من القرينة القضائية ، فهى من عمل القاضى ( [1085] ) .

ومن هنا تتبين خطورة القرائن القانونية . فهى ، وإن كانت تقام على فكرة ما هو راجع الوقوع ( idée de probabilite ) ، يقيمها القانون مقدماً ، ويعممها ، دون أن تكون أمامه الحالة بالذات التى تطبق فيها كما هو الأمر فى القرائن القضائية . ومن ثم تتخلف حالات –تتفاوت قلة وكثرة - لا تستقيم فيها القرينة القانونية( [1086] ) .

 $ 602 $

323 - مهمة القرينة القانونية هى الإعفاء من الإثبات : وتختلف القرينة القضائية عن القرينة القانونية فى أن الأولى تعتبر دليلا إيجابياً فى الإثبات ، وإن كانت دليلا غير مباشر . هى أولا دليل إيجابى : لأن الخصم يتوسل بها إلى إثبات دعواه ، وعليه هو أن يستجمع عناصرها ويلم شتاتها ويتقدم إلى القاضى باستنباط الواقعة المراد استخلاصها منها ، والقاضى بعد حر فى مسايرة الخصم ، فقد يسلم بثبوت الواقعة التى هى أساس القرينة وقد لا يسلم ، وقد يقر استنباط الخصم وقد لا يقر ، ولكنه على كل حال ليس ملزماً أن يستجمع هو بنفسه القرائن وأن يستخلص منها دلالتها ، بل على الخصم يقع عبء تقديم القرينة ، وإن كان للقاضى أن يأخذ من تلقاء نفسه بقرينة فى الدعوى لم يتقدم بها الخصم . والقرينة القضائية ثانياً دليل غير مباشر : لأن الواقعة الثابتة ليست هى نفس الواقعة المراد إثباتها ، بل واقعة أخرى قريبة منها ومتعلقة بها ، بحيث إن ثبوت الواقعة الأولى على هذا النحو المباشر يعتبر إثباتاً للواقعة الثانية على نحو غير مباشر .

أما القرينة القانونية فهى ليست دليلا للإثبات ، بل هى إعفاء منه ( Disqense de Preuve ) . فالخصم الذى تقوم لمصلحته قرينة قانونية يسقط عن كاهله عبء الإثبات ، إذا القانون هو الذى تكفل باعتبار الواقعة المراد إثباتها $ 603 $ ثابتة بقيام القرينة ، وأعفى الخصم من تقديم الدليل عليها . وتستوى فى ذلك القرينة القانونية القاطعة والقرينة القانونية البسيطة ، فسنرى أن القرينة القانونية البسيطة هى أيضاً إعفاء من الإثبات ، وأن جواز إقامة الدليل على عكسها ليس إلا نزولا على أصل من أصول الإثبات يقضى بجواز نقض الدليل بالدليل .

والقرينة القانونية تعفى من الإثبات فى الدائرة التى رسمها لها القانون ، ولو فى تصرف قانونى تزيد قيمته على عشرة جنيهات ، أى فى دائرة لا تقبل فيها القرينة القضائية .

324 - ولكن يجب على الخصم إثبات الواقعة التى تقوم عليها القرينة القانونية : على أن القرينة القانونية إذا كانت إعفاء من إثبات الواقعة المراد إثباتها ، فهى ليست إعفاء من إثبات الواقعة التى تقوم عليها القرينة ، والتى يعتبر القانون أن إثباتها هو إثبات للواقعة الأولى .

مثل ذلك أن التقنين المدنى ، فى المادة 587 ، يقضى بأن الوفاء بقسط من الأجرة قرينة على الوفاء بالأقساط السابقة على هذا القسط . فالقانون هنا أقام قرينة قانونية على واقعة الوفاء بقسط سابق من الأجرة ، وأقامها على واقعة الوفاء بقسط لاحق . فواقعة الوفاء بقسط سابق هى الواقعة المراد إثباتها ، وقد اعتبرها القانون ثابتة وأعفى المستأجر من إثباتها . وواقعة الوفاء بقسط لاحق هى الواقعة التى تقوم عليها القرينة ، ولم يعف القانون المستأجر من إثباتها ، بل يجب على هذا أن يثبتها وفقاً للقواعد العامة ( [1087] ) . فإن كان القسط اللاحق لا يزيد على عشرة جنيهات كان للمستأجر أن يثبت الوفاء به جميع الطرق ، وإن زاد على هذا المبلغ لم يجز إثبات الوفاء به إلا بالكتابة .

 $ 604 $

325 - فالقرينة القانونية هى نقل الإثبات من محل إلى آخر : ونرى من ذلك أن القرينة القانونية ليست فى الواقع إلا نقلا للإثبات من محله الأصلى إلى محل آخر ( Deplacement de Preuve ) . فالواقعة المراد إثباتها –وهى المحل الأصلى - يزحزح القانون عنها الإثبات ، ويحوله إلى واقعة أخرى قريبة منها . فإذا ثبتت هذه الواقعة الأخرى ، اعتبرت الواقعة الأولى ثابتة بحكم القانون .

326 - الحكمة فى القرائن القانونية : وترجع الحكمة فى النص على القرائن القانونية إلى أمور ، منها ما يتعلق بالمصلحة العامة ، ومنها ما يتعلق بمصالح الأفراد .

أما ما يتعلق بالمصلحة العامة ، فقد يكون ذلك :

( 1 ) لتحقيق هذه المصلحة ، كما هو الأمر فى حجية الأمر المقضى . فقد وضع الشارع قرينة قانونية تقضى بأن الحكم صحيح فيما قضى به ، فلا تجوز العودة إلى مناقشته إلا بطريق من طرق الطعن المقررة . ولو لم يفعل الشارع ذلك لأصبحت الأحكام القضائية مقلقلة مزعزعة ، ولما اطمأن المحكوم له إلى حقه الثابت بالحكم ، فوجب وضع هذه القرينة القانونية تحقيقاً لمصلحة عامة . هى احترام الأحكام ووضع حد للخصومة والنزاع .

( 2 ) لتضييق السبل على من يحاول الاحتيال على القانون . ذلك أن القانون قد يضع أحكاماً يعتبرها من النظام العام ، ويحتاط حتى لا تخالفها الناس فى تعاملها ولو بطريق غير مباشر ، فيضع قرائن قانونية تبطل ضروباً من التعامل تراد بها مخالفة هذه الأحكام . مثل ذلك القاعدة التى تقضى بأن الوصية لا يجوز أن تزيد على ثلث التركة ، قد تحتال الناس على مخالفتها بتسمية الوصية بيعاً أو هبة أو أى تصرف قانونى آخر . فوضع الشارع قرينة قانونية ، فى المادة 916 من التقنين المدنى ، تقضى بأن " كل عمل قانونى يصدر من شخص فى مرض الموت ، ويكون مقصوداً به التبرع ، يعتبر تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت ، وتسرى عليه أحكام الوصية أيا كانت التسمية التى تعطى لهذا التصرف " . فجعل صدور التبرع $ 605 $ فى مرض الموت قرينة على أن التبرع وصية ( [1088] ) .

وأما ما يتعلق بمصالح الأفراد ، فقد يكون ذلك :

( 1 ) لتعذر الإثبات فى بعض الأحوال تعذراً قد يصل على درجة الاستحالة ، فيعمد الشارع إلى وضع قرينة تعفى من هذا العبء . مثل ذلك مسئولية المتبوع عن تابعه ، فهى –كما يقال - مبنية على خطأ مفترض : علاقة التبعية وكون خطأ التابع قد وقع فى حال تأدية وظيفته أو بسبها قد جعلهما الشارع قرينة قانونية على الخطأ الصادر من المتبوع فى الرقابة على أعمال تابعه ، لتعذر إثبات هذا الخطأ فى أكثر الأحوال . ومثل ذلك أيضاً القاعدة التى تقضى بأن الولد للفراش ، فابن المرأة المتزوجة هو ابن زوجها ، والزوجية قرينة قانونية على بنوة الابن لأبيه ، لتعذر إثبات البنوة من الأب ( [1089] ) .

( 2 ) للأخذ بالمألوف المتعارف بين الناس . فإذا جعل الشارع المخالصة بالأجرة عن قسط لاحق قرينة على الوفاء بالقسط السابق ، فذلك لأن المألوف بين الناس فى التعامل هو أن المؤجر لا يعطى المستأجر مخالصة عن قسط لاحق إلا بعد أن يكون قد استوفى جميع الأقساط السابقة ( [1090] ) .

المبحث الأول

حجية القرينة القانونية فى الإثبات

327 - القرينة القانونية القاطعة والقرينة القانونية غير القاطعة : قدمنا أن القرينة القانونية هى إعفاء من الإثبات . فالخصم الذى تقوم القرينة القانونية لصالحه معفى من إثبات الواقعة التى يستخلصها القانون من هذه القرينة .

 $ 606 $

ولكن لما كان الأصل هو أن كل دليل يقبل إثبات العكس ، فالدليل الكتابى يقبل إثبات العكس بدليل كتابى مثله ، والبينة تقبل إثبات العكس بينة مثلها أو بدليل كتابى ، والقرائن القضائية تقبل إثبات العكس بقرائن مثلها أو بينة أو بدليل كتابى ، وذلك كله وفقاً لمبدأ أساسى فى الإثبات هو حرية الدفاع ، ( Liberte de defense ) ، فإن هذا يؤدى بنا إلى النتيجة الآتية : كل قرينة قانونية –وقد أثبتت واقعة معينة - تقبل فى الأصل إثبات عكس هذه الواقعة( [1091] ) وإذا كان الدليل الكتابى والبينة –وهما يثبتان الواقعة بطريق مباشر - يقبلان إثبات العكس ، فأولى بالقرينة القانونية –وهى تقتصر على الإعفاء من الإثبات - أن تقبل هى الأخرى إثبات العكس( [1092] ) .

ويتبين من ذلك أن الأصل فى القرينة القانونية أن تكون غير قاطعة ، $ 607 $ أى أنها تقبل إثبات العكس . فإذا هى لم تقبل إثبات العكس ، فذلك هو الاستثناء ( [1093] ) .

فمتى إذن نعتبر استثناء أن القرينة قاطعة؟ يقودنا هذا إلى الكلام فى القرينة القاطعة ثم فى القرينة غير القاطعة .

المطلب الأول

القرينة القانونية القاطعة أو المطلقة

( Presomption irrefragable, absolue, Juris et de Jure )

328 - التقنين المدنى الفرنسى : حاول التقنين المدنى الفرنسى أن يضع معياراً للقرينة القانونية القاطعة ، فنص فى الفقرة الثانية من المادة 1352 على أنه " لا يجوز إثبات ما ينقض القرينة القانونية إذا كان القانون يبطل على أساسها بعض التصرفات أو يجعل الدعوى غير مقبولة ، هذا ما لم يحفظ القانون الحق فى إقامة الدليل العكسى ، وذلك مع عدم الإخلال بما سيتقرر فى خصوص اليمين والإقرار القضائيين " .

ويمثل الفقهاء الفرنسيون للقرينة القانونية التى يبطل القانون على أساسها تصرفاً قانونياً بالمادة 911 من التقنين المدنى الفرنسى ، وتنص على أن " كل تبرع صادر لعديم الأهلية يكون باطلا ، سواء ستر فى صورة عقد معارضة أو صدر لشخص مسخر ( Personne interpose ) . ويعتبر شخصاً مسخراً لعديم الأهلية أبوه وأمه وأولاده وفروعه وزوجه " . فهنا يبطل القانون تصرفاً قانونياً على أساس قرينة قانونية . إذ الهبة تكون باطلة إذا صدرت لعديم الأهلية . ويقيم القانون قرينة قانونية ، إذا صدرت الهبة لأحد من أقارب عديم الأهلية المذكورين فى النص ، على أن الصادر له الهبة هو شخص مسخر لعديم الأهلية ، وتكون الهبة قد صدرت فى الواقع من الأمر لعديم الأهلية نفسه ، ومن ثم تكون باطلة . $ 608 $ فالقرينة القانونية التى نص عليها القانون قد أبطل على أساسها تصرفاً قانونياً هو عقد الهبة . ولذلك تكون هذه القرينة قاطعة لا تقبل إثبات العكس ، فلا يجوز للشخص المسخر ( الاسم المستعار ) الذى تلقى الهبة أن يثبت أنه ليس شخصاً مسخراً لعديم الأهلية وأنه هو المقصود حقيقة بالهبة( [1094] ) . ويمثلون أيضاً بالمادة 472 من التقنين المدنى الفرنسى ، وتنص على أن " كل تعامل بين الوصى والقاصر بعد بلوغه سن الرشد يكون باطلا إذا لم يسبقه تقديم حساب مفصل مصحوب بالسندات المؤيدة له ، ويكون كل هذا ثابتاً بإيصال من ذى الشأن قبل التعامل بعشرة أيام على الأقل " . فالقانون هنا أبطل تصرفا قانونياً ، هو التعامل ما بين الوصى والقاصر بعد بلوغه سن الرشد ، على أساس قرينة قانونية ، هى العلاقة القائمة ما بين الوصى ومحجوره السابق دون أن يقدم لمحجوره السابق فى التعامل الذى جرى بينهما قبل تقديم الحساب . فتكون القرينة القانونية قاطعة لا تقبل إثبات العكس ، ولا يجوز للوصى أن يثبت أن التعامل الذى تم كان تعاملا جدياً لا استغلال فيه .

ويمثل الفقهاء الفرنسيون للقرينة القانونية التى يجعل القانون على أساسها الدعوى غير مقبولة بحجية الأمر المقضى وبالتقادم وبتسليم سند الدين للمدين . فحجية الأمر المقضى تقوم على قرينة قانونية غير قابلة لإثبات العكس ، لأن الدعوى التى تدفع بهذه الحجية لا يجوز سماعها . والتقادم يقوم على قرينة قانونية غير قابلة لإثبات العكس ، لأن الدعوى تكون غير مقبولة إذا دفعت بالتقادم . وتسليم الدائن باختياره سند الدين للمدين قرينة على براءة ذمة المدين ، والقرينة قاطعة لا تقبل إثبات العكس ، لأن الدائن إذا رفع دعوى على مدينه بعد أن سلمه سند الدين ، ودفع المدين بهذه القرينة ، تكون الدعوى غير مقبولة . ومن ثم لا يجوز للمحكوم عليه ، فى حجية الأمر المقضى ، أن يثبت أن الحكم الذى يحتج عليه به غير صحيح . ولا يجوز للدائن ، فى التقادم ، أن يثبت أن الدين $ 609 $ موجود بالرغم من تقادمه . ولا يجوز للدائن ، فى تسليم سند الدين ، أن يثبت عدم براءة ذمة المدين بالرغم من تسلمه للسند .

ويخلص مما تقدم أن القانون إذا أبطل تصرفاً قانونياً أو جعل الدعوى غير مقبولة على أساس قرينة قانونية ، كانت هذه القرينة غير قابلة لإثبات العكس ( [1095] ) .

329 - انتقاد التقنين الفرنسى : وهذا المعيار الذى اختاره التقنين المدنى الفرنسى للقرينة القانونية القاطعة كان محل انتقاد شديد من الفقهاء الفرنسيين ، وبخاصة من جنى ( Geny ) فى كتابه المعروف : العلم والصياغة فى القانون الخاص ( [1096] ) .

فيقول عن الشق الأول من المعيار –إبطال التصرف القانونى على أساس القرينة القانونية - إنه لا يعبر بأمانة عن الغرض الحقيقى للمشرع . فقد أراد هذا أن يجعل القرينة قاطعة ليسد بها السبيل على ضروب التحايل للخروج على نواهى القانونية المبينة على النظام العام ( [1097] ) . وهناك صلة وثيقة بين ما ورد عن إبطال التصرف فى المادة 1350 وما ورد عن ذلك فى المادة 1352 . فقد ذكرت المادة 1350 صراحة فى هذا الصدد التصرفات التى يقرر القانون أنها باطلة مفترضاً أنها أبرمت للاحتيال على أحكامه ، وهذا هو عين ما قصد إليه بذكره إبطال التصرف فى المادة 1352 .

وأما عن الشق الثانى من المعيار –جعل الدعوى غير مقبولة على أساس القرينة القانونية - فيقول جنى إن المقصود بهذا المعيار أن يكون هناك دفع يمنع $ 610 $ من الدخول فى موضوع الدعوى فترفض على هذا الأساس ، لا ألا ترفع الدعوى أصلا فإن أية دعوى ترفع يجب نظرها وإلا كان هذا إنكاراً لداء العدالة . ولما كان الدفع بأية قرينة قانونية –قاطعة كانت أو غير قاطعة - يؤدى إلى عدم الدخول فى الموضوع والوقوف عند هذه القرينة ، كان هذا المعيار إن فهم على المعنى الأول يتناول كل القرائن القانونية القاطعة وغير القاطعة دون تمييز فيما بينها ، وإن فهم على المعنى الثانى فإنه لا يتناول شيئاً منها على الإطلاق( [1098] ) .

330 - الرأى الصحيح : والرأى الذى يبدو صحيحاً ، ويتجه إليه الفقه الفرنسى المعاصر ، فى معيار القرائن القانونية يمكن بسطه على النحو الآتى :

الأصل أن تكون القرينة القانونية يغر قاطعة ، فتقبل إثبات العكس . وهذا شأن كل دليل ينظمه القانون . ولكن هناك قرائن أقامها المشرع لاعتبارات هامة خطيرة ، يحرص كل الحرص على عدم الإخلال بها ، ومن ثم يجعل هذه القرائن غير قابلة لإثبات العكس حتى يستقيم له غرضه . ولا يرجع ذلك ضرورة إلى أن القرينة القانونية هى أكثر انطباقاً على الواقع من غيرها ، بل يرجع لاعتبارات يستقل بتقديرها المشرع ، فهو وحده الذى وضع القرينة القانونية ، وهو وحده الذى يقدر ما إذا كان يجعلها غير قابلة لإثبات العكس . ومن ثم كان واجباً على المشرع عندما يقيم قرينة قانونية ، ويريد أن يحكم تشريعه ، أن ينظر ما إذا كانت الاعتبارات التى اقتضت النص على هذه القرينة هى من الأهمية والخطورة بحيث تستوجب أن تبقى القرينة قائمة فى جميع الأحوال ، فعند ذلك ينص على عدم جواز إثبات العكس . فإن سكت عن ذلك ، كانت القرينة القانونية قابلة لإثبات العكس رجوعاً إلى الأصل ( [1099] ) .

 $ 611 $

331 - التقنين المدنى المصرى : وهذا هو عين ما فعله المشرع المصرى فى التقنين المدنى الجديد . إذ نص ، كما رأينا ، فى المادة 404 على أنه " يجوز نقض هذه القرينة ( أى القرينة القانونية ) بالدليل العكسى ، ما لم يوجد نص يقضى بغير ذلك " .

والسياسة التشريعية التى جرى عليها المشرع المصرى فى التقنين المدنى الجديد هى أنه عندما يقف عند قرينة قانونية يريد جعلها قاطعة لا تقبل إثبات العكس ينص على ذلك ، وإن كان النص يأتى بطريق غير مباشر . فعل ذلك فى القرائن القانونية على الخطأ التى تقوم عليها المسئولية عن الحيوان والمسئولية عن الأشياء والمسئولية العقدية ومسئولية المستأجر عن الحريق .

فقد نصت المادة 176 على أن " حارس الحيوان ، ولو لم يكن مالكاً له ، مسئول عما يحدثه الحيوان من ضرر ، ولو ضل الحيوان أو تسرب ، ما لم يثبت الحارس أن وقوع الحادث كان بسبب أجنبى لا يد له فيه " . فأقام المشرع مسئولية حارس الحيوان على قرينة قانونية تفيد خطأ الحارس ، ولم يسمح للحارس أن يزحزح المسئولية عن عاتقه إلا بإثبات السبب الأجنبى . ومقتضى هذا أن الحارس –وقوام مسئوليته الخطأ والضرر وعلاقة السببية فيما بينهما - يستطيع أن ينفى علاقة السببية بإثبات عكسها وهو السبب الجنبى . ولا يستطيع أن ينفى الخطأ لأن قرينته القانونية غير قابلة لإثبات العكس . وعلى هذا المنول جرى فى المسئولية عن الأشياء ( م 178 ) ، وفى المسئولية العقدية ( م 215 ) ، وفى $ 612 $ مسئولية المستأجر عن الحريق ( م 584 )( [1100] ) .

بل إن التقنين المصرى كثيراً ما ينص على أن قرينة قانونية معينة قابلة لإثبات العكس ، فى غير ضرورة ، إذ هى قابلة لإثبات العكس ولو لم ينص على ذلك ، رجوعاً إلى الأصل كما قدمنا . ولكنه يفعل ذلك منعاً للبس . نص فى الفقرة الثالثة من المادة 173 على أن " يستطيع المكلف بالرقابة أن يخلص من المسئولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة ، أو أثبت أن الضرر أن يخلص من المسئولية إذا أثبتت أنه قام بواجب الرقابة ، أو أثبت أن الضرر كان لابد واقعاً ولو قام بهذا الواجب بما ينبغى من العناية " . فأقام مسئولية المكلف بالرقابة على قرينة قانونية تفيد الخطأ ، ولكنه نص على جواز نفى الخطأ بإثبات عكس هذه القرينة ويكفى لذلك أن يثبت المكلف بالرقابة أنه قام بواجبه فى هذا الصدد . ونص فى الفقرة الأولى من المادة 137 على أن " كل التزام لم يذكر له سبب فى العقد يفترض أن له سبباً مشروعاً ، ما لم يقم الدليل على غير ذلك " . ونص فى المادة 91 على أن " ينتج التعبير عن الإرادة أثره فى الوقت الذى يتصل فيه بعلم من وجه إليه ، ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به ، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك . وهو بعد أن نص على أن وصول التعبير قرينة على العلم وأن هذه القرينة القانونية قابلة لإثبات العكس ، لم ير حاجة فى أن يعود إلى النص على جواز إثبات العكس ، بعد أن زال كل لبس فى ذلك ، عندما عرض للتعاقد ما بين الغائبين فى المادة 97 ، فنص فى الفقرة الثانية من هذه المادة على أن " يفترض أن $ 613 $ الموجب قد علم بالقبول فى المكان وفى الزمان اللذين وصل إليه فيهما هذا القبول ( [1101] ) " .

وإذا وقفنا عند مسئولية المتبوع عن تابعه ، فرأينا الفقرة الأولى من المادة 174 تنص على أن " يكون المتبول مسئولا عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع ، متى كان واقعاً منه فى حال تأدية وظيفته أو بسبها " ، ولم نر المشرع بنص على عدم جواز إثبات العكس ، فلا نتوهم أننا أمام قرينة قانونية لم ينص المشرع على عدم جواز إثبات عكسها ، فتكون قابلة لإثبات العكس . فسنرى أن مسئولية المتبوع عن التابع إنما هى قاعدة موضوعية ، وليست قائمة على قرينة قانونية ، والأصل فى القواعد الموضوعية أنها لا تقبل إثبات العكس . كذلك التقادم ، مكسباً كان أو مسقطاً ، لا حاجة فيه إلى النص على عدم جواز إثبات العكس ، لأن الأمر فيه أمر قاعدة موضوعية لا أمر قرينة قانونية ( [1102] ) . وسنعود إلى هذه المسألة ببيان أوفى .

332– القرينة القانونية القاطعة يجوز دحضها بالإقرار واليمين :

وإذا قلنا أن القرينة القانونية القاطعة لا تقبل إثبات العكس ، فليس معنى ذلك أنها لا تدحض أبداً . ذلك أن عدم القابلية للدحض لا يكون إلا للقواعد الموضوعية على ما سنرى . أما القرائن القانونية ، ولو كانت قاطعة ، فهى قواعد $ 614 $ إثبات . وأيا كانت المرتبة التى أرادها المشرع لها فى القطع والحسم . فهى لا تستعصى على أن تدحض بالإقرار واليمين ، ما دام المشرع قد شاء أن يبقيها فى حظيرة قواعد الإثبات ، ولم يرق بها إلى منزلة القواعد الموضوعية . وقد نص على ذلك صراحة التقنين المدنى الفرنسى فى المادة 1352 ، إذ قضى بعدم جواز إثبات ما ينقض القرينة القانونية القاطعة " مع عدم الإخلال بما سيتقرر فى خصوص اليمين والإقرار القضائيين " . وجمهرة الفقهاء فى فرنسا يفسرون هذا النص بأن إثبات عكس القرينة القانونية القاطعة لا يجوز إلا عن طريق الإقرار أو اليمين ( [1103] ) . وهذا الحكم يسرى أيضاً فى القانون المصرى دون نص صريح ، وقد انعقد عليه الاجتماع ( [1104] ) . ذلك أن القرينة القانونية القاطعة لا تزال دليلا من أدلة الإثبات ، بل لا تعدو أن تكون دليلا سلبياً إذ تقتصر على الإعفاء من الإثبات كما قدمنا . فإذا نقضها من تقررت لمصلحته بإقراره أو يمينه . فقد دحضها ، ولم يعد هناك محل لإعفائه من إثبات لم يقبل هو أن يعفى نفسه منه .

وينبنى على ذلك أن المسئول مسئولية قائمة على قرينة قانونية قاطعة - كما فى المسئولية عن الحيوان وعن الأشياء والمسئولية العقدية ومسئولية المستأجر عن الحريق - لا يستطيع أن يثبت عكس هذه القرينة كما قدمنا ، ولكنه يستطيع دحضها بإقرار يصدر من خصمه إلى هذا الخصم فينكل ( [1105] ) .

وقد نصت المادة 378 فقرة أولى من التقنين المدنى على حقوق تتقادم بسنة $ 615 $ واحدة ، ثم أضافت الفقرة الثانية من هذه المادة أنه " يجب على من يتمسك بأن الحق قد تقادم بسنة أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلا . . " . وهذا يدل على أن المشرع قد جعل هذا التقادم القصيرة قائماً على قرينة قانونية قاطعة تفيد الوفاء بالحق ، ومن ثم أجاز دحض هذه القرينة بالنكول عن اليمين ، فيجوز من باب أولى دحضها بالإقرار ( [1106] ) .

333 - ما لا يجوز دحضه بالإقرار أو اليمين ليس من القرائن القانونية بل هو من القواعد الموضوعية : على أن الفقه الفرنسى يذهب إلى القرينة القانونية القاطعة إذا كانت قائمة على اعتبارات روعيت فيها المصلحة العامة : كحجية الأمر المقضى والتقادم ، فإنه لا يجوز دحضها ، حتى بالإقرار أو اليمين ، لأن هذه الطريقين لا يجوز قبولهما فيما هو معتبر من النظام العام كما قدمنا ( [1107] ) . فيبقى الحكم قرينة قاطعة على ما قضى به ، حتى لو أقر من صدر الحكم لمصلحته بأنه حكم خاطئ . ويبقى الحق مقضياً أو مكسوباً بالتقادم ، حتى لو أقر من تم التقادم لمصلحته بأن الحق لم يقض أو لم يكسب ، وذلك فيما عدا التقادم المسقط بسنة واحدة الذى تقدم ذكره عند من يراه قائماً على قرينة قانونية ( [1108] ) .

 $ 616 $

والصحيح أن القرينة القانونية القاطعة يجوز دائماً دحضها بالإقرار أو اليمين . أما الذى لا يدحض بالإقرار أو اليمين ، كحجية الأمر المقضى والتقادم ، فليس بقرينة قانونية ، بل هو قاعدة موضوعية ، تقوم ، هى أيضاً كالقرينة القانونية ، على فكرة الراجح الغالب الوقوع ( idée de Probabilite ) .

334 - القاعدة الموضوعية والقرينة القانونية : ذلك أنه يجب التمييز فى كثير من العناية بين القاعدة الموضوعية ( regle de fond ) والقرينة القانونية ( [1109] ) . إذ توجد قواعد موضوعية يبنيها المشرع على الكثرة الغالبة من الأحوال فيقلبها إلى حقائق ثابتة ( Probabilites transferees en certitudes ) ، مثلها فى ذلك مثل القرائن القانونية ( [1110] ) . فبلوغ الرشد تتفاوت فيه الناس ، ولا تكون سن الرشد واحدة للجميع ، ولكن المشرع لا يسعه أن يكل تحديد هذه السن –وأهميتها فى التعامل معروفة - إلى الظروف الذاتية لكل إنسان . فوجب أن يجعل بلوغ لجميع الناس عند سن معينة –الحادية والعشرين مثلا - مراعياً فى ذلك الكثرة الغالبة من الأحوال ، متجاوزاً عن التفاوت ما بين إنسان وآخر ، حتى ينضبط التعامل ويستقر ( [1111] ) . وهذا مثل للقاعدة الموضوعية التى يبنيها المشرع على فكرة الراجح الغالب الوقوع .

أما القرينة القانونية فقد قدمنا أنها قاعدة إثبات لا قاعدة موضوعية . خذ مثلا $ 617 $ القرينة القانونية التى تقضى بأنه الوفاء بقسط الأجرة اللاحق دليل على الوفاء بالقسط السابق . هذه قاعدة وضعها المشرع ، لا فى موضوع الحق وهو الوفاء بالأجرة وما يتصل به من أحكام ، بل فى إثباته أى كيف يثبت المستأجر أنه قام بوفاء الأجرة . وقد راعى المشرع فى وضعها –هنا أيضاً - الكثرة الغالبة من الأحوال ، إذ وجد أن المؤجر لا يعطى عادة مخالصة عن قسط لاحق إلا بعد أن يستوفى الأقساط السابقة ، فجعل من الوفاء بقسط لاحق قرينة قانونية على الوفاء بقسط سابق .

335 - كيف يكون التمييز بين القاعدة الموضوعية والقرينة القانونية : والذى يقارب ما بين القاعدة الموضوعية والقرينة القانونية هو –كما قدمنا - أن كلا منهما يقوم على الكثرة الغالبة من الأحوال أو على الراجح الغالب الوقوع . ولذلك يقع اللبس بينهما كثيراً . ولكنهما يختلفان فى أمرين جوهريين :

( الأمر الأول ) أن عامل الراجح الغالب الوقوع يختفى وراء القاعدة القانونية فتستغرقه ، ويكون منها بمثابة العلة ( motif ) من المعلول ، فمتى تقررت القاعدة توارت العلة خلفها ، ولم يعدها بعد ذلك مجال للظهور ( [1112] ) . أما هذا العامل فى القرينة القانونية فهو نفسه موضوع ( objet ) القرينة ، وإنما قامت القرينة لتقريرها ، فيبقى دائماً بازراً لا يختفى وراءها ( [1113] ) .

فإذا قلنا إن الإنسان يبلغ رشده فى الحادية والعشرين ، فقد دفع المشرع إلى تقرير هذه القاعدة الموضوعية أن هذا هو الذى يقع فى العادة . ولكن هذا الدافع ، أو هذه العلة ، تختفى وراء القاعدة ، وسواء وقع هذا فعلا أو لم يقع ، فالإنسان يبلغ رشده –قانوناً - فى الحادية والعشرين ، ولو بلغ – طبيعة - قبل ذلك أو بعد ذلك .

وإذا قلنا إن الوفاء بقسط لاحق دليل على الوفاء بقسط سابق ، فقد راعى المشرع فى ذلك أيضاً أن هذا هو الذى يقع فى العادة ، ولكن هذه العلة لا تختفى وراء القرينة ، بل تبقى بارزة تعمل عملها كما سيأتى .

 $ 618 $

فالقانون لا يتقدم بالقرينة القانونية إلا مسببة ( Causee ) ، أما القاعدة الموضوعية فيتقدم بها مجردة ( Abstraite ) .

( والأمر الثانى ) يترتب على الأمر الأول . ذلك أن القاعدة الموضوعية لا تجوز معارضتها بالعلة فى تقريرها ، فقد اختفت هذه العلة واستغرقتها القاعدة . فإذا برز إنسان فى التاسعة عشرة من عمره ، ودل بتفوقه فى الذكاء والعلم أنه أرشد ممن بلغ الحادية والعشرين ، فلا يزال هذا الإنسان قاصراً فى نظر القانون ، مهما بلغت منزلته من التفوق . وإذا وجد ، على العكس من ذلك ، إنسان فى الحادية والعشرين ، وقد بدت عليه علامات القصور العقلى ، فإنه يعتبر بالرغم من ذلك بالغاً سن الرشد ، إلا إذا كان القصور العقلى قد وصل به إلى حد الغفلة أو العته ، فعندئذ يحجر عليه . فالقاعدة الموضوعية قد استغرقت علتها ، ولم يعد للعلة مجال للعمل .

أما القرينة القانونية فتجوز معارضتها بعلتها ، فإن العلة لم تستغرقها القرينة ، بل بقيت إلى جانبها بارزة . فإذا تقدم المؤجر بدليل يثبت أنه ، بالرغم من استيفائه للقسط اللاحق ، لم يستوف القسط السابق ، سمع منه ذلك ، وانهارت قرينة الوفاء بالقسط السابق . ذلك أن القرينة يتقدم بها المشرع مسببة بعلتها كما تقدم القول ، وكون الوفاء بالقسط اللاحق يكون ، فى الكثرة الغالبة من الأحوال ، المؤجر القسط اللاحق دون أن يستوفى القسط السابق . وقد أثبت المؤجر أن حالته هذه تندرج فى القلة من الأحوال لا فى الكثرة ، ففى خصوص هذه الحالة تخلفت القرينة لتخلف علتها ، فلا يعمل بها بعد أن دحضها المؤجر ( [1114] ) .

على أنه لا يجوز أن يفهم من ذلك أن كل قاعدة موضوعية هى قاعدة إجبارية يتحتم تطبيقها ولا يجوز استبعادها ، وأن كل قرينة قانونية تقبل الاستبعاد بالدليل العكسى . فإن فى القواعد الموضوعية ما لا يفرضه المشرع فرضاً حتمياً فى كل الأحوال ، بل ينزل فيه أولا عند إرادة أصحاب الشأن . فإذا قرر المشرع –فى المادة 462 من التقنين المدنى - أن نفقات عقد البيع تكون على المشترى ، فهو $ 619 $ قد قرر بذلك قاعدة موضوعية استغرقت علتها . ولكنه لم يرد إعمال هذه القاعدة إلا عندما لا يكون للمتعاقدين أية إرادة فى هذه المسألة . فإذا لم يكن بينهما اتفاق صريح أو ضمنى أو عرف على أن المصروفات يدفعها غير المشترى ، فالمشترى هو الذى يدفعها ، ما من ذلك بد ، ولا يجوز له أن يرفض دفعها بدعوى أن القاعدة الموضوعية التى تلزمه بها قد تخلفت علتها ، وأن حالته تندرج فى القلة من الأحوال التى لا يدفع فيها المشترى المصروفات ، ما دام لم يتفق مع البائع على ذلك . وهنا نرى أن القاعدة إنما هى قاعدة موضوعية قد استغرقت علتها ( [1115] ) . لكن إذا اتفق المشترى مع البائع اتفاقاً صريحاً أو ضمنياً ، أو قام عرف ، على أن البائع هو الذى يدفع المصروفات ، فالمشرع لا يفرض قاعدته على إرادته المتعاقدين ، وتخلى القاعدة مكانها للاتفاق أو العرف . وهنا نرى أن هذه القاعدة الموضوعية ليست قاعدة إجبارية ( regle imperative ) ، بل هى قاعدة تكميلية ( regle suppletive ) ، لا تهدر الإرادة لتحل محلها ، بل تملأ الفراغ الذى تتركه( [1116] ) .

كذلك ليس صحيحاً أن كل قرينة قانونية تقبل الاستبعاد بالدليل العكسى . فمن القرائن القانونية ما يجعله المشرع قاطعاً لا يجوز أن يستبعد ، حتى يستقيم له غرضه من استقرار التعامل . مثل ذلك ما فعله عندما اتخذ من التقادم بسنة واحدة قرينة قاطعة على الوفاء بحقوق ذكرها فى المادة 378 من التقنين المدنى . فهنا اتخذ التقادم قرينة على الوفاء بحقوق معينة ، كما اتخذ الوفاء بالقسط اللاحق قرينة على الوفاء بالقسط السابق . إلا أنه جعل القرينة الأولى قاطعة ، ولم يجز إثبات عكسها . وجعل القرينة الثانية ، كما رأينا ، قرينة غير قاطعة ، وأجاز إثبات عكسها . ولكن تبقى القرينة الأولى ، ولو كانت قاطعة ، قاعدة للإثبات ، فتوافق فى ذلك القرائن غير القاطعة ، وتفارق القواعد الموضوعية . فالتقادم بسنة قرينة $ 620 $ قاطعة على الوفاء بحق معين ، ولكن هذه القرينة لا تعدو أن تكون طريقاً للإثبات ، أو إعفاء منه على الأصح . ويترتب على ذلك أن الخصم الذى تقررت القرينة القاطعة لمصلحته إذا نزل عنها ، وقال إن الدين باق فى ذمته ، أو نكل عن اليمين التى توجه إليه فى ذلك ، فإن إقراره هذا –الصريح أو الضمنى - يجعل القرينة تنهار ، بالرغم من أنها قاطعة . ومن ثم تكون كل القرائن القاطعة قابلة للدحض بالإقرار أو اليمين كما قدمنا ( [1117] ) .

336 - الانتقال من القاعدة الموضوعية إلى القرينة القانونية ومن القرينة القانونية إلى القاعدة الموضوعية رهن بإرادة المشرع : والانتقال من القاعدة الموضوعة إلى القرينة القانونية ، أو من القرينة القانونية إلى القاعدة الموضوعة ، أمر موكول إلى المشرع . فكل من القاعدة الموضوعة والقرينة القانونية من صنعه . فهو إن شاء جعل ما يقرره من ذلك قاعدة موضوعية ، وإن شاء جعله قرينة قانونية ، وفقاً لما يقدر من الاعتبارات التى تتفاوت فى القوة والضعف فتحمله على المسلك الأول أو على المسلك الثانى . وله كذلك ، إن شاء ، أن يهبط بقاعدة موضوعية إلى قرينة قانونية ، وأن يرتفع بقرينة قانونية إلى قاعدة موضوعية .

وقد هبط المشرع المصرى فعلا بالتقادم ، وهو فى الأصل قاعدة موضوعية ، إلى أن جعله قرينة قانونية فى حالة من حالاته . فعل ذلك كما قدمنا فى التقادم المسقط لحقوق معينة بسنة واحدة ، إذ أجاز دحض القرينة بالإقرار أو اليمين . ولو استبقى التقادم هنا قاعدة موضوعية ، كما هو شأن سائر حالات التقادم المسقط $ 621 $ كل حالات التقادم المكسب ، لما أجاز ذلك .

وارتفع المشرع المصرى بقرينة قانونية إلى منزلة القاعدة الموضوعة ، عندما قرر ، فى المادة 948 من التقنين المدنى ، أن الحق فى الأخذ بالشفعة بانقضاء أربعة أشهر من يوم تسجيل عقد البيع . فقد كان فى وسع المشرع أن يقتصر على جعل انقضاء هذه المدة قرينة قانونية على أن الشفيع قد علم بالبيع ولم يأخذ بالشفعة فسقط حقه . ولكنه لو جعل القاعدة قرينة قانونية على هذا النحو ، لاقتضى ذلك أن يجيز للشفيع دحض هذه القرينة بإقرار المشترى أو يمينه . فإذا اقر المشترى أن الشفيع لا يعلم بالبيع بالرغم من انقضاء أربعة أشهر على تسجيله ، أو نكل عن اليمين التى توجه إليه فى ذلك ، فإن القرينة القانونية القاطعة تنهار ، إذ يدحضها الإقرار أو اليمين ، ويستبقى الشفيع حقه فى الأخذ بالشفعة . من أجل ذلك لم ير المشرع أن يختار هذا الطريق . بل ارتفق بهذه القرينة إلى منزلة القاعدة الموضوعية ، فاستعصت بذلك على النقض ، ولم يجز دحضها حتى بالإقرار أو اليمين . وبمجرد أن ينقضى على تسجيل البيع أربعة أشهر دون أن يأخذ الشفيع بالشفعة فقط سقط حقه ، حتى لو اقر المشترى –صراحة ، أو ضمناً بأن نكل عن اليمين - أن الشفيع لم يعلم بالبيع .

والذى يحمل المشرع على الانتقال بالقاعدة من مرتبة إلى مرتبة أخرى اعتبارات يراها هو ، وتترك إلى محض تقديره كما قدمنا . فقد رأى ، فى التقادم بسنة واحدة ، نظراً لاحتمال أن المدين لم يكن قد وفى بالدين فى هذه المدة القصيرة ، أن يحكم فى ذلك ضميره . فنزل بالقاعدة إلى مرتبة القرينة القانونية القاطعة ، ليجيز دحضها بالإقرار واليمين . وكان يستطيع أن ينزل بها إلى مرتبة أدنى ، فيجعلها قرينة قانونية غير قاطعة يجوز دحضها ، لا بالإقرار واليمين فحسب ، بل أيضاً بجميع الطرق التى قررها القانون ( [1118] ) ورأى ، فى سقوط الشفعة بأربعة اشهر ، أن الشفعة حق غير مرغوب فيه ، وأراد أن يحسم النزاع فى شأنه ، وأن يجعل سقوطه بهذه المدة أمراً لا يحتمل الجدل . فارتفع بالقاعدة إلى أن تكون قاعدة موضوعية ، وجعلها بذلك لا تقبل الدحض حتى بالإقرار أو اليمين .

 $ 622 $

337 - قواعد موضوعية تكيف خطأ بأنها قرائن قانونية : ويتبين من كل ذلك وجوب التمييز ما بين القواعد الموضوعية والقرائن القانونية . فكثيراً ما يقع الخلط بينها : تخلط القاعدة الموضوعية الإجبارية بالقرينة القانونية القاطعة ، وتخلط القاعدة الموضوعية التكميلية بالقرينة القانونية غير القاطعة ( [1119] ) .

وقد أسئ فهم بعض القواعد الموضوعية ، فكيف خطا بأنها قرائن قانونية . وجعلت قرائن قاطعة لا يجوز إثبات عكسها . ولما كانت هذه القواعد قواعد إجبارية لا يجوز دحضها حتى بالإقرار واليمين ، مع أن القرائن القاطعة يجوز دائماً دحضها بهذين الطريقين كما قدمنا ، فقد قيل فى تبرير عدم قابليتها للدحض أنها قرائن قانونية قاطعة تتعلق بالنظام العام ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك . والصحيح أنها قواعد موضوعية إجبارية ، لا قرائن قانونية قاطعة ، وهذا وحده هو الذى يبرر أنها لا تدحض حتى بالإقرار واليمين . ومن هذه القواعد –عدا حجية الأمر المقضى والتقادم اللذين تقدم ذكرهما - الحيازة فى المنقول ، والتصرف فى مرض الموت ، ومسئولية المتبوع عن التابع( [1120] ) .

فالحيازة فى المنقول قاعدة موضوعية إجبارية ، لا قرينة قانونية . فقد رأى المشرع أن يحمى حائز المنقول حسن النية بسلاح أقوى من سلاح القرينة القانونية ولو كانت قاطعة . ومن ثم أصبح من يحوز المنقول وهو حسن النية ، بفضل هذه القاعدة الموضوعية ، مالكاً له . وأصبحت ملكيته ثابتة مستقرة ، لا يزعزها حتى الإقرار أو اليمين . أراد المشرع أن يستقر التعامل فى المنقول ، وتلك اعتبارات عليا يستقل بتقديرها ، ويملك زمامها ، فيضع من القواعد ما يراه مناسباً لحماية الأوضاع القانونية المختلفة . تارة يكتفى بقرينة قانونية غير قاطعة . وطوراً يجعل القرينة القانونية قاطعة . وأخرى يرتفع عن نطاق القرائن وقواعد الإثبات ، ويرى أن الحماية المناسبة هى قاعدة موضوعية لا تقبل النقض $ 623 $ بحال من الأحوال . هذا هو التدرج فى الحماية ، درجة فوق درجة ، يؤتيها المشرع من يشاء كما يشاء ، وهو فى كل ذلك يتوخى أن يكون لكل وضع قانونى الحماية التى تناسبه . وندرك من ذلك الصلة ما بين القرائن القانونية والقواعد الموضوعية ، فليس بينها من حجاب كثيف ، ولكنها مراحل متدرجة فى الحماية : القرينة القانونية غير القاطعة فى المرتبة الدنيا ، ثم القرينة القانونية القاطعة فى مرتبة أعلى ، ثم القاعدة الموضوعية فى القمة من مدارج الحماية .

وكذلك قل عن التصرف الصادر فى مرض الموت إذا قصد به التبرع . وضع له المشرع ، فى الفقرة الأولى من المادة 916 من التقنين المدنى ، قاعدة موضوعية تجعله تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت . وهى قاعدة لا تقبل النقض ، ولو كان عن طريق الإقرار أو اليمين . والمشرع ليس فى حاجة هنا إلى التصريح بعدم جواز إثبات العكس ، لنه فى صدد قاعدة موضوعية إجبارية ، لا فى صدد قرينة قانونية قاطعة . أما مجرد صدور التصرف فى مرض الموت ، فقد جعل منه المشرع ، فى الفقرة الثالثة من المادة 916 ، قرينة قانونية غير قاطعة تفيد أن التصرف قصد به التبرع ، ما لم يثبت من صدر له التبرع أن التصرف معاوضة .

ومسئولية المتبوع عن التابع لا تقوم على قرينة قانونية قاطعة بالخطأ كما يذهب الكثيرون ، بل هى مبنية على قاعدة موضوعية . وهذه القاعدة تقضى بأن المتبوع مسئول عن التابع على أساس الضمان أو النيابة أو الحلول . فهى مسئولية عن الغير . بل لعلها هى الحالة الوحيدة فى المسئولية عن الغير ( [1121] ) . ولم يجد المشرع حاجة ، وهو فى صدد قاعدة موضوعية إجبارية لا قرينة قانونية قاطعة ، أن ينص على عدم جواز إثبات العكس كما فعل عند ما واجه القرائن القانونية القاطعة فى مسئولية حارس الحيوان ( م 176 مدنى ) وفى مسئولية حارس الأشياء ( م 178 مدنى ) .

والتقادم ، مكسباً كان أو مسقطاً ، عدا التقادم المسقط بسنة واحدة وقد $ 624 $ تقدم ذكره ، قاعدة قانونية إجبارية ، لا قرينة قانونية قاطعة . ومن ثم لا يقبل أن يدحض ، حتى بالإقرار واليمين .

وججية الأمر المقضى لا تستند إلى قرينة قانونية قاطعة . بل هى قاعدة موضوعية ، لا تقبل النقض ، ولو بالإقرار أو اليمين . وقد وضعها التقنين المدنى المصرى –الجديد والقديم - خطأ بين القرائن القانونية ، ونص على عدم جواز نقضها بالدليل العكسى ، فجارى فى ذلك أكثر التقنينات ، ولم يتحرر من هذا الخطأ الشائع ( [1122] ) .

المطلب الثانى

القرينة القانونية غير القاطعة أو النسبية أو البسيطة

( Presomption relative simple, Juris vel juris tantum )

338 - القرينة القانونية غير القاطعة تعفى من الإثبات كالقرينة القانونية القاطعة : القرينة القانونية غير القاطعة تعفى من تقررت القرينة لمصلحته من الإثبات : تعفيه إعفاء تاماً ولا تقتصر على نقل عبء الإثبات إلى خصمه ، شأنها فى ذلك شأن القرينة القانونية القاطعة( [1123] ) .

 $ 625 $

مثل ذلك : تنص الفقرة الأولى من المادة 137 من التقنين المدنى على أن " كل التزام لم يذكر له سبب فى العقد يفترض أن له سبباً مشروعاً ، ما لم يقم الدليل على غير ذلك " . فهنا أعفى القانون الدائن من إثبات أن للالتزام الذى يطالب به المدين سبباً مشروعاً ، مع أن السبب المشروع ركن فى الالتزام ، وكان ينبغى أن يقوم الدائن بإثباته . وليس الأمر هنا هو نقل عبء الإثبات على عاتق المدين ، بل إن الدائن –وقد أعفى من الإثبات - يعتبر أنه قدم إثباتاً كاملا على وجود السبب المشروع . وإذا كان النص يقول : " ما لم يقم دليل على غير ذلك " ، فليس ذلك إلا جرياً على الأصل من أن كل دليل تمكن معارضته بدليل ينقضه . فالخصم إذا قدم دليلا كتابياً أو بينة على ما يدعيه فإنه يكون قد قدم دليلا كاملا ، ولكن هذا لا يمنع خصمه من أن يقدم دليلا ينقض دليله . فالدليل العكسى فى القرينة غير القاطعة ليس نتيجة لنقل عبء الإثبات إلى الخصم الآخر ، بل هو تطبيق لأصل من أصول الإثبات يقضى بمقارعة الدليل بالدليل . ومن ثم يكون جواز إثبات العكس فى القرينة غير القاطعة هو استصحاب للأصل ، وعدم جواز ذلك فى القرينة القاطعة هو خروج على الأصل فاقتضى نصاً خاصاً كما قدمنا .

ثم تنص الفقرة الثانية من نفس المادة على أن " يعتبر السبب المذكور فى العقد هو السبب الحقيقى حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك ، فإذا قام الدليل على صورية السبب ، فعلى من يدعى أن للالتزام سبباً آخر مشروعاً أن يثبت ما يدعيه " . فهنا أيضاً يعفى القانون الدائن من إثبات أن السبب المذكور فى العقد هو السبب الحقيقى ، وتقوم قرينة قانونية على أن السبب الحقيقى هو السبب المذكور فى العقد . ولما كانت القرينة غير قاطعة ، وجب التزام الأصل ، والترخيص للخصم الآخر أن ينقض الدليل المستفاد من هذه القرينة . وقد بين المشرع طريقاً خاصاً لنقض هذا الدليل ، هو أن يثبت المدين أن السبب المذكور فى العقد إنما هو سبب صورى لا حقيقة له . عند ذلك ينهار الدليل المستفاد من القرينة القانونية المتقدمة الذكر ، ولا يصبح السبب المذكور فى العقد هو السبب الحقيقى غير ثابت ، وعلى الدائن ، وهو الذى يدعى الدين فى ذمة مدينه ، أن يثبت أحد أركان هذا الدين وهو وجود السبب المشروع( [1124] ) . $ 626 $ وقس على ذلك سائر القرائن القانونية غير القاطعة التى نص عليها المشرع( [1125] ) .

339 - كيف يكون إثبات العكس فى القرائن القانونية غير القاطعة : لاشك فى أن القرينة القانونية غير القاطعة يمكن إثبات عكسها بدليل ذى قوة مطلقة . فيمكن إثبات العكس بإقرار من تقررت القرينة لمصلحته أو بنكوله عن اليمين ، وإذا كانت القرينة القانونية يمكن دحضها بهذين الطريقين كما قدمنا ، فأولى بالقرينة القانونية غير القاطعة أن تدحض بهما . كذلك يمكن إثبات عكس القرينة غير القاطعة –وفى هذا تختلف عن القرينة القاطعة - بالكتابة أو بمبدأ ثبوت بالكتابة معزز بالبينة أو القرائن القضائية ، وإذا استحال الحصول على الكتابة أو استحال تقديمها بعد الحصول عليها جاز الإثبات بالبينة أو بالقرائن القضائية .

ولاشك أيضاً فى أن القرينة القانونية غير القاطعة إذا استخدمت فى إثبات واقعة مادية أو تصرف قانونى لا تزيد قيمته على عشرة جنيهات ، فإنه يمكن $ 627 $ إثبات عكسها بالبينة أو بالقرائن القضائية ، إلى جانب الطرق المتقدمة ، وذلك وفقاً للقواعد العامة فى الإثبات( [1126] ) .

ويقتصر الشك على ما إذا كانت القرينة القانونية غير القاطعة قد استخدمت فى إثبات تصرف قانونى تزيد قيمته على عشرة جنيهات ، فهل يجوز إثبات العكس بالبينة أو بالقرائن القضائية على خلاف ما تقضى به القواعد العامة فى الإثبات ، أو أنه يجب التزام هذه القواعد فلا يجوز إثبات العكس إلا بالكتابة أو الإقرار أو اليمين؟ يرى بعض الفقهاء جواز إثبات العكس فى هذه الحالة بالبينة أو القرائن القضائية ، لأن القرينة القانونية لا تعدو أن تكون قرينة كسائر القرائن ، والقرينة تنقض بقرينة مثلها ولو كانت قرينة قانونية ، ومتى أمكن إثبات العكس بالقرينة القضائية جاز الإثبات أيضاً بالبينة ( [1127] ) . وكنا ممن يقول بهذا الرأى ( [1128] ) . ولكن $ 628 $ متى تقرر أن القرينة القانونية تعفى من الإثبات ، ولو كانت غير قاطعة ، وترتب على ذلك أن من تقررت لمصلحته هذه القرينة يعتبر أنه قدم إثباتا كاملا على ما يدعيه ، كما قدمنا ، كانت النتيجة اللازمة أن الخصم الآخر أصبح هو المكلف بالإثبات ، فعليه أن يعارض الدليل بالدليل ، وعليه أن يفعل ذلك وفقا للقواعد العامة فى الإثبات لأن القانون لم ينص على شيء يخالف هذه القواعد فى هذه المسألة . ومن ثم إذا كانت القرينة القانونية غير القاطعة قد استخدمت فى إثبات تصرف قانونى تزيد قيمته على عشرة جنيهات ، لم يجز إثبات عكسها إلا بالكتابة أو الإقرار أو اليمين ( [1129] ) . فلو أن المستأجر قدم إثباتاً للوفاء بقسط سابق من الأجرة يزيد على عشرة جنيهات القرينة القانونية المستفادة من وفائه بالقسط اللاحق ، فإنه يجوز للمؤجر أن يثبت أن المستأجر ، بالرغم من أنه وفى بالقسم اللاحق ، لم يقم بوفاء القسط السابق . ولكن لما كان هذا القسط السابق يزيد على عشرة جنيهات ، ولم يكن من الممكن إثبات وفائه بالبينة أو بالقرائن ، كذلك لا يجوز إثبات عدم وفائه إلا بالطريق التى يجوز بها إثبات الوفاء ( [1130] ) .

340 - بعض القرائن القانونية غير القاطعة لا يجوز إثبات عكسها إلا على نحو خاص : ويوجد فى التقنين المدنى الفرنسى قرائن قانونية غير قاطعة يجوز إثبات عكسها ، ولكن المشرع نص على أن يكون هذا الإثبات على نحو خاص . ويذكر الفقهاء الفرنسيون عادة مثلا لذلك القرينة التى تقضى بان الولد للفراش ، وهى القرينة المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من المادة 312 من التقنين المدنى الفرنسى . فهذه القرينة لا يجوز إثبات عكسها إلا على النحو $ 629 $ الذى قررته المادتان 312 و 313 من التقنين المدنى الفرنسى( [1131] ) . ويذكرون أيضاً القرينة التى تقضى بأن الحائط الذى يفصل ما بين بنائين يعد مشتركاً ، وهى القرية المنصوص عليها فى المادة 653 من التقنين المدنى الفرنسى . وهى أيضاً لا يجوز إثبات عكسها إلا بطرق معينة ذكرتها المواد 653 و 666 و 670 من هذا التقنين( [1132] ) .

ويمكن أن نجد التقنين المدنى المصرى نظائر لهذه القرائن . نذكر من ذلك :

( 1 ) ما نصت عليه المادة 239 من أنه " إذا ادعى الدائن إعسار المدين فليس عليه إلا أن ثبت مقدار ما فى ذمته من ديون ، وعلى المدين نفسه أن يثبت أن إذا أثبت أى مقدار من الديون فى ذمة مدينه ، قامت قرينة قانونية على أن هذا المدين معسر ، ولكنها قرينة غير قاطعة أجاز النص إثبات عكسها على نحو خاص ، بأن يثبت المدين أن عنده مالا يساوى قيمة هذه الديون أو يزيد عليها .

( 2 ) ما نصت عليه المادة 963 من أنه " إذا تنازع أشخاص متعددون على حيازة حق واحد اعتبر بصفة مؤقتة أن حائزه هو من له الحيازة المادية ، إلا إذا ظهر أنه قد حصل على هذه الحيازة بطريقة معيبة " . وهذا نص يجعل الحيازة المادية قرينة على الحيازة القانونية ، وهى قرينة غير قاطعة .

( 3 ) ما نص عليه التقنين المدنى فى مواطن كثيرة ( مثلا المادة 176 والمادة 178 والمادة 215 ) من أن علاقة السببية ما بين الخطأ والضرر –وتقوم على قرينة غير قاطعة - تنقض بإثبات السبب الأجنبى .

( 4 ) ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 584 من أنه " إذا تعدد المستأجرون لعقار واحد ، كان كل منهم مسئولا عن الحريق بنسبة الجزء الذى يشغله ، ويتناول ذلك المؤجر $ 630 $ إن كان مقيما فى العقار ، هذا ما لم يثبت أن النار ابتدأ شبوبها فى الجزء الذى يشغله أحد المستأجرين فيكون وحده مسئولا عن الحريق " . فالمستأجر مسئول عن حريق العين المؤجرة مسئولية قائمة على خطأ عقدى مفروض ، يجوز نفيه بإثبات أنا النار ابتدأ شبوبها فى جزء يشغله أحد المستأجرين الآخرين ( [1133] ) .

الفرع الثانى

حجية الأمر المقضى

( L'autorite de la chose jugee )

تمهيد

341 - مكان هذا الموضوع هو قانون المرافعات : سنرى أن حجية الأمر المقضى تكون غالباً فى صورة دفع بعدم جواز سماع الدعوى ، أو بعدم قبولها ، لسبق الفضل فيها . وكان هذا التكييف يقتضى أن يدرس الموضوع فى مباحث قانون المرافعات مع سائر أوجه الدفع بعدم قبول الدعوى ( [1134] ) . والدفع بعدم جواز سماع الدعوى لسبق الفصل فيها أساسه على كل حال قاعدة موضوعية ، لا قرينة قانونية .

 $ 631 $

ولكن التقنين المدنى الجديد –وهو فى ذلك يساير التقنين المدنى السابق والتقنين المدنى الفرنسى والتقنينات المدنية الحديثة - خرج بحجية الأمر المقضى من أن تكون قاعدة موضوعية ( [1135] ) ( Regle de Fond ) إلى جعلها قرينة قانونية ( [1136] ) ( Presomption legale ) . وهى قرينة قانونية قاطعة ، فقد نص صراحة على عدم جواز قبول دليل ينقض هذه القرينة .

ولما كان المشرع ، كما قدمنا ، هو الذى يمسك فى يده زمام القواعد الموضوعية والقرائن القانونية ، إلى منزلة القاعدة الموضوعية ، ويهبط إن شاء بالقاعدة الموضوعية إلى مرتبة القرينة القانونية ، فلا بد إذن من بحث حجية الأمر المقضى متصلة بالقرائن القانونية ، نزولا على حكم القانون( [1137] ) .

342 - حجية الأمر المقضى وقوة الأمر المقضى : ولما كانت $ 632 $ التعبيرات الفنية فى هذا الموضوع مضطربة ، وقد أدى اضطرابها إلى وقوع كثير من اللبس ، وجب البدء فى تحرير هذه التعبيرات ، وتنقية الموضوع مما يحوطه من إبهام واضطراب .

فيجب التمييز بين حجية الأمر المقضى ( Autorite de la chose jugee ) وقوة الأمر المقضى ( Force de la chose jugee ) .

فحجية الأمر المقضى معناه أن للحكم حجية فيما بين الخصوم وبالنسبة إلى ذات الحق محلا وسبباً . فيكون الحكم حجة فى هذه الحدود ، حجة لا تقبل الدحض ولا تتزحزح إلا بطريق من طرق الطعن فى الحكم ، وتثبت هذه الحجية لكل حكم قطعى ، أى لكل حكم موضوعى يفصل فى خصومة ،وساء كان هذا الحكم نهائياً أو ابتدائياً ، حضورياً أو غيابياً . وتبقى للحكم حجيته إلى أن يزول ، فإن كان غيابياً حتى يزول بإلغائه فى المعارضة ، وإن كان ابتدائياً حتى يزول بإلغائه فى الاستئناف ، وإن كان نهائيا حتى يزول بنقضه أو بقبول التمسا إعادة النظر فيه( [1138] ) .

وقوة الأمر المقضى مرتبة يصل إليها الحكم إذا أصبح نهائياً غير قابل لا للمعارضة ولا للاستئناف ، أى غير قابل للطعن فين بطريق من طرق الطعن الاعتيادية ، وإن ظل قابلا للطعن فيه بطريق غير اعتيادى .

ويجب التمييز فى كثير من العناية بين حجية الأمر المقضى وقوة الأمر المقضى ، فكثيراً ما يقع الخلط بينهما فى الفقه والقضاء والتشريع ( [1139] ) ، وكثيراً ما تستعمل $ 633 $ إحدى العبارتين ويكون المقصود بها العبارة الأخرى . والتقنين المدنى الجديد نفسه قد وقع فى هذا الخلط حين قال فى الفقرة الأولى من المادة 405 : " الأحكام التى حازت قوة الأمر المقضى " وهو يقصد " حجية الأمر المقضى( [1140] ) " . فالحكم القطعى ، نهائياً كان أو ابتدائياً ، حضورياً أو غيابياً ، تثبت له حجية الأمر المقضى كما قدمنا ، لأنه حكم قضائى فصل فى خصومة . ولكن هذا الحكم لا يجوز قوة الأمر المقضى إلا إذا أصبح نهائياً غير قابل لا للمعارضة ولا للاستئناف ، بأن كان فى ذاته غير قابل للطعن ، أو كان يقبل الطعن وانقضت مواعيده ، أو طعن فيه ورفض الطعن . ففى جميع هذه الأحوال يكون الحكم نهائياً حائزاً لقوة الأمر المقضى ، ولو كان قابلا للطعن بطريق غير اعتيادى كما أسلفنا . أما إذا كان الحكم قابلا للمعارضة أو للاستئناف فإنه لا يجوز قوة الأمر المقضى ، ولكن تكون له حجية الأمر المقضى ، وتبقى هذه الحجية قائمة ما دام الحكم قائماً ، حتى لو طعن فيه بالمعارضة أو الاستئناف ( [1141] ) . فإذا ألغى نتيجة للطعن ، زال وزالت معه حجيته . أما إذا تأيد ، ولم يعد قابلا لا للمعارضة ولا للاستئناف ، بقيت له حجية الأمر المقضى يكون حتما حائزاً لحجية الأمر المقضى ، والعكس غير صحيح . ويتبين كذلك أن الحكم القطعى فى أدنى مراتبه –وهى مرتبة الحكم الابتدائى الغيابى - يكون : ( أولا ) له حجية الأمر المقضى ، ولا تزول هذه الحجية إلا بإلغاء الحكم عن طريق الطعن فيه . ( ثانيا ) ليست له قوة الأمر المقضى ، إلى أن يصبح نهائياً ( Passe en Force de Chose Jugee ) ، $ 634 $ فيجوز هذه القوة بالإضافة إلى الحجية . ( ثالثاً ) على أن الحكم ، حتى إذا وصل إلى هذه المرتبة من القوة ، يبقى ، بالرغم من حيازته لحجية الأمر المقضى ولقوة الأمر المقضى ،معرضاً للإلغاء عن طريق طعن غير اعتيادى . فإذا لم يلغ ، أو فات الميعاد دون أن يطعن فيه ، أو كان منذ البداية غير قابل للطعن فيه بطريق غير اعتيادى ، استقر له الحجية والقوة على وجه غير قابل للزوال( [1142] ) و( [1143] ) .

 $ 635 $

343 - الدفع بحجية الأمر المقضى والتمسك بحجية الأمر المقضى : والذى نقف عنده هو حجية الأمر المقضى ، فهو وحده الذى يعنينا هنا ( [1144] ) .

فللحكم حجية على الخصوم تمنع من طرق النزاع بينهم من جديد . ومتى صدر حكم ، ولو كان حكماً ابتدائياً غيابياً ، وجب على الخصوم احترامه ، فلا يجوز لأحد منهم أن يجدد النزاع بدعوى مبتدأة . ولو رفعت هذه الدعوى لم يجز قبولها ، بل تدفع بحجية الأمر المقضى ، ويطلب الحكم بعدم جواز سماعها لسبق الفصل فيها . ولكن حجية المر المقضى لا تمنع من الطعن فى الحكم بالطرق المقررة ، سواء كانت طرقاً عادية أو طرقاً غير عادية . وعند ذلك يطرح النزاع $ 636 $ من جديد أمام القضاء ، المحكمة ذاتها التى أصدرت الحكم أو محكمة أعلى فتؤيد الحكم أو تلغيه . ولكنها فى الحالتين لا تكون قد أصدرت حكماً قائماً إلى جانب الحكم الأول ، فهى إذا أيدته بقى الحكم واحداً ، وإذا ألغته زال الحكم الأول وبقى الحكم الثانى وحده ، فالذى لا يجوز ، بمقتضى حجية الأمر المقضى ، هو رفع دعوى مبتدأة بالخصومة ذاتها ، أو رفع دعوى ببطلان الحكم الذى ثبتت له الحجية ( [1145] ) . بل إنه لا يجوز ، بعد أن تدفع الدعوى الجديدة بحجية الأمر المقضى ، أن يطلب المدعى استجواب خصمه للحصول منه على إقرار بأن الحكم الذى صدر فى الدعوى الأولى غير صحيح ، أو أن يوجه إليه اليمين الحاسمة ليحلف على أن هذا الحكم صحيح فيما يعلمن فالحكم عنوان الحقيقة ، ولا تدحض حجيته حتى بالإقرار أو اليمين ( [1146] ) .

وقد أخذ الفقه أخيراً يميز ، فى حجية الأمر المقضى ، بين الدفع بهذه الحجية وبين التمسك بها . فهذان شيئان منفصلان . الأول هو ، كما رأينا ، دفع موضوعى يهدف إلى عدم قبول الدعوى الجديدة ، والمدعى عليه هو الذى يدفع به هذه الدعوى . أما الثانى فليس بدفع ، بل هى حجية الأمر المقضى ذاتها يتمسك بها المدعى فى دعوى يقيمها هو . فقد يكون مجنياً عليه فى جريمة وصدر حكم جنائى بإدانة المتهم ، فيتمسك فى دعوى التعويض المدنية التى يرفعها ضد المحكوم عليه بحجية الحكم الجنائى فيما يتعلق بالوقائع التى فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً ( م 406 مدنى ) . وقد يستصدر حكماً من المحكمة الشرعية بثبوت نسبة من المورث فى مواجهة الورثة ، ثم يرفع على هؤلاء الورثة دعوى استحقاق لنصيبه فى الإرث ، يتمسك فيها بحجية الحكم الصادر من المحكمة الشرعية ففى الحالتين يتمسك بحجية الأمر المقضى كمدع –ولا يدفع بها كمدعى عليه - أمام المحكمة المدنية . غير أنه فى الحالة الأولى يتمسك بحجية الأمر المقضى فى حكم $ 637 $ صدر من محكمة جنائية ، وفى الحالة الثانية يتمسك بهذه الحجية فى حكم صدر من محكمة شرعية . ويجوز أن يتمسك بهذه الحجية أمام المحكمة المدنية فى حكم صدر من محكمة مدنية أخرى . ويتحقق ذلك فى الفرض الآتى : يحصل المستأجر على حكم بصحة عقد الإيجار فى مواجهة المؤجر ، وقبل أن يتسلم العين المؤجرة يبيعها المؤجر من آخر ، فيرفع المستأجر دعوى على المشترى يطالبه فيها بتسليمه العين ، ويتمسك فى هذه الدعوى بحجية الحكم الصادر بصحة عقد الإيجار فى الدعوى السابقة( [1147] ) .

وقد قيل ، إمعاناً فى التمييز بين التمسك بحجية الأمر المقضى والدفع بهذه الحجية ، إن لكل منهما شروطاً تتميز عن شروط الآخر . فالشروط الواجب توافرها فى الحكم لتثبت له الحجية ، وسنذكرها فيما يلى ، هى شروط التمسك بحجية الأمر المقضى . أما شروط الدفع فهى الشروط الواجب توافرها فى الخصوم والمحل والسبب ، التى سيرد ذكرها تفصيلا . وقيل أيضاً إن هناك أحكاما يمكن فيها التمسك بالحجية دون الدفع ، وهى الأحكام التى يقتصر فيها القاضى على أن يقرر ثبوت بعض الوقائع أو نفيها دون إصدار أمر إلى الخصوم ، كالحكم بصحة التوقيع والحكم بصحة التعاقد . وعلى العكس من ذلك هناك أحكام يمكن فيها استعمال الدفع دون التمسك بالحجية ، وهى الأحكام التى يقتصر فيها القاضى على إصدار أمر للخصوم دون أن يقرر شيئاً من حيث ثبوت الوقائع المتنازع عليها أو نفيها ، كالحكم بتعيين خبير أو بالإحالة على التحقيق أو بفرض نفقة مؤقتة( [1148] ) .

على أننا لا نرى الإغراق فى التمييز ما بين الدفع بحجية الأمر المقضى والتمسك بهذه الحجية . فهما وجهان متقابلان لشيء واحد . وحجية الأمر المقضى قد يتمسك بها المدعى كما رأينا فى الأمثلة المتقدمة ، وقد يتمسك بها المدعى عليه كدفع يطلب فيه دعم جواز سماع الدعوى لسبق الفصل فيها وهذا ما يقع فى $ 638 $ الغالب . وفى الحالتين تبقى حجية الأمر المقضى شيئاً واحداً ، له شروط واحدة ، دفعاً كان أو غير دفع( [1149] ) .

344 - الأساس الذى تقوم عليه حجية الأمر المقضى : تقوم حجية الأمر المقضى ، دفعاً كانت أو غير دفع ، كما صورها المشرع فى التقنين المدنى المصرى ، على أساس قرينة قانونية قاطعة ، ما فى ذلك من شك . فقد جاء نص المشرع صريحاً فى هذا المعنى ، إذ يقرر أن " الأحكام التى حازت قوة الأمر المقضى تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق ، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه القرينة " . فالمشرع يفرض فرضاً غير قابل لإثبات العكس أن الحكم هو عنوان الحقيقة ، وأن الحقيقة القضائية قرينة قاطعة على الحقيقة الواقعة ( Res Judicata Pro Veritate Habetur ) . قد تنحرف الحقيقة القضائية ، فى القلة النادرة من الأحوال ، عن الحقيقة الواقعة ، ولكنها فى الكثرة الغالبة من الأحوال تطابقها . فتقول القرينة إذن –ككحل قرينة قانونية أخرى - على الراجح الغالب الوقوع . ووجب أن تكون هذه القرينة قاطعة لا يجوز دحضها ، بصريح النص ، لاعتبارين أساسين :

( الاعتبار الأول ) أن الحكم متى فصل فى خصومة كان لابد من الوقوف عنده ، لوضع حد لتجدد الخصومات والمنازعات . فلا يجوز للخصم المحكوم عليه أن يعيد طرح النزاع على القضاء بدعوى مبتدأه . ولو سمح القانون بذلك لما أمكن أن يقف عند حد . إذ يصبح لكل من الخصمين أن يجدد النزاع مرة بعد أخرى : هذا يحصل على حكم لمصلحته ، ثم يعيد خصمه طرح النزاع بدعوى جديدة وقد حصل هو الآخر على حكم لمصلحته ، ثم يعود الخصم الأول إلى تجديد النزاع فيحصل على حكم ثالث ، وهكذا . فتتأبد الخصومات والمنازعات ، وليس هذا من مصلحة الناس فى شيء .

( الاعتبار الثانى ) أنه إذا سمع القانون بتجديد النزاع بدعاوى مبتدأه ، لجاز $ 639 $ لكل من الخصمين أن يحصل على حكم يتعارض مع الحكم الذى حصل عليه الخصم الآخر . فتقوم أحكام متعارضة فى ذات النزاع وبين نفس الخصوم . ولاشك فى أن هذا التعارض يجعل من المتعذر تنفيذ الأحكام القضائية ، إذ لا يعرف على وجه اليقين من مِن الخصمين صاحب الحق ، فكل منهما قد قضى لصالحه . هذا إلى أن التعارض ما بين الأحكام من شأنه أن يغض من كرامة القضاء ، وأن يفقده احترامه فى النفوس( [1150] ) .

والصحيح أن حجية الأمر المقضى ، كما قدمنا ، قاعدة موضوعية $ 640 $ ( Regle de Fond ) العلة فيها قد اختفت ، ولم تعد بارزة كما تبرز العلة إلى جانب القرينة القانونية . و هى ، ككل قاعدة موضوعية أخرى ، قد استغرقت عليها ، ولم يعد للعلة محل للعمل معها . فالمشرع ، عندما يقرر حجية الأمر المقضى يقرر –كما يقرر فى أية قاعدة موضوعية - أن الحقيقة التى قررها الحكم هى الحقيقة الواقعة ، ما فى ذلك من معدى ولا من مناص ، كما يقرر أن حائز المنقول مالك له ، وأن من حائز عقاراً مدة معينة يكون هو المالك ، وما إلى ذلك من القواعد الموضوعية التى سبقت الإشارة إليها . والذى يقطع فى أن حجية الأمر المقضى ينبغى أن تكون قاعدة موضوعية لا قرينة قانونية ، أن هذه الحجية لا تدحض ، كما رأينا ، لا بالإقرار ولا باليمين ( [1151] ) . وهذه علامة حاسمة على أنها قاعدة موضوعية ، فالقرائن القانونية ولو كانت قاطعة تدحض دائماً ، كما قدمنا ، بالإقرار واليمين ( [1152] ) .

ومهما يكن من أمر ، فالمشرع هو الذى يمسك بزمام القواعد الموضوعية والقرائن القانونية ، كما سبق القول ، وقد رأى أن يجعل من حجية الأمر المقضى قرينة قانونية ، فلابد من التسليم بهذا التكييف ، وقد مضت الإشارة إلى ذلك( [1153] ) .

 $ 641 $

345 - حجية الأمر المقضى ليست من النظام العام فى المسائل المدنية : قد يبدو لأول وهلة ، بعد أن استعرضنا الاعتبارين الأساسيين اللذين تقوم عليهما حجية الأمر المقضى ، أن هذه الحجية هى من النظام العام ، فوضع حد لتجدد الخصومات ، وعدم جواز قيام أحكام متعارضة مما يغض من كرامة القضاء ، كل هذه اعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة .

ولو قلنا إن حجية الأمر المقضى هى من النظام العام لترتب على ذلك أن الخصوم لا يملكون النزول عن التمسك بها الخصوم ، بل ويجوز للخصوم أن يتمسكوا بها لأول مرة أمام محكمة النقض . أما إذا لم تتعلق حجية الأمر المقضى بالنظام العام ، فإن عكس هذه النتائج هو الذى يترتب : فيجوز للخصوم النزول عنها ، ولا يجوز للقاضى إثارتها من تلقاء نفسه إذا لم تتمسك بها الخصوم ، ولا يجوز للخصوم أن يتمسكوا بها لأول مرة أمام محكمة النقض .

هناك مسألة انعقد عليها الإجماع ، هى أن حجية الأمر المقضى تعتبر من $ 642 $ النظام العام فى المسائل الجنائية ( [1154] ) ، أى فى حكم يصدر من محكمة جنائية ويحتج به أمام محكمة جنائية . والعلة فى ذلك ظاهرة . فإن الحكم الذى يصدر فى جريمة بالإدانة أو بالبراءة يعنى النظام العام فى المقام الأول ، ولا يجوز أن يترك أمر هذا الحكم للخصوم يتصرفون فيه كما يشاءون . بل متى صدر الحكم الجنائى وجب أن تكون له حجية مطلقة ، لا بالنسبة إلى الخصوم فحسب ، بل أيضاً فى حق الكافة ( erga omnes ) . ذلك أن المتهم إنما يدان أو يبرأ باسم المجتمع ولمصلحة المجتمع العليا ، فالمجتمع ممثل دائماً فى المحاكم الجنائية . ولهذه المحاكم سلطة واسعة فى تحرى الحقائق ، فما تكشفه منها يكون أقرب غلى الصدق ، وهو حجة على المحاكم المدنية والجنائية ، بل هو حجة على الناس جميعا ( [1155] ) . ومن ثم كان للقاضى فى الدعوى الجنائية أن يثير من تلقاء نفسه حجية الأمر المقضى ولو لم تتمسك بها الخصوم ، ويجوز للخصوم التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض ( [1156] ) ، ولا يجوز لهم النزول عنها .

أما فى الدعوى المدنية ، ولو كانت تنظر أمام المحاكم الجنائية ، فيكاد الإجماع ينعقد على أن حجية الأمر المقضى ليست من النظام العام ( [1157] ) . بل هى لا تعدو أن $ 643 $ تكون دليلاً على الحق ، والخصم يملك الحق نفسه ، ويملك النزول عنه ، ويستطيع أن يتفق مع خصمه على الطرق التى تتبع لإثباته كما قدمنا . فيجوز إذن للخصم أن ينزل عن حجية الأمر المقضى ( [1158] ) ، ولا يجوز للقاضى إثارتها من تلقاء نفسه $ 644 $ إذا لم يتمسك بها الخصم ( [1159] ) ، ولا يجوز للخصم التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض ( [1160] ) ، وإن كان يجوز له التمسك بها فى أية حالة كانت عليها الدعوى أمام $ 645 $ محكمة الموضوع فى الدرجة الابتدائية وفى الدرجة الاستئنافية ( [1161] ) . وقد قضت الفقرة الثانية من المادة 405 من التقنين المدنى ، تأييداً لهذا الحكم ، بأنه لا يجوز للمحكمة أن تأخذ بحجية الأمر المقضى من تلقاء نفسها ( [1162] ) .

346 - حجية الأمر المقضى لا تمنع من تفسير الحكم ولا من تصحيحه : ولا تمنع حجية الأمر المقضى من تفسير الحكم الذى ثبتت له هذه الحجية ، وفقاً للأوضاع المقررة فى تقنين المرافعات ( م 366 - 367 ) ، ولا من الفصل فيما عسى أن تكون المحكمة قد أغفلت الفصل فيه من بعض الطلبات الموضوعية ( م 368 مرافعات ) ، ولا من تصحيح ما عسى أن يكون قد وقع فى الحكم من أخطاء مادية بحته ، كتابية كانت أو حسابية ، بشرط ألا يتخذ التصحيح ذريعة لإعادة النظر فى موضوع الحكم ( [1163] ) .

 $ 646 $

347 - الصور المختلفة لحجية الأمر المقضى : ولحجية الأمر المقضى صور مختلفة . فقد يحتج بحكم جنائى أمام محكمة جنائية ، وهذا لا شأن لنا به وهو من مباحث القانون الجنائى . والذى يعنينا هو أن يحتج بالحكم أمام محكمة مدنية ، سواء صدر هذا الحكم من محكمة مدنية ( [1164] ) أو من محكمة جنائية .

أما الاحتجاج بالحكم الصادر من محكمة جنائية أمام محكمة مدنية – وهو ما عرضت له المادة 406 من التقنين المدنى إذ تنص على أنه " لا يرتبط القاضى المدنى بالحكم الجنائى إلا فى الوقائع التى فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيما ضرورياً " – فقد مضى القول فيه فى الجزء الأول من الوسيط ( [1165] ) .

فلا يبقى إلا الاحتجاج بحكم صادر من محكمة مدنية أمام محكمة مدنية . وهذا الذى نقتصر عليه فى بحثنا هنا .

348 - النصوص القانونية : وفى هذا الصدد تنص المادة 405 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " 1 - الأحكام التى حازت قوة الأمر المقضى تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق ، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه القرينة . ولكن لا تكون لتلك $ 647 $ الأحكام هذه الحجية إلا فى نزاع قام بين الخصوم أنفسهم ، دون أن تتغير صفاتهم ، وتعلق بذات الحق محلاً وسبباً " .

 " 2 - ولا يجوز للمحكمة أن تأخذ بهذه القرينة من تلقاء نفسها " ( [1166] ) .

ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق المادة 232 / 297 ( [1167] ) .

ويقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى قانون البينات السورى المادة 90 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 503 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدينة اللبنانى المادة 304 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 393 ( [1168] ) .

ويقابل فى التقنين المدنى الفرنسى المادة 1351 ( [1169] ) .

 $ 648 $

349 - شروط قيام حجية الأمر المقضى : ويتبين من نص التقنين المدنى المصرى المقدم الذكر أن هناك شروطاً يجب أن تتوافر لقيام حجية الأمر المقضى .

وهذه الشروط قسمان : قسم يتعلق بالحكم ، وآخر يتعلق بالحق المدعى به ( [1170] ) .

المبحث الأول

الشروط الواجب توافرها فى الحكم

350 - شروط ثلاثة : لا تقوم حجية الأمر المقضى إلا إذا توافرت فى الحكم شروط ثلاثة :

( أولاً ) أن يكون حكماً قضائياً .

( ثانياً ) أن يكون حكماً قطعياً .

( ثالثاً ) أن يكون التمسك بالحجية فى منطوق الحكم لا فى أسبابه .

المطلب الأول

حكم قضائى

351 - حكم صادر من جهة قضائية : يجب للتمسك بحجية الأمر المقضى أن يكون هناك حكم صادر من جهة قضائية .

فالفتوى – أياً كانت جهة الإفتاء – لا حجية لها ( [1171] ) .

 $ 649 $

والقرار الإدارى ، وهو صادر من جهة إدارية لا من جهة قضائية ، لا تكون له حجية الأمر المقضى . فيجوز للجهة الإدارية التى أصدرته ، أو جهة إدارية أعلى منها ، أن تسحبه . ولكن هناك جهات إدارية ذات اختصاص قضائى ، كلجان مخالفات الرى ولجان الشياخات ولجان الإجارات ، فهذه تكون القرارات الصادرة منها حائزة لحجية الأمر المقضى ما دامت قد صدرت فى حدود اختصاص الجهة التى أصدرتها ( [1172] ) . ولا حجية لهذه القرارات فيما جاوز هذه الحدود . فمجالس التأديب جهات إدارية ذات اختصاص قضائى ، ولكن اختصاصها مقصور على المحاكمة التأديبية ، فلا تحول القرارات الصادرة من الهيئات التأديبية إذن دون المحاكمة أمام المحاكم الجنائية بالنسبة إلى العقوبة الجنائية ، ولا دون المحاكمة أمام المحاكم المدينة بالنسبة إلى التعويض ( [1173] ) .

ولا يكون لقرارات الحفظ الصادرة من النيابة العامة أو قاضى التحقيق أو غرفة الاتهام حجية الأمر المقضى ( [1174] ) .

فلابد إذن أن يصدر الحكم من جهة قضائية . ويستوفى فى ذلك أن تكون جهة القضاء مدنية أو تجارية أو شرعية أو ملية أو إدارية ( [1175] ) .

كما يستوى أن تكون جهة قضاء عادية أو جهة قضاء استثنائية ، فثبت حجية الأمر المقضى للأحكام الصادرة من المحاكم العسكرية ( [1176] ) ، وذلك بشرط $ 650 $ ألا تجاوز الجهات الاستثنائية حدود اختصاصها ( [1177] ) . كذلك تثبت حجية الأمر المقضى لجهة قضاء كانت موجودة ثم ألغيت ، كمجلس الأحكام فى الماضى ( [1178] ) وكالمحاكم المختلطة منذ عهد قريب .

ويكون للحكم الصادر من المحكمين حجية الأمر المقضى ، إذ التحكيم جهة قضاء نظمها القانون ( [1179] ) .

أما الحكم الصادر من محكمة أجنبية ، ففى فرنسا يحوز حجية الأمر المقضى إذا ذيل بالصيغة التنفيذية ( [1180] ) ( exequatur ) ، وفى مصر يميل القضاء إلى تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل ( [1181] ) .

 $ 651 $

ويجوز الحكم حجية الأمر المقضى حتى لو كان مشوباً يعيب فى الشكل ، أو صادراً ضد خصم غير أهل للتقاضى ، أو اشتمل على خطأ فى تطبيق القانون ( [1182] ) ، وحتى لو كان البطلان بسبب مخالفة النظام العام ، ما لم يكن الحكم مشوباً بالغش أو كان نتيجة تواطؤ بين الخصمين ( [1183] ) .

352 - وجهة قضائية لها الولاية فى الحكم الذى أصدرته : ويجب أن تكون جهة القضاء التى أصدرت الحكم له الولاية ( juridiction ) فى الحكم الذى أصدرته . فإذا لم تكن للمحكمة ولاية ، لم يكن لحكمها حجية الأمر $ 652 $ المقضى . ومن ثم لا تثبت حدية الأمر المقضى لحكم صدر من محكمة مدنية أو مجلس ملى فى مسألة تدخل فى ولاية المحاكم الشرعية ، ولا لحكم صدر من محكمة شرعية أو مجلس ملى فى مسألة تدخل فى ولاية المحاكم الوطنية ، ولا لحكم صدر من محكمة مدنية فى مسألة تدخل فى ولاية القضاء الإدارى . على أنه إذا صدر الحكم من محكمة لا ولاية لها ، كانت له مع ذلك حجية الأمر المقضى بالنسبة إلى هذه المحكمة أو إلى غيرها من محاكم الجهة ذاتها ، ولكن لا حجية للحكم بالنسبة إلى الجهات القضائية الأخرى ( [1184] ) .

 $ 653 $

ويكون للحكم حجية الأمر المقضى إذا صدر من محكمة لها الولاية فى إصداره ، حتى لو كانت هذه المحكمة غير مختصة ، سواء رجع عدم الاختصاص إلى $ 654 $ الموضوع أو رجع إلى المكان . فالحكم الصادر من محكمة مدنية تكون له حجية الأمر المقضى ولو كان المختص هو القضاء التجارى . كذلك الحكم الصادر من محكمة جزئية تكون له هذه الحجية ولو كان المختص هو المحكمة الكلية . ومن باب أولى يحوز حجية الأمر المقضى الحكم الصادر من محكمة كلية وهو من اختصاص محكمة كلية أخرى ، أو من محكمة جزئية وهو من اختصاص محكمة جزئية أخرى ( [1185] ) .

 $ 655 $

353 - وبموجب سلطتها القضائية لا سلطاتها الولائية : ثم أن المحكمة ذات الولاية يجب أن تكون قد أصدرت الحكم بموجب سلطتها القضائية ( jurisdiction contentieuse ) لا بموجب سلطتها الولائية ( jurisdiction gracieuse ) .

ومعرفة ما إذا كان الحكم صادراً بموجب السلطة القضائية للمحكمة من مباحث قانون المرافعات . ولكن يمكن القول بوجه عام أن العبرة بطبيعة الموضوع الذى يصدر فيه أمر القاضى وطبيعة ما يجريه القاضى فى إصداره ، فإن كان الأمر يتعلق بخصومة بين طرفين فصل فيها فهو قضاء ، وإلا فهو أمر ولائى ( [1186] ) .

فالتصديق على الصلح ( [1187] ) ، وإجراء القسمة قضائياً ، والتصديق على القسمة إذا كان بين الشركاء غائب أو كان بينهم من لم تتوافر فيه الأهلية ( م 840 مدنى ) ( [1188] ) ، وتصديق المحكمة الحسبية على الحساب الذى يقدمه الأوصياء والقوام ( [1189] ) ، كل هذه أوار تصدر من المحكمة بموجب سلطتها الولائية فلا تحوز $ 656 $ حجية الأمر المقضى ، وذلك ما لم تفصل فى خصومة بين طرفين ( [1190] ) . فإذا فصلت المحكمة فى المنازعات التى قد تعترض دعوى القسمة ( م 838 مدنى ) ، فهذا فصل فى خصومة يحوز حجية الأمر المقضى . أما التصديق على الصلح مع المفلس $ 657 $ ( concordat ) فقد كانت محكمة الاستئناف المختلطة تميل إلى اعتباره منطوياً على فصل فى خصومة ، فيجوز حجية الأمر المقضى ( [1191] ) .

والحكم يتعين وصى أو قيم فى غير خصومة ( [1192] ) ، وإقامة ناظر على الوقف فى غير خصومه كذلك ، كل هذه أوامر ولائية لا تحوز حجية الأمر المقضى . أما الحكم بتوقيع الحجز فهو حكم قطعى يحوز حجية الأمر المقضى ( [1193] ) .

والإذن للأوصياء والقوام فى مباشرة التصرفات ( [1194] ) ، والإذن فى استبدال الوقف ( [1195] ) ، لا يعتبر أى منهما حكماً قضائياً ، بل هو أمر ولائى لا يحوز حجية الأمر المقضى ، إذ هو لا يفصل فى خصومة بل يمكن من إجراء تصرف معين . وكذلك الحكم بمرسى المزاد ليس إلا إجراء تصرف فى العين التى رسا فيها المزاد ، فهو أمر ولائى لا يحوز حجية الأمر المقضى ( [1196] ) .

والأمر الصادر من رئيس المحكمة بإعطاء الدائن حق اختصاص بعقارات مدينة ، وقائمة التوزيع بين الدائنين فى غير ما يفصل فيه من مناقضات $ 658 $ ومعارضات ( [1197] ) ، كل هذه أوامر ولائية لا تحو حجية الأمر المقضى .

كذلك تعتبر أوامر ولائية لا تحوز حجية الأمر المقضى قرارات لجان المعافاة من الرسوم القضائية ( [1198] ) ، وأوامر رئيس محكمة القضاء الإدارى بتقصير المواعيد ، أما حكم محكمة القضاء الإدارى بوقف تنفذ أمر إدارى ، وكذلك حكم محكمة النقض بوقف تنفيذ حكم نهائى ، فهذا فصل فى خصومة يحوز حجية الأمر المقضى .

المطلب الثانى

حكم قطعى

354 - الحكم القطعى والحكم النهائى : لا تكون حجية الأمر المقضى إلا لحكم قطعى ( [1199] )( jugement definitif ) ، وهو الحكم الصادر فى الموضوع بالبت فيه ، ولو كان حكماً ابتدائياً غيابياً قابلاً للطعن فيه بالمعارضة وبالاستئناف . ولا ضرورة ، حتى تكون للحكم حجية الأمر المقضى ، أن يصبح الحكم القطعى حكماً نهائياً ( jugement passé en force de chose jugee ) ، باستنفاده لطرق لطعن العادية من معارضة واستئناف . فالحجية تثبت للحكم الغيابى ثبوتها للحكم الحضورى ، وللحكم الابتدائى ثبوتها للحكم النهائى ( [1200] ) ، وتثبت للحكم النهائى حتى لو طعن فيه بالنقض أو بالتماس إعادة النظر أو باعتراض الخارج عن الخصومة . وقد سبق أن أشرنا إلى وجوب التمييز بين حجية الحكم ( autorite ) ونهائيته ( irevocabilite ) ، فالنهائية لا شأن لها بالحجية ، بل هى تتصل بقابلية الحكم للتنفيذ ( [1201] ) .

 $ 659 $

355 - متى يثبت للحكم القطعى حجية الأمر المقضى : وكل حكم قطعى بت فى الخصومة يحوز حجية الأمر المقضى . فالحكم القطعى الصادر في الموضوع بالبت فيه ، كله أو بعضه ( [1202] ) ، تكون له هذه الحجية . كذلك ثبت الحجية للحكم القطعى الذى يبت فى الدفع ، سواء كان الدفع موضوعياً أو شكلياً ، كالحكم بعدم الاختصاص وبعدم قبول الدعوى وبعدم جواز نظر الدعوى وببطلان صحيفة الدعوى . وتثبت الحجية كذلك للحكم القطعى الذى يبت فى نزاع يتصل بإجراءات الدعوى ، كالحكم بسقوط الخصومة وبانقضائها بمضى المدة وبتركها وباعتبار الدعوى كأن لم تكن ( [1203] ) .

 $ 660 $

ولكن هناك أحكاماً قطعية لا تبت فى الخصومة على وجه حاسم ، فهذه لا تحوز حجية الأمر المقضى . مثل ذلك الأحكام التهديدية ( jugements comminatoires ) ، فالحكم بغرامة تهديدية ( astreintes ) لا يحوز حجية الأمر المقضى ، إذ أن الغرامة التهديدية تحوز إعادة النظر فيها بالزيادة أو الإنقاص أو الإلغاء ( م 213 و 214 مدنى ) ( [1204] ) . ومثل ذلك أيضاً الحكم على وجه حاسم ، وإن كانت له حجية فهى حجية مقصورة على الحالة التى كانت عليها الدعوى حين رفعها أول مرة ، فيجوز رفع الدعوى من جددي بعد تصحيح هذه الحالة أو تغيرها ( [1205] ) . كذلك الحكم بإخراج خصم من الدعوى ، أو بعدم قبل تدخله ، لا يحوز حجية الأمر المقضى فى موضوع الدعوى ، لأنه لم يبت فى هذا الموضوع أصلاً ، بل اقتصر على البت فى رفض اشتراك شخص معين فى خصومة قائمة ، والحكم بذلك لا يمنع هذا الشخص من رفع دعوى مستقلة بطلباته دون أن يدخل فى الخصومة التى حكم برفض اشتراكه فيها ( [1206] ) .

 $ 661 $

356 - الأحكام الصادرة قبل الفصل فى الموضوع : أما الأحكام الصادرة قبل الفصل فى الموضوع ( jugements d'avant - dire droit ) فهى ليست بأحكام قطعية ، ولا تحوز حجية الأمر المقضى ( [1207] ) .

وهذه الأحكام هى : الأحكام التحضيرية ( jugements preparatoires ) ، والأحكام التمهيدية ( jugements interlocutoires ) ، والأحكام الوقتية ( jugements provisoires ) .

357 - الأحكام التحضيرية : وهى أحكام تسبق الحكم فى الموضوع تحضيراً لهذا الحكم ، دون أن تبين رأى المحكمة فى نقطة النزاع . وذلك كالحكم بتعيين خبير لمعاينة محل النزاع ، أو الحكم بانتقال المحكمة إلى محل النزاع ، أو الحكم بالإحالة على التحقيق . مثل هذه الأحكام لا تكون له حجية الأمر المقضى ، بل يجوز للمحكمة العدول عنها بعد إصدارها وقبل تنفيذها ، وإذا هى نفذتها لم تتقيد بالنتيجة التى أدت إليها .

 

358 - الأحكام التمهيدية : وهى أحكام تسبق الحكم فى الموضوع $ 662 $ تمهيداً لهذا الحكم ، وتبين رأى المحكمة فى نقطة النزاع . وذلك كالحكم يتعين خبير لتقدير الضرر الذى أصاب المدعى ، أو بإحالة القضية على التحقيق لإثبات وقوع الفعل الموجب للمسئولية ، فإن المحكمة إذا قضت بذلك قبل أن تقضى فى قيام المسئولية ذاتها تكون ، دون أن تقطع فى قيام المسئولية ، قد كشفت عن ميلها للقضاء بذلك ، ومن أجل هذا عينت خبيراً لتقدير الضرر أو أحالت القضية على التحقيق لإثبات وقوع الفعل الموجب للمسئولية .

وكان الأمر فى تقنين المرافعات السابق أن الكم التمهيدى ، إذا أصدرته المحكمة من تلقاء نفسها دون طلب أحد من الخصوم ، فلا تكون له حجية الأمر المقضى ، ويجوز للمحكمة العدول عن تنفيذه . أما إذا كان صادراً بناء على طلب أحد الخصوم ، فإنه يعتبر قد فصل فى أمر تنازع فيه ، وتثبت له الحجية ، فلا يجوز للمحكمة العدول عن تنفيذه ( [1208] ) . على أنه إذا نفذ فى الحالتين لم يقيد $ 663 $ المحكمة بالنتيجة التى أدى إليها ( [1209] ) .

ولكن تقنين المرافعات الجديد نص فى المادة 165 منه على أن " للمحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات ، بشرط أن تبين أسباب العدول بالمحضر . ويجوز لها ألا تأخذ بنتيجة الإجراء ، بشر أن تبين أسباب ذلك فى حكمها " . فألحق الحكم التمهيدى بالحكم التحضيرى ، وأنزل الحكمان منزله سواء فى جواز عدول المحكمة عن تنفيذ الحكم بعد إصداره ، ولو كان حكماً تمهيدياً صدر بناء على طلب أحد الخصوم . وقد نبذ تقنين المرافعات الجديد تقسيم الأحكام إلى تحضيرية وتمهيدية بعد أن سوى بينهما فى الحكم . فلا يحوز الحكم التمهيدى حجية الأمر المقضى ، سواء أصدرته المحكمة من تلقاء نفسها أو صدر بناء على طلب أحد الخصوم ، ففى الحالتين يجوز للمحكمة العدول عن تنفيذه ، وإذا هى نفذته لم تتقيد بالنتيجة التى أدى إليها كما سبق القول .

غير أنه يجوز أن يتضمن الحكم التمهيدى – أو الحكم التحضيرى – حكماً قطعياً يفصل فى مسألة من مسائل النزاع ، فيحوز هذا الحكم القطعى فى هذه $ 664 $ الحالة حجية الأمر المقضى . وذلك كالحكم الصادر بإحالة القضية على التحقيق ، قد تصرح فيه المحكمة بجواز إثبات الحق المتنازع فيه بالبينة ، أو بتحميل أحد الخصمين عبء الإثبات ، أو برفض الدفع بعدم قبول الدعوى ، أو بغير ذلك من الأحكام القطعية ( [1210] ) .

359 - الأحكام الوقتية : وهى أحكام تسبق الحكم فى الموضوع للفضل فى مسائل وقتية لا تمس جوهر النزاع . وذلك كالحكم فى دعاوى إثبات الحالة ( [1211] ) ، والحكم بالحراسة ( [1212] ) ، والحكم بنفقة وقتية للمصاب حتى يفصل فى دعوى التعويض ، والحكم بإلزام ناظر الوقف أن يدفع لأحد المستحقين نفقة شهرية إلى أن يفصل فى دعوى الحساب ( [1213] ) .

 $ 665 $

ويعتبر الحكم الصادر من قاضى الأمور المستعجلة أو فى المسائل المستعجلة حكماً وقتياً لا يحوز حجية الأمر المقضى ( [1214] ) .

على أنه يلاحظ ألا محل للمساس بحكم وقتى إذا بقى سببه قائماً ، ولا يجوز $ 666 $ العدول عنه إلا إذا تغيرت الظروف التى أدت إلى إصداره . فالحكم الوقتى تكون له إذن حجية مؤقتة ، وتبقى هذه الحجية ما دام سببه المؤقت قائماً ، فإذا زال السبب زالت الحجية ( [1215] ) .

المطلب الثالث

التمسك بالحجية فى منطوق الحكم لا فى أسبابه

360 - منطوق الحكم : لا تثبت الحجية فى الأصل إلا لمنطوق الحكم ( dispositif ) دون أسبابه ( motifs ) ، والمنطوق هو الجزء من الحكم الذى يفصل فى نقط النزاع ( [1216] ) .

 $ 667 $

وقد يفصل المنطوق فى بعض نقط النزاع ، لا على وجه صريح ، بل بطريق ضمنى ( implicitement ) ، فثبت الحجية لهذا المنطوق الضمنى ما دام هو النتيجة الحتمية للمنطوق الصريح ( [1217] ) ( suite necessaire d'une disposition expresse ) . فالحكم الذى يقضى بصحة الإجراءات التى اتخذت لتنفيذ سند تكون له حجية الأمر المقضى فى صحة هذا السند ونفاذه ، لأنه ما دام قد حكم بصحة الإجراءات التى اتخذت لتنفيذ سند فإن هذا يقتضى ضرورة صحة هذا السند وقابليته للتنفيذ ( [1218] ) . أما الحكم الذى يصدر برفض دعوى الاستحقاق لعجز المدعى عن إثبات ملكتيه للعين فلا تثبت له حجية الأمر المقضى ، إذا أتيح للمدعى أن يصبح هو الحائز ، فأقام الخصم الآخر دعوى الاستحقاق بدوره وأراد أن يستند إلى الحكم الأول لإثبات ملكيته ، لأن هذا الحكم إنما قضى بأن خصمه غير مالك والحكم بذلك لا يستتبع حتماً أن يكون هو المالك . لكن إذا كان هذا الخصم الآخر قد تمسك فى الدعوى الأولى بملكيته للعين ، وأمكنه إثبات سبب الملكية ، ورفضت دعوى المدعى على هذا الأساس ، كان لهذا الحكم الأول حجية الأمر المقضى فى الدعوى الثانية ( [1219] ) .

 $ 668 $

كذلك يشمل المنطوق الذى تثبت له الحجية ما قضى به فى الدعوى الأصلية وفى الدعاوى والدفوع التبعية . فإذا دفع المدعى عليه الدعوى بدفع ، أو أقام $ 669 $ دعوى عارضة ( [1220] ) ( demande reconventionnelle ) ، أو أثيرت مسألة أولية ( question prejudicielle ) من أى الخصمين ، فقضى الحكم فى كل هذا ، فإن المنطوق الصادر فى جميع هذه المسائل الفرعية تكون له حجية الأمر المقضى كالمنطوق الصادر فى الدعوى الأصلية ( [1221] ) .

 $ 670 $

على أن المنطوق لا تكون له حجية الأمر المقضى إلا حيث يفصل فى مسألة واقع لا فى مسألة قانون ( [1222] ) . ويجب أن يفصل فى نزاع كان محل مناقشة بين الخصمين ، وتقدم فيه كل منهما بدفاعه وطلباته ( [1223] ) . أما ما عسى أن يرد فى المنطوق من عبارات عارضة لم تكن محل مناقشة ، فليست لها حجية الأمر المقضى ( [1224] ) . مثل ذلك أن يقضى الحكم على المدين بدفع فوائد الدين دون أن يناقش مقدار هذا الدين بين الخصمين فى الدعوى ، فالمنطوق الذى يرد فيه ذكر مقدار الدين $ 671 $ على نحو عارض لا تكون له حجية الأمر المقضى بالنسبة إلى هذه المسألة ( [1225] ) .

361 - أسباب الحكم : أما أسباب الحكم فلا تكون لها حجية الأمر المقضى فيما عرضت له من المسائل ، أياً كانت هذه المسائل ، ومهما بلغ من صراحة الأسباب ، ما لم تكن هذه المسائل قد ذكرت فى منطوق الحكم قبولاً أو رفضاً على النحو الذى بيناه فيما تقدم ( [1226] ) .

على أن هناك من الأسباب ما تكون له الحجية . وهى الأسباب التى ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمنطوق الحكم ، تحدد معناه أو تكمله ، بحيث لا يقوم المنطوق بدون هذه الأسباب ، وبحيث إذا عزل عنها صار مبهماً أو ناقصاً . وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كان منطوق الحكم مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بأسبابه ونتيجة لازمة لها ، فإن هذه الأسباب تحوز حجية الأمر المقضى ، فإذا كان مدار النزاع فى الدعوى هو ما إذا كانت ملكية المدعى للأرض خالصة له وحده أو أن له $ 672 $ شركاء على الشيوع فيها ، وقد قضت المحكمة للمدعى بطلباته أخذاً بما انتهى غليه الخبير من أن الأرض موضوع النزاع هى ضمن مساحة مملوكة كلها للمدعى ومحدودة غير شائعة فى أطيان أخرى وكان هذا الحكم نتيجة لازمة لما قدمته المحكمة فى أسباب حكمها المشار إليه من أن قسمة نهائية واقعية حصلت بين المدعى وشركائه فى الملك الشائع اختص بموجبها المدعى بأطيانه مفرزة ، فإن هذا الحكم يكون حائزاً فى خصوص مسألة القسمة حجية الأمر المقضى ، مانعاً من العود إلى المناقشة فيها فى أى دعوى تالية يثار فيها هذا النزاع ( [1227] ) . وقضت أيضاً بأنه لا مانع من أن بعض المقضى به يكون فى الأسباب ، فإذا قضت المحكمة ببطلان عقد بيع بعد أن استعرضت فى أسباب حكمها الأوجه التى دار النزاع حولها طلباً ودفعاً ، وبحثت هذه الأوجه ، وفصلت فيها فصلاً قاطعاً ، وخلصت من بحثها إلى النتيجة التى حكمت بها ، فمعنى ذلك أنه بعد أن قضت فى هذه المسائل وضعت قضاءها فيها فى أسباب الحكم ، ثم وضعت بالمنطوق الحكم ببطلان البيع ، وهو نتيجة ما وضعته فى الأسباب ، فأصبح الحم فاصلاً فى جميع نقط النزاع المتقدمة الذكر طلباً ودفعاً ( [1228] ) . أما إذا كانت المحكمة قد عرضت ، تزيداً $ 673 $ فى بعض أسبابها ، إلى مسألة خارجة عن حدود النزاع المطروح عليها ، أو لم تكن بها حاجة إليها للفصل فى الدعوى ، فإن ما عرضت له من ذلك فى أسباب حكمها لا تكون له حجية الأمر المقضى ( [1229] ) .

 $ 674 $

على أن أسباب الحكم التى لا تحوز حجية الأمر المقضى ، وهى التى لا تتصل اتصالاً وثيقاً بالمنطوق ، قد يتمسك بها الخصوم أنفسهم فى دعوى أخرى تالية ، وتكون من بين أدلة الإثبات التى يتقدمون بها ، فيقدر القاضى دلالتها كما يقدر أى دليل آخر ( [1230] ) .

362 - وقائع الدعوى : أما وقائع الدعوى فهى فى الأصل لا حجية لها فى دعوى أخرى . وإنما هى حجة بما جاء فيها فى نفس الدعوى إذا طعن فى الحكم بالنقض ، فتتقيد محكمة النقض بما أثبتته محكمة الموضوع من الوقائع ولا تستطيع أن تحيد عنها . ولا تبسط رقابتها إلى فى مسائل القانون .

ولكن قد تكمل بعض وقائع الدعوى منطوق الحكم بحيث يكون المنطوق ناقصاً بدونها ، فتكون للوقائع عندئذ حجية الأمر المقضى فيما تكمل فيه المنطوق . وقد قضت محكمة استئناف مصر بأنه إذا لم يوضح فى منطوق الحكم مقدار الشئ المحكوم به ، وكان هذا المقدار مبيناً فى عريضة افتتاح الدعوى وفى وقائع الحكم ، ولم ينازع فيه الخصم ، ولم تمس المحكمة من جهتها المقدار المذكور بأى نقصان ، فإنه فى هذه الحالة الخاصة يتعين اعتبار وقائع الحكم ومنطوقه مكونين فى هذه النقطة لمجموع واحد لا يتجرأ ، بحيث يكون للحكم فيما يختص بذلك المقدار حجية الأمر المقضى ( [1231] ) .

 $ 675 $

المبحث الثانى

الشروط الواجب توافرها فى الحق المدعى به

363 - شروط ثلاثة : لا يكون للحكم حجية الأمر المقضى إلا إذا توافر أيضاً فى الحق المدعى به شروط ثلاثة :

( أولاً ) اتحاد الخصوم ( identite de personnes ) .

( ثانياً ) اتحاد المحل ( identite d'objet ) .

( ثالثاً ) اتحاد السبب ( identite de cause ) .

وهذا هو ما نصت عليه المادة 405 من التقنين المدنى فيما قدمناه إذ تقول " ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا فى نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير فتهم ، وتعلق بذات الحق محلاً وسبباً ( [1232] ) " .

 $ 676 $

الطلب الأول

اتحاد الخصوم

364 - الحكم حجة على الخصوم أنفسهم : لا يكون للحكم حجية إلا بالنسبة إلى الخصوم أنفسهم ، فالحكم كالعقد لا يسرى أثره إلا فى حق من كان طرفاً فيه ، ولا يمتد هذا الأثر إلى الغير . فإذا حصل المستأجر على حكم ضد المؤجر بتسليمه العين المؤجرة ، فإن هذا الحكم لا يكون حجة إلا على من كان خصماً فى الدعوى ، أى من المؤجر والمستأجر . أما غير هذين ، كالمشترى للعين المؤجرة ، فلا يكون الحكم حجة عليه ، وله بالرغم من هذا الحكم أن يرفع دعوى على المستأجر يطالبه فيها بالعين إذا لم يكن لعقد الإيجار تاريخ ثابت سابق على البيع . أما المؤجر ، وهو أحد الخصوم فى الحكم ، فلا يستطيع أن يرفع الدعوى من جديد على المستأجر ليطرح نفس النزاع الذى سبق أن فصل فيه الحكم ( [1233] ) .

ويرجع اشتراط اتحاد الخصوم فى حجية الأمر المقضى إلى مبدأ حياد القاضى الذى أسلفنا الإشارة إليه ، لا إلى الخشية من تعارض الأحكام . فقد كان يكفى لمنع تعارض الأحكام أن نشترط اتحاد المحل واتحاد السبب ، فيكون الحكم فى مسألة معينة حجة فى نفس المسألة متى اتحد المحل والسبب ، فيكون الحكم فى مسألة معينة حجة فى نفس المسألة متى اتحد المحل والسبب ، ويمتنع بذلك صدور حكم متعارض مع الحكم الأول . ولكننا اشترطنا أيضاً اتحاد الخصوم ، حتى إذا ما اختلف الخصوم لا يكون الحكم حجة ولو مع اتحاد المحل والسبب . ذلك بأن الخصوم فى الحكم الأول هم الذين تقدموا بإثبات ادعاءاتهم ودفوعهم بالطرق التى ارتأوها والتى كانت فى أيديهم ، والقاضى محايد فى كل ذلك ، يترك الخصوم إلى أنفسهم يقوم كل بما يستطيع القيام به لإثبات ما يدعيه . فلا يجوز أن يكون الحكم الذى يصدره فى هذا الجو المحايد حجة على خصوم آخرين لم يدخلوا فى الدعوى الأولى ، ولم يتمكنوا من تقدير ما بأيديهم من وسائل $ 677 $ لإثبات ما يدعون . والحقيقة القضائية ليست حقيقة مطلقة ، بل هى حقيقة نسبية كما سبق القول .

365 - وعلى الخصوم بنفس صفاتهم : والمراد باتحاد الخصوم هو اتحادهم قانوناً لا طبيعة . فإذا كان لأحد الخصوم نائب مثله فى الدعوى – وكيل أو وصى أو قيم أو سنديك أو غير ذلك ( [1234] ) - فالحك حجة على الأصيل لا على النائب . ولا تمنع هذه الحجية النائب من أن يعود إلى رفع الدعوى من جديد بصفته أصيلاً لا نائباً . فإذا طالب ب بحق ادعاه لابنه بصفته ولياً عليه ، فرفضت دعواه ، فإن هذا الحكم لا يمنع الأب من أن يعود إلى المطالبة بهذا الحق لنفسه هو بصفته أصيلاً ( [1235] ) . والحكم على سنديك بهذه الصفة ليس حجة عليه بصفته الشخصية ( [1236] ) . والحكم على مستحق فى الوقف ليس حجة على الوقف ذاته ، ولا مقاصة بين حق للوقف ودين على أحد $ 678 $ المستحقين ( [1237] ) . والحكم على خصم بصفته صاحب الحق المدعى به لا يكون حجة عليه إذا رفع الدعوى من جديد باعتباره متنازلاً له عن هذا الحق من صاحبه ( [1238] ) .

 $ 679 $

366 - وهو حجة على خلف الخصوم : وليس الحكم حجة على الخصوم وحدهم ، بل هو حجة أيضاً على خلف الخصم ، سواء كان الخلف عاماً أو خاصاً .

فهو حجة على الخلف العام . وتكون له حجية الأمر المقضى بالنسبة إلى ورثة كل من الخصمين ، والموصى لهم بجزء من مجموع التركة . فهؤلاء يكونون محكوماً لهم أو محكوماً عليهم تبعاً لما إذا كان السلف هو الخصم الذى كسب الدعوى أو الخصم الذى خسرها . ولكنهم لا يكنون خلفاً عاماً إلا باعتبار أنهم يتلقون هذا الحق من مورثهم . فلو أن المورث باع عيناً واحتفظ بحيازتها وبحق الانتفاع فيها ، ثم رفع عليه المشترى دعوى يطلب الحكم فيها بصحة البيع ، فحكم له بذلك ، فإن هذا الحكم لا يكون حجة على الورثة الذين يتمسكون بأن البيع حقيقته وصية تزيد على الثلث ، مستندين فى ذلك إلى المادة 917 من التقنين المدنى . ذلك بأن الورثة ، وهم يطعنون فى البيع ، يستعملون حقاً خاصاً بهم لاحقاً تلقوه عن مورثهم ، فلا يكون الحكم الصادر فى مواجهة مورثهم حجة عليهم ( [1239] ) .

وهو حجة على الخلف الخاص . ويشترط فى ذلك أن يكون الحكم متعلقاً بالعين التى انتقلت إلى الخلف الخاص ، وأن تكون الدعوى التى صدر فيها الحكم قد رفعت وسجلت صحيفتها قبل انتقال العين إلى الخلف الخاص ( [1240] ) . مثل ذلك $ 680 $ أن يصدر حكم على مالك ارض بوجود حق ارتفاق على هذه الأرض ، وبعد رفع الدعوى وتسجيل صحيفتها ، يبيع المالك الأرض ، فيكون الحكم فى هذه الحالة حجة على المشترى لأنه الخلف الخاص للبائع ( [1241] ) . أما إذا كان تسجيل البيع سابقاً على تسجيل صحيفة الدعوى التى صدر فيها الحكم ، فلا يكون المشترى خلفاً خاصاً ، ولا يكون الحكم حجة عليه ( [1242] ) . وقد قضت محكمة النقض بأن الحم الصادر فى نزاع على ملكية عقار لا يكون نافذاً على من اشتروا وسجلوا عقدهم قبل رفع الدعوى التى صدر فيها هذا الحكم ، لأن من اشتروا قد أصبحوا بعد البيع ذوى حق خاص ، ولم يبق للبائع صفة فى المخاصمة بالنيابة عنهم بشأن هذا الحق ، وعلى ذلك فلا يكون للحكم الصادر فى دعوى تثبيت الملكية ضد البائع حجية الأمر المقضى بالنسبة إلى المشترى ( [1243] ) . وعلى العكس من ذلك ، إذا $ 681 $ وقع شخص دعوى استحقاق على المشترى دون إدخال البائع خصماً فى الدعوى وحكم للمدعى بالاستحقاق ، فإن هذا الحكم لا يكون حجة على البائع ( [1244] ) .

367 - كما هو حجة على الدائنين : ويكون الحكم حجة أيضاً على $ 682 $ دائني الخصم . فإذا صدر حكم علي شخص باستحقاق العين التي وضع يده عليها ، فإن هذا الحكم يكون حجة علي دائني هذا الشخص ، ومن ثم لا تعتبر العين مملوكة لمدينهم ، ولا يستطيعون التنفيذ عليها . ويستوي في ذلك أن تكون حقوق الدائنين تالية لرفع دعوي الاستحقاق أو سابقة عليها ( [1245] ) . كذلك إذا صدر الحكم في دعوي الاستحقاق لصالح المدين وقضي برفض دعوي المستحق ، فإن هذا الحكم يكون حجة للدائنين .وإذا كان المدين يمثل دائنه في الأحكام التي تصدر عليه أو له ، فإن الدائن علي العكس من ذلك لا يمثل المدين( [1246] ) ويترتب علي ذلك أنه إذا رفع الدائن دعوي باسم مدينه ، مستعملا حق المدين وفقا للمادة 235 من التقنين المدني ، فإن الحكم الذي يصدر في هذه الدعوي لا يكون حجة علي المدين ما لم يكن قد أدخل في الدعوي ، وبذلك قضت المادة 235 سالفة الذكر إذ نصت علي أنه " لا يشترط إعذار المدين لاستعمال حقه ، ولكن يجب إدخاله خصما في الدعوي " . ولا يكون الحكم كذلك حجة علي الدائنين الآخرين إلا إذا أدخلهم المدعي عليه في الدعوي ( [1247] ) .

علي أن تمثيل المدين لدائنه ، في الأحكام التي تصدر عليه ، لا يستقيم في جميع الأحوال . فهناك أحوال ثلاثة يكون الدائن فيها من الغير بالنسبة إلي الحكم الذي يصدر ضد المدين ، ولا يسري هذا الحكم في حقه :

( الحالة الأولي ) إذا تواطأ المدين مع خصمه في الدعوي التي صدر فيها الحكم ضده ، أو تعمد خسارة الدعوي إضراراً بدائنه ، أو أهمل إهمالا جسيما في الدفاع عن حقه . ففي هذه الحالة يحق للدائن أن يطلب اعتباره من الغير ، فلا يسري الحكم في حقه . وهذا ما يفعله الدائن أيضا في الدعوي البولصية عندما يطعن في التصرف الصادر من مدينة إضراراً بحقه . وهو إذا كان يلجأ في اعتبار التصرف غير سار في حقه إلي الدعوي البولصية ، فإنه يلجأ في اعتبار الحكم غير سار في حقه إلي اعتراض الخارج عن الخصومة ( tierce - opposition ) $ 683 $ وتنص الفقرة الأولي من المادة 450 من تقنين المرافعات علي أنه " يجوز لمن يعتبر الحكم الصادر في الدعوي حجة عليه ، ولم يكن قد أدخل أو تدخل فيها ، أن يعترض علي هذا الحكم بشرط إثبات غش من كان يمثله أو تواطئه أو إهمال الجسيم " ( [1248] ) . وسنري فيما يلي أن الغير الذي لا يسري الحكم في حقه ، كالدائن المتضامين والمدين المتضامين ، يستطيع أيضاً أن يلجأ إلي اعتراض الخارج عن الخصومة ( [1249] ) . ولكن هناك فرقا جوهريا بين الدائن والغير . فالحكم الصادر ضد المدين يسري في حق الدائن ، إلي أن يتمكن هذا من إلغائه عن طريق اعتراض الخارج عن الخصومة ، وهو الطريق الوحيد المفتوح أمامه لتحقيق هذا الغرض أما الغير - والحكم لا يسري في حقه - يستطيع أن يتجاهل هذا الحكم دون أن يلجأ إلي اعتراض الخارج عن الخصومة ، ويستطيع أن يرفع دعوي مبتدأة دون أن يحتج عليه بالحكم فهو غير سار في حقه كما قدمنا ( [1250] ) .

ويلاحظ أن الدائن ، عندما يطعن في الحكم الصادر ضد المدين باعتراض الخارج عن الخصومة ، إنما يستعمل حقا خاصا به جعله القانون لحمايته ، لا حقا مستمداً من المدين ( [1251] ) . وهذا هو أيضا ما يفعل في الدعوي البولصية ، فهو يستعمل حقا خاصا به ، لا حقا مستمداً من المدين ، عندما يطعن في التصرف الصادر من هذا المدين .

( الحالة الثانية ) إذ صدر حكم فيما بين المدين وأحد دائنيه بأن للدائن حق $ 684 $ امتياز أو حق أولوية من أي نوع كان . فإن هذا الحكم لا يكون حجة علي بقية الدائنين . ذلك أن التفاصيل ما بين الدائنين أمر يخص هؤلاء الدائنين وحدهم ، ولا يمثلهم فيه المدين . فالدائن الذي لا يدخل خصما في الدعوي لا يكون الحكم بتأخره عن دائن آخر حجة عليه ( [1252] ) . بل إن الحكم بصحة الدين الصادر في مواجهة المدين لا يمنع دائنا آخر لنفس المدين من أن يطغي في هذا الدين بالصورية ( [1253] ) . والدائن ، وهو يتمسك بصحة الدين أو بحق الأولوية ، إنما يستعمل هنا أيضا حقا خاصا به ، لاحقا مستمداً من المدين ( [1254] ) .

( الحالة الثالثة ) الدائن المرتهن لا يمثله المدين ، بالنسبة إلي العين المرهونة ، إذا كان حق الرهن قد أصبح نافذا في حق الغير قبل رفع الدعوي ، فإذا رفعت علي المدين دعوي باستحقاق العين المرهونة ، وكسب المدعي دعواه ، فإن الحكم الصادر باستحقاق العين المرهونة ، وكسب المدعي دعواه ، فإن الحكم الصادر باستحقاق العين لا يكون حجة علي الدائن المرتهن الذي قيد رهنه قبل تسجيل صحيفة دعوي الاستحقاق ، ما لم يكن هذا الدائن قد أدخل خصما في هذه الدعوي . ونري من ذلك أن الدائن المرتهن يعامل ، بالنسبة إلي العين المرهونة ، معاملة الخلف الخاص ( [1255] ) .

 $ 685 $ 368 - ولكنه ليس حجة علي الغير : أما غير الخلف العام والخلف الخاص والدائن العادي ، فلا يكون الحكم حجة عليه ( Res inter alios ) ( [1256] ) .فالغيرية في الحكم لا تختلف في جوهرها عن الغيرية في العقد ( [1257] ) .

ومن الأمثلة علي الغير ، الذي لا يسري في حقه الحكم الصادر ضد المدين ، المالك في الشيوع ، والمدين المتضامن ، والدائن المتضامن ، والكفيل ، والوارث بالنسبة إلي سائر الورثة .

فلو صدر حكم ضد أحد الملاك في الشيوع ، فإن لا يكون حجة علي بقية الملاك في الشيوع الآخرين ما داموا لم يختصموا في الدعوي ( [1258] ) .

أما المدينون المتضامنون أو الدائنون المتضامنون ، والكفلاء ولو كانوا متضامنين ( 4 ) ، فإن الحكم الصادر لمصلحة أحد منهم يفيد الباقي ، ولكن الحكم الصادر ضد أحد لا يكون حجة علي الباقين . وقد طبقت المادة 296 $ 686 $ من التقنين المدني هذا المبدأ علي المدينين المتضامنين ، فنصت علي ما يأتي : " 1 - إذا صدر حكم علي أحد المدينين المتضامنين ، فلا يحتج بهذا الحكم علي الباقين . 2 - أما إذا صدر الحكم الصالح أحدهم ، فيستفيد منه الباقون ، إلا إذا كان الحكم مبنيا علي سبب خاص بالمدين الذي صدر الحكم لصالحه " . والأصل في ذلك أن التضامن فيه معني النيابة فيما ينفع لا فيما يضر ( [1259] ) .وكالتضامن عدم قابلية الالتزام للتجزئة .

أما الورثة فلا يمثل بعضهم بعضا ، ولا يسري الحكم الصادر في مواجهة أحدهم في حق الباقي ، إلا إذا ثبت أن الوارث قد كان خصما في الدعوي باعتباره ممثلا للتركة . وقد قضت محكمة النقض بأن القاعدة الشرعية التي تقضي بأن الوارث ينتصب خصما عن باقي الورثة في الدعاوي التي ترفع من التركة أو عليها قد تكون صحيحة ممكنا الأخ بها لو أن الوارث الواحد كان قد خاصم أو خوصم في الدعوي طالباً الحكم للتركة نفسها بكل حقها أو مطلوبا في مواجهته الحكم علي التركة نفسها بكل ما عليها ، أما إذا كانت دعوي الوارث لم يكن مقصوده الأول منها سوي تبرئة ذمته من نصيبه في الدين ، ذلك النصيب المحدد المطلوب منه في الدعوي ، فإن الواحد أنه يعمل لنفسه فقط في حدود هذا النصيب المطلوب منه ولمصلحته الشخصية فقط في تلك الحدود ، لا لمصلحة عموم التركة كنائب شرعي عنها وقائم في الخصومة مقامها ومقام باقي الورثة ( [1260] ) . $ 687 $ وقد قدمنا أن الغير لا يجبر علي الطعن في الحكم الصادر ضد المدين باعتراض الخارج عن الخصومة ، لأن ها الحكم ليس حجة عليه ولا يسري في حقه ، فهو في غير حاجة إلي مهاجمته . ولكنه مع ذلك يستطيع أن يستبق الحوادث وأن يهاجم هذا لحكم ، فيطعن فيه باعتراض الخارج عن الخصومة ، ويؤكد عن طريق القضاء أنه من الغير بالنسبة إليه فلا يجوز أن يسري في حقه . ولا يشترط لنجاح هذا الطعن إثبات التواطؤ أو الغش أو الإهمال الجسيم كما يشترط لك في نجاح طعن الدائن . وقد قضت الفقرة الثانية من المادة 450 من تقنين المرافعات بذلك إذ نصت علي ما يأتي : " وكذلك يجوز للدائنين والمدينين المتضامنين وللدائنين والمدينين بالتزام غير قابل للتجزئة الاعتراض علي الحكم الصادر علي دائن أو مدين آخر منهم " ( [1261] ) . $ 688 $ بالنسبة إلي أشخاص لم يدخلوا . مثل الحالة الأولي أن يكون الشخص الذي دخل في الدعوي ليس خصما حقيقيا فيها( [1262] ) . مثل الحالة الثانية أن يكون الحكم $ 689 $ شيئا لحالة مدنية ( etate civil ) ، كالحكم الصادر بتوقيع الحجر فأنه يكون حجية علي الناس كافة ، من دخل الدعوي ومن لم يدخل ، وسيأتي تفصيل ذلك .

المطلب الثاني

اتحاد المحل

369 - العبرة بما طلبه الخصم لا بما لم يطلبه أو بما احتفظ به : ولا يكون للحكم حجية الأمر المقضي إلا بالنسبة إلي المحل ذاته الذي سبق طلبه في الدعوي التي صدر فيها الحكم . فإذا رفعت دعوي جديدة بهذا المحل ذاته ، أمكن دفعها بحجية الأمر المقضي . ويترتب علي ذلك أن الحكم بتعويض عن ضرر يمنع من تجديد المطالبة بالتعويض عن نفس الضرر ، ولكنه لا يمنع من الحكم بتعويض آخر عن ضرر استجد من نفس العمل الضار( [1263] ) . وإذا صدر حكم يقضي بصحة عقد إيجار ، فلا يجوز بعد ذلك للمؤجر أو للمستأجر أن يرفع الدعوي من جديد يناقش في حجة هذا العقد . أما إذا صدر للمؤجر باستحقاق الأجرة عن مدة معينة ، فإن هذا الحكم لا يجوز حجية الأمر المقضي بالنسبة إلي استحقاق الأجرة عن مدة أخري ، إذ محل الدعوي هنا يختلف عن المحل في الدعوي الأولي ( [1264] ) . وإذا قضي في حساب الدين عن مدة مضت ، فلا يجوز الرجوع إلي حساب الدين مرة أخري وإعادة تقدير ريع الأرض المرهونة والموازنة بين هذا الريع والفائدة عن المدة التي قضي في حسابها ( [1265] ) .

 $ 690 $ ووحدة المحل تبقي قائمة ، أيا كانت التغيرات التي تصيب هذا المحل بعد ذلك من نقص أو زيادة أو تعديل ( [1266] ) .

والقاعدة في معرفة ما إذا كان محل الدعويين متحداً أن يتحقق القاضي من أن قضاءه في الدعوي الجديدة لا يعدو أن يكون مجرد تكرار للحكم السابق فلا تكون هناك فائدة منه ، أو أن يكون مناقضا للحكم السابق سواء بإقرار حق أنكره أو بإنكار حق أقره فيكون هناك حكمان متناقضان ( [1267] ) .

والعبرة بطلبات الخصوم التي فصل فيها الحكم . فإذا لم يطلب الخصم الحكم $ 691 $ علي المدين وكفيله المتضامن بالتضامن ، فإن الحكم الصادر باعتبار الكفيل غير متضامن لا يمنع من العودة إلي المطالبة بالتضامن ، فإن هذا طلب جديد لم يكن موضوعا للخصومة الأولي ( [1268] ) .

كذلك إذا حفظ المدعي لنفسه الحق في بعض الطلبات ، فالحكم فيما قدمه من الطلبات لا يمنعه من رفع دعوي جديدة للمطالبة بما احتفظ به من قبل . وقد قضت محكمة الاستئناف الأهلية بأنه إذا طلب المدعي الحكم برد العين المغصوبة ، وحفظ لنفسه الحق في طلب الريع بدعوي علي حدتها ، وحكم المحكمة له بالعين ولم تذكر شيئا من الريع ، وختمت الحكم بقولها " ورفضت باقي الطلبات " ، فلا يعتبر هذا الرفض ساريا علي طلب " حفظ الحق " وما منا من طلب الريع في المستقبل ، لأن هذا الحق محفوظ للمدعي دون أن تحكم له المحكمة بحفظه ، وتكون عبارة " رفضت باقي الطلبات " عبارة زائدة مكتوبة حسب العادة الجارية ولا تأثيرها( [1269] ) . وإذا حفظ الحكم الصادر في دعوي التملك لأحد الخصوم الحق في رفع الريع أو بالتعويض ، فذلك لا يعتبر فصلا في المسئولية عن الريع أو التعويض ( [1270] ) .

 $ 692 $ 370 - الحكم في شيء حكم فيما يتفرع عنه : والحكم في شيء يعتبر حكما فيه وفيما يتفرغ عنه . فلا يجوز رفع الدعوي من جديد للمطالبة بما يتفرع عن شيء حكم برفضه .

ويترتب علي ذلك أنه إذا صدر حكم برفض الإدعاء بملكيه عين أو برفض الإدعاء بالدين ، فلا يجوز بعد ذلك رفع الدعوي من جديد للمطالبة بريع العين أو بفوائد الدين . وإذا صدر حكم ببطلان سند الدين ، فلا تجوز المطالبة بعد ذلك بقسط جديد غير القسط الذي صدر فيه الحكم السابق . وقد قضت محكمة النقض بأن المسألة الواحدة بعينها إذا كانت كلية شاملة ، وكان ثبوتها أو عدم ثبوتها هو الذي ترتب عليه القضاء بثبوت الحق الجزئي المطلوب في الدعوي أو بانتقائه ، فإن هذا القضاء يجوز حجية الأمر المقضي في تلك المسألة الكلية الشاملة بين الخصوم أنفسهم ، ويمنع الخصوم أنفسهم من التنازع بطريق الدعوي أو بطريق الدفع في شأن حق جزئي آخر متوقف ثبوته أو انتفاؤه علي ثبوت تلك المسألة الكلية السابق الفصل فيها بين الخصوم أنفسهم أو علي انتفائها ( [1271] ) .

371 - الحكم في الكل والحكم في الجزء : كذلك إذا كان الكل متكونا من أجزاء تعتبر ، بطبيعتها أو بطريق العادة ، غير متجزئة ، فالحكم في الكل حكم في الجزء ، والحكم في الجزء حكم في الكل .

فإذا حكم برفض دعوي الملك في أرض زراعية بما يتبعها من أبنية وآلات ومواسير ونحو ذلك ، فلا تجوز المطالبة بعد ذلك بملكية شيء من هذه الأشياء التابعة . والحكم بالدين حكم بكل قسط من أقساطه ( [1272] ) . والحكم بصحة بيع $ 693 $ حجة في بيع كل عنصر من عناصره ( [1273] ) .

والحكم في جزء من التركة حجة في جميع أجزائها ( [1274] ) . وقد قضت محكمة استئناف مصر بأنه إذا كان المحكوم به جزءاً من كل ، وكان النزاع في ملك هذا الجزء مبنيا علي اعتبار أنه بعض من هذا الكل وعلي اعتبار أن هذا الكل مملوك للمدعي ، وكان الفصل في ملكية هذا الجزء يقتضي البحث في هذا الكل ، وفصلت المحكمة في منطوق حكمها في هذا الجزء فقط باعتبار أنه جزء من كل متنازع عليه بحثت فيه في أسباب حكمها فأن الحكم يتصل بالكل ويكسب بالنسبة إليه حجية الأمر المقضي ، بشرط أن يكون الخصوم قد تنازعوا في ذلك تنازعا جديا وتبادلوا بحثه بحثا دقيقا حقيقيا مقصوداً من جميع نواحيه حتي يكون الحكم الصادر حجة عليهم فيما جعلوا تبادل بحثهم دائراً عليه . فالحكم الصادر في النزاع في ملكية جزء من منزل ، إذ تناول بحث النزاع الخاص بملكية المنزل جميعه بالشرط المتقدم ، يجوز حجية الأمر المضي بالنسبة إلي ملكية المنزل جميعه ( [1275] ) .

ومع ذلك فإن الحكم في الكل لا يتضمن حتما الحكم في الجزء . فإذا صدر حكم برفض إدعاء الملكية في أرض ، لم يمنع ذلك من إدعاء الملكية في جزء شائع $ 694 $ في الأرض ( [1276] ) ، ما لم يكن الحكم السابق قد بت في أن المدعي لا يملك الأرض ولا أي جزء منها ( [1277] ) . والحكم برفض إدعاء الملكية لا يمنع من إدعاء حق ارتفاق أو حق انتفاع ( [1278] ) .

كذلك الحكم في الجزء لا يتضمن حتما الحكم في الكل . فالحكم برفض إدعاء حق ارتفاق أو حق انتفاع لا يمنع من ادعاء الملكية كاملة . والحكم برفض الفوائد لا يمنع من المطالبة برأس المال ( [1279] ) .

372 - الحكم في صفة عارضة : وإذا قضي الحكم في طلب ، وكان قضاؤه هذا يستلزم الفصل في صفة عارضة ( qualite simplement accidentelle ) للخصم ، فلا يكون الحكم حجة في دعوي أخري تثار فيها هذه الصفة من جديد . مثل ذك أن تقضي المحكمة التجارية باختصاصها بنظر نزاع بين شخصين ، علي أساس أن المدعي عليه تاجر . فصفة التاجر التي خلعها الحكم علي المدعي عليه – وهي صفة عارضة - لا تحوز حجية الأمر المقضي في دعوي أخري يطلب فيها نفس المدعي شهر إفلاس نفس المدعي عليه . وللمحكمة في الدعوي الثانية أن ترفض شهر الإفلاس ، علي أساس أن المدعي عليه ليس بتاجر ( [1280] ) .

 $ 695 $ 373 - الحكم في الحالة المدنية : والحكم الذي يقر لأحد الخصوم حالة مدنية ( etat civil ) يخضع هو أيضا لحجية الأمر المقضي وما تصطبغ به هذه الحجية من النسبية ( caractere relative ) فلا يكون لهذا الحكم حجية إلا فيما بين الخصوم ، ولا تتعدي حجيته إلي الغير .

وقد كان القضاء الفرنسي إلي عهد قريب يذهب إلي أن هذا الحكم تكون له حجية مطلقة ( erga omnes ) ، فيسري في حق الناس كافة ، خصوما كانوا أو غير خصوم . فإذا خلع الحكم علي شخص صفة الأب أو الأبن أو الزوج أو المحجور أو الوصي أو غير ذلك من الصفات التي تتعلق بالحالة المدنية ، كان الحكم حجة علي جميع الناس في هذه الصفة . ذلك بأن الحالة المدنية لا تقبل التجزئة ( indivisible )ولا يجوز أن تبقي قلقة مضطربة يحتج بها علي بعض دون بعض ( [1281] ) . ولكن القضاء الفرنسي عدل أخيرا عن هذا الرأي في حكم له مشهور ( [1282] ) . وقرر أن الحكم في الحالة المدنية حجيته هو أيضا نسبية فيما بين الخصوم ، ولا تتعدي هذه الحجية إلي الغير ( [1283] ) .

عل أن هناك نوعا من الأحكام تأبي طبيعته إلا أن تكون له حجية مطلقة . وهذه هي الأحكام التي تنشيء الحالة المدنية ( jugements constiutifs detat ) ولا تقتصر علي الكشف عنها . فالحكم بالطلاق ، والحكم بإبطال الزواج ، والحكم بالحجر ، والحكم بتعيين وصي أو قيم ، كل هذه أحكام تنشيء حالة مدنية جديدة ، وهي بطبيعتها تسري في حق الناس كافة ، ولذلك يهييء لها القانون عادة أوضاعا معينة تكفل لها العلانية ( [1284] ) .

 $ 696 $ وقد ذهب القضاء في مصر أيضا إلي أن الأحكام التي تنشيء الحالة المدنية تكون حجة علي الناس كافة ( [1285] ) .

المطلب الثالث

اتحاد السبب

374 - تحديد معني السبب : ويجب أخيرا ، حتي يكون للحكم حجية الأمر المقضي ، أن يتحد السبب . والسبب هو المصدر القانوني للحق المدعي به أو المنفعة القانونية المدعاة . وهو لا يعدو أن يكون الواقعة المراد إثباتها ، واقعة مادية ، أو تصرفا قانونيا ، وقد سبق بيان ذلك .

  فالمستأجر حين يطالب المؤجر بتسليم العين المؤجرة يكون السبب في دعواه هو عقد الإيجار فإذا رفضت دعواه علي هذا الأساس ، لم يجز له أن يعود إلي رفعها من جديد مستنداً إلي عقد الإيجار مرة أخري ، أي إلي نفس السبب الذي استند إليه في الدعوي السابقة ، وإلا دفعت دعواه بحجية الأمر المقضي . أما إذا رفع دعوي جديدة بتسليم العين ، ولكن استند في طلبه إلي سبب جديد ، كعقد بيع مثلا ، فإن الدعوي الجديدة لا يجوز دفعها بحجية الأمر المقضي لاختلاف السبب ، فقد كان في الدعوي الأولي إيجاراً وهو الدعوي الثانية بيع . كذلك إذا طالب شخص بتسليم عين بسبب الميراث ورفضت دعواه ، فإن هذا لا يمنعه من العودة إلي المطالبة بها بسبب الوصية وإذا رفضت الدعوي بملكية عين بسبب الشراء فلا مانع من المطالبة بها ثانية بسبب التقادم المكسب . بل لا يوجد ما يمنع من المطالبة بملكية العين ذاتها بسبب عقد بيع آخر غير عقد البيع الذي رفضت الدعوي الأولي علي أساسه ، فإن المماثلة بين السببين لا تمنع من ازدواجهما ، وحجية الأمر المقضي تقتضي أن يكون السبب التالي هو عين السبب الأول فلا يكفي أن مماثلا له ( [1286] ) .

 $ 698 $ وإذا كان تعدد السبب يمنع من التمسك بحجية الأمر المقضي ، فمن باب أولي يكون تعدد كل من السبب والمحل مانعا من التمسك بهذه الحجيو . ويترتب علي ذلك أن الحكم الصادر في دعوي من دعاوي وضع اليد ( ireions possessoires ) لا يكون حجة في دعوي الملكية ( action petitoire ) ، ففي الدعوي الأولي المحل $ 699 $ هو الحيازة والسبب هو وضع اليد مدة محدودة ، وفي الدعوي الثانية المحل هو الملكية والسبب هو وضع اليد مدة أطول أو سبب آخر غير وضع اليد ( [1287] ) .

 $ 700 $ 375 - وجوب الإبقاء علي شرط اتحاد السبب مع عدم التوسع فيه : واتحاد السبب كشرط في حجية الأمر المقضي من شأنه أن يضيق من هذه الحجية ، وأن يجعل العود إلي التقاضي ممكنا في ذات الموضوع وبيت نفس الخصوم بدعوي أن السبب مختلف . هذا إلي ما ينطوي عليه تحديد معني السبب ، في كثير من الحالات ، من دقة وخفاء سنري أمثله منها فيما يلي . وقد نزع بعض الفقهاء إلي القول بإمكان حذف هذا الشرط من شروط حجية الأمر المقضي ، دون أن يختل الأساس الذي تقوم عليه هذه الحجية ( [1288] ) . وقال آخرون بإدماج المحل والسبب في شرط واحد ، فيكون هذا الشرط هو وحدة المسائل المتنازع فيها ( questions litigieuses )( [1289] ) . والصحيح في نظرنا أن هناك اعتبارين متعارضين لا بد من التوفيق بينهما . فمن ناحية ، تقضي نسبة الحقائق القضائية أن نعتد بسبب الحق المدعي به ، فالحكم الذي يرفض الملكية بسبب الميراث لا يمكن أن يعتبر عنوان الحقيقة في رفض الملكية بسبب الوصية . ومن ناحية أخري ، يقضي الاعتبارات الجوهرية التي تقوم عليها حجية الأمر المقضي - وهو عدم تأييد المنازعات - ألا نتوسع كثيراً في فكرة السبب ، وأن نجمع ما بين الأسباب المتقاربة التي يستدعي بعضها بعضا فلا يفكر الخصم في أحدها دون أن يفكر في الآخر ، فندمجها جميعا في سبب واحد ، ولا نجعل من تنوعها $ 701 $ ما يخل بوحدة السبب . وسنسير علي هذه الخطة ، ونتبين أهميتها بوجه خاص عند الكلام في وحدة عيوب الرضاء كسبب المطالبة ببطلان العقد ، وعند الكلام في وحدة أنواع المسئولية كسبب للمطالبة بالتعويض .

فلا بد إذن من الإبقاء علي شرط اتحاد السبب ، مع عدم التوسع فيه . فإذا تعدد السبب ، لم يجز التمسك بحجية الأمر المقضي ، حتي لو اتحد المحل . لكن إذا اتحد السبب - مع اتحاد المحل والخصوم - جاز التمسك بحجية الأمر المقضي ، حتي لو تعددت أدلة الإثبات علي هذا السبب الواحد ، أو تعددت الدعاوي التي تنشأ من هذا السبب الواحد ( [1290] ) .

 $ 702 $ فيجب إذن مواجهة الحالات الآتية : ( 1 ) وحدة المحل مع تعدد السبب وهنا لا يجوز التمسك بحجية الأمر المقضي . ( 2 ) وحدة السبب مع تعد الأدلة ، وهذا لا يمنع من قيام حجية الأمر المقضي . ( 3 ) وحدة السبب مع تعدد الدعاوي ، وهذا أيضا لا يمنع من قيام حجية الأمر المقضي .

376 - وحدة المحل مع تعدد السبب : قد يتحد المحل في الدعويين ويتعدد السبب . وعند ذلك لا يكون للحكم الصادر في الدعوي الأولي حجية الأمر المقضي في الدعوي الثانية كما قدمنا ، إذ أنه بالرغم من توافر شرط اتحاد المحل قد اختل شرط اتحاد السبب . وأكثر ما يتحد المحل ويتعدد السبب في العمل يقع في أحوال أربع : ( 1 ) يكون المحل المتحد هو بطلان العقد وتتعدد أسباب البطلان . ( 2 ) يكون المحل المتحد هو انقضاء الالتزام وتتعدد أسباب الانقضاء . ( 3 ) يكون المحل المتحد هو حق الملكية وتتعد أسباب كسبها . ( 4 ) يكون المحل المتحد هو قيام التزام وتتعدد مصادره .

فقد يطالب شخص ببطلان عقد ، ويجعل سبب البطلان عيبا في الشكل أو عيبا في الرضاء أو نقصا في الأهلية أو خللا في المحل أو خللا في السبب . فهذه جملة من الأسباب الرئيسية للبطلان ، إذا تمسك بسبب منها ورفضت دعواه ، لم يمنعه ذلك من رفع دعوي جديدة يتمسك فيها بسبب آخر . فإذا تمسك بعيب في الشكل وقضي بصحة الشكل ، جاز أن يتمسك بعيب في الرضاء وإذا تمسك بخلل في المحل ، لم يمنعه الحكم برفض دعواه من رفع دعوي جديدة يتمسك فيها بخلل في السبب . علي أنه لا تجوز المبالغة ، كما قدمنا ، في تنويع السبب الرئيسي الواحد من أسباب البطلان ، وإلا فقدت حجية الأمر المقضي قيمتها ولم تمنع من تأييد الخصومات . فالعيب في الشكل لا يتعدد سببه ، مهما تعددت صور هذا العيب ( [1291] ) . والعيب في الرضاء لا يتعدد ، أيا كان هذا العيب $ 703 $ غلطا وتدليسا أو إكراها ( [1292] ) . ونقص الأهلية لا يتعدد ، أيا كان السبب الذي يرجع إليه نقص الأهلية قصراً أو سفها أو غفلة أو عتها . وهكذا قل عن سائر الأسباب الرئيسية للبطلان . فإذا طعن شخص ببطلان عقد للتدليس ورفضت دعواه ، لم يجز له أن يعود في دعوي جديدة يطعن في العقد بالإكراه . والضابط لوحدة السبب في البطلان هو ، فيما نري أن يكون هناك سبب رئيسي واحد ، إذا انقسم إلي أسباب فرعية فإن كل سبب منها يستدعي السبب الآخر ، بحيث ترتسم كل هذه الأسباب الفرعية في مخيلة الخصم مندمجة في هذا السبب الرئيسي ، فلا يفكر في واحد منها دون أن يفكر في الباقي ، فتتحقق وحدة السبب في هذا السبب الرئيسي . وهو يستغرق كل الأسباب الفرعية التي تندمج فيه ، فلا يتعدد السبب بتعددها ، ويكون الحكم في أي سبب منها حكما في الباقي ومن ثم إذا طعن الخصم في العقد بالغلط دون غيره من عيوب الرضاء ، $ 704 $ فالحكم برفض دعواه للغلط حكم برفض الدعوي للتدليس وللإكراه ، ذلك بأنه عند ما طعن في العقد بالغلط لابد أن يكون قد استعرض بطريق التداعي التدليس والإكراه فاستبعدهما واقتصر علي الغلط . إذ الطعن في العقد بالغلط ينفي الطعن فيه بالتدليس ، فالتدليس غلط وقع فيه الخصم بسبب طرق احتيالية استعملت ضده ، وما دام لا يطعن في العقد إلا بالغلط فهو ينفي ضمنا أن هناك طرقا احتيالية أوقعته في هذا الغلط . كذلك الطعن في العقد بالغلط ينفي الطعن فيه بالإكراه ، لأن دعوي الغلط تفترض وقوع الخصم في وهم من غير علم بالواقع ، فهي لا تتفق مع دعوي الغلط تفترض خضوع الخصم للتعاقد عن علم بالواقع . ونري من ذلك كيف أن الغلط والتدليس والإكراه عيوب فرعية ، يستدعي كل عيب منها العيب الآخر ، وترتسم جميعا في مخيلة الخصم مندمجة في سبب رئيسي واحد . فإذا اقتصر الخصم علي عيب منها ، فإنه بذلك يكون قد استبعد العيبين الآخرين . علي أنه قد يحدث أن يطعن الخصم في العقد بالغلط ، جاهلا وقت الطعن أنه إنما وقع في هذا الغلط بسبب طرق احتيالية نصبها له خصمه . فإذا كشف ، بعد صدور الحكم برفض دعواه للغلط ، عن هذه الطرق الاحتيالة ، جاز له أن يرفع دعوي جديدة بالتدليس ، علي أن يثبت أنه لم يكشف عن هذا التدليس إلا بعد صدور الحكم في دعوي الغلط . كذلك يجوز أن يكون قد أكره علي جانب من العقد وغلط في جانب آخر ، فرفع دعوي الإكراه قبل أن يكشف عن غلطه . فإذا صدر حكم في دعوي الإكراه ، فإن هذا لا يمنعه من أن يرفع دعوي الغلط ، علي أن يثبت أنه لم يكشف عن هذا الغلط إلا بعد صدور الحكم في دعوي الإكراه( [1293] ) .

 $ 705 $ وقد يطالب شخص بانقضاء التزام ، ويجعل سبب الانقضاء الوفاء أو المقاصة الإبراء أو التقادم أو غير ذلك من أسباب انقضاء الالتزام . فإذا تمسك بالوفاء جاز له أن يتمسك بعد ذلك بالمقاصة ، أو تمسك بالإبراء جاز له أن يتمسك بعد ذلك بالتقادم ، وهكذا فلا يوجد ترتيب خاص للتمسك بأسباب الانقضاء أو بأسباب البطلان ، إلا ما يقتضيه حسن الدفاع من الناحية الواقعية لا من الناحية القانونية . فيجوز التمسك بسبب من أسباب البطلان قبل التمسك بسبب من أسباب الانقضاء . كما يجوز التمسك بسبب من أسباب الانقضاء قبل التمسك بسبب من أسباب البطلان . كما يجوز أخيراً التمسك بأي سبب من أسباب البطلان أو الانقضاء قبل التمسك بسبب آخر منها . ويترتب علي ذلك أنه يجوز التمسك بالغلط ثم بالمقاصة ، أو التمسك بالمقاصة ثم بالغلط ، أو التمسك بالتدليس ثم بعدم مشروعية السبب ، أو التمسك بالتجديد ثم باتحاد الذمة . ولا يوجد مانع قانوني من التمسك مثلا بالوفاء ثم بالإبراء ، إلا أن مركز من يتمسك بالوفاء أولا ثم يتمسك بالإبراء بعد ذلك يكون ضعيفا من الناحية الواقعية لما بين الدعويين من تعارض ( [1294] ) .

وقد يطالب شخص بملكية عين ، ويجعل سبب الملكية هو العقد أو الوصية أو الشفعة أو التقادم أو غير ذلك من أسباب كسب الملكية . فإذا تمسك بالعقد ، $ 706 $ جاز له أن يتمسك بعد ذلك بالوصية . وإذا تمسك بالتقادم ، جاز له أن يتمسك بعد ذلك بالشفعة ( [1295] ) .

وقد يطالب شخص آخر بالتزام قام في ذمته ، ويجعل مصدر هذا الالتزام العقد أو العمل غير المشروع أو الإثراء بلا سبب أو غير ذلك من مصادر الالتزام . فإذا تمسك بالعقد ، جاز له أن يتمسك بعد ذلك بالعمل غير المشروع . وإذا تمسك بالإثراء بلا سبب ، جاز له أن يتمسك بعد ذلك بالعقد . وإذا تمسك بالعمل غير المشروع ، جاز له أن يتمسك بعد ذلك بالإثراء بلا سبب . ونري ، جريا علي الخطة التي نسير عليها ، أن العمل غير المشروع ، بل المسئولية في مجموعها ، سبب رئيسي واحد لا يتعدد بتعدد أنواع المسئولية . فرفض دعوي المسئولية عن عمل معين يمنع من رفع دعوي جديدة بالمسئولية عن نفس العمل ، ولو كيفت المسئولية في الدعوي الأولي بأنها مسئولية عقدية وفي الدعوي الثانية بأنها مسئولية تقصيرية ، ومن باب أولي لو كيفت في الدعوي الأولي بأنها مسئولية تقصيرية قائمة علي خطأ ثابت وفي الدعوي الثانية بأنها مسئولية تقصيرية قائمة علي خطأ مفروض . ففي كل هذه الأحوال ، السبب الرئيسي الذي يجب الوقوف عنده هو العمل الذي نشأت عنه المسئولية ، عقدية كانت أو تقصيرية ، وهذا العمل هو لم يتغير في جميع الصور المتقدمة ( [1296] ) .

 $ 707 $ 377 - وحدة السبب مع تعدد الأدلة : وقد يتحد السبب وتتعدد عليه الأدلة . فيكون السبب في هذه الحالة واحداً ، مهما تعددت أدلته ، واقعية $ 708 $ كانت هذه الأدلة أو قانونية . وعند ذلك يكون للحكم الصادر في الدعوي الأولي حجية الأمر المقضي في دعوي أخري ، عاد فيها الخصم إلي نفس السبب ، ولكن ليقيم عليه دليلا آخر ، فلا يقبل منه ذلك ( [1297] ) .

وقد رأينا فيما قدمناه عن دعوي المسئولية تطبيقا لهذه القاعدة . فالسبب في هذه الدعوي هو – كما قدمنا - العمل الذي نشأت عنه المسئولية ، وهو واحد لا يتعدد ، وإنما تتعدد أدلته ( moyens ) فتارة تستند المسئولية إلي العقد ، $ 709 $ وطوراً إلي الخطأ الثابت ، وثالثة إلي الخطأ المفروض ، وليست هذه كلها إلا أدلة متعددة لسبب واحد هو قيام المسئولية . ففي دعوي المسئولية إذن السبب هو قيام المسئولية ، والمحل هو التعويض .

ومن ادعي التخلص من دين بالوفاء ، وأراد أن يقدم علي ذلك بينة حكم بعدم جواز سماعها ، وقضي عليه بالدين ، لا يجوز له بعد ذلك أن يرفع دعوي جديدة متمسكا بالسبب نفسه وهو الوفاء ، وإن قدم عليه هذه المرة دليلا مكتوبا كمخالصة بالدين . ذلك أن السب هنا – وهو الوفاء - لم يتغير ، وأن تغير الدليل عليه من بينة إلي ورقة مكتوبة . علي أنه إذا رفع الدائن دعوي بالدين ، ولم يدفع المدين بالوفاء فقضي بالدين ، ولم يتناول الحكم إلا البحث في وجوده ولم يعرض للوفاء به ، فإن هذا الحكم لا يجوز حجية الأمر المقضي بالنسبة إلي الوفاء . ومن ثم يجوز للمدين ، إذا عثر بعد ذلك علي مخالصة بالدين ، أن يرفع دعوي جديدة يطالب فيها الدائن برد ما دفع اليه دون حق ( [1298] ) . أما إذا دفع المدين بالوفاء ، وعرض الحكم لهذا الدفع وقضي برفضه ، فإن هذا الحكم يحوز حجية الأمر المقضي بالنسبة إلي الوفاء أيضا ، ولا يجوز للمدين إذا عثر بعد ذلك علي مخالصة بالدين رفع دعوي جديدة باسترداد ما دفع دون حق ( [1299] ) .

 $ 710 $ وإذا ادعي شخص ملكية عين بسبب الشراء مستنداً إلي ورقة مكتوبة لإثبات عقد البيع له ، فرفضت دعواه ، لم يجز أن يرفع دعوي جديدة ليثبت صحة البيع بورقة أخري أو بالبينة ولو كانت قيمة العين تجيزها ، وذلك بأن سبب الملكية – وهو عقد البيع - لم يختلف ، بل الاختلاف هو في أدلة الإثبات ، وهذا لا يجيز تجديد المنازعة ( [1300] ) .

 $ 711 $ 378 - وحدة السبب مع تعدد الدعاوي : وقد ينشأ عن السبب المواحد دعويان لصاحب الشأن الحق في اختيار إحداهما ، فإذا اختار واحدة ورفض طلبه فيها كان للحكم بالرفض حجية الأمر المقضي بالنسبة إلي الدعوي $ 712 $ الأخري ، فتكون هذه غير مقبولة إذا رفعت ( [1301] ) .

مثل ذلك الاستغلال . فقد قضت المادة 129 من التقنين المدني بأن المتعاقد المغبون الذي استغله المتعاقد للقاضي له أن يطلب إبطال العقد أو إنقاص التزاماته ، فإذا اختار إبطال العقد ، وحكم برفض دعواه ، فإن هذا الحكم يجوز حجية الأمر المقضي في دعوي جديدة يرفعها المتعاقد ويطلب فيها إنقاص التزاماته . ذلك بأن الحكم بالرفض قد استنفد السبب المشترك للدعويين معا ، وهو الاستغلال ( [1302] ) . والعكس صحيح ، فإذا رفضت دعوي إنقاص التزاماته ، لم يجز سماع دعوي الإبطال .

ومثل ذلك أيضا ما نصت عليه المادة 438 من التقنين المدني من أنه " إذا نقصت قيمة المبيع قبل التسليم لتلف أصابه ، جاز للمشتري إما أن يطلب فسخ البيع إذا كان النقص جسيما بحيث لو طرأ قبل العقد لما تم البيع ، وإما أن يبقي البيع مع إنقاص الثمن " . فهنا أيضا إذا خسر المشتري دعواه في إنقاص الثمن ، كان الحكم حجة تمنع من قبول دعوي الفسخ . أما إذا خسر دعوي الفسخ لعدم وصول النقص في المبيع إلي الحد المطلوب من المسألة ، فإن هذا لا يمنع من رفع دعوي إنقاص الثمن ( [1303] ) .

كذلك إذا خسر مدعي الاستحقاق دعواه في استحقاق نصيب شائع ، كان الحكم حجه تمنعه من أن يرفع دعوي القسمة في نفس العين الشائعة ، إذ أن سبب الاستحقاق هو نفس سبب القسمة - وهو ملكية النصيب الشائع - فإذا استنفد هذا السبب في دعوي الاستحقاق ، فقد استنفده أيضا في دعوي ( [1304] ) .

 $ 713 $ ويلاحظ في الأمثلة المتقدمة أن المحل في الدعويين مختلف ففي الاستغلال ، محل الدعوي الأولي هو إبطال العقد ، بينما المحل في الدعوي الأخري هو إنقاص الثمن . وفي التلف الجزئي للمبيع ، محل الدعوي الأولي هو فسخ العقد ، ومحل الدعوي الأخري هو إنقاص الثمن . وفي ملكية النصيب الشائع ، محل الدعوي الأولي هو استحقاق هذا النصيب ، ومحل الدعوي الأخري هو قسمة العين الشائعة . ومع ان المحل مختلف ، فإن الحكم في الدعوي الأولي حجة في الدعوي الأخري كما رأينا . ويمكن تعليل ذلك بأن الحكم الذي رفض الدعوي الأولي تضمن رفض الدعوي الأخري ، إذ استنفذ السبب المشترك للدعويين كما سبق القول ، فيكون للحكم حجية ، لا باعتباره قد فصل صراحة في الدعوي الأولي ، بل باعتباره قد فصل ضمنا في الدعوي الأخري .

379 - خاتمة – فكرتان رئيسيتان في حجية الأمر المقضي : وبعد فإن هناك فكرتين رئيسيتين تنتظمان كل ما قدمناه من شروط في حجية الأمر المقضي ( [1305] ) .

الفكرة الأولي هي ضرورة حسم النزاع ووضع حد تنتهي عنده الخصومات . فما دام قد صدر في النزاع حكم قضائي قطعي ، فإنه يجوز حجية الأمر المقضي في منطوقة لا في أسبابه ، وذلك حتي نقف بالتقاضي عند حد معقول ، فلا يتكرر النزاع مرة بعد أخري دون أن يحسم وهذه الفكرة الرئيسية الأولي هي التي تنتظم الشروط الواجب توافرها في الحكم .

والفكرة الثانية هي الحيلولة دون التناقض في الأحكام مع مراعاة النسبية في الحقيقة القضائية . فما دام الحكم قد صدر ما بين نفس الخصوم ، وفي ذات $ 714 $ المحل ، ولعين السبب ، فالتقاضي مرة أخري يؤدي إلي حكم ، إن اتفق مع الحكم الأول فلا حاجة لنا به ، وإن خالفه وقعنا فيما نخشاه من التناقض . وهذه الفكرة الرئيسية الثانية هي التي تنتظم الشروط الواجب توافرها في الحق المدعي به .

 $ 716 $ القسم الثاني

آثار الالتزام

 $ 717 $ تمهيد ( [1306] )

تنفيذ الالتزام

380 - أثر الالتزام وأثر العقد : أثر العقد هو إنشاء الالتزام ، إذ العقد مصدر من مصادر الالتزام .

أما أثر الالتزام فهو وجوب تنفيذه . وقد خلط التقنين المدني الفرنسي خلطا ظاهراً بين أثر العقد وأثر الالتزام ، فعالج الأثرين معاً مختطلين في باب واحد ، وكان ينبغي التمييز بينهما تمييزاً دقيقا ( [1307] ) . أما التقنين المدني المصري السابق فقد فصل ما بين الأثرين ، وتجنب الخلط الذي وقع فيه التقنين المدني الفرنسي ، ولكنه كان مقتضبا كل الاقتضاب في بسط الأحكام المتعلقة بآثار $ 718 $ الالتزام ، فأغفل " طائفة من أمهات المسائل التي تعرضت لها التقنينات الحديثة ( [1308] ) واستدرك هذا النقص التقنين المدني المصري الجديد ، فتناول آثار الالتزام في باب رتب ترتيبا تتسلسل الأحكام فيه ، وتتعاقب النصوص علي وجه قل أن تجد له نظيرا في التقنينات الحديثة ( [1309] ) .

وتنفيذ الالتزام إما أن يكون تنفيذا عينيا ( execution en nature ) أو تقنينا بمقابل ( execution par equivalent ) عن طريق التعويض ( damages - interest ) كذلك قد يكون تنفيذ الالتزام تنفيذا اختياريا ( execution volontaire ) أو تنفيذا جبريا ( execution obligatoire ) .

381 - التنفيذ العيني والتنفيذ عن طريق التعويض : والأصل في تنفيذ الالتزام أن يكون تنفيذا عينيا ، فيقوم المدين بأداء عين ما التزام به ، وذلك إذا توافرت شروط معينة سيأتي ذكرها . أما إذا اختل أحد هذه الشروط فإن التنفيذ يكون بمقابل فيقوم المدين بدفع تعويض للدائن يشمل ما لحقه من خسارة وما فاته من كسب بسبب عدم تنفيذ الالتزام تنفيذا عينيا . وقد يكون التعويض هو ذاته تعويضا عينيا ( reparation en nature ) فإذا التزام جار بألا يقيم حائطا في أرضه يحجب النور عن جاره ، فإن التنفيذ العيني لهذا الالتزام هو ألا يقيم الجار الحائط ، والتعويض العيني هو هدم الحائط بعد أن يكون الجار قد $ 719 $ أقامه . ولكن التعويض العيني نادر في العمل ، وأكثر ما يكون التعويض مبلغ من النقود .

382 - التنفيذ الاختياري والتنفيذ الجبري : وسواء كان التنفيذ عينيا أو كان عن طريق التعويض ، فإن المدين يدعي إلي تنفيذه اختياراً . والتنفيذ الاختياري هو الذي يقابل عنصر المديونية ( Schuld ) في الالتزام ، ويدعي عادة بالوفاء ( paiement ) ، وموضع الكلام فيه عند أسباب انقضاء الالتزام فهو أول هذه الأسباب وأهما . وإذا امتنع المدين عن التنفيذ اختياراً - ولم يكن الالتزام التزاما طبيعيا علي النحو الذي سنبينه فيما يلي – أجبر علي التنفيذ العيني أو التنفيذ بطريق التعويض علي حسب الأحوال . والتنفيذ الجبري هو الذي يقابل عنصر المسئولية ( Haftung ) في الالتزام .

ولا يصح الخلط بين التنفيذ الجبري والتنفيذ العيني واعتبارهما شيئا واحداً ، ذلك أن التنفيذ الجبري كما قد يوجه إلي تنفيذ الالتزام تنفيذا عينيا ، كذلك قد بوجه - بل أن هذا الذي يقع كثيراً - إلي تنفيذ الالتزام بطريق التعويض ( [1310] ) .

383 - الضمان العام للدائنين : وجميع أموال المدين ضامنة لالتزاماته ، وهذا ما يسمي بالضمان العام ( gage commun ) للدائنين . والدائنون متساوون قانونا في هذا الضمان ، لا يتقدم أحد منهم علي الآخرين ، إلا من خوله $ 720 $ القانون ذلك بمقتضي حق خاص ، كرهن أو امتياز ، علي مال معين للمدين ، وعندئذ لا يتقدم علي سائر الدائنين إلا بالنسبة إلي هذا المال وحده .

والمساواة ما بين الدائنين في التنفيذ علي أموال المدين إنما هي مساواة قانونية ، لا مساواة فعلية . فالقانون يجعل لكل دائن الحق في التنفيذ علي أموال مدينة ، فإذا بادر أحدهم إلي التنفيذ علي مال للمدين ، كان لسائر الدائنين الحق في مشاركته في هذا التنفيذ ومقاسمته ما ينتج منه مقاسمة الغرماء . ولكن إذا كانت هذه المشاركة جائزة قانونا ، فقد تكون غير متيسرة فعلا . ويرجع ذلك إلي أسباب كثيرة : فقد يكون الدائنون الآخرون غير عالمين بما يتخذ الدائن من إجراءات التنفيذ ، وإذا علموا فقد تكون إجراءات التنفيذ قد وصلت إلي مرحلة لا تسمح لهم بالمشاركة الفعلية ، وإذا كانت إجراءات التنفيذ لم تصل إلي هذه المرحلة فقد يعوزهم سند قابل للتنفيذ يستطيعون بمقتضاه المشاركة الفعلية ، إذ قد تكون حقوقهم غير خالية من النزاع ، أو هي خالية من النزاع ولكنها غير مستحقة الأداء ، أو هي مستحقة الأداء ولكنها غير مقترنة بسند رسمي أو حكم قابل للتنفيذ . تلك هي بعض وجوه انعدام المساواة بين الدائنين من الناحية الفعلية ، وإن كانوا جميعا متساوين من الناحية القانونية كما قدمنا .

والدائن ، قبل ا ، يتخذ الإجراءات التنفيذية ، قد يتخذ إجراءات تحفظية يكون الغرض منها المحافظة علي أموال المدين حتي يتمكن من التنفيذ عليها .

وبين الإجراءات التحفظية والإجراءات التنفيذية توجد مرحلة وسطي من الإجراءات ، هي فوق الأولي دون الثانية ، يمهد بها الدائن إلي التنفيذ ولا يقتصر علي مجرد المحافظة علي أموال المدين . هذه الإجراءات التمهيدية هي الدعوي غير المباشرة والدعوي البولصية ودعوي الصورية وحبس مال المدين وشهر إعساره . وفي شهر إعسار المدين - كما سنري - ضمان أقوي للمساواة ما بين الدائنين ، وإن كان ذلك لا يبلغ مبلغ شهر الإفلاس ، فلا تزال إجراءات التنفيذ بعد شهر الإعسار إجراءات فردية لا جماعية .

384 - الموضوعات التي يتناولها هذا القسم من الكتاب : هذه هي الموضوعات التي يتناولها هذا القسم من الكتاب في آثار الالتزام : التنفيذ العيني ، $ 721 $ التنفيذ بطريق التعويض ، ثم القاعدة التي تقضي بأن أموال المدين تكفل تنفيذ التزاماته وما تتضمنه هذه القاعدة من الإجراءات التمهيدية وهي الدعوي غير المباشرة والدعوي البولصية ودعوي الوصرية والحق في الحبس والإعسار .

وقبل ذلك – وفي هذا التمهيد - نتكلم في الالتزام الطبيعي والالتزام المدني ، وهما يفترقان من حيث الجبر في التنفيذ ، فالالتزام الطبيعي لا جبر في تنفيذه ، وينفذ الالتزام المدني جبرا علي المدين .

الالتزام الطبيعي والالتزام المدني

385 - النصوص القانونية : تنص المادة 199 من التقنين المدني علي ما يأتي :

 " 1 - ينفذ الالتزام جبرا علي المدين " .

 " 2 - ومع ذلك إذا كان الالتزام طبيعيا فلا جبر في تنفيذه ( [1311] ) " .

ولا مقابل لهذا النص في التقنين المدني السابق ( [1312] ) ، ولكن حكمه كان مطبقا من غير نص .

ويقابل في التقنينات المدنية العربية الأخري : في التقنين المدني السوري المادة 200 ، وفي التقنين المدني اليبي المادة 202 ، وفي تقنين الموجبات والعقود $ 722 $ اللبناني المادة 2( [1313] ) . ولم يرد في التقنين المدني العراقي نص مقابل ، ولكن ذلك لا يفيد ضرورة أن القانون المدني العراقي لا يعترف بالالتزام الطبيعي ، ففي المباديء العامة وفي مباديء الفقه الإسلامي( [1314] ) . ما قد يستعاض به عن النص للاعتراف بالالتزام الطبيعي في هذا القانون ( [1315] ) .

386 - مكان الالتزام الطبيعي وتمييزه عن الالتزام المدني : ويتبين من النص المتقدم أن التقنين المدني الجديد ، وهو في مستهل الكلام في آثار الالتزام ، عمد إلي إبراز التمييز ما بين الالتزام الطبيعي والالتزام المدني ، فالأول لا جبر في تنفيذه ( [1316] ) ، أما الثاني فيجبر المدين فيه علي التنفيذ . وهذا التمييز يرجع إلي أثر الالتزام من حيث جواز إجبار المدين علي تنفيذ التزامه ، ومن ثم استطاع التقنين الجديد أن يجد مكانا صالحا للالتزام الطبيعي يبين فيه حالاته ويبسط أحكامه .

ولم يذكر التقنين المدني السابق الالتزام الطبيعي إلا عرضا ، وفي مواطن ليس مظنة لوجوده فيه . فهو يشير إليه في مناسبة دفع غير المستحق ، ويقول في المادة 147 / 208 : " إنما من أعطي باختياره شيئا لآخر ، وفاء لدين يعتقد ملزوميته به ولو لم يوجبه القانون ، لا يكون له استرداده " . وقد قصد بالدين الذي $ 723 $ لا يوجبه القانون ولكن المدين يعتقد ملزوميته به الالتزام الطبيعي ، وبين حكم الوفاء بهذا الالتزام .

وكذلك فعل التقنين المدني الفرنسي ، فقد ذكر الالتزام الطبيعي استطراداً في المادة 1235 في صدد الكلام في الوفاء ( Paiement ) علي الوجه الآتي : " 1 - كل وفاء يفترض وجود دين ، وما دفع دون استحقاق يجوز استرداده . 2 - علي أنه لا يجوز الاسترداد في الالتزامات الطبيعية إذا كان الوفاء بها قد تم اختياراً " ( [1317] ) .

وقل في التقنينات ، حتي الحديثة منها ، ما يعرض للالتزام الطبيعي في أكثر من نص أو نصين ( [1318] ) .

أما التقنين المدني الجديد فقد أولي الالتزام الطبيعي ، في مناسبة التمييز بينه وبين الالتزام المدني ، شيئا من العناية ، فعرض في نصوص أربعة إلي بيان حالاته وبسط أحكامه( [1319] ) . وبدأ ، كما قدمنا ، بالتمييز بين الالتزام الطبيعي $ 724 $ والالتزام المدني ، فقابل فيما بينهما من ناحية الجبر علي التنفيذ ( [1320] ) . ونحن نتابعه في ذلك ، ونتناول بالكلام من هذه الناحية الالتزام الطبيعي ثم الالتزام المدني .

 " 1 - الالتزام الطبيعي ( [1321] )

( Obligation naturelle )

387 - الالتزام الطبيعي وسط في المرتبة بين الالتزام المدني والواجب الأدبي : الالتزام الطبيعي واجب أدبي يدخل في منطقة القانون ، فيعترف به القانون إلي مدي معين . وهذا المدي الذي يقف عنده القانون في الاعتراف بالالتزام الطبيعي هو التنفيذ الاختياري : لا يجبر المدين في الالتزام الطبيعي علي التنفيذ القهري ، ولكن التنفيذ الاختياري معتبر . فإذا قام المدين بتنفيذ التزامه طوعا وهو علي بينه من أمره ، أي إذا كان يعلم أن القانون لا يجبره علي التنفيذ ولكنه مع ذلك يؤدي إلي الدائن ما يحس أن ضميره يلزمه بأدائه ، فإنه لا يستطيع أن يسترد ما دفعه تنفيذا لهذا الالتزام الطبيعي ، إذ أن ما دفعه ليس هبة ( liberalite ) يجوز له الرجوع فيها ، بل هو وفاء ( paiement ) لالتزام $ 725 $ في ذمته وهذا كله بخلاف الالتزام المدني ، فإن هذا الالتزام لا يقتصر الأمر فيه علي أن المدين إذا وفاه لا يستطيع أن يسترده ، بل أيضا إذا هو لم يوفه أجبر علي الوفاء .

وإذا رجعنا إلي ما قدمناه في الجزء الأول من هذا الكتاب ( [1322] ) .من أن الالتزام المدني يشتمل علي عنصرين ، عنصر المديونية ( devoir Schuld ) ، وعنصر المسئولية ( engagement Haftung ) ، رأينا أن الالتزام الطبيعي لا يحتوي من هذين العنصرين إلا علي العنصر الأول وحده ، وهو عنصر المديونية . فالمدين بالتزام طبيعي مدين ، لا في حكم الضمير فحسب ، بل أيضا في حكم القانون ، ومن هنا إذا وفي الدين لم يستطع استرداده ، فهذا هو عنصر المديونية قد توافر فيه . ولكن المدين لا يجبر علي الوفاء إذا لم يرد ذلك عن بينة واختيار ، فهذا هو عنصر المسئولية قد انفصل عنه .

ونري من ذلك أن الالتزام الطبيعي هو واجب أدبي ارتفعت منزلته في نظر القانون حتي قارب أن يكون التزاما مدنيا ، فهو وسط ما بين المرتبتين : سما عن أن يكون مجرد التزام أدبي ( devoir moral ) ، ولم يبلغ أن يصير التزاما مدنيا ( obligation civile ) فهو التزام طبيعي ( obligation naturelle ) ، يعترف به القانون فيرتفع به عن الواجب الأدبي ، ولا يرتب عليه إلا بعض الآثار فينزل به دون الالتزام المدني .

ومن ثم يقف الالتزام الطبيعي في الحد الفاصل ما بين الأخلاق والقانون . والتسليم بوجوده اعتراف من القانون ببعض الواجبات التي تمليها الأخلاق والآداب . وإذا كان التزام العام بابا تدخل منه العوامل الاجتماعية والاقتصادية والأدبية فتؤثر في القانون وروابطه ، فهذا هو الالتزام الطبيعي باب آخر تدخل منه العوامل الاجتماعية والاقتصادية والأدبية إلي القانون . والقاضي هو الذي يحدد الالتزامات الطبيعية ، كما هو الذي يحدد النظام العام ، مسترشداً في ذلك بآداب الجيل من ناحية المجموع ، وبواجب الضمير من ناحية الفرد . فإذا وقف أمام واجب أدبي لم يبلغ أن يكون التزاما مدنيا ، ولكنه قدر أنه التزام تحتمه أخلاق البيئة ويقضي به ضمير الفرد ، أقره التزاما طبيعيا ، ورتب عليه أثره . $ 726 $ فلو أن فقيرا أنقذ مثريا من الغرق ، التزم المثري نحو الفقير : ( أولا ) بما تجشمه الفقير من خسارة في إنقاذه وذلك بدعوي الفضالة ، وهذا هو التزام مدني - ( ثانياً ) وبإجازة الفقير علي إنقاذه ، وهذا هو التزام طبيعي - ( ثالث ) وبالإحسان إلي هذا الفقير من حيث هو فقير ، وذلك حتي لو لم يكن هو الذي أنقذه وهذا هو واجب أدبي ( [1323] ) .

ونتلكم الآن في الحالات التي يقوم فيها الالتزام الطبيعي وفي الآثار التي تترتب عليه .

أ‌-                   الحالات التي يقوم فيها الالتزام الطبيعي

338-             النصوص القانونية : تنص المادة 200 من التقنين المدني علي ما يأتي :

 " يقدر القاضي ، عند عدم النص ، ما إذا كان هناك التزام طبيعي . وفي كل حالا لا يجوز أن يقوم التزام طبيعي يخالف النظام العام " ( [1324] ) .

ولا مقابل لهذا النص في التقنين المدني السابق ، ولكن حكمه كان مطبقا من غير نص .

ويقابل في التقنينات المدنية العربية الأخري : في التقنين المدني السوري المادة 201 ، وفي التقنين المدني الليبي المادة 203 ، وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني $ 727 $ المادة 3( [1325] ) . ولا مقابل للنص في التقنين المدني العراقي .

389 - سلطة التقدير للقاضي - رقابة محكمة النقض : ويتبين من هذا النص أن البت فيما إذا كان واجب أدبي قد ارتقي إلي منزلة الالتزام الطبيعي أمر متروك تقديره إلي القاضي ، هذا ما لم يوجد نص تشريعي يقضي في حالة معينه أن هناك التزاما طبيعيا ، فيجب إعمال النص ( [1326] ) . مثل ذلك ما ورد في الفقرة الأولي من المادة 386 من أنه " يترتب علي التقادم انقضاء الالتزام ، ومع ذلك يتخلف في ذمة المدين التزام طبيعي " .

والقاضي ، وهو يحدد الالتزامات الطبيعية في الحالات التي تعرض له ، يبت في مسألة قانون يخضع فيها لرقابة محكمة النقض ، ومسألة واقع لا يخضع فيها لهذه الرقابة .

أما مسألة فهي تحديد العناصر التي يتكون منها الالتزام الطبيعي ، وتكييف الوقائع الثابتة عنده تكييفا قانونيا ، ومطابقة ما يجب توافره من العناصر علي ما ثبت عنده من الوقائع مكيفة التكييف القانوني الصحيح . وهو في تحديده لعناصر الالتزام الطبيعي أقرب إلي المشرع منه إلي القاضي ، غذ قد فوض له المشرع أن يقدر ، عند عدم النص ، ما إذا كان هناك التزام طبيعي . ويستأنس في عمله بما استقر في القضاء والفقه ، مستمداً تقديره من روح التشريع والعرف ومباديء القانون الطبيعي وقواعد العدالة ، لا باعتبارها مصادر مباشرة يجب $ 728 $ الرجوع إليها عند انعدام النص ، بل باعتبارها المصادر الطبيعية التي يسترشد بها القاضي مع وجود النص الذي يكل إليه أمر التقدير . ومن ثم فلا يرتبط في شأنها بترتيب خاص كما كان يرتبط لو أن هذه كانت هي المصادر المباشرة التي يستخلص منها الحلول القانونية وفقا للمادة الأولي من التقنين المدني .

أما مسألة الواقع التي يبت فيها القاضي دون تعقيب عليه من محكمة النقض فهي تحصيل الوقائع الثابتة مما يقدم له من الأوراق والمستندات وغير ذلك من الأدلة ( [1327] ) .

وننظر الآن كيف يستطيع القاضي أن يحدد العناصر التي يتكون منها الالتزام الطبيعي ، ممهدين لبيان ذلك بالصعود إلي الأصل التاريخي لهذا النوع من الالتزام ، ومستعرضين النظريتين التقليدية والحديثة في هذا الشأن ، ثم معقبين بذلك بعض الحالات المعروفة للالتزام الطبيعي بعد أن نكون قد حددنا العناصر التي يتكون منها .

390 - الأصل التاريخي للالتزام الطبيعي : يصعد الالتزام الطبيعي في أصله إلي القانون الروماني . وكان الرومان يعترفون بعدد كبير من الالتزامات الطبيعية ، ويجعلون للالتزام الطبيعي آثاراً بعيدة المدي . أما القانون الحديث فهو يعترف أيضا بعدد كبير من الالتزامات الطبيعية ( [1328] ) ، ولكن يترتب علي الالتزام الطبيعي آثاراً أقل مما كان يرتبه القانون الروماني ( [1329] ) .

والالتزام الطبيعي في القانون الروماني كان نتيجة مباشرة لما يحتويه هذا القانون من أوضاع ورسوم وأشكال ومن نظم خاصة كنظام الرق ونظام السلطة الأبوية فكان هناك التزام طبيعي حيث يختل الشكل المطلوب ، وحيث توجد علاقة تبعية بين الدائن والمدين بأن يكون هذا ابنا لذاك أو عبداً له ، وحيث يكون المدين ناقص $ 729 $ الأهلية . ففي هذه الحالات وغيرها تأبي الأوضاع الرومانية أن يقوم التزام مدني ، فيقوم بدلا منه التزام طبيعي تترتب عليه بعض آثار الالتزام المدني ، وهي آثار أبعد مدي مما يقره القانون الحديث . فكانت فكرة الالتزام الطبيعي من بين الوسائل التي تخفف بها القانون الروماني من الشكلية المغرقة التي كانت تحيط به ، ومن الأبواب التي انفتحت لإدخال بعض عناصر المرونة فيما جمد من قواعد هذا القانون .

وفي القانون الفرنسي القديم توسع القانون الكنسي توسعا كبيراً في الالتزامات الطبيعية ، فجلها تمتد إلي كل التزام يوجبه الضمير ، وكادت منطقة الالتزام الطبيعي تكون هي عين منطقة الواجب الأدبي . ولكن دوما ( Domat ) تلقي فكرة الالتزام الطبيعي عن القانون الروماني ، فجعله محصوراً في التزام المدين ناقص الأهلية بعد أن زالت الأشكال والأوضاع الرومانية . أما بوتييه ( Pothier ) فعلي النقيض من دوما نقل فكرة القانون الكنسي ، وعارض بها فكرة القانون الروماني ( [1330] ) .فعنده أن الالتزام الطبيعي هو ما يلتزم به الإنسان أمام الضمير ( qui oblige dans le for de la conscience ) ، أما الالتزام المدني فهو ما يلتزم به أمام العالم الخارجي ( qui oblige dans le for exterieur ) علي ان بوتييه كان يميز تمييزاً واضحا بين الالتزام الطبيعي والواجب الأدبي ( [1331] ) .

391 - النظرية التقليدية في الالتزام الطبيعي – الالتزام المدني المتحلل : قامت النظرية التقليدية في الالتزام الطبيعي في القانون الحديث علي الفكرة الرومانية الضيقة ، لا علي فكرة القانون الكنسي الواسعة . فالالتزام الطبيعي يرتبط ارتباطاً وثيقا بالالتزام المدني ، ويبتعد كثيرا عن الواجب الأدبي فهو في الأصل التزام مدني عاقه مانع قانوني عن أن يرتب آثاره . وهذا المانع قد يوجد منذ البداية عند نشأة الالتزام ، كأن يكون العقد قابلا للإبطال لنقص الأهلية . وقد يكون المانع جد بعد نشأة الالتزام وبعد أن تولدت آثاره ، كما $ 730 $ يقع ذلك في التقادم أو في الصلح مع المفلس ( concordat ) ، فينقضي الالتزام المدني ويتخلف عنه التزام طبيعي .

وهذه النظرية التقليدية ، كما نري ، تجعل الالتزام الطبيعي نوعا من الالتزام المدني ، فهو التزام مدني متحلل ( obligation civile degeneree ) ، عاقة مانع قانوني عن أن يولد آثاره كاملة .

والذي وده النظرية التقليدية هذا التوجيه عاملان : ( 1 ) تقاليد القانون الروماني التي سبق ذكرها ، وقد نقلت عن دوما كما أسلفنا القول . ( 2 ) الرغبة في فصل منطقة القانون عن منطقة الآداب والأخلاق ، فلا يكون الالتزام الطبيعي واجبا أدبيا ليعترف به القانون ولو إلي مدي محدود ، ولا يكون جسراً يصل ما بين منطقتي القانون والآداب ، بل يكون التزاما مدنيا منذ الأصل لم يبرح منطقة الالتزامات المدنية ، فتبقي هذه المنطقة منفصلة انفصالا تاما عن منطقة الآداب والأخلاق . وظن أنصار النظرية التقليدية أن هذا الوضع من شأنه أن يضبط حالات الالتزام الطبيعي ضبطا دقيقا ، فلا يكون هناك مجال للتحكم ، ما دام الالتزام الطبيعي لا يعدو أن يكون التزاما مدنيا أصابه هذا التحلل بسبب مانع قانوني .

وعيب هذه النظرية التقليدية واضح . فهي تحاول محاولة فاشلة أن تفصل ما بين منطقتي القانون والآداب فصلا تاما ، فتغفل في سبيل هذا الفصل المميز الأول للالتزام الطبيعي . ذلك أن الالتزام الطبيعي ليس إلا مظهراً لاعتراف القانون بالواجبات الأدبية ، فيرقي بها في بعض الحالات إلي حد أن يتب عليها أثراً قانونيا ، فيدخلها بذلك في حظيرة القانون . فالالتزام الطبيعي إذن هو واجب أدبي اعترف به القانون ، قبل أن يكون التزاما مدنيا متحللا . بل قد لا يكون بتاتا التزاما مدنيا متحللا ، وينشأ منذ البداية واجبا أدبيا يعترف به القانون ويدخله في منطقته . وهذا ما تكفلت ببيانه النظرية الحديثة ، فننتقل ألان إليها .

392 - النظرية الحديثة في الالتزام الطبيعي - الواجب الأدبي : تركت النظرية الحديثة النظرة الرومانية الضيقة للالتزام الطبيعي باعتباره التزاماً $ 731 $ مدنيا متحللا ، إلي النظرة الواسعة التي اعتنقها القانون الكنسي وقال بها بوتييه . فاعتبرت الالتزام الطبيعي واجبا أدبيا ( devoir miral ) ارتقي به القانون ، فاعترف له بعض الآثار ، سواء كان واجبا أدبيا منذ بديته ، ونشأ التزاما مدنيا ثم عاقة مانع قانوني عن أن يولد جميع آثاره .

فلا تلازم إذن بين الالتزام الطبيعي والالتزام المدني كما تزعم النظرية التقليدية بل ان الالتزام الطبيعي هو الذي يثل ما بين منطقتي القانون والآداب ، إذ هو النقطة المشتركة في المنطقتين ، فهو في منطقة الآداب من حيث هو واجب أدبي ، وهو في منطقة القانون من حيث أن يولد بعض الآثار القانونية . وما دام في مرتبة ونمطي بين الالتزام المدني والواجب الأدبي ، فهو إما أن يكون التزاما مدنيا نزل عن مرتبته بزوال عنصر المسئولية مع بقاء عنصر المديونية ، وإما أن يكون واجبا أدبيا ارتفع عن مرتبته بقيام عنصر المديونية فيه دون عنصر المسئولية وفي الحالتين يكون الالتزام الطبيعي مشتملا علي عنصر المديونية دون عنصر المسئولية .

ويخلص من ذلك أن النظرية الحديثة تنظر إلي الالتزام الطبيعي باعتبار أنه واجب أدبي تفرضه الأخلاق أولا ، ثم يتدخل فيه القانون بقدر محدود ، فيعترف به مديونية لا مسئولية ، ويسلم فيه بالتنفيذ الاختياري دون التنفيذ الجبري . وهذا الاعتبار يصدق سواء كان الالتزام الطبيعي واجبا أدبيا منذ البداية ، أو نشأ التزاما مدنيا ولم تترتب آثاره لمانع قانوني فاستحال واجبا أدبيا يرتب عليه القانون بعض الآثار( [1332] ) .

 $ 732 $ 393 - عناصر الالتزام الطبيعي : ويمكن القول ، استخلاصا من النظرية الحديثة علي النحو الذي قدمناه ، ومن الرجوع إلي نص التقنين المدني الذي سبق إيراده ، إن للالتزام الطبيعي عناصر ثلاثة :

( العنصر الأول ) واجب أدبي يتميز في نطاق محدد بحيث يكون قابلا للتنفيذ .

 $ 733 $ فيخرج بلك من دائرة الإبهام والغموض التي تغمر عادة منطقة الواجبات الأدبية إلي دائرة التحديد والوضوح التي تميز منطقة الالتزامات المدنية . وهذا الواجب الأدبي إما أن يكون في أصله التزاما مدنيا ثم انقلب التزاما طبيعيا لسبب قانوني منع من أن يترتب عليه كل آثاره ، أو أن يكون منذ البداية واجب أدبيا أصبح التزاما طبيعيا لتوفره علي العناصر الثلاثة لهذا الالتزام .

وهذا العنصر الأول هو العنصر المادي . وفيه يسترشد القاضي بآداب الجيل من ناحية القابلية للتنفيذ في العمل .

( العنصر الثاني ) إحساس المدين أن في ذمته التزاما طبيعيا . وليس من الضروري أن يكون هذا الإحساس قائما فعلا عند المدين بالذات ، بل يكفي أن يكون من الواجب أن يقوم ، وأن يدخل في الاعتبار المألوف عند الناس أن مثل هذا الواجب مما ينبغي أمام الضمير أن يؤدي . ونري من ذلك أن المعيار في العنصر الثاني موضوعي لا ذاتي ، والعبرة فيه ليست بما يحس المدين فعلا ، بل بما ينبغي أن يحس ، بوعي الجماعة أ وعي الفرد المجرد لا بوعي المدين بالذات . وفي هذا ضبط للالتزام الطبيعي يستقر عنده التعامل .

وهذا العنصر الثاني هو العنصر المعنوي وفيه يسترشد القاضي بواجب الضمير من ناحية وعي الجماعة .

( العنصر الثالث ) عدم التعارض مع النظام العام . وتقول العبارة الأخيرة من المادة 200 من التقنين المدني في هذا الصدد أنه " في كل حال لا يجوز أن يقوم التزام طبيعي يخالف النظام العام " ونأتي بأمثلة علي ذلك :

( 1 ) إذا اتفق المتعاقدان علي سعر للفوائد يزيد علي 7% ، ودفع المدين للدائن هذه الفوائد وهو يحس أنه يقوم بتعهده ، فإن ما دفعه من الفوائد زائداً علي 7% لا يجوز مع ذلك أن يكون التزاما طبيعيا ، إذا هو يتعارض مع النظام العام ، $ 734 $ ويكون للمدين الحق في استرداد ما دفع من ذلك . وهذا ما قضت به الفقرة الأولي من المادة 227 من التقنين المدني إذ تقول في العبارة الأخيرة منها : " فإذا اتفقا علي فوائد تزيد عي هذا السعر وجب تخفيضها إلي 7% ، ويتعين رد ما دفع زائدا لي هذا القدر( [1333] ) .

( 2 ) إذا خسر المدين في مقامرة أو رهان ، ووفي ما خسره محسا أنه إنما يوفي دينا واجبا في ذمته ، فإن هذه الخسارة لا يجوز أن تكون التزاما طبيعيا ، إذ أن دين القمر أو الرهان يتعارض مع النظام العام ، وإذا وفاه المدين جاز له استرداده . وهذا ما قضت به الفقرة الثانية من المادة 739 من التقنين المدني إذ تقول : " ولمن خسر في مقامرة أو رهان أن يسترد ما دفعه خلال ثلاث سنوات من الوقت الذي أدي فيه ما خسره ، ولو كان هناك اتفاق يقضي بغير ذلك . وله أن يثبت ما أداه بجميع الطرق ( [1334] ) .

 $ 735 $ إذا عقد شخص مع آخر اتفاقا مخالفا للنظام العام أو للآداب ، كما لو اتفقا علي رشوة ، ودفعها المدين للدائن وهو يحس أنه يقوم بتعهده ، فإن هذا لا يكون التزاما طبيعيا لتعارضه مع النظام العام . وفي رأينا انه يجوز للراشي أن يسترد الرشوة من المرشو . وقد سبق أن فصلنا هذه المسألة في الجزء الأول من هذا الكتاب ( [1335] ) .

وهذا العنصر الثالث هو عنصر المشروعية . وفيه يسترشد القاضي بالأحكام القانونية المتعلقة بالنظام العام ( [1336] ) .

394 - بعض حالات الالتزام الطبيعي : بعد أن استعرضنا النظريتين التقليدية والحديثة في الالتزام ، وحددنا عناصر هذا الالتزام ، نورد تطبيقا لما قدمناه جملة من الحالات الكثيرة الوقوع التي يقوم فيها الالتزام الطبيعي .

 $ 736 $ ونقسم هذه الحالات إلي طائفتين : ( 1 ) التزامات بدأت مدنية ثم انقلبت طبيعية ، وهي وحدها الالتزامات الطبيعية التي تقراها النظرية التقليدية . ( 2 ) التزامات بدأت أدبية ثم أصبحت طبيعية ، وهذه الطائفة تضيفها النظرية الحديثة إلي الطائفة الأولي تقرها النظرية التقليدية .

395 - التزامات بدأت مدنية ثم انقلبت طبيعية : هذه التزامات نشأت في الأصل التزامات مدنية ، وعاقها مانع قانوني عن أن ترتب آثارها كما قدمنا ، فتخلفت عنها التزامات طبيعية ( [1337] ) . ومن هذه ما قام المانع القانوني فيه منذ نشأته . ومنها ما نشأ التزاما مدنيا صحيحا وولد آثاره ، ثم قام المانع القانوني بعد ذلك ، فانقضي التزاما مدنيا ليصبح التزاما طبيعيا .

ومن أمثلة النوع الأول العقد القابل للإبطال لنقص في الأهلية ( [1338] ) . فإذا وتعاقد القاصر ولم يلحق العقد الأجازة ، كان له أن يطلب إبطال العقد فينقلب التزامه المدني التزامنا طبيعيا ، إذا أداه عالما مختاراً لم يستطع أن يسترده ( [1339] ) . ويذكر عادة ، كمثل آخر للنوع الأول عقد الهبة الباطل لعدم استبقاء الشكل ، فقد نصت المادة 489 من التقنين المدني علي أنه " إذا قام الواهب أو رثته $ 737 $ مختارين بتنفيذ هبة باطلة لعيب في الشكل ، فلا يجوز لهم أن يستردوا ما سلموه " . جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي أن هذا النص إنما هو تطبيق لالتزام طبيعي تخلف عن الهبة الباطلة ( [1340] ) . ولو صح هذا ، لصلح هذا الالتزام الطبيعي الذي تخلف عن الهبة الباطلة سببا لالتزام مدني ، ولأمكن التحايل عل الشكل في الهبة عن طريق كتابتها في ورقة عرفية ثم اتخاذها سببا لالتزام مدني صحيح في ورقة عرفية . وهذا ما لا يجوز التسليم به . والصحيح في رأينا أن التنفيذ الاختياري للهبة الباطلة في الشكل ، سواء من جهة الواهب أو من جهة ورثته ، إنما هو إجازة لعقد الهبة ، إذ البطلان المترتب علي عيب في الشكل قد تلحقه الإجازة إذا نص القانون علي ذلك ( [1341] ) .

ومن أمثلة النوع الثاني الالتزام المدني إذا تقادم . فقد نشأ التزاما مدنيا ، وأنتج جميع آثاره . ثم قادم بعد ذلك مانع قانوني من بقائه التزاما مدنيا ، وهو التقادم الذي تمسك به المدين( [1342] ) ، فانقلب التزاما طبيعيا ، إذا أداه المدين مختاراً لم يستطع استرداده . وقد ورد في هذا الحكم نص تشريعي صريح في التقنين $ 738 $ المدني الجديد ، هو الفقرة الأولي من المادة 386 ، وتقضي بأنه " يترتب علي التقادم انقضاء الالتزام ، ومع ذلك يتخلف في ذمة المدين التزام طبيعي " ( [1343] ) . ومن أمثلة النوع الثاني أيضا الالتزام المدني الذي لا يثبت في ذمة مدين وجهت إليه اليمين الحاسمة فحلفها ، فإن الالتزام المدني في هذه الحالة لا يقضي به ولا يجبر المدين علي تنفيذه ، ولكن إذا كانت ذمة المدين مشغولة به فعلا بالرغم من حلفه اليمين الحاسمة ، فإنه ينقلب إلي التزام طبيعي ، إذا أداه المدين مختاراً لم يستطع استرداده . وكذلك الحال في الالتزام المدني الذي صدر برفض الدعوي فيه حكم حاز حجية الأمر المقضي ، فإنه إذا كانت ذمة المدين مشغولة به بالرغم من هذا الحكم انقلب التزاما طبيعيا ( [1344] ) . والصلح مع المدين المفلس ( concordat ) ، الذي يتفق بمقتضاه المدين مع دائنيه علي قضاء بعض الديون المدنية في نظير انقضاء الباقي ، يجعل هذا الباقي للذي انقضي بالصلح ينقلب التزاما طبيعيا ، إذا أداه الدائن مختاراً بعد ذلك لم يستطع استرداده ( [1345] ) . ولا حجة في الصلح لإباحة الاسترداد( [1346] ) .

 $ 739 $ 396 - التزامات بدأت أدبية ثم أصبحت طبيعية : وهذه التزامات بدأت واجبات أدبية ثم ارتفعت منزلتها فأصبحت التزامات طبيعية ، علي النقيض من الطائفة الأولي التي وصلت إلي مرتبة الالتزامات المدنية وانحدرت بعد ذلك إلي مرتبة الالتزامات الطبيعية( [1347] ) .

ومن الأمثلة علي هذه الطائفة الثانية من الالتزامات التزام شخص بتعويض شخص آخر عن الضرر غير المباشر الذي الحقه به من جراء خطأ ارتكبه ، أما التزامه بالتعويض عن الضرر المباشر فهذا التزام مدني مصدره العمل غير المشروع . كذلك الالتزام بالتعويض عن إغواء غير مصحوب بالغش أو عن معاشرة غير شرعية بعد انتهاء هذه المعاشرة يكون التزاما طبيعيا . أما إذا صحب الإغواء غش فالالتزام بالتعويض يصبح التزاما مدنيا . وإذا لم يكن الغرض من الالتزام التعويض عن المعاشرة بعد انتهائها ، بل الإغراء علي المعاشرة ، فإن الالتزام لا يكون التزاما طبيعيا ، بل يكون التزاما مخالفا للآداب لا يتخلف عن بطلانه التزام طبيعي .

ومن الأمثلة علي هذه الطائفة الثانية أيضا التزام شخص بإجازة شخص آخر علي خدمة أداها له ( donation remuneratrice ) إذا لم يكن هناك التزام مدني بالإجازة ، وذلك كإجازة خدام أخلص في الخدمة أو وكيل أحسن أداء الوكالة أو طبيب أنقذ حياة المريض ( [1348] ) . فإن هذا الالتزام يبدأ واجبا أدبيا ، ولكن وجوب الاعتراف بالجميل في هذه الظروف الخاصة يرقي به إلي مرتبة الالتزام الطبيعي ( [1349] ) . كذلك إذا أثري شخص علي حساب غيره دون أن تتوافر $ 740 $ شروط دعوي الإثراء ، لم يكن هناك التزام مدني برد قيمة الإثراء لعدم توافر الشروط ، ولكن يقوم التزام طبيعي بهذا الرد مبني علي فكرة العدالة .

ومن الأمثلة علي هذه الطائفة الثانية أخيراً التزام شخص بالنفقة علي أقارب لا تلزمه النفقة عليهم قانونا ، فإن الالتزام هنا يبدأ واجبا أدبيا ، ولكن واجب التضامن بين أفراد الأسرة في هذه الحالة الخاصة يرتفع به إلي مرتبة الالتزام الطبيعي ( [1350] ) . كذلك التزام الأب بتجهيز ابنته أو بتقديم المعونة لابنه لتنظيم عمل يرتزق منه يكون التزاما طبيعيا في ذمة الأب ، بسبب توثق أواصر العلاقة الأبوية فيما بين الأب وأولاده ( [1351] ) .

397 - تأصيل لحالات الالتزام الطبيعي – الالتزام الطبيعي يتاخم الالتزام المدني : ونظره إلي ما قدمناه من حالات الالتزام الطبيعي تدل علي أن هذا الالتزام مكانه في دائرة القانون أوسع مما يظن لأول وهلة بل إن الالتزام الطبيعي يتاخم الالتزام المدني ، ويتعقبه خطوة خطوة . وقد علمنا أن مصادر الالتزام المدني هي العقد والعمل غير المشروع والإثراء بلا سبب والقانون . وها نحن نري أن الالتزام الطبيعي يساير الالتزام المدني في هذه المصادر .

فالالتزام الطبيعي الذي بدأ التزاما مدنيا ثم انقلب التزاما طبيعيا يكون مصدره في العادة العقد ، فهو يتاخم الالتزام المدني العقدي . وقد لحقت العقد علة قانونية لا ترجع إلي الرضاء في ذاته الذي هو قوام العقد ، بل ترجع إلي مقتضيات الصنعة القانونية ، فمنعت العقد من توليد آثاره المدنية ، ولكن لم تمنعه من توليد آثاره الطبيعية لأن الرضاء سليم غير مشوب بعيب . ومن ثم نري أن العقد القابل للإبطال بسبب نقص الأهلية ، والالتزام الذي سقط $ 741 $ التقادم ، أو اعترضته يمين حاسمة ، أو حكم حاز حجية الأمر المقضي ، كل هذه حالات يقوم فيها الالتزام الطبيعي ، لأن المانع القانوني الذي حال دون توليد الآثار المدنية ترجع إلي الصنعة القانونية لا إلي طبائع الأشياء ، فلم ينعدم الالتزام بتاتا ، بل انقلب التزاما طبيعيا علي النحو الذي قدمناه ( [1352] ) .

والالتزام الطبيعي بتعويض الضرر غير المباشر ، أو بالتعويض عن الإغواء غير المصحوب بالغش ، أو بالتعويض عن المعاشرة غير المشروعة ، مصدره العمل غير المشروع ، فهو يتاخم الالتزام المدني التقصيري . وقد منع هذا الالتزام أن يكون التزاما مدنيا فقد شرط من الشروط التي ترجع إلي الصنعة القانونية لا إلي طبائع الأشياء ، فقد نقص الالتزام شرط أن يكون الضرر مباشراً ، أو شرط أن يكون هناك خطأ بالمعني الذي عرفناه في المسئولية التقصيرية إذ أن الإغواء غير المصحوب بالغش أو مجرد المعاشرة غير المشروعة لا يعتبر خطأ تقصيريا وأن اعتبر خطأ أدبيا يقوم علي أساسه التزام طبيعي .

والالتزام الطبيعي بإجازة خدمة أديت أو برد إثراء علي حساب الغير يتاخم الالتزام المدني المتولد من الإثراء بلا سبب . وقد منع هذا الالتزام أن يكون التزاما مدنيا فقد شرط من شروط قاعدة الإثراء بلا سبب يرجع إلي الصنعة القانونية . أما الشروط التي ترجع إلي طبائع الأشياء - وتتخلص في أن شخصا أثري علي حساب غيره - فمتوافرة ، ومن ثم قام الالتزام الطبيعي .

والالتزام الطبيعي بالنفقة علي الأقارب أو بتجهيز البنت أو بتقديم المعونة للابن مصدره القانون ، فهو يتاخم الالتزام المدني الذي يتولد مباشرة من القانون وقد رأينا ، عند الكلام في القانون كمصدر مباشر للالتزام ، أن هناك التزامات إيجابية ترجع إلي التضامن الاجتماعي ، أبرزها القانون دون أن يرسم لها قاعدة عامة ، فجعلها بنص منه التزامات مدنية( [1353] ) . فإذا لم يبلغ الواجب الأدبي هذه الدرجة العليا من الموضوع والتحديد والقابلية للانضباط ، فإن القانون لا يصل $ 742 $ به إلي مرتبة الالتزام المدني . ولكنه مع ذلك يرقي به إلي مرتبة الالتزام الطبيعي ، علي أن تتوافر له العناصر الثلاثة : قدر من التحديد والانضباط وهذا هو العنصر المادي ، وإحساس بالقوة الملزمة وهذا هو العنصر المعنوي ، وانتفاء التعارض مع النظام العام وهذا هو عنصر المشروعية ( [1354] ) .

فالالتزام الطبيعي إذن هو توأم الالتزام المدني ، يسير إلي جانبه ، ولكنه يسير علي هامش القانون كظل للالتزام المدني . وإذا كان الالتزام المدني هو وليد الصنعة القانونية ، فإن الالتزام الطبيعي هو بمثابة رد الفعل لهذه الصنعة . ذلك بأن للصنعة القانونية مقتضيات لا تتواءم في كثير من الحالات مع طبائع الأشياء . فحيث تقوم هذه المقتضيات متعارضة مع طبائع الأشياء ، فإن الالتزام المدني لا يقوم خضوعا لمقتضيات الصنعة ، ويقوم الالتزام الطبيعي مطاوعة لطبائع الأشياء .

ب - الآثار التي تترتب علي الالتزام الطبيعي

  398 - النصوص القانونية : تنص المادة 201 من التقنين المدني علي ما يأتي :

   " لا يسترد المدين ما أداه باختياره ، قاصداً أن يوفي التزاما طبيعيا " .

  وتنص المادة 202 علي ما يأتي :

   " الالتزام الطبيعي يصلح سببا لالتزام مدني " ( [1355] ) .

 $ 743 $ وتقابل المادة 201 من التقنين المدني الجديد المادة 147 / 208 من التقنين المدني السابق ( [1356] ) . أما المادة 202 فلا مقابل لها في التقنين السابق ، ولكن الحكم كان معمولا به .

ويقابل النصان في التقنينات المدنية العربية الأخري : في التقنين المدني السوري المادتين 202 - 203 ، وفي التقنين المدني الليبي المادتين 204 - 205 ، وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني المواد 4 و 6 و 8 ( [1357] ) . ولا مقابل لهما في التقنين المدني العراقي .

 $ 744 $ 399 - المبدأ العام : قدمنا أن الالتزام إذا كان طبيعيا لم يجبر المدين علي تنفيذه ، لانتفاء عنصر المسئولية من الالتزام . ولكن لما كان عنصر المديونية موجوداً كما قدمنا ، فكل عمل اختياري يقوم به المدين ، قاصداً به الوفاء في الحال أو في المستقبل بالالتزام الطبيعي ، يكون عملا معتبراً ولا يجوز الرجوع فيه .

ويترتب علي هذا المبدأ العام ما يأتي :

( أولا ) الوفاء الاختياري بالالتزام الطبيعي يجوز ، ويعتبر وفاء لا يجوز استرداده ، لا تبرعا يجوز الرجوع فيه . وهذا هو الوفاء بالالتزام الطبيعي في الحال .

( ثانياً ) الالتزام الطبيعي يصلح سببا لإنشاء التزام مدني . وهذا هو الوفاء بالالتزام الطبيعي في الاستقبال ، عن طريق تحويله إلي التزام مدني .

( ثالثاً ) لا يجوز أن يقاص الالتزام الطبيعي بدين آخر ، لأن المقاصة ضرب من الوفاء الجبري ، فإذا أجزنا المقاصة في الالتزام الطبيعي كان هذا إجباراً للمدين علي الوفاء بطريق غير مباشر .

( رابعاً ) كذلك لا تجوز كفالة الالتزام الطبيعي ، وإلا كان في هذا تنفيذ جبري للالتزام الطبيعي عن طريق تنفيذه علي الكفيل .

ونفصل الآن ما أجملناه :

 $ 745 $ 400 - الوفاء الاختياري بالالتزام الطبيعي جائز : يشترط في الوفاء بالالتزام الطبيعي ، كما قدمنا ، أن يكون الوفاء عن بينة واختيار ، فلا يجوز إجبار المدين علي الوفاء ولو عن طريق القضاء . والوفاء يكون عن بينة إذا لم يشبه غلط أو تدليس ، وعن اختيار إذا لم يشبه إكراه . فإذا اعتقد المدين خطأ ، وهو يؤدي التزاما طبيعيا ، أنه مجبر علي الوفاء لأن التزامه مدني ، أو ظن أن الالتزام الطبيعي يجوز الجبر علي تنفيذه ، سواء كان خطأه هذا نتيجة غلط وقع فيه أو تدليس جاز عليه ، كان له أن يسترد ما وفاه بدعوي استرداد غير المستحق كذلك إذا أكره المدين في الالتزام الطبيعي علي الوفاء به ، جاز له الاسترداد ( [1358] ) .

 $ 746 $ ولا يكفي أن يكون الوفاء عن بينه واختيار ، بل يجب أيضا أن يكون المدين قاصداً أن يوفي التزاما طبيعيا ( م 201 مدني ), وقد قدمنا عند الكلام في قيام الالتزام الطبيعي ، أن هذا الالتزام يجب أن يرتفع في وعي الجماعة إلي هذه المنزلة وهنا ، ونحن نتكلم في تنفيذ الالتزام الطبيعي ، يشترط أن يقع في وعي المدين بالذات انه ينفذ التزاما طبيعيا وهذا هو الذي يجمع في الالتزام الطبيعي بين وعي الجماعة ومعياره موضوعي ، وبين وعي المدين بالذات ومعياره ذاتي الأول مطلوب لقيام الالتزام الطبيعي ، والثاني مطلوب لتنفيذه ( [1359] ) .

فإذا نفذ المدين الالتزام الطبيعي عن بينه واختيار قاصداً أن يوفي بالتزام طبيعي ، كان هذا التنفيذ وفاء ( Paiement ) لا تبرعاً ( libralite ) كما سبق القول ( [1360] ) ويترتب علي ذلك النتائج الآتية :

(1)                    لا يشترط في الوفاء بالالتزام الطبيعي شكل خاص ، كما يشترط ذلك عادة في الهبات( [1361] ) .

(2)                    لا يجوز للمدين ، كما قدمنا |أن يسترد ما وفاه ولو كان الوفاء هبة لجاز الاسترداد حيث يجوز الرجوع في الهبة . ولما كان الوفاء بالالتزام الطبيعي لا يقلبه إلي التزام مدني ، فإنه يترتب علي ذلك أن المدين إذا وفي بالتزامه الطبيعي وفاء جزئيا لم يستطع أن يسترد الجزء الذي وفاه ، ولكن لا يستطيع الدائن أن يجبره علي الوفاء بالباقي ( [1362] ) . ويترتب علي ذلك أيضا أن ما دفعه المدين وفاء $ 747 $ لالتزامه الطبيعي لو استحق للغير لا يضمنه المدين ( [1363] ) .

(3)                    لا يشترط في الوفاء بالتزام طبيعي أهلية التبرع . ولو كان الوفاء هبة لاشترطت هذه الأهلية .

(4)                    إذا وفي المريض مرض الموت بالتزام طبيعي ، لم يعتبر هذا الوفاء مقصوداً به التبرع في حكم المادة 916 من التقنين المدني ، فلا تسري عليه أحكام الوصية . إلا أنه يلاحظ أن هناك قرينة قانونية تقضي بأن كل تصرف صدر في مرض الموت يعتبر صادراً علي سبيل التبرع ( م 916 فقرة 3 ) ، ومن ثم يفرض في هذا الوفاء أنه تبرع حتي يثبت الدائن أنه وفاء الالتزام طبيعي .

(5)                    أما فيما بين المدين الذي وفي بالالتزام الطبيعي ودائنيه بدين مدني ، فقد ذهب كثير إلي أن الوفاء بالالتزام الطبيعي يبقي وفاء لا تبرعا ، فلو طعن دائن في هذا الوفاء بالدعوي البولصية كان عليه أن يثبت غش المدين الذي وفي بالالتزام الطبيعي وغش الدائن الذي استوفي هذا الالتزام ، كما هو الشأن في الدعوي البولصية بالنسبة إلي المعاوضات ( [1364] ) . وقد كنا ممن يذهب إلي هذا الرأي في عهد التقنين السابق ( [1365] ) . ولكن التقنين الجديد ، وقد عد الوفاء بدين مدني مؤجل في حكم التبرع بالنسبة إلي الدعوي البولصية ( أنظر المادة 242 فقرة ثانية ) ، لا شك في أنه يجعل من باب أولي هذا الحكم للوفاء بالتزام طبيعي . فالمدين المعسر ، إذا وفي بالتزام طبيعي كان في استطاعته ألا يوفي به ، يجعل لدائنيه وجها للاعتراض علي هذا التصرف ، ويكون من حقهم أن يعتبروا هذا الوفاء تبرعا لا معاوضة ، فيكون غير نافذ بالنسبة إليهم حتي لو كان كل من المدين الذي وفي بالالتزام الطبيعي والدائن الذي تلق هذا الوفاء حسن النية ( [1366] ) . ويغلب $ 748 $ أن يتحقق ذلك عملا في تجهيز الأب المعسر لابنته ، فإن التجهيز التزام طبيعي إذا وفي به المدين المعسر جاز لدائنيه الطعن بالدعوي البولصية في هذا الوفاء باعتباره تبرعا لا معاوضة( [1367] ) .

401 - الالتزام الطبيعي يصلح سببا لإنشاء التزام مدني : وكما يجوز الوفاء الاختياري بالالتزام الطبيعي ، يجوز كذلك الوعد بالوفاء به ( promesse dexecution ) ، ما دام هذا الوعد قد صدر عن بينه واختيار فإذا كان المدين في التزام طبيعي ، بدلا من أني في بهذا الالتزام وفاء فعليا ، وعد أن يفي به ، فإن هذا الوعد يصبح ملزما له ( [1368] ) . ويكون الالتزام في هذه الحالة التزاما مدنيا يجبر المدين علي الوفاء به . فكأن المدين قد وفي الالتزام الطبيعي بالتزام مدني ( [1369] ) . $ 749 $ ويجب أيضا – كما في الوفاء الاختياري - أن يكون المدين قد قصد أن يلتزم وفاء التزاما مدنيا ( [1370] ) ، فلا يكفي مجرد الاعتراف بوجود التزام طبيعي في ( [1371] ) .ذلك أن اعتراف المدين بوجود التزام طبيعي لا يدل ضرورة علي الوفاء به ، ذلك القصد رأيناه في الوفاء الاختياري – كما هو هنا في عد بالوفاء - يجمع إلي وعير الجماعة بالالتزام الطبيعي وعي المدين ذاته بهذا الالتزام . وقد قدمنا أن وعي الجماعة ضروري في قيام الالتزام الطبيعي ، ووعي بدين بالذات ضروري في تنفيه . ووجوب أن يقصد المدين الوفاء بالالتزام الطبيعي مسألة من مسائل القانون تخضع لرقابة محكمة النقض ، أما استخلاص القصد من وقائع الدعوي فمسألة واقع لا تخضع لهذه الرقابة ( [1372] ) .وعلي ذلك إذا عقد المفلس صلحا ( concordat ) مع دائنيه ، ووفاهم جزءاً من الديون ، وعدهم في الوقت ذاته بوفاء الباقي إذا انصلحت حالته ( sil revient ameilleyre fortune ) ، ترك لقاضي الموضوع أن يستخلص نية المدين من وقائع الدعوي : هل قصد المدين بهذا الوعد أن يلتزم مدنيا بوفاء الباقي من ديونه فيكون هناك التزام مدني في ذمته معل علي شرط وقف هو انصلاح حاله ويكون الصلح ذاته معلقا أيضا علي شرط فاسخ هو الوفاء بهذا الالتزام المدني ، أم قصد مجرد الاعتراف بوجود التزام طبيعي في ذمته هو الوفاء بباقي ديونه متي $ 750 $ تمكن من ذلك وفي هذه الحالة لا يجبر علي الوفاء ويبقي الصلح قائما حتي ولو لم يوف بالباقي من ديونه مع قدرته علي الوفاء ( [1373] )؟ فإذا قام شك هل قصد المدين بالوعد أن يلتزم مدنيا أم قصد مجرد الاعتراف بوجود التزام طبيعي ، فالشك يفسر في مصلحته ، ويكون قد قصد مجرد الاعتراف بوجود التزام طبيعي ( [1374] ) .

وقد اختلف الرأي في التكييف القانوني للوعد بالوفاء ، ذهب رأي قديم إلي أنة هذا الوعد يعتبر تجديداً ( novation ) للالتزام الطبيعي . فيكون المدين والدائن قد اتفقا علي استبدال دين مدني بالدين الطبيعي ، فيصبح الالتزام الطبيعي التزاما مدنيا عن طريق التجديد بتغيير الدين ( novation par changement de dette ) ( [1375] ) . وعيب هذا الرأي أنه يتعارض مع قواعد التجديد المعروفة ، إذ التجديد يفترض تعديلا في الالتزام الأصلي ، إما بتغيير محل الدين أو بتغيير سببه أو بتغيير أوصافه أو بتغيير الدائن أو بتغيير المدين . والوعد بوفاء التزام طبيعي لا يتضمن تغييراً في شيء من ذلك ، بل هو يقلب الالتزام ذاته _ محلا وسببا وأوصافا وأطرافا - من التزام إلي التزام مدني . ومن ثم اختار التقنين المدني الجديد الرأي $ 751 $ في الفقه ، واعتبر الوعد بوفاء التزام طبيعي إنشاء لالتزام مدني سببه هو التزام الطبيعي ذاته . وبذلك يكون من آثار الالتزام الطبيعي أنه يصلح سببا لإنشاء مدني ( [1376] ) . فإذا وعد المدين في التزام طبيعي دائنه بوفاء التزام ، كان هذا الوعد ملزما للمدين ( [1377] ) . وأجبر هذا علي تنفيذ التزامه إذا أصبح التزاما مدنيا توافرت فيه كل أركانه من رضاء ومحل وسبب .

ولما كان الوعد بوفاء التزام طبيعي ، كالوفاء الاختياري بهذا الالتزام ، يعتبر تبرعا ، فهو لا يخضع لأحكام التبرع ، بل لأحكام المعاوضات ، من حيث الشكل ومن حيث الموضوع ، شأنه في ذلك شأن الوفاء الاختياري فيما قدمناه ( [1378] ) .

402 - لا يقاص التزام طبيعي في التزام مدني : تقصر آثار الالتزام الطبيعي علي جواز الوفاء الاختياري به وعلي جواز الوعد بالوفاء ، وذلك علي النحو الذ قدمناه . ففي هاتين الصورتين لم يجبر المدين علي الوفاء بالتزام الطبيعي ، بل أداه مختاراً وهو علي بينة من أمره .

 $ 752 $ أما إجبار المدين علي الوفاء فلا يجوز في الالتزام الطبيعي ، ولو كان ذلك بطريق غير مباشر . ولما كانت المقاصة القانونية تتضمن وفاء إجباريا للدين ، لأن المدين يجد نفسه بمقتضي هذه المقاصة قد أدي ما عليه من الدين بما ثبت له من حق في ذمة دائنه دون أن يكون مختاراً في ذلك ، فإن المدين في التزام طبيعي إذا كان له في الوقت ذاته حق مدني في ذمة دائنه ، فحقه هذا لا ينقضي بالمقاصة القانونية في مقابلة التزامه الطبيعي ، وإلا كان في هذا إجبار له علي الوفاء بالتزامه الطبيعي ، وهذا لا يجوز ( [1379] ) .

علي أن قواعد المقاصة القانونية ذاتها تقضي بذلك ، فمن شروطها أن يتساوي الدينان المتقاصان قوة وضعفا ، فلا يقاص التزام طبيعي في التزام مدني ( [1380] ) . ولكن يجوز بداهة أن يتمسك الدائن ، إذا كان الحق الذي له حقا مدنيا ، بالمقاصة بين حقه هذا والتزام طبيعي في ذمته لمدينه ، إذ هو في هذه الصورة إنما يوفي بالتزامه الطبيعي اختياراً لا إجباراً ( [1381] ) .

وقد كان المشروع التمهيدي للتقنين المدني الجديد يتضمن نصا صريحا في عدم جواز مقاصة الالتزام الطبيعي بالتزام مدني . فكانت الفقرة الأولي من المادة 287 من هذا المشروع تنص علي أنه " لا يقاص التزام طبيعي في التزام $ 753 $ مدني ( [1382] ) . وقد حذفت هذه الفقرة في لجنة المراجعة " لإمكان استخلاص حكمها من النصوص الواردة في المقاصة ( [1383] ) " .

403 - لا تجوز كفالة الالتزام الطبيعي : كذلك لا تجوز كفالة الالتزام الطبيعي إذا كان يقصد بالكفالة أن يترتب في ذمة الكفيل التزام مدني يضمن الدين الطبيعي المكفول ( [1384] ) . ذلك أن الكفالة علي هذا النحو تفتح سبيلا لإجبار المدين علي الوفاء بالتزامه الطبيعي عن طريق غير مباشر ، إذا يجبر الدائن الكفيل علي الوفاء ، ثم يرجع الكفيل علي المدين الأصلي ، فيكون المدين بالتزام طبيعي قد أجبر في النهاية عن طريق غير مباشر علي الوفاء بالتزامه ، وهذا لا يجوز ( [1385] ) .

أما الشبهة التي تقوم في شأن كفالة ناقص الأهلية فمندفعة ذلك أن المادة 777 من التقنين المدني نصت علي أن " من كفل التزام ناقص الأهلية ، وكانت الكفالة بسبب نقص الأهلية ، كان ملزما بتنفيذ الالتزام إذا لم ينفذه المدين المكفول " . فهذا النص قد أجاز أن يلتزم شخص بتنفيذ التزام ناقص الأهلية $ 754 $ إذا تمسك هذا بنقص أهليته . وليست هذه كفالة تبعية بالمعني المألوف ، بل هي التزام أصلي أخذه علي نفسه من تسمي بالكفيل ، وعلقه علي شرط واقف هو أن يتمسك ناقص الأهلية بنقص أهليته ليتخلص من تنفيذ التزامه ( [1386] ) .

علي أنه يجوز أن يكفل الكفيل التزاما طبيعيا وتكون كفالته تبعية لا التزاما أصليا ، ولكن التزام الكفيل في هذه الحالة يكون هو أيضا التزاما طبيعيا كالتزام المكفول ، إذ لا يجوز أن تكون الكفالة بشروط أشد من شروط الدين المكفول ( م 780 مدني ) ويتحقق هذا الفرض فيما إذا كفل الكفيل ناقص الأهلية دون أن يكون عالما بنقص أهليته ، فعند ذلك يجوز للكفيل أن يتمسك بالدفوع التي يتمسك بها المدين الأصلي ( م 782 فقرة أولي مدني ) ، ومنها الدفع بنقص الأهلية ( [1387] ) ، فينقلب كل من التزام المكفول ناقص الأهلية والتزام الكفيل التزاما طبيعيا . ولا يجبر أحد منهما علي الوفاء بالتزامه . لكن إذا وفاه مختاراً لم يجز له استرداده . فإن كان الذي وفي التزامه مختاراً هو المكفول ناقص الأهلية فقد قضي التزامه والتزام الكفيل معا ، لأن التزام الكفيل الطبيعي تبع لالتزام المكفول . وإن كان الذي وفي التزامه مختاراً هو الكفيل ، فقد قضي التزامه هو ولا يستطيع أن يسترده ، كما لا يستطيع الرجوع علي المكفول ناقص الأهلية بما وفي ، لأن التزام المكفول التزام طبيعي كما قدمنا لا يجبر علي وفائه ولو بطريق غير مباشر ( [1388] ) .

 $ 755 $ وقد كان المشروع التمهيدي يتضمن نصا صريحا في عدم جواز كفالة الالتزام الطبيعي ، هو الفقرة الثانية من المادة 278 من هذا المشروع ، إذ كانت تنص علي أنه " لا تجوز كفالة الالتزام الطبيعي كفالة شخصية أو عينية ما دام التزام طبيعيا " ( [1389] ) . وقد حذفت هذه الفقرة في لجنة المراجعة " لإمكان استخلاص حكمها من النصوص الواردة في الكفالة " ( [1390] ) .

( 2 ) الالتزام المدني

( Obligation civile )

404 - التنفيذ جبراً علي المدين : بعد أن فرغنا من الكلام في الالتزام الطبيعي ، لم يعد أمامنا إلا أن نواجه الالتزام المدني ، وهذه هي الصورة المألوفة للالتزام . وإذا ذكرنا منذ الآن الالتزام دون تحديد ، فإننا لا نقصد به إلا الالتزام المدني .

ولا يمكن حصر حالات الالتزام ، وإنما يحصر الالتزام بمصادره ، فهي $ 756 $ العقد والعمل غير المشروع والإثراء بلا سبب والقانون ، وقد تقدم بيانها تفصيلا في الجزء الأول من هذا الكتاب .

والذي يميز الالتزام المدني عن الالتزام الطبيعي هو ، كما قدمنا ، أن الالتزام المدني ينفذ جبراً علي المدين ( م 199 فقرة أولي مدني ) ذلك أن هذا الالتزام يجتمع فيه ، كما سبق القول ، عنصراً المديونية والمسئولية ، فالمديونية تجيز الوفاء به كما في الالتزام الطبيعي ، والمسئولية تجبر علي الوفاء به خلافا للالتزام الطبيعي .

وقد رأينا فيما تقدم أن تنفيذ الالتزام إما أن يكون تنفيذا عينيا ، وإما أن يكون تنفيذا بمقابل عن طريق التعويض . ورأينا أن القاعدة الجوهرية في هذا الموضوع أن أموال المدين جميعا تكفل تنفيذ التزاماته .

فنعالج إذن – استعراضا لآثار الالتزام - هذه الموضوعات الثلاثة في أبواب ثلاثة :

الباب الأول : التنفيذ العيني .

الباب الثاني : التنفيذ بطريق التعويض .

الباب الثالث : القاعدة التي تقضي بأن أموال المدين تكفل تنفي التزاماته ، وما يكفل حقوق الدائنين من وسائل تنفيذ ووسائل ضمان .

 $ 757 $

الباب الأول

التنفيذ العينى

( Execution en nature – Execution directe )

405 - متى يكون التنفيذ العينى وكيف يكون : نبدأ ببيان متى يكون التنفيذ العينى للالتزام ، ثم نذكر كيف يكون هذا التنفيذ .

 $ 758 $

الفصل الأول

متى يكون التنفيذ العينى

406 - النصوص القانونية : تنص المادة 403 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " 1 - يجبر المدين ، بعد أعذاره طبقاً للمادتين 219 و 220 على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً ، متى كان ذلك ممكناً " .

 " 2 - على أنه إذا كان فى التنفيذ العينى إرهاق للمدين ، جاز له أن يقتصر على دفع تعويض نقدى ، إذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرراً جسيماً ( [1391] ) " .

ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق . ولكن حكم الفقرة الأولى كان $ 759 $ معمولا به دون نص ، أما حكم الفقرة الثانية فمستحدث وهو منقول عن التقنين الألمانى( [1392] ) .

ويقابل هذا النص فى التقنين المدنية العربية الأخرى ، فى التقنين المدنى السورى المادة 204 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 246 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 206 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى 249 ( [1393] ) .

407 - شروط أربعة : ويستخلص من النص المتقدم أن هناك شروطاً أربعة لاقتضاء التنفيذ العينى :

( أولا ) أن يكون التنفيذ العينى ممكناً .

( ثانيا ) أن يطلبه الدائن أو يتقدم به المدين .

 $ 760 $

( ثالثا ) ألا يكون فيه إرهاق للمدين ، أو يكون فيه إرهاق ولكن العدول عنه يلحق بالدائن ضرراً جسيما .

( رابعا ) أن يعذر المدين .

408 - الشرط الأول - أن يكون التنفيذ العينى ممكنا : فإذا أصبح هذا التنفيذ مستحيلا ، سواء رجعت الاستحالة إلى سبب أجنبى أن كانت بخطأ المدين ، لم تعد هناك جدوى من المطالبة بالتنفيذ العينى ، ورجع الدائن بالتعويض إذا كانت الاستحالة بخطأ المدين ، أو انقضى الالتزام دون تعويض إذا رجعت الاستحالة إلى سبب أجنبى . مثل ذلك هلاك الشيء محل الالتزام ، أو صيرورة العمل الذى التزم به المدين مستحيلا .

ويعتبر التنفيذ العينى غير ممكن إذا كان إجراؤه يقتضى تدخل المدين الشخصى ويأبى المدين أن يقوم بتنفيذ التزامه ، ويتحقق ذلك على وجه خاص فى عمل الرسام والممثل والفنان بوجه عام وفى كل عمل فنى كعمل الطبيب وعمل المهندس . فإذا لم يلجأ القاضى إلى طريق التهديد المالى ، أو لجأ إليه ولم ينتج ، لم يبق إلا اعتبار التنفيذ العينى غير ممكن ، ولا مناص إذن من مجاوزته والالتجاء إلى طريق التعويض .

أما فى الالتزام بنقل حق عينى ( م 204 مدنى ) ، وفى الالتزام بعمل تسمح طبيعته أن يقوم حكم القاضى فيه مقام التنفيذ كتنفيذ وعد بالبيع ( م 210 مدنى ) . فالتنفيذ العينى ممكن بحكم القانون أو بحكم القاضى . وفى الالتزام بالامتناع عن عمل ، إذا أخل به المدين وأقدم على العمل ، أصبح التنفيذ العينى مستحيلا ، ولكن التعويض العينى –بإزالة ما وقع مخالفاً للالتزام ( م 212 مدنى ) - قد يكون ممكناً ، وقد يضاف غليه تعويض نقدى عن الضرر الذى حدث بفعل المدين .

فإمكان التنفيذ العينى يرجع إذن إلى طبيعة الالتزام ومداه والوسائل المادية اللازمة لهذا التنفيذ( [1394] ) .

 $ 761 $

وكثيراً ما ترجع الاستحالة إلى ميعاد تنفيذ الالتزام . ذلك أن الالتزام قد لا يكون فى تنفيذه جدوى إذا جاوز التنفيذ ميعاداً معيناً ، كممثل تخلف عن التمثيل فى الميعاد المحدد ، وكإدارة معرض لم تقدم لأحد العارضين مكاناً للعرض التزمت بتقديمه حتى انقضت أيام العرض . فإذا فات الميعاد الذى يجرى فيه تنفيذ الالتزام ، أصبح التنفيذ العينى غير ممكن حكما ، ولا مناص إذن من الاقتصار على طلب التعويض . وفى غير الحالة المتقدمة ، قد لا يحدد ميعاد للتنفيذ ، فيستطيع الدائن حينئذ أن يحدد للمدين ميعاداً مناسباً وينذره فى الوقت ذاته أنه لن يقبل الوفاء إذا جاوز هذا الميعاد ، فيمتنع التنفيذ العينى بعد هذا الميعاد إلا إذا أثبت المدين ألا ضرر منه على الدائن ( [1395] ) .

409 - الشرط الثانى – أن يطلب الدائن التنفيذ العينى أو يتقدم به المدين : إذا طلب الدائن التنفيذ العينى ، وكان ممكنا ، فليس للمدين أن يمتنع عن ذلك مقتصراً على التقدم بتعويض ، بل يجبر على التنفيذ العينى أى على أداء عين ما التزم به ( in specie, ad rem ipsam )( [1396] ) . وكذلك إذا تقدم المدين بالتنفيذ العينى –ويكون فى هذه الحالة ممكناً بطبيعة الحال - فليس للدائن أن يرفضه ويطلب التعويض مكانه ، بل تبرأ ذمة المدين بالتنفيذ العينى الكامل ، $ 762 $ رضى به الدائن أو أباه ( [1397] ) .

فإذا لم يطلب الدائن التنفيذ العينى –حتى إذا كان ممكناً - واقتصر على طلب التعويض ، ولم يعرض المدين من جهته أن يقوم بتنفيذه التزامه عيناً ، فإن يستعاض عن التنفيذ العينى بالتعويض . ويقوم هذا على أساس اتفاق ضمنى بين الدائن والمدين ، فما دام الدائن لم يطلب التنفيذ العينى وطلب التعويض فكأنه ارتضى هذا مكان ذلك ، وما دام المدين لم يعرض التنفيذ العينى فكأنه قبل أن يدفع التعويض مكانه ، فيقع الاتفاق بين الجانبين على التعويض عوضاً عن التنفيذ العينى ( [1398] ) .

ونرى من ذلك أن التعويض ليس التزاماً تخييريا أو التزاما بدليا بجانب التنفيذ العينى العينى . فليس للالتزام إلا محل واحد ، هو عين ما التزم به المدين أى $ 763 $ التنفيذ العينى . ولا يملك الدائن وحده أو المدين وحده أن يختار التعويض دون التنفيذ العينى ، فالتعويض إذن ليس بالتزام تخبيرى . ولا يملك المدين وحده أن يتقدم بالتعويض بدلا من التنفيذ العينى ، فالتعويض إذن ليس بالتزام بدلى ( [1399] ) . ولكن يجوز أن يستبدل بالتنفيذ العينى التعويض النقدى ، لا بإرادة الدائن وحده ، ولا بإرادة المدين وحده ، ولكن باتفاقهما معاً إذا بقى التنفيذ العينى ممكناً ، أو بحكم القانون إذا أصبح التنفيذ العينى مستحيلا بخطأ المدين . وفى هاتين الحالتين لا يكون التعويض النقدى إلا بديلا عن التنفيذ العينى ، فالالتزام هو هو لم يتغير ، وإنما استبدل بمحله محل آخر باتفاق الطرفين أو بحكم القانون ( [1400] ) . أما إذا أصبح $ 764 $ التنفيذ العينى مستحيلا بغير خطأ المدين ، فقد انقضى الالتزام ، لأن محله أصبح مستحيلا باستحالة التنفيذ العينى ، ولأنه لا محل للتعويض النقدى لانتفاء المسئولية .

410 - الشرط الثالث – ألا يكون فى التنفيذ العينى إرهاق للمدين ، أو يكون فيه إرهاق ولكن العدول عنه يلحق بالدائن ضرراً جسيما : وقد يكون التنفيذ العينى ممكناً ، ومع ذلك يعدل عنه المدين بإرادته وحده ، ويقتصر على دفع تعويض نقدى ، على أن يتوافر لذلك شرطان :

( أولا ) أن يكون فى التنفيذ العينى إرهاق للمدين . والإرهاق ينطوى على معنى العنت الشديد ، ولا يكفى فيه مجرد العسر والكلفة والضيق ، بل يجب أن يكون التنفيذ العينى من شأنه أن يلحق بالمدين خسارة جسيمة فادحة ، ويترك التقدير فى ذلك للقاضى ( [1401] ) . وشرط الإرهاق هذا تطبيق من تطبيقات نظرية الضرورة ، وقد رأينا تطبيقات مماثلة فى عقود الإذعان وفى الظروف الطارئة وفى مواطن أخرى كثيرة ( [1402] ) .

( ثانيا ) ألا يلحق الدائن من جراء العدول عن التنفيذ العينى إلى التعويض ضرر جسيم . فلا يكفى إذن أن يكون فى التنفيذ العينى إرهاب للمدين ، بل يجب أيضاً ألا يصاب الدائن بضرر جسيم من جراء عدم التنفيذ العينى والاقتصار على التعويض . والتوازن هنا مطلوب بين المصالح المتعارضة ، مصالح المدين ومصالح الدائن . فإذا أمكن تفادى إرهاق المدين ، ولو بضرر يسير يصيب الدائن ، $ 765 $ وأن يحل التعويض النقدى محل التنفيذ العينى . أما إذا كان التنفيذ العينى لا يترتب عليه إرهاق شديد للمدين ، أو ترتب عليه هذا الإرهاق ولكن العدول عنه إلى تعويض يلحق بالدائن ضرراً جسيما ، وجب الرجوع إلى الأصل ، وهو وجوب تنفيذ العينى دون التعويض ، وذلك حتى ينال الدائن حقه كاملا ، ما دام المدين لا يرهق من جراء ذلك ، أو حتى يندفع عن الدائن الضرر الجسيم الذى يصيبه من جراء عدم التنفيذ العينى . وإذا كان لابد من إرهاق المدين أو تحميل الدائن ضرراً حسبما ، فالأولى بالرعاية هو الدائن ، لأنه إنما يطالب بحقه فى غير تعسف .

ومن التطبيقات الظاهرة التى نحن بصددها ما ورد فى المادة 1018 من التقنين المدنى ، وتنص على ما يأتى : " 1 - إذا فرضت قيود معينة تحد من حق مالك العقار فى البناء عليه كيف شاء ، كأن يمنع من تجاوز حد معين فى الارتفاع بالبناء أو فى مساحة رقعته ، فإن هذه القيود تكون حقوق ارتفاق على هذا العقار لفائدة العقارات التى فرضت لمصلحتها هذه القيود ، هذا ما لم يكن هناك اتفاق يقضى بغيره . 2 - وكل مخالفة لهذه القيود تجوز المطالبة بإصلاحها عيناً ، ومع ذلك يجوز الاقتصار على الحكم بالتعويض إذا رأت المحكمة ما يبرر ذلك " . فهنا يقضى النص بالاقتصار على التعويض دون التنفيذ العينى –والتنفيذ العينى هو هدم البناء( [1403] ) - إذا رأى القاضى ما يبرر ذلك . والقاضى يرى مبرراً لذلك إذا كان الهدم يرهق المدين فى الوقت الذى لا يلحق فيه إبقاء البناء ضرراً جسيما بالدائن ( [1404] ) . وقد كان القضاء المصرى ، فى عهد التقنين السابق ، يسير $ 766 $ على هذه القاعدة دون نص لاتفاقها مع قواعد العدالة( [1405] ) .

ويستخلص مما تقدم أن التعويض يحل محل التنفيذ العينى إذا كان هذا مستحيلا ، أو كان ممكناً واتفق الطرفان على التعويض ، أو لم يتفقا وكان التنفيذ العينى مرهقاً للمدين ولا يلحق العدول عنه ضرراً جسيما بالدائن .

411 - الشرط الرابع – إعذار المدين : وإعذار المدين واجب فى التنفيذ العينى إذا كان المقصود أن يكون هذا التنفيذ قهرياً بطريق الإجبار ( م 203 فقرة أولى مدنى ) . أما إذا كان التنفيذ العينى يتحقق بكم القانون ، أو قام به المدين مختاراً غير مجبر ، فظاهر أنه لا حاجة إلى الإعذار فى هاتين الحالتين .

وأكثر ما يكون الإعذار فى المطالبة بالتعويض النقدى . ولكنه يكون أيضاً واجباً حتى لو كان المطلوب هو التنفيذ العينى ( [1406] ) . فإذا لم يقم الدائن بإعذار $ 767 $ المدين قبل مطالبته قضائياً بالتنفيذ العينى ، جاز لمدين ، حتى بعد المطالبة القضائية ، أن يتقدم للدائن بالتنفيذ العينى ، فيخسر الدائن فى هذه الحالة مصروفات التقاضى ، ولا يصح كذلك أن يطالب الدائن المدين بتعويض عن تأخره فى تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً ، لأنه لم يعذره قبل المطالبة القضائية . على أن المطالبة القضائية ذاتها تعتبر إعذاراً ، فيجب على المدين أن يبادر إلى تنفيذ التزامه بمجرد أن توجه له المطالبة القضائية ، وإلا كان مسئولا عن تأخره .

ولما كان الإعذار إنما يكثر وقوعه عند المطالبة بالتعويض النقدى ، فنرجئ الكلام فى كيفيته وفى الآثار التى تترتب عليه إلى المكان الذى نتكلم فيه عن التنفيذ بطريق التعويض .

 $ 768 $

الفصل الثانى

كيف يكون التنفيذ العينى

412 - مسألتان : نتكلم هنا فى مسألتين :

( أولا ) موضوع التنفيذ العينى ( المديونية ) .

( ثانيا ) وسائل التنفيذ العينى ( المسئولية ) .

الفرع الأول

موضوع التنفيذ العينى

413 - تقسيم الالتزام بالنسبة إلى محله : موضوع التنفيذ العينى هو عين محل الالتزام . وقد رأينا أن الالتزام ينقسم ، بالنسبة إلى محله ، إلى أنواع ثلاثة :

( 1 ) الالتزام بنقل ملكية أو حق عينى آخر .

( 2 ) الالتزام بعمل .

( 3 ) الالتزام بالامتناع عن عمل .

المبحث الأول

الالتزام بنقل ملكية أو حق عينى آخر

Obligation de donner

414 - حالتان : يجب التمييز هنا بين حالتين :

( الحالة الأولى ) أن يكون محل الالتزام شيئاً معيناً بالذات يملكه الملتزم .

( الحالة الثانية ) أن يكون محل الالتزام شيئاً لم يعين إلا بنوعه .

 $ 769 $

المطلب الأول

محل الالتزام شيء معين بالذات بملكية الملتزم

415 - النصوص القانونية : تنص المادة 204 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " الالتزام بنقل الملكية أو أى حق عينى آخر ينقل من تلقاء نفسه هذا الحق ، إذا كان محل الالتزام شيئاً معيناً بالذات يملكه الملتزم ، وذلك دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالتسجيل( [1407] ) " .

ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق المواد 91 / 145 و 92 / 146 و 118 / 175( [1408] ) .

ويقابل فى التقنين المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المادة 205 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 247 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 207 ، ولا مقابل له فى تل تقنين الموجبات والعقود اللبنانى ( [1409] ) .

 $ 770 $

416 - نقل الملكية بسبقة التزام بنقلها – التمييز بين المنقول والعقار : ويتبين من هذا النص أن الالتزام بنقل حق عينى ( Obligation donner ) –سواء كان الحق العينى حق ملكية أو أى حق عينى آخر كحق انتفاع أو حق ارتفاق أو حق رهن - يتم تنفيذه من تلقاء نفسه ، فينتقل الحق العينى إلى الدائن يحكم القانون ( de plein droit ) ، إذا كان الشيء الذى يقع عليه الالتزام شيئاً معيناً بالذات ( Corps certain ) يملكه المدين .

ويلاحظ أن التقنين الجديد سار على النظرية التقليدية من أن نقل الملكية يسبقه التزام بنقلها ، وهذا الالتزام يتم تنفيذه من تلقاء نفسه فتنتقل الملكية إلى الدائن بحكم القانون ، وينقضى الالتزام بنقل الملكية بمجرد نشوئه . وهذا الوضع بقية تخلفت عن تقاليد القانون الرومانى والقانون الفرنسى القديم ، حيث كانت الملكية لا تنتقل بالعقد ( [1410] ) .

ويجب فى هذا الصدد التمييز بين المنقول والعقار .

417 - الشيء الذى يقع عليه الالتزام منقول : فإذا كان الشيء الذى يقع عليه الالتزام منقولا وكان عيناً معينة مملوكة للمدين ، كسيارة معينة $ 771 $ بالذات أو مجوهرات التقنين المدنى المختلط اختيارها بأعيانها ، فإن الالتزام بنقل حق عينى على هذا المنقول يتم تنفيذه بمجرد نشوئه . فإذا باع شخص سيارة معينة بالذات من آخر أو رهنا رهناً حيازياً لضمان دين فى ذمته ، كان ملتزماً بنقل ملكية السيارة إلى المشترى أو بترتيب حق رهن حيازى عليها لمصلحة الدائن المرتهن ، ومتى نشأ هذا الالتزام فى ذمة المدين تم تنفيذه بمجرد نشوئه ، فتنتقل ملكية السيارة فعلا إلى المشترى أو يترتب حق الرهن فعلا لمصلحة الدائن المرتهن ، وذلك دون حاجة إلى أى إجراء آخر من تسليم أو نحوه .

فلو ان صاحب السيارة باعها من ( أ ) ، ثم باعها مرة أخرى من ( ب ) ، ولم يسلمها لأى منهما ، انتقلت الملكية إلى ( أ ) المشترى الأول دون ( ب ) المشترى الثانى . فإذا سلمها إلى ( أ ) ، فإنه يكون قد سلمها إلى مالكها . أما إذا سلمها إلى ( ب ) ، فإن هذا يصبح مالكاً للسيارة بشرط أن يكون حسن النية ، ولكنه لا يملكها بسبب البيع بل بسبب آخر هو الحيازة . وليس يمنع هذا من أن تكون ملكية السيارة قد انتقلت أولا إلى ( أ ) بحكم البيع ، ثم انتقلت بعد ذلك إلى ( ب ) بحكم الحيازة . يدل على ذلك أن ( ب ) يتلقى الملكية فى هذه الحالة لا من صاحب السيارة الأصلى الذى تجرد عن الملكية بالبيع الأول ، كما قدمنا ، بل من ( أ ) المشترى الأول الذى انتقلت إليه الملكية دون أن يتسلم السيارة( [1411] ) .

 $ 772 $

418 - الشيء الذى يقع عليه الالتزام عقار : أما إذا كان الشيء الذى يقع عليه الالتزام عقاراً معيناً بالذات ومملوكاً للمدين ، كدار أو أرض محددة ، فإن الالتزام بنقل حق عينى على هذا العقار لا يتم تنفيذه بمجرد نشوئه ، بل تجب مراعاة قواعد التسجيل بالنسبة إلى الحقوق العينية الأصلية كالملكية والارتفاق والانتفاع ، وقواعد القيد بالنسبة إلى الحقوق العينية التبعية كالرهن الرسمية والاختصاص ورهن الحيازة . على أن عدم التسجيل لا يمنع من نشوء الالتزام بنقل الملكية أو الحق العينى ، لأن هذا الالتزام إنما ينشأ من العقد ، والتسجيل إنما ينفذ الالتزام لا ينشئه ( [1412] ) .

فإذا باع صاحب الدار داره من آخر ، لم تنتقل ملكية هذا الدار إلى المشترى ، سواء كان ذلك بالنسبة إلى الغير أو فيما بين المتعاقدين ، إلا بتسجيل عقد البيع . وإذا رهنها فى دين عليه ، لم ينشأ حق الرهن لمصلحة الدائن ، بالنسبة إلى الغير ، إلا بقيد الرهن . وقبل تسجيل البيع يبقى الالتزام بنقل الملكية ديناً فى ذمة البائع ، يتراخى تنفيذه إلى وقت التسجيل . ويكون البائع فى الوقت ذاته ملتزماً بأن يقوم بالأعمال اللازمة لتسجيل البيع ، وأخصها التصديق على الإمضاء ، فإذا لم يقم بهذا الالتزام استطاع المشترى أن يحصل على حكم من القاضى بثبوت البيع أو بصحته ، وقام الحكم مقام العقد المصدق عليه ، فإذا سجله المشترى انتقلت إليه الملكية ( أنظر م 210 مدنى ) . أما الالتزام بإنشاء رهن على العقار فلا يخضع للتسجيل . ومتى تم عقد الرهن ، ونشأ بموجبه التزام الراهن بترتيب حق الرهن على العقار ، فإن هذا الالتزام يتم تنفيذه بمجرد نشوئه وفقاً للقواعد العامة ، ولكن ذلك يقتصر على العلاقة فيما بين الراهن والمرتهن ، ويكون القيد ضرورياً فى سريان الراهن فى حق الغير ( [1413] ) .

 $ 783 $

على أن الحق العينى العقارى –ملكية كان أو حقا آخر - الذى ينتقل للدائن يكون خاضعا للحقوق العينية العقارية الأخرى التى تكون قد حفظت من قبل $ 774 $ بالتسجيل أو بالقيد . فالمشترى للعقار تنتقل إليه ملكيته بتسجيل عقد البيع ، ولكنها تنتقل مثقلة بحق رهن قيد أو حق ارتفاق سجل قبل تسجيل عقد البيع ( [1414] ) . والكلام فى أحكام التسجيل والقيد له مكان آخر .

المطلب الثانى

محل الالتزام شيء لمن يعين إلا بنوعه

419 - النصوص القانونية : تنص المادة 205 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 $ 775 $

 " 1 - إذا ورد الالتزام بنقل حق عينى على شيء لم يعين إلا بنوعه ، فلا ينتقل الحق إلا بإفراز هذا الشيء " .

 " 2 - فإذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه ، جاز للدائن أن يحصل على شيء من النوع ذاته على نفقة المدين ، بعد استئذان القاضى أو دون استئذانه فى حالة الاستعجال ، كما يجوز له أن يطالب بقيمة الشيء ، من غير إخلال فى الحالتين بحقه فى التعويض ( [1415] ) " .

ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق ، ولكن الحكم كان معمولا به دون نص .

ويقابل النص فى التقنين المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المادة 206 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 248 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 208 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المادة 250 فقرة أولى وفقرة ثانية ( [1416] ) .

420 - الفرق بين الشيء المعين بالذات والشيء الذى لمي يعين إلا بنوعه : ويتبين من هذا النص أن الالتزام بنقل حق عينى على شيء غير معين بالذات لا يتم تنفيذه من تلقاء نفسه ، ولا ينتقل الحق العينى إلى الدائن بحكم $ 776 $ القانون على خلاف ما رأينا فى الشيء المعين بالذات . والسبب واضح : ذلك أن الشيء قبل تعيينه غير معروف ، فهناك إذن استحالة طبيعية فى أن تنتقل ملكيته أو أى حق عينى آخر يتعلق به إلى الدائن قبل هذا التعيين .

421 - الشيء غير المعين نقود : فإذا كان الشيء الذى لم يعين إلا بنوعه نقوداً ، فقد رأينا عند الكلام فى محل العقد أن المدين يلتزم بقدر عددها المذكور فى العقد ( [1417] ) ، دون أن يكون لارتفاع قيمة هذه النقود أو لانخفاضها وقت الوفاء أى أثر ( م 134 مدنى ) . ورأينا أن السعر الإجبارى ( Cours Force ) للورق النقدى ، مهما انخفض هذا السعر من جراء التضخم ، لا يغير شيئاً فى حكم هذه القاعدة ، وأن الاتفاق على الدفع بسعر الذهب ( Clause or ) باطل لمخالفته للنظام العام ، سواء كان ذلك فى التعامل الداخلى أو فى التعامل الدولى( [1418] ) .

فإذا كان على المدين أن يدفع للدائن قدراً معيناً من النقود ، وجب أن يدفع له هذا القدر العددى دون زيادة أو نقص ، ولا تنتقل ملكيته من المدين إلى الدائن إلا عند القبض . والسبب فى ذلك أن من خصائص النقود أن أى مقدار منها لا يتعين إلا بقبضه ، ولا يكفى فيه الإفراز . فلو أن المدين أفرز من ماله خمسين جنيهاً هو القدر الواجب دفعه للدائن ، لم تنتقل ملكية هذا المقدار إلى الدائن بمجرد الإفراز ، بل تبقى النقود على ملك المدين ، وله أن يعدل عن دفع ما أفرزه وأن يفرز مقداراً آخر بدلا منه ، ولا تنتقل ملكية النقود إلى الدائن إلا عند قبضها .

والتنفيذ العينى بدين من النقود ممكن دائماً ، طوعاً أو جبراً ، ويكون جبراً بطريق التنفيذ على مال المدين وبيعه واستقضاء الدين نقداً من الثمن .

422 - الشيء غير المعين ليس نقوداً : أما إذا كان الشيء الذى لم يعين إلا بنوعه ليس نقوداً ، فإن انتقال ملكية هذا الشيء ، أو أى حق عينى آخر يتعلق به $ 777 $ إلى الدائن يكون بالإفراز ولو قبل التسليم . فلو أن شخصاً باع من آخر مائة قنطار من القطن أو خمسين إردباً من القمح ، لم تنتقل الملكية إلى المشترى بمجرد البيع ، لأن القطن أو القمح لم يتعين ، فلا يتصور انتقال الملكية . فإذا ما تم التعيين ، ويكون ذلك بإفراز كمية من القطن أو القمح معادلة للمقدار المحدد بقصد تسليمها للمشترى ، أصبح المبيع شيئاً معيناً بالذات ، وانتقلت ملكيته إلى المشترى بهذا الإفراز دون حاجة فى هذا إلى التسليم . ويترتب على ذلك أن البائع لو أفرز المقدار المبيع بقصد تسليمه إلى المشترى ، ووضعه فى مكان معين –شونة أو مخزن - ثم دعا المشترى لتسلمه بطريق الإعذار ، فتخلف هذا بغير عذر ، ثم احترقت الشونة أو المخزن بغير خطأ من البائع ، هلك المبيع على المشترى لأنه ملكه وانتقلت فى الوقت ذاته تبعة الهلاك إليه بالرغم من أنه لم يكن قد تسلمه .

على أن المألوف فى التعامل هو أن يكون إفراز الشيء عند تسليمه إلى المشترى ، فيتم الإفراز والتسلم فى وقت واحد . ومن ثم يقال فى بعض الأحكام إن الملكية تنتقل بالتسليم على اعتبار أن الإفراز لم يتم إلا عند التسليم ، لا على اعتبار أن التسليم هو الذى ينقل الملكية .

ويلاحظ من جهة أخرى أن الشيء الذى لم يعين إلا بنوعه إذا كان عقاراً –كما إذا باعت إحدى شركات أراضى البناء كذا مترا من الأرض دون تعيين - فإن ملكية الأرض المبيعة لا تنتقل إلى المشترى بالتعيين ، بل ولا بالتسليم ، وإنما تنتقل بالتسجيل الذى لا يتم طبعا إلا بعد التعيين ، ويصبح المشترى مالكا للأرض المبيعة بتسجيل عقد البيع ولو قبل التسليم .

423 - كيف يكون التنفيذ إذا امتنع المدين عن الإفراز : وإذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه من إفراز الشيء على النحو المتقدم وتسليمه للدائن ، جاز لهذا أن يطالب بالتنفيذ عينا أو تعويضاً .

والتنفيذ العينى يكون بحصول الدائن على شيء من النوع ذاته على نفقة المدين . ويقوم الدائن نفسه بشرائه ، ويرجع بالثمن والمصروفات على المدين ، بل ويرجع أيضاً بالتعويض عما قد يكون أصابه من خسارة بسبب تأخر المدين فى تنفيذ التزامه . والأصل أن الدائن يستأذن القاضى فى ذلك ، يكون الاستئذان عن طريق الدعوى والحصول على حكم بشراء الشيء والرجوع على المدين بما تقدم بيانه . فإذا $ 778 $ كانت الظروف لا تحتمل الإبطاء ، وكان الانتظار طول الوقت الذى يستغرقه استصدار الحكم يحدث ضرراً بليغاً بالدائن ، كان له دون حكم –ويحسن أن يكون ذلك بعد إعذار المدين - أن يقوم بالشراء ، ثم يرجع بالثمن والمصروفات والتعويض على المدين عن طريق الدعوى ، وهنا يتمكن القاضى من بسط رقابته على تصرف الدائن ، والتثبت من أن الظروف كانت تبرر هذا التصرف الاستثنائى فيحكم له بما طلب ، أو أنه كان متسرعاً فيخفض المبلغ المطلوب بمقدار ما عاد على المدين من الخسارة بسبب هذا التسرع ( [1419] ) .

أما التنفيذ بطريق التعويض فيكون بمطالبة المدين بقيمة الشيء نقداً مع التعويض عن التأخر فى التنفيذ . وتجرى هذه المطالبة وفقاً للقواعد العامة التى سيأتى ذكرها عند الكلام فى التنفيذ بطريق التعويض ( [1420] ) .

المبحث الثانى

الالتزام بعمل

( Obligation de faire )

424 - أقسام الالتزام بعمل : رأينا أن الالتزام العقدى ينقسم $ 779 $ إلى التزام بتحقيق غاية ( obligation de resultat ) والتزام ببذل عناية ( Obligation de moyen ) . ويمكن القول إن كل التزام –عقدياً كان أو غير عقدى - يكون إما التزاماً بغاية أو التزاماً بعناية ( [1421] ) . فالالتزام بنقل حق عينى هو دائماً التزاما بغاية . وكذلك هو شأن الالتزام بالامتناع عن عمل ( [1422] ) . أما الالتزام بعمل فيكون فى بعض صوره التزاماً بعناية ، ويكون فى صور أخرى التزاماً بغاية . فإذا كان التزاماً بغاية ، فهو لا يعدو أن يكون التزاماً بتسليم شيء أو التزاماً بإنجاز عمل معين .

ومن ثم ينقسم الالتزام بعمل أقساماً ثلاثة :

(1)        التزاماً ببذل عناية .

(2)        التزاماً بتسليم شيء .

( 3 ) التزاماً بإنجاز عمل معين .

ونستعرض كلا من هذه الأقسام .

المطلب الأول

الالتزام ببذل عناية

425 - النصوص القانونية : تنص المادة 211 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " 1 - فى الالتزام بعمل ، إذا كان المطلوب من المدين هو أن يحافظ على الشيء ، أو أن يقوم بإدارته ، أو أن يتوخى الحيطة فى تنفيذ التزامه ، فإن المدين يكون قد وفى بالالتزام إذا بذل فى تنفيذه من العناية كل ما يبذله الشخص العادى ، ولو لم يتحقق الغرض المقصود . هذا ما لم ينص القانون أو الاتفاق على غير ذلك " .

 $ 780 $

 " 2 - وفى كل حال يبقى المدين مسئولا عما يأتيه من غش أو خطأ جسيم( [1423] ) " .

ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق ، ولكن الحكم كان معمولا به دون نص .

ويقابل النص فى التقنين المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المادة 212 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 251 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 214( [1424] ) . ولا مقابل له فى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى ( [1425] ) .

وتنص المادة 206 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " الالتزام بنقل حق عينى يتضمن الالتزام بتسليم الشيء والمحافظة عليه حتى التسليم( [1426] ) " .

ولا مقابل لهذا النص التقنين المدنى السابق ، ولكن الحكم كان معمولا به دون نص .

ويقابل النص فى التقنين المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى $ 781 $ المادة 207 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 209( [1427] ) . ولا مقابل له فى كل من التقنين المدنى العراقى وتقنين الموجبات والعقود اللبنانى( [1428] ) .

426 - الالتزام ببذل عناية يتعلق بشيء أو بعمل : وقد أوردت المادة 211 مدنى ضروب الالتزام ببذل عناية . فهذا الالتزام إما أن يكون متعلقا بشيء أو متعلقا بعمل .

فإذا كان متعلقاً بشيء ، فهو إما أن يكون :

( 1 ) المحافظة على الشيء ، كالتزام المودع عنده بالمحافظة على الشيء المودع ( م 720 مدنى ) ، والتزام المستعير أو المستأجر بالمحافظة على الشيء المعار أو العين المؤجرة ( م 641 و م 583 مدنى ) ويدخل فى ذلك أيضاً الالتزام بالمحافظة على الشيء الذى يتضمنه الالتزام بنقل الحق العينى ، فقد رأينا المادة 206 تقضى بأن الالتزام بنقل حق عينى يتضمن التزاماً بعمل فى قسمين من الأقسام الثلاثة للالتزام بعمل ، فيلتزم المدين بأن يحافظ على الشيء وهذا التزام ببذل عناية ، وأن يسلمه للدائن وهذا التزام بالتسليم . مثل ذلك التزام البائع بنقل ملكية المبيع إلى المشترى ، فهو يتضمن التزاماً بتسليم المبيع إلى المشترى والتزاماً بالمحافظة عليه حتى وقت التسليم ( أنظر المواد 431 و 437 – 438 مدنى ) .

( 2 ) أو يكون إدارة هذا الشيء ، ويتضمن هذا بطبيعة الحال المحافظة عليه ، وذلك كالتزام المرتهن رهن حيازة بإدارة العين المرهونة لاستثمارها استثماراً كاملا ( م 1104 فقرة ثانية مدنى ) ، وكالتزام الوكيل فى الإدارة بإدارة العين الموكول إليه إدارتها ( م 701 مدنى ) . وقد تكون إدارة الشيء لمصلحة الدائن كما فى الوكيل بالإدارة ، أو لمصلحة المدين كما فى المستأجر عند ما ينتفع بلعين ، أو لمصلحتهما معاً كما فى الدائن المرتهن رهن حيازة عند ما يستثمر العين المرهونة .

وإذا كان الالتزام ببذل عناية متعلقاً بعمل ، كالطبيب يلتزم بعلاج المريض $ 782 $ والمحامى يلتزم بالدفاع عن مصالح موكله أمام القضاء ( وهذا غير النيابة عنه ) ، كان العمل المطلوب من المدين هو توخى الحيطة فى القيام بالعمل الموكول إليه . فالطبيب عليه أن يتوخى أصول صناعة الطب المعروفة فى العلاج ولا عليه أن يشفى المريض ، والمحامى عليه أن يبذل العناية المألوفة فى الدفاع عن مصالح موكله ولا عليه أن يكسب القضية .

427 - العناية المطلوبة فى الالتزام ببذل عناية : ويعتبر المدين ، فى جميع هذه الأحوال ، أنه قد وفى بالتزامه ، إذ هو –كما يقول النص - بذل فى تنفيذه من العناية كل ما يبذله الشخص العادى ، ولو لم يتحقق الغرض المقصود ، فأخفق العمل ، أو هلك الشيء المحفوظ ، أو انتهت إدارته بالخسارة .

وقد يوجب القانون أو الاتفاق عناية أكثر أو أقل من عناية الشخص العادى . ففى العارية أوجب القانون عناية أكبر ( م 641 مدنى ) . وفى الوديعة أوجب عناية أقل ( م 720 مدنى ) . وإذا اتفق المدين والدائن على عناية أقل أو أكثر ، جاز ذلك . على أنه لا يجوز الاتفاق على التخفف من العناية إلى الحد الذى لا يكون المدين فيه مسئولا عما يأتيه من غش أو خطأ جسيم( [1429] ) .

428 - إحالة : وقد سبق بيان ذلك تفصيلا عند الكلام فى المسئولية العقدية ، فنكتفى هنا بالإحالة إليها( [1430] ) .

المطلب الثانى

الالتزام بالتسليم

429 - النصوص القانونية : تنص المادة 207 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 $ 783 $

 " 1 - إذا التزم المدين أن ينقل حقاً عينياً أو أن يقوم بعمل ، وتضمن التزامه أن يسلم شيئاً ولم يقم بتسليمه بعد أن أعذر ، فإن هلاك الشيء يكون عليه ولو كان الهلاك قبل الإعذار على الدائن " .

 " 2 - ومع ذلك لا يكون الهلاك على المدين ولو أعذر ، إذا أثبت أن الشيء كان يهلك كذلك عند الدائن لو أنه سلم غليه ، ما لم يكن المدين قد قبل أن يتحمل تبعة الحوادث المفاجئة " .

 " 3 - على أن الشيء المسروق إذا هلك أو ضاع بأية صورة كانت ، فإن تبعة الهلاك تكون على السارق ( [1431] ) " .

ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق ، ولكن الحكم كان معمولا به دون نص .

ويقابل هذا النص فى التقنين المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المادة 208 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 210( [1432] ) ، أما التقنين المدنى العراقى فقد اشتمل فى هذه المسألة على سلسلة من النصوص ( م 426 إلى 428 ) سيأتى ذكرها عند الكلام فى استحالة التنفيذ كسبب من أسباب انقضاء الالتزام . ولا مقابل للنص فى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى ، ولكن يبدو أن المبادئ العامة لهذا التقنين لا تمنع من تطبيق هذه الأحكام .

 $ 784 $

430 - الالتزام بالتسليم قد يكون التزاما مستقلا وقد يكون التزاما تبعيا : قد يكون الالتزام بالتسليم التزاماً مستقلا ، فيكون منذ البداية التزاما بعمل . مثل ذلك التزام المستأجر برد العين المؤجرة ، والتزام المستعير برد العين المعارة ، والتزام المودع عنده برد الشيء المودع ، والتزام المرتهن حيازة برد العين المرهونة .

وقد يكون الالتزام بالتسليم التزاماً تبعياً يتضمنه الالتزام بنقل حق عينى على النحو الوارد فى المادة 206 وقد تقدم ذكرها . مثل ذلك التزام البائع بتسليم المبيع إلى المشترى ، والتزام الشريك بتسليم حصته إلى الشركة ، وكلا الالتزامين قد تضمنه التزام بنقل حق عينى إما إلى المشترى وإما إلى الشركة ( [1433] ) .

وسواء كان الالتزام بالتسليم التزاماً مستقلا أو التزاماً تبعياً ، فإن تنفيذه يكون بتسليم المدين الشيء إلى الدائن ، وفقاً لأحكام القواعد العامة فى التسليم . فإذا لم ينفذ المدين التزامه طوعاً ، أجبر على التنفيذ عيناً أو عن طريق التعويض بحسب الأحوال .

431 - تبعة هلاك الشيء قبل التسليم : ويستوقف النظر فى هذا الالتزام بحث تبعة هلاك الشيء إذا هلك قبل التسليم . فإذا فرض أن الشيء هلك قضاء وقدراً ، فعلى من تقع تبعة الهلاك؟ هنا يجب التمييز بين أن يكون الالتزام بالتسليم التزاماً تبعياً أو التزاماً أصلياً .

فإذا كان الالتزام بالتسليم التزاماً تبعياً يتضمنه التزام بنقل حق عينى ، فالأصل أن الهلاك يكون على المدين بالتسليم ، ولو أنه أصبح غير مالك إذ انتقلت الملكية إلى الدائن تنفيذاً للالتزام الأصلى بنقل الملكية . ويبرر هذه القاعدة أن الالتزام بالتسليم فى هذه الحالة ليس فى حقيقته إلا التزاماً مكملا للالتزام بنقل الملكية ، إذ لا تخلص الملكية فعلا للدائن إلا بالتسليم . ومن ثم كان الهلاك على المدين ، وهو مدين بنقل الملكية وبالتسليم معاً . وقد طبق التقنين المدنى الجديد هذه القاعدة فى كل من البيع والقسمة . فنصت المادة 437 $ 785 $ على أنه " إذا هلك المبيع قبل التسليم لسبب لابد للبائع فيه ، انفسخ البيع واسترد المشترى الثمن ، إلا إذا كان الهلاك بعد إعذار المشترى لتسلم المبيع " ( [1434] ) . ونصت الفقرة الأولى من المادة 511 على أنه " إذا كانت حصة الشريك حق ملكية أو حق منفعة أو أى حق عينى آخر ، فإن أحكام البيع هى التى تسرى فى ضمان الحصة إذا هلكت . . .( [1435] ) " .

أما إذا كان الالتزام بالتسليم التزاما مستقلا ، فالهلاك يكون على المالك . ويغلب أن يكون هو الدائن بالتسليم ، كما رأينا ذلك فى الالتزام بالرد نحو المؤجر والمعير والمودع والراهن حيازة . ولكن قد يكون المالك هو المدين بالتسليم ، كما فى التزام المؤجر بتسليم العين المؤجرة للمستأجر . وذلك أن الأصل فى الهلاك أن يكون على المالك ( res perit domino ) ، فهو الذى يكسب الغنم وهو الذى يتحمل العرم . ولم يزحزح هذه التبعة عن المالك إلى المدين بالتسليم فى الالتزام التبعى إلا اعتبار أن الالتزام التبعى بالتسليم مكمل للالتزام بنقل الملكية كما قدمنا . أما هنا فالالتزام مستقل ، ونم ثم رجعنا إلى الأصل ، فكان الهلاك على المالك . وقد أورد التقنين المدنى تطبيقات كثيرة لهذا المبدأ ، نذكر منها ما ورد فى عقود الإيجار والعارية والوديعة ورهن الحيازة ، فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 569 على أنه " إذا هلكت العين المؤجرة أثناء الإيجار هلاكا كليا انفسخ العقد من $ 786 $ تلقاء نفسه " . فتبعة الهلاك هنا على المالك وهو المؤجر ، لا على المدين بالرد وهو المستأجر ( [1436] ) . ونصت الفقرة الأولى من المادة 584 على أن " المستأجر مسئول عن حريق العين المؤجرة إلا إذا أثبت أن الحريق نشأت عن سبب لا يد له فيه " . وهذا تطبيق خاص بالهلاك بسبب الحريق ، فإذا نشأ الحريق بسبب أجنبى –وعبء الإثبات على المستأجر - كان الهلاك على المالك أى على المؤجر . ونصت الفقرة الأولى من المادة 591 على ما يأتى : " على المستأجر أني رد العين المؤجرة بالحالة التى تسلمها عليها ، إلا ما يكون قد أصاب العين من هلاك ا, تلف لسبب لابد له فيه " . وهنا أيضاً ترديد للمبدأ ذاته فى حالة قيام المستأجر بتنفيذ التزامه بالرد ، فهلاك العين بسبب أجنبى فى هذه الحالة لا يكون عليه بل على المالك وهو والمؤجر الدائن بالرد . ونصت الفقرة الثانية من المادة 641 على أن المستعير يكون فى كل حال " ضامنا لهلاك الشيء إذا نشأ الهلاك عن حادث مفاجئ أو قوة قاهرة وكان فى وسعه أو يتحاشاه باستعمال شيء من ملكه الخاص أو كان بين أن ينقذ شيئاً مملوكا له أو الشيء المعار فاختار أن ينقذ ما يملكه " . وهنا جعلت تبعة هلاك الشيء المعار بسبب أجنبى فى الأصل على المالك وهو المعير ، طبقا للمبدأ العام الذى قدمناه . وإنما اختار المشرع فرضين ، فيهما يهلك الشيء بسبب أجنبى ولكن المستعير كان يستطيع إنقاذه بتضحية ماله الخاص ، فجعل الهلاك فى هذين الفرضين لا على المعير وهو المالك والدائن بالرد ، بل على المستعير وهو المدين بالرد لأنه كان ينتفع بالشيء دون مقابل . وفى الوديعة يلتزم المودع عنده برد الشيء المودع كما تقضى بذلك المادة 722 ، إلا أنه إذا هلك الشيء بسبب أجنبى ، كان الهلاك على المالك وهو المودع ، تطبيقا للمبدأ العام . وفى رهن الحيازة نصت الفقرة الأولى من المادة 1102 على أن " يضمن الراهن هلاك الشىء المرهون أو تلفه إذا كان الهلاك أو التلف راجعا لخطأه أو ناشئا عن قوة قاهرة " . ونصت المادة 1103 على أنه " إذا تسلم الدائن المرتهن الشيء المرهون ، فعليه أن يبذل فى حفظه وصيانته من العناية ما يبذله الشخص المعتاد ، وهو مسئول عن هلاك الشيء أو تلفه ما لم يثبت أن ذلك يرجع لسبب أجنبى لابد له فيه " . فهلاك $ 787 $ العين المرهونة بسبب أجنبى على المالك وهو الراهن بالدائن بالرد ، لا على المرتهن وهو المدين بالرد .

432 - أثر الإعذار فى تحمل تبعة الهلاك : ويتبين مما تقدم أن تبعة الهلاك فى الالتزام بالتسليم تكون على المدين بهذا الالتزام إذا كان التزاما تبعيا ، وتكون على المالك إذا كان التزاما مستقلا . غير أن الإعذار ينقل تبعة الهلاك من طرف إلى الطرف الآخر فى كلتا الحالتين .

فإذا كانت تبعة الهلاك على المدين كما فى البيع قبل التسليم ، وأعذر البائع المشترى طالبا إليه أن يتسلم المبيع ، وهلك المبيع بعد الإعذار وقبل التسليم ، فإن تبعة الهلاك تنتقل من المدين إلى الدائن ، أى من البائع إلى المشترى . وتقرر المادة 335 من التقنين المدنى هذه القاعدة ، إذ تنص على أنه " إذا تم إعذار الدائن ، تحمل تبعة هلاك الشيء أو تلفه . . . " وفى هذه الحالة –حالة انتقال تبعة الهلاك من المدين إلى الدائن - يلتزم المدين أن ينزل للدائن عما قد يكون له من حق أو دعوى فى التعويض عن الشيء الذى هلك ، كما لو كان الشيء مؤمنا عليه فاستحق المدين مبلغ التأمين ، أو كان هلاك الشيء بفعل أجنبى فاستحق المدين التعويض ( [1437] ) .

وإذا كانت تبعة الهلاك على المالك ، كما فى عقد الإيجار قبل تنفيذ المستأجر التزام برد العين المؤجرة ، وأعذر المؤجر المستأجر طالبا إليه تسليم العين ، وهلكت العين بعد الإعذار وقبل التسليم ، فإن تبعة الهلاك تنتقل من المؤجر إلى المستأجر . والمدين بالرد هلو المستأجر ، وكان الهلاك على المؤجر وهو الدائن بالرد ، فأعذر المؤجر المستأجر مطالباً إياه بالرد ، ثم هلكت العين المؤجرة بعد الإعذار ، فترتب على الإعذار أن انتقلت تبعة الهلاك إلى المدين ولو أن الهلاك كان قبل الإعذار على الدائن ، كما تقول المادة 207 سالفة الذكر . " ذلك أن الإعذار – $ 788 $ وهذا ما تقوله المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى( [1438] ) - يلزم المدين ، أى المستأجر ، دليل التخلف ، ويثبت عليه بذلك خطأ يرتب مسئولية متى كان هلاك الشيء من جراء الحادث الفجائى راجعاً إلى هذا التخلف . والواقع أن المدين فى مثل هذه الحالة يكون متسبباً فى الهلاك بفعله . أما إذا أثبت المدين أن الشيء كان يهلك فى يد الدائن أيضاً لو أنه سلم إليه ، ( فإنه ) بهذا يقيم الدليل على أن الهلاك لا يرجع إلى تخلفه ، بل يرجع حقيقة إلى حادث فجائى ، وبذلك تندفع عنه التبعة ، وينقضى التزامه . بيد أنه يتحمل هذه التعبة كاملة إذا كان الشيء مسروقاً متى كان هو السارق ، ذلك أن خطأه الأول فى ارتكاب جريمة لاسرقة لا يسقط عنه ولو بإقامة الدليل على أن الهلاك يرجع فى الحقيقة إلى حادث فجائى " .

والعبارة الأخيرة من المذكرة الإيضاحية تشير إلى فرض استثنائى ، هو أن يكون المدين برد الشيء لصاً سرق هذا الشيء ، وقد التزم بالرد بسبب السرقة . فتبعة الهلاك فى هذه الحالة لا تكون على الدائن –مالك الشيء المسروق - كما كان المبدأ العام يقضى بذلك ، بل تكون على المدين وهو السارق ، لأن مصدر الدين هنا جريمة السرقة . وهذه الجريمة تبرر الخروج على المبدأ العام ، بل تبرر الخروج أيضاً على القاعدة التى تقضى بأن الهلاك يكون على الدائن ولو أعذر المدين إذا أثبت هذا أن الشيء كان يهلك كذلك عند الدائن لو أنه سلم إليه . فالسارق ، إذا هلك المسروق عنده قبل رده إلى مالكه ، يتحمل تبعة هلاكه دائما ، أعذره المالك أو لم يعذره ، أثبت السارق أو لم يثبت أن المسروق كان يهلك كذلك عند المالك لو أنه رد إليه( [1439] ) .

المطلب الثالث

الالتزام بإنجاز عمل معين

433 - النصوص القانونية : تنص المادة 208 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 $ 789 $

 " فى الالتزام بعمل ، إذا نص الاتفاق أو استوجبت طبيعة الدين أن ينفذ فلدين الالتزام بنفسه ، جاز للدائن أن يرفض الوفاء من غير المدين " .

وتنص المادة 209 على ما يأتى :

 " 1 - فى الالتزام بعمل ، إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه ، جاز للدائن أن يطلب ترخيصا من القضاء فى تنفيذ الالتزام على نفقة المدين إذا كان هذا التنفيذ ممكنا " .

 " 2 - ويجوز فى حالة الاستعجال أن ينفذ الدائن الالتزام على نفقة المدين دون ترخيص من القضاء " .

وتنص المادة 210 على ما يأتى :

 " وفى الالتزام بعمل يقوم حكم القاضى مقام التنفيذ إذا سمحت بهذا طبيعة الالتزام " ( [1440] ) .

 $ 790 $

وتقابل هذه النصوص فى التقنين المدنى السابق المادة 159 / 222 والفقرة الثانية من المادة 117 / 174( [1441] ) . ولا تختلف أحكام التقنين السابق عن أحكام التقنين الجديد رغم اختلاف العبارة فى النصوص .

وتقابل هذه النصوص فى التقنين المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المواد 209 - 211 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادتين 249 - 250 ، وفى التقنين المدنى الليبى المواد 211 - 213 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى الفقرتين 1 و 2 من المادة 250( [1442] ) .

434 - أنواع ثلاثة للالتزام بإنجاز عمل معين : ونرى من النصوص المتقدمة أن الالتزام بإنجاز عمل معين ، من حيث تدخل المدين الشخصى فى تنفيذ الالتزام تنفيذاً عينيا ، أنواع ثلاثة :

( 1 ) أن يكون الالتزام ممكن التنفيذ عينيا دون تدخل شخصى من المدين فى هذا التنفيذ ، وهذا هو الأصل ، وتنص عليه المادة 209 .

( 2 ) أن يكون الالتزام غير ممكن التنفيذ عينا دون تدخل شخصى من المدين ، وهذا استثناء يرد على الأصل من إحدى ناحيتيه ، $ 791 $ ناحية تعذر تنفيذ الالتزام ، وتنص عليه المادة 208 .

( 3 ) أن تكون طبيعة الالتزام سمح بأن يقوم حكم القاضى مقام التنفيذ العينى ، وهذا استثناء يرد على الأصل من الناحية الأخرى ، ناحية إمكان تنفيذ الالتزام ، وتنص عليه المادة 210 .

435 - الالتزام بإنجاز عمل معين ممكن التنفيذ عينا دون تدخل المدين : والأمثلة على ذلك كثيرة . بل هذا هو الأصل ، كما قدمنا . فإذا تعهد مقاول ببناء دار ، وامتنع من تنفيذ تعهده ، أمكن التنفيذ عيناً دون تدخله الشخصى . وإذا تعهد صانع بصنع شيء معين يمكن لصناع غيره أن يصنعوه ، أمكن كذلك التنفيذ عيناً دون تدخل المدين الشخصى . وإذا تعهد أمين النقل بنقل أشخاص أو أشياء ، أمكن تنفيذ التزامه عيناً دون تدخله ، وهكذا .

والبت فيما إذا كان التنفيذ العينى للالتزام ممكناً دون تدخل المدين الشخصى موكول إلى الدائن ، فهو الذى يرى ما إذا كان يكتفى بتنفيذ الالتزام على نفقة المدين دون تدخله . وقد كان المشروع التمهيدى للمادة 209 فى فقرتها الأولى يجرى على الوجه الآتى : " فى الالتزام بعمل إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه ، ولم يكن ضرورياً أن ينفذه بنفسه ، جاز للدائن أن يطلب ترخيصاً من القضاء فى تنفيذ الالتزام على نفقة المدين ، إذا كان هذا التنفيذ ممكناً " . فحذفت عبارة " ولم يكن ضرورياً أن ينفذه بنفسه " ، " لأن الدائن هو صاحب المصلحة ، فيجب أن يترك له التقدير فيما إذا كان المدين يجب عليه أن ينفذه الالتزام بنفسه أم لا( [1443] ) " .

فإذا قدر الدائن أن طبيعة الالتزام تسمح بأن يكون التنفيذ العينى كافياً حتى لو قام به غير المدين ، وامتنع المدين من التنفيذ ، استطاع الدائن أن يلجأ إلى القضاء ليطلب ترخيصاً فى تنفيذ الالتزام على نفقة المدين . ويكون الالتجاء إلى القضاء فى صورة دعوى يطلب فيها الدائن الحكم بالتنفيذ العينى على نفقة المدين . فإذا قرر القاضى أن التنفيذ العينى ممكن بوساطة الغير ، حكم به وبأن يكون على نفقة المدين . فيستطيع المستأجر مثلا أن يطلب الحكم بإجراء إصلاحات عاجلة فى العين المؤجرة على نفقة المؤجر ، وقد يكون ذلك بطريق الاستعجال إذا وجد مقتض $ 792 $ لذلك ، ومتى صدر الحكم نفذه المستأجر بأن يتعاقد مع من يقوم بهذه الإصلاحات ويرجع بنفقاتها على المؤجر . وكذلك الأمر فى تعهد المقاول ببناء الدار ، فإنه يجوز للدائن أن يتعاقد مع مقاول آخر –وذلك بعد الحصول على حكم بالتنفيذ العينى على نفقة المدين - فتبنى الدار ويرجع الدائن بنفقات البناء على المقاول الأول . وتطبق هذه القاعدة فى كل التزام بإنجاز عمل يمكن لغير المدين تنفيذه تنفيذاً عينيا دون تدخل شخصى من المدين ، فيستصدر الدائن حكماً بتنفيذ هذا الالتزام على نفقة المدين .

فإذا كان التنفيذ العينى لا يحتمل الإبطاء إلى أن يستصدر الحكم ، كما هى الحال فى بعض صور الإصلاحات العاجلة بالعين المؤجرة ، جاز للمستأجر دون أن يستصدر حكماً أن يعهد إلى مقاول يقوم بهذه الإصلاحات العاجلة –ويحسن أن يكون ذلك بعد إعذار المؤجر - ثم يرجع بنفقة هذه الإصلاحات على المؤجر بدعوى يرفعها عليه يطالبه فيها بذلك ، وهنا يبسط القاضى رقابته ليتثبت من أن الظروف كانت تبرر هذا التصرف الاستثنائى ، ومن أن المصروفات التى أنفقت فى إجراء هذه الإصلاحات العاجلة كانت فى حدود معقولة فيحكم بها كلها على المؤجر ، أو إن فيها إسرافاً فيقضى بخفضها إلى الحد المعقول( [1444] ) .

وكل ما قدمناه منصوص عليه فى المادة 209 ، وقد سبق ذكرها .

 $ 793 $

436 - الالتزام بإنجاز عمل معين غير ممكن التنفيذ عينا دون تدخل المدين : وخلافاً للأصل المتقدم ، قد يكون التنفيذ العينى للالتزام غير ممكن دون تدخل المدين الشخصى فى هذا التنفيذ . ويرجع ذلك إما إلى الاتفاق فيشترط الدائن على المدين أن يقوم بتنفيذ الالتزام بنفسه ، وإما إلى طبيعة الالتزام ذاتها فهناك من الالتزامات ما تقتضى طبيعته أن يكون تنفيذه العينى لعى يد المدين شخصياً . مثل هذه الالتزامات الأخيرة أن يتعهد مغن أو ممثل بالغناء أو بالتمثيل فى حفلة فتنفيذ التزامه يقتضى أن يغنى أو يمثل هو بنفسه ، أو أن يتعهد رسام برسم لوحة فنية ، أ, نحات بصنع تمثال ، أو جراح معروف بإجراء عملية جراحية .

فإذا كان التنفيذ العينى للالتزام يقتضى تدخل المدين الشخصى على النحو المتقدم ، جاز للدائن أن يرفض الوفاء من غير المدين نفسه ، كما نصت على ذلك المادة 208 . فإذا امتنع المدين من أن يقوم بنفسه بتنفيذ التزامه ، كان للدائن أحد طريقين : ( أولهما ) أن يلجأ إلى طريق التهديد المالى ( Astreintes ) ، وسنبسط أحكام هذا الطريق تفصيلا فيما يلى . ( والثانى ) أن يطالب المدين بالتعويض النقدى لتعذر التنفيذ العينى . وقد يكون هناك شرط جزائى متفق عليه بينهما ، فيطالب $ 794 $ الدائن بتنفيذه طبقاً لأحكام الشرط الجزائى التى سنبسطها فى مكان آخر( [1445] ) .

437 - الالتزام بإنجاز عمل معين يقوم حكم القاضى مقام تنفيذه : وهناك نوع من الالتزامات بإنجاز عمل معين تسمح طبيعته أن يقوم حكم القاضى مقام تنفيذه العينى . وقد نصت المادة 210 على هذا النوع من الالتزامات ، فجعلت حكم القاضى فيه هو التنفيذ العينى . وأكثر الأمثلة شيوعا فى ذلك هو التزام البائع بالتصديق على إمضائه فى عقد البيع تمهيداً لتسجيل العقد . فإن امتنع البائع عن تنفيذ التزامه ، جاز للمشترى أن يطلب الحكم بإثبات صحة التوقيع ، فيكون الحكم الصادر بذلك بمثابة تصديق على الإمضاء يمكن بعدة تسجيل عقد البيع . وإذا وقع نزاع فى صحة البيع نفسه ، جاز الحكم بثبوت صحة البيع ، ويكون هذا الحكم بمثابة عقد مصدق فيه على الإمضاء فيسجل .

كذلك فى الوعد بالتعاقد ، إذا أظهر الموعود له رغبته فى أن يتم التعاقد ، وامتنع الواعد من إمضاء العقد ، كان للموعود له أن يستصدر حكما بإثبات التعاقد ، ويقوم هذا الحكم مقام العقد الموعود بإبرامه ( [1446] ) .

وكذلك فى التزام الدائن المرتهن بشطب الرهن بعد سداد الدين ، إذا امتنع الدائن من التقدم إلى قلم كتاب المحكمة لإجراء هذا الشطب ، جاز للمدين أن يستصدر حكما يقوم مقام التنفيذ العينى ويشطب بمقتضاه الرهن .

وإذا أفرغ الوعد بإجراء رهن رسمى فى الشكل الرسمى الواجب ، وفقاً لفقرة الثانية من المادة 101 ، وامتنع الواعد بعد ذلك من تنفيذ وعده بإجراء الرهن ، جاز للدائن أن يستصدر حكما يقوم مقام التنفيذ العينى ، ويقيد هذا الحكم فيكون لقيده جميع آثار الرهن . وهذا بخلاف ما إذا كان الوعد بإجراء $ 795 $ الرهن الرسمى لم يفرغ فى الشكل الرسمى الواجب ، فإن تنفيذه فى هذه الحالة لا يكون إلا عن طريق التعويض( [1447] ) .

المبحث الثالث

الالتزام بالامتناع عن عمل

( Obligation de ne pas faire )

438 - النصوص القانونية : تنص المادة 212 من التقنين المدنى على ما يأتى :

ذا التزم المدين بالامتناع عن عمل وأخل بهذا الالتزام ، جاز للدائن أن يطلب إزالة ما وقع مخالفا للالتزام . وله أن يطلب من القضاء ترخيصا فى أن يقوم بهذه الإزالة على نفقة المدين " ( [1448] ) .

 $ 796 $

ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق الفقرة الثانية من المادة 117 / 174( [1449] ) . ولا فرق فى الحكم بين التقنينيين الجديد والقديم .

ويقابل النص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المادة 213 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 252 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 215 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المادة 250 فقرة 3( [1450] ) .

439 - أمثلة للالتزام بالامتناع عن عمل : والالتزام بالامتناع عن عمل له أمثلة كثيرة . فبائع المتجر قد يلتزم بعدم منافسة المشترى فى المتجر الذى باعه منه ، فيكون التزامه بعدم المنافسة التزاما بالامتناع عن عمل . وإذا استخدم مهندس فى مصنع ، وتعهد المهندس ألا يعمل فى مصنع منافس ، فهذا أيضاً التزام بالامتناع عن عمل . ومقدم العمل إذا التزم ألا يقدم عمالا غير منتمين $ 797 $ لنقابتهم يكون قد التزم بالامتناع عن عمل . والممثل أو المغنى إذا تعهد ألا يمثل أو ألا يغنى فى غير مسرح معين يكون قد التزم بالامتناع عن عمل . كذلك البائع والمؤجر يتعهد كل منهما بعدم التعرض للمشترى أو للمستأجر ، فهذا التزام بالامتناع عن عمل . وفى كل هذه الأمثلة نرى الالتزام بالامتناع عن عمل مصدره العقد .

وقد يكون مصدر هذا الالتزام هو القانون . فالجار ملتزم ألا يضر بجاره ضرراً فاحشاً ، فهذا التزام قانونى بالامتناع عن عمل . والطبيب والمحامى ملتزمان بعدم إفشاء سر المهنة ، والتزامهما عن عمل ، يترتب على الإخلال به مسئولية الإثراء بلا سبب .

والالتزام بالامتناع عن عمل ، كالالتزام بنقل حق عينى ، هو التزام بتحقيق غاية . ومن ثمي كون الالتزام بعدم الإضرار بالغير عن خطأ ، وهو التزام ببذل غاية ، ليس التزاماً بالامتناع عن عمل ، إذ هو فى حقيقته التزام باتخاذ الحيطة الواجبة لعدم الإضرار بالغير ، فهو التزام بعمل ( [1451] ) .

440 الإخلال بالالتزام بالامتناع عن عمل : وما دام المدين ممتنعاً عن العمل الذى التزم بالامتناع عنه ، فهو قائم بتنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً . ويتغير الموقف إذا أخل بهذا الالتزام ، وأتى العمل الممنوع . عند ذلك لا يكون هناك مجال إلا للتعويض . أما التنفيذ العينى نفسه فقد أصبح مستحيلا بمجرد الإخلال بالالتزام ( [1452] ) .

وقد لا يمكن إلا التعويض النقدى . مثل ذلك إذا أفشى المحامى أو الطبيب سر المهنة ، فهى مثل هذه الحالة لا يكون أمام الدائن إلا أن يطالب بتعويض نقدى .

وقد يكون التعويض عينياً لا نقدياً ، ويتم ذلك بإزالة المخالفة التى وقعت $ 798 $ إخلالا بالالتزام . والفرق بين التنفيذ العينى والتعويض العينى أن الأول يكون قبل وقوع الإخلال به ، والثانى يكون بعد وقوع الإخلال بالالتزام فإزالة المخالفة تكون هى التعويض العينى . مثل ذلك أن يضر الجار بجاره ضرراً فاحشاً بإقامة حائط يسد عليه منافذ النور والهواء ، عند ذلك يجوز الدائن أن يطلب التعويض العينى بإزالة هذا الحائط ، فإذا امتنع المدين عن الإزالة ، جاز للدائن أن يطلب من القضاء إزالة الحائط على نفقة المدين ( [1453] ) . وهذا ما تنص عليه المادة 212 وقد تقدم ذكرها . ويلاحظ هنا أن الدائن لا يحق له ، حتى فى حالة الاستعجال ، أن يقوم بالإزالة دون استصدار حكم على أن يرجع إلى القضاء بعد ذلك ، خلافاً لما رأيناه فى الالتزام بنقل حق عينى وفى الالتزام بعمل حيث يكون له هذا الحق . ذلك أن إزالة ما وقع مخالفاً للالتزام بالامتناع عن عمل أمر لا يخلو من العنف ، فلا يصح للدائن أن يتولاه بنفسه دون استصدار حكم بذلك ، وهنا نرى المبدأ القاضى ألا يستأدى الدائن حقه ( Se Faire Justice ) يطبق تطبيقاً مخالفا للالتزام دون استصدار حكم بذلك على أن يرجع إلى القضاء بعد إزالة المخالفة ، ولكن هذا النص حذف فى لجنة المراجعة للاعتبارات المتقدمة الذكر ( [1454] ) .

وكثيرا ما يكون هذا التعويض العينى غير كاف لتعويض الضرر تعويضاً كاملا ، فيضاف إليه تعويض نقدى . ففى مثل الحائط الذى أقامه الجار إضراراً بجاره وأزيل على نفقته بحكم من القضاء ، يلاحظ أن الإزالة وحدها قد لا تكفى إذ يغلب أن يكون الجار قد أصابه ضرر من قيام الحائط المدة التى كان فيها قائماً ، وهذا الضرر لا علاج له إلا التعويض النقدى ، فيحكم القاضى بإزالة الحائط وبتعويض نقدى عما حدث من الضرر للجار إذا كان هناك مقتض لذلك .

ويلاحظ أخيراً أن التعويض العينى ، حتى إذا كان ممكنا ، قد يكون مرهقا $ 799 $ للمدين ولا ينجم عن الاقتصاد على التعويض النقدى ضرر جسيم يلحق الدائن . مثل ذلك أن يقيم الجار بناء فيجوز بحسن نية على جزء من الأرض الملاحقة ، فللمحكمة فى هذه الحالة ، بدلا من أن تأمر بإزالة البناء ، أن تقتصر على تعويض صاحب الأرض الملاصقة تعويضا نقديا ، بأن ينزل هذا عن ملكية الجزء المشغول بالبناء فى نظير تعويض عادل ( م 928 مدنى ) وقد سبق تفصيل ذلك ( [1455] ) .

ويصح أيضاً الالتجاء إلى طريق التهديد المالى إذا تكرر الإخلال بالالتزام ، أو كان هذا الإخلال مستمراً ، وذلك إلى أن يزيله المدين بنفسه .

الفرع الثانى

وسائل التنفيذ العينى

441 - كيف يكون التنفيذ العينى : رأينا فيما تقدم أن التنفيذ العينى قد يكون اختياراً يقوم به المدين طوعاً ، وهذا هو الوفاء ( Paiement ) ، وسنبسط أحكامه عند الكلام فى انقضاء الالتزام فى الجزء الثالث من هذا الكتاب .

وقد يكون التنفيذ العينى جبراً على المدين . وهنا تختلف وسائله :

( 1 ) فأكثر ما يكون بالتنفيذ القهرى ، فتقوم السلطة العامة بإجبار المدين على تنفيذ التزامه . والسلطة العامة لها أعوان تزودهم بالسلطة اللازمة لهذا الإجبار ، $ 800 $ وأهم هؤلاء الأعوان هم المحضرون . فإذا كان لدى المدين سند تنفيذى بحقه ، وامتنع المدين عن أداء هذا الحق طوعاً ، استطاع الدائن أن يكلف أحد المحضرين بإجبار المدين على التنفيذ قهراً ( Manu militari ) ، كأن يجبره على تسليم الأرض التى التزم بتسليمها للدائن . والغالب أن يكون التنفيذ القهرى عن طريق الحجز على أموال المدين .

( 2 ) وقد يقوم الدائن نفسه بتنفيذ الالتزام على نفقة المدين إذا كان تدخل المدين الشخصى غير ضرورى فى هذا التنفيذ ، ويرجع الدائن بعد ذلك إلى القضاء على النحو الذى فصلناه فيما تقدم .

( 3 ) وقد يقوم حكم القاضى مقام التنفيذ العينى إذا سمحت طبيعة الالتزام بذلك ، كما رأينا فى الالتزام بالتصديق على الإمضاء ونحوه مما سبق بيانه .

( 4 ) وقد يتكفل القانون نفسه بإجراء التنفيذ العينى فتنتقل ملكية العين المعينة إلى الدائن بحكم القانون فى الالتزام بنقل الملكية ، كما رأينا فيما مر .

وهناك وسيلتان أخريان للتنفيذ العينى لم يسبق لنا تفصيلهما ، فنفردهما الآن بالبحث ، وهما : ( أولا ) الإكراه البدنى ( ثانيا ) التهديد المالى .

المبحث الأول

الإكراه البدنى

( Contrainte Par Corps )

442 - التنفيذ عن طريق الإكراه البدنى وتطوره – القانون الرومانى والقانون الفرنسى : كان المدين فى العصور القديمة يلتزم بالدين فى جسمه لا فى ماله . فكان القانون الرومانى القديم يبيح للدائن أن يتملك المدين الذى لا يفى بدينه ، فيسترقه ، بل ويقتله . ثم تطور القانون الرومانى ، فلم يصبح للدائن إلا حق حبس المدين وإجباره على العمل مصلحته . ثم تحول الالتزام من الجسم إلى المال ، فلم يصبح للدائن إلا حق التنفيذ على أموال المدين .

 $ 801 $

على أن حبس المدين فى الدين ، كإجراء تهديدى للضغط عليه وإجباره على الوفاء بدينه إذا كان قادراً على ذلك ، بقى مدة طويلة ، وانتقل إلى التقنين المدنى الفرنسى نفسه ، فنصت المواد 2059 إلى 2070 من هذا التقنين على التنفيذ بطريق الإكراه البدنى ، وفى أى الديون يكون ذلك ( [1456] ) . ونصت المواد 1265 إلى 1270 من التقنين المدنى الفرنسى على طريقة يتفادى بها المدين الإكراه البدنى ، وهى النزول عن جميع أمواله ( cession de biens ) يستولى الدائنون على ريعها ويبيعونها لاستيفاء حقوقهم ، ولا تبرأ ذمة المدين إلا بقدر ما استوفى الدائنون من هذه الحقوق .

وبقى الأمر على هذه الحال فى القانون الفرنسى حتى ألغى التنفيذ بطريق الإكراه البدنى فى المواد المدنية والتجارية بقانون 22 يوليه سنة 1867 ، ولم يبق له تطبيق إلا فى المواد الجنائية ( [1457] ) .

443 - التنفيذ عن طريق الإكراه البدنى فى القانون المصرى : أما فى القانون المصرى فالإكراه البدنى ، سواء فى التقنين السابق أو التقنين الجديد ، غير جائز . ذلك أن فكرة الإكراه البدنى – حتى باعتبارها وسيلة للضغط على المدين القادر على الوفاء – تخالف المبادئ المدنية الحديثة . فالمدين لتزم فى ماله لا فى شخصه ، وجزاء الالتزام تعويض لا عقوبة . فحبس المدين فى الدين رجوع بفكرة الالتزام إلى عهدها الأول ، حيث كان المدين يلتزم فى شخصه ، وحيث كان القانون الجنائى يختلط بالقانون المدنى فيتلاقى معنى العقوبة مع معنى التعويض $ 802 $ فى الجزاء الواحد ( [1458] ) .

على أن الإكراه البدنى فى القانون المصرى – ولو أنه غير جائز فى المواد المدينة والمواد التجارية – جائز فى بعض المواد الشرعية وفى المواد الجنائية .

444 - الإكراه البدنى فى دين النفقة والحضانة والرضاع والمسكن : نصت المادة 343 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية على أنه " إذا امتنع المحكوم عليه من تنفيذ الحكم الصادر فى النفقات أو فى أجرة الحضانة أو الرضاع أو المسكن ، يرفع ذلك إلى المحكمة الجزئية التى بدائرتها محل التنفيذ ، ومتى ثبت لديها أن المحكوم عليه قادر على القيام بما حكم به ، وأمرته ولم يمتثل ، حكمت بحبسه ، ولا يجوز أن تزيد مدة الحبس عن ثلاثين يوماً . أما إذا أدى المحكوم عليه ما حكم به ، أو أحضر كفيلاً ، فإنه يخلى سبيله . وهذا لا يمنع من تنفيذ الحكم بالطرق الاعتيادية " .

ويستخلص من هذا النص أن حبس المدين فى الدين جائز بالشروط الآتية :

( 1 ) أن يكون الحكم المراد تنفيذه صادراً فى نفقة أو فى أجرة حضانة أو رضاع أو مسكن .

( 2 ) أن يكون المحكوم عليه قادراً على القيام بما حكم به ، وقد أمرته المحكمة بذلك فلم يمتثل . ويؤخذ من هذا الشرط أن الحبس ليس إلا وسيلة للضغط على المدين القادر على الوفاء بديونه ، وإنما يمتنع عن الوفاء تعنتاً ، فالحبس يراد به التغلب على هذا التعنت من جانب المدين .

( 3 ) أن يصدر حكم بحبس المدين من المحكمة الجزئية الشرعية التى بدائرتها محل التنفيذ .

( 4 ) ألا تزيد مدة الحبس على ثلاثين يوماً ، يخلى سبيله بعد انتهائها ، أو قبل $ 803 $ انتهائاً إذا أثمر الضغط على المدين فأدى ما حكم به أو أحضر كفيلاً .

ويلاحظ أن حبس المدين فى هذه الحالة لا يعفيه من تنفيذ الحكم عليه طريق الحجز على ماله . فالحبس إذن ليس إلا إكراهاً بدنياً غير مبرئ للذمة .

445 - الإكراه البدنى فى المسائل الجنائية : نصت المادة 511 من تقنين الإجراءات الجنائية على أنه " يجوز الإكراه البدنى لتحصيل المبالغ الناشئة عن الجريمة المقضى بها للحكومة ضد مرتكب الجريمة ، ويكون هذا الإكراه بالحبس البسيط " .

والمبالغ الناشئة عن الجريمة المقضى بها للحكومة ضد مرتكب الجريمة هى : ( 1 ) الغرامة ( 2 ) المصاريف والرد والتعويضات للحكومة . ولابد أن تكون هذه المبالغ ناشئة عن الجريمة ، ولو كانت المحكمة التى أصدرت الحكم الجنائى لجنة إدارية لها اختصاص قضائى . فإذا قضى ببراءة المتهم مع الحكم بالتعويض ، أو حكم بتعويض مدنى من محكمة مدنية دون حكم جنائى بالعقوبة من محكمة جنائية ، أو نال المحكوم عليه عفواً أو إعادة اعتبار ، أو سقط العقوبة بمضى المدة ( م 534 إجراءات جنائية ) ، فلا تكون المبالغ فى هذه الحالات ناشئة عن الجريمة ولا يجوز فيها الإكراه البدنى . كذلك لا يحكم بالإكراه البدنى على من تقل سنة عن خمس عشرة سنة وقت ارتكاب الجريمة ولا على من حكم لمصلحته وقف التنفيذ ( م 512 إجراءات جنائية ) . أما التعويضات الواجبة لمدع مدنى غير الحكومة ، فيجوز لاستيفائها صدور حكم من محكمة الجنح التى بدائرتها محل المحكوم عليه بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة شهور ، إذ ثبت للمحكمة قدرة المدين على الوفاء وأمرته فلم يمتثل ، وهذا بخلاف المبالغ المقضى بها للحكومة فلا يشترط فيها لا اليسار ولا صدور حكم .

والإكراه البدنى فى الغرامة يبرئ ذمة المدين : عشرة قروش عن كل يوم ، فالإكراه البدنى هنا هو إحلال عقوبة الحبس محل عقوبة الغرامة . أما الإكراه البدنى فى المصروفات والرد والتعويضات ، سواء للحكومة أو لغيرها ، فإنه لا يبرئ ذمة المدين ، وإنما هو مجرد ضغط عليه لإجباره على الوفاء . ومن ثم يجوز التنفيذ على ماله بعد الإكراه البدنى .

 $ 804 $

وللحبس فى الإكراه البدنى مدد قصوى نصت عليها المادة 511 من تقنين الإجراءات الجنائية . ويجوز إبدال الحبس بعمل يدوى أو صناعى ( م 520 إجراءات جنائية ) ، فيستنزل من المبالغ المستحقة للحكومة من الغرامة والمصاريف والرد والتعويضات ما يقابل شغل المحكوم عليه باعتبار مبلغ عشرة قروش عن كل يوم ( م 523 إجراءات جنائية ) . ونرى من ذلك أن الحبس إذا كان لا يبرئ الذمة فى المصروفات والرد والتعويضات المستحقة للحكومة ، فإنه إذا استبدل به عمل يدوى أو صناعى كان هذا العمل مبرئاً للذمة على النحو المتقدم ( [1459] ) .

المبحث الثانى

التهديد المالى ( [1460] )

( Les astreintes )

446 - النصوص القانونية : تنص المادة 213 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " 1 - إذا كان تنفيذ الالتزام عيناً غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين نفسه ، جاز للدائن أن يحصل على حكم بإلزام المدين بهذا التنفيذ وبدفع غرامة تهديدية إن امتنع عن ذلك " .

 " 2 - وإذا رأى القاضى أن مقدار الغرامة ليس كافياً لإكراه المدين الممتنع عن التنفيذ ، جاز له أن يزيد فى الغرامة كلما رأى داعياً للزيادة " .

وتنص المادة 214 على ما يأتى :

 $ 805 $

 " إذا تم التنفيذ العينى أو أصر المدين على رفض التنفيذ ، حدد القاضى مقدار التعويض الذى يلزم به المدين ، مرعياً فى ذلك الضرر الذى أصاب الدائن والعنت الذى بدا من المدين " ( [1461] ) .

ولا مقابل لهذه النصوص فى التقنين المدنى السابق ، ولكن أحكام التهديد المالى كما هى مبسوطة فى التقنين المدنى الجديد كان معمولاً بها قضاء فى عهد التقنين السابق ، وليست نصوص التقنين الجديد إلا تقنيناً لأحكام هذا القضاء ( [1462] ) .

 $ 806 $

وتقابل هذه النصوص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السوى المادتين 214 - 215 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادتين 253 - 254 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادتين 216 - 217 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المادة 251 ( [1463] ) .

 $ 807 $

ونتكلم فى مسألتين : ( أولاً ) شروط الحكم بالتهديد المالى ومميزاته وطبيعته وسند القانونى ( ثانياً ) أثر الحكم بالتهديد المالى .

المطلب الأول

شروط الحكم بالتهديد المالى ومميزاته وطبيعته وسنده القانونى

447 - معنى التهديد المالى : تتلخص وسيلة التهديد المالى ، وفقاً للنصوص التى تقدم ذكرها ، فى أن القضاء يلزم المدين بتنفيذ التزامه عيناً فى خلال مدة معينة ، فإذا تأخر فى التنفيذ كان ملزماً بدفع غرامة تهديدية عن هذا التأخر ، مبلغاً معيناً عن كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر أو أية وحدة أخرى من الزمن ، أو عن كل مرة يأتى عملاً يخل بالتزامه ، وذلك إلى أن يقوم بالتنفيذ العينى أو إلى أن يمتنع نهائياً عن الإخلال بالالتزام . ثم يرجع إلى القضاء فيما تراكم على المدين من الغرامات التهديدية ، ويجوز للقاضى أن يخفض هذه الغرامات أو أن يمحوها بتاتاً ( [1464] ) .

 $ 808 $

ومما تقدم نستطيع أن نستخلص : ( 1 ) شروط الحكم بالتهديد المالى ( 2 ) ومميزات هذا الحكم ( 3 ) وطبيعته ( 4 ) والسند القانونى الذى يقوم عليه .

448 - شروط الحكم بالتهديد المالى : يشترط فى الالتجاء إلى وسيلة التهديد المالى والحكم بغرامة تهديدية الشروط الآتية : ( أولاً ) أن يكون هناك التزام امتنع المدين عن تنفيذه مع أن تنفيذه العينى لا يزال ممكناً ( [1465] ) . ( ثانياً ) أن يكون التنفيذ العينى لهذا الالتزام يقتضى تدخل المدين الشخصى ، وإلا كان التنفيذ غير ممكن أو غير ملائم . ( ثالثاً ) أن يلجأ الدائن إلى المطالبة بتوقيع غرامة تهديدية على المدين كوسيلة غير مباشرة للتنفيذ العينى .

449 - الشرط الأول – التزام امتنع المدين عن تنفيذه مع أن تنفيذه العينى لا يزال ممكنا : لابد أن يكون هناك التزام امتنع الدائن عن تنفيذه . فإذا لم يوجد التزام فلا محل للتهديد المالى . ومن ثم لا يجوز الالتجاء إلى التهديد المالى لإجبار المدعى عليه على الحضور إلى المحكمة ، فإنه غير ملزم بالحضور ، وقد نظم تقنين المرافعات ما يترتب على غيابه من نتائج ( [1466] ) . ثم لابد من أن يكون $ 809 $ المدين ممتنعاً عن تنفيذ التزامه ، بأن تطلب إليه المحكمة هذا التنفيذ فلا يمتثل . أما إذا امتثل فلا محل للحكم عليه بتهديد مالى ، وكذلك إذا حكم عليه فبادر إلى تنفيذ التزامه فى الميعاد الذى حددته المحكمة فلا يسرى عليه هذا الحكم لأن سريانة مشروط بعد التنفيذ .

ولابد أن يكون الالتزام لا يزال ممكناً تنفيذه عيناً . أما إذا أصبح تنفيذه العينى مستحيلاً ، كأن هلك الشئ المطلوب تسليمه أو أتى المدين العمل الذى التزم بالامتناع عنه ولم يعد فى الاستطاعة الرجوع فى ذلك ، فلا محل للالتجاء إلى التهديد المالى ، فإن الالتجاء إلى هذا الطريق إنما هو تهديد للمدين حتى يقوم بالتنفيذ ، وقد أصبح هذا التنفيذ مستحيلاً ، ومن ثم أصبح التهديد المالى غير ذى موضوع ( [1467] ) .

450 - الشرط الثانى – تدخل المدين ضرورى وإلا كان التنفيذ غير ممكن أو غير ملائم : ويشرط ثانياً أن يكون تدخل المدين الشخصى ضرورياً لتنفيذ الالتزام تنفيذاً عينياً ، بحيث إن هذا التنفيذ يصبح من غير تدخل المدين غير ممكن أو غير ملائم ( [1468] ) . ونستعرض من هذه الناحية الالتزام بنقل الملكية والالتزام بالعمل والالتزام بالامتناع عن العمل .

ففى الالتزام بنقل الملكية إذا كان محل الالتزام عيناً معينة ، انتقلت ملكيتها بحكم القانون إلى الدائن كما رأينا ، فأصبح الالتزام منفذاً ولا حاجة للتهديد المالى . كذلك إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود فلا حاجة فى تنفيذ هذا الالتزام إلى تهديد مالى ، لأن تنفيذه عيناً دون تدخل المدين ممكن عن طريق الحجز على أموال $ 810 $ المدين ( [1469] ) . بقى الالتزام بنقل ملكية شئ لم يعين إلا بنوعه ، وفى أغلب أحواله يمكن التنفيذ العينى دون تدخل المدين بأن يحصل الدائن على حكم بالتنفيذ على نفقة المدين كما رأينا ، وفى الحالات النادرة التى لا بد فيها من تدخل المدين ليكون التنفيذ العينى ممكناً أو ملائماً يجوز للدائن أن يلجأ إلى وسيلة التهديد المالى ( [1470] ) .

والالتزام بعمل هو الميدان الذى يتسع عادة للتهديد المالى ( [1471] ) . ففى نطاق المعاملات المدنية حيث يكون التنفيذ العينى للالتزام دون تدخل المدين غير ممكن أو غير ملائم ، يجوز الالتجاء إلى التهديد المالى ، كما هو الأمر فى الالتزام بتقديم حساب ( [1472] ) ، وفى الالتزام بتقديم مستندات ، وفى الالتزام بالقيام بعمل فنى كغناء أو تمثيل أو تصوير ( [1473] ) ، وفى التزام شركات الاحتكار بتقديم خدماتها للمستهلكين كإعادة المواصلة التليفونية وتوصيل التيار الكهربائى ، وفى الالتزام بإخلاء عين مؤجرة أو تسليمها . وبعض هذه الالتزامات غير ممكن التنفيذ عيناً دون تدخل المدين ، وبعضها تنفيذه غير ملائم دون هذا التدخل ، ويكون فى إكراه المدين على التدخل حجر على الحرية الشخصية . وفى نطاق الأحوال الشخصية يجوز الالتجاء إلى التهديد المالى فى الالتزام بتسليم الأولاد إلى من له حق $ 811 $ حضانتهم ( [1474] ) ، وفى التزام الزوجة أن تذبه إلى محل الطاعة ، وهذان التزامان يمكن تنفيذهما جبراً على المدين - وينفذان فعلاً على هذا النحو فى كثير من الأحوال فى المحاكم الشرعية – ولكن التنفيذ القهرى يكون عادة غير ملائم ، فيصح الالتجاء إلى التهديد المالى ( [1475] ) .

وفى الالتزام بالامتناع عن عمل قد يكون الإخلال بالالتزام من شأنه أن يجعل التعويض العينى مستحيلاً ، فلا يكون هناك محل للتهديد المالى . مثل ذلك أن يفشى الطبيب أو المحامى سر المهنة ، فيتعين فى هذه الحالة الاقتصار على الحكم بالتعويض . أما إذا كان التعويض العينى ممكناً ولكن عن طريق تدخل المدين الشخصى كوسيلة ضرورية أو ملائمة ، جاز الالتجاء إلى التهديد المالى . مثل ذلك التزام المثل بألا يمثل فى مسرح معين ( [1476] ) ، والتزام المهندس بألا يعمل فى مصنع منافس ، والتزام بائع المتجر بالامتناع عن منافسة المشترى ، فإنه يجوز الحكم فى هذه الحالات على المدين بغرامة تهديدية عن كل مرة يأتى فيها بالأمر الممنوع أو حتى يكف بتاتاً عن هذا الأمر . ويلاحظ هنا أن الغرامة التهديدية تلتبس بالتعويض ، فقد تكون هذه الغرامة تعويضاً عن الضرر الذى يصيب المدين من جراء إخلال المدين بالتزامه فى كل مرة . ويمكن مع ذلك تمييز الغرامة التهديدية عن التعويض بمقدار المبلغ المحموم به ، فإذا تبين أنه يقارب التعويض عن الضرر الناجم عن الإخلال بالالتزام بعد أن يذكر القاضى عناصر هذا الضرر فى أسباب حكمه ، كان هذا المبلغ تعويضاً ، وإلا فهو غرامة تهديدية ( [1477] ) .

 $ 812 $

451 - الشرط الثالث - التجاء الدائن إلى المطالبة بالتهديد المالى : والرأى الراجع أنه يجب أن يطالب الدائن بالتهديد المالى ، فلا يجوز أن تقضى المحكمة من تلقاء نفسها بغرامة تهديدية على المدين إذا لم يطلب الدائن منها ذلك ( [1478] ) . على أن هناك رأياً يذهب إلى جواز أن تقضى المحكمة من تلقاء نفسها بالغرامة التهديدية إذا وجدت أن شروطها متوافرة ( [1479] ) .

ومهما يكن من أمر ، فللدائن أن يطلب الحكم بالغرامة التهديدية فى أية حالة كانت عليها الدعوى . بل ويجوز له أن يطلب ذلك لأول مرة أمام محكمة الاستئناف ، ولا يعتبر هذا الطلب جديداً ( [1480] ) .

وللمحكمة ، إذا طلب الدائن منها الحكم بغرامة تهديدية ، سلطة التدبير فى أن تجيبه إلى هذا الطلب أو ألا تجيبه إليه ، وهذا على فرض أن شروط التهيدد المالى متوافرة ( [1481] ) . ولا تخضع المحكمة فى استعمال سلطة التقدير هذه لرقابة محكمة النقض ، إذ هى تقضى فى مسألة موضوعية . أما أن للتهديد المالى شروطاً يجب توافرها حتى يجوز الحكم بغرامة تهديدية ، فهذه مسألة قانون تخضع محكمة الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض .

ويجوز لأية جهة مختصة الحكم بالغرامة التهديدية : محكمة مدنية ، أو محكمة تجارية ، أو محكمة جنائية تقضى فى التزام مدنى ( [1482] ) ، ويجوز لقاضى الأمور $ 813 $ المستعجلة أن يحكم بغرامة تهديدية لتنفيذ حكم فى الموضوع تنفيذاً عينياً ، ومن باب أولى يجوز له أن يقضى بغرامة تهديدية لتنفيذ الحكم المؤقت الذى يصدره هو . ولكن تحويل الغرامة التهديدية الوقتية إلى تعويض ، على النحو الذى سنبسطه ، ليس من اختصاص قاضى الأمور المستعجلة ، بل هو من اختصاص قاضى الموضوع ( [1483] ) .

452 - مميزان الحكم بالتهديد المالى : ويمكن الآن أن نستخلص مميزات الحكم بالتهديد المالى ، فهى ثلاثة :

( أولاً ) يقدر التهديد المالى عن كل وحدة من الزمن يتأخر فيها المدين عن تنفيذ التزامه ، أو عن كل مرة يخل فيها بالتزامه ، ولا يقدر مبلغاً مجمداً دفعة واحده ( [1484] ) . وذلك حتى يتحقق معنى التهديد ، فإن المدين يحس أنه كلما أطال وقت تأخيره عن التنفيذ كلما زاد مبلغ الغرامة التهديدية المحكوم بها ( [1485] ) .

( ثانياً ) التهديد المالى تحكمى ( arbitraire ) ، لا مقياس له إلا القدر الذى يرى القاضى أنه منتج فى تحقيق غايته ، وهى إخضاع المدين وحمله على أن يقوم بتنفيذ التزامه عيناً . فلا يشترط فيه أن يكون مقارباً للضرر الذى يصيب الدائن من جراء عدم تنفيذ الالتزام ، بل إنه لا يشترط للحكم به وجود ضرر أصلاً . فليست غايته التعويض عن الضرر ، بل الضغط على المدين وتهديده حتى يقوم بتنفيذ التزامه . فينظر القاضى إذن ، لا إلى الضرر ، بل إلى موارد المدين المالية وقدرته على المطاولة والمضى فى عدم تنفيذ التزامه ، فيقدر مبلغاً يكون من شأنه أن يؤدى فى النهاية بالمدين إلى الرضوخ والإذعان ، ويكون عادة أكبر من الضرر بكثير ( [1486] ) . ومن ثم نصت المادة من المادة 213 على أنه " إذا رأى القاضى $ 814 $ أن مقدار الغرامة ليس كافياً لإكراه المدين الممتنع من التنفيذ ، جاز له أن يزيد فى الغرامة كلما رأى داعياً للزيادة " . فللقاضى إذن إذا قدر فى البداية مبلغاً ، ثم رآه غير كاف للتغلب على عناد المدين ، ن يزيد فى هذا المبلغ إلى القدر الذى يراه كافياً . ولا يمنع من ذلك حجية الأمر المقضى ، فإن الحكم بالتهديد المالى لا يجوز هذه الحجية كما سنرى ( [1487] ) .

( ثالثاً ) التهديد المالى حكم وقتى وتهديدى ( proviso ire et comminatoire ) . ويترتب على ذلك ما يأتى :

( 1 ) الحكم بالتهديد المالى لا يكون نهائياً واجب التنفيذ ، حتى لو صدر من محكمة آخر درجة ، أو كان الحكم الأصلى مشمولاً بالنفاذ المعجل ، بل يبقى الحكم معلقاً على رأس المدين ، مهدداً له ليحمله على تنفيذ التزامه . ولا يجوز تنفيذه إلا إذا تحول إلى تعويض نهائى كما سيأتى ( [1488] ) .

( 2 ) ما دام المدين لم يخط خطوته الحاسمة فى تنفيذ الالتزام أو فى الإصرار على عدم تنفيذه ، فإن مصير الحكم بالتهديد المالى يبقى غير مبتوت فيه ، فلا يطلب من المدين مثلاً أن يدمج الغرامة التهديدية فى عرض حقيقى للمدين المترتب فى ذمته ( [1489] ) ، ولا تدخل هذه الغرامة ضمن الطلب الأصلى لتقدير قيمة الدعوى من حيث النصاب الجائز استئنافه ( [1490] ) .

 $ 815 $

( 3 ) لا يجوز الحكم بالتهديد المالى حجية الأمر المقضى ( [1491] ) ، لأنه حكم وقتى تهديدى كما قدمنا . فيجوز أولاً أن يزيد فيه القاضى إذا رآه غير كاف كما سبق القول . ويجوز ثانياُ ، عند تحويله إلى تعويض نهائى ، أن ينقص منه أو يلغيه كله ، مراعياً فى ذلك الضرر الذى أحاق بالدائن كما سنرى .

( 4 ) الحكم بالتهديد المالى لا يكون قابلاً للطعن فيه بطريق النقض ، حتى لو صدر من محكمة آخر درجة . وقد قضت محكمة النقض بأنه لا يقبل الطعن بطريق النقض فى الحكم الصادر بعدم جواز استئناف حكم ابتدائى قضى بإلزام مصلحة الضرائب ، بتقديم الملف الفردى مع إلزامها بغرامة تهديدية فى حالة عدم التنفيذ ، بحجة أنه حكم قطعى ، ذلك لأن الحكم المستأنف لم ينه الخصومة الأصلية أو جزءاً منها ، وإنما قضى بإجراء فيها ، أما احتواؤه على الغرامة التهديدية فليس من 3 شأنه أن يجعله هو أو الحكم الاستئنافى المطعون فيه حكماً وقتياً فى معنى المادة 278 من تقنين المرافعات ( [1492] ) .

453 - طبيعة الحكم بالتهديد المالى : تبين مما قدمناه أن الغرامة التهديدية ليست تعويضاً فهى لا تقاس بمقياس الضرر ولا تتوقف عليه إطلاقاً ، وإذا حكم القاضى بغرامة تهديدية لا يسبب حكمه بخلاف الحكم بالتعويض فإنه واجب التسبيب ، وقد كان القضاء الفرنسى فى بداية الأمر يخلط ما بين التهديد المالى والتعويض عمداً حتى يجد سنداً قانونياً للتهديد المالى ، ثم ما لبث أن ميز تمييزاً واضحاً ما بين الاثنين ( [1493] ) .

والغرامة التهديدية ليست عقوبة خاصة ( peine privee ) ،وإن كانت تشبه العقوبة . والفرق بينهما أن العقوبة نهائية يجب تنفيذها كما نطق بها ، أما الغرامة التهديدية فهى شئ وقتى كما قدمنا ، ولا تنفذ إلا عندما تتحول إلى تعويض $ 816 $ نهائى ، وهى فى هذا التحول قد تنتقص أو تلغى ، فالذى ينفذ فى الواقع من الأمر ليس هو الغرامة التهديدية الوقعتيه بل هو التعويض النهائى ( [1494] ) .

وإنما الغرامة التهديدية وسيلة للضغط على المدين والتغلب على عناده حتى يحمل على تنفيذ التزامه ( [1495] ) . فهى إذن وسيلة من وسائل التنفيذ العينى الجبرى . وهى وسيلة غير مباشرة ( [1496] ) ، تتفق فى هذا مع الإكراه البدنى الذى وأيضاً وسيلة غير مباشرة ، وتختلف عن التنفيذ القهرى وهو وسيلة مباشرة . ولما كانت الغرامة التهديدية وسيلة غير مباشرة ، فهى قد تنجح وقد لا تنجح تبعاً لما انتهى إليه المدين من تنفيذ التزامه أو الإصرار على عدم التنفيذ ( [1497] ) .

 $ 817 $

454 - السند القانونى للتهديد المالى : لا يوجد فى التقنين المدنى الفرنسى ولا فى التقنين المدنى المصرى السابق نص يصلح أن يكون سنداً تشريعياً للحكم بالغرامة التهديدية .

وقد استند القضاء الفرنسى ، بطريق غير مباشر ، إلى المادة 1036 من تقنين المرافعات الفرنسى ، وهى تقضى بأنه " يجوز للمحاكم ، فى القضايا التى تعرض عليها ، وتمشياً مع ما توحيه الظروف من الخطورة ، أن تصدر أوامر ( injonctions ) ، ولو من تلقاء نفسها ، وأن تعدم أوراقاً مكتوبة تعلن أنها قد تضمنت قذفا ، وأن تأمر بطبع أحكامها ونشر هذه الأحكام " . فالحكم الصادر بالغرامة التهديدية هو أمر ( injonction ) يصدر من المحكمة ، بما لها من سلطة الأمر ( imperium, judicia ordinatoria ) ، لا بمالها من ولاية الحكم ( jurisdictio, judicia decisoria ) ، للمدين المتعنت الممتنع عن تنفيذ التزامه بتنفيذ هذا الالتزام ، فإن لم يفعل فجزاؤه على العصيان غرامة تهديدية ( [1498] ) . ولا شك فى أن النص الذى استند إليه القضاء الفرنسى إنما قصد به بسط سلطة القاضى فى إدارة الجلسة ، والتهديد المالى حكم موضوعى لا علاقة له بإدارة الجلسة . ولا شك فى $ 818 $ أن القضاء الفرنسى قضاء اجتهادى لا سند له من النصوص التشريعية ، وأن نظرية التهديد المالى نظرية خلقها القضاء لا المشرع ( [1499] ) .

وفى عهد التقنين المدنى السابق سار القضاء المصرى على أثر القضاء الفرنسى فى اجتهاده فى الحكم بالتهديد المالى ، وفى اعتباره حكماً وقتياً تهديدياً للقاضى تخفيضه أو إلغاؤه ( [1500] ) .

أما فى التقنين المدنى المصرى الجديد فقد وجد السن التشريعى لنظرية التهديد $ 819 $ المالى فى النصوص التى تقدم ذكرها ، ولم نعد فى حاجة إلى سند قانونى آخر . على أن هذه النصوص ذاتها ليست كما قدمنا إلا تقنيناً للقضاء المصرى فى عهد التقنين المدنى السابق .

المطلب الثانى

أثر الحكم بالتهديد المالى

455 - موقف المدين من التهديد المال : إذا حكم على المدين بغرامة تهديدية ، فإنما يقصد بذلك كما قدمنا إلى الضغط عليه والتغلب على عناده حتى يذعن فيقوم بتنفيذ التزامه .

وهو فى النهاية يقف أحد موقفين : إما أن يحدث التهديد المالى فيه أثره فيقلع عن عناده ويعمد إلى تنفيذ التزامه ( [1501] ) ، وإما أن يصر على موقفه ويصمم على ألا يقوم بتنفيذ الالتزام .

وفى الحالتين يكون الموقف قد تكشف نهائياً ، عن التنفيذ أو عدم التنفيذ ، فلم تعد هناك جدوى من استبقاء التهديد المالى بعد أن استنفذ أغراضه . ومن ثم وجب النظر فى مصير الغرامة المالية وتحويلها إلى تعويض نهائى .

456 - تحويل الغرامة التهديدية إلى تعويض نهائى : وقد نصت المادة 214 كما رأينا على أنه " إذا تم التنفيذ العينى أو أصر المدين على رفض التنفيذ ، حدد القاضى مقدار التعويض الذى يلزم به المدين ، مراعياً فى ذلك الضرر الذى أصاب الدائن والعنت الذى بدا من المدين " . ويستخلص من هذا النص أنه لما كانت الغرامة التهديدية قد استنفدت أغراضها ، لم يعد بد من تحويلها إلى تعويض نهائى . فيجب إذن أن يلجأ الدائن إلى محكمة الموضوع طالباً تصفية $ 820 $ الغرامة التهديدية والحكم على المدين بتعويض نهائى يستطيع أن ينفذ به على أمواله ، فقد رأينا أن الغرامة التهديدية لا يستطيع أن ينفذ بها .

هذا وليس ثمة ما يمنع الدائن من أن يطلب التنفيذ الجبرى للالتزام بعد أن يتبين أن التهديد المالى لم يثمر فى التغلب على عناد المدين . ويتحقق ذلك إذا كان التنفيذ القهرى دون تدخل المدين ممكناً وإنما التجأ الدائن إلى التهديد المالى لأن هذا التنفيذ غير ملائم ، فلما أصر المدين على عدم التنفيذ وكان التنفيذ القهرى لا يزال ممكناً ، جاز للقاضى أن يحمك به مع التعويض عن الضرر الذى أصاب الدائن من جراء التأخير فى هذا التنفيذ ( [1502] ) .

457 - عناصر التعويض : على أن القاضى فى الكثرة الغالبة من الأحوال لا يقضى بالتنفيذ القهرى ، وإلا كان قضى به منذ البداية بدلاً من أن يقضى بالتهديد المالى . وإنما تقتصر مهمة القاضى فى الغالب على تحويل الغرامة التهديدية إلى تعويض نهائى كما قدمنا .

وعناصر التعويض النهائى هى نفس عناصر التعويض العادى : ما أصاب الدائن من ضرر وما فاته من نفع من جراء عدم التنفيذ إذا كان المدين قد أصر على عدم التنفيذ ، أو من جراء التأخير فى التنفيذ إذا كان المدين قد رجع عن عناده وقام بتنفيذ التزامه .

على أن هناك عنصراً جديداً - وهو العنصر البارز فى التعويض الذى يعقب التهديد المالى ، بل هو العنصر الذى يخرج التعويض عن معناه المألوف إلى المعنى الذى يتفق مع فكرة التهديد المالى – يجب أن يدخله القاضى فى حسابه عند تقدير التعويض النهائى . هذا العنصر هو العنت الذى بدا من المدين . فيستطيع القاضى أن يزيد فى التعويض فى مقابل الضرر الأدبى الذى أصاب الدائن من جراء عناد المدين وتعنته وإصراره على عدم تنفيذ التزامه أو تأخره المتعمد فى هذا التنفيذ .

 $ 821 $

ويلاحظ أن تعويض الدائن عن العنت الذى بدا من المدين يمكن أن يتحقق ، حتى لو كان المدين انتهى بعد تباطؤ إلى القيام بتنفيذ التزامه ، فلا يزال هناك عنت من المدين أصاب الدائن بضرر أدبى ، فيجب تعويضه عنه . ولكن عنصر العنت إنما تبرز أهميته فى حالة ما إذا كان المدين قد أصر على عدم التنفيذ ، إذ يكون العنت فى هذه الحالة أكثر وضوحاً وأبلغ ضرراً . هذا ولا يخفى ما للتعويض عن عنت المدين من أهمية بالغة ، فهو الذى يجعل للتهديد المالى مزية ليست له فى القانون الفرنسى حيث يقتصر القاضى على تقدير التعويض بقدر الضرر الذى أصاب الدائن دون أن يزيد شيئاً ، فيعلم المدين مقدماً أنه لم يحكم عليه بتعويض يزيد على الضرر ، ويفقد التهديد المالى مزيته ولا يصلح أداة للضغط على المدين والتغلب على عناده ( [1503] ) . وقد أمكن فى التقنين المصرى الجديد إضافة عنصر العنت إلى التعويض بفضل النص على ذلك صراحة فى المادة 214 كما رأينا ( [1504] ) . أما فى فرنسا فلا يوجد نص يسمح للقاضى بإضافة هذا العنصر ، فلا يستطيع إلا أن يلتزم القواعد العامة فى تقدير العويض .

 $ 822 $

ومتى تم للقاضى تقدير التعويض النهائى على النحو الذى بسطناه ، قضى به على المدين ، واستطاع الدائن عندئذ أن ينفذ به على أموال المدين ، لا على أنه تهديد مالى ، بل على أنه تعويض نهائى . والغالب أن يكون هذا التعويض أقل من التهديد المالى ( [1505] ) ، بل قد لا يرى القاضى فى بعض الحالات وجهاً للحكم بتعويض ما لانعدام الضرر وعدم إمعان المدين فى العنت ، فيلغى الغرامة المالية دون أن يحل مكانها أى تعويض ( [1506] ) . على أن التعويض قد يكون فى بعض الحالات معادلاً للغرامة المالية ، لا سيما إذا أمعن المدين فى العنت والإصرار على عدم تنفيذ التزامه ، فيستبقى القاضى التهديد المالى كما هو دون أن ينقصه ، ولكن التهديد المالى تتغير مع ذلك طبيعته فينقلب من تهديد مالى إلى تعويض نهائى ( [1507] ) . ويجب على القاضى فى جميع الأحوال ، عند تحويل التهديد المالى إلى تعويض نهائى ، أن يسبب حكمه وأن يبين فى الأسباب أن التعويض قد قيس بمقياس الضرر الذى أصاب الدائن ، وقد كان الحكم القاضى على المدين بدفع غرامة تهديدية غير مسبب كما سبق القول ( [1508] ) .

 $ 823 $

الباب الثانى

التنفيذ بطريق التعويض

( Execution par equivalent - Dommages - interets )

458 - متى يكون التنفيذ بطريق التعويض : رأينا فيما تقدم متى يكون التنفيذ العينى للالتزام . ويمكن أن يستخلص من ذلك متى يكون تنفيذ الالتزام بطريق التعويض ( [1509] ) .

فإذا أصبح التنفيذ العينى للالتزام مستحيلاً بخطأ المدين ، لم يبق إلا التنفيذ بطريق التعويض . ويعتبر التنفيذ العينى مستحيلاً إلا إذا كان هذا التنفيذ يقتضى تدخل المدين الشخصى ، وامتنع هذا عن التنفيذ ولم يجد التهديد المالى فى التغلب على عناده . وقد مر القول فى ذلك .

وحتى إذا كان التنفيذ العينى ممكناً دون تدخل المدين ، ولكن لم يطلبه الدائن ولم يتقدم المدين به ، فإن التنفيذ بطريق التعويض يحل محل التنفيذ العينى كما رأينا .

وحتى إذا طلب الدائن التنفيذ العينى ، ولكن هذا التنفيذ كان مرهقاً للمدين ، وكان عدم القيام به لا يعود بضرر جسيم على الدائن ، فإن القاضى يقتصر على الحكم بتعويض ، وقد سبق تفصيل ذلك .

ثم إنه يجب للتنفيذ بطريق التعويض ، كما يجب للتنفيذ العينى ، إعذار المدين ، وسنتكلم تفصيلاً فى الإعذار عند الكلام فى تقدير التعويض عن طريق القاضى .

 $ 824 $

459 - التنفيذ بطريق التعويض يتناول كل التزام أياً كان مصدره : وكل التزام ، أياَ كان مصدره ، يجوز تنفيذه عن طريق التعويض . فالالتزام العقدى ، سواء كان التزاماً بنقل ملكية أو التزاماً بعمل أو التزاماً بالامتناع عن عمل ، يكون تنفيذه بطريق التعويض فى الحالات التى تقدم ذكرها فى الفقرة السابقة ، وبخاصة إذا أصبح التنفيذ العينى مستحيلاً بخطأ المدين . ويصبح التنفيذ العينى مستحيلاً فى الالتزام بنقل ملكية شئ معين إذا هلك هذا الشئ أو انتقلت ملكيته إلى الغير ( [1510] ) ، ولى الالتزام بعمل إذا انعدمت الوسائل اللازمة للقيام بهذا العمل أو كان ينبغى أن يتم القيام به فى مدة معينة وانقضت هذه المدة ، وفى الالتزام بالامتناع عن عمر إذا أتى المدين الأمر الممنوع . وقد مر بيان ذلك تفصيلاً فيما تقدم .

والالتزامات التى لا يكون مصدرها العقد يغلب أن يكون تنفيذها بطريق التعويض . فالالتزام التقصيرى ليس إلا نتيجة للإخلال بالتزام قانونى هو أن يتخذ الشخص الحيطة الواجبة لعدم الإضرار بغيره ، وجزاء هذا الإخلال هو التعويض ، وهذه هى المسئولية التقصيرية . الالتزام الناشئ من الإثراء بلا سبب ليس إلا نتيجة للإخلال بالتزام قانونى آخر ، هو ألا يثرى الشخص على حساب غيره دون سبب ، وجزاء هذا الإخلال هو التعويض . وكثير من $ 825 $ الالتزامات القانونية الأخرى ويكون تنفيذها بطريق التعويض ، كالتزام الجار ألا يضر بجاره ضرراً فاحشاً والالتزام بعدم إفشاء سر المهنة . وهناك من الالتزامات القانونية ما يمكن تنفيذه عيناً ، كالالتزام بالنفقة والتزامات الأولياء والأوصياء والقوام ، ومع ذلك يجوز عند الإخلال ببعض هذه الالتزامات أن يكون التنفيذ بطريق التعويض .

460 - وسائل تنفيذ التعويض : ووسائل تنفيذ التعويض ، كوسائل التنفيذ العينى ، هى التنفيذ الاختيارى والتنفيذ الجبرى . فإذا حكم على المدين بدفع تعويض للدائن ، ولم يدفع المدين هذا التعويض اختياراً – وهذا هو الوفاء ( paiement ) - جاز للدائن إجباره على الدفع بطريق التنفيذ القهرى . ولما كان التعويض عادة هو مبلغ من النقود ، فإنه يمكن دائماً تنفيذه بطريق الحجز على أموال المدين . ولكن قد يكون التعويض عينياً فى بعض الحالات ، فيجوز الالتجاء إلى التهديد المالى للوصول إلى هذا التعويض العينى بطريق مباشر . ويصلح الإكراه البدنى وسيلة غير مباشرة لتنفيذ التعويض ، على الوجه الذى بسطناه فيما تقدم .

461 - كيفية تقدير التعويض : والمهم فى التنفيذ بطريق التعويض أن نستعرض الطرق المختلفة لتقدير التعويض .

فتارة – وهذا هو الأصل – يقوم القاضى بتقدير التعويض ، وهذا هو التعويض القضائى .

وطوراً يكون تقديره مقدماً باتفاق الطرفين ، وهذا هو التعويض الاتفاقى أو الشرط الجزائى .

وثالثة يكون التقدير عن طريق القانون ، كما وقع ذلك فى تحديد سعر الفائدة ، وهذا هو التعويض القانونى ( [1511] ) .

فنستعرض هذه الطرق المختلفة فى فصول ثلاثة :

 $ 826 $

الفصل الأول

التعويض القضائى

462 - الإعذار وتقدير القاضى للتعويض : يجب إعذار المدين ومطالبته بتنفيذ التزامه . وقد رأينا أن هذا واجب فى التنفيذ العينى ، وهو واجب أيضاً فى التنفيذ بطريق التعويض . بل إن الأعذار فى التنفيذ بطريق التعويض ، وبخاصة فى التعويض عن تأخر المدين فى التنفيذ ، له أهمية بالغة كما سنرى .

وأكثر ما يبرز الإعذار فى التعويض القضائى ، وإن كان واجباً أيضاً فى التعويض الاتفاقى ( الشرط الجزائى ) كما سيأتى . فآثرنا أن نبحث الإعذار فى هذا المكان ، متوخين فى ذلك الناحية العملية .

وبعد أن يعذر الدائن المدين ، يقيم عليه الدعوى يطالبه بتنفيذ التزامه . ونحن هنا فى صدد التنفيذ بطريق التعويض ، فيطلب الدائن إلى القاضى تقدير التعويض عن الضرر الذى أصابه من جراء عدم تنفيذ المدين لالتزامه ومن جراء تأخره فى هذا التنفيذ .

فنتكلم إذن فى مسألتين : ( أولاً ) الإعذار ( ثانياً ) تقدير القاضى للتعويض .

الفرع الأول

الإعذار

( La mise en demeure )

463 - النصوص القانونية : تنص المادة 218 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " لا يستحق التعويض إلا بعد إعذار المدين ، ما لم ينص على غير ذلك " .

وتنص المادة 219 على ما يأتى :

 " يكون إعذار المدين بإنذاره أو بما يقوم مقام الإنذار ، ويجوز أن يتم الإعذار $ 827 $ عن طريق البريد على الوجه المبين فى قانون المرافعات . كما يجوز أن يكون مترتباً على اتفاق يقضى بأن يكون المدين معذراً بمجرد حلول الأجل دون حاجة إلى أى إجراء آخر " .

وتنص المادة 220 على ما يأتى :

 " لا ضرورة لإعذار المدين فى الحالات الآتية : ( أ ) إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن أو غير مجد بفعل المدين ( ب ) إذا كان محل الالتزام تعويضاً ترتب على عمل غير مشروع ( ج ) إذا كان محل الالتزام رد شئ يعلم المدين أنه مسروق أو شئ تسلمه دون حق وهو عالم بذلك ( د ) إذا صرح المدين كتابة أنه لا يريد القيام بالتزامه ( [1512] ) " .

 $ 828 $

وتقابل هذه النصوص فى التقنين المدنى السابق المادة 120 / 178 ( [1513] ) . ولا فرق ما بين التقنينين الجديد والقديم فى الإعذار وأحكامه ، وإن كانت نصوص التقنين الجديد أكثر تفصيلاً ، على أنها ليست إلا تقنيناً لأحكام القضاء فى عهد التقنين السابق ( [1514] ) .

وتقابل هذه النصوص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقين السورى المواد 219 - 221 ، وفى التقنين المدنى العراقى المواد 256 - 258 ، وفى التقنين المدنى الليبى المواد 221 - 223 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المواد 253 و 275 و 258 ( [1515] ) .

 $ 829 $

ويتبين مما قدمناه من نصوص التقنين المدنى المصرى أن التعويض لا يستحق إلا بعد إعذار المدين ، وأن الإعذار يتم بإجراءات معينة ، وأن هناك حالات $ 830 $ لا ضرورة فيها للإعذار . وإذا تم الإعذار ترتبت عليه نتائج قانونية معينة .

فنتكلم إذن فيما يأتى : ( 1 ) معنى الإعذار ( 2 ) كيف يتم الإعذار ( 3 ) الحالات التى لا ضرورة فيها للإعذر ( 4 ) النتائج القانونية التى تترتب على الإعذار .

464 - معنى الإعذار : إعذار المدين هو وضعه قانوناً فى حالة المتأخر فى تنفيذ التزامه ( mise en demeure, mora retard ) . ذلك أن مجرد حلول أجل الالتزام لا يكفى فى جعل المدين فى هذا الوضع القانونى ( diesnon interpellat pro homine ) ، بل لابد من إعذاره ( [1516] ) . فقد يحل أجل الالتزام ، ومع ذلك يسكت الدائن عن أن يتقاضى التنفيذ من المدين ، فيحمل ذلك منه محمل التسامح وأنه لم يصبه ضرر من تأخر المدين فى تنفيذ التزامه ، وقد رضى ضمناً بمد الأجل ما دام يستطيع الانتظار دون ضرر يصيبه من ذلك . أما إذا كان الدائن يريد من المدين أن ينفذ التزامه الذى حل أجله ، فعليه أن يشعره بذلك عن طريق إعذاره بالطرق التى رسمها القانون ( [1517] ), وعند ذلك يصبح المدين ملزماً بتنفيذ التزامه فوراً ، وكل تأخر فى التنفيذ يستوجب التعويض ( [1518] ) .

 $ 831 $

وفكرة الإعذار هذه من تقاليد القانونى الفرنسى ( [1519] ) ، نقلها عنه التقنين المدنى المصرى السابق ، واستبقاها التقنين المدنى المصرى الجديد . وقد عدلت عتها القوانين الجرمانية وبعض القوانين اللاتينية ، واعتبرت أن مجرد حلول أجل الالتزام كاف لإشعار المدين بوجوب التنفيذ دون حاجة لإعذار ، وأن تأخر المدين عن تنفيذ التزامه بعد حلول الأجل يجعله مسئولاً عن التعويض ( [1520] ) .

465 - كيف يتم الإعذار : الأصل فى إعذار المدين أن يكون بإنذاره ، والإنذار ( sommation ) ورقعة رسمية من أوراق المحضرين يبين فيها الدائن فى وضوع أنه يطلب من المدين تنفيذ التزامه . وهذا هو الطريق المعتاد لإعذار المدين ، حتى صح أن يقال : " قد أعرض من أنذر ( [1521] ) " .

وقد بين تقنين المرافعات ( م 7 - 14 ) كيف يعلن المحضر الإنذار : يسلم صورة الإنذار إلى المدين نفسه فى موطنه ، فإن لم يجده سلمها إلى وكيله أو خادمه أو من يكون ساكناً معه ، وإلا سلمها إلى جهة الإدارة على الوجه الذى بينه تقنين المرافعات فى النصوص المشار إليها . ولما كانت المادة 219 مدنى تقضى بأنه يجوز أن يتم الإعذار عن طريق البريد على الوجه المبين فى تقنين المرافعات ، وجب الرجوع إلى هذا التقنين أيضاً . وقد قضت المادة 15 من التقنين $ 832 $ المشار إليه بأن " الإعلان على يد المحضر يكون بطريق البريد فى الأحوال التى بينها القانون ، وكذلك يجوز الإعلان بهذا الطريق إذا اختاره الطالب كتابة على أصل الورقة فى الأحوال التى يكون فيها الإعلان فى قلم الكتاب أو فى الموطن المختار بشرط أن يكون هذا الموطن مكتب أحد المحامين " . ويفهم من هذا النص أن القانون بين أحوالاً يجوز فيها الإعلان بطريق البريد ، وإعذار المدين حالة من هذه الحالات نصت عليها المادة 219 من التقنين المدنى كما رأينا . فيصح إذن أن يكون الإعذار عن طريق البريد متى طلب الدائن ذلك ، سواء أنذر المدين فى موطنه المختار أو فى موطنه الأصلى . وفى هذه الحالة يقدم المحضر صورة الإنذار لمكتب البريد فى غلاف مختوم ومبين فيه اسم المدين ولقبه وموطنه وعنوانه وتوقيع المحضر وبصمة خاتم قلم المحضرين ، ويؤشر المحضر فى ذيل أصل الإنذار بأنه سلم صورته لمكتب البريد على الوجه المتقدم ( م 16 مرافعات ) . ويسلم عامل البريد صورة الإنذار للمدين على الوجه المبين فى المادة 17 من تقنين المرافعات ، ثم يعيد لقلم المحضرين علم الوصول مؤشراً عليه بما حصل ، وعلى المحضر التأشير بما يتم من ذلك على أصل الإنذار ، ثم يسلمه للطالب مع علم الوصول ( م 18 مرافعات ) . وبذلك يتم إنذار المدين عن طريق البريد ، فيصبح معذراً .

وليس الإنذار هو الطريق الوحيد لإنذار المدين . فهناك ما يقوم مقام الإنذار ( [1522] ) . وأية ورقة رسمية تطهر منها بجلاء رغبة الدائن فى أن ينفذ المدين التزامه تقوم مقام الإنذار . من ذلك التنبيه الرسمى ( commandement ) الذى يسبق التنفيذ . ومن ذلك أيضاً صحيفة الدعوى ( citation en justice ) : ولو رفعت الدعوى أمام محكمة غير مختصة . ومن ذلك محضر الحجز ، وهو من أعمال $ 833 $ التنفيذ ( [1523] ) . وكثيراً ما يقع أن ينذر الدائن المدين فى نفس صحيفة الدعوى ، فتكون هذه الصحيفة إنذاراً ومطالبة قضائية فى وقت واحد ، ولكن إذا بدر المدين فى هذه الحالة إلى التنفيذ بمجرد أن تعلن إليه صحيفة الدعوى كانت مصروفات الدعوى على الدائن . لأن المدين يكون قد نفذ التزامه بمجرد إعذاره ( [1524] ) .

أما إذا كانت الورقة غير رسمية ، ككتاب ولو كان مسجلاً أو برقية ، فلا تكفى للإعذار فى المسائل المدنية ( [1525] ) ، إلا إذا كان هناك اتفاق بين الدائن والمدين على أنها تكفى . ذلك أنه يجوز الاتفاق على أن يكون المدين معذراً بمجرد حلول الأجل دون حاجة إلى أى إجراء ، فمن باب أولى يجوز الاتفاق على أن الإعذار تكفى فيه ورقة غير رسمية أو إخطار شفوى ( [1526] ) .

 $ 834 $

وأما فى المسائل التجارية فيكفى فى الإعذار أن يكون بورقة غير سمية وفقاً للعرف التجارى ، بل إن مجرد الإخطار الشفوى يكفى إذا كان العرف التجارى يقضى بذلك . والمهم أن يهيئ الدائن ما يثبت أن الإعاذ قد تم على هذا الوجه ( [1527] ) .

466 - الحالات التى لا ضرورة فيها للإعذار : هناك حالات لا ضرورة فيها للإعذار ، ويعتبر مجرد حلول الدين إشعاراً كافياً للمدين بوجوب تنفيذ التزامه وإلا كان مسئولاً عن التعويض . وهذه الحالات ترجع إما إلى الاتفاق ، وإما إلى حكم القانون ، وإما إلى طبيعة الأشياء ، وقد نص عليها جميعاً فى المادتين 219 و 220 من التقنين المدنى .

فقد يتفق الطرفان مقدماً على أن المدين يكون معذراً بمجرد حلول أجل الالتزام دون حاجة إلى أى إجراء ( [1528] ) . ويكون هذا الاتفاق صريحاً أو ضمنياً . ومثل الاتفاق الضمنى أن يوجب رب العلم على المقاول إتمام البناء فى تاريخ معين ، وأن يشترط الدائن فى عقد التوريد وجود التسليم فوراً ( librable de sirite ) ( [1529] ) .

 $ 835 $

ويجب أن يكون الاتفاق الضمنى غير محل للشك ، فوضع شرط جزائى فى العقد لا يفهم منه الإعفاء من الإعذار ( [1530] ) ، واشتراط حلول جميع الأقساط عند تأخر المدين فى دفع قسط منها لا يمنع من وجوب الإعذار إلا إذا كان هناك اتفاق واضح على العكس ( [1531] ) . وقد يوجد اتفاق على عدم الحاجة إلى الإعذار ، ولكن الدائن ينسخ هذا الاتفاق بتصرفه ، كما إذا اشترطت شركة التأمين على المؤمن عليه عدم الحاجة إلى الإعذار فى اقتضاء أقساط التأمين ثم تتعود بعد ذلك أن تعذره كلما تأخر أو أن ترسل إله عامل التحصيل ليتسلم الأقساط المستحقة ( [1532] ) .

وقد يقضى القانون بعدم الحاجة إلى الإعذار . وقد نص فعلاً فى المادة 220 على ألا ضرورة للإعذار فى حالات معينة ، بعضها كان فى حاجة إلى هذا النص ، وبعضها يرجع إلى طبيعة الأشياء .

فأما ما كان فى حاجة إلى النص فالحالة التى كون فيها محل الالتزام رد شئ بعلم المدين أنه مسروق ، أو رد شئ تسلمه دون حق وهو عالم بذلك . ففى هذه الحالة يكون المدين سيئ النية ، ويكون واجباً عليه أن يرد الشئ إلى الدائن ، وليس الدائن – بمقتضى النص – فى حاجة إلى إعذاره . ومن ثم يجب على المدين أن يبادر فوراً إلى رد الشئ للدائن ، دون إعذار ، وإلا كان مسئولاً عن التأخر فى الرد ( [1533] ) . وهناك حالات أخرى متفرقة فى نواحى القانون ، نص فيها $ 836 $ على وجوب تنفيذ المدين لالتزامه دون حاجة إلى إعذار . منها ما قضت به الفقرة الثانية من المادة 706 مدنى من أن الوكيل ملزم بفوائد المبالغ التى استخدمها لصالحه من وقت استخدامها ، وكانت القاعدة العامة تقضى بأن الفوائد تستحق ، لا من يوم الإعذار فحسب ، بل من يوم الطالبة القضائية كما سنرى ، وهنا استحقت الفوائد دون مطالبة قضائية بل ودون إعذار من يوم استخدام الوكيل المبالغ لصالحه . ومنها ما قضت به المادة 710 مدنى من أن الموكل يلتزم بأن يرد للوكيل ما أنفقه فى تنفيذ الوكالة التنفيذ المعتاد مع الفوائد من وقت الاتفاق ، وهنا أيضاً تستحق الفوائد لا من وقت المطالبة القضائية ولا من وقت الإعذار بل من وقت الإنفاق ( [1534] ) .

وأما ما يرجع إلى طبيعة الأشياء وورد مع ذلك فيه النص فثلاث حالات :

( أولاً ) إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن أو غير مجد بفعل المدين ( [1535] ) . $ 837 $ فلا معنى إذن لإعذار المدين ، وهذا ما تقض به طبائع الأشياء ، لأن الإعذار هو دعوى المدين إلى تنفيذ التزامه وقد أصبح هذا التنفيذ غير ممكن أو غير مجد بفعله ، فاستحق عليه التعويض دون حاجة إلى إعذار . ولو كانت استحالة التنفيذ نشأت بغير فعل المدين لانقضى الالتزام ، ولما كان المدين مسئولاً حتى عن التعويض . وتتحقق الحالة التى نحن فى صددها فى فروض مختلفة . منها أن يكون تنفيذ الالتزام غير مجد إلا فى وقت معين فيفوت هذا الوقت دون أن نفذ المدين التزامه ، كأن يلتزم مقاول ببناء مكان فى معرض لأحد العارضين وينتهى المعرض قبل أن ينفذ المقاول التزامه ، وكأن يلتزم محام برفع استئناف عن حكم وينتهى ميعاد الاستئناف قبل أن يرفعه ( [1536] ) . ومنها أن يكون الالتزام بالامتناع عن عمل ثم يخل المدين بالتزامه ويأتى العمل الممنوع ، فلا فائدة من الإعذار فى هذا الفرض إذا أصبح التنفيذ العينى غير ممكن ( [1537] ) . ومنها أن يبيع شخص من آخر عقاراً ، ثم يبيعه من ثان ويسجل هذا عقده قبل أن يسجل الأول ، فيصبح تنفيذ التزام البائع نحو المشترى الأول غير ممكن ، ومن ثم لا ضرورة للإعذار . ومنها التزام المؤجر بإجراء إصلاحات فى العين المؤجرة ، فما فات من الوقت دون إجراء هذه الإصلاحات مع حاجة العين إليها لا يلزم فيه إعذار ، على أن يخطر المستأجر المؤجر بحاجة العين إلى الإصلاحات مجرد إخطار ليس من الضرورى أن يكون فى شكل الإعذار ، بل لو أخطره شفوياً – وله أن يثبت الإخطار بجميع الطرق لأنه يعتبر هنا واقعة مادية – فإن هذا يكفى ( [1538] ) . وفى العقود الزمنية أو المستمرة ( successifs ) لا ضرورة للإعذار إذا تأخر المدين عن تنفيذ التزامه الزمنى ، لأن ما تأخر فيه لا يمكن تداركه لفوات الزمن ، فالتزام شركات المياه والنور والغاز بتوريد ما تقوم عليه من مرافق للمستهلكين ، والتزام المتعهد بتوريد الغذاء لمستشفى أو لمدرسة ، والتزام المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة ، كل هذه التزامات زمنية إذا أخل بها المدين استحق عليه $ 838 $ التعويض ولو قبل الإعذار ( [1539] ) .

( ثانياً ) إذا كان محل الالتزام تعويضاً ترتب على عمل غير مشروع . ذلك أن العمل غير المشروع إنما هو إخلال بالتزام الشخص أن يتخذ الحيطة الواجبة لعدم الإضرار بالغير ، ومتى أخل الشخص بهذا الالتزام فأضر بالغير ، لم يعد التنفيذ العينى للالتزام ممكنا ، فلا جدوى إذن فى الإعذار ( [1540] ) . ويمن القول أن كل التزام ببذل عناية – ومن ذلك الالتزام باتخاذ الحيطة الواجبة لعدم الإضرار بالغير – يكون الإخلال به غير ممكن تداركه ، ومن ثم لا يلزم الإعذار لاستحقاق التعويض عن هذا الإخلال . ويرد ذلك إلى القاعدة التى بسطناها فى الحالة الأولى ، إذ أنه متى أدخل المدين بالتزام فى ذمته ببذل عناية فقد أصبح التنفيذ العينى لهذا الالتزام غير ممكن ، فلا ضرورة إذن للإعذار . ونرى من ذلك أن هذه الحالة الثانية ليست فى الواقع إلا تطبيقاً من تطبيقات الحالة الأولى ( [1541] ) .

( ثالثاً ) إذا صرح المدين كتابة أنه لا يريد القيام بالتزامه . فبعد هذا التصريح الثابت بالكتابة لا جدوى فى إعذاره ، فهو قد رد سلفاً أنه لا يريد القيام $ 839 $ بالتزامه ( [1542] ) . ولا يكفى التصريح أمام لشهود ، فالقانون قد اشترط الكتابة . على أن الظاهر أن الكتابة هنا للإثبات ، فلو أقر المدين أنه صرح بعدم إرادته القيام بالتزامه ، أو نكل عن اليمين التى وجهت إليه فى ذلك ، لكان ذلك كافياً فى إثبات التصريح المطلوب للإعذار ( [1543] ) .

ولما كانت هذه الحالات الثلاثة ( [1544] ) إنما تقضى بها طبائع الأشياء كما قدمنا ، فقد كان معمولاً بها فى عهد التقنين المدنى السابق ، دون أن يشتمل هذا التقنين على نص يقابل نص لتقنين المدنى الجديد الذى سبق أو أوردناه ( [1545] ) .

 $ 840 $

467 - النتائج القانونية التى تتربت على الإعذار : يترتب على إعذار المدين نتيجتان رئيسيتان :

( النتيجة الأولى ) يصبح المدين مسئولاً عن التعويض لتأخره فى تنفيذ الالتزام ، وذلك من وقت الإعذار . أما فى الفترة التى سبقت الإعذار ، فلا تعويض المدين الدائن عن التأخر فى التنفيذ ، فالمفروض كما قدمنا أن الدائن قد رضى بهذا التأخر ولم يصبه منه ضرر ما دام أنه لم يعذر المدين ( [1546] ) . والنص صريح فى هذا المعنى ، فقد قضت المادة 218 مدنى بأنه " لا يستحق التعويض إلا بعد إعذار $ 841 $ المدين " ( [1547] ) . ويلاحظ أنه إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود ، فالتعويض عن التأخر – أى الفوائد – لا يكون مستحقاً بمجرد إعذار المدين ، بل لابد من رفع الدعوى ، ولا تسرى الفوائد إلا من وقت إعلان صحيفة الدعوى ، وسيأتى تفصيل ذلك .

( النتيجة الثانية ) ينتقل تحمل التبعة ( risque ) من طرف إلى آخر . وقد قدمنا أن تبعة الهلاك فى الالتزام بالتسليم تكون على المدين بهذا الالتزام إذا كان التزاماً تبعياً ، وتكون على المالك إذا كان التزاماً مستقلاً . ورأينا أن الإعذار ينقل تبعة الهلاك من طرف إلى آخر فى كلتا الحالتين على التفصيل الذى قدمناه .

ورأينا أيضاً أن المدين المعذر إذا أثبت أن الشئ كان يهلك فى يد الدائن لو أنه سلم إليه ، اندفعت عنه تبعة الهلاك بالرغم من إعذاره ، وانقضى التزامه .

ورأينا أخيراً أنه يحمل مع ذلك التبعة إذا كان الشئ مسروقاً متى كان هو السارق ، ولو أثبت أن المسروق كان يهلك عند المالك لو أنه رد إليه .

ويلاحظ أن كل هذه الأحكام كان معمولاً بها فى عهد التقنين المدنى السابق ( [1548] ) .

 $ 842 $

الفرع الثانى

تقدير القاضى للتعويض

468 - نوعا التعويض : والتعويض الواجب على المدين ، إذا لم يقم بتنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً ، نوعان : ( 1 ) تعويض عن عدم التنفيذ ( dommages - interets compensatoires ) ( 2 ) تعويض عن التأخر فى التنفيذ ( dommages - interetes moratoires ) ( [1549] ) .

والتعويض عن عدم التنفيذ يحل ، كما رأينا محل التنفيذ العينى ، ولا يجتمع معه ( [1550] ) . أما التعويض عن التأخر فى التنفيذ فإنه تاره يجتمع مع التنفيذ العينى إذا نفذ المدين التزامه متأخراً فيجتمع عليه إلى جانب هذا التنفيذ العينى التعويض عن التأخر فيه ، وطوراً يجتمع مع التعويض عن عدم التنفيذ إلا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه تنفيذاً عينيناً فيجتمع عليه تعويضان : تعويض عن عدم التنفيذ وتعويض عن التأخر فى التنفيذ ( [1551] ) .

والإجماع منعقد على أن الإعذار واجب فى التعويض عن التأخر فى التنفيذ ، وقد رأينا فيما قدمناه أن هذا التعويض لا يستحق إلا بعد إعذار المدين . أما التعويض عن عدم التنفيذ فقد اختلف الرأى فيه . هناك رأى يذهب إلى وجوب الإعذار أيضاً لإطلاق النص ، إذ " لا يستحق التعويض إلا بعد إعذار المدين " . دون تمييز بين تعويض عن التأخر فى التنفيذ وتعويض عن عدم التنفيذ ( [1552] ) . وهناك $ 843 $ رأى آخر يذهب إلى عدم وجوب الإعذار ، لأن التعويض عن عدم التنفيذ مستحق عن واقعة لا شأن للإعذار بها ، فلا جدوى فى الإعذار ( [1553] ) . ونحن نميل إلى التمييز ما بين فرضين فى حالة ما إذا طالب الدائن المدين بالتعويض عن عدم التنفيذ : فأما أن يكون التنفيذ العينى لا يزال ممكناً ، وإما أن يكون هذا التنفيذ قد أصبح غير ممكن . ففى الفرض الأول يجب الإعذار لاستحقاق التعويض ، لأن التنفيذ العينى لا يزال ممكناً ، والإعاذر دعوة للمدين أن يقوم بهذا التنفيذ وإلا دفع تعويضاً ، فيكون للإعذار معنى إذ يحتمل أن يقوم المدين بالتنفيذ العينى عقب إعذاره . وفى الفرض الثانى ، إذا أصبح التنفيذ العينى غير ممكن ، لم تعد هناك جدوى فى الإعذار ، إذ نكون فى أحدى الحالات الاستثنائية التى لا حاجة للإعذار فيها ( [1554] ) . وهذا الرأى الذى نقول به يؤدى إلى أن الإعذار واجب لاستحقاق التعويض عن عدم التنفيذ وجوبه لاستحقاق التعويض عن التأخر فى التنفيذ ، وذلك فيما خلا الحالات الاستثنائية التى يصبح فيها الإعذار غير ضرورى ، سواء للتعويض عن عدم التنفيذ أو للتعويض عن التأخر فى التنفيذ .

وسواء كان التعويض عن عدم التنفيذ أو عن التأخر فى التنفيذ ، فإن القواعد التى تتبع فى تقديره واحدة لا تختلف .

469 - عناصر التعويض : والذى يقوم بتقدير التعويض عادة هو القاضى كما قدمنا . وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 221 من التقنين المدنى على أنه " إذا لم يكن التعويض مقدراً فى العقد أو بنص القانون ، فالقاضى هو الذى يقدره . ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب ، بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو للتأخر فى الوفاء به ، ويعتبر الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن فى استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد $ 844 $ معقول ( [1555] ) " .

ونرى من هذا النص أن التعويض عنصرين : ما أصاب الدائن من الخسارة ( damnum emergens ) ، وما ضاع عليه من الكسب ( lucrum crssans ) ( [1556] ) ، ومن هنا جاءت التسمية : ( dommages - interets ) . فالقاضى إذن فى تقديره للتعويض – سواء التعويض عن عدم التنفيذ أو التعويض عن التأخر فى التنفيذ - يدخل فى حسابه هذين العنصرين . فيقدر أولاً ما أصاب الدائن من ضرر بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزامه أو بسبب تأخره فى هذا التنفيذ . ثم يقدر بعد ذلك ما فات الدائن من كسب . ومجموعة هذين هو التعويض ( [1557] ) .

فالمدين الذى لا يقوم بتنفيذ التزامه عن تسليم بضاعة تعهد بتسليمها للدائن يدفع تعويضاً عما أصاب الدائن من خسارة بسبب اضطراره لشراء هذه البضاعة بثمن أعلى ، وعما ضاع عليه من ربح بسبب فوات صفقة رابحة ثبت أنه كان يعقدها لو قام المدين بتنفيذ التزامه وسلمه البضاعة فى الميعاد المتفق عليه . والمثل الذى لا يقوم بتنفيذ التزامه من إحياء ليلية تمثيلية يدفع تعويضاً للدائن عما أصبه من خسارة بسبب ما أنفقه فى تنظيم هذه الليلة ، وعما ضاع عليه من ربح كان يجنيه لو أن الممثل قام بالتزامه . وهكذا ( [1558] ) .

وغنى عن البيان أنه لا يكون هناك محل للتعويض إذا لم يصب الدائن ضرر ولم يفته كسب من جراء عدم قيام المدين بالتزامه أو من جراء تأخره فى ذلك . وكثيراً ما يتحقق هذا الأمر فى حالة مجرد تأخر المدين فى تنفيذ التزامه . وقد يتحقق أيضاً فى حالة عدم التنفيذ ، كما إذا لم يقم محام بالتزامه نحو موكله من التقدم باسمه فى قائمة توزيع أو من قيد رهن لمصلحته ، ويتبين أن تخلف المحامى عن $ 845 $ القيام بالتزامه لم يلحق بالموكل ضرراً ولم يفوت عليه نفعاً ، إذ أنه لو كان تقدم باسمه فى قائمة التوزيع لما أصاب الموكل شئ من المبلغ الموزع ، ولو أنه كان قيد الرهن لمصلحته لما كان هذا القيد منتجاً لأن العقار مثقل برهون سابقة تستغرقه .

والدائن هو الذى يقع عليه عبء الإثبات ، فيثبت مقدار ما أصابه من ضرر ومقدار ملفاته من كسب ( [1559] ) .

470 - الضرر المباشر والضرر المتوقع الحصول : وقد سبق أن بينا ( [1560] ) أن الضرر غير المباشر ( ) لا يعوض عنه أصلاً ، لا فى المسئولية العقدية ولا فى المسئولية التقصيرية ( [1561] ) . فلا يعوض إذن فى المسئوليتين إلا عن الضرر $ 846 $ المباشر ( direct ) . والضرر المباشر هو – كما تقول المادة 221 سالفة الذكر ما يكون " نتيجة طبيعة لعدم الوفاء بالالتزام أو للتأخر فى الوفاء به ، ويعتبر الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن فى استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول " ( [1562] ) .

ولكن فى المسئولية التقصيرية يعوض عن كل ضرر مباشر ، متوقعاً ( previsible ) كان أو غير متوقع ( imprevisible ) . أما فى المسئولية العقدية فلا يعوض إلا عن الضرر المباشر المتوقع فى غير حالتى الغش والخطأ الجسيم . وقد نصت الفقرة الثانية من المادة 221 من التقنين المدنى صراحة على هذا الحكم إذ تقول : " ومع ذلك إذا كان الالتزام مصدره العقد ، فلا يلتزم المدين الذى لم يرتكب عشاً أو خطأ جسيماً إلا بتعويض الضرر الذى كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد " . ( [1563] ) وقد سبق أن بينا تفصيلاً ما هو الضرر المباشر ، وما هو الضرر المباشر المتوقع ، وما الذى يبرر قصر التعويض فى المسئولية العقدية على الضرر المباشر المتوقع ، وتحديد الضرر المتوقع من حيث توقع سبب الضرر ومقداره ( [1564] ) .

471 - تقدير التعويض بمبلغ من النقود : والقاضى يقدر التعويض عادة بمبلغ من النقود ، سواء فى ذلك المسئولية العقدية أو المسئولية التقصيرية أو أى التزام منشؤه مصدر آخر . ومع ذلك قد يكون التعويض غير نقدى فى بعض الحالات . ففى دعاوى السب والقذف يجوز للقاضى أن يأمر على سبيل التعويض بنشر الحكم القاضى بإدانة المدعى عليه فى الصحف ، وهذا النشر يعتبر تعويضاً غير نقدى عن الضرر الأدبى الذى أصاب المدعى عليه . بل قد يكون التعويض تعويضاً عنيناً فيجوز للقاضى أن يحكم بهدم حائط أقامها المالك تعسفاً لحجب النور والهواء عن جاره ، ويجوز له أيضاً فى حالة ما إذا هدم صاحب السفل سفله دون حق وامتنع من أن يعيد بناءه أن يأمر ببيع السفل لمن يتعهد $ 847 $ ببنائه ( م 860 فقرة 1 مدنى ) ( [1565] ) .

472 - شروط استحقاق التعويض – النصوص القانونية : وقد نصت المادة 215 من التقنين المدنى على أنه " إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عيناً حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه ، ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبى لا يد له فيه . ويكون الحكم كذلك إذا تأخر المدين فى تنفيذ التزامه ( [1566] ) " .

 $ 848 $

وقد بينا فى الجزء الأول من الوسيط ( [1567] ) أن هذا نص جوهرى فى كل من المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية ، وقد وضع من أجل ذلك فى الباب المعقود لآثار الالتزام ( [1568] ) . ويتضح منه أن شروط التعويض هى نفس أركان المسئولية ، عقدية كانت أو تقصيرية . وهذه الأركان هى : ( 1 ) الخطأ ( 2 ) والضرر وعلاقة السببية ما بين الخطأ أو الضرر .

473 - الخطأ ( إحالة ) : والخطأ إما أن يكون عقدياً أو تقصيرياً . وقد بينا فى الجزء الأول من الوسيط ( [1569] ) ما هو الخطأ العقدى فى الالتزام بتحقيق غاية وفى الالتزام ببذل عناية ، وتكلمنا فى المسئولية العقدية عن الغير وعن الأشياء . وبينا أيضاً ( [1570] ) ما هو الخطأ التقصيرى بركنيه المادى والمعنوى ، وتكلمنا ف المسئولية التقصيرية عن عمل الغير والمسئولية التقصيرية الناشئة عن الأشياء فلا نهود هنا إلى ذلك ، ونقتصر على هذه الإحالة ( [1571] ) .

474 - الضرر ( إحالة ) : كذلك بينا فى الجزء الأول من الوسيط ( [1572] ) ما هو الضرر فى المسئولية العقدية ، وعلى من يقع عبء إثباته ، وكيف يتحقق $ 849 $ كل من الضرر المادى والضرر الأدبى فى هذه المسئولية ، وكيف يجب التعويض عن كل منهما . وبينا الضرر فى المسئولية التقصيرية ( [1573] ) ، وكيف يتحقق بنوعيه من ضرر مادى وضرر أدبى ، وكيف تكفلت المادة 222 من التقنين المدنى ( [1574] ) بالنص على وجوب تعويض الضرر الأدبى سواء كان ذلك فى المسئولية التقصيرية أو فى المسئولية العقدية ( [1575] ) .

475 - علاقة السببية ( إحالة ) : وكذلك فى علاقة السببية فى كل من المسئوليتين العقدية والتقصيرية تكلمنا فى السبب الأجنبى وفى السبب المنتج وفى السبب المباشر ، فنكتفى هنا بالإحالة ( [1576] ) . وعند الكلام فى السبب الأجنبى عرضنا للخطأ المشترك ( [1577] ) ، وكيف يجوز فيه للقاضى أن ينقص مقدار التعويض أو ألا يحكم بتعويض ما ( [1578] ) .

476 - التعديل الاتفاقى لقواعد المسئولية ( إحالة ) : وقد نصت $ 850 $ المادة من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " 1 - لا يجوز الاتفاق على أن يتحمل المدين تبعة الحادث المفاجئ والقوة القاهرة " .

 " 2 - وكذلك يجوز الاتفاق على إعفاء المدين من أية مسئولية ترتب على عدم تنفيذ التزامه التعاقدى إلا ما ينشأ عن غشه أو عن خطئه الجسيم ، ومع ذلك يجوز للمدين أن يشترط عدم مسئوليته عن الغش أو الخطأ الجسيم الذى يقع من أشخاص يستخدمهم فى تنفيذ التزامه " .

 " 3 - ويقع باطلاً كل شرط يقضى بالإعفاء من المسئولية المترتبة على العمل غير المشروع ( [1579] ) " .

وقد سبق أن بينا فى المسئولية العقدية كيف يجوز الاتفاق على تعديل قواعدها ، فيجوز التشديد فيها كما يجوز التخفيف ، بل ويجوز الإعفاء منها فى حدود بينها النص ( [1580] ) . وبينا كذلك فى المسئولية التقصيرية كيف لا يجوز الاتفاق على الإعفاء منها أو التخفيف ، وكيف يجوز الاتفاق على التشديد ، فنكتفى هنا أيضاً بالإحالة ( [1581] ) .

 $ 851 $

الفصل الثانى

التعويض الاتفاقى أو الشرط الجزائى

( La clause penale )

477 - ما هو الشرط الجزائى : يحدث كثيراً أن الدائن والمدين لا يتركان تقدير التعويض إلى القاضى كما هو الأصل ، بل يعمدان إلى الاتفاق مقدماً على تقدير هذا التعويض . فيتفقان على مقدار التعويض الذى يستحقه الدائن إلا لم يقم المدين بالتزامه وهذا هو التعويض عن عدم التنفيذ ، أو على مقدار التعويض الذى يستحقه الدائن إذا تأخر المدين فى تنفيذ التزامه وهذا هو التعويض عن التأخير . هذا الاتفاق مقدماً على التعويض يسمى بالشرط الجزائى .

وسمى بالشرط الجزائى لأنه يوضع عادة كشرط ضمن شروط العقد الأصلى الذى يستحق التعويض على أساسه . ولكن لا شئ يمنع من أن يكون فى اتفاق لا حق لهذا العقد ( [1582] ) ( م 223 مدنى ) ، بل لا شئ يمنع من أن يكون اتفاقاً على تقدير التعويض المستحق من مصدر غر العقد كالعمل غير المشروع ( [1583] ) وإن كان هذا يقع نادراً ( [1584] ) .

 $ 852 $

والأمثلة على الشرط الجزائى كثيرة متنوعة . فشروط المقاولة ( cahriet des charge ) قد تتضمن شرطاً جزائياً يلزم المقاول بدفع مبلغ معين عن كل يوم أو عن كل أسبوع أو عن كل مجلة أخرى من الزمن يتأخر فيها المقاول عن تسليم العمل المعهود إليه إنجازه . ولائحة المصنع ( reglement d'atelier ) قد تتضمن شروطاً جزائية تقضى بخصم مبالغ معينة من أجرة العامل جزاء له على الإخلال بالتزاماته المختلفة . وتعريفة مصلحة السكك الحديدية أو مصلحة 3 البريد قد تتضمن تحديد مبلغ معين هو الذى تدفعه المصلحة للمتعاقد معها فى حالة فقد " طرد " أو فقد رسالة . واشتراط حلول جميع أقسام الدين إذا تأخر المدين فى دفع قسط منها هو أيضاً شرط جزائى ولكن من نوع مختلف ، إذ هو هنا ليس مقداراً معيناً من النقود قد ربه التعويض ، بل هو تعجيل أقساطه مؤجلة ، ومثل ذلك ما قضت به محكمة استئناف مصر من أنه إذا اتفق المؤجر والمستأجر على أن يسلم المستأجر عند انتهاء إجارته الأطيان المؤجرة إليه خالية من الزراعة ، وشرط فى العقد تعويض المؤجر عن الإخلال بهذا الاتفاق بأن الزراعية التى عسى أن تكون قائمة عند انتهاء الإيجار تكون ملكاً للمؤجر ، كان الاتفاق الأصلى صحيحاً وكان الشرط الجزائى صحيحاً معه ( [1585] ) .

 $ 853 $

وبعد أن عرفنا بالشرط الجزائى على هذا النحو ، نتكلم فى : ( 1 ) شروط استحقاقه وتكييفه القانونى ( 2 ) ما يترتب عليه من الأثر .

الفرع الأول

شروط استحقاق الشرط الجزئى وتكييفه القانونى

478 - النصوص القانونية : تنص المادة 223 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدماً قيمة التعويض بالنص عليها فى العقد أو فى اتفاق لاحق ، ويراعى فى هذه الحالة أحكام المواد من 215 إلى 220 ( [1586] ) " .

ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق المادة 98 / 152 ، وهى بالرغم مما اشتملت عليه من عيوب ملحوظة فى الصياغة لا تختلف فى الحكم عن نص $ 854 $ التقنين المدنى الجديد ( [1587] ) .

ويقابل النص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المادة 224 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 170 فقرة أولى ، وفى تقنين المدنى الليبى المادة 226 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المادة 226 فقرة أولى ( [1588] ) .

479 - المميز للشرط الجزائى : ويتبين من النص السالف الذكر أن الشرط الجزائى ليس هو السبب فى استحقاق التعويض ، فلا يتولد عنه التزام أصلى بالتعويض ، ولكن يتولد عنه التزام تبعى بتقدير التعويض بمبلغ معين وشروط استحقاق هذا الالتزام هى نفس شروط الالتزام الأصلى ، وتكييفه القانونى هو أنه التزام تابع لا التزام أصيل ( [1589] ) .

 $ 855 $ " المبحث الأول

شروط استحقاق الشرط الجزائي

480 - سبب استحقاق التعويض : قدمنا أن الشرط الجزائي ليس هو السبب في استحقاق التعويض ، وإنما نشأ التعويض من مصدر آخر ، يغلب أن يكون عقداً كما مر القول . وعدم قيام المدين بتنفيذ التزامه الناشيء من هذا العقد هو السبب في استحقاق التعويض عن عدم التنفيذ ، وكذلك تأخر المدين في تنفيذ التزامه العقدي هو السبب في استحقاق التعويض عن التأخير( [1590] ) . والشرط الجزائي إنما هو تقدير المتعاقدين مقدماً لكل من التعويضين .

481 - شروط استحقاق الشرط الجزائي : فشروط استحقاق الشرط الجزائي هى نفس شروط استحقاق التعويض . وقد قدمنا أن شروط استحقاق التعويض هى وجود خطأ من المدين ، وضرر يصيب الدائن ، وعلاقة سببية ما بين الخطأ والضرر ، وإعذار المدين . فهذه هي أيضا شروط استحقاق الشرط الجزائي ، وقد أشارت إلي ذلك المادة 223 حيث أحالت علي المواد 215 - 220 وهذه المواد بعضها م 215 - 217 يتناول الشروط الثلاثة الأولي ويدخل في ذلك التعديل الاتفاقي لقواعد المسئولية ، وبعضها م 218 - 220 يتناول شرط الإعذار( [1591] ) .

 $ 856 $ 482 - شرط الخطأ : فلا يستحق الشرط الجزائي إذن إلا إذا كان هناك خطأ من المدين( [1592] ) . والغالب أن يكون هذا الخطأ خطأ عقديا كما أسلفنا القول . فإذا لم يكن هناك خطأ من المدين ( [1593] ) . فلا مسئولية في جانبه ، ولا يكون التعويض مستحقا . ومن ثم لا محل لأعمال الشرط الجزائي ، فما هو إلا تقدير لتعويض قد استحق ، ولم يستحق التعويض كما قدمنا .

483 - شرط الضرر : ولا يستحق الشرط الجزائي كذلك إذا لم يكن هناك ضرر أصاب الدائن . ذلك أن الضرر من أركان استحقاق التعويض ، فإذا لم يوجد ضرر لم يكن التعويض مستحقا ، ولا محل لإعمال الشرط الجزائي في هذه الحالة ( [1594] ) .

ومع وضوح هذا الحكم فإنه غير مسلم في القانون الفرنسي ، وكان محلا للتردد في عهد التقنين المدني السابق .

أما في القانون الفرنسي ، فقد نصت المادة 1152 من التقنين المدني الفرنسي علي أنه " إذا ذكر في الاتفاق أن الطرف الذي يقصر في تنفيذه يدفع مبلغا معينا من النقود علي سبيل التعويض ، فلا يجوز أن يعطي لتعويض الطرف الآخر مبلغ أكثر أو أقل ( [1595] ) . فذهب القضاء الفرنسي إلي أن الشرط الجزائي يستحق حتي $ 857 $ لو يثبت الدائن أن هناك ضررا أصابه ، فإن افتاق الطرفين علي شرط جزائي ، وتقديرهما مقدما للتعويض المستحق ، معناه أنهما مسلمان بأن إخلال المدين بالتزامه يحدث ضررا اتفاق علي المقدار اللازم لتعويضه ( [1596] ) .

أما في مصر في عقد التقنين المدني السابق ، فقد كانت المادة 123 / 181 من هذا التقنين تجري علي الوجه الآتي : " إذا كان مقدار التضمين في حالة عدم الوفاء مصرحا به في العقد أو في القانون ، فلا يجوز الحكم بأقل منه ولا بأكثر " . ومع أنه كان واضحا أن هذا النص مأخوذ من المادة 1152 من التقنين المدني الفرنسي سالفة الذكر ، فإن القضاء المصري ظل متردداً ، تقضي بعض أحكامه بعدم اشتراط إثبات الدائن لوقوع ضرر أصابه علي غرار القضاء الفرنسي ، وتقضي أحكام أخري بوجوب إثبات وقوع الضرر لاستحقاق الشرط الجزائي تطبيقا للقواعد العامة في المسئولية . ثم انحسم الخلاف ، واستقر القضاء المصري علي الرأي الثاني وهو المتفق مع القواعد العامة ، وقضت الدوائر المجتمعة لمحكمة الاستئناف في كل من القضائين الوطني والمختلط بأنه يشترط لاستحقاق الشرط الجزائي أن يكون هناك ضرر أصاب الدائن ( [1597] ) .

وجاء التقنين المدني الجديد فنص صراحة علي وجوب وقوع الضرر لاستحقاق الشرط الجزائي ، فتمشي بذلك مع القواعد العامة ، وقنن القضاء المصري الوطني والمختلط علي الوجه الذي قدمناه . وهذا هو ما جرت به الفقرة الولي من المادة 224 من هذا التقنين : " لا يكون التعويض الإتفاقي مستحقا إذا أثبت المدين أن الداين لم يلحقه أي ضرر " . ويلاحظ من هذا النص أن الشرط الجزائي ، بالنسبة إلي وقوع الضرر ، لا يخلو من فائدة . فوجود هذا الشرط يجعل الضرر $ 858 $ واقعا في تقدير المتعاقدين ، ولذلك يفترض وقوع الضرر ، ولا يكلف الدائن إثباته . وعلي المدين ، إذا ادعي أن الدائن لم يلحقه أي ضرر ، أن يثبت ذلك . فعبء إثبات الضرر إذن - خلافا للقواعد العامة - ينتقل من الدائن إلي المدين بفضل وجود الشرط الجزائي ( [1598] ) .

 $ 859 $ 484 - شرط علاقة السببية : ولا يستحق الشرط الجزائي إلا إذا قامت علاقة السببية بين الخطأ والضرر . أما إذا انتفت هذه العلاقة بثبوت السبب الأجنبي ، أو انتفت بأن كان الضرر غير مباشر أو كان في المسئولية العقدية مباشراً ولكنه غير متوقع ، فعند ذلك لا تتحقق المسئولية ، ولا يستحق التعويض ، فلا محل إذا لإعمال الشرط الجزائي ( [1599] ) .

485 - شرط الإعذار : والإعذار شرط لاستحقاق الشرط الجزائي ، في جميع الأحوال التي يجب فيها إعذار المدين . أما في الأحوال التي لا ضرورة فيها للإعذار ، فإنه لا يشترط( [1600] ) .وقد تقدم ذكر كل ذلك تفصيلا . وما دان التعويض لا يستحق إلا بالإعذار في الأحوال التي يجب فيها ، فإنه إذا لم يقم الدائن بإعذار المدين في هذه الأحوال لم يكن التعويض مستحقا ، ولا يكون ثمة هناك محل لإعمال الشرط الجزائي( [1601] ) .وقد أشارت المادة 223 مدني في استحقاق الشرط $ 860 $ الجزائي إلي وجوب تطبيق النصوص المتعلقة بالإعذار( م 218 - 220 مدني ) ( [1602] ) . وقدمنا أن مجرد وجود شرط جزائي لا يعفي من الإعذار ، ولا يعتبر وجود هذا الشرط اتفاقا صريحا أو ضمنيا علي إعفاء الدائن من إعذار المدين ( [1603] ) .

المبحث الثاني

التكييف القانوني للشرط الجزائي

486 - الالتزام بالشرط الجزائي تابع للالتزام الأصلي : قدمنا أن الالتزام بالشرط الجزائي هو التزام تابع لا التزام أصيل . أما الالتزام الأصيل الذي يتبعه الالتزام بالشرط الجزائي فهو ما التزم به المدين أصلا بالعقد أو بغيره من مصادر الالتزام ، فقد يلتزم بنقل ملكية أو بعمل أو بالامتناع عن عمل ، ثم يتفق مع الدائن علي مبلغ معين يقدران به التعويض فيما إذا أخل المدين بالتزامه .

  ويترتب علي أن الالتزام بالشرط الجزائي التزام تابع أمران : ( أولا ) أن العبرة هي بالالتزام الأصلي لا بالشرط الجزائي . ( ثانياً ) بطلان الالتزام الأصلي يستتبع بطلان الشرط الجزائي ، أما بطلان الشرط الجزائي فلا يستتبع بطلان الالتزام الأصلي .

  487 - العبرة بالالتزام الأصيل لا بالشرط الجزائي : لا يستطيع الدائن أن يطالب المدين إلا بالالتزام الأصلي ما دام تنفيذه ممكنا . كذلك $ 861 $ لا يجوز للمدين أن يعرض علي الدائن إلا الالتزام الأصلي ( [1604] ) . وإنما يستطيع الدائن أن يطالب بالشرط الجزائي ، ويستطيع المدين أن يعرضه علي الدائن ، إذا أصبح تنفيذ الالتزام الأصلي مستحيلا بخطأ المدين . أما إذا أصبح تنفيذ الالتزام الأصلي مستحيلا بسبب أجنبي ، قد انقضي هذا الالتزام ، ولا يجوز عندئذ للدائن المطالبة بالشرط الجزائي ، لأن الشرط الجزائي ليس إلا تقديراً لتعويض مستحق ، وهنا لا يستحق الدائن تعويضا ما .

  وينبني علي ما تقدم أن الشرط الجزائي - كالتعويض - لا يعتبر التزاما تخييريا ولا التزاما بدليا . فهو ليس بالتزام تخييري ، لأن الدائن لا يستطيع أن يختار بين الالتزام الأصلي والشرط الجزائي فيطلب تنفيذ أيهما ، بل هو لا يستطيع أن يطلب إلا تنفيذ الالتزام الأصلي ما دام هذا ممكنا ( [1605] ) . ولأن المدين هو أيضا لا يملك هذا الخيار ، بل هو لا يستطيع إلا أن يعرض تنفيذ الالتزام الأصلي ما أمكنه ذلك . والشرط الجزائي ليس بالتزام بدلي ، لأن المدين لا يملك أن يعدل عن تنفيذ الالتزام الأصلي إذا كان ممكنا إلي تنفيذ الشرط الجزائي كبديل عن الالتزام الأصلي ( [1606] ) .

 $ 862 $ وإنما الالتزام بالشرط الجزائي هو التزام تابع للالتزام الأصلي ، يبقي ببقائه وينقضي بانقضائه ، فإذا ما أصبح تنفيذ الالتزام الأصلي مستحيلا بخطأ المدين ، تغير محل الالتزام الأصلي وأصبح تعويضا تكفل الشرط الجزائي بتقديره .

488 - بطلان الالتزام الأصلي يستتبع بطلان الشرط الجزائي ولا عكسي : وإذا كان الالتزام الأصلي باطلا ، كان الشرط الجزائي وهو التزام تابع باطلا كذلك فإذا عقد الالتزام الأصلي غير ذي أهلية أو غير ذي صفة ، أو تعهد شخص بارتكاب جريمة وإلا دفع مبلغا معينا كشرط جزائي ، كان كل من الالتزام الأصلي والشرط الجزائي باطلا ( [1607] ) .

ولكن إذا كان الشرط الجزائي باطلا ، فلا يستتبع ذلك أن يكون الالتزام الأصلي باطلا ، لأن الشرط الجزائي التزام تابع ، فلا يتعلق به مصير الالتزام الأصلي . مثل ذلك أن يشترط الدائن المرتهن ، كشرط جزائي إذا لم يستوف $ 863 $ المدين عند حلوله ، أن يبيع العين المرهونة دون إتباع الإجراءات الواجبة قانونا أو أن يمتلك العين ، ففي هذه الحالة يكون الشرط الجزائي باطلا دون أن يبطل الالتزام الأصلي ( [1608] ) .

ويترتب علي تبعية الشرط الجزائي أيضا أن الدائن إذا اختارـ ، عند إخلال المدين بالتزامه الأصلي ، فسخ العقد بدلا من المطالبة بتنفيذ الشرط الجزائي ، سقط الالتزام الأصلي بمجرد فسخ العقد ، وسقط معه الشرط الجزائي لأنه تابع له ، $ 864 $ ويطالب الدائن في هذه الحالة بالتعويضات التي يقدرها القاضي وفقا للقواعد العامة التي تقدم ذكرها ، ولا يطالب بالتعويض المقدر في الشرط الجزائي ( [1609] ) .

489 - تمييز الشرط الجزائي عما يشتبه من أوضاع : ويتبين من تكييف الشرط الجزائي علي النحو الذي قدمناه أن هذا الشرط قد يشتبه بأوضاع قانونية أخري ، وبخاصة يشتبه بالعربون وبالتهديد المالي ، فيجب تمييزه عنا يشتبه به .

490 - تمييز الشرط الجزائي عن العربون : إذا كانت دلالة العربون هي جواز العدول عن العقد ، فإنه يجوز لكل من المتعاقدين أن يرجع في العقد بعد إبرامه لقاء دفع مبلغ العربون ، فيشتبه العربون بالشرط الجزائي ، وقد يحمل علي أنه شرط جزائي لتقدير التعويض في حالة العدول عن العقد ( [1610] ) .

ولكن الفرق كبير بين العربون والشرط الجزائي ، ويظهر هذا الفرق من الوجوه الآتيه :

(1)     العربون هو المقابل لحق العدول عن العقد ، فمن أراد من المتعاقدين أن يعدل عن العقد كان له ذلك في مقابل دفع العربون ، أما الشرط الجزائي فتقدير لتعويض عن ضرر قد وقع . ويترتب علي ذلك أن الالتزام بدفع العربون قائم حتي لو لم يترتب علي العدول عن العقد أي ضرر ، أما الشرط الجزائي فلا يستحق إلا إذا وقع ضرر للدائن كما قدمنا ( [1611] ) .

(2)      $ 865 $ العربون لا يجوز تخفيضه ، سواء كان الضرر الذي أصاب المتعاقد الآخر من جراء العدول عن العقد مناسبا للعربون أو غير مناسب ، بل أنه يجب دفع مبلغ العربون كما هو حتي لو لم يلحق هذا الطرف الآخر أي ضرر من العدول عن العقد كما قدمنا . أما الشرط الجزائي فيجوز تخفيضه حتي يتناسب مع الضرر ، وسيأتي القول في ذلك .

(3)     يمكن تكييف العربون بأنه البدل في التزام بدلي . ففى البيع مع العربون مثلا ، يلتزم المشتري التزاما أصليا بدفع الثمن في مقابل أخذ المبيع ، وله إذا شاء أن يعدل عن هذا المحل الأصلي - دفع الثمن في مقابل أخذ المبيع - إلي محل بدلي هو دفع مبلغ العربون في غير مقابل . أما الشرط الجزائي فتكييفه القانوني هو تكييف التعويض كما قدمنا : لا هو بالتزام تخييري ولا هو بالتزام بدلي . ومن ثم لا يكون المدين حراً - بخلاف المشتري في المثل المتقدم - في العدول عن تنفيذ التزامه الأصلي إذا كان هذا التنفيذ ممكنا إلي تنفيذ الشرط الجزائي ، بل يتعين عليه أن يقوم بتنفيذ التزامه الأصلي إذا طلب إليه الدائن ذلك( [1612] ) .

وينبغي – كما تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي - " الرجوع إلي نية المتعاقدين لمعرفة ما إذا كانا قد أرادا بالعربون تحديد قيمة جزافية لا يجوز الانتقاص منها ، أو تقدير تعويض اتفاقي يجوز انتقاصه ، لا سيما إذا كان الجزاء المشروط فادحا ( [1613] ) " .

491 - تمييز الشرط الجزائي عن التهديد المالي : ونستطيع مما قدمناه عن كل من التهديد المالي والشرط الجزائي أن نميز بينهما من الوجوه الآتية :

 $ 866 $ ( 1 ) فالتهديد المالي يحكم به القاضي ، أما الشرط الجزائي فيتفق عليه الدائن والمدين .

( 2 ) والتهديد المالي تحكمي لا يقاس بمقياس الضرر ، وإنما يقصد به التغلب علي عناد المدين ، فينظر إلي موارده المالية وقدرته علي مقاومة الضغط . أما الشرط الجزائي فالأصل فيه أن يقاس بمقياس الضرر .

( 3 ) والتهديد المالي حكم وقتي تهديدي ، فهو لا يقبل التنفيذ إلا إذا حول من غرامة تهديدية إلي تعويض نهائي كما سبق القول . أما الشرط الجزائي فليس بوقتي ولا تهديدي ، وإنما هو اتفاق نهائي قابل للتنفيذ علي حاله . وإذا جاز تخفيض الشرط الجزائي للمبالغة في التقدير كما سنري ، فالأصل فيه عدم التخفيض . أما التهديد المالي فالأصل فيه التخفيض ، لأنه يكون عادة أزيد بكثير من الضرر الحقيقي ، فيغلب تخفيضه عند تحويله إلي تعويض نهائي .

( 4 ) وليس التهديد المالي إلا وسيلة غير مباشرة للتنفيذ العيني ، أما الشرط الجزائي فعلي العكس من ذلك يتصل بالتعويض لا بالتنفيذ العيني .

( 5 ) والتهديد المالي يقدر عن كل وحدة من الزمن أو عن كل مرة يخل فيها المدين بالتزامه . أما الشرط الجزائي فلا يقدر علي هذا النحو إلا إذا كان تعويضا عن تأخر المدين في تنفيذ التزامه ، فإذا كان تعويضا عن عدم التنفيذ فإنه يقدر عادة مبلغا مقطوعا ( Forfaitaire ) .

علي أن الشبهة تزيد إذا كان الشرط الجزائي يقدر التعويض عن التأخر في التنفيذ . فقد يدق التمييز بينه وبين التهديد المالي إذا ما حكم القاضي علي مقاول تأخر في تسليم العمل بغرامة تهديديه عن كل يوم يتأخر فيه ، أو اتفق المتعاقدان مقدماً علي أن يدفع المقاول مبلغا كبيرا – يقرب من الغرامة التهديدية - عن كل يوم يتأخر فيه المقاول عن تسليم العمل . ففي الحالتين يبدو أن المبلغ المقدر إنما وضع للتهديد أكثر مما وضع للتعويض عن ضرر . وفي الحالتين يخفض القاضي هذا المبلغ المقدر : في الغرامة التهديدية عندما يحولها إلي تعويض نهائي ، وفي الشرط الجزائي عندما يري أن تقدير الطرفين كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة كما سنري . ولكن الذي يميز بين الوضعين في مثل هذه الأحوال أن الغرامة التهديدية $ 867 $ حكم يصدر من القاضي ، أما الشرط الجزائي فاتفاق يتم مقدما بين الطرفين ( [1614] ) .

الفرع الثاني

ما يترتب علي الشرط الجزائي من الأثر

492 - النصوص القانونية : تنص المادة 224 من التقنين المدني علي ما يأتي :

 " 1 - لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقا إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر " .

 $ 868 $ " 2 - ويجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة ، أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه " .

 " 3 - ويقع باطلا كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين السابقتين " .

وتنص المادة 225 علي ما يأتي :

 " إذا جاوز الضرر قيمة التعويض الإتفاقي ، فلا يجوز للدائن أن يطالب بأكثر من هذه القيمة إلا إذا ثبت أن المدين قد ارتكب غشا أو خطأ جسيما " ( [1615] ) .

وتقابل هذه النصوص في التقنين المدني السابق المادة 123 / 181 ( [1616] ) .

 $ 869 $ وتقابل في التقنينات المدنية العربية الأخري ، في التقنين المدني السوري المادتين 225 - 226 ، وفي التقنين المدني العراقي المادة 170 الفقرتين الثانية والثالثة ، وفي التقنين المدني الليبي المادتين 227 - 228 ، وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني المادتين 226( فقرة 2 و 3 ) و 267 ( [1617] ) .

 $ 870 $ ونري من نصوص التقنين المدني المصري سالفة الذكر أنه متر وجد الشرط الجزائي علي النحو الذي بسطناه ، وأصبح مستحقا ، لم يبق إلا القضاء به علي المدين ، فإنه تعويض مقدر ارتضاه مقدما ، فالحكم عليه به حكم بما ارتضاه علي نفسه . ولكن الشرط الجزائي لا يستحق إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر ، وقد مر القول في ذلك . يبقي بعد هذا أن الشرط الجزائي - كما تقول المادتان 224 - 225 من التقنين المدني - قابل للتخفيض وقابل للزيادة . فنبحث متي يجوز تخفيضه ، ومتي تجوز زيادته .

المبحث الأول

متي يجوز تخفيض الشرط الجزائي

493 - حالتان : يتبين من نص الفقرة الثانية للمادة 224 أنه يجوز للقاضي أن يخفض الشرط الجزائي في حالتين : ( أولاهما ) إذا نفذ المدين الالتزام الأصلي في جزء منه . ( والثانية ) إذا أثبت المدين أن تقدير التعويض في الشرط الجزائي كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة .

494 - تنفيذ الالتزام الأصلي في جزء منه : يوضع الشرط الجزائي عادة لحالة عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه أصلا ، فإذا كان المدين قد قام بتنفيذ جزء من التزامه ، فإن القاضي يكون قد احترم إرادة المتعاقدين إذا خفض الشرط الجزائي بنسبة ما نفذ المدين من التزامه ( [1618] ) . ويعتبر الأساس هو المبلغ $ 871 $ المقدر في الشرط الجزائي ، فيخفض هذا المبلغ إلي النسبة التي تتفق مع الجزء الباقي دون تنفيذ من الالتزام الأصلي ( [1619] ) . ويقع عبء إثبات التنفيذ الجزئي علي المدين .

وقد يتفق الطرفان علي استحقاق الشرط الجزائي إذا لم ينفذ المدين الالتزام الأصلي تنفيذا سليما ، سواء كان ذلك بأن لم ينفذه أصلا أو نفذه تنفيذا معيباً . وفي هذه الحالة يستحق الشرط الجزائي كله إذا كان هناك عيب في التنفيذ ، نزولا علي اتفاق الطرفين ( [1620] ) . ولكن إذا كان هذا العيب غير جسيم يكون الشرط الجزائي ، كتعويض عنه ، مبالغا فيه إلي درجة كبيرة ، جاز للقاضي تخفيض الشرط الجزائي إلي الحد المناسب كما سنري ( [1621] ) .

495 - تقدير التعويض في الشرط الجزائي مبالغ فيه إلي درجة كبيرة " وهنا نفرض أن المدين لم يقم بتنفيذ التزامه أصلا ، أو تأخر في التنفيذ مدة استحق من أجلها التعويض المقدر في الشرط الجزائي ، فلا يوجد إذن سبب خارجى لتخفيض الشرط الجزائي كما كان الأمر في حالة التنفيذ التي سبق ذكرها . فهل يجوز مع ذلك الخروج علي الاتفاق وتخفيض الشرط الجزائي؟ .

رأينا أن التقنين المدني الفرنسي ( م 1152 ) يقضي بأنه " إذا ذكر في الاتفاق أن الطرف الذي يقصر في تنفيذه يدفع مبلغا معينا من النقود علي سبيل التعويض ، $ 872 $ فلا يجوز أن يعطي لتعويض الطرف الآخر مبلغ أكثر أو أقل " . وقد طبق القضاء الفرنسي هذا النص تطبيقا دقيقا ، فهو لا يجيز تخفيض الشرط الجزائي أيا كان تقدير التعويض ولو ثبت أنه مبالغ فيه إلي درجة كبيرة . ويبر القضاء الفرنسي هذا الموقف بأن الفائدة المتوخاة من الشرط الجزائي إنما هي قطع السبيل علي المدين في المحاجة والجدل في مقدار التعويض المستحق ، فقد اتفق مقدما مع الدائن علي تقديره ، فلا محل لإعادة النظر فيما تم الاتفاق عليه . وقد قدمنا أن القضاء الفرنسي يذهب إلي أبعد من ذلك ، فلا يشترط في استحقاق الشرط الجزائي إثبات ضرر يلحق الدائن ، فوجود الشرط الجزائي يفترض أن هذا الضرر قد وقع فعلا ، ولا يجوز إثبات عكس ذلك ( [1622] ) . وغني عن البيان أن الالتزام الأصلي إذا كان مبلغا من النقود ، وكان الشرط الجزائي خاصا بالتعويض عن تأخر المدين في الوفاء بهذا الالتزام ، واتفق المتعاقدان علي فوائد أكثر من الحد الأقصي يسمح به القانون ، فأنه يجب في هذه الحالة تخفيض الشرط الجزائي وإنزال الفوائد إلي الحد المسموح به ( [1623] ) .

وفي عهد التقنين المدني المصري السابق كان القضاء المختلط يذهب هو أيضا ، كالقضاء الفرنسي ، إلي عدم جواز تخفيض الشرط الجزائي ولو بدا أن التقدير المتفق عليه في هذا الشرط مبالغ فيه إلي درجة كبيرة ( [1624] ) ، وقد كان نص التقنين السابق صريحا في هذا المعني كنص التقنين الفرنسي ، فقد رأينا أن المادة 123 / 181 $ 873 $ كانت تقضي بأنه " إذا كان مقدار التضمين فى حالة عدم الوفاء مصرحا به فى العقد أو فى القانون ، فلا يجوز الحكم بأقل منه ولا بأكثر " . وقد استقر القضاء المختلط على هذا الرأى منذ قضت به محكمة الاستئناف المختلطة فى دوائرها المجتمعة ( [1625] ) . أما القضاء الوطني فإنه ، بعد تردد وتضارب في الأحكام ، استقر علي جواز تخفيض الشرط الجزائي إذا اتضح أن تقدير التعويض في هذا الشرط كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة ، وذلك بالرغم من صراحة نص المادة 123 من التقنين المدني الوطني ( [1626] ) .

 $ 874 $ وقد جاء التقنين المدني الجديد مقننا للقضاء الوطني في هذه المسألة ، فعدل من نص المادة 123 / 181 من التقنين المدني السابق بأن نص في الفقرة الثانية من المادة 224 ، كما رأينا ، علي أنه " يجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة " ( [1627] ) . والتقنين المدني الجديد ، في هذا الحكم الذي أورده من جواز تخفيض الشرط الجزائي إذا كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة ، لا يقنن القضاء الوطني فحسب ، بل هو أيضا يجاري نزعات التقنينات الحديثة ، فإن التقنين المدني الألماني ( م 340 و 343 ) وتقنين الالتزامات السويسري ( م 161 و 163 ) والتقنين المدني الإيطالي الحديث ( م 1384 ) تجيز كلها تعديل الشرط الجزائي نقصاً أو زيادة ، وقد بررت محكمة الاستئناف الوطنية في دوائرها المجتمعة هذا الحكم بأن الشرط الجزائي ، إذا كان مبالغا فيه ، يكون الطرفان علي علم بهذه المبالغة ، بل يكونان قد قصداً إليها وجعلا الشرط الجزائي شرطا تهديدياً لحمل المدين علي عدم الإخلال بالتزامه . ومؤدي ذلك أن الشرط الجزائي المبالغ فيه ينطوي في الواقع من الأمر علي عقوبة فرضها الدائن $ 875 $ من المدين ، فيكون باطلا ، ويعمد القاضي عند ذلك إلي تقدير التعويض وفقا للقواعد العامة في تقدير التعويض بواسطة القاضي ( [1628] ) . ويمكن أن يضاف إلي هذا التبرير أن الشرط الجزائي لا يعرض إلا لتقدير التعويض المستحق ، فهو ليس سببا في استحقاق التعويض ، بل يقتصر علي مجرد تقديره مقدما وفقا لما قام أمام الطرفين وقت الاتفاق من اعتبارات وظروف . فإذا اتضح بعد ذلك أن المتضرر الذي وقع لم يكن بالمقدار الذي ظنه الطرفان قبل وقوعه ، وأن تقديرهما للتعويض عن هذا الضرر كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة ، فإن الأمر لا يخلو عندئذ من غلط في التقدير وقع فيه المتعاقدان أو ضغط وقع علي المدين فقبل شرطا يعلم مقدما أنه مجحف به ( [1629] ) ، وفي الحالتين يكون الواجب تخفيض الشرط الجزائي إلي الحد الذي يتناسب مع الضرر .

علي أنه يلاحظ أن الشرط الجزائي ، بالرغم من عدم الحكم به عند انعدام وقوع الضرر أو تخفيضه إذا كان غير متناسب مع الضرر الذي وقع ، لا تزال فائدته محققة للدائن من وجوه ثلاثة .

( أولا ) إن وجود الشرط الجزائي يجعل ، كما قدمنا ، وقوع الضرر مفروضا لا يكلف الدائن بإثباته . فإذا ادعي المدين أن الدائن لم يلحقه ضرر ، فعليه هو لا علي الدائن عبء الإثبات .

( ثانياً ) إن وجود الشرط الجزائي يجعل من المفروض أن تقدير التعويض الوارد في هذا الشرط هو تقدير صحيح للضرر الذي وقع . فإذا ادعي المدين أنه تقدير مبالغ فيه إلي درجة كبيرة ، فعليه هو لا علي الدائن عبء الإثبات ( [1630] ) .

 $ 876 $ ( ثالثاً ) ولا يكفي أن يثبت المدين أن التقدير الوارد في الشرط الجزائي يزيد علي مقدار الضرر الذي وقع فعلا . فما لم يثبت أن التقدير مبالغ فيه إلي درجة كبيرة ، فإن القاضي لا يخفض الشرط الجزائي حتي لو زاد التقدير الوارد فيه علي الضرر زيادة غير كبيرة . وحتى إذا أثبت المدين أن التقدير مبالغ فيه إلي درجة كبيرة وخفض القاضي الشرط الجزائي ، فإن التخفيض يكون إلي حد يتناسب مع الضرر ولا يتحتم أن يكون مساويا للضرر ( [1631] ) ، ومن ثم إذا وجد القاضي أمامه شرطا جزائيا سخيا في التقدير ، كان هذا من شأنه أن يجعل سلطة القاضي التقديرية في حساب التعويض تسخو لمصلحة الدائن ، فيبقي غاليا في التعويض بعد تخفيضه سعة ينتفع هذا بها .

496 - هذه الأحكام تعتبر من النظام العام : والأحكام التي قدمناها - وقوع ضرر لاستحقاق الشرط الجزائي وجواز تخفيض هذا الشرط للتنفيذ الجزئي أو للمبالغة في التقدير - تعتبر من النظام العام ، فلا يجوز الاتفاق علي ما يخالفها . وقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 224 من التقنين المدني صراحة علي ذلك غذ تقول : " ويقع بالا كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين السابقتين " .

ومن ثم لا يجوز للطرفين أن يضيفا إلي الشرط الجزائي أنه واجب الدفع علي كل حال ، حتي لو لم يقع ضرر أو قام المدين بتنفيذ الالتزام تنفيذا جزئيا أو تبين أن التقدير مبالغ فيه إلى درجة كبيرة . ولو تم الاتفاق علي ذلك ، كان هذا الاتفاق باطلا لمخالفته للنظام العام ، وجاز للقاضي بالرغم من وجوده ألا يحكم بأي تعويض إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر ، وأن يخفض الشرط الجزائي إذا أثبت المدين أنه قام بتنفيذ الالتزام تنفيذا جزئيا أو أن التقدير كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة . فالقانون هنا يحمي المدين ، ويعتبر أن رضاءه بمثل هذا الاتفاق أقرب إلي الإذعان منه إلي القبول .

 $ 877 $ المبحث الثاني

متي تجوز زيادة الشرط الجزائي

497 - حالتان : رأينا أن المادة 225 تقضي بجواز زيادة الشرط الجزائي إذا جاوز الضرر قيمة التعويض المقدر وأثبت الدائن أن المدين قد ارتكب غشا وخطأ جسيما . كذلك لا يجوز - تطبيقا للقواعد العامة - أن يجعل المدين من الشرط الجزائي تكئة للتحايل علي قواعد التعديل الإتفاقي للمسئولية ، فبعض هذه القواعد يعتبر من النظام العام ولا تجوز مخالفته حتي تحت ستار الشرط الجزائي ( [1632] ) .

ونستعرض كلا من هاتين الحالتين .

498 - زيادة الضرر علي التعويض المقدر وقد ارتكب المدين غشا أو خطأ جسيما : إذا تبين ، علي العكس مما تقدم ، أن التعويض المقدر ليس مبالغا فيه بل هو أقل من الضرر الواقع ، فإن القاضي مع ذلك لا يزيده ليكون مساويا للضرر ، بل يحكم به كما هو . ويكون الشرط الجزائي في هذه الحالة بمثابة تخفيف لمسئولية المدين ، والاتفاق علي التخفيف من المسئولية أو الإعفاء منها جائز ، فقد قضت الفقرة الثانية من المادة 217 بجواز الاتفاق علي إعفاء المدين $ 878 $ من أية مسئولية تترتب علي عدم تنفيذه التزامه التعاقدي إلا من ينشأ عن هذه أو خطئه الجسيم ( [1633] ) .

ومعني ذلك أنه زاد الضرر علي التعويض المقدر ، ولكن الدائن أثبت أن المدين قد ارتكب غشا أو خطأ جسيما ، فإن الشرط الجزائي الذي جاز أن يخفف من مسئولية المدين في حالة الخطأ العادي لا يستطيع أن يخفف من مسئوليته في حالتي الغش والخطأ الجسيم . وينبني علي ذلك أن القاضي يزيد في مقدار التعويض حتي يصبح معادلا للضرر الذي وقع ، ولا يمنعه من ذلك أن التعويض مقدر في الشرط الجزائي ، فإن الدائن في اتفاقه مع المدين علي تقدر التعويض لم يدخل في حسابه غش المدين أو خطأه الجسيم ، ولا ينبغي أن يحسب هذا الحساب( [1634] ) .

علي أن الفقرة الثانية من المادة 217 تضيف إلي ما تقدم أنه يجوز للمدين أن يشترط عدم مسئوليته عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه . وينبني علي ذلك أنه يجوز الاتفاق علي شرط جزائي يقدر $ 879 $ التعويض الذي يستحق من جراء تحقق مسئولية الأشخاص الذين يستخدمهم المدين في تنفيذ التزامه ، ولا يجوز للقاضي زيادة هذا التعويض حتي لو جاوز الضرر تبلغ المقدر ووقع غش أو خطأ جسيم من الأشخاص الذين استخدمهم المدين في تنفيذ التزامه . ذلك ان الشرط الجزائي في هذه الحالة يعتبر اتفاقاً علي تخفيف لمسئولية عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من تابعي المدين ، ومثل هذا الاتفاق جائز كما قدمنا .

499 - الشرط الجزائي تحايل للإعفاء من المسئولية إعفاء يتعارض مع النظام العام : وقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 217 علي أنه " يقع باطلا كل شرط يقضي بالإعفاء من المسئولية المترتبة علي العمل غير المشروع " . ويتبين من ذلك أنه لا يجوز أن يتفق الطرفان علي إعفاء المدين من مسئوليته التقصيرية ويكون هذا الاتفاق باطلا لو تم لتعارضه مع النظام العام .

وكما لا يستطيع الطرفان أن يبرما هذا الاتفاق بطريق مباشر ، كذلك لا يستطيعان إبرامه بطريق غير مباشر ، بأن يتفقا علي شرط جزائي يكون من التفاهة بحيث يكون المقصود به أن يصل المدين إلي اشتراط إعفائه من مسئوليته التقصيرية ( [1635] ) . ففي هذه الحالة يكون الشرط الجزائي باطلا ، وللقاضي أن يحكم بتعويض أزيد بكثير من التقدير التافه الذي ورد في الشرط الجزائي ، متوخيا في ذلك تطبيق القواعد العامة في التقدير القضائي للتعويض ( [1636] ) .

 $ 880 $ الفصل الثالث

التعويض القانوني أو الفوائد

( Les interts )

500 - قد يتكفل القانون بتحديد مقدار التعويض : قدمنا أن الأصل هو أن يقوم القاضي بتقدير التعويض وفقا للقواعد التي بسطناها فيما تقدم وقد يتفق المتعاقدان علي تقدير التعويض مقدما في شرط جزائي علي النحو الذي سبق بيانه .

أما أن المشرع هو الذي يتكفل في نصوص تشريعية بتحديد مقدار التعويض ، فهذا أمر ينبغي عدم الإقدام عليه إلا في حالات نادرة يقوم فيها مبرر قوي لمثل هذا الإجراء ، ويكون في هذا المبرر القوي ما يكافيء الضرر الذي ينجم عن انطوارء نصوص تشريعية جامدة علي مقادير معينة من التعويض ، في حالات متنوعة قد تختلف ظروفها ، وقد يتفاوت الضرر الذي يقع في كل حالة منها ، ومع ذلك يبقي مقدار التعويض عن هذا الضرر المتفاوت جامداً في النص لا يتغير .

ومن هذه الحالات النادرة التعويضات المقدرة التي حددها القانون في شأن إصابات العمل . فقد قضي قانون رقم 89 لسنة 1950( [1637] ) ( وقد حل محل القانون رقم 64 لسنة 1936 ) بأن لكل عامل أصيب بسبب العمل ، وفي أثناء تأديته ، الحق في الحصول من صاحب العمل علي تعويض مقدر في هذا القانون بحسب جسامة الإصابة ، ولا يعفي صاحب العمل من التعويض إلا إذا أثبت أن العامل قد تعمد إصابة نفسه أو أن الإصابة قد حدثت بسبب سلوك فاحش ومقصود $ 881 $ من جانب العامل ( [1638] ) . ومن هذه الحالات أيضاً القانون رقم 117 لسنة 1950 بشأن التعويض عن أمراض المهنة ، وهو يلحق أمراض بإصابات العمل من حيث إلزام صاحب العمل بتعويض مقدر عن هذه الأمراض دون حاجة إلي إثبات خطئه . ومن هذه الحالات كذلك القانون رقم 29 لسنة 1944 بشأن تعويض أفراد طاقم السفن التجارية ضد أخطار الحرب ، ويقضي علي مالك السفينة ومجهزها ومستأجرها متضامنين بتعويض مقدر لمن يصاب بسبب أخطار الحرب من أفراد طاقم السفينة ( الربان وضباط الملاحة والمهندسين البحريين والبحارة وغيرهم ممن يقوم بأي عمل في السفينة ) . ويلاحظ أن المبرر القوي في هذه الحالات هو أن المشرع اختار أن يقيم المسئولية فيها علي فكرة تحمل التبعة ( risqué ) ، والمسئولية علي هذا الوجه أمر خطير لم ير المشرع أن يسير في طريقة إلي النهاية ، وآثر أن يتولي تحديد التعويض بمقادير معينه ضمنها نصوصا تشريعية ، وأغفل فيها أن يكون مقدار التعويض مساويا للضرر ، بل جعلها مقادير مقطوعة تعوض عن بعض الضرر لا عن كله ، وذلك حتي لا يثقل عبء المسئولية كاهل $ 882 $ من يحملها وهو إنما يساءل عن أحداث لا يد له فيها وحمله القانون مع ذلك تبعتها( [1639] ) .

501 - التعويض القانوني عن الالتزام بدفع مبلغ من النقود : وأهم حالة عمد فيها المشروع إلي التدخل وتكفل بتحديد مقدار التعويض في نصوص تشريعية هي حالة الالتزام بدفع مبلغ من النقود ، فإن التعويض الذي يجوز أن يرتبه القانون علي هذا الالتزام - سواء كان تعويضا عن التأخر في دفعه أو كان تعويضا عن الانتفاع برأس المال ( [1640] ) - تحدده النصوص التشريعية في صورة فوائد ( interest ) ، ويتكفل القانون بتحديد مقدار هذه الفوائد . والسبب في ذلك كراهية تقليدية للربا ، لا في مصر فحسب ، ولا في البلاد الإسلامية وحدها ، بل في أكثر تشريعات العالم ، فالربا مكروه في كل البلاد وفي جميع العصور . ومن ثم لجأ المشرع إلي تحديده للتخفف من رزاياه ، وهذا هو المبرر القوي الذي حمل القانون في هذه الحالة علي التدخل ، وتحديد التعويض تحديداً قانونيا في نصوص تشريعية ( [1641] ) .

ونسري فيما يلي كيف كره المشرع المصري الربا ، فحدد لفوائد رؤوس الأموال ، تأخيرية كانت أو تعويضية ، سعراً قانونيا وسعر اتفاقيا ، وكيف تشدد في مبدأ سريان هذه الفوائد فجعله عند عدم الاتفاق لا من وقت الإعذار بل من وقت المطالبة القضائية ، وكيف أجاز استرداد ما يدفع زائدا علي السعر المقرر ، وكيف أعفي المدين في حالات معينة من دفع الفوائد حتي في الحدود التي قررها ، وكيف منع تقاضي فوائد علي متجمد الفوائد ، وكيف وقف بمجموع $ 883 $ الفوائد التي يتقاضاها الدائن عن أن تجاوز رأس المال ( [1642] ) . في هذه وغيرها آيات إلي كراهية المشرع للربا ، وعلي الرغبة في التضييق منه حتي لا يستفحل فيرهق المدين ، وقد يؤذنه بالإفلاس والخراب .

ولعلاج هذا الموضوع نستعرض : ( أولا ) شروط استحقاق الفوائد . ( ثانياً ) مقدار الفوائد كما حددها القانون .

الفرع الأول

شروط استحقاق الفوائد

502 - النصوص القانونية : تنص المادة 226 من التقنين المدني علي ما يأتي :

 " إذا كان محل الالتزام مبلغا من النقود ، وكان معلوم المقدار وقت الطلب ، وتأخر المدين في الوفاء به ، كان ملزما بأن يدفع للدائن ، علي سبيل التعويض عن التأخر ، فوائد قدرها أربعة في المائة في المسائل المدنية وخمسة في المائة في المسائل التجارية . وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها إن لم يحدد الاتفاق أو العرف التجاري تاريخا آخر لسريانها . وهذا كله ما لم ينص القانون علي غيره " .

وتنص المادة 227 علي ما يأتي :

 " 1 - يجوز للمتعاقدين أن يتفقا علي سرع آخر للفوائد ، سوار أكان ذلك في مقابل تأخير الوفاء أم في أية حالة أخري تشترط فيها الفوائد ، علي ألا يزيد هذا السعر علي سبعة في المائة . فإذا اتفقا علي فوائد تزيد علي هذا السعر وجب تخفيضها إلي سبعة في المائة ، وتعين رد ما دفع زائدا علي هذا القدر " .

 $ 884 $ " 2 - وكل عمولة أو منفعة ، أيا كان نوعها ، اشترطها الدائن ، إذا زادت هي والفائدة المتفق عليها علي الحد الأقصي المتقدم ذكره ، تعتبر فائدة مستمرة ، وتكون قابلة للتخفيض ، إذا ما ثبت أن هذه العمولة أو المنفعة لا تقابلها خدمية حقيقية يكون الدائن قد أداها ولا منفعة مشروعة " .

وتنص المادة 228 علي ما يأتي :

 " لا يشترط الاستحقاق فوائد التأخير ، قانونية كانت أو اتفاقية ، أن يثبت الدائن ضرراً لحقه من هذا التأخر " ( [1643] ) .

 $ 885 $ وتقابل هذه النصوص في التقنين المدني السابق ( المعدل بالمرسوم بقانون الصادر في 19 مارس سنة 1938 ) المواد 124 - 125 / 182 - 185 ( [1644] ) .

 $ 886 $ وتقابل في التقنينات المدنية العربية الأخري : في التقنين المدني السوري المواد 227 - 229 ، وفي التقنين المدني العراقي المواد 171 - 173 فقرة أولي و 176 ، وفي التقنين المدني الليبي المواد 229 - 231 ، وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني المادتين 265 فقرة أولي و 767 ( [1645] ) .

ويؤخذ من هذه النصوص أن هناك نوعين من الفوائد : ( 1 ) فوائد تأخيرية للتعويض عن التأخر في الوفاء بمبلغ من النقود . ( 2 ) وفوائد تعويضية للتعويض $ 887 $ عن الانتفاع برؤوس الأموال . ولكل من هذين النوعين من الفوائد شروط استحقاق خاصة به . ثم إن هناك شروطا عامة تحدد المنطقة التي تستحق في دائرتها الفوائد ، سواء كانت تأخيرية أو تعويضية . فنبدأ بهذه الشروط ، ثم نستعرض شروط استحقاق الفوائد التأخيرية ، فشروط استحقاق الفوائد التعويضية .

1-     الشروط التي تحدد منطقة استحقاق الفوائد

503 - تحديد هذه المنطقة : يمكن تحديدها بأنها المنطقة التي تتسع لكل التزام بدفع مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب ، وهذا ما نص عليه التقنين المدني في صدر المادة 226 كما رأينا .

فيجب إذن أن يكون هناك : ( 1 ) التزام بدفع مبلغ من النقود ( 2 ) وهذا المبلغ معلوم المقدار وقت الطلب .

504 - التزام بدفع مبلغ من النقود : أي التزام بدفع مبلغ من النقود يدخل في منطقة استحقاق الفوائد . فالعبرة إذن بمحل الالتزام ، وما دام هذا المحل هو دفع مبلغ من النقود فمن الجائز أن تكون هناك فوائد مستحقة .

ولا عبرة بمصدر الالتزام ، فقد يكون هذا المصدر عقدا ، وهو الغالب . مثل ذلك التزام المقترض برد النقود التي اقترضها ، والتزام المشتري بدفع الثمن ، والتزام المستأجر بدفع الأجرة إذا كانت نقودا ، والتزام الشريك بتقديم حصته في الشركة إذا كانت هذه الحصة مبلغا من النقود . وقد يكون مصدر الالتزام غير العقد ، كالالتزام برد غير المستحق إذا كان ما دفع دون حق نقوداً والالتزام بدفع النفقة إذا قدرت مبلغا من النقود كما هي العادة ( [1646] ) .

 $ 888 $ 505 - معلوم المقدار عند الطلب : والالتزام بدفع مبلغ من النقود إما أن يكون معلوم المقدار وقت نشوئه ، وأما إلا يكون معلوم المقدار إلا وقت المطالبة به . وقد كان المشروع التمهيدي للمادة 226 يشترط أن يكون الالتزام معلوم المقدار وقت نشوء الالتزام ، فكان هذا الشرط يخرج من منطقة استحقاق الفوائد الالتزام بالتعويض إذا كان ناشئاً عن عمل غير مشروع ، واقترح في لجنة مجلس الشيوخ حذف هذا الشرط ، " ولم تر اللجنة الأخذ بهذا الاقتراح لأن المقصود من اشتراط كون الالتزام معلوم المقدار ومنع سريان الفوائد علي المبالغ التي يطالب الدائن بها علي سبيل التعويض عن عمل غير مشروع " . ولكن اللجنة مع ذلك عدلت الشرط ، فأصبح الواجب أن يكون الالتزام " معلوم المقدار وقت الطلب " ( [1647] ) . وهذا التعديل يفقد الشرط أهميته ، فكل التزام بدفع مبلغ من النقود يكون معلوم المقدار وقت أن يطالب به الدائن ولو كان غير خال من النزاع . ذلك أن الدائن يقدر حتما عند المطالبة المبلغ الذي يطالب به ، سواء في ذلك الالتزام برد القرض أو الالتزام بالتعويض عن عمل غير مشروع ، ويخضع تقديره في جميع الأحوال لحكم القاضي . لذلك لم يعد الاشتراط " معلومية المقدار عند الطلب " أهمية عملية ، ما دام كل التزام بدفع مبلغ من النقود يعتبر مستوفيا لهذا الشرط ، وما دام الالتزام بالتعويض عن عمل غير مشروع ، الذي أريد بوضع الشرط إخراجه ، هو أيضا التزام " معلوم المقدار عند الطلب " .

 $ 889 $ ثم إنه لا ضير من إدخال الالتزام بالتعويض عن عمل غير مشروع في منطقة استحقاق الفوائد ، لأن الذي يقع هو " أن القاضي يقدر مبلغا من النقود تعويضا عن الضرر ، ويدخل في تقديره النوعان من الضرر . الضرر الأصلي الناشيء عن خطأ المسئول ، والضرر الناشيء عن التأخير إلي يوم النطق بالحكم ، فيجمع التعويضين في مبلغ واحد . . . ويبقي بعد ذلك التعويض عن التأخير منذ صدور الحكم ، ويحق للمضرور أن يطالب به بدعوي جديدة ، فيقضي له بالسعر القانوني للفوائد من وقت رفع الدعوي الجديدة وفقا للقواعد العامة ( [1648] ) . وقد يطلب المضرور في الدعوي الأصلية الحكم بفوائد من مبلغ التعويض الأصلي ، فيقضي له بالسعر القانوني للفوائد من وقت صدور الحكم في الدعوي الأصلية ، ومن ثم لا يحتاج إلي رفع دعوي جديدة بفوائد التأخير ( [1649] ) .

وجملة القول إنه لا حاجة لقيد " معلومية المقدار وقت الطلب " فهو إما قيد صوري ، وإما قيد غير ضروري . وتصبح منطقة استحقاق الفوائد تتسع لكل التزام بدفع مبلغ من النقود ، أيا كان مصدر هذا الالتزام ( [1650] ) .

 $ 890 $ والفوائد التي تستحق عن الالتزام بدفع مبلغ من النقود هي ، كما قدمنا ، إما فوائد تأخيرية وإما فوائد تعويضية . فتنتقل الآن إلي بيان شروط الاستحقاق في كل نوع من هذين .

 $ 891 $ شروط استحقاق الفوائد التأخيرية

506 - شروط المسئولية عن التأخير في دفع مبلغ من النقود كيف حورت : حتي تتحقق مسئولية المدين بوجه عام ، وفقا للقواعد العامة ، يجب أن يكون هناك خطأ في جانب المدين وضرر يلحق الدائن وعلاقة سببية تقوم بين الخطأ والضرر . يضاف إلي هذه الشروط الثلاثة ، ووفقا للقواعد العامة أيضا ، إعذار المدين . ونستعرض هذه الشروط الأربعة بالنسبة إلي مسئولية المدين عن التأخر في الوفاء بمبلغ من النقود ، وسنراها تتحور عما كانت عليه في الأصل .

أما خطأ المدين في التأخر عن الوفاء بالمبلغ فهو عبارة عن التأخر في ذاته . ذلك أن التزام الوفاء بمبلغ من النقود في ميعاد معين هو التزام بتحقيق غاية ، لأنه التزام بنقل ملكية ( obligation de donner ) فمجرد التأخر في الوفاء بالمبلغ عن الميعاد المعين هو الخطأ ، والخطأ هنا لا شيء غير ذلك . ومن ثم نستبدل بشرط الخطأ شرط التأخر في الوفاء ( [1651] ) .

أما عن الضرر وعلاقة السببية ، فقد رأينا أن المادة 228 مدني تنص علي أنه " لا يشترط لاستحقاق فوائد التأخير ، قانونية كانت أو اتفاقية ، أن يثبت الدائن ضرراً لحقه من هذا التأخير " . فالقانون يفرض فرضا غير قابل لإثبات العكس $ 892 $ أن مجرد تأخر المدين عن الوفاء بالمبلغ من النقود الذي في ذمته يحدث ضرراً للدائن . فلا الدائن في حاجة إلي إثبات هذا الضرر ، ولا المدين يستطيع أن ينفي وقوعه . ويفرض القانون كذلك ، فرضا غير قابل لإثبات العكس ، أن هذا الضرر هو النتيجة المباشرة لخطأ المدين وهو تأخره في الوفاء . فعلاقة السببية ما بين الخطأ والضرر ي أيضا – كالضرر - مفروضة فرضا غير قابل لإثبات العكس( [1652] ) . والسبب في افتراض الضرر وعلاقة السببية معقول . فالدائن الذي لم يستوف المبلغ من النقود الذي له في ذمة مدينة في الميعاد الواجب يكون حتما في أحد موقفين . فأما ان يكون في حاجة إلي هذه النقود ، فهو إذن مضطر أن يقترضها متربصا في سداد القرض وفاء مدينة بالتزامه ، وعندئذ يكون قد أصابته خسارة من جراء تأخر المدين هي الفوائد التي يدفعها عادة لاقتراض المبلغ ، ومن ثم كان له أن يسترد هذه الفوائد من المدين علي سبيل التعويض . وإما أن يكون في غير حاجة إلي النقود ، ولكن النقود يمكن عادة استغلالها ، فلو أن المدين وفي بالتزامه في الميعاد لكان في مكنة الدائن أن يستغل نقوده ، وعندئذ يكون قد فاته ربح من جراء تأخر المدين ، فقد كان يربح الفوائد التي يتقاضاها عادة في استغلال المبلغ ، ومن ثم كان له هناك أيضا أن يسترد هذه الفوائد من المدين علي سبيل التعويض . ويتبين من ذلك أنه لا حاجة إلي استبقاء هذين الشرطين – الضرر وعلاقة السببية - ضمن شروط مسئولية المدين عن التأخر في الوفاء بالمبلغ من النقود ، ما دام القانون يفترض تحققهما افتراضا لا يقبل فيه إثبات العكس .

إما إعذار المدين ، وهو الشرط الرابع ، فيتحور هنا أيضا ، بل يتشدد القانون فيه فيستبدل به ، كقاعدة عامة ، المطالبة القضائية .

ونري من ذلك أن الشروط الأربعة قد تحورت فيما يتعلق بالمسئولية عن التأخر في دفع مبلغ من النقود ، وأصبحت تنحصر في شرطين اثنين لا بد من توافرهما $ 893 $ استحقاق الفوائد التأخيرية : ( 1 ) تأخر المدين في الوفاء بالتزامه ( 2 ) مطالبة الدائن بهذه الفوائد مطالبة قضائية . ونستعرض الآن كلا من هذين الشرطين .

507 - تأخر المدين في الوفاء بالتزامه : يكفي أن يتأخر المدين بالوفاء بالتزامه بدفع مبلغ من النقود عن ميعاد الاستحقاق ، حتي تستحق فوائد التأخيرية بالسعر الذي يقرره القانون . وهذا السعر قد يكون متفقا عليه من قبل ما بين الدائن والمدين ، وله حد أقصي بينه القانون وسيأتي ذكره . ويغلب ان يقع هذا الاتفاق عندما يكون مصدر الالتزام هو العقد ، فيكون الاتفاق علي سعر الفوائد التأخيرية ضمن شروط هذا العقد . ويسمي سعر الفائدة في هذه الحالة بالسعر الاتفاقي ( taux conventionnel dinterets ) ولا مانع من أن يتم الاتفاق علي سعر الفوائد الاتفاقية في غير العقد الذي أنشأ الالتزام بدفع المبلغ من النقود ، بل في خصوص التزام بدفع مبلغ من النقود لا يكون مصدره العقد . فإذا لم يكن هناك سعر للفوائد التأخيرية متفق عليه ما بين الدائن والمدين ، فإن السعر الذي يسري في هذه الحالة هو السعر القانوني ( taux legal dinterets ) ، وهو سعر حدده القانون برقم ثابت سيأتي ذكره . ومن ذكل نري أن فوائد التأخر في الوفاء بمبلغ من النقود إما أن تكون فوائد اتفاقية أو فوائد قانونية ، وهي في الحالتين فوائد تأخيرية ( interest moratoires ) .

وهذه الفوائد التأخيرية إنما هي " علي سبيل التعويض عن التأخر " كما تقول المادة 226 ، فهي تعوض الضرر الذي يفرض القانون وقوعه كنتيجة مباشرة لتأخر المدين عن الوفاء بالتزامه . أما إذا أثبت الدائن أن هناك ضرراً لحق به بسبب خطأ آخر للمدين مستقل عن تأخره ، كان للدائن حق المطالبة بتعويض تكميلي بالشروط التي سنبينها فيما بعد ( م 231 مدني ) .

وقد يحلق الدائن ضرر ، كنتيجة مباشرة لتأخر المدين عن الوفاء بدفع مبلغ من النقد الأجنبي نزل سعره ما بين يوم الاستحقاق ويوم الدفع الفعلي . ويقضي المرسوم بقانون رقم 45 لسنة 1935 بأن " تبطل شروط الدفع ذهبا في العقود التي يكون الالتزام بالوفاء فيها ذا صبغة دولية والتي تكون قد قومت بالجنيهات المصرية أو الالسترلينية أو بنقد أجنبي آخر كان متداولا قانون في مصر ( الفرنك والجنية التركي ) ، ولا يترتب عليها أي أثر " . وكانت محكمة الاستئناف المختلطة $ 894 $ قد قضت بأنه ما دام شرط الذهب المتفق عليه في عقد قرض باطلا ، فإن لا يجوز للدائن أن يطالب علي أساس المسئولية التقصيرية وبدعوي الغش بمبلغ يساوي ما خسره من جراء نزول الجنيه المصري ، فإن ذلك يكون تحايلا منه للحصول بطريق غير مباشر علي ما لم يستطيع الحصول عليه بطريق مباشر بمقتضي شرط الذهب ( [1653] ) . ولكنها قضت في أحكام أخري بأنه إذا اشترط أن يكون الدفع بعمله أجنبية صح الشرط ، ووجب الدفع بهذه العملة ( [1654] ) . فإذا صح شرط الدفع بعملة أجنبية ، وتأخر المدين عن الوفاء بالتزامه مدة من الزمن نزلت في خلالها قيمة هذه العملة الأجنبية ، فإن الضرر الذي أصاب الدائن من هذا النزول لا يعتبر ضرراً راجعا إلي سبب مستقل عن التأخر في الوفاء ، ومن ثم يدخل تعويضه ضمن الفوائد التأخيرية بالسعر القانوني أو بالسعر الإتفاقي ، ولا يستطيع الدائن أن يطالب عنه بتعويض تكميلي إلا إذا أثبت أنه ضرر تسبب فيه المدين بسوء نية ، وذلك وفقا لحكم المادة 231 مدني التي سيأتي ذكرها ( [1655] ) .

علي أن القانون قد ينص في حالات خاصة علي دفع تعويض تكميلي بافضافة إلي الفوائد التأخيرية . مثل ذلك ما نصت عليه المادة 510 مدني من أنه " إذا تعهد الشريك بأن يقدم حصته في الشركة مبلغا من النقود ، ولم يقدم هذا المبلغ . لزمته فوائده من وقت استحقاقه من غير حاجة إلي مطالبة قضائية أو إعذار . وذلك دون إخلال بما قد يستحق من تعويض تكميلي عند الاقتضاء ( [1656] ) " .

 $ 895 $ مطالبة الدائن بالفوائد التأخيرية مطالبة قضائية : والشرط في لاستحقاق الفوائد التأخيرية هو أن يطالب الدائن المدين بهذه الفوائد مطالبة $ 896 $ قضائية ( [1657] ) ( demande citation en justice ) فلا يكفي مجرد إعذار المدين كما كان ذلك يكفي في التعويض عن التأخير في غير الفوائد التأخيرية ( [1658] ) . وهذا ما يقضي به صريح نص المادة 226 غذ تقول : " وتسري هذه الفوائد ( الفوائد التأخيرية ) من تاريخ المطالبة القضائية بها ، إن لم يحدد الاتفاق أو العرف التجاري تاريخا آخر لسريانها . وهذا كله ما لم ينص القانون علي غيره ( [1659] ) " .

 $ 897 $ ولا يكفي أن يطالب الدائن المدين بالدين وحده مطالبة قضائية حتي تسري الفوائد التأخيرية من وقت هذه المطالبة . فالنص صريح في وجوب المطالبة بالفوائد التأخيرية ذاتها بالإضافة إلي الدين ذاته . وقد كانت هذه المسألة مختلفا فيها في عهد التقنين المدني السابق لعدم ورود نص صريح في ذلك ( [1660] ) . ، وقد ورد هذا النص في التقنين المدني الجديد فحسم الخلاف في ذلك ( [1661] ) .

وقد تشدد القانون في تحديد مبدأ سريان الفوائد التأخيرية ، فجعلها من وقت المطالبة القضائية لا من وقت الإعذار ، واشترط أن تتضمنها هذه المطالبة ، وذلك تنكراً منه للربا كما سبق القول .

علي أن هذا الحكم ليس من النظام العام . فيجوز للطرفين أن يتفقا علي $ 898 $ خلافه ، وعلي أن تسري الفوائد التأخيرية من وقت الإعذار مثلا ، أو حتي من حلول أجل الدين دون حاجة إلي مطالبة قضائية أو إلي إعذار ( [1662] ) . وهذا هو ما يقع عادة عندما يتفق الطرفان علي سعر اتفاقي للفوائد التأخيرية ، فإن الدائن يشترط علي المدين أن تسري هذه الفوائد بالسعر الاتفاقي من وقت حلول الدين دون حاجة إلي أي إجراء . ولذلك يكاد يكون شرط المطالبة القضائية بالفوائد التأخيرية مقصوراً علي الفوائد التأخيرية بالسعر القانوني ، حيث لا يوجد اتفاق ما بين الدائن والمدين علي سعر هذه الفوائد ، فيجب لسريانها في الأصل أن يطالب بها الدائن مطالبة قضائية .

كذلك قد يحدد العرف التجاري ميعاداً آخر غير وقت المطالبة القضائية لسريان الفوائد التأخيرية . مثل ذلك الحساب الجاري ، فسنري أن الفوائد تسري فيه من وقت الخصم أو الإضافة ، دون حاجة إلي مطالبة قضائية أو إعذار ( [1663] ) .

وقد ينص القانون في حالات خاصة علي أن الفوائد التأخيرية تسري من وقت آخر غير وقت المطالبة القضائية ، فتسري مثلا من وقت إعذار المدين ، أو من وقت حلول أجل الدين ، أو من وقت القيام بعمل معين . من ذلك ما قضت به الفقرة الأولي من المادة 458 مدني من أنه " لا حق للبائع في الفوائد القانونية عن الثمن إلا إذا أعذر المشتري ، أو إذا سلم الشيء المبيع وكان هذا الشيء قابلا أن يبنتج ثمرات أو إيرادات أخري ، هذا ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغيره " . فهنا تسري الفوائد التأخيرية من وقت إعذار المشتري أو من وقت تسليم المبيع إذا كان ينتج ثمرات أو إيرادات أخري ( [1664] ) . ومن ذلك ما قضت به المادة 510 $ 899 $ مدني من أنه " إذا تعهد الشريك بأن يقدم حصته في الشركة مبلغا من النقود ولم يقدم هذا المبلغ ، لزمته فوائده من وقت استحقاقه ، من غير حاجة إلي مطالبة قضائية أو إعذار ، وذلك دون إخلال بما قد يستحق من تعويض تكميلي عند الاقتضاء " . فهنا أيضا تسري الفوائد التأخيرية من وقت استحقاق الدين . ومن ذلك ما قضت به المادة 522 مدني من أنه " 1 - إذا أخذ الشريط أو احتجز مبلغا من مال الشركة ، لزمته فوائد هذا المبلغ من يوم احتجازه ، بغير حاجة إلي مطالبة قضائية أو إعذار ، وذلك دون إخلال بما قد يستحق للشركة من تعويض تكميلي عند الاقتضاء . 2 - وإذا أمد الشريك الشركة من ماله ،أو أنفق في مصلحتها شيئا من المصروفات النافعة عن حسن نية وتبصر ، وجبت له علي الشركة فوائد هذه المبالغ من يوم دفعها " . فهنا تسري الفوائد التأخيرية لمصلحة الشركة من يوم أخذ الشريك مال الشركة أو احتجازه ، ولمصلحة الشريك من يوم مده الشركة بالمال أو إنفاق المصروفات النافعة . ومن ذلك ما قضت به المادة 706 مدني من أنه " 1 - ليس للوكيل أن يستعمل مال الموكل لصالح نفسه . 2 - وعليه فوائد المبالغ التي استخدمها لصالحه من وقت استخدامها ، وعليه أيضا فوائد ما تبقي في ذمته من حساب الوكالة من وقت أن يعذر " . فهنا تسري الفوائد التأخيرية في إحدي حالتين من الوقت الذي استخدم فيه الوكيل مال الموكل لصالحه ، وفي حالة أخري من وقت الإعذار . ومن ذلك ما قضت به المادة 710 من أنه " علي الموكل أن يرد للوكيل ما أنفقه في تنفيذ الوكالة التنفيذ المعتاد مع الفوائد من وقت الإنفاق . . " فهنا تسري الفوائد التأخيرية من وقت إنفاق الوكيل ماله في تنفيذ الوكالة . وكالوكالة الفضالة ، فيكون " رب العمل ملزما بأن ينفذ التعهدات التي عقدها الفضولي لحسابه ، وأن يعوضه عن التعهدات التي التزم بها ، وأن يرد له النفقات الضرورية والنافعة التي سوغتها الظروف مضافا إليها فوائدها من يوم دفعها " ( م 195 مدني ) ومن ذلك أخيرا ما قضت به الفقرة الثالثة من المادة 800 من أنه يكون " للكفيل الحق في الفوائد القانونية عن كل مات قام بدفعه من يوم الدفع ( [1665] ) .

 $ 900 $ 3 - شروط استحقاق الفوائد التعويضية

509 - منطقة الفوائد التعويضية : تختلف الفوائد التعويضية عن الفوائد التأخيرية ، كما قدمنا في أن الأولي يلتزم بها المدين في مقابل الانتفاع بمبلغ من النقود يكون في ذمته للدائن ، أما الفوائد التأخيرية فهي ليست إلا تعويضا عن التأخير في الوفاء بدين هو مبلغ من النقود ما مر القول .

وأكثر ما تكون الفوائد التعويضية في التزام بدفع مبلغ من النقود يكون مصدره العقد . والمثل المألوف في ذلك هو عقد القرض فالمقترض ينتفع بمبلغ القرض عادة في مقابل فائدة يدفعها للمقرض . وقد تجب الفوائد التعويضية في عقد البيع ، بأن يتفق المشتري مع البائع علي تأجيل الثمن إلي ميعاد معين في مقابل أن يدفع المشتري فوائد عن هذا الثمن ، فتكون الفوائد هنا في تأجيل الثمن وليست فوائد تأخيرية . فإذا حل ميعاد دفع الثمن وتأخر المشتري في الوفاء بقيت الفوائد سارية طوال مدة التأخير ، ولكنها تنقلب في هذه الحالة إلي فوائد تأخيرية ، إن كانت بنفس السعر الإتفاقي وقد تجب الفوائد التعويضة في وديعة المصرف ، فمن أودع مصرفا مبلغا من النقود واشترط أن يتقاضي علي الوديعة فوائد ، فهذه الفوائد تكون فوائد تعويضية . والفوائد التي يتقاضاها حامل السند هي أيضا فوائد تعويضة والفوائد التي يتقاضاها حامل السند هي أيضا فوائد تعويضية عن مبلغ من النقود أقرضه صاحب الدخل للمدين به ، ومن ثم قضت الفقرة الثانية من المادة 545 بأنه إذا " كان ترتيب الدخل بعقد من عقود المعارضة ابتع في شأنه من حيث سعر الفائدة القواعد التي تسري علي القرض ذي الفائدة " .

والذي يميز الفوائد التعويضية أنها تكون فوائد عن مبلغ من النقود لم يحل ميعاد استحقاقه ، فهو دين في ذمة المدين طوال الأجل ، ويدفع المدين في مقابل هذا الأجل – أي في مقابل بقاء هذا المبلغ في ذمته والانتفاع به - الفوائد التعويضية $ 901 $ التي يتفق عليها مع الدائن أما إذا حل أجل استحقاق الدين ، ولم يوفه المدين ، الفوائد التي تظل تسري بعد حلول الأجل إلي أن يتم الوفاء ، تنقلب إلي فوائد تأخيرية لأنها تعتبر عندئذ بمثابة تعويض عن تأخر المدين في الوفاء بالتزامه ( [1666] ) . ومن ثم يندر أن توجد حالة تستحق فيها فوائد تعويضية عن مبلغ من النقود لا يكون مصدره العقد ، فإن الدين الذي يكون مصدره غير العقد ينشئه القانون منجزاً من وقت أن ينشأ ، فما عسي أن يستحق عليه من الفوائد بعد حلوله إنما تكون فوائد تأخيرية والعقد – أو التصرف القانوني بوجه عام - هو الذي ينشيء الدين إلي أجل ، ويترتب عليه فوائد تعويضية طوال مدة هذا الأجل ( [1667] ) .

 $ 902 $ 510 - شرط استحقاق الفوائد التعويضية – الاتفاق مع المدين والفوائد التعويضية ، علي النحو الذي قدمناه ، لا تستحق إلا باتفاق يتم بين الدائن والمدين . فالمقترض لا يدفع فوائد تعويضية عن مبلغ القرض إلا إذا اتفق علي ذلك مع الدائن ، وقد نصت المادة 542 مدني علي ما يأتي : " علي المقترض أن يدفع الفوائد المتفق عليها عند حلول مواعيد استحقاقها ، فإذا لم يكن هناك اتفاق علي فوائد اعتبر القرض بغير أجر " . والمشتري لا يدفع فوائد تعويضية عن الثمن المؤجل إلا إذا اتفق علي ذلك مع البائع ( [1668] ) .

فاتفاق الدائن مع المدين هو الشرط في استحقاق الفوائد التعويضية . وهذا الاتفاق ذاته يحدد أيضا سعر هذه الفوائد ، علي ألا تجاوز الحد الأقصي الذي قرره القانون والذي سيأتي بيانه . ونري من ذلك أن الفوائد التعويضية لا يمكن أن تكون إلا بسعر اتفاقي ، وليس لها سعر قانوني . أما الفوائد التأخيرية فقد رأينا أن سعرها قد يكون سعراً قانونيا وقد يكون سعراً اتفاقيا( [1669] ) .

 $ 903 $ الفرع الثاني

مقدار الفوائد كما حددها القانون

511 - سعر الفائدة وجواز التخفيض والزيادة : يتدخل القانون ، كما مر القول فيحدد الفائدة : السعر القانونية والد الأقصي للسعر الاتفاقي .

وقد أجار التقنين المدني الجديد - كراهية منه في الربا - النزول عن الحدود المقررة في حالات معينه ، ولكنه أجاز من ناحية أخري ، وفي حالات معينة أيضا ، الزيادة علي هذه الحدود .

فنستعرض : ( أولا ) سعر الفائدة ( ثانيا ) جواز النزول عن الحدود المقررة وجواز الزيادة عليها .

المبحث الأول

سعر الفائدة

512 - سعر الفوائد التأخيرية : رأينا ان سعر الفوائد القانونية إما أن يكون سعراً قانونيا وإما أن يكون سعرا اتفاقيا .

فالسعر القانوني في المسائل المدنية هو 4% ، وفي المسائل التجارية هو 5% ، وبهذا قضت المادة 226 مدني علي عامر . وقد كان السعر القانوني في عهد التقنين المدني السابق ، طبقا للمرسوم بقانون الصادر في 19 من شهر مارس سنة 1938 ، هو 5% في المسائل المدنية و 6% في المسائل التجارية . فخفض التقنين المدني الجديد السعر القانوني ، في الحالتين ، بمقدار 1% ( [1670] ) ، ويبرر ذلك " ما أسفرت $ 904 $ عنه الظروف الاقتصادية " من وجوب تخفيض كل من السعر القانوني والسعر الإتفاقي ، كما تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ( [1671] ) . والعبرة بالمدين في التمييز بين المسائل المدنية التي يكون سعرها 4% والمسائل التجارية التي يكون سعرها 5% فإذا كان المدين غير تاجر ، فالفائدة تحسب بالسعر القانوني في المسائل المدنية - 14% - حتي لو كان الدائن تاجراً والعملية تجارية ( [1672] ) . ويلاحظ أن السعر القانوني الجديد ، وهو السعر المخفض ، يسري من وقت نفاذ التقنين المدني الجديد ، أي من يوم 15 من شهر أكتوبر سنة 1949 . فالفوائد القانونية المستحقة ابتداء من هذا التاريخ علي مبالغ من النقود تحسب بسعر 4% في المسائل المدنية و 5% في المسائل التجارية ، حتي لو نشأت الديون عن عقود أبرمت أو وقائع حدثت قبل هذا التاريخ ( [1673] ) .

أما السعر الإتفاقي التأخيرية فيجب ألا يزيد علي 7% ، وقد يكون أقل من ذلك ، بل قد يكون أقل من السعر القانوني ، حسب الاتفاق الذي يتم بين الدائن والمدين . وهذا الحد الأقصي للسعر الإتفاقي قررته المادة 227 الفقرة $ 905 $ الأولي علي ما رأينا ، وتستوي فيه المسائل المدنية والمسائل التجارية . وقد كان السعر الإتفاقي في عهد التقنين المدني السابق ، بمقتضي المرسوم بقانون الصادر في 19 من شهر مارس سنة 1938 ، وهو 8% يجوز تخفيضه بمرسوم إلي 7% ، ولكنه لم يخفض حتي صدر التقنين المدني الجديد فتولي هذه التخفيض ( [1674] ) . ويلاحظ أن السعر الإتفاقي الجديد ، وهو السعر المخفض ، يسري هو أيضا من وقت سريان التقنين المدني الجديد ، حتي بالنسبة إلي العقود التي أبرمت قبل هذا الوقت ، لأن سعر الفائدة يعتبر من النظام العام . فإذا اتفق الدائن والمدين ، قبل يوم 15 من شهر أكتوبر سنة 1949 ، علي أن تكون سعر الفوائد التأخيرية هي 8% وفقا للمرسوم بقانون الصادر في 19 مارس سنة 1938 ، وبقيت هذه الفوائد التأخيرية سارية إلي ما بعد نفاذ التقنين الجديد ، فإنها تحسب بسعر 8% إلي يوم 14 من شهر أكتوبر سنة 1949 ، ثم تحسب ابتداء من يوم 15 من $ 906 $ شهر أكتوبر سنة 1949 بسعر 7% وفقا لأحكام التقنين الجديد ( [1675] ) .

513 - سعر الفوائد التعويضية : ليس للفوائد التعويضية إلا سعر واحد هو السعر الإتفاقي ، كما قدمنا والحد الأقصي للسعر الإتفاقي للفوائد التعويضية هو نفس الحد الأقصي للسعر الإتفاقي للفوائد التأخيرية . وبهذا تقضي كما رأينا ، الفقرة الأولي من المادة 127 إذ تقول : " يجوز للمتعاقدين أن يتفقا علي سعر آخر للفوائد ، سواء أكان ذلك في مقابل تأخير الوفاء أم في أية حالة أخري تشترط فيها الفوائد ، علي ألا يزيد هذا السعر علي 7% " . والحالة الأخري ، غير حالة تأخير الوفاء التي تشترط فيها الفوائد هي حالة الفوائد التعويضية ، كما سبق القول . وقد كان الحد الأقصي للسعر الإتفاقي للفوائد التعويضية في عهد التقنين المدني السابق ، وفقا للمرسوم بقانون الصادر في 19 من شهر مارس سنة 1938 ، هو 8% أي نفس الحد الأقصي للسعر الإتفاقي للفوائد التأخيرية ، وقد خفض إلي 7% لنفس الأسباب . ويسري السعر $ 907 $ الاتفاقي الجديد ، وهو السعر المخفض ، من وقت سريان التقنين المدني الجديد ، حتي بالنسبة إلي العقود التي أبرمت قبل هذا الوقت . فإذا اقترض شخص قبل يوم 15 من شهر أكتوبر سنة 1949 مبلغا من النقود بسعر 8% ، وكان ميعاد حلول أجل القرض بعد يوم 15 من شهر أكتوبر سنة 1949 ، فإنه يؤدي الفوائد بسعر 8% إلي يوم 14 من شهر 14 أكتوبر سنة 1949 ، ثم بسعر 7% ابتداء من يوم 15 من شهر أكتوبر سنة 1949 ( [1676] ) .

 $ 908 $ وقد نصت الفقرة الثانية من المادة 227 ، كما رأينا ، علي أن " كل عمولة أو منفعة ، أيا كان نوعها ، اشترطها الدائن ، إذا زادت هي والفائدة المتفق عليها علي الحد الأقصي المتقدم ذكره ، تعتبر فائدة مستترة ، وتكون قابلة للتخفيض ، إذا ما ثبت أن هذه العمولة أو المنفعة لات تقابلها خدمة حقيقية يكون الدائن قد أداها ولا منفعة مشروعة " . وهذا النص مأخوذ من المرسوم بقانون الصادر في 19 من شهر مارس سنة 1938 ، وقد أضافته لجنة المراجعة فقرة ثانية للمداة 227 . ولا يختلف النص الجديد عن أصله إلا في أمرين : ( 1 ) وقع تحريف لفظي في النقل عن الأصل ، فقد ورد في آخر النص الجديد عبارة " ولا منفعة مشروعة " ، وصحتها : " ولا نفقة مشروعة " كما ورد في الأصل ، وبذلك يستقيم المعني . ( 2 ) عين المرسوم بقانون من يحمل عبء إثبات أن العمولة أو المنفعة هي فائدة مستترة فجعله المدين ، أما في التقنين المدني الجديد فقد استبدلت عبارة " إذا ما ثبت أن . . . " بعبارة " إذا ما أثبت المدين أن . . . " ، وبذلك يكون تعيين من يحمل عبء الإثبات خاضعا للقواعد العامة ( [1677] ) . ويبدو أن $ 909 $ القواعد العامة لا تختلف عما كان المرسوم بقانون يقضي به ، فعبء الإثبات يحمله المدين وعليه أن يثبت أن العمولة أو المنفعة لا تقابلها خدمة حقيقة يكون الدائن قد أداها ولا نفقة مشروعة يكون الدائن قد صرفها ، لأن المدين إنما يطعن بالصورية فيما اتفق عليه مع الدائن ، ويتمسك بأن حقيقة العمولة أو المنفعة هي فوائد ربوية ، فهو الذي يحمل عبء الإثبات ( [1678] ) . ولكن له أن يثبت ذلك بجميع الطرق ، ولو بالبينة والقرائن ، وفقا للقواعد العامة في الإثبات ( [1679] ) .

 $ 910 $ جزاء مجاوزة سعر الفائدة : وقد قضت العبارة الأخيرة من الفقرة الأولي من المادة 227 مدني بأنه إذا اتفق الدائن والمدين علي فوائد تأخيرية أو تعويضية تزيد علي الحد الأقصي للسعر الإتفاقي ، فإنه يجب تخفيضها إلي 7% ، ويتعين رد ما فدع زائداً علي هذا القدر . وللمدين الذي يريد أن يسترد الزيادة أن يقيم الدليل علي الربا الفاحش بجميع طرق الإثبات ( [1680] ) .

 $ 911 $ والتخفيض إلي الحد المقرر في القانون لا يقتصر علي السعر الاتفاقي ، بل يتناول أيضا علي سبيل القياس السعر القانوني . فإذا دفع المدين للدائن فوائد قانونية بسعر يزيد علي 4 أو 5% ، فإن الفوائد تخفض إلي هذا السعر ، ويسترد المدين ما دفعه زائداً . ويندر ان تقع الزيادة في السعر القانوني ، والغالب أنها تقع في السعر الاتفاقي ، ولذلك ورد النص في هذا السعر الأخير .

وقد كان تخفيض السعر إلي الحد المقرر قانونا هو أيضا جزاء مجاوزة سعر الفائدة في عهد التقنين المدني السابق . أما رد ما دفع زائداً فقد كان مختلفا فيه ( [1681] ) ، فحسم التقنين المدني الجديد هذا الخلاف إذ نص صراحة علي وجوب الرد . ونري أن نص التقنين المدني في هذه المسألة هو نص تفسيري ، ومن ثم يطبق علي ما دفع من الفوائد زائداً علي الحد المقرر حتي لو كان ذلك قبل يوم 15 من شهر أكتوبر 1949 ، فيجب علي الدائن رده .

ويتقادم الالتزام بالرد بمضي ثلاث سنوات أو خمس عشرة سنة وفقا لأحكام المادة 187 مدني ، لأن هذا الالتزام مصدره دفع غير المستحق .

المبحث الثاني

جواز النزول عن الحدود المقررة وجواز الزيادة عليها

515 - فرصتان : قرر القانون سعر الفائدة ، القانون والاتفاقي ، في الفوائد التأخيرية وفي الفوائد التعويضية ، علي النحو الذي بسطناه . ولكن $ 912 $ هناك أحوالا ، نص عليها القانون ، يجوز النزول فيها عن هذه الحدود المقررة كما أن هناك أحوالا ، علي النقيض من ذلك ، تحوز فيها الزيادة علي هذا الحدود ونتناول بالبحث كلا من هذين الفرضين .

المطلب الأول

جواز النزول عن الحدود المقررة

516 - النصوص القانونية : تنص المادة 229 من التقنين المدني علي ما يأتي :

 " إذا تسبب الدائن ، بسوء نية ، وهو يطالب بحقه في إطالة أمد النزاع ، فللقاضي أن يخفض الفوائد قانونية كانت أو اتفاقية ، أو لا يقضي بها إطلاقا ، عن المدة التي طال فيها النزاع بلا مبرر " .

وتنص المادة 230 علي ما يأتي :

 " عند توزيع ثمن الشيء الذي بيع جبراً لا يكون الدائنون المقبولون في التوزيع مستحقين بعد رسو المزاد لفوائد تأخير عن الأنصبة التي تقررت لهم في هذا التوزيع إلا إذا كان الراسي عليه المزاد ملزما بدفع فوائد الثمن ، أو كانت خزانة المحكمة ملزمة بهذه الفوائد بسبب إيداع الثمن فيها ، علي ألا يتجاوز ما يتقاضاه الدائنون من فوائد في هذه الحالة ما هو مستحق منها قبل الراسي عليه المزاد أو خزانة المحكمة . وهذه الفوائد تقسم بين الدائنين جميعا قسمة غرماء " .

وتنص المادة 232 علي ما يأتي :

 " لا يجوز تقاضي فوائد علي متجمد الفوائد ، ولا يجوز في أيه حال أن يكون مجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن أكثر من رأس المال ، وذلك دون إخلال بالقواعد والعادات التجارية " ( [1682] ) .

 $ 913 $ وتقابل هذه النصوص في التقنين المدني السابق المادة 126 / 186 ( [1683] ) .

وتقابل في التقنينات المدنية العربية الأخري . في التقنين المدني السوري المواد 230 - 231 و 233 ، وفي التقنين المدني العراقي المادتين 173 فقرة 3 و 174 ، وفي التقنين المدني الليبي المواد 232 – 233 و 235 ، وفي تقنين الموجبات والعقود $ 914 $ اللبناني المادة 768( [1684] ) .

ويتبين من هذه النصوص أن هناك حالات أربعا يجوز فيها النزول عن الحدود المقررة : ( 1 ) تسبب الدائن بسوء نية في إطالة أمد النزاع ( 2 ) الفوائد التأخيرية بعد رسو المزاد ( 3 ) زيادة مجموع الفوائد علي رأس المال ( 4 ) الفوائد علي متجمد الفوائد ، أي الربح المركب ( anatocisme ) . ونتناول علي التعاقب كلا من هذه الحالات .

517 - تسبب الدائن بسور نية في إطالة أمد النزاع : لم يستحدث التقنين الجديد هذا الحكم استحداثا تاما ، فقد كان القضاء المصري يسير علي مقتضاه . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " وقديما فطنت محكمة الاستئناف الأهلية إلي هذا التطبيق . . فهو من هذه الوجهة ليس بالجديد كل الجدة بالنسبة للقضاء المصري ( [1685] ) " .

 $ 915 $ والمبدأ الذي يقوم عليه هذا الحكم لا تمكن المنازعة فيه ، فهو مبدأ التعسف في استعمال الحق . والدائن إذا تسبب بسوء نية في إطالة أمد النزاع ، فهو إنما يتعسف في المطالبة بحقه وفي استعمال الإجراءات التي وضعها القانون تحت تصرفه الوصول إلي هذا الحق . فبدلا من أن يقصد الوصول إلي حقه ، يعمد إلي إطالة أمد النزاع حتي تتراكم الفوائد علي المدين ، فيكون هو الرابح من جراء هذا التعسف فأراد المشرع أن يرد عليه قصده بحرمانه من هذه الفوائد ، كلها أو بعضها ، عن المدة التي طال فيها النزاع بلا مبرر .

ونري من ذلك أن تطبيق هذا الحكم يقتضي توافر شرطين :

( الشرط الأول ) إطالة الدائن أمد النزاع بلا مبرر . مثل ذلك أن يلجأ الدائن ، يغرض إطالة أمد النزاع ، إلي إنكار إمضائه الموضوع علي مخالصة صدرت منه بجزء من حقه ، أو إلي الطعن في هذه المخالصة بالتزوير ، أو إلي الإكثار من الدفوع الكيدية ، أو ال رد القضاة وما إلي ذلك ( [1686] ) . وليس من الضروري أن يرفع الدائن خصومة إلي القضاء ، بل يكفي أن يلجأ في المطالبة بحقه إلي إجراءات لا مبرر لها لإطالة أمد النزاع ( [1687] ) . مثل ذلك أن يكون سريان الفوائد يكفي فيه إعذار المدين ، فيعذره الدائن حتي تسري الفوائد ، ثم يقف عند ذلك ، ويرفض قبول الدين دون سبب مشروع عندما يعرضه المدين ، فيضطر المدين إلي العرض الحقيقي ، فيعمد الدائن إلي إطالة إجراءات هذا العرض ، وهكذا .

( الشرط الثاني ) سوء نية الدائن وقد كان المشروع التمهيدي للمادة 229 مدني لا يتطلب سوء النية ، ويكتفي بالخطأ ، فكان صدر المادة يجري علي الوجه الآتي : " إذا تسبب الدائن ، وهو يطالب بحقه ، في إطالة أمد النزاع بخطئه . . . . " فلوحظ في لجنة مجلس الشيوخ أن هذا النص لا مقابل له في التشريعات الأجنبية ، وأضافت اللجنة شرط سوء النية لأن الاقتصار علي مجرد الخطأ يجعل النص يتسع لفروض لا يحسن فيها توقيع هذا الجزاء ( [1688] ) . فلا يكفي $ 916 $ إذن أن يكون الدائن قد أخطأ في إطالة أمد النزاع خطأ عاديا ، بل يجب أن يكون قد تعمد إطالة أمد النزاع حتي تتراكم الفوائد علي المدين . فيكون النص إذن تطبيقا واضحا لنظرية التعسف في استعمال الحق . وقد رؤي اشتراط سوء النية لأن النتائج التي يرتبها القانون علي عمل الدائن نتائج خطيرة ، إذ يسقط حقه في الفوائد ، فلم يجعل هذه النتائج مرهونة بخطأ بسيط من الدائن ، يسهل علي المدين دائما أن ينسبه إلي الدائن بمجرد أن يطول أمد النزاع . ولا نميل إلي القول بأن الخطأ الجسيم هنا يلحق بسوء النية ، لأن النص لا يذكر إلا سوء النية ، وأراد من وراء أن يتشدد حتي لا يهدر حق الدائن في الفوائد إلا جزاء وفاقا لسوء نيته ، ومن ثم لا يكفي إثبات الخطأ الجسيم .

هذا والمدين هو الذي يحمل عبء إثبات الشرطين معا : إطالة أمد النزاع بلا مبرر وسوء نية الدائن . ومتي تم له إثبات ذلك ، كان للقاضي أن يخفض الفوائد إلي حد معقول ، بل كان له ألا يقضي بها إطلاقا ، وذلك عن المدة التي طال فيها النزاع بلا مبرر ، ولا ينسحب أثر التخفيض أو الإسقاط إلا عن هذه المدة ( [1689] ) . فهناك خطأ مشترك ( erreur commune ) : المدين تأخر في الوفاء بالتزامه ، والدائن أطال هذا التأخر بإطالته أمد النزاع ( [1690] ) . والخطأ المشترك من شأنه أن يخفف المسئولية ومظهر التخفيف هو التخفيض من الفوائد ، أو يعدمها إذا وصل خطأ الدائن من جراء سوء نيته إلي حد استغراق خطأ المدين ومظهر انعدام المسئولية هو إسقاط الفوائد .

والفوائد التي يخفضها القاضي أو لا يقضي بها إطلاقا ، عن المدة التي طال فيها النزاع بلا مبرر ، قد تكون فوائد قانونية أو فوائد اتفاقية ، وهي دائما فوائد تأخيرية لأن المفروض أن الدين قد حل ويطيل الدائن $ 917 $ أمد النزاع فيه حتي تتراكم الفوائد إلا فوائد تأخيرية ( [1691] ) .

518 - الفوائد التأخيرية بعد رسو المزاد : هذا الحكم استحدثه التقنين الجديد في ضوء تجاري الماضي ( [1692] ) . فقد كان المدين ، في عهد التقنين المدني السابق ، بعد رسو المزاد وطوال إجراءات التوزيع ، يبقي ملتزما بدفع الفوائد التأخيرية عن الديون التي تدرج في قائمة التوزيع . وتطول إجراءات التوزيع عادة ، وقد تستغرق سنوات ، والفوائد التأخيرية تتراكم علي المدين وهو لا يد له في ذلك ولا يملك دفع هذا الأذي عن نفسه . ومن ثم جاء التقنين المدني الجديد بهذا الحكم المستحدث لدفع المضرة عن المدين .

وتقضي المادة 230 - وقد مر ذكرها - بأن الفوائد التأخيرية لا تسري بسعرها المقرر ، وسواء كان السعر القانوني أو السعر الإتفاقي ، إلا إلي وقت رسو مزاد المال الذي يبلاشر الدائن إجراءات التنفيذ عليه لاستيفاء حقه . ثم تقف هذه الفوائد التأخيرية بالسعر المقرر . ولا تنتج الديون التي ينفذ بها علي أموال المدين فوائد تأخيرية بعد رسو المزاد ، إلا إذا كان الراسي عليه المزاد ، أو كانت خزانة المحكمة بسبب إيداع الثمن فيها ، يلتزم أحد منهما بدفع فوائد علي هذا الثمن ، ولا تتقاضي فوائد التأخير إلا في حدود المستحق من هذه الفوائد في ذمة الراسي $ 918 $ عليه المزاد أو في ذمة خازنة المحكمة . وبهذا تخفض فوائد التأخير متي كان سعر الفائدة المستحقة قبلالراسي عليه المزاد أو قبل خزانة المحكمة أقل من سعر الفائدة الواجبة علي المدين ، وهذا ما يقع في الكثرة الغالبة من الأحوال . وتوزع هذه الفوائد التأخيرية – في الحدود المتقدمة الذكر - بين الدائنين جميعا قسمة غرماء ، دون تمييز بين دائن مرتهن أو ذي حق امتياز ودائن عادي .

وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في ختام عبارتها في هذا الصدد : " وغني عن البيان أن هذا الحكم يعدل كل العدل بحقوق المدين " ويكفل له من الحماية ما يؤمنه من بطء إجراءات التنفيذ . ثم إنه يحمي الدائنين بعضهم من البعض الآخر ، من طريق تحقيق المساواة بينهم في توزيع الفوائد المستحقة قبل الراسي عليه المزاد وقبل الخزانة ، غذ تقسم بينهم جميعا قسمة غرماء ، دون تمييز بين دائن مضمون حقه ودائن لا ضمان له " ( [1693] ) .

519 - زيادة مجموع الفوائد علي رأس المال : رأينا أن المادة 232 مدني تقضي بأنه لا يجوز في أية حال أن يكون مجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن أكثر من رأس المال ، وذلك دون إخلال بالقواعد والعادات التجارية . وفي هذا النص إمعان من جاني التقنين المدني الجديد في كراهية الربا ، إذ هو يستحدث قيداً جديداً علي الفوائد لم يكن في التقنين المدني السابق ، وليس له نظير في التقنينات العربية . والواقع من الأمر أن المشروع التمهيدي كان خاليا من هذا النص ، ومسار المشروع في اللجان والهيئات المختلفة حتي وصل إلي لجنة $ 919 $ مجلس الشيوخ . وفي هذه اللجنة أضيف النص قيدا جديداً علي الربا ( [1694] ) ، واستحدثت اللجنة في النص ذاته تحريم تقاضي فوائد علي متجمد الفوائد قيداً آخر ، وجاوزت في القيدين أحكام التقنين السابق وأحكام كثير من التقنينات القانونية .

فالقاعدة إذن أن مجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن من مدينة لا يصح في حال أن يزيد علي رأس المال . وقد جاء في تقرير لجنة مجلس الشيوخ في هذا الصدد أن اللجنة قد راعت " أن من المصلحة أن يحال بين الدائن وبين استغلا الدين باقتضاء فوائد تجاوز مقدار الدين نفسه ، وبحسب الدائن أن يكون قد اقتضي فوائد تعادل رأس ماله . وقد أخذت بهذا الحكم دول أخري منها سورية والعراق ( [1695] ) .

ومجموع الفوائد التي يتقاضها الدائن يتناول الفوائد بجميع أنواعها : الفوائد التعويضية والفوائد التأخيرية بالسعر الإتفاقي وبالسعر القانوني . فلو أن شخصا اقترض من مصرف ألفا من الجنيهات بسعر اتفاقي مقداره 7% لمدة عشر سنوات ، ولم يسدد من دينه شيئا طوال هذه المدة ، وحل أجل الدين فتأخر في الوفاء سبع سنوات أخري ، فإن مجموع الفوائد التعويضية والتأخيرية التي تراكمت عليه بالسعر الإتفاقي هو 1190 جنيها ، وهذا المجموع يزيد علي رأس المال بمقدار 190 جنيها . فلا يجوز للدائن في هذه الحالة أن يتقاضي من مجموع الفوائد التي تراكمت أكثر من ألف من الجنيهات ، وهو ما يساوي رأس المال ، $ 920 $ ويضيع عليه من الفوائد مائة وتسعون جنيها . وليس في هذا الحكم حماية للمدين فحسب ، بل هو ينطوي أيضا علي معني العقوبة للدائن ، إذ أنه أما أن يكون قد أهمل في تقاضي حقه ، أو تعمد ألا يتقاضاه حتي تتراكم الفوائد علي المدين ( [1696] ) .

ويرد علي هذا الحكم القيدان الآتيان :

( أولا ) أن النص استقني ما تقضي به القواعد والعادات التجارية . مثل ذلك الحساب الجاري ، وسيأتي أنه يجوز فيه تقاضي فوائد علي متجمد الفوائد وأن سعر الفائدة التجارية فيه غير مقيد بحد معين . فيحتمل إذن أن يزيد مجموع الفوائد في نهاية الحساب علي رأس المال ، ويكون ذلك جائزاً تمشيا مع القواعد والعادات التجارية ( [1697] ) .

 $ 921 $ ( ثانيا ) زيادة مجموع الفوائد علي رأس المال ممنوعة في الصفقة الواحدة ، لا في مجموع الصفقات إذا تعددت . فإذا اقترض شخص مبلغا من النقود بفائدة ، وتراكمت الفوائد ، ثم قطع المدين حساب هذا القرض ، وعقد مع المقرض قرضا آخر أدخل فيه رصيد القرض الأول ، كان لكل قرض حسابه ، ولا يجوز أن يزيد مجموع الفوائد علي رأس المال في كل من القرضين ، ولكن تجوز زيادة مجموع الفوائد في القرضين معا علي رأس الآمال في أي قرض منهما . علي أنه يجب ألا يكون في ذلك طريق للتحايل علي حكم القانون ، فيعمد الطرفان إلي تجزئة القرض الواحد إلي قرضين تجزئة صورية الغرض منها أن يجاوز مجموع الفوائد رأس المال .

عل ان الحكم الذي نحن بصدده - عدم مجاوزة مجموع الفوائد رأس المال - ليس بالقيد الخطير في الصفقات العادية . إذ يندر في هذه الصفقات ان يصل الدائن من الإهمال في تقاضي الفوائد إلي حد ان تتراكم فتجاوز رأس المال . ويسهل دائما عل الدائن أن يتفادي هذه النتيجة بتحديد مدة معقولة لحلول أجل الدين ، ثم إذا حل أجله لا يتراخي في المطالبة به إلي الحد الذي تتراكم فيه الفوائد فتزيد علي رأس المال . وفي هذه مصلحة لكل من الدائن والمدين : الدائن يتفادي ان يضيع عليه شيء من الفوائد ، والدين لا يترك له الحبل علي الغارب فيستسلم إلي تهاونه ، بل تحفزه مطالبة الدائن إلي السعي في سداد دينه فلا تتراكم الفوائد عليه ( [1698] ) .

 $ 922 $ الفوائد علي متجمد الفوائد أو الإرباح المركبة : المادة 233 مدني ، كما رأينا ، بانه لا يجوز تقاضي فوائد علي متجمد الفوائد ، وذلك دون إخلال بالقواعد والعادات التجارية . ولم يكن هذا هو الحكم في المشروع التمهيدي للتقنين المدني الجديد . بل كانت المادة 310 من هذا المشروع تقضي بأن الفوائد علي متجمد الفوائد تكون مستحقة إذا طولب بها $ 923 $ قضائيا أو تم الاتفاق عليها بعد استحقاق الفوائد المتجمدة ، علي أن يبلغ المتجمد في الحالتين فوائد سنة علي الأقل فكانت الفوائد علي متجمد الفوائد ( annatocisme capitalization des interts ) جائزة إذن في حالتين : ( 1 ) إذا تجمدت الفوائد ، قانونية كانت أو اتفاقية ، لمدة سنة علي الأقل ، ثم طالب الدائن المدين قضائيا بفوائد علي هذه الفوائد ، فتصبح الفوائد المتجمدة في هذه الحالة عن طريق المطالبة القضائية بمثابة رأس مال ينتج بدوره فوائد قانونية . ( 2 ) إذا تجمدت الفوائد ، قانونية كانت أو اتفاقية ، لمدة سنة علي الأقل ثم اتفق الدائن والمدين علي جعل هذه الفوائد المتجمدة تنتج فوائد بسعر معين ، فتصبح الفوائد المتجمدة في هذه الحالة أيضا ، عن طريق الاتفاق ، بمثابة رأس مال ينتج بدوره فوائد اتفاقية ( [1699] ) . وقد كان هذا هو أيضا ، بوجه عام ، حكم التقنين المدني السابق ( أنظر م 126 / 186 ) ( [1700] ) .

 $ 924 $ وسار المشروع التمهيدي في مراحلة المختلفة حتي وصل إلي لجنة مجلس الشيوخ ، فرأت هذه اللجنة تحريم الفوائد علي متجمد الفوائد إطلاقا ، مقتدية في ذلك ببعض التقنينات الحديثة ( [1701] ) ، وهذا هو الرأي الذي استقر في التقنين المدني الجديد ( [1702] ) . والواقع أن تقاضي فوائد علي متجمد الفوائد لا يخلو من الخطر ، فإن رأس المال إذا أقرض بسعر 4% تضاعف إذا كان الربح بسيطا في 25 سنة ، وهو يتضاعف إذا كان الربح مركبا في 19 سنة فقط . وإذا قرض بسعر 5 ، تضاعف في 20 سنة إذا كان الربح بسيطا ، وفي 14 سنة إذا كان الربح مركبا . وإذا أقرض بسعر 7% تضاعف في 14 سنة في حالة الربح البسيط ، وفي 10 سنوات في حالة الربح . المركب فالفرق كبير إذن بين الربح المركب والربح البسيط ، وقد أحسن التقنين المدني الجديد صناع في تحريم الأرباح المركبة ( [1703] ) .

 $ 925 $ عل أن هناك قيدين يردان علي هذا التحريم :

( أولا ) ما تقضي به القواعد والعادات التجارية من جواز الأرباح المركبة في بعض الحالات . وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد : " ويلاحظ أخيرا ان عرف التجارة قد يقضي بالخروج علي النصوص الخاصة بتجميد الفوائد . ومن ذلك مثلا إجازة تجميد ما يستحق منها عن مدة تقل عن سنة في الحساب الجاري ، دون حاجة إلي اتفاق أو مطالبة قضائية ( [1704] ) .

( ثانياً ) الاستحقاقات الدورية غير الفوائد ، كالأجرة والإيرادات المرتبة مدي الحياة ( [1705] ) والاستحقاق في الوقف ، لا تعتبر في حكم الفوائد ، فيجوز تقاضي فوائد عن المتجمد من هذه الاستحقاقات . فإذا اتفق المؤجر مع المستأجر مقدما علي أن تأخر المستأجر في دفع الأجرة عن مواعيدها يستوجب سريان فوائد تأخيرية بسعر معين علي ما تأخر من الأجرة ، جاز هذا الاتفاق ، ولا يعترض عليه بأن الأجرة المتجمدة هي بمثابة الفوائد المتجمدة فلا يجوز أن يتقاضي فوائد عليها ( [1706] ) .

 $ 926 $ والذي يميز الفوائد بمعناها الفني الدقيق عن هذه الاستحقاقات الدورية ، أن الفوائد هي ريع دوري عن مبلغ من النقود ، أما الاستحقاقات الدورية فهي إما ان تكون ريعا دوريا عن رأس مال ليس مبلغا من النقود ( [1707] ) ،وإما أن تكون ناتجة عن مبلغ من النقود ولكنها ليست بريع دوري ( [1708] ) .

المطلب الثاني

جواز الزيادة علي الحدود المقررة

521 - النصوص القانونية : تنص المادة 321 من التقنين المدني علي ما يأتي :

 $ 927 $ " يجوز للدائن أن يطالب بتعويض تكميلي يضاف إلي الفوائد إذا أثبت ان الضرر الذي يجاوز الفوائد قد تسبب فيه المدين بسوء نية " .

وتنص المادة 233 علي ما يأتي :

 " الفوائد التجارية التي تسري علي الحاسب يختلف سعرها القانوني باختلاف الجهات ، ويتبع في طريقة حساب الفوائد المركبة في الحساب الجاري ما يقضي به العرف التجاري " ( [1709] ) .

وتقابل هذه النصوص في التقنين المدني السابق المادة 127 / 187 ( [1710] ) .

وتقابل في التقنينات المدنية العربية الأخري : في التقنين المدني السوري المادتين 232 و 234 ، وفي التقنين المدني العراقي المادتين 173 فقرة 2 و 175 ، وفي التقنين المدني الليبي المادتين 234 و 236 ، وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني المادة 265 فقرة ثانية ( [1711] ) .

 $ 928 $ ويستخلص من النصوص المتقدمة ان هناك حالتين يمكن فيهما ان يتقاضي الدائن فوائد تزيد علي الحدود المقررة فيما تقدم : ( 1 ) تسبب المدين بسوء نية في إحداث ضرر يجاوز الفوائد ( 2 ) الحساب الجاري .

ونستعرض كلا من هاتين الحالتين :

522 - تسبب المدين بسوء نية في أحداث ضرر يجاوز الفوائد : تقضي المادة 231 مدني ، كما رأينا ، بجواز ان يطالب الدائن بتعويض تكميلي يضاف إلي الفوائد إذا أثبت ان المدين قد تسبب بسوء نية في أحداث ضرر يجاوز الضرر الذي جعلت الفوائد تعويضا له . ونلاحظ منذ الآن أنه قد مر نص مقابل لهذا النص ، هو المادة 229 ، وتقضي بأنه " إذا تسبب الدائن ، بسور نية ، وهو يطالب بحقه ، في إطالة أمد النزاع ، فللقاضي ان يخفض الفوائد ، قانونية كانت أو اتفاقية ، أو لا يقضي بها إطلاقا ، عن المدة التي طالب فيها النزاع بلا مبرر " . والتقابل بين النصين واضح : هناك تسبب الدائن بسور نية في إلحاق ضرر استثنائي بالمدين ومن ثم جاز للقاضي تخفيض الفوائد ، وهنا تسبب المدين بسور نية في إلحاق ضرر استثنائي بالدائن ومن ثم جاز للقاضي زيادة الفوائد . وقد كان المشروع التمهيدي للمادة 231 يوسع في النص فيقضي بالتعويض التكميلي في حالة ارتكاب المدين لغش أو لخطأ جسيم ، كما كان المشروع التمهيدي للمادة 229 يكتفي بالخطأ من جانب الدائن فيما مر بنا . فعدلت لجنة مجلس الشيوخ النصين ، وقصرت الحكم في كل منهما علي حالة صدور غش من جانب الدائن أو المدين .

علي أن هناك نصا مر بنا يماثل نص المادة 231 ، هو المادة 225 وتقضي بأنه $ 929 $ إذا جاوز الضرر قيمة التعويض الاتفاقي فلا يجوز للدائن أن يطالب بأكثر من هذه القيمة إلا إذا أثبت أن المدين قد ارتكب غشا أو خطأ جسيما " والتماثل بين النصين هو أيضا واضح : ففي الحالتين يجاوز الضرر قيمة التعويض المقرر ، وذلك بفعل المدين ، فيكون للدائن الحق في تعويض إضافي ولا يفرق بين الحالتين إلا أن حالة منهما اتفق فيها المتعاقدان علي مقدار التعويض في شرط جزائي ، وفي الحالة الثانية التعويض هو عن مبلغ من النقود سواء اتفق عليه أو كان بالسعر القانوني . ومن أجل هذا التماثل عمد المشروع التمهيدي إلي المساواة في الشروط ما بين الحالتين ، فاشترط في كل منهما غش المدين أو خطأه الجسيم ( [1712] ) . ولكن لجنة مجلس الشيوخ اعتدت بالتقابل ما بين المادتين 231 و 229 ، دون التماثل ما بين المادتين 231 و 225 ، فحذفت " الخطأ الجسيم " ، واقتصرت علي " غش المدين " كما مر القول .

والنص الذي نحن بصدده - المادة 231 - نص جديد لم يكن له مقابل في التقنين المدني السابق . ولكن يمكن القول إنه ليس إلا تطبيقا للقواعد العامة . والمبدأ الذي يقوم عليه النص - كما هو الأمر في المادة 229 - هو مبدأ التعسف في استعمال الحق ، والمدين إذا تسبب بسور نيته في إحداث ضرر استثنائي بالدائن فهو إنما يتعسف في استعمال حقه في الدفاع ، كما يتعسف الدائن في استعمال حقه في المطالبة ( [1713] ) .

 $ 930 $ وتطبيق هذا الحكم يقتضي توافر شرطين :

( الشرط الأول ) إحداث ضرر استثنائي بالدائن ، لا يكون هو الضرر المألوف الذي ينجم عادة عن مجرد التأخر في وفاء المدين بالتزامه . مثل ذلك ان يكون المدين عالما بأن الدائن ارتبط بالتزام يعتمد في الوفاء به علي استيفائه لحقه من المدين فان لم يستوف هذا الحق كان معرضا لإجراءات شديدة من دانيه قد تصل إلي حد شهر الإفلاس ، أو يكون المدين عالما بأن أمام الدائن صفقة رابحة اعتمد في إبرامها علي استيفاء حقه ففاتته الصفة بسبب تأخر المدين في الوفاء بالتزامه ففي الحالة الأولي أصاب الدائن خسارة فادحة ، وفي الحالة الثانية فاته ربح كبير ( [1714] ) .

( الشرط الثاني ) سوء نية المدين : فلا يكفي حدوث الضرر الاستثنائي علي النحو المتقدم الذكر ، بل يجب أيضا أن يكون المدين سيء النية في عدم الوفاء بالتزامه . ومجرد علمه بالضرر الاستثنائي لا يكفي لثبوت سوء نيته ، بل يجب أيضا أن يكون قد تعمد عدم الوفاء بالتزامه وهو عالم بما يحدث ذلك لدائنه من الضرر .

والدائن هو الذي يقع عليه عبء إثبات توافر الشرطي : ما لحق به من ضرر استثنائي وسوء نية المدين . ومتي أثبت ذلك ، كان له أن يتقاضي من المدين تعويضا تكميليا يضاف إلي الفوائد التأخيرية المستحقة في ذمة المدين لتأخره $ 931 $ الوفاء بالدين( [1715] ) . وهذا التعويض التكميلي هو التعويض عن الضرر الاستثنائي الذي ألحقه المدين بالدائن بسوء نيته ، فيجري في شانه قواعد التقدير القضائي التعويض ، ويقاس بمقدار ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من ربح .

523 - الحساب الجاري : وتقضي المادة 233 مدني ، كما رأينا ، باستثناء الحساب الجاري من بعض القواعد التي تقررت في نظام الفوائد . وهناك قواعد أخري استثني منها الحساب الجاري ، وقد مر ذكرها ، فنحصر تلك الاستثناءات وهذه فيما يأتي :

أولا - من ناحية المطالبة القضائية : لا يشترط في سريان الفوائد التأخيرية بالنسبة إلي الحساب الجاري المطالبة القضائية ، بل ولا الإعذار . فمجرد الخصم والإضافة في الحساب الجاري يجعل الفوائد التأخيرية تسري دون حاجة إلي أي إجراء آخر ( [1716] ) . وقد تقدم ذكر ذلك .

ثانياً - من ناحية السعر القانوني التجاري : وهذا ما تقضي به المادة 233 مدني . فالسعر القانوني التجاري للفوائد التأخيرية هو ، كما قدمنا 5% ولكن في الحساب الجاري يختلف هذا السعر ، وفقا للعرف التجاري ، بحسب اختلاف الجهات . فيقضي بسعر الجهة ، ولو زاد أو نقص عن 5% والحساب الجاري لا يستثني في هذه الناحية إلا في السعر القانوني التجاري . فلا يستثني في السعر القانوني المدني وهو 4% ، بل ينطبق هذا السعر عليه . كذلك لا يستثني في السعر الإتفاقي ، فيبقي الحد الأقصي لهذا السعر ، حي بالنسبة إلي الحساب الجاري ، هو 7%( [1717] ) .

ثالثاً - من ناحية تجمد الفوائد وتقاضي فوائد علي المتجمد منها : وهنا أيضا يستثني الحساب الجاري ، كما تقضي بذلك المادة 233 مدني ( [1718] ) . فقد رأينا أن الفوائد المركبة محرمة ، ولكن القانون استثني الحساب الجاري من هذا التحريم ويتبع في طريقة حساب الفوائد المركبة في الحساب الجاري ما يقضي به العرف التجاري ( [1719] ) .

رابعاً - من ناحية عدم جواز زيادة مجموع الفوائد علي رأس المال : وقد بينا فيما تقدم أن الحساب الجاري يستثني من هذا الحظر ، لأن هذا هو ما تقضي به القواعد والعادات التجارية ( [1720] ) .

 $ 933 $ الباب الثالث

أموال المدين تكفل تنفيذ التزاماته

ما يكفي حقوق الدائنين من وسائل تنفيذ ووسائل ضمان

524 - أموال المدين ضامنة لالتزاماته – نصوص قانونية : تنص المادة 234 من التقنين المدني علي ما يأتي :

 " 1 - أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه " .

 " 2 - وجميع الدائنين متساوون في هذا الضمان إلا من كان له منهم حق التقدم طبقا للقانون( [1721] ) " .

ويقابل هذا النص في التقنين المدني السابق المادتين 554 - 555 / 678 - 679 ( [1722] ) .

ويقابل في التقنينات المدنية العربية الأخري : في التقنين المدني السوري المادة 235 ، وفي التقنين المدني العراقي المادة 260 ، وفي التقنين المدني الليبي $ 934 $ المادة 237 ، وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني المواد 268 - 271 و 275 ( [1723] ) .

ويتبين من النص المتقدم أن الدائنين ينفذون بحقوقهم علي أموال المدين . $ 935 $ وسواء كان التنفيذ عينيا أو كان بطريق التعويض ، فان مال المدين هو الذي يكون محلا لهذا التنفيذ .

فأموال المدين هي إذن الضمان العام ( gage commun ) للدائنين . ولا يلتبس هذا الضمان العام بالتأمين الخاص الذي يقع علي مال معين للمدين لمصلحة أحد دائنيه ، فيقدمه علي غيره من الدائنين فالضمان العام يتساوي فيه كل الدائنين ، ولا يتقدم فيه دائن علي آخر . وإنما يتقدم الدائن علي غيره إذا كان له تأمين خاص كما قدمنا ، كرهن أو اختصاص أو امتياز ، وهذا ما عنته الفقرة الثانية من النص عندما قالت : " إلا من كان لهم حق التقدم طبقا للقانون " . ولكن هذا التقدم لا يستمده الدائن من الضمان العام ، وإنما يستمده من التأمين الخاص ، وبالنسبة إلي العين التي يقع عليها هذا التأمين وحدها .

ولا يكفل الضمان العام حق التتبع لأحد من الدائنين . فإذا باع المدين شيئا من ماله ، خرج هذا المال من الضمان العام ، ولا يستطيع الدائن العادي أن يتتبعه في يد المشتري كما كان يستطيع لو أن تأمينا خاصا علي المال ( [1724] ) . فعقد البيع الصادر من المدين يسري إذن في حق الدائن . وقد حمل ذلك بعض الفقهاء إلي القول بأن الدائن يعتبر خلفا للمدين ، ما دام تصرف المدين ينقص أو يزيد في الضمان العام ( [1725] ) . والصحيح أن الدائن العادي لا يعتبر خلفا عاما ولا $ 936 $ خالفا خاصا للمدين . وإنما هو ممن يسري في حقهم تصرف المدين ، باعتبار ان هذا التصرف واقعة مادية ( fait materiel ) أنقصت أو زادت في ضمانه العام ، لا باعتبار أنه تصرف قانوني ( acte juridique ) أنشأ حقا أو التزاما في جانبه ( [1726] ) .

والضمان العام الذي للدائن يخول له أن يستأدي حقه من أموال مدينه كما قدمنا وله أن يتخذ علي هذا الأموال طرقا تحفظية وطرقا تنفيذية وطرقا هي وسط ما بين الطرف التحفظية والطرق التنفيذية . وهذه الطرق جميعا إنما تترتب علي هذا الضمان العام ، وتقوم علي أساسه ، والغرض منها هو تأكيده وتقويته ( [1727] ) .

525 - الطرق التحفظية والطرق التنفيذية : والأصل أن جميع أموال المدين يجوز التنفيذ عليها ، ومن ثم يجوز أن تتخذ في شأنها إجراءات تحفظية . علي أن هناك بعضا من هذه الأموال استثناه القانون ( [1728] ) . من ذلك أموال نص القانون علي عدم جواز النزول عنها للغير ، كحق الاستعمال وحق السكني ( م 997 مدني ) ، فلا يجوز إذن التنفيذ علي هذه الأموال ولا الحجز عليها ومن ذلك أموال لا يجوز التنفيذ عليها لأسباب إنسانية ترجع إلي الشفقة بالمدين $ 937 $ والرغبة في أن يترك له الكفاف من العيش . وقد نصت المادة 484 من تقنين المرافعات علي أنه " لا يجوز علي الفراش اللازم للمدين وزوجه أقاربه وأصهاره علي عمود النسب المقيمين معه في معيشة واحدة ، ولا علي ما يرتدونه من الشباب " . ونصت المادة 485 من هذا التقنين علي أنه " لا يجوز الحجز علي الأشياء الآتية إلا لاقتضاء ثمنها أو مصاريف صيانتها أو نفقة مقررة : ( 1 ) الكتب اللازمة لمهنة المدين وأدوات الصناعة التي يستعملها بنفسه في عمله . ( 2 ) العتاد الحربي المملوك له إذا كان من العسكريين مع مراعاة رتبته . ( 3 )الحبوب والدقيق اللازمين لقوته هو وعائلته لمدة شهر . ( 4 ) جاموسة أو بقرة أو ثلاث من الماعز أو النعاج مما ينتفع به المدين وما يلزم لغذائها لمدة شهر ، والخيار للمدين " . ونصت المادة 486 علي أنه " لا يجوز الحجز علي ما يحكم به القضاء من المبالغ المقررة أو المرتبة مؤقتا للنفقة أو للصرف منها في غرض معين ، ولا علي المبالغ والأشياء الموهوبة أو الموصي بها لتكون نفقة إلا بقدر الربع وفاء لدين نفقة مقررة " . ونصت المادة 487 علي أن " المبالغ والأشياء الموهوبة أو الموصي بها مع اشتراط عدم جواز الحجز عليها لا يجوز حجزها من دائني الموهوب له أو الموصي له الذين نشأ دينهم قبل الهبة أو الوصية إلا لدين نفقة مقررة وبالنسبة المبينة في المادة السابقة ( [1729] ) " . ونصت المادة 488 علي أنه " لا يجوز الحجز علي أجور الخدم والصناع والعمل أو مرتبات المستخدمين إلا بقدر الربع ، وعند التزاحم يخصص نصفه لوفاء ديون النفقة المقررة والنصف الآخر لما عداها من الديون " . ونصت المادة 489 علي أنه " لا يجوز للدائن أن يتخذ إجراءات التنفيذ علي مال للمدين لم يخصص لوفاء حقه إلا إذا كان ما خصص للوفاء غير كاف ، وعندئذ يكون التنفيذ علي غير المال المخصص بأمر علي عريضة من قاضي الأمور الوقتية " . ونصت المادة 490 علي أن " العمل بالأحكام المتقدمة لا يخل بالقواعد المقررة أو التي تقرر في القوانين الخاصة بشأن عدم جواز الحجز أو التنفيذ أو التنازل " ومن ذلك قانون الخمسة الأفدنة ( القانون رقم 513 لسنة 1953 وقد حل محل القانون رقم 31 لسنة 1912 ) .

وفيما عدا ما تقدم ، يجوز للدائن ، بالنسبة إلي أموال مدينه ، أن يتخذ الطرق $ 9385 $ التحفظية والطرق التنفيذية .

والطرق التحفظية علي نوعين : ( 1 ) طرق يتخذها الدائن بالنسبة إلي حقه الذي يريد التنفيذ به ، أي يتخذه في ماله . مثل ذلك أن يقطع التقادم بالنسبة إلي هذا الحق حتي يمنعه من السقوط ، أو أن يقوم بقيد رهن ضامن للحق ، أو بتجديد لقيد هذا الرهن ، أو يطلب تحقيق إمضاء مدينه علي سند الدين ، أو نحو ذلك . ( 2 ) وطرق يتخذها بالنسبة إلي أموال المدين حتي يحافظ عليها من الضياع ، وهي الضمان العام لحقه كما قدمنا . مثل ذلك أن يضع الأختام عليها عند موت المدين أو إفلاسه ، أو أن يحرر محضر جرد بها ، أو أن يتدخل في إجراءات قسمه المال الشائع المملوك لمدينة ( م 842 مدني ) ، أو أن يتدخل خصما ثالثا في الدعاوي التي ترفع من مدينة أو عليه حتي يرقب سير الدعوي ويمنع تواطؤ المدين مع الخصم إضراراً بحقوقه ( [1730] ) .

أما الطرق التنفيذية فقد تكفل ببيانها تقنين المرافعات . ولا يجوز التنفيذ إلا اقتضاء لحق محقق الوجود معين المقدار حال الأداء ( م 459 مرافعات ) ويجب أن يسبق التنفيذ حصول الدائن علي سند تنفيذ ( titre executoire ) والسندات التنفيذية هي الأحكام والأوامر والعقود الرسمية والأوراق الأخري التي يعطيها القانون هذه الصفة . وقد مر بنا أن الصورة التنفيذية للأوراق الرسمية يجوز التنفيذ بها دون حاجة إلي الحصول علي حكم . غير أن هناك فرقا بين التنفيذ بحكم والتنفيذ بورقة رسمية . فالتنفيذ بالحكم لا يعترضه من الصعاب إلا إشكالات التنفيذ المعروفة . أما إذا كان التنفيذ بورقة رسمية فيجور للمدين ، عند المعارضة في التنبيه ( commandement )الذي يسبق التنفيذ ، أ يطعن في هذه الورقة بالتزوير أو أن يقدم ضدها من الدفوع الشكلية والموضوعية ما يسمح به القانون ، فيرجع $ 939 $ الأمر في النهاية إلي القضاء ، والحكم الذي يصدره القضاء هو الذي يصبح السند التنفيذي بعد ذلك ( [1731] ) .

فإذا ما حصل الدائن علي السند التنفيذي أمكنه التنفيذ به علي أموال المدين ( [1732] ) . والتنفيذ يكون عادة بالحجز علي هذه الأموال وبيعها وقد فصل تقنين المرافعات إجراءات التنفيذ علي منقولات المدين ( م 498 - 542 مرافعات ) ، وحجز ما للمدين لدي الغير ( م 543 - 609 مرافعات ) ، والتنفيذ علي عقارات المدين ( م 610 - 711 مرافعات ) ثم نظم هذا التقنين أيضا إجراءات توزيع ما ينتج من حجز أموال المدين وبيعها علي الدائنين ، سواء كان ذلك عن طريق التقسيم بالمحاصة أو عن طريق التوزيع بحسب درجات الدائنين ( م 724 - 785 مرافعات ) .

 $ 940 $ طرق وسطي ما بين التحفظية والتنفيذية : قدمنا أن هناك طرقا وسطا ما بين التحفظية والتنفيذية . فلا هي مقصورة علي مجرد التحفظ علي أموال المدين كما هو الأمر في الطرق التحفظية ، ولا هي تؤدي مباشرة إلي استيفاء الدائن حقه كما هو الأمر في الطرق التنفيذية . بل هي بين بين . فهي أقوي من الطرق التحفظية إذ هي تمهيد للتنفيذ ، وهي أضعف من الطرق التنفيذية إذ أن التنفيذ يعقبها دون أن تستغرقه ( [1733] ) .

وهذه الطرق ترد جميعها آل أصل واحد ، هو المبدأ العام الذي تقدم ذكره من أن جميع أموال المدين ضامنة لا لتزاماته . فهذا الضمان العام يخول للدائن أن يراقب أموال المدين ، ما دخل منها في ذمة المدين وما خرج ، حتي يأمن علي ضمانه من أن ينتقصه غش المدين أو تقصيره . وهذه الطرق من مباحث القانون المدني لا من مباحث قانون المرافعات ، لأنها تتفرع مباشرة عن مبدأ الضمان العام للدائنين كما سبق القول .

وقد عدد التقنين المدني الجديد منها خمسة : دعاوي ثلاثا وطريقين آخرين استحدثهما هذا التقنين .

أما الدعاوي الثلاث فهي الدعوي غير المباشرة والدعوي البولصية ودعوي الصورية . ففي الأولي يدفع الدائن عن نفسه نتائج تهاون المدين أو غشه إذا سكت هذا عن المطالبة بحقوقه لدي الغير ، فيباشر الدائن بنفسه حقوق مدينة نيابة عنه بالدعوي غير المباشرة ، وبذلك يحافظ علي ضمانه العام تمهيداً للتنفيذ بحقه بعد ذلك . وفي الثانية – الدعوي البولصية - يدفع الدائن عن نفسه نتائج غش المدين إذا عمد هذا إلي التصرف في ماله إضراراً بحق الدائن ، فيطعن الدائن في هذا التصرف ليجعله غير نافذ في حقه ، فيعود المالي إلي الضمان العام تمهيداً للتنفيذ عليه . وفي الثالثة – دعوي الصورية - يدفع الدائن عن نفسه نتائج غشن المدين أيضا إذا عمد هذا إلي التظاهر بالتصرف في ماله ليخرجه من الضمان العام بتصرف صوري ، فيطعن الدائن في هذا التصرف بالصورية حتي يكشف عن حقيقته ، ويستبقي $ 941 $ لذلك مال المدين في ضمانه العام تمهيداً للتنفيذ عليه بحقه . فالدائن في هذه الدعاوي الثلاث إما أن يبقي في ضمانه العام ما كاد أن يخرج بالدعوي غير المباشرة ، وإما أن يعيد ما خرج بالدعوي البولصية ، وإما أن يستبقي ما لم يخرج إلا ظاهراً بدعوي الصورية . ونري من ذلك أن هذه الدعاوي الثلاث تتركز كلها في فكرة الضمان العام للدائنين ( [1734] ) .

وهناك طريق رابع استحدث فيه التقنين المدني تجديداً ، هو حق الدائن في حبس مال المدين . وهذا أيضا إجراء ما بين التحفظي والتنفيذي فهو أقوي من التحفظي لأن الدائن إنما يتخذه تمهيداً للتنفيذ بحقه وهو أضعف من التنفيذي لأن الدائن لا يستطيع الوقوف عند حبس مال المدين ليستوفي حقه بل عليه بعد ذلك أن يتخذ إجراءات التنفيذ علي المال المحبوس .

ويلاحظ أن هذه الطرق الأربعة - الدعوي غير المباشرة والدعوي البولصية ودعوي الصورية والحق في الحبس – كلها إجراءات فردية ، يتخذها كل دائن بمفرده ولحسابه الشخصي . ثم هي إجراءات ليس من شأنها أن تغل يد المدين عن ماله ، فلا يزال المدين يستطيع التصرف فيه ، ومباشرة جميع حقوقه عليه .

والطريق الخامس هو أيضا إجراء فردي ، يتخذه أي دائن بمفرده ، ولكنه إجراء من شأنه أن يغل يد المدين عن ماله ، وذلك هو شهر إعسار المدين . فقد $ 942 $ تكفل التقنين الجديد – علي خلاف التقنين السابق وأكثر التقنينات اللاتينية – بتنظيم إجراءات هذا الإعسار ، حتي يستطيع الدائن من وراء ذلك أن يستوفي حقه من أموال مدينة دون أن يخشي غش المدين أو تهاونه . فإجراءات الإعسار هي أيضا تقوم علي فكرة الضمان العام للدائنين ، وهي إجراءات أقوي من الإجراءات التحفظية إذ هي تل يد المدين عن التصرف في ماله ، وأضعف من الإجراءات التنفيذية إذ لا تكفي وحدها للوفاء بحق الدائن ، بل لابد للدائن من اتخاذ إجراءات تنفيذية لاستيفاء هذا الحق من أموال المدين الذي شهر إعساره .

فنبحث إذن في فصول متعاقبة هذه الطرق الخمسة :

(1)                    الدعوي غير المباشرة ( action oblique indirecte ) ونذيلها بالدعوي المباشرة ( action directe ) .

(2)                    الدعوي البولصية ( action paulienne revocatoire )

(3)                    دعوي الصورية ( action en simulation )

(4)                    الحق في الحبس ( droit de retention )

(5)                    الإعسار ( deconfiture )

الفصل الأول

الدعوي غير المباشرة ( [1735] ) والدعوي المباشرة

( Action oblique indirect subrogatoire - Action directe )

527 - خطة البحث : نبحث ( أولا ) شروط الدعوي غير المباشرة ( ثانياً ) ما يترتب عليها من آثار . ( ثالثاً ) الدعوي المباشرة .

الفرع الأول

شروط الدعوي غير المباشرة

528 - النصوص القانونية : تنص المادة 235 من التقنين المدني علي ما يأتي :

 " 1 - لكل دائن ، ولو لم يكن حقه مستحق الأداء ، أن يستعمل باسم مدينه جميع حقوق هذا المدين ، إلا ما كان متصلا منها بشخصه خاصة أو غير قابل للحجز " .

 " 2 - ولا يكون استعمال الدائن لحقوق مدينة مقبولا ، إلا إذا أثبت أن المدين لم يستعمل هذه الحقوق ، وأن عدم استعماله لها من شأنه أن يسبب إعساره أو أن يزيد في هذا الإعسار . ولا يشترط إعذار المدين لاستعمال حقه ، ولكن $ 944 $ يجب إدخاله خصما في الدعوي ( [1736] ) .

ويقابل هذا النص في التقنين المدني السابق المادة 141 / 202 ( [1737] ) .

ويقابل في التقنينات المدنية العربية الأخري : في التقنين المدني السوري المادة 236 ، وفي التقنين المدني العراقي المادة 261 ، وفي التقنين المدني الليبي المادة 238 ، وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني المادة 276 الفقرات 1 و 2 و 3 ( [1738] ) .

 $ 945 $ الفكرة الأساسية في شروط الدعوي غير المباشرة هي وجود مصلحة مشروعة للدائن : ويبين النص المتقدم الشروط الواجب توافرها الاستعمال الدعوي غير المباشرة . والفكرة الأساسية التي ترد إليها هذه الشروط جميعا هي وجود مصلحة مشروعة للدائن . ومصلحة الدائن المشروعة هي التي تبرر نيابة عن المدين ، وهذه هي الفكرة الأساسية الأخري التي ترد إليها آثار الدعوي غير المباشرة . فعلي هاتين الفكرتين الأساسيتين - وجود مصلحة مشروعة للدائن ونيابة الدائن عن المدين - تدور جميع القواعد المتعلقة بالدعوي غير المباشرة .

وشروط الدعوي غير المباشرة بعضها يرجع إلي الدائن ، وبعضها يرجع إلي المدين ، وبعضها يرجع إلي الحق الذي يستعمله الدائن باسم المدين .

المبحث الأول

الشروط التي ترجع إلي الدائن

530 - لا يشترط في الدائن إلا أن يكون له حق موجود : الشرط $ 946 $ الوحيد في الدائن هو أن يكون له حق موجود ( certain ) ، وهذا هو أدني المراتب في الدائن ، فلو كان حقه احتماليا ( evenruel ) كحث الوارث قبل موت المورق ، أو كان حقه غير خال من النزاع ( litigieux ) ، فإن دائنيته لا تكون محققه ومن ثم لا يستطيع استعمال حقوق مدينة إلا إذا انقلب حقه المحتمل إلي حق موجود ، أو أصبح حقه المتنازع فيه خاليا من النزاع ( [1739] ) .

ويلاحظ أن حق الدائن إذا كان مقرونا بأجل أو معلقا علي شرط - سواء كان الأجل أو الشرط فاسخا أو واقفا - فإنه يكون مع ذلك موجوداً ، فيجوز للدائن استعمال حقوق مدينة أما الحق المقرون بالأجل فظاهر ، لأن الحق يكون موجوداً بالرغم من قيام الأجل ، والأجل إنما ينصب علي استحقاق الأداء دون وجود الحق ذاته . وأما الحق المعلق علي شرط ، ولو كان الشرط واقفا ، فإنه ليس بالحق الاحتمالي ، بل هو حق له وجود قانوني يعتد به ، فيجوز لصاحبه أن يستعمل حقوق مدينة والحق المؤجل أو المعلق علي شرط حق موجود ، وإن كان غير مستحق الأداء ، واستحقاق الأداء ليس بشرط كما سنري ( [1740] ) .

531 - فلا يشترط في حق الدائن أن يكون قابلا للتنفيذ أو مستحق الأداء أو معلم المقدار : انعقد إجماع القضاء والفقه في فرنسا ، وكذلك في مصر في عهد التقنين المدني السابق ، علي أنه يشترط في الدائن حتي يستعمل حقوق مدينة أن يكون حقه هو مستحق الأداء( [1741] ) . ( exigible ) وقد $ 947 $ كنا في عهد التقنين المدني السابق لا نذهب إلي ما ذهب إليه الجمهور في هذه المسألة ، وكنا نري أنه لا يشترط في استعمال الدائن لحقوق مدينة أ يكون حقه مستحق الأداء أو معلوم المقدار ( [1742] ) . ويقول بهذا الرأي في فرنسا - علي خلاف الإجماع - الأستاذان كولان وكابيتان ، فهما يذهبان إلي أنه يكفي أن يكون حق الدائن خاليا من النزاع ، وهذا هو الشرط الوحيد الذي تقتضيه القواعد العامة . والدائن الذي يكون حقه غير معلوم المقدار - كالمضرور في عمل غير مشروع - أو يكون حقه غير مستحق الأداء - كالدائن لأجل أو بشرط – له مصلحة مشروعة في استعمال حقوق مدينة ( [1743] ) .

ومهما يكن من شك في هذه المسألة في عهد التقنين المدني السابق ، فقد أزال التقنين المدني الجديد كل شك ، إذ ذكر صراحة في المادة 235 أنه لا يشترط في الدائن أن يكون حقه مستحق الأداء ( [1744] ) . وما دان لا يشترط في الحق أن يكون مستحق الأداء ، فلا يشترط فيه كذلك أن يكون معلوم المقدار ، ومن باب أولي لا يشترط فيه أن يكون ثابتا في سند قابل للتنفيذ( [1745] ) .

352 - أوي دائن حقه موجود يستطيع استعمال حقوق مدينة : يخلص مما تقدم أن الشرط الوحيد الواجب توافره في الدائن هو أن يكون حقه موجوداً . وأي دائن حقه موجود يستطيع استعمال حقوق مدينة .

لا فرق في ذلك بين دائن عادي أو دائن مرتهن أو دائن له حق امتياز ( [1746] ) . ويلاحظ أن الدائن إذا كان له تأمين عيني – رهن أو امتياز أو نحو ذلك - فإنه يثبت له بذلك صفتان : ( أولا )صفته باعتباره ذا تأمين عيني ، وهو من هذه الناحية يتركز حقه في العين محل التأمين فيكون له عليها حق تقدم وحق تتبع ، ( ثانياً ) صفته باعتباره داثنا شخصيا ، وهو من هذه الناحية بتطبق عليه مات ينطبق علي سائر الدائنين الشخصيين . فالدائن المرتهن مثلا يتكون ضمانه من عنصرين : الشيء المرهون وهو ضمان خاص له ، وبقية أموال المدين وهي ضمان عام له ولسائر الدائنين ، فيتأثر بعقود مدينة التي تزيد في هذه الأموال أو تنقص $ 949 $ منها ، فله إذن ان يستعمل حقوق مدينة وأن يطعن في تصرفاته بالدعوي البولصية ودعوي الصورية ، شأنه في ذلك شأن كل دائن شخصي ( [1747] ) .

ولا فرق كذلك بين دائن حقه نقد ودائن حقه عين ودائن حقه عمل أو امتناع عن عمل ، فالكل سواء في استعمال حقوق المدين ( [1748] ) .

ولا فرق أخيرا بين ما إذا كان مصدر هذا الحق تصرفا قانونيا أو واقعة مادية ، فالبائع دائن بالثمن ، والمضرور دائن بالتعويض ، والمفتقر دائن للمثري بلا سبب ، وكل هؤلاء يجوز لهم أن يستعملوا حقوق مدينيهم ( [1749] ) .

533 - ولا يشترط أن يكون حق الدائن سابق علي حق المدين : وليس من الضروري أن يكون حق الدائن سابقا علي حق المدين الذي يستعمله الدائن ، وذلك بخلاف الدعوي البولصية حيث تشترط أسبقية حق الدائن علي تصرف المدين المطعون فيه . وذلك أنه في الدعوي البولصية ، كما سنري ، لا يكون تصرف المدين ضاراً بالدائن إلا إذا كان هذا التصرف قد صدر من المدين بعد ثبوت حق الدائن . أما في الدعوي غير المباشرة ، فإنه سواء كان حق المدين الذي يستعمله الدائن قد ثبت بعد ثبوت حق الدائن أو قبل ذلك ، فهو في الحالتين داخل في الضمان العام للدائن ، وله إذن أن يستعمله باسم المدين ( [1750] ) .

 $ 950 $ كذلك للدائن أن يطعن باسم المدين بالبطلان أو بالفسخ أو بنحو ذلك في عقود صدرت من المدين ، حتي لو كانت هذه العقود قد صدرت قبل ثبوت حق الدائن ( [1751] ) .

وينبني علي ما تقدم أنه لا يشترط أن يكون الحق الدائن تاريخ ثابت ، فسواء تقدم هذا التاريخ أو تأخر ، فإن هذا لا يمنعه من استعمال حقوق مدينة ( [1752] ) .

534 - ولا يشترط ألا يكون للدائن طريق آخر سوي الدعوي غير المباشرة : وليست الدعوي غير المباشرة دعوي احتياطية ( action subsidiaire ) لا يجوز للدائن أن يلجأ إليها إلا إذا لم يكن أمامه طريق آخر ( [1753] ) . بل يصح أن يكون للدائن طرق شتي ، فيعدل عنها إلي الدعوي غير المباشرة .

قد يكون للدائن دعوي مباشرة يستطيع أن يستغني بها عن الدعوي غير المباشرة ، كالمشتري من المشتري يستطيع أن يرفع دعوي ضمان مباشرة علي البائع باعتبار أن هذه الدعوي انتقلت إليه من سلفه من الشيء المبيع ، ولكن هذا لا يمنعه من رفع دعوي الضمان علي البائع باسم المشتري مدينة ( [1754] ) .

كذلك للمؤجر أن يرفع دعوي مدينة المستأجر علي المتنازل له عن الإيجار أو المستأجر من الباطن لاستيفاء الأجرة ، ولو أن له أن يرفع دعوي مباشرة علي كل من هذين( [1755] ) .

 $ 951 $ وقد يستعمل المحال له حق المحيل قبل المحال عليه مع أن له دعوى مباشرة( [1756] ) .

ولا يشترط أيضًا فى رفع الدعوى غير المباشرة أن يقوم الدائن بإجراءات كان على المدين أن يقوم بها لو باشر الدعوى بنفسه ، كما إذا كان المدين قاصرًا ووجب عليه أخذ إذن من المحكمة الحسبية أو الحصول على أجازة الولى أو الوصى . فما دام الدائن كامل الأهلية ، فإنه يستطيع أن يرفع الدعوى دون القيام بشئ من هذه الإجراءات . ولكن لما كان لابد من إدخال المدين فى الدعوى كما سنرى ، فإنه يجب اتخاذ هذه الإجراءات عند إدخاله( [1757] ) .

535 ـ ولا يشترط أن يحصل الدائن على أذن من القضاء بحلول محل المدين : كذلك لا يشترط أن يحصل الدائن من القضاء على إذن بحلوله محل المدين . ذلك أن نيابته عن المدين إنما يستماها من القانون كما سنرى ، فهو فى غير حاجة إلى أن يستمد نيابته من القضاء( [1758] ) . هذا إلى أن الإذن القضائى بالحلول $ 952 $ لم يرد فيه نص( [1759] ) ، وطبيعة الدعوى لا تقتضيه( [1760] ) ، ومن ثم لا ضرورة لإذن قضائى بالحلول إذا أراد الدائن أن يوقع باسم مدينة حجزًا تحفظيًا هى ما لمدين مدينة لدى الغير( [1761] ) .

وقد خلص لنا مما تقدم أنه لا يشترط فى الدائن إلا أن يكون حقه موجودًا ، وغنى عن البيان أن هذا الحق يجب أن يبقى موجودًا مادام الدائن يستعمل حقوق مدينة ، فإذا وفى الخصم فى الدعوى غير المباشرة للدائن حقه ، فقد هذا صفته كدائن ولم تعدله مصلحة فى الاستمرار فى استعمال حقوق مدينة( [1762] ) .

المبحث الثانى

الشروط التى ترجع إلى المدين

536 ـ شروط ثلاثة يجب توافرها فى المدين : الأصل فى استعمال الدائن لحقوق مدينة هو أن يكون له فى ذلك مصلحة مشروعة عاجلة كما قدمنا $ 953 $ ، وهذه المصلحة هى التى تبرر ثبوت النيابة القانونية للدائن ، فلو لم تكن هناك مصلحة مشروعة عاجلة لما كان هناك محل لتختيم هذه النيابة على المدين( [1763] ) .

ولا توجد مصلحة مشروعة عاجلة للدائن إلا إذا توافر فى المدين شرطان :

( 1 )ألا يكون عنده أموال كافية لسداد حق الدائن إذا فات عليه الحق الذى يريد الدائن استعماله ، أى أن يكون فوات هذا الحق على المدين سببًا فى إعساره أو فى زيادة إعساره .

( 2 ) أن يكون مقصرًا فى عدم استعمال حقه بنفسه .

يضاف إلى هذين الشرطين شرط ثالث بصريح النص ، هو إدخال المدين كخصمًا فى الدعوى( [1764] ) .

537 ـ فوات الحق على المدين يكون سببًا فى إعساره أو فى زيادة إعساره : ذلك أنه لو كان عند المدين مال آخر يستوفى منه الدائن حقه ، لما جاز لهذا الدائن أن يستعمل حقًا للمدين مال آخر يستوفى منه الدائن حقه ، لما جاز لهذا الدائن أن يستعمل حقًا للمدين لا مصلحة فى استعماله ، ما دام يستطيع استيفاء حقه من غير هذا الطريق ، ومن ثم قضت الفقرة الثانية من المادة 235 ، على ما رأينا ، بوجوب أن يثبت الدائن أن عدم استعمال المدين لحقه يسبب إعساره أو يزيد فى هذا الإعسار . والمراد بالإعسار هنا هو الإعسار الفعلى ، بأن تزيد ديون المدين على حقوقه ، لا الإعسار القانونى الذى يستلزم حكمًا بشهره بشروط وإجراءات معينة .

ونرى مما تقدم أن عبء الإثبات يقع على الدائن لا على المدين . وليس المدين أن ملزمًا يثبت أن عدم استعماله لحقه لا يسبب إعساره أو لا يزيد فى هذا الإعسار ، بل الدائن هو الذى عليه أن يثبت أن هذا الحق ـ ولنفرض أنه عين مملوكة للمدين فى حيازة شخص آخر كاد أن يتملكها بالتقادم ـ لو ترك فى يد الحائز فتملكه بالتقادم ، لما وجد الدائن مالا آخر للمدين يستطيع أن ينفذ عليه ، أو أن ما يجده من مال للمدين لا يكفى للوفاء بحقه ، ويستوي أن تكون هذه العين كافية للوفاء بحق الدائن ، وهنا يكون فوات العين على $ 954 $ المدين سببًا فى إعساره ، أو أن تكون غير كافية إلا للوفاء ببعض الحق ، وهنا يكون فوات العين على المدين سببًا فى زيادة إعساره ، ففى جميع هذه الأحوال يجوز للدائن أن يقطع التقادم باسم المدين ، وأن يرفع باسم المدين كذلك دعوى الاستحقاق ضد الحائز ، وذلك حتى لا نخرج العين من مال المدين فيستطيع الدائن أن يستوفى منها حقها أو بعض حقه ، ولو لم يمكن القانون الدائن من ذلك ، فملك الحائز العين بالتقادم ، لكان هذا سببًا فى وقوع الضرر بالدائن من جراء تقصير المدين فى المحافظة على أمواله( [1765] ) .

538 ـ تقصير المدين فى عدم استعماله حقه بنفسه : ولا يكفى أن يكون عدم استعمال المدين لحقه سببًا فى إعساره أو زيادة إعساره ، بل يجب أيضًا أن يكون المدين مقصرًا فى عدم استعمال حقه بنفسه . أما إذا نشط وأراد أن يباشر بنفسه استعمال حقه ، حتى بعد أن يكون الدائن قد باشر استعمال الحق بالنيابة عنه ، فإنه يستطيع أن يفعل ، ويجب فى هذه الحالة على الدائن أن يمتنع عن المضى فى الإجراءات التى بدأها ، وأن يترك إتمامها للمدين( [1766] ) . وكذلك الحال لو أن المدين ، عندما أدخل فى الدعوى ، عمد إلى مباشرة حقه بنفسه واتخذ موقفًا إيجابيًا فى ذلك ، ولم يكتف بأن يكون موقفه سلبيًا من الخصومة تاركًا للدائن عبء مباشرة الحق( [1767] ) .

 $ 955 $ وفى حالة ما إذا باشر المدين حقه بنفسه ، ولم يكن الدائن خصمًا فى الدعوى وعاف تواطؤ المدين مع الخصم ، فله أن يدخل خصمًا ثالثًا ليرقب بنفسه الإجراءات محافظة على حقوقه من تواطؤ المدين أو من تراخيه فى الدفاع عن حقه( [1768] ) . وله إلى جانب ذلك أن يستعمل الدعوى البولصية إذا تواطأ المدين فعلاً مع الخصم للإضرار به( [1769] ) .

وعبء إثبات تقصير المدين فى استعمال حقه يقع على الدائن ، ولكن كل على الدائن أن يثبته هو أن المدين لم يستعمل حقه بنفسه وكان ينبغى أن يفعل إذ أن موقفه السلبى هذا يهدده بالإعسار أو بالزيادة فيه ، فلو أن المدين ، إذ لم يستعمل حقه ، كان أمامه فسحة من الوقت لاستعماله ، فليس للدائن أن يستعمله مكانه ، أما إذا تلكأ المدين فى رفع الدعوى بحقه ، أو رفع الدعوى وتلكأ بعد ذلك فى مباشرة الإجراءات( [1770] ) ، وخيف من جراء هذا التلكؤ أن يعسر المدين أو أن يزيد إعساره ، فللدائن عندئذ أن يستعمل حق المدين( [1771] ) .

وإثبات الدائن أن المدين لم يستعمل حقه يكفى ، وليس على الدائن أن يثبت تقصيرًا معينًا فى جانب المدين( [1772] ) . وقد كان المشروع التمهيدى للمادى 235 يذكر $ 956 $ أن الدائن عليه أن يثبت إهمال المدين ، فعدل النص فى لجنة المراجعة ، وأكثر فى التعديل أن يثبت الدائن عدم استعمال المدين لحقه( [1773] ) . وغنى عن البيان أنه إذا أثبت الدائن أن المدين لم يستعمل حقه ، فللمدين أو للخصم فى الدعوى أن يثبت أن الوقت لا يزال متسعًا أمام المدين لاستعمال حقه بنفسه ، وفى هذه الحالة لا يقبل من الدائن أن يستعمل الحق باسم المدين .

539 ـ إدخال المدين خصمًا فى الدعوى ـ عدم ضرورة إعزازه : لم ينص التقنين المدنى السابق على ضرورة إدخال المدين خصمًا فى الدعوى ، ولذلك كان الرأى الغالب ـ كما هو الأمر فى القانون الفرنسى ـ أن إدخال المدين خصمًا فى الدعوى ليس بشرط( [1774] ) . لكن إذا لم يدخل المدين خصمًا فى الدعوى ، فإن الحكم الذى يصدر فيها كان لا يسرى فى حقه ، وهذا بخلاف الحكم الذى يصدر فى مواجهة المدين فإنه يسرى فى حق الدائن وفقًا للقواعد العامة المقررة فى حجية الأمر المقضى( [1775] ) . وقد جرت العادة أن الدائن يدخل المدين خصمًا فى الدعوى ، فإذا لم يدخله فإن الخصم هو الذى يدخله حتى يجعل الحكم يسرى فى حقه( [1776] ) .

 $ 957 $ والمدين كذلك أن يدخل من تلقاء نفسه خصمًا فى الدعوى ، بل له أن يتولاها بنفسه ويقف عمل الدائن كما قدمنا . وللقاضى من تلقاء نفسه أن يأمر بإدخال المدين خصمًا إذا رأى فائدة فى ذلك( [1777] ) .

وقد ذهب التقنين المدنى الجديد فى هذه المسألة مذهبًا آخر ، فنص صراحة ( م 235 فقرة 2 ) على وجوب إدخال المدين خصمًا فى الدعوى . فلا يجوز إذن للدائن أن يرفع الدعوى غير المباشرة دون أن يدخل المدين خصمًا ثالثًا ، فإذا لم يدخله جاز للخصم أن يدفع بعدم قبول الدعوى ، إلا إذا دخل المدين من تلقاء نفسه أو أدخله الخصم نفسه ، فالحكم الذى يصدر فى الدعوى يسرى إذن فى حق المدين ، ما دام قد أصبح طرفًا فى الدعوى( [1778] ) .

ولما كان لابد من إدخال المدين خصمًا ، فقد استغنى بذلك عن أعذاره ، فإن إدخاله خصمًا أقوى من الأعذار( [1779] ) . وقد نصت الفقرة الثانية من المادة 235 مدنى صراحة على عدم ضرورة الأعذار . وكذلك كان الحكم فى عهد التقنين المدنى السابق دون نص صريح على ذلك ، إذ ليس فى القواعد العامة ما يحتم الأعذار إلا نحو الخصم الذى يباشر الدائن فى مواجهته حق المدين إذا كان الأعذار ضروريًا( [1780] ) . وبهذا الرأى أخذت جمهرة الفقهاء فى فرنسا( [1781] ) ، وسار $ 958 $ عليه الفقه فى مصر( [1782] ) ، قبل أن يتضمنه نص فى التقنين المدنى الجديد .

وغنى عن البيان أنه لا حاجة للدائن أن يدخل الدائنين الآخرين فى الدعوى( [1783] ) ، ويسرى الحكم الصادر فى الدعوى مع ذلك فى حقهم ، لأن المدين ـ وقد رأينا أن من الواجب إدخاله فى الدعوى ـ يمثل جميع الدائنين ، والحكم الذى يصدر فى مواجهته يكون حجة عليهم جميعًا وفقًا للقواعد المقررة فى حجية الأمر المقضى( [1784] ) .

المبحث الثالث

الشروط التى ترجع إلى الحق الذى يستعمله الدائن باسم المدين :

540 ـ القاعدة واستثناءاتها ـ نصت الفقرة الأولى من المادة 235 على أن للدائن أن يستعمل باسم مدينه " جميع حقوق هذا المدين ، إلا ما كان منها متصلاً بشخصه خاصة أو غير قابل للحجز " . ويستخلص من ذلك أن القاعدة هى أن أى حق للمدين يجوز أن يستعمله . ويستثنى من ذلك : ( أولاً ) أن يكون للمدين مجرد رخصة ، فلا يجوز للدائن أن يستعملها باسم المدين( [1785] ) . ( ثانيًا ) ألا يكون الحق للمدين نفسه ، بل هو حق يباشره عن غيره ، فلا يجوز للدائن أن يستعمل هذا الحق ، إذ هو ليس حقًا للمدين . ( ثالثًا ) أن $ 959 $ يكون الحق للمدين ، ولكنه متصل بشخصيته خاصة . ( رابعًا ) أن يكون الحق غير قابل للحجز عليه . ( خامسًا ) أن يكون الحق مثقلاً بحيث لا تكون هناك فائدة للدائن فى استعماله( [1786] ) .

ونستعرض القاعدة ثم الاستثناءات .

541 ـ يجوز للدائن استعمال أى حق للمدين : يجوز للدائن ، كقاعدة عامة ، أن يستعمل أى حق للمدين ، لا فرق بين حق وحق .

فقد يكون هذا الحق حقًا شخصيًا ، محله نقد أو عين أو عمل أو امتناع عن عمل . وأكثر ما يستعمل الدائن من حقوق المدين الحق الشخصى الذى محله نقد ، فهو الحق الأكثر سهولة فى الاستعمال . ومع ذلك فإن هناك إجراء أمام الدائن يفضل الدعوى غير المباشرة لتقاضى ما للمدين من نقود فى ذمة مدينه ، وهذا هو حجز ما للمدين لدى الغير . ومن ثم كانت الدعوى غير المباشرة نادرة الوقوع فى العمل . ففى حجز ما للمدين لدى الغير يعمد الدائن ـ بدلاً من رفع الدعوى غير المباشرة ـ إلى الحجز تحت يد مدين المدين على ما للمدين من نقود فى ذمة مدين المدين ، فإذا ما حكم بصحة الحجز انقلب الإجراء إجراء تنفيذيًا ، وتمكن الدائن بإجراءات هذا الحجز وحدها من استيفاء حقه من مدين المدين( [1787] ) . وهذا بخلاف الدعوى غير المباشرة ، فإن الدائن بعد النجاح فيها لا يكتفى بذلك ، بل لابد له حتى يصل إلى حقه من أن يباشر إجراءات تنفيذية مستقلة عن الدعوى( [1788] ) .

وقد يكون حق المدين حقًا عينيًا يستعمله الدائن باسمه ، كحق ملكية أو حق انتفاع أو حق ارتفاق أو حق رهن .

 $ 960 $ ويغلب أن يأخذ الحق ـ شخصيًا كان أو عينيًا ـ صورة الدعوى يرفعها الدائن على من عليه الحق للمدين( [1789] ) ، كدعوى الدين أو دعوى الاستحقاق( [1790] ) .

ومن ثم أطلق على استعمال الدائن لحقوق مدينه اسم " الدعوى غير المباشرة " ، أخذا بالغالب . على أنه يجوز أن يستعمل الدائن باسم مدينه مجرد إجراءات ، دون أن يرفع دعوى أمام القضاء . وهذه الإجراءات إما أن تكون تصرفات قانونية أو إجراءات مادية . مثل التصرفات القانونية أن يقبل الدائن وصية عن المدين ، أو يسترد شيئًا للمدين حق استرداده ، أو يقبل اشتراطًا لمصلحة المدين .

 $ 961 $ ومثل الإجراءات المادية أن يقيد رهنًا لمصلحة المدين ، أو يجدد قيد الرهن ، أو يسجل عقدًا للمدين حتى تنتقل إليه الملكية ، أو يقطع تقادمًا سرى ضد المدين ، أو يطلب باسم المدين وضع أختام أو كتابة محاضر جرد( [1791] ) . وللدائن كذلك أن يطعن باسم مدينه فى حكم صدر ضد المدين ، بجميع وجوه الطعن العادية وغير العادية ، من معارضة واستئناف ونقض والتماس إعادة نظر وغير ذلك . وله أن يقوم بإجراءات المرافعة ، وأن يتمسك بالدفوع عن المدين( [1792] ) .

 $ 962 $ 542 ـ لا يجوز للدائن أن يستعمل ما للمدين من رخصة : ليس للدائن أن يتدخل فى شؤون مدينه إلى حد أن يقبل عنه صفقة لا يريدها هو ، حتى لو كانت هذه الصفقة رابحة ومن شأنها أن تزيد فى ضمان الدائن ، ولا أن يلغى باسم مدينه عقد إيجار بدعوى أن الأجرة باهظة ومن شأنها أن تنتقص من ضمان الدائن . " فحق " قبول الإيجاب ، " وحق " إلغاء عقد الإيجار ، " وحق " إدارة المدين لأمواله حسبما يرى حتى لو كانت هذه الإدارة سيئة( [1793] ) ، ليست حقوقًا يجوز للدائن أن يستعملها باسم مدينه ، بل هى مجرد رخص لا شأن للدائن فى استعمالها( [1794] ) .

ولكن إذا أصبحت الرخصة حقًا ، فللدائن أن يستعمل هذا الحق باسم مدينه ما دام قد استوفى الشروط اللازمة . فحق الموصى له فى قبول الوصية( [1795] ) ، وحق المنتفع فى قبول الاشتراط لمصلحته( [1796] ) ، $ 963 $ وحق الموعود بالبيع فى الشراء وحق المشترى وفاء فى استرداد الشئ المبيع عندما كان بيع الوفاء جائزًا( [1797] ) ، كل هذه حقوق يجوز للدائن استعمالها باسم المدين( [1798] ) .

أما التمسك بالتقادم ، فالرأى الراجح أنه رخصة لا حق ، وأن التقادم لا يتم إلا بالتمسك به( [1799] ) . وكان مقتضى هذا التكييف أن الدائن لا يستطيع استعمال هذه الرخصة نيابة عن مدينه ، ولكن الفقرة الأولى من المادة 387 مدنى نصت $ 964 $ استثناء على جواز تمسك الدائن بالتقادم المسقط نيابة عن مدينه إذ تقول : " لا يجوز للمحكمة أن تقضى بالتقادم من تلقاء نفسها ، بل يجب أن يكون ذلك بناء على طلب المدين أو بناء على طلب دائنيه أو أى شخص له مصلحة فيه ولو لم يتمسك به المدين " ، وقضت المادة 973 مدنى بنفس الحكم بالنسبة إلى التقادم المكسب( [1800] ) .

 " وحق " الشفيع فى الأخذ بالشفعة ، " وحق " الشريك فى استرداد النصيب الشائع ، كلاهما رخصة لا يجوز للدائن استعمالها بالنيابة عن المدين ، مثلها مثل قبول الإيجاب الموجه إلى المدين( [1801] ) .

543 ـ ولا يجوز للدائن أن يستعمل حقًا يباشرة المدين عن غيره : ثم إن الحق الذى يستعمله الدائن باسم المدين يجب أن يكون حق المدين نفسه ، لاحقًا يباشره المدين عن غيره . فلا يجوز للدائن ، إذا كان مدينه وليًا لقاصر ، أن يرفع دعاوى القاصر باسم مدينه ، لأن هذه الدعاوى إنما يباشرها المدين عن القاصر بصفته وليًا له . وكذلك الأمر لو كان المدين قيمًا على محجور عليه ولا دعاوى الوقف( [1802] ) .

كذلك إذا جاز للدائن أن يستعمل حق المدين قبل مدين المدين ، فلا يجوز له أن يستعمل حق مدين المدين قبل مدين مدين المدين( [1803] ) ، لأن حق مدين المدين إنما يستعمله المدين بالنيابة عن مدين المدين ، فلا يجوز للدائن أن يستعمل $ 965 $ حقًا يباشره مدينه بالنيابة عن غيره( [1804] ) . وقد قدمنا أنه يجوز للدائن أن يستعمل حق المدين فى إيقاع الحجز التحفظى على ما لمدين المدين لدى مدين مدين المدين دون مجاوزة لهذا الحد( [1805] ) .

544 ـ ولا يجوز للدائن أن ـ يستعمل حقًا متصلاً ـ بشخص المدين خاصة : وهذا ما نصت عليه صراحة الفقرة الأولى من المادة 235 كما رأينا . ذلك أن الدعوى غير المباشرة إنما تستند ، كما قدمنا ، إلى ما للدائن من حق الضمان العام على جميع أموال مدينه ، فالحق الذى يستطيع الدائن أن يستعمله يجب إذن أن يدخل ضمن الحقوق التى تعتبر ضامنة لحق الدائن .

ويترتب على ذلك أن الحقوق غير المالية المتعلقة بالأحوال الشخصية ، وهى حقوق متصلة بشخص المدين خاصة ولا تدخل فى الضمان العام للدائنين ، لا يجوز للدائن استعمالها . فلا يجوز استعمال حق الطلاق ، حتى لو كان استعمال هذا الحق من شأنه أن يخفف عبئًا ماليًا عن المدين كانقطاع دين النفقة . ولا يجوز استعمال حق اللعان ، ولو أن استعمال هذا الحق من شأنه ألا يثبت نسب ولد اللعان من المدين فلا يتحمل هذا نفقته . وليس للدائن أن يطلب باسم مدينه إنقاص نفقة قدرت لزوجة المدين أو لأحد من أقاربه( [1806] ) . كذلك لا يجوز للدائن أن يرفع باسم مدينه دعوى نسب ، حتى لو كانت هذه الدعوى تؤدى إلى أن يثبت للمدين ميراث أو وصية ، لأن دعوى النسب متعلقة بالأحوال الشخصية فيترك $ 966 $ المدين حرًا فى تقدير مناسبة رفعها . ولكن لما كان يجوز للورثة أن يطالبوا بميراث مورثهم ولو اقتضى الأمر أن يثبتوا نسبه ، فلدائنى الورثة أن يرفعوا هذه الدعوى باسم مدينيهم ، لأن القضية تصبح قضية ميراث لا قضية نسب( [1807] ) .

ويترتب على ذلك أيضًا أن الحقوق المالية غير المتعلقة بالأحوال الشخصية ، إذا كانت متصلة بشخص المدين ، لا يجوز للدائن استعمالها . ويعتبر الحق المالى متصلاً بشخص المدين إذا قام فى أساسه على اعتبارات أدبية( [1808] ) ، وذلك كحق الواهب فى الرجوع فى الهبة( [1809] ) ، وحق المصاب فى التعويض عما أصابه من الضرر الأدبى( [1810] ) ، $ 967 $ وحق المؤلف فى نشر مؤلفه أو إعادة نشره( [1811] ) .

545 ـ ولا يجوز للدائن أن ـ يستعمل حقًا للمدين غير قابل للحجز : ولما كانت الدعوى غير المباشرة تستند إلى الضمان العام للدائنين كما تقدم القول ، فحقوق المدين غير القابلة للحجز ـ وهى لا تدخل فى هذا الضمان ـ لا يجوز للدائن استعمالها ، إذ لا يستطيع التنفيذ عليها ، فتصبح الدعوى غير المباشرة دون جدوى . وجميع الحقوق التى يقضى القانون بعدم جواز الحجز عليها ، سواء كانت غير قابلة للتنازل عنها كحق السكنى وحق الاستعمال ، أو كانت قابلة للتنازل كمرتبات الموظفين ومعاشاتهم وديون النفقة والملكية الزراعية الصغيرة التى لا تزيد على خمسة فدادين( [1812] ) ، كل هذه الحقوق لا يجوز للدائن استعمالها لانعدام المصلحة . وقد سبق أن عددنا تفصيلاً أموال المدين التى لا يجوز الحجز عليها ، فنكتفى هنا بالإحالة إلى ما قدمناه من ذلك .

 $ 968 $

546 – ولا يجوز للدائن أن يستعمل حقا للمدين مثقلا إلى حد الاستغراق : وقد يكون الحق غير متصل بشخص المدين وقابلا للحجز عليه ، ولكنه حق مثقل برهن أو نحوه بما يجعل استعماله غير ذي فائدة للدائن . فعند ذلك لا تكون هناك مصلحة للدائن في استعمال هذا الحق . مثل ذلك أن يسترد الدائن عيناً مملوكة للمدين من تحت يد الحائز ، وتكون العين مرهونة ضماناً لدين يستغرق قيمتها ، ففي هذه الحالة لا تكون للدائن مصلحة في استرداد هذه العين ما دام الدائن المرتهن يتقدم عليه ، فلا يبقى له شيء من ثمنها يستوفى منه حقه .

ويستطيع كل من الحائز والمدين والدائن المرتهن في المثل المتقدم أن يدفع الدعوى غير المباشرة بهذا الدفع ( [1813] ) .

الفرع الثاني

الآثار التي تترتب على الدعوى غير المباشرة

547 – النصوص القانونية : تنص المادة 236 من التقنين المدني على ما يأتي :

 " يعتبر الدائن في استعمال حقوق مدينه نائباً عن هذا المدين . وكل فائدة تنتج من استعمال هذه الحقوق تدخل في أموال المدين وتكون ضمانا لجميع دائنيه ( [1814] ) " .

ولا مقابل لهذا النص في التقنين المدني السابق ، ولكن الحكم واحد في التقنينين .

ويقابل الناص في التقنينات المدنية العربية الأخرى : في التقنين المدني السوري $ 969 $ المادة 237 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 262 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 239 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المادة 276 فقرة 4 ( [1815] ) .

548 ـ الفكرة الأساسية فى آثار الدعوى غير المباشرة هى نيابة الدائن عن المدين : والآثار التى تترتب على الدعوى غير المباشرة تتركز كلها فى فكرة أساسية ، هى نيابة الدائن عن المدين كما سبق القول . والنيابة هنا نيابة قانونية ، نص عليها التقنين المدنى الجديد صراحة فى صدر المادة 236 كما رأينا . ويبرر هذه النيابة القانونية المصلحة المشروعة العاجلة التى للدائن فى استعمال حقوق مدينه ، وقد قدمنا أن هذه المصلحة هى الفكرة الأساسية التي تقوم عليها شروط الدعوى غير المباشرة .

ويلاحظ أن هذه النيابة التى أثبتها القانون للدائن عن المدين نيابة تتميز بأنها لمصلحة النائب لا لمصلحة الأصيل( [1816] ) ، وبأنها مقصورة على استعمال الحق دون التصرف فيه . ويترتب على ذلك النتائج الآتية :

( 1 ) بالرغم من قيام هذه النيابة فإنه يجب إدخال المدين ـ وهو الأصيل ـ خصمًا فى الدعوى ، وكان مقتضى قواعد النيابة أن دخول الأصيل فى الدعوى غير ضرورى ، بل ويكون الحكم ساريًا فى حقه حتى لو لم يدخل .

( 2 ) أن المدين إذا كان قاصرًا أو احتاج إلى إجراءات خاصة لمباشرة الدعوى بنفسه ، فإن هذا لا يكون ضروريًا بالنسبة إلى الدائن وهو يابشر الدعوى عن المدين ، وكان مقتضى قواعد النيابة أن يكون هذا ضروريًا ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك .

 $ 970 $ ( 3 ) لا يجوز للدائن أن يصطلح على الحق الذى يستعمله باسم المدين ، فإن نيابته مقصورة على استعمال الحق دون التصرف فيه . وقد ذكر هذا الحكم صراحة فى لجنة المراجعة( [1817] ) .

( 4 ) لا تغنى إجراءات الدعوى غير المباشرة عن إجراءات التنفيذ ، فالدائن إنما ينوب عن المدين فى استعمال الحق وحده ، وهو بعد الانتهاء من الدعوى غير المباشرة فى حاجة إلى اتخاذ إجراءات تنفيذ مستقلة على الحق الذى استعمله باسم المدين .

وهذه الفكرة الأساسية ـ أن الدائن ليس إلا نائبًا عن المدين فى استعمال حقه( [1818] ) ـ هى التى تحدد آثار الدعوى غير المباشرة بالنسبة إلى المدين الذى يستعمل الحق باسمه ، وبالنسبة إلى الخصم الذى يستعمل الحق ضده ، وبالنسبة إلى الدائن الذى يستعمل الحق باسم المدين . ونستعرض هذه الآثار متعاقبة .

المبحث الأول

آثار الدعوى غير المباشرة بالنسبة إلى المدين

459 ـ بقاء المدين محتفظًا بحقه : يبقى المدين محتفظًا بحقه الذى يباشر الدائن استعماله باسمه ، ولا ترتفع عنه يده ، لأن الدائن ليس إلا نائبًا عنه ، والقاعدة أن الأصيل يبقى حر التصرف فيما ناب عنه غيره فيه .

فيبقى المدين إذن محتفظًا بحرية التصرف فى حقه حتى بعد أن يرفع الدائن الدعوى غير المباشرة . فإن كان هذا الحق عينًا ، فللمدين أن يبيعها أو يقايض عليها أو يهبها ، لأنه لا يزال هو المالك ، ولم تغل الدعوى غير المباشرة يده عن التصرف فى ملكه . وكل ما يستطيع الدائن أن يفعل هو أن يطعن فى تصرف $ 971 $ المدين بالدعوى البولصية إذا توافرت شروطها( [1819] ) . وإذا كان الحق دينًا ، جاز المدين أن يتصرف فيه حوالة ببيع أو برهن أو بغير ذلك ، ولا يستطيع الدائن إلا الطعن فى التصرف بالدعوى البولصية على النحو المتقدم . وفى هذا تتجلى أفضلية حجز ماللمدين لدى الغير على الدعوى غير المباشرة ، فإن الحجز يرفع يد المدين عن الدين إلى حد كبير . هذا إلى أنه فى الدعوى غير المباشرة يستطيع مدين المدين أن يفى بالدين إلى المدين ، بخلاف ما إذا حجز تحت يده فلا يستطيع أن يفعل ذلك( [1820] ) . ومن ثم كان التجاء الدائنين إلى حجز ما للمدين لدى الغير أكثر بكثير من التجائهم إلى الدعوى غير المباشرة( [1821] ) ، وقد قدمنا أن هذا هو التفسير لندرة الدعوى غير المباشرة فى العمل( [1822] ) .

وكما يستطيع المدين التصرف فى حقه ، يستطيع كذلك أن يصطلح عليه ، بل يستطيع أن ينزل عنه عينًا كان أو دينًا ، سواء كان ذلك قبل رفع الدعوى غير المباشرة أو بعد ذلك . وليس للدائن إلا الالتجاء إلى الدعوى البولصية كما قدمنا( [1823] ) .

 $ 972 $ وللمدين كذلك أن يستقضى حقه بأى سبب من أسباب استقضائه . فله أن يستوفيه ، وله أن يقضيه بالتجديد أو بالمقاصة( [1824] ) أو باتحاد الذمة أو بالإبراء ، سواء كان سبب الانقضاء حدث قبل رفع الدائن للدعوى أو بعد ذلك( [1825] ) . وله أن يحول بحقه إلى محال له( [1826] ) ، كما سبق القول .

550 ـ بل لابد من دخول المدين خصمًا فى الدعوى غير المباشرة : ولا يقتصر الأمر على بقاء المدين محتفظًا بحقه ، بل يجب أيضًا كما رأينا أن يدخل خصمًا فى الدعوى غير المباشرة ، وإلا كانت الدعوى غير مقبولة . وقد كان مقتضى النيابة أن دخوله خصمًا يكون غير ضرورى ، لكن النيابة هنا لمصلحة الدائن كما قدمنا ، فوجب أن يدخل المدين فى الخصومة حتى يتمكن من الرقابة والدفاع عن حقه ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك( [1827] ) .

وقد قدمنا أن الدائن إذا لم يدخل المدين خصمًا فى الدعوى ، جاز للخصم المرفوع عليه الدعوى أن يدفع بعدم قبولها ، إلا إذا دخل المدين من تلقاء نفسه أو أدخله الخصم . ومن ثم فإن الحكم الذى يصدر فى الدعوى ـ ودخول المدين فى الخصومة ضرورى كما رأينا ـ يكون ساريًا فى حق المدين ، وفى حق الدائن $ 973 $ الذى رفع الدعوى غير المباشرة ، وفى حق سائر الدئانين من دخل منهم فى الخصومة ومن لم يدخل .

أما فى التقنين المدنى السابق فلم يكن دخول المدين خصمًا فى الدعوى ضروريًا لقبولها ، فكان من الجائز أن يرفع الدائن الدعوى غير المباشرة دون أن يدخل المدين خصمًا فيها . ولكن الحكم فى هذه الحالة لا يكون ساريًا فى حق المدين ، ولا فى حق الدائنين الذين لم يدخلوا فى الخصوصمة( [1828] ) . فكان للمدين أن يقيم الدعوى من جديد على الخصم ، بل وكان لأى دائن لم يدخل فى الدعوى أن يعيد رفعها باسم المدين( [1829] ) . ولما كانت هذه النتيجة غير مرغوب فيها ، فقد جرت العادة ، كما قدمنا ، أن الدائن يدخل المدين خصمًا فى الدعوى ، وإلا أدخله الخصم أو القاضى ، أو دخل هو من تلقاء نفسه( [1830] ) . وقد بسط التقنين الجديد هذه التعقيدات ، بأن أوجب إدخال المدين خصمًا فى الدعوى على النحو الذى بسطناه فيما تقدم( [1831] ) .

المبحث الثانى

آثار الدعوى غير المباشرة بالنسبة إلى الخصم

551 ـ علاقة الخصم بالدائن : والخصم فى علاقته بالدائن يستطيع أن يدفع الدعوى بجميع الدفوع التى كان له أن يواجه بها المدين لو أنه هو الذى رفع الدعوى( [1832] ) . وهذا تطبيق آخر لأحكام النيابة .

 $ 974 $ فله أن يتمسك بجميع أسباب انقضاء الدين . كالوفاء( [1833] ) والتجديد واتحاد الذمة والمقاصة والإبراء والتقادم وغير ذلك . سواء كان سبب الانقضاء سابقًا على رفع الدعوى أو تاليًا له . كما سبقت الإشارة إلى ذلك .

كذلك للخصم أن يطعن فى العقد الذى يتمسك به الدائن باسم مدينه بجميع أوجه البطلان التى كان يتمسك بها فى مواجهة المدين . وله كذلك أن يتمسك فى مواجهة الدائن بإجازة المدين لعقد قابل للإبطال كما كان يستطيع ذلك فى مواجهة المدين نفسه ، حتى لو كانت هذه الإجازة قد صدرت بعد رفع الدعوى ، دون إخلال بحق الدائن فى الطعن فى هذه الإجازة بالدعوى البولصية .

كذلك للخصم أن يتمسك قبل الدائن بأى اتفاق بينه وبين المدين فى شأن موضوع النزاع ، كما إذا تمسك بالاتفاق مع المدين على البقاء فى الشيوع لمدة لا تزيد على الحد القانونى فى دعوى قسمة رفعها الدائن ، أو بصلح تم مع المدين على الحق الذى رفع به الدائن الدعوى ، أو بعقد مستتر بينه وبين المدين يناقض العقد الظاهر الذى رفع الدائن الدعوى غير المباشرة على أساسه( [1834] ) ، أو بحجية الأمر المقضى( [1835] ) .

وبوجه عام ليس للدائن الذى يقيم دعوى باسم مدينه حق أكثر مما للمدين نفسه( [1836] ) . فلا يسوغ للدائن إذن أن يسلك طريقًا من طرق الإثبات ما كان للمدين أن يسكله( [1837] ) . وإذا كان الحق المرفوع به الدعوى غير المباشرة هو حق المشترى فى أخذ المبيع ولم يكن الثمن قد دفع ، فدائن المشترى عندما يستعمل $ 975 $ هذا الحق يجوز أن يواجهه البائع بوجوب دفع الثمن( [1838] ) .

ولكن ليس للخصم أن يدفع دعوى الدائن بدفوع خاصة بشخص هذا الدائن ، كوقوع مقاصة بين الخصم والدائن شخصيًا ، لأن الدائن إنما ينوب عن المدين فلا يتمسك قبله إلا بما يتمسك به قبل المدين( [1839] ) .

وللخصم ـ والمدين لابد أن يكون قد أدخل خصمًا فى الدعوى كما تقدم القول ـ أن يقيم فى مواجهة المدين دعوى من دعاوى المدعى عليه . وكان لا يستطيع ذلك فى عهد التقنين المدنى السابق لو أن المدين لم يدخل خصمًا فى الدعوى ، لأن الخصم كان عندئذ لا يجد أمامه إلا الدائن يقيم فى مواجهته دعوى المدعى عليه ، والدائن إذا كان يستطيع أن يكون مدعيًا باسم مدينه فهو لا يستطيع أن يكون مدعى عليه باسم هذا المدين( [1840] ) .

552 ـ علاقة الخصم بالمدين : أما علاقة الخصم بالمدين فتبقى هى العلاقة الأصلية ، علاقة مدين بدائن . وللخصم أن يفى دينه للمدين ويكون الوفاء صحيحًا كما قدمنا ، وله أن يصطلح عليه معه ، وأن يجدده ، وما إلى ذلك مما سبقت الإشارة إليه .

 $ 976 $ المبحث الثالث

آثار الدعوى غير المباشرة بالنسبة إلى الدائن

553 ـ لا يستأثر الدائن وحده بنتيجة الدعوى : والدائن الذى يستعمل الحق باسم مدينه هو نائب عنه كما قدمنا . ويترتب على ذلك أن الحكم الذى يصدر فى الدعوى ضد الخصم إنما يصدر لصالح المدين لا لصالح الدائن ، والمدين وحده هو الذى يفيد مباشرة منه . ويترتب على ذلك أيضًا أن الدائن يطالب الخصم فى الدعوى غير المباشرة بمقدار الحق الثابت فى ذمة الخصم للمدين ، لا بمقدار الحق الثابت فى ذمة المدين للدائن ، سواء كان المقدار الأول أقل من الثانى أو أكثر( [1841] ) . ويترتب على ذلك أخيرًا أن ما حكم به للمدين يدخل فى أموال المدين فيندرج ضمن الضمان العام للدائنين ، فيفيد منه جميع الدائنين ، سواء من دخل منهم خصمًا فى الدعوى ومن لم يدخل ، ولا يستأثر به الدائن الذى رفع الدعوى أو الدائنون الذين دخلوا فى الخصومة . وهذا ما نصت عليه صراحة المادة 236 إذ تقول : " وكل فائدة تنتج من استعمال هذه الحقوق تدخل فى أموال المدين ، وتكون ضمانًا لجميع دائنيه " ( [1842] ) .

554 ـ تزاحم الدائنين : وينبنى على أن الحق المحكوم به للمدين يكون ضمانًا عامًا لكل الدائنين ، أن لهؤلاء أن ينفذوا عليه جميعًا فيقسموه فيما بينهم قسمة غرماء( [1843] ) . بل إنه إذا كان لأحد من هؤلاء الدائنين ـ ولو لم يكن الدائن $ 977 $ الذى رفع الدعوى ـ على الحق المحكوم به ما يجعله يتقدم فيه على سائر الدائنين ، كما إذا كان له رهن أو امتياز ، فإنهي تقاضى حقه قبل الجمع( [1844] ) .

على أنه يلاحظ أن تزاحم الدائنين إنما يكون إذا تقدموا جميعًا فى الوقت المناسب . أما إذا لم يتقدم أحد منهم حتى حكم فى الدعوى غير المباشرة ، وانتهى الدائن الذى رفع الدعوى من إجراءات التنفيذ بحقه ، فإنه يستقل بما حصل عليه ولا يشترك الباقى معه فيه( [1845] ) . أما إذا مات المدين فتركته مسئولة عن ديونه جميعًا ، ولا يجوز لأحد من الدائنين ، إذا عين للتركة مصف ، أن يسابق الباقى ويسبق إلى استيفاء حقه قبل الآخرين ، حتى لو كان هو الدائن الذى رفع الدعوى غير المباشرة( [1846] ) .

لذلك كثيرًا ما يحتاط الدائن عند رفع الدعوى باسم المدين ، فيتخذ إلى جانب إجراءات رفع الدعوى إجراءات أخرى تكفل له الاستيلاء على ما يحكم به ضد الخصم والتنفيذ عليه بحقه . وفى هذا يقوم الدائن بعملين متميزين أحدهما عن الآخر : رفع الدعوى غير المباشرة باسم مدينه وهذا لا يقتضى أكثر من أن يكون حقه خاليًا من النزاع كما تقدم القول ، ثم اتخاذ إجراءات ضد المدين نفسه بعد أن يدخله فى الدعوى . وهذه الإجراءات أما أن يريد بها المطالبة بحقه وفى هذه الحالة يكفى أن يكون هذا الحق مستحق الأداء ، وأما أن يريد بها التنفيذ وفى $ 978 $ هذه الحالة يجب أن يكون الحق ثابتًا فى سند قابل للتنفيذ . واتخاذ إجراءات التنفيذ فى وقت رفع الدعوى غير المباشرة يكفل للدائن أن يستولى لنفسه على ما يحكم به ليستوفى حقه ، فيأمن بذلك إلى حد كبير مبادرة المدين إلى التصرف فى حقه قبل أن ينفذ عليه الدائن . ولكن هذا لا يمنع بقية الدائنين من الدخول فى الدعوى ، أو من الاشتراك فى إجراءات التنفيذ ، فيقسم الحق بينهم جميعًا قسمة غرماء( [1847] ) .

الفرع الثالث

الدعوى المباشرة( * )

( Action directe )

555 ـ مكان الدعوى المباشرة : رأينا فيما قدمناه عن الدعوى ظهر المباشرة ندرة هذه الدعوى فى العمل وقلة فائدتها للدائن الذى يباشرها . ويرجع ذلك بنوع خاص إلى تزاحم الدائنين مع الدائن الذى رفع الدعوى ، ولهذا يعمد المشرع ، فى بعض الحالات التى يرى فيها أن يولى الدائن حماية خاصة ، إلى أن يجعل لهذا الدائن ـ إلى جانب الدعوى غير المباشرة التى يشترك فى فائدتها معه سائر الدائنين ـ دعوى مباشرة ( action directe ) قبل مدين المدين . ويستأثر الدائن ، بفضل هذه الدعوى المباشرة ، بالحق الذى لمدينه فى ذمة مدين المدين ، ويصبح بمثابة دائن له امتياز على هذا الحق يتقدم بمقتضاه على سائر الدائنين $ 979 $ ليستوفى منه حقه( [1848] ) . ونرى من ذلك ما بين الدعوى غير المباشرة والدعوى المباشرة من تقابل يحمل على معالجة الثانية عقب الأولى ، وهذا ما فعلناه فى كتاب نظرية العقد( [1849] ) ، ونفعله الآن هنا ، وفعله قبلنا بعض الفقهاء( [1850] ) .

على أن الدعوى المباشرة تعتبر من ناحية أخرى ، وفى الصور التى يكون فيها حق المدين فى ذمة مدين المدين ناشئًا عن عقد ، خروجًا على القواعد العامة التى تقضى بأن العقد لا يكون ساريًا إلا فى حق أطرافه ، فلا يتعدى أثره إلى الغير . ذلك أن العقد الذى أنشأ حقًا للمدين فى ذمة مدين المدين يجعل لدائن المدين سبيلاً مباشرًا على هذا الحق دون أن يكون هذا الدائن طرفًا فى العقد . مثل ذلك ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 596 مدنى من أنه " يكون المستأجر من الباطن ملزمًا بأن يؤدى للمؤجر مباشرة ما يكون ثابتًا فى ذمته للمستأجر الأصلى وقت أن ينذره المؤجر " . فهذا عقد إيجار من الباطن أنشأ لأحد طرفيه؛ وهو المستأجر الأصلى ، حقًا فى ذمة الطرف الآخر ، وهو المستأجر من الباطن . أما المؤجر فهو ليس طرفًا فى عقد الإيجار من الباطن ، وكان ينبغى ألا يسرى هذا العقد فى حقه . ومع ذلك فإن النص المتقدم الذكر يجعل للمؤجر دعوى مباشرة يطالب بمقتضاها المستأجر من الباطن بالحق الذى أنشأه فى ذمته لمصلحة المستأجر الأصلى عقد لم يكن المؤجر طرفًا فيه وهو عقد الإيجار من الباطن . ومن ثم يعالج بعض الفقهاء( [1851] ) الدعوى المباشرة كاستثناء للقاعدة التى تقضى باقتصار أثر العقد $ 980 $ على طرفيه ، وهذا أيضًا وضع منطقى سليم .

ولما كانت الدعوى المباشرة إنما تتقرر ، كما سنرى ، بنص تشريعى خاص ، شأنها فى ذلك شأن حق الامتياز ، فإن التقنين المدنى المصرى ، الجديد والقديم ، والتقنينات المدنية العربية الأخرى لم نعرض لهذه الدعوى بنص عام ، مقتصرة على الحالات التى قررتها فيها بنصوص خاصة ، وذلك فيما عدا تقنين الموجبات والعقود اللبنانى فإنه أورد نصًا عامًا فى الدعوى المباشرة عقب النص الذى أورده فى الدعوى غير المباشرة ، هو المادة 277 وتجرى على الوجه الآتى : " يكون الأمر على خلاف ما تقدم ( أى لا تكون نتيجة الدعوى مشتركة بين جميع الدائنين ) إذا كان القانون يمنح الدائنين على وجه استثنائى حق إقامة الدعوى المباشرة ، فإن نتائجها تعود إلى المدعى دون سواه ، ولا يلزمه أن يقسم الربح بينه وبين سائر الدائنين . على أن هذه المعادلة لا يمكن إجراؤها إلا إذا كانت مقررة بنص صريح يفسر بمعناه المحصور " ( [1852] ) .

وسنورد الحالات التى نص المشرع فى التقنين المدنى المصرى الجديد على أن الدائن يكون له فيها دعوى مباشرة ضد مدين المدين ، ثم نبحث الأساس القانونى والتصوير الفنى للدعوى المباشرة .

المبحث الأول

حالات الدعوى المباشرة فى التقنين المدنى المصرى

556 ـ المؤجر مع المستأجر من الباطن : تنص المادة 596 من التقنين المدنى المصرى على ما يأتى :

 " 1 ـ يكون المستأجر من الباطن ملزمًا بأن يؤدى للمؤجر مباشرة ما يكون $ 981 $ ثابتًا فى ذمته للمستأجر الأصلى وقت أن ينذره المؤجر " .

 " 2 ـ ولا يجوز للمستأجر من الباطن أن يتمسك قبل المؤجر بما يكون قد عجله من الأجرة للمستأجر الأصلى ، ما لم يكن ذلك قد تم قبل الإنذار وفقًا للعرف أو لاتفاق ثابت تم وقت الإيجار من الباطن( [1853] ) " .

ويتبين من هذا النص أن للمؤجر دعوى مباشرة ضد المستأجر من الباطن ، يستطيع بموجبها أن يطالبه بالأجرة وبغير من الالتزامات التى أنشأها عقد الإيجار من الباطن فى ذمة المستأجر من الباطن للمستأجر الأصلى ، كالتعويض عن الحريق وعن التلف ونحو ذلك . والمقدار الذى يطالب به المؤجر المستأجر من الباطن هو المقدار الذى فى ذمة المستأجر من الباطن للمستأجر الأصلى وقت أن ينذر المؤجر المستأجر من الباطن أن يدفع له هذا المقدار( [1854] ) ، وليس المقدار الذى فى ذمة المستأجر الأصلى للمؤجر ، إلا إذا كان هذا المقدار الثانى أقل من المقدار الأول فتكون العبرة بالمقدار الأقل .

ولولا هذا النص لما جاز أن يكون للمؤجر هذه الدعوى المباشرة ضد المستأجر من الباطن ، ولما استطاع المؤجر أن يرجع على المستأجر من الباطن إلا بالدعوى غير المباشرة ، ولزاحمه فى نتيجة هذه الدعوى سائر دائنى المستأجر الأصلى( [1855] ) . $ 982 $ ويترتب على قيام دعوى مباشرة للمؤجر ضد المستأجر من الباطن أن للمؤجر أن يحجز بحقه حجز ما للمدين لدى الغير تحت يد مدين المستأجر من الباطن ، أى تحت يد مدين مدين مدينه ، ولم يكن ليستطيع ذلك لو لم نكن له دعوى مباشرة تجعل المستأجر من الباطن مدينًا له مباشرة؛ فيكون مدين المستأجر من الباطن مدينًا لمدينه ، فيصح الحجز تحت يده( [1856] ) .

557 ـ المقاول من الباطن والعمال مع رب العمل : وتنص المادة 662 من التقنين المدنى المصرى على ما يأتى :

 " 1 ـ يكون للمقاولين من الباطن وللعمال الذين يشتغلون لحساب المقاول فى تنفيذ العمل حق مطالبة رب العمل مباشرة بما لا يجاوز القدر الذى يكون مدينًا به للمقاول الأصلى وقت رفع الدعوى . ويكون لعمال المقاولين من الباطن مثل هذا الحق قبل كل من المقاول الأصلى ورب العمل " .

 " 2 ـ ولهم فى حالة توقيع الحجز من أحدهم تحت يد رب العمل أو المقاول الأصلى امتياز على المبالغ المستحقة للمقاول الأصلى أو للمقاول من الباطن وقت توقيع الحجز . ويكون الامتياز لكل منهم بنسبة حقه . ويجوز أداء هذه المبالغ إليهم مباشرة " .

 " 3 ـ وحقوق المقاولين من الباطن والعمال المقررة بمقتضى هذه المادة مقدمة على حقوق من ينزل له المقاول عن دينه قبل رب العمل " ( [1857] ) .

ويتبين من هذا النص أن العقد ما بين المقاول ورب العمل ينشئ دعوى مباشرة لعمال المقاول وللمقاولين من الباطن ضد رب العمل . يطالبون بموجبها رب العمل بما $ 983 $ فى ذمته للمقاول وقت رفع الدعوى المباشرة . إلا إذا كان ما لهم فى ذمة المقاول أقل من هذا المقدار فيطالبون رب العمل بما لهم فى ذمة المقاول فقط . ولما كانت الدعوى المباشرة هنا قد أعطيت لدائنين متعددين ، فإن كلاً منهم يتقاضى من مدين مدينه ، وهو رب العمل ، بنسبة ماله من حق إذا لم يكن دين رب العمل للمقاول يتسع للوفاء بحقوقهم جميعًا كاملة .

كذلك لعمال المقاولين من الباطن دعوى مباشرة على النحو المتقدم ، ضد المقاول الأصلى وهو مدين مدينهم ، بل وضد رب العمل وهو مدين مدين مدينهم .

ولهؤلاء الدائنين جميعًا ـ عمال المقاول الأصلى وعمال المقاول من الباطن والمقاولين من الباطن ـ إلى جانب الدعوى المباشرة حق امتياز على المبالغ المستحقة للمقاول الأصلى أو للمقاول من الباطن وقت توقيع الحجز منهم تحت يد رب العمل أو تحت يد المقاول الأصلى ، كل منهم بنسبة حقه . ويتقدمون بفضل هذا الامتياز على جميع دائنى المدين المحجوز عليه ، بل ويتقدمون بفضل هذا الامتياز أيضًا على من تنازل له المدين المحجوز عليه عن حقه قبل المحجوز لديه ولو كان هذا التنازل سابقًا على الحجز .

فهنا قد أنشأ النص دعوى مباشرة للدائن ضد مدين مدينه ، بل وضد مدين مدين مدينه فى بعض الصور ، ودعم هذه الدعوى المباشرة بحق امتياز( [1858] ) .

558 ـ الموكل مع نائب الوكيل : وتنص المادة 708 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " 1 ـ إذا أناب الوكيل عنه غيره فى تنفيذ الوكالة دون أن يكون مرخصًا له فى ذلك ، كان مسئولاً عن عمل النائب كما لو كان هذا العمل قد صدر منه هو ، ويكون الوكيل ونائبه فى هذه الحالة متضامنين فى المسئولية " .

 $ 984 $ " 2 ـ أما إذا رخص للوكيل فى إقامة نائب عنه دون أن يعين شخص النائب ، فإن الوكيل لا يكون مسئولاً إلا عن خطأه فى اختيار نائبه أو عن هطأ فيما أصدر له من تعليمات " .

 " 3 ـ ويجوز فى الحالتين السابقتين للموكل ولنائب الوكيل أن يرجع كل منهما مباشرة على الآخر " ( [1859] ) .

ويتبين من هذا النص أن عقد الوكالة من الباطن ما بين الوكيل ونائبه بنشئ دعوى مباشرة للموكل ضد نائب الوكيل ولنائب الوكيل ضد الموكل .

وفى الصورة التى يرخص فيها الموكل للوكيل فى إقامة نائب عنه يمكن القول أن نائب الوكيل ، بفضل قواعد الوكالة المستخلصة من هذا الترخيص ، يصبح مباشرة وكيلاً للمؤكل ، فلا حاجة لنا هنا بنص ينشئ الدعوى المباشرة . على أنه حتى فى هذه الصورة ، إذا أقام الوكيل نائبًا عنه دون أن يخبره بعقد الوكالة الصادر له هو من موكله ، فإن قواعد التسخير ( الاسم المستعار Pret - nom ) هى التى تسرى فى هذه الحالة ، ولا تسمح هذه القواعد بقيام علاقة مباشرة ما بين الموكل ونائب الوكيل ، فيكون نص المادة 708 ضروريًا لإيجاد هذه العلاقة المباشرة فى صورة الدعوى المباشرة .

أما إذا لم يرخص الموكل للوكيل فى إقامة نائب عنه ، ومع ذلك أقام الوكيل نائبًا ، فقواعد الوكالة وحدها لا تسمح بقيام علاقة مباشرة ما بين الموكل ونائب الوكيل لولا نص المادة 708 .

لذلك يكون نص المادة 708 قد أنشأ فعلاً دعوى مباشرة فى الحالتين اللتين عرض لهما ، وعلى النحو الذى بسطناه . ولولا هذا النص لما أمكن قيام الدعوى المباشرة ، $ 985 $ ولما كانت قواعد الوكالة وحدها كافية فى ذلك( [1860] ) .

والدعوى المباشرة تقوم ما بين الموكل ونائب الوكيل كما قدمنا . فيستطيع الموكل بفضلها أن يرجع مباشرة على نائب الوكيل بجميع حقوق الموكل ، بل ويكون الوكيل الأصلى متضامنًا مع نائبه فى المسئولية . وكذلك يستطيع نائب الوكيل أن يرجع مباشرة على الموكل بجميع حقوق الوكيل . ولا يكتفى أى منهما بالدعوى غير المباشرة التى كان يقتصر عليها ـ فيتحمل مزاحمة دائنى مدينه ـ لو لم يوجد نص المادة 708 .

559 ـ المضرور مع شركة التأمين : وهناك أخيرًا حالة للدعوى المباشرة تدرجت فيها التشريعات الخاصة ، وهى حالة رجوع المضرور فى حادث بدعوى مباشرة على شركة التأمين التى أمنت المسئول عن هذا الحادث . فمن الواضح أن المضرور فى الحادث يرجع على المسئول بالتعويض عن الضرر الذى أصابه ، ويرجع المسئول على شركة التأمين التى أمنت مسئوليته . أما أن يرجع المضرور بدعوى مباشرة على شركة التأمين فهذا ما لابد فيه من نص .

وقد كفل فى فرنسا قانون 19 فبراير سنة 1889 لمالك العين المؤجرة وللجيران المستأجرين أن يتوفوا التعويض ، عند احتراق العين المؤجرة ، من مبلغ التأمين على الحريق . ثم كفل قانون 9 أبريل سنة 1898 ( ويكمله قانون 31 مارس سنة 1905 ) للعامل المضرور فى حادث من حوادث العمل أن يرجع بدعوى مباشرة على شركة التأمين التى أمنت مسئولية رب العمل . ثم أنشأ قانون 28 مايو سنة 1913 حق امتياز للمضرور فى أى حادث على مبلغ التأمين الذى اشترطه المسئول فى التأمين على مسئوليته . وانتهى الأمر فى فرنسا إلى تعميم الدعوى المباشرة ، فقضت المادة 53 من قانون 13 يوليه سنة 1930 بإعطاء الدعوى المباشرة لكل مضرور فى حادث ضد شركة التأمين التى أمنت المسئول .

أما فى مصر فقد كان الشمروع التمهيدى للتقنين المدنى الجديد ينص فى المادة 832 منه على أنه " لا يجوز للمؤن أن يدفع لغير المصاب مبلغ التأمين المتفق عليه كله أو بعضه ، ما دام المصاب لم يعوض بما لا يجوز هذا المبلغ عن الأضرار التى $ 986 $ نشأت عنها مسئولية المؤمن له " فكان هذا النص يجعل للمضرور دعوى مباشرة قبل شركة التأمين ، فيتقاضى منها فى حدود مبلغ التأمين التعويض المستحق له ، دون أن يزاحمه فى ذلك دائنو المسئول . ولكن هذا النص قد حذف ، وترك الأمر فيه لتشريع خاص يصدر فيما بعد . وحتى يصدر هذا التشريع متضمنًا النص المحذوف ، لا يمكن القول بأن للمضرور دعوى مباشرة قبل شركة التأمين ، ولا يرجع المضرور على الشركة إلا بطريق الدعوى غير المباشرة ، وذلك بأن يستعمل دعوى مدينه المسئول وفى هذه الحالة يزاحمه دائنوه( [1861] ) .

ومع ذلك فقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن المضرور فى حادث يستطيع الرجوع مباشرة على شركة التأمين ، ولا تستطيع الشركة أن تدفع دعوى المضرور إلا فيما يجاوز مبلغ التأمين المتفق عليه ، طبقًا للحدود المرسومة لمسئوليتها( [1862] ) .

والقول بأن للمضرور أن يرجع مباشرة على شركة التأمين دون نص تشريعى لا يمكن تخريجه ، وفقًا للقواعد العامة ، إلا عن طريق الاشتراط لمصلحة الغير ، فيقال إن المسئول عندما تعاقد مع شركة التأمين اشترط مبلغ التأمين لمصلحة المضرور ، فصار للمضرور حق مباشر ـ لادعوى مباشرة( [1863] ) ـ قبل الشركة . ويجب الرجوع فى ذلك إلى وثيقة التأمين ، لينظر هل يمكن أن يستخلص من نصوصها هذا الاشتراط( [1864] ) .

على أن هناك حالة فى مصر ورد فيها تشريع خاص ينشئ الدعوى المباشرة ، فقد قضى قانون رقم 89 لسنة 1950 بشأن إصابات العمل ( وقد حل محل القانون رقم 64 لسنة 1936 ) بأن لكل عامل أصيب بسبب العمل وفى أثناء تأديته الحق فى الحصول من صاحب العمل على تعويض مقدر فى القانون بحسب جسامة $ 987 $ الإصابة ، وإذا كان صاحب العمل مؤمنًا على حوادث العمل ( وقد فرض القانون رقم 86 لسنة 1942 التأمين الإجبارى على أصحاب الأعمال ) ، جاز للعامل أن يطالب بحقوقه رب العمل وشركة التأمين معًا متضامنين . فهذا التشريع قد جعل للعامل دعوى مباشرة يرجع بها على شركة التأمين ، وإذا دفعت الشركة قيمة التعويض ، فإنها تحل محل صاحب العمل فى حقوقه قبل الممسئول عن الحادث .

560 ـ حالات تلتبس خطأ بالدعوى المباشرة : وهناك حالات يقال فيها عادة أن للدائن دعوى مباشرة ، والصحيح أن هذه الدعوى ليست بالدعوى المباشرة التى نعنيها هنا ، بل هى دعوى تقوم على أساس من القواعد العامة فلا تحتاج إلى نص خاص .

من ذلك انتقال دعوى السلف إلى الخلف الخاص كما فى رجوع مشترى الأرض بضمان الاستحقاق مباشرة على البائع لبائعه ، وكما فى رجوع مشترى البناء مباشرة على المهندس أو المقاول الذى تعاقد مع بائع البناء . ففى مثل هذه الأحوال يكون الرجوع لا بمقتضى دعوى مباشرة لم يرد فى شأنها نص خاص ، بل أن دعوى السلف ـ بائع الأرض أو بائع البناء ـ قد انتقلت إلى الخلف ـ مشترى الأرض أو مشترى البناء ـ فرجع بها على مدين السلف . وآية ذلك أن هذه الدعوى ، بعد انتقالها إلى الخلف ، لم تعد فى متناول السلف( [1865] ) . وذلك بخلاف الدعوى المباشرة ، فهى تكون للدائن قبل مدين المدين ، مع بقاء دعوى المدين قبل مدين المدين .

كذلك إذا رجع من تعاقد مع النائب على الأصيل مباشرة ، فلا يرجع بالدعوى المباشرة ، ولكن بدعوى العقد ذاته الذى قام مع الأصيل مباشرة ، $ 988 $ بعد أن اختفى شخص النائب وفقًا لقواعد النيابة المعروفة .

ويرجع المنتفع فى الاشتراط لمصلحة الغير على المتعهد بحق مباشر استمده من العقد ، وليس رجوعه بالدعوى المباشرة ، ولكن بمقتضى هذا الحق المباشر الذى أنشأه عقد الاشتراط .

ويرجع المؤجر والمتنازل له عن الإيجار كل منهما على الآخر رجوعًا مباشرًا ، وليس هذا الرجوع بالدعوى المباشرة ، ولكن التنازل عن الإيجار جعل كلاً من المؤجر والمتنازل له عن الإيجار مدينًا مباشرة للآخر ، فأصبحت دعوى كل منهما ضد الآخر هى دعوى المدين ضد مدينه لا ضد مدين مدينه( [1866] ) .

المبحث الثانى

الأساس القانونى والتصوير الفنى للدعوى المباشرة

561 ـ الدعوى المباشرة لا تزال فى طريق التطور : ويتبين مما تقدم أننا فى شأن الدعوى المباشرة لا نزال أمام حالات خاصة وردت فيها نصوص تشريعية متناثرة تنشئ هذه الدعوى . ويستخلص من ذلك أن الدعوى المباشرة ، كحق الامتياز ، لا تتقرر إلا بنص خاص ، ولم توجد بعد قواعد عامة ترد إليها . ولا تزال النظرية العامة للدعوى المباشرة حتى اليوم فى دور التكوين ، ولم تبلغ غايتها من التطور . وفى هذا المعنى يقول فلاتيه : " لا نزال من الدعوى المباشرة فى مرحلة من التطور تتجمع فيها الاستثناءات تجمعًا لا يخلو من عدم التناسق . وفى القانون الرومانى يوجد أكثر من مثال لنظم قانونية استخلصت مما قد تجمع من الساتثناءات . فنظرية النيابة ونظرية الاشتراط لمصلحة الغير ، كل منهما قد تم تكوينه على هذه الوتيرة . وقد كثر فى الوقت الحاضر عدد الدعاوى المباشرة إلى حد يسمح بالقول إن هناك اتجاهًا بارزًا إلى جعل العقد ينتج آثاره فى حق غير المتعاقدين . وقد سلم تسليمًا نهائيًا بكل من نظرية النيابة $ 989 $ ونظرية الاشتراط لمصلحة الغير . وتبقى الآن الدعاوى المباشرة مصدرًا تنبع منه نظرية جديدة ، تأتى لتأخذ مكانها إلى جانب هاتين النظريتين " ( [1867] ) .

562 ـ الأساس القانونى للدعوى المباشرة : بدلاً لابيه ( Labbe ) فى مقاله المعروف فى المجلة الانتقادية( [1868] ) بإقامة الدعوى المباشرة على فكرة حق الامتياز . فالدائن الذى تثبت له دعوى مباشرة ضد مدين مدينه هو شخص قد أوجد لمدينه حقًا فى ذمة مدين المدين ، بسبب منفعة قدمها أو بسبب خسارة تحملها ، فوجب إذن أن يكون له امتياز على هذا الحق الذى وجد بفعله . فالمؤجر قدم منفعة العين المؤجرة للمستأجر ، وبفضل هذه المنفعة أصبح المستأجر دائنًا بالأجرة للمستأجر من الباطن ، ومن ثم يكون للمؤجر حق امتياز على هذه الأجرة ، إذ المنفعة التى قدمها كانت السبب فى وجود هذا الحق . والمضرور فى حادث تحمل خسارة كانت هى السبب فى وجود حق المسئول قبل شركة التأمين ، فيكون للمضرور امتياز على هذا الحق الذى ما كان ليوجد لولا الخسارة التى تحملها .

وهذا الرأى على قوته ينزل الدعوى المباشرة منزلة حق الامتياز ، ولما كان حق الامتياز لا ينشأ إلا بنص خاص ، فإن الدعوى المباشرة تبقى موكولة إلى نصوص خاصة ، فلا ترد إلى أصل عام .

وهناك من رد الدعوى المباشرة إلى فكرة الاشتراط لمصلحة الغير( [1869] ) ، فكأن المدين قد اشترط على مدينه رجوعًا مباشرًا لمصلحة دائنه . وهذا محض افتراض ، لا ينهض به أساس من الواقع .

وهناك من ردها إلى فكرة النيابة( [1870] ) ، فكأن المدين قد ناب عن دائنه فى $ 990 $ التعاقد مع مدين المدين . وهذا أيضًا افتراض لا يقوم على أساس .

وهناك من رد الدعوى المباشرة إلى فكرة الإثراء بلا سبب( [1871] ) . فالدائن قد افتقر بمقدار المنفعة التى قدمها أو بمقدار الخسارة التى تحملها ، وهذا الافتقار كان سببًا فى إثراء مدين المدين ، فيكون للدائن أن يتقاضى من مدين مدينه أقل القيمتين ، قيمة الافتقار أو قيمة الإثراء . ويلاحظ على هذا الرأى أن مدين المدين لم يثر بلا سبب ، بل إن هناك سببًا لإثرائه هو الدين الذى فى ذمته للمدين . كما أن افتقار الدائن يقابله الدين الذى له فى ذمة المدين . فكل من الدائن ومدين المدين يجد مقابلاً لما افتقر به أو أثرى ، والذى يهمنا هو أن توجد علاقة مباشرة ما بين هذين المقابلين ، وهذا ما تعجز عن إيجاده نظرية الإثراء بلا سبب( [1872] ) .

والمجمع عليه فى الوقت الحاضر ، وفى هذه المرحلة من مراحل تطور الدعوى المباشرة ، أن هذه الدعوى لا تثبت إلا بنص تشريعى خاص( [1873] ) . وهذا يكفى للقول بأنه ليس هناك إلى اليوم أصل ترد إليه الدعوى المباشرة بحيث تقوم على هذا الأصل دون حاجة إلى النص .

وما دمنا لا نستطيع حتى اليوم أن نستقر على أصل يصلح أن يكون أساسًا قانونيًا للدعوى المباشرة ، فخير لنا أن نوجه العناية إلى التصوير الفنى لهذه الدعوى لنستخلص خطوطه الرئيسية .

 $ 991 $ 563 ـ التصوير الفنى للدعوى المباشرة ـ الفكرة الرئيسية : نتخذ التقسيم الذى قال به لابيه ( Labbe ) أساسًا للدعوى المباشرة ، فهو خير الأسس التى قدمت لهذه الدعوى حتى الآن . فالدعوى المباشرة تقوم إما على منفعة قدمها الدائن ، أو على خسارة تحملها . فالمنفعة التى قدمها المؤجر للمستأجر كانت سببًا فى الدين الذى للمستأجر فى ذمة المستأجر من الباطن ، والخسارة التى تحملها العامل المصاب فى حادث من حوادث العمل كانت سببًا فى الدين الذى لرب العمل فى ذمة شركة التأمين .

هذه السببية تبرر فى نظر المشرع ، فى حالات خاصة هو إلى اليوم الذى يمسك بزمامها وهو الذى . وم بتعيينها فى نصوص تشريعية ، أن يكون للدين محل الدعوى المباشرة صاحبان : صاحبه الأصلى وهو فى المثلين المتقدمين المستأجر الأصلى أو رب العمل ، وصاحب مضاف إليه هو نفس الدائن الذي تسبب فى إيجاد هذا الدين بالمنفعة التى قدمها أو بالخسارة التى تحملها وهو المؤجر أو العامل .

فيكون إذن للدين الذى فى ذمة مدين المدين ـ وهو الدين محل الدعوى المباشرة ـ دائنان : المدين والدائن . ويكون للدائن تبعًا لذلك مدينان : المدين ومدين المدين . ولتوضيح ذلك نفرض أن الدين الذى فى ذمة مدين المدين ـ أى الدين محل الدعوى المباشرة ـ هو الأجرة المستحقة فى ذمة المستأجر من الباطن للمستأجر الأصلى . فهذا الدين له دائنان : المستأجر الأصلى والمؤجر . وللمؤجر مدينان : المستأجر الأصلى والمستأجر من الباطن . وتعدد الدائنين أو المدينين فى الدين الواحد أمر مألوف فى القانون ، وهو وصف من أوصاف الالتزام . ويتميز هذا الوصف الخاص بما يأتى :

( أولاً ) ما دام مدين المدين ( المستأجر من الباطن مثلاً ) له دائنان ( المستأجر الأصلى والمؤجر ) ، فإنه متى وفى لأحدهما الدين برئت ذمته نحو الآخر ، ولكن الدائنين مع ذلك غير متضامنين .

( ثانيًا ) وما دام الدائن ( المؤجر ) له مدينان ( المستأجر الأصلى والمستأجر من الباطن ) ، فإنه متى استوفى الدين من أحدهما برئت ذمة الآخر ، ولكن المدينين مع ذلك غير متضامنين( [1874] ) .

 $ 992 $ وعلى أساس هذه الفكرة الرئيسية ـ تعدد الدائنين لمدين واحد وتعدد المدينين لدائن واحد وذلك فى غير تضامن ـ نبحث فى الدعوى المباشرة : ( 1 ) العلاقة ما بين الدائن ومدين المدين . ( 2 ) العلاقة ما بين الدائن والمدين . ( 3 ) العلاقة ما بين المدين ومدين المدين .

564 ـ العلاقة ما بين الدائن ومدين المدين : الدائن هو صاحب الدين الذى فى ذمة مدين المدين ، وهو دائن مضاف إلى الدائن الأصلى كما قدمنا . وترتب على ذلك النتائج الآتية :

( 1 ) يرفع الدائن ، بصفته صاحب الدين ، الدعوى المباشرة باسمه هو لا باسم المدين . وهذا بخلاف الدعوى غير المباشرة فإنه يرفعها باسم المدين كما رأينا . ولا حاجة ، إلى رجوع الدائن على مدين المدين بالدعوى المباشرة ، إلى أن يكون المدين معسرًا ، أو أن يكون الدائن قد رجع عليه أولاً ، أو أن يطلب الدائن الحلول محله .

( 2 ) يستأثر الدائن وحده بفائدة الدعوى المباشرة دون مزاحمة من دائنى المدين ، لأنه يرفع هذه الدعوى بصفته صاحب الدين ، لا بصفته دائنًا لصاحب الدين ، وبذلك تقرب الدعوى المباشرة من حق الامتياز, ولكن لما كان الدائن يرجع على مدين المدين بصفته دائنًا له مباشرة ، فإنه يتحمل مزاحمة دائنى مدين المدين .

( 3 ) لمدين المدين أن يدفع دعوى الدائن ـ وهى الدعوى المباشرة ـ بجميع الدفوع الخاصة بالدائن ، وذلك إلى جانب الدفوع الخاصة بالمدين . أما فى الدعوى غير المباشرة فقد قدمنا أن مدين المدين إنما يحتج بالدفوع الخاصة بالمدين دون الدفوع الخاصة بالدائن . فيجوز لمدين المدين فى الدعوى المباشرة أن يحتج بأن حق الدائن قبل المدين قد انقضى بالوفاء أو بالمقاصة أو بالإبراء أو بالتقادم أو بغير ذلك من أسباب انقضاء الالتزام ، أو بأن العقد ما بين الدائن والمدين $ 993 $ باطل أو قابل للإبطال . ويجوز لدين المدين كذلك ، فى الدعوى المباشرة ، أن يحتج بأن حق المدين قبله هو قد انقضى وذلك قبل إنذار الدائن إياه بأن يوفى له الدين ، أو بأن العقد بين المدين ومدين المدين يشوبه وجه من وجوه البطلان .

( 4 ) يستطيع الدائن أن يستعمل دعوى مدين مدينه قبل مدين مدين المدين ، لأن مدين مدينه هو مدينه المباشر كما قدمنا . ويستطيع كذلك أن يحجز تحت يد مدين مدين المدين ، لأنه يعتبر مدينًا لمدينه على الوجه المتقدم الذكر .

( 5 ) يجوز لمدين المدين أن يفى بالدين للدائن ، ويكون هذا الوفاء مبرئا لذمته قبل المدين . كما يجوز له ، قبل أن ينذره الدائن بالوفاء ، أن يفى بالدين للمدين ، ويكون هذا الوفاء مبرئًا لذمته قبل الدائن . ولكن لا يجوز للدائن أن يستوفى الدين من مدين المدين إلا إذا كان الدين الذى له فى ذمة المدين مستحق الأداء ، ولا يكفى أن يكون خاليًا من النزاع كما فى الدعوى غير المباشرة ، ولكن ليس من الضرورى أن يكون فى سند قابل للتنفيذ . ولا يجوز ، فى كل حال ، أن يستوفى الدائن من مدين المدين مقدارًا أكبر مما فى ذمة المدين ، فهو إنما يرجع على مدين المدين بأقل القيمتين ، قيمة الدين الذى له فى ذمة المدين وقيمة الدين الذى للمدين فى ذمة مدين المدين .

565 ـ العلاقة ما بين الدائن والمدين : يبقى المدين مدينًا لدائنه ، فيكون للدائن مدينان هما المدين ومدين المدين . وتترتب على ذلك النتائج الآتية :

( 1 ) يستطيع الدائن أن يستوفى دينه من المدين ، فتبرأ ذمة مدين المدين قبله .

( 2 ) وكذلك يستطيع المدين أن يوفى الدين للدائن ، فلا يرجع الدائن بشئ على مدين المدين .

( 3 ) إذا وفى مدين المدين للدائن الدين الذى فى ذمته للمدين ، وكان هذا الدين أقل مما للدائن فى ذمة المدين ، رجع الدائن على المدين بالباقى له من الدين .

( 4 ) ولو أن للدائن مدينين ، هما المدين ومدين المدين ، فليس هناك تضامن فى المسئولية بين هذين المدينين . وإذا كان كل منهما مسئولاً مباشرة قبل الدائن ، فلا يوجد سبب قانونى للتضامن فيما بينهما . فليست مسئوليتهما إذن مسئولية $ 994 $ بالتضامن ( Solidarite ) ، بل هى مسئولية مجتمعة ( in solidrm )( [1875] ) .

566 ـ العلاقة ما بين المدين ومدين المدين : يبقى المدين دائنًا لمدين المدين ، فيكون لمدين المدين دائنان هما المدين والدائن . وتترتب على ذلك النتائج الآتية :

( 1 ) يستطيع المدين أن يستوفى الدين من مدين المدين ، وذلك إلى وقت إنذار الدائن لمدين المدين بالوفاء ، فتبرأ ذمة مدين المدين نحو الدائن .

( 2 ) يستطيع مدين المدين إلى وقت إنذار الدائن له بالوفاء ، أن يوفى المدين الدين ، فتبرأ ذمته نحو الدائن . وتسرى فى هذه الحالة المخالصة فى حق الدائن ولو لم تكن ثابتة التاريخ( [1876] ) .

( 3 ) إذا انقضى الدين ما بين المدين ومدين المدين ، قبل إنذار الدائن لمدين المدين بالوفاء ، بأى سبب من أسباب انقضاء الالتزام ، كالمقاصة والإبراء والتقادم ، سرى ذلك فى حق الدائن .

( 4 ) إذا حول المدين الدين الذى له فى ذمة مدين المدين ، قبل إنذار الدائن لمدين المدين بالوفاء ، كانت الحوالة نافذة فى حق الدائن .

( 5 ) إذا حجز دائن للمدين تحت يد مدين المدين ، قبل إنذار الدائن لمدين المدين بالوفاء ، نفذ الحجز فى حق الدائن .

( 6 ) بعد أن ينذر الدائن مدين المدين بالوفاء ، لا يستطيع مدين المدين أن يوفى الدين للمدين ، بل يجب أن يكون الوفاء للدائن وحده( [1877] ) . على أنه حتى فى هذه الحالة يبقى المدين دائنًا لمدين المدين ، دون أن يستطيع استيفاء الدين منه ، ويشبه مركزه فى هذه الحالة مركز المدين المحجوز عليه فى حجز ما للمدين لدى الغير . ويل على أن المدين يبقى دائنًا لمدين المدين أن مدين المدين متى وفى الدين $ 995 $ للدائن ، اعتبر هذا الوفاء لحساب المدين من الدين الذى له فى ذمة مدين المدين ، وخصم ما وفى به من الدين الذى فى ذمة المدين للدائن( [1878] ) .

( 7 ) ولو أن لمدين المدين دائنين ، هما المدين والدائن ، فليس هناك تضامن بينهما لانعدام السبب القانونى للتضامن( [1879] ) .

 $ 996 $ الفصل الثانى

الدعوى البولصية( * )

أو دعوى عدم نفاذ تصرف المدين

( Action Paulienne J Action revocatoire )

567 ـ الأساس الذى بنيت عليه الدعوى البولصية ـ عدم الدقة فى تسميتها دعوى إبطال التصرفات : قدمنا أن الدائن ينفذ فى حقه التصرفات الصادرة من مدينه ، فإذا زادت هذه التصرفات فى أموال المدين قوى الضمان العام للدائن ، وإذا انتقصت منها ضعف هذا الضمان . والدائن فى الحالتين يتحمل أثر ذلك ، فيقوى ضمانه أو يضعف ، لأن المفروض هو أن المدين حسن النية فيما يصدر عنه من التصرفات ، وما دام الدائن لم يحصل على ضمان خاص لحقه ، فهو متروك لهذا الضمان العام . لكن إذا لم يكن المدين حسن النية وكان القصد من تصرفه الإضرار بالدائن بانقاص الضمان العام ، جاز للدائن أن يطعن فى هذا التصرف حتى لا ينصرف إليه أثره . وهو يطعن فيه بالدعوى البولصية . والمعروف أن التسمية اشتقت من اسم البريطور ( Preteur ) الرومانى الذى كان أول من أدخلها فى القانون الرومانى ، وأن كانت صحة هذه التسمية وأنها كانت مستعملة فى القانون الرومانى أصبحت الآن محل شك كبير( [1880] ) .

 $ 997 $ وكانت هذه الدعوى تسمى " بدعوى إبطال التصرفات " ، وقد استعمل التقنين المدنى السابق ( م 143 / 204 ) لفظ " إبطال " فى صددها ، وإن كان قد عدل فى مكان آخر ( م 556 / 680 ) إلى لفظ " الطعن " وهو أدق من لفظ الإبطال . والواقع من الأمر أن الدائن ، كما رأينا ، لا يبطل تصرف المدين ، بل هو يطلب عدم نفاذ التصرف فى حقه ( انظر المادة 237 من التقنين المدنى الجديد ) . فإذا أجيب إلى طلبه ، لم يسر التصرف فى حقه ، ولكنه يبقى قائمًا بين المدين ومن صدر له التصرف . لذلك كان الأولى تسمية الدعوى البولصية بدعوى عدم نفاذ تصرف المدين فى حق الدائن ، ويصح أن تختصر هذه التسمية فتكون " دعوى عدم نفاذ تصرف المدين ( انظر المادة 243 من التقنين المدنى الجديد ) ، أو نستبقى للدعوى التسمية التقليدية وهى " الدعوى البولصية " .

ونرى مما تقدم أن الأساس الذى بنيت عليه الدعوى البولصية هو أن القانون أراد حماية الدائن من غش مدينه المعسر ، فهى والدعوى غير المباشرة يواجهان معًا مدينًا معسرًا . إلا أن الدعوى غير المباشرة تعالج موقفًا سلبيًا للمدين المعسر هو سكوته عن استعمال حقوقه عمدًا أو إهمالاً ، أما الدعوى البولصية فتعالج من المدين المعسر موقفًا إيجابيًا هو إقدامه على التصرف فى حقوقه عن عمد لا عن $ 998 $ مجرد إهمال بقصد الإضرار بدائنه . ولما كان كل موقف ينظم القانون له ما يقتضيه من الحماية ، كانت الحماية التى نظمها القانون ضد العمل الإيجابى أشد نشاطًا من الحماية التى نظمها ضد العمل السلبى . فالدعوى غير المباشرة يرفعها الدائن باسم المدين وأثرها ينصرف إلى المدين لا إلى الدائن ، أما الدعوى البولصية فيرفعها الدائن باسمه هو وأثرها ينصرف إليه لا إلى المدين .

ويتبين من ذلك أن الدعوى البولصية تختلف اختلافًا واضحًا عن الدعوى غير المباشرة . ويستطيع الدائن أن يستعمل الدعويين واحدة بعد الأخرى ، فيطعن فى تصرف مدينه بالدعوى البولصية ، فإذا لم ينجح فى هذا الطعن رفع الدعوى غير المباشرة يطالب بحقوق مدينه فى هذا التصرف( [1881] ) . ولكنه لا يستطيع الجمع بينهما فى إجراءات واحدة لأنهما لأنهما دعويان مختلفتان كما قدمنا ، فلا يستطيع مثلاً أن يطعن بالدعوى البولصية فى بيع صدر من مدينه وفى الوقت ذاته يستعمل حق هذا المدين فى المطالبة بالثمن( [1882] ) .

والدعوى البولصية وإن كانت ترفع عادة فى صورة دعوى مستقلة : إلا أنه يجوز رفعها كذلك دعوى فرعية ، أو إثارتها مسألة أولية( [1883] ) .

 $ 999 $

568 ـ ما استحدثه التقنين المدنى الجديد فى الدعوى البولصية : وقد استحدث التقنين المدنى الجديد بعض التعديلات الهامة فى الدعوى البولصية . وأهم تعديل أدخله هو أنه جعل نفع هذه الدعوى لا يقتصر على الدائن الذى رفعها ، بل يعم سائر الدائنين ممن تتوافر فيهم شروط استعمالها . ثم أن التقنين الجديد وسع فى نطاق التصرفات التى يجوز للدائن الطعن فيها ، فشمل هذا النطاق ، ليس فحسب ، التصرفات التى تنقص حقوق المدين ، بل أيضًا تلك التى تزيد فى التزاماته ، وكذلك الوفاء الحاصل من المدين المعسر وتقديمه أحد دائنيه على الآخرين دون حق . وعمد التقنين الجديد إلى الأخذ بأسباب التيسير فى مسائل الإثبات ، فأقام قرائن قانونية على إعسار المدين وعلى غشه وعلى تواطؤ الخلف الأول والخلف الثانى فى هذا الغش . وجعل التقنين الجديد للخلف سبيلاً لتوقى أثر الدعوى ، إذا هو أودع الثمن خزانة المحكمة . وأنشأ تقادمًا خاصًا للدعوى مدته ثلاث سنوات ، حتى لا يطول الوقت الذى يظل فيه مصير التصرف معلقًا .

على أن التقنين الجديد لم يكتف بتنظيم الدعوى البولصية على هذا النحو ، بل عمد إلى تنظيم أعم وأشمل لحالة إعسار المدين فى جملتها كما سنرى( [1884] ) .

 $ 1000 $ ونبحث الدعوى البولصية فنتكلم : ( أولاً ) فى شروط هذه الدعوى ( ثانيًا ) وفى الآثار التى ترتب عليها .

الفرع الأول

شروط الدعوى البولصية

569 ـ النصوص القانونية : تنص المادة 237 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " لكل دائن أصبح حقه مستحق الأداء ، وصدر من مدينه تصرف ضار به ، أن يطلب عدم نفاذ هذا التصرف فى حقه ، إذا كان التصرف قد أنقص من حقوق المدين أو زاد فى التزاماته وترتب عليه إعسار المدين أو الزيادة فى إعساره ، وذلك متى توافرت الشروط المنصوص عليها فى المادة التالية " .

 $ 1001 $ وتنص المادة 238 على ما يأتى :

 " 1 ـ إذا كان تصرف المدين بعوض ، اشترط لعدم نفاذه فى حق الدائن أن يكون منطويًا على غش من المدين ، وأن يكون من صدر له التصرف على علم بهذا الغش . ويكفى لاعتبار التصرف منطويًا على الغش أن يكون قد صدر من المدين وهو عالم أنه معسر ، كما يعتبر من صدر له التصرف عالمًا بغش المدين إذا كان قد علم أن هذا المدين معسر " .

 " 2 ـ أما إذا كان التصرف تبرعًا ، فإنه لا ينفذ فى حق الدائن ، ولو كان من صدر له التبرع حسن النية ، ولو ثبت أن المدين لم يرتكب غشًا " .

 " 3 ـ وإذا كان الخلف الذى انتقل إليه الشئ من المدين قد تصرف فيه بعوض إلى خلف آخر ، فلا يصح للدائن أن يتمسك بعدم نفاذ التصرف إلا إذا كان الخلف الثانى يعلم غش المدين وعلم الخلف الأول بهذا الغش إن كان المدين قد تصرف بعوض ، أو كان هذا الخلف الثانى يعلم إعسار المدين وقت تصرفه للخلف الأول إن كان المدين قد تصرف له تبرعًا " .

وتنص المادة 239 على ما يأتى :

 " إذا أدعى الدائن إعسار المدين ، فليس عليه إلا أن يثبت مقدار ما فى ذمته من ديون ، وعلى المدين نفسه أن يثبت أن له ما لا يساوى قيمة الديون أو يزيد عليها " .

وتنص المادة 242 على ما يأتى :

 " 1 ـ إذا لم يقصد بالغش إلا تفضيل دائن على آخر دون حق ، فلا يترتب عليه إلا حرمان الدائن من هذه الميزة " .

 " 2 ـ وإذا وفى المدين المعسر أحد دائنيه قبل انقضاء الأجل الذى عين أصلاً للوفاء ، فلا يسرى هذا الوفاء فى حق باقى الدائنين . وكذلك لا يسرى فى حقهم الوفاء ، ولو حصل بعد انقضاء هذا الأجل ، إذا كان قد تم نتيجة تواطؤ بين المدين والدائن الذى استوفى حقه " .

وتنص المادة 243 على ما يأتى :

 " تسقط بالتقادم دعوى عدم نفاذ التصرف بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذى يعلم فيه الدائن بسبب عدم نفاذ التصرف . وتسقط فى جميع الأحوال $ 1002 $ بانقضاء خمس عشرة سنة من الوقت الذى صدر فيه التصرف المطعون فيه( [1885] ) .

 $ 1003 $ وتقابل هذه النصوص فى التقنين المدنى السابق المواد 143 / 204 و 556 / 680 و 53 / 76 والمادة 74 من التقنين المدنى المختلط( [1886] ) .

وتقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المواد 238 ـ 240 و 243 ـ 244 ، وفى التقنين المدنى العراقى المواد 263 ـ 265 و 268 ـ 269 ، وفى التقنين المدنى الليبى المواد 240 ـ 242 و 245 ـ 246 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المادة 278( [1887] ) .

 $ 1004 $ 570 ـ الفكرة الأساسية فى شروط الدعوى البولصية : يمكن أن ترد شروط الدعوى البولصية جميعًا إلى فكرة أساسية واحدة هى أن المدين بغشه يقصد الإضرار بالدائن ، فهو يتصرف غشًا فى ماله ، ويقصد من هذا التصرف أن ينتقص من الضمان العام لدائنيه( [1888] ) .

ويتبين من النصوص التى قدمناها أن شروط الدعوى البولصية ، كشروط الدعوى غير المباشرة ، بعضها يرجع إلى الدائن ، وبعضها يرجع إلى التصرف الذى يطعن فيه الدائن ، وبعضها يرجع إلى المدين . ثم أن التقنين المدنى الجديد قد استحدث للدعوى البولصية ، كما رأينا ، تقادمًا خاصًا تستكمل به شروط رفعها .

المبحث الأول

الشروط التى ترجع إلى الدائن

571 ـ يشترط فى الدائن أن يكون حقه مستحق الأداء : حتى يجوز للدائن أن يطعن فى تصرف المدين بالدعوى البولصية يجب أن يكون حقه مستحق $ 1005 $ الأداء( [1889] ) وفى هذا تختلف الدعوى البولصية عن الدعوى غير المباشرة ، فقد قدمنا أنه يكفى فى الدعوى الأخيرة أن يكون حق الدائن خاليًا من النزاع ولا يشترط أن يكون مستحق الأداء . ويبرر هذا الفرق بين الدعويين أن الدعوى البولصية أكبر خطرًا من الدعوى غير المباشرة ، فالدائن فيها يتدخل فى أعمال المدين تدخلاً خطيرًا إذ يطعن فى تصرف صدر منه ، ويقيم الدائن الدعوى باسمه فهو يهاجم المدين بمقتضى حق ثابت له ، ولا يكون ذلك إلا لأن الدائن قد اعتزم التنفيذ بحقه ، فوجب أن يكون حقه مستحق الأداء . أما فى الدعوى غير المباشرة فالدائن يقتصر على استعمال حقوق مدينه نائبًا عن هذا المدين ، فالدعوى أقرب إلى الأعمال التحفظية من الدعوى البولصية ، فلم يشترط القانون فيها أن يكون حق الدائن مستحق الأداء واكتفى بأن يكون خاليًا من النزاع . وقد صرح التقنين المدنى الجديد بهذا الفرق ما بين الدعويين ، فأعطى الدعوى البولصية " لكل دائن أصبح حقه مستحق الأداء " ( م 237 ) ، وأعطى الدعوى غير المباشرة " لكل دائن ولو لم يكن حقه مستحق الأداء " ( م 235 )( [1890] ) .

وبديهى أنه ما دام يشترط فى الدائن ، لرفع الدعوى البولصية ، أن يكون حقه مستحق الأداء ، فإن هذا الحق يجب أيضًا أن يكون خاليًا من النزاع على النحو الذى بسطناه فى الدعوى غير المباشرة ، فإن استحقاق الأداء مرتبة فى $ 1006 $ الحقوق أعلى من مرتبة الخلو من النزاع ، ومتى اشترطت المرتبة الأعلى فإن المرتبة الأدنى تكون ضمنًا مشترطة .

ويترتب على ما قدمناه أن الدائن إذا كان حقه متنازعًا فيه لا يستطيع استعمال الدعوى البولصية( [1891] ) . كذلك لا يستطيع استعمال الدعوى البولصية الدائن الذى يكون حقه معلقًا على شرط واقف( [1892] ) أو مقترنًا بأجل واقف( [1893] ) ، لأن الحق حتى إذا كان خاليًا من النزاع يكون غير مستحق الأداء ، وقد قمنا أن الدائن يستطيع فى حالتى الشرط والأجل الواقفين أن يستعمل الدعوى غير المباشرة لأن الحق فى استعمال هذه الدعوى لا يشترط فيه أن يكون مستحق الأداء . أما إذا كان الحق معلقًا على شرط فاسخ أو مقترنا بأجل فاسخ ، فإن الدائن يستطيع استعمال الدعوى البولصية ، لأن الشرط الفاسخ والأجل الفاسخ لا يمنعان الحق من أن يكون مستحق الأداء( [1894] ) .

 $ 1007 $ 572 ـ أى دائن حقه مستحق الأداء يستطيع استعمال الدعوى البولصية : وأى دائن حقه خال من النزاع مستحق الأداء يستطيع استعمال الدعوى البولصية ، لا فرق فى ذلك بين دائن شخصى ودائن مرتهن ودائن له حق امتياز على النحو الذى قدمناه فى الدعوى غير المباشرة( [1895] ) .

كذلك يجوز أن يكون حق الدائن غير مقدر ما دام مستحق الأداء ، فيستطيع المضرور فى العمل غير المشروع ، حتى قبل أن يقدر التعويض المستحق له ، أن يستعمل الدعوى البولصية ويطعن فى تصرف صدر من مدينه المسئول عن العمل غير المشروع بقصد " تهريب " ماله حتى لا ينفذ عليه الدائن بالتعويض $ 1008 $ المستحق له( [1896] ) .

ولا يشترط كذلك أن يكون حق الدائن ثابتًا فى سند قابل للتنفيذ ، فإن الدائن سيحصل على هذا السند عند رفع الدعوى البولصية ، ذلك أن القاضى فى هذه الدعوى يبحث صفة المدعى فيثبت أمامه أنه دائن وأن حقه مستحق الأداء ، فحكمه بإجابة الدائن إلى الطعن بالدعوى البولصية حكم بحق الدائن ، فيصبح هذا الحق قابلاً للتنفيذ .

ولا فرق كذلك ، فى رفع الدعوى البولصية ، بين دائن حقه نقد ودائن حقه عين ودائن حقه عمل أو امتناع عن عمل ، فالكل سواء فى استعمال هذه الدعوى ، على النحو الذى قدمناه فى الدعوى غير المباشرة .

ولا فرق أخيرًا بين ما إذا كان مصدر الحق تصرفًا قانونيًا أو واقعة مادية ، ففى الحالتين يكون للدائن أن يستعمل الدعوى البولصية كما أن له أن يستعمل الدعوى غير المباشرة فيما قدمناه( [1897] ) .

ولكن يشترط ، خلافًا للدعوى غير المباشرة ، أن يكون حق الدائن سابقًا على التصرف المطعون فيه ، وسيأتى بيان ذلك فيما يلى .

المبحث الثانى

الشروط التى ترجع إلى التصرف المطعون فيه

573 ـ شروط ثلاثة : يشترط فيما يطعن فيه الدائن من أعمال المدين أن يكون : ( 1 ) تصرفًا قانونيًا ( 2 ) مفقرًا ( 3 ) تاليًا فى الوجود لحق الدائن .

 $ 1009 $ المطلب الأول

تصرف قانونى

574 ـ لا طعن فى الأعمال المادية : يجب أن يكون العمل الصادر عن المدين ، ويطعن فيه الدائن ، تصرفًا قانونيًا ( acte juridique ) . فإذا كان عملاً ماديًا ، لم يتصور الطعن فيه : فلو أن المدين تسبب عمدًا أو إهمالاً فى الإضرار بالغير بعمل غير مشروع ، فالتزم بالتعويض ، وجعله هذا الالتزام معسرًا ، فلا سبيل للدائن إلى الطعن فى العمل غير المشروع ، فإن هذا العمل بحكم أنه عمل مادى نافذ ضرورة فى حق الدائن .

كذلك لو ترك المدين عينًا مملوكة له فى يد الغير حتى ملكها الغير بالتقادم ، فإنه لا يتصور أن يطعن الدائن فى هذا العمل المادى السلبى ـ وهو ترك المدين العين حتى تملكها الغير ـ ولكن يجوز ، قبل تمام التقادم ، أن يتدخل الدائن باسم المدين فيقطع التقادم ، ويسترد العين بالدعوى غير المباشرة .

أما إذا كان العمل المادى إثراءً على حساب الغير ، فإن المدين لا يلتزم إلا بأدنى القيمتين ، قيمة ما أثرى به هو وقيمة ما افتقر به دائنه ، فلن يكون هذا الالتزام سببًا فى إعسار المدين أو فى زيادة إعساره ، ولذلك لا يكون الإثراء على حساب الغير قابلاً للطعن فيه بالدعوى البولصية ، ليس فحسب لأنه عمل مادى ، بل أيضًا لأنه لا يؤدى إلى إعسار المدين( [1898] ) .

575 ـ إنما يكون الطعن فى تصرف قانونى : وأى تصرف قانونى يصدر من المدين يكون قابلاً للطعن فيه بالدعوى البولصية إذا توافرت الشروط الأخرى لهذه الدعوى ، سواء كان التصرف صادرًا من جانب واحد أو كان صادرًا من الجانبين ، وساء كان تبرعًا أو معاوضة .

 $ 1010 $ مثل التصرفات القانونية الصادرة من جانب واحد نزول المدين عن حق عينى ( كحق انتفاع أو حق ارتفاق أو حق رهن ) ، ونزوله عن وصية صادرة له ، ونزوله عن اشتراط لمصلحته ، وإبراؤه مدينًا له إذ الإبراء تصرف قانونى صادر من جانب واحد فى التقنين المدنى الجديد ، ووقفه عينًا مملوكة له وفقًا خيريًا ( بعد إلغاء الوقف الأهلى )( [1899] ) ، والأجازة الصادرة من المدين لتصحيح عقد قابل للإبطال إذا كانت صحته تضر بالدائنين( [1900] ) .

ومثل التصرفات القانونية الصادرة من الجانبين ، تبرعًا أو معاوضة ، الهبة والبيع( [1901] ) والمقايضة والوفاء بمقابل والشركة والصلح( [1902] ) والاشتراط لمصلحة الغير( [1903] ) . وسنرى أنه يجوز أيضًا الطعن فى إعطاء تأمين للدائن لتقديمه على غيره من الدائنين ، وفى الوفاء لأحد الدائنين قبل حلول الأجل بل وعند حلوله .

576 ـ صورتان للدعوى البولصية ـ التدخل فى القسمة واعتراض الخارج عن الخصومة : وهناك صورتان خاصتان للدعوى البولصية ، هما التدخل فى القسمة واعتراض الخارج عن الخصومة .

أما بالنسبة إلى التدخل فى القسمة ، فقد نصت المادة 842 من التقنين المدنى على ما يأتى : " 1 ـ لدائنى كل شريك أن يعارضوا فى أن تتم القسمة عينًا أو أن يباع المال بالمزاد بغير تدخلهم ، وتوجه المعارضة على كل الشركاء ، ويترتب $ 1011 $ عليها إلزامهم أن يدخلوا من عارض من الدائنين فى جميع الإجراءات ، وإلا كانت القسمة غير نافذة فى حقهم . ويجب على كل حال إدخال الدائنين المقيدة حقوقهم قبل رفع دعوى للقسمة . 2 ـ أما إذا تمت القسمة ، فليس للدائنين الذين لم يتدخلوا فيها أن يطعنوا عليها إلا فى حالة العش " . وهنا نرى الدعوى البولصية يستعملها الدائن ، لا لإصلاح ما وقع من الضرر ، بل لمنع الضرر قبل وقوعه ، فهو يتدخل فى إجراءات القسمة حتى يراقب مدينه ويمنعه من الإضرار بحقه . على أنه إذا تمت القسمة دون تدخل الدائن فى إجراءاتها ، وتبين أن المدين قد تعمد الإضرار بحقوق الدائن ، بأن أفرز مثلاً لنفسه نصيبًا أقل مما يستحقه إضرارًا بضمان الدائن ، فإنه يجوز للدائن بعد تمام القسمة أن يطعن فيها بالدعوى البولصية ، فى صورتها العادية المألوفة ، لإصلاح ما وقع من الضرر ، مادام قد فاته أن يمنع هذا الضرر قبل وقوعه( [1904] ) .

وأما عن اعتراض الخارج عن الخصومة على الحكم الصادر فيها ، فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 450 من تقنين المرافعات على أنه " يجوز لمن يعتبر الحكم الصادر فى الدعوى حجة عليه ، ولم يكن قد أدخل أو تدخل فيها ، أن يعترض على هذا الحكم بشرط إثبات غش من كان يمثله أو تواطئه أو إهماله الجسيم " .

وهنا يطعن الدائن ، لا فى تصرف قانونى صدر من مدينه ، بل فى حكم صدر ضد مدينه نتيجة لتواطؤ هذا المدين مع خصمه حتى يصدر الحكم ضده إضرارًا بالدائن ، أو نتيجة لإهمال جسيم من المدين فى دفاعه عن حقه . وغنى عن البيان أن الحكم الصادر على هذا الوجه ضد المدين كان يسرى فى حق الدائن فينتقص من ضمانه العام ، لولا أن أجاز تقنين المرافعات الجديد ـ وكذلك لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ( م 337 ـ 338 ) وتقنين المرافعات المختلط ( م 418 ) دون $ 1012 $ تقنين المرافعات الأهلى السابق ـ كدائن الطعن فى الحكم عن طريق اعتراض الخارج عن الخصومة( [1905] ) . وهذه الصورة من الطعن هى صورة خاصة للدعوى البولصية تتلاءم مع طبيعة الحكم . فإذا أثبت الدائن فى الاعتراض الذى يرفعه ضد المحكوم له ( م 451 مرافعات ) غش المدين أو تواطؤه أو إهماله الجسيم ، لم يصبح الحكم المطعون فيه حجة عليه ولم يسر فى حقه . وتختلف هذه الصورة الخاصة عن الصورة المألوفة للدعوى البولصية فى أمرين : ( 1 ) يكفى فى هذه الصورة الخاصة أن يثبت الدائن إهمالاً جسيمًا من المدين دون أن يثبت غشه . ( 2 ) لا يستفيد من الطعن فى هذه الصورة الخاصة إلا الدائن الذى رفع الاعتراض ( م 455 مرافعات ) دون سائر الدائنين .

المطلب الثانى

تصرف مفقر

577 ـ تصرف ينقص من حقوق المدين أو يزيد فى التزاماته : ويجب أن يكون التصرف القانونى الصادر من المدين تصرفًا ينقص من حقوقه( [1906] ) أو يزيد فى التزاماته ، وهذا هو المعنى المقصود بالتصرف المفقر ( acte dap – pauvrissement ) .

على أن هذه العبارة ـ التصرف المفقر ـ كانت محدودة المعنى فى عهد التقنين $ 1013 $ المدنى السابق ، إذ جرت تقاليد الدعوى البولصية على أن يكون التصرف المفقر هو التصرف الذى ينقص من حقوق المدين دون التصرف الذى يزيد فى التزاماته( [1907] ) .

مثل أن ينقص المدين من حقوقه أن يهب عينًا مملوكة له أو يبرئ مدينًا من حق له فى ذمته ، فقد أنقص حقوقه إذ تبرع بحق عينى فى حالة الهبة وبحق شخصى فى حالة الإبراء( [1908] ) . كذلك رفض المدين لوصية يعد إنقاصًا لحقوقه ويجوز الطعن فيه بالدعوى البولصية ، لأن الموصى له يملك الشئ الموصى به بموجب الوصية ، فإذا رفضها بعد ذلك كان رفضه بمثابة نزول عن شئ مملوك له . ويجوز للدائن ، بعد الطعن فى رفض المدين للوصية ، أن يقبلها باسمه ، فإن القبول هنا ليس مجرد رخصة بل هو حق يجوز للدائن استعماله باسم المدين وقد تقدم ذرك ذلك( [1909] ) . كذلك إذا باع المدين عينًا أو حقًا شخصيًا فى ذمة مدين له بطريق الحوالة ، فقد أنقص من حقوقه حقًا عينيًا أو حقًا شخصيًا ، أما الثمن الذى قبضه فيجب أن نفرض أنه كان ثمنًا بخسًا أو أنه استطاع أن يخفيه أو يبدده بحيث لا يتمكن الدائن من التنفيذ عليه بحقه ، حتى يمكن القول بأن هذا التصرف المفقر كان سببًا فى إعسار المدين أو فى زيادة إعساره ، وهو شرط لازم فى الدعوى البولصية كما سنرى .

أما أن يزيد المدين فى التزاماته فكان فى عهد التقنين المدنى السابق ، كما سبق القول ، لا يعتبر تصرفًا مفقرًا ، فكان لا يجوز الطعن فيه بالدعوى البولصية . $ 1014 $ فاستحدث التقنين المدنى الجديد تعديلاً هامًا فى هذه المسألة ، إذ نص صراحة فى المادة 237 ، كما رأينا ، على جواز الطعن بالدعوى البولصية " إذا كان التصرف قد أنقص من حق المدين أو زاد فى التزاماته " ، وبذلك عالج عيبًا تقليديًا فى الدعوى البولصية كان يستوقف النظر . فإن المدين الذى يقترض حتى يزيد فى التزاماته فيعسر( [1910] ) ، يضر بدائنيه بالقدر الذى يضرهم به لو باع عينًا مملوكة له فأنقص من حقوقه وكان هذا الإنقاص سببًا فى إعساره . فهو قد أضعف ضمان الدائنين فى الحالتين بعمل إيجابى ، ولا فرق بين أني فعل ذلك بزيادة التزاماته أو بانقاص حقوقه ، فالنتيجة واحدة بالنسبة إلى الدائنين . فالمنطق إذن يقضى يجعل زيادة المدين لالتزاماته ، كانقاصه لحقوقه ، تصرفًا مفقرًا يجوز الطعن فيه بالدعوى البولصية . وقد سار فعلاً على هذا الرأى بعض الفقهاء فى فرنسا( [1911] ) . ولكن تقاليد هذه الدعوى تأبى إلا أن تميز بين الشيئين ، ولا تجعل التصرف المفقر إلا ذلك النقص المادة فى الحقوق ، وهو النقص المباشر الذى يقع تحت الحس ، بخلاف زيادة الالتزامات فهى لا تنقص الحقوق إلا بطريق غير مباشر( [1912] ) . ويببنى على ذلك ، إذا نحن اتبعنا هذه التقاليد ، أن المدين بدلاً $ 1015 $ من أن يبيع عينًا مملوكة له بثمن بخس إضرارًا بدائنيه ، يشترى عينًا بثمن باهظ متواطئًا مع البائع حتى يصبح هذا دائنًا له بالثمن أى بمبلغ جسيم يكون سببًا فى إعساره ، فيصل من هذا الطريق إلى الإضرار بدائنيه حيث يعجز عن ذلك من الطريق الأول ، ويكون ما أعطاه القانون من الحماية للدائن باليمين قد سليه من بالشمال( [1913] ) . وهذه نتيجة لا يصح الوقوف عندها ، وكان الأولى عدم التقيد بتقاليد القانون الرومانى إلى هذا الحد . وهذا ما فعله التقنين المدنى الجديد ، عندما نص صراحة على جواز الطعن بالدعوى البولصية فى تصرف المدين الذى يزيد فى التزاماته( [1914] ) . ومن ثم يجوز للمدين الطعن فى عقد القرض الذى يقترض المدين بموجبه مبلغًا من المال يزيد فى التزاماته فيسبب إعساره أو يزيد فى هذا الإعسار ، وفى عقد الشركة الذى يلتزم المدين بموجبه أن يدفع مبلغًا من المال كحصة له فى الشركة ويكون هذا الالتزام سببًا فى إعساره ، وفى عقد التأمين الذى يلتزم المدين بموجبه أن يدفع لشركة التأمين أقساطًا مرتفعة فيسبب هذا الالتزام إعساره( [1915] ) ، وهكذا .

578 ـ تفضيل دائن على آخر دون حق والوفاء لبعض الدائنين دون بعض : وهناك تصرفان قانونيان كانا محلاً للجدل فى عهد التقنين المدنى السابق ، فخصهما التقنين المدنى بنص حسم به الخلاف .

فقد يتفق المدين مع أحد الدائنين على إعطائه ضمانًا خاصًا ، كرهن مثلاً ، يتقدم به على سائر الدائنين دون حق ، أى أنه ما كان ليتقدم لولا هذا الضمان الخاص ، فهل يعتبر هذا التصرف تصرفًا مفقرًا يجوز الطعن فيه بالدعوى $ 1016 $ البولصية؟ كان الحكم مختلفًا عليه فى عهد التقنين المدنى السابق . فكان هناك رأى يذهب إلى أنه لا يجوز الطعن فى هذه الحالة ، حتى لو علم الدائن الذى حصل على هذا الضمان بغش المدين ، ما دام هو يسعى للتأمين على حقه ، وهذا غرض مشروع( [1916] ) . فأورد التقنين المدنى الجديد نصًا صريحًا فى هذه المسألة ، إذ قضت الفقرة الأولى من المادة 242 ، كما رأينا : بأنه " إذا لم يقصد بالغش إلا تفضيل دائن على آخر دون حق ، فلا يترتب عليه إلا حرمان الدائن من هذه الميزة " .

ويلخص من هذا النص أن إعطاء المدين لأحد الدائنين ضمانًا خاصًا يجعله يتقدم على سائر الدائنين دون حق ، أى أنه ما كان ليتقدم عليهم لولا هذا الضمان ، يعتبر تصرفًا مفقرًا يجوز الطعن فيه بالدعوى البولصية . ويجب التميز فى هذه الحالة بين فرضين ، فقد يكون الدائن حصل من المدين على هذا الضمان الخاص بغير مقابل ، وقد يكون أدى للمدين مقابلاً له . ففى الفرض الأول يكون التصرف تبرعًا ، ولا يشترط فى جواز الطعن فيه بالدعوى البولصية غش الدائن الذى حصل على الضمان الخاص ، بل ولا غش المدين الذى أعطى هذا الضمان( [1917] ) . أما فى الفرض الثانى ، إذا أدى الدائن مقابلاً للضمان الذى حصل عليه ، كأن مد فى أجل الدين أو أعطى المدين أجلاً جديدًا أو حط جزءًا من الدين ، فإن التصرف يكون معارضة . ويشترط إذن فى جواز الطعن فيه بالدعوى البولصية ، كما سنرى ، إثبات غش كل من المدين والدائن ، أى إثبات أنهما قدًا من هذا الضمان أن يتقدم الدائن دون حق على سائر الدائنين . وفى الفرضين ، إذا نجح الطعن فى التصرف ، اعتبر الضمان الخاص الذى حصل عليه الدائن غير نافذ فى حق سائر الدائنين ، وفقد الدائن ميزة التقدم التى كان يسعى إليها من غير حق( [1918] ) .

 $ 1017 $ وكان استيفاء أحد الدائنين حقه من المدين ، فى عهد التقنين المدنى السابق . لا يستخلص منه تواطؤ هذا الدائن مع المدين للأضرار بحقوق الدائنين الآخرين ، حتى لو علم الدائن الذى استوفى حقه بغش المدين ، فإن علمه بهذا الغش ليس بدليل على أنه متواطئ معه ، إذ هو دائن يستوفى حقه ، فهو يسعى إلى غرض مشروع( [1919] ) . أما إذا كان الدين الذى وفاه المدين مؤجلاً ، وعجل المدين الوفاء به متنازلاً عن الأجل ، فكان يجوز الطعن بالدعوى البولصية فى الوفاء إذا ثبت تؤاطو المدين مع الدائن الذى استوفى حقه قبل حلول الأجل( [1920] ) . وقد أورد التقنين المدنى الجديد نصًا صريحًا فى هذه المسألة عدل من هذه الأحكام . إذ قضت الفقرة الثانية من المادة 242 ، كما رأينا ، بأنه " إذا وفى المدين المعسر أحد دائنيه قبل انقضاء الأجل الذى عين أصلاً للوفاء ، فلا يسرى هذا الوفاء فى حق باقى الدائنين . وكذلك لا يسرى فى حقهم الوفاء ، ولو حصل بعد انقضاء هذا الأجل ، إذا كان قد تم نتيجة تواطؤ بين المدين والدائن الذى استوفى حقه " . ويخلص من هذا النص أن كل وفاء قبل حلول الأجل يجوز الطعن فيه بالدعوى البولصية ، ويعتبر التصرف هذا تبرعًا ، فلا يشترط ، خلافًا لما كان عليه الأمر $ 1018 $ فى عهد التقنين المدنى السابق ، لا غش المدين الذى عجل الوفاء ولا تواطؤ الدائن الذى تعجله . أما الوفاء عند حاول الأجل فيعتبر معاوضة ، لأن الدائن إنما استوفى حقه عند حلول أجله فلم يتبرع له المدين بشئ . ويجوز الطعن فى هذا الوفاء بالدعوى البولصية ، خلافًا لما كان عليه الأمر فى عهد التقنين المدنى السابق حيث كان هذا الطعن غير جائز . ولكن يشترط للطعن فى الوفاء عند حلول الأجل ما يشترط فى المعاوضات ، فيجب إثبات غش المدين الذى وفى بدينه وتواطؤ الدائن الذى استوفى حقه( [1921] ) .

ونلاحظ هنا أنه إذا جاز أن يقال أن تفضيل المدين لأحد دائنيه بترتيب رهن لمصلحته يتضمن معنى إنقاص حقوق المدين ، فإنه لا يمكن أن يقال أن الوفاء لأحد الدائنين قبل غيره فيه إنقاص لحقوق المدين أو زيادة فى التزاماته . ولكنه تصرف يضر على كل حال بالدائنين الآخرين ، إذ ينقص نسبة ما يأخذونه من مدينهم المعسر وفاء لحقوقهم ، ما دام أحد الدائنين قد استوفى حقه كاملاً . ومن ثم عنى التقنين الجديد أن يورد نصًا خاصًا فى هذه المسألة( [1922] ) .

 $ 1019 $ 579 ـ امتناع المدين من زيادة حقوق أو إنقاص التزاماته : أما إذا امتنع المدين من زيادة حقوقه أو من إنقاص التزاماته ، كما إذا رفض هبة أو أقر بدين فى ذمته تقادم بسنة واحدة وفقًا للمادة 378 مدنى( [1923] ) . فظاهر أن هذا العمل ، وأن أضر بالدائن ، ليس بعمل مفقر ، وليس للدائن أن يشكو منه ، فإنه لم يجرد المدين من حق كان داخلاً فى ضمان الدائن ولم يثقل كاهله بدين جديد يضعف من هذا الضمان( [1924] ) .

وكان مقتضى ما قدمناه أن المدين إذا امتنع عن التمسك بالتقادم لكسب حق أو إسقاط التزام ، فليس للدائن أن يطعن فى ذلك ، لأن المدين لا يكسب الحق $ 1020 $ ولا يسقط الالتزام إلا إذا تمسك بالتقادم ، فإذا رفض التمسك به فلا يكون قد أنقص حقوقه أو زاد فى التزاماته ، بل يكون قد امتنع عن زيادة حقوقه أو عن إنقاص التزاماته . غير أن المادة 388 فقرة ثانية من التقنين المدنى( [1925] ) قضت بأن النزول عن التقادم المسقط لا ينفذ فى حق الدائنين إذا صدر إضرارًا بهم( [1926] ) ، وبهذا الحكم أيضًا قضت المادة 973 بالنسبة إلى التقادم المكسب . وقد قدمنا أن للدائن ، فوق ذلك ، أن يتمسك بالتقادم ، مسقطًا كان أو مكسبًا ، بالنيابة عن مدينه ، مع أن التمسك بالتقادم يعد رخصة لاحقًا ( م 387 و 983 مدنى ) .

ويخلص من ذلك إنه بالرغم من أن التمسك بالتقادم رخصة لاحق ، إلا أن الدائن يستطيع استثناءً أن يستعمل هذه الرخصة نيابة عن مدينه بموجب النص الصريح ، وبالرغم من أن النزول عن التقادم ليس تصرفًا مفقرًا بل هو عمل يمتنع به المدين عن زيادة حقوقه أو إنقاص التزاماته ، إلا أن الدائن يستطيع استثناءً أن يطعن فيه بالدعوى للبولصية بموجب النص الصريح( [1927] ) .

580 ـ الحق الذى تصرف فيه المدين يجب أن يكون مفيدًا للدائن : وحتى يكون للدائن مصلحة فى الطعن فى تصرف المدين بالدعوى البولصية ، يجب $ 1021 $ أن يكون الحق الذى تصرف فيه المدين يستطيع الدائن أن يستوفى منه حقه ، وإلا لم تكن له مصلحة فى الطعن . فإذا كان هذا الحق مثقلاً بحقوق عينية للغير تستغرقه ولا تدع منه شيئًا للدائن( [1928] ) ، أو كان الحق لا يجوز الحجز عليه كالمرتبات والنفقة والملكية الزراعية الصغيرة( [1929] ) ، فإن الدائن لا تكون له مصلحة فى الطعن فى تصرف المدين ، ومن ثم لا يجوز له أن يرفع الدعوى البولصية( [1930] ) .

على أن هناك من الأموال ما لا يجوز الحجز عليه ، ولكنه ينتج غلة يجوز الحجز عليها . فالمستحق فى وقف ـ عندما كان الوقف الأهلى جائزًا ـ حقه فى الوقف غير قابل للتصرف فيه ولا للحجز عليه ، ولكن غلة هذا الوقف ، وهو نصيبه فى الاستحقاق ، قابل للحجز . كذلك الملكية الزراعية الصغيرة التى لا تزيد على خمسة الأفدنة لا يجوز الحجز عليها ، ولكنها تنتج ريعًا يجوز للدائن أن ينفذ عليه بحقه . فإذا تصرف المستحق فى الوقف فى نصيبه فى الغلة إضرارًا بدائنه جاز للدائن أن يطعن فى التصرف ، وإذا باع المدين خمسة الأفدنة جاز أيضًا للدائن الطعن فى هذا التصرف فلا يسرى عليه بقدر ما له فى ذلك من مصلحة أى بقدر غلة الأرض( [1931] ) .

كذلك لا يجوز الطعن فى تصرف المدين إذا لم يؤد هذا الطعن إلا إلى ضرورة استعمال الدائن لحق متصل بشخص المدين ، وذلك كما إذا نزل الواهب عن حقه فى الرجوع فى الهبة ، فلا فائدة من الطعن فى هذا النزول ، إذ بفرض أن الدائن قد نجح فى طعنه وعاد للواهب حقه فى الرجوع فى الهبة ، فإن الدائن لا يستطيع أن يستعمل هذا الحق باسم المدين لأنه متصل بشخصه( [1932] ) .

 $ 1022 $ المطلب الثالث

تصرف تال فى الوجود لحق الدائن

581 ـ ارتباط هذا الشرط بشرط غش المدين : ويجب أخيرًا أن يكون التصرف الصادر من المدين تاليًا فى الوجود لحق الدائن الذى يطعن فى هذا التصرف( [1933] ) . وذلك لأن حق الدائن إذا لم يكن متقدمًا على التصرف المطعون فيه ، لم يكن للدائن وجه للتظلم ، إذ لم يوجد حقه إلا بعد صدور التصرف من المدين وفى وقت لم يكن الحق الذى تصرف فيه المدين جزءًا من ضمانه حتى يقال إنه اعتمد على وجود هذا الحق . ولا يمكن أن نتصور وجود الغش فى جانب المدين ، وإنه أراد بتصرفه الإضرار بدائن لم يكن موجودًا وقت التصرف ، إلا فى فرض واحد ، هو أن يكون المدين قد صدر منه التصرف متوقعًا أنه سيصبح مدينًا فى وقت قريب ، فقصد بتصرفه الإضرار بالدائن $ 1023 $ المستقبل ، وذلك كأن يبيع ، فى وقت يسعى فيه لعقد قرض ، عينًا مملوكة له ، ثم يقترض بعد ذلك وقد اطمأن إلى أن المقرض لا يستطيع التنفيذ على العين بعد أن باعها . فى مثل هذا الفرض يجوز للدائن ـ رغمًا من أن حقه تال لتصرف المدين ـ أن يطعن فى هذا التصرف بالدعوى البولصية ، لأن الغش فى جانب المدين قد توافر( [1934] ) .

ونرى من ذلك أن اشتراط تأخر تصرف المدين على حق الدائن فى الوجود ليس فى الواقع إلا عنصرًا من عناصر شرط الغش فى جانب المدين ، إذ لا يمكن توافر هذا الشرط عادة إلا إذا كان تصرف المدين تاليًا لحق الدائن ، فإذا أمكن توافر الغش دون هذا التأخر ، فالتأخر لا يشترط( [1935] ) .

582 ـ مقارنة بالدعوى غير المباشرة : وقد رأينا فى الدعوى غير المباشرة أن تاريخ وجود الحق الذى يستعمله الدائن لا أهمية له ، فقد يكون تاليًا لحق الدائن وقد يكون سابقًا عليه ، لأن الحق الذى يستعمله الدائن باسم المدين موجود فى أموال المدين حتى لو كان سابقًا على حق الدائن ، فهو إذن جزء من ضمان الدائن . وهذا بخلاف الدعوى البولصية لو كان المدين قد تصرف فى الحق قبل ثبوت حق الدائن ، فإن حق المدين يكون قد خرج من ماله قبل أن تثبت للدائن صفته ، فهذا الحق لم يكن إذن جزءًا من ضمان الدائن( [1936] ) .

 $ 1024 $ 583 ـ العبرة بتاريخ وجود حق الدائن لا بتاريخ استحقاق وبتاريخ صدور التصرف لا بتاريخ شهره : ولما كان الشرط هو أن يتأخر تصرف المدين عن حق الدائن فى الوجود ، فالعبرة فى المقارنة بين التاريخين بتاريخ حق الدائن فى الوجود لا فى الاستحقاق ، وبتاريخ صدور التصرف لا بتاريخ شهره .

العبرة بتاريخ حق الدائن فى الوجود لا فى الاستحقاق ، فلو كان الحق موجودًا قبل صدور التصرف ، ولو كان غير مستحق الأداء أو كان غير خال من النزاع ، فللدائن رفع الدعوى البولصية ولكن بعد أن يصبح الحق مستحق الأداء من النزاع ، فللدائن رفع الدعوى البولصية ولكن بعد أن يصبح الحق مستحق الأداء خاليًا من النزاع . فيستطيع الدائن المعلق حقه على شرط واقف أو المقترن بأجل واقف ، عند تحقق الشرط أو عند حلول الأجل ، أن يطعن بالدعوى البولصية فى تصرف صدر من مدينه قبل تحقق الشرط أو قبل حلول الأجل ، أى فى وقت كان حقه فيه غير مستحق الأداء ، ما دام هذا الحق أصبح مستحق الأداء وقت رفع الدعوى البولصية . فالواجب هو أن يكون حق الدائن سابقًا فى الوجود لا فى الاستحقاق على تصرف المدين ، ولاشك فى أن الحق المعلق على شرط أو المقترن بأجل يعتبر موجودًا قبل تحقق الشرط أو قبل حلول الأجل ، فيكون سابقًا فى الوجود على تصرف المدين( [1937] ) . وإذا تصرف المدين فى وقت كان الدائن قد رفع دعواه يطلب الحكم بحقه المتنازع فيه ، وكان الدافع للمدين على التصرف توقعه صدور الحكم عليه فى دعوى الدائن ، فللدائن ، بعد أن يصدر على حكم لمصلحته فيصبح حقه خاليًا من النزاع ، أن يطعن فى تصرف المدين ، لأنه إذا كان هذا التصرف قد سبق الحكم ، فإن الحكم ليس منشئًا لحق الدائن بل هو مقرر له ، فالحق موجود قبل صدور التصرف من المدين( [1938] ) .

 $ 1025 $ والعبرة فى التصرف الصادر من المدين بتاريخ صدوره ، لا بتاريخ شهره إن كان من التصرفات التى تستوجب الشهر . فإذا كان التصرف الصادر من المدين بيعًا مثلاً ، وجب أن يكون صدور البيع تاليًا لثبوت حق الدائن ، أما إذا كان سابقًا ، فليس للدائن أن يطعن فى البيع حتى لو لم يسجل إلا بعد ثبوت حقه( [1939] ) .

584 ـ كيفية إثبات أن تصرف المدين نال فى التاريخ لحق الدائن : بقى أن نعرف كيف يمكن إثبات أن تصرف المدين تال فى التاريخ لحق الدائن . تقضى القواعد العامة بأن الدائن ، وهو الذى يطعن فى تصرف المدين ، يحمل عبء إثبات أن حقه سابق فى الوجود على صدور التصرف المطعون فيه ، لأن هذا شرط من شروط الدعوى البولصية ، والدائن الذى يستعمل الدعوى هو المكلف بإثبات توافر جميع شروطها .

فإن كان مصدر حق الدائن عملاً ماديًا ، فمن السهل إثبات تاريخ وجود هذا الحق بالرجوع إلى الوقت الذى تم فيه العمل المادى المنشئ للحق . ويكون تاريخ تصرف المدين ، ولو كان تاريخًا عرفيًا غير ثابت ، حجة على الدائن إلى أن يثبت العكس ، لأن الدائن لا يعتبر من الغير بالنسبة إلى هذا التاريخ قبل أن يثبت أن شروط الدعوى البولصية قد توافرت . فإذا كان تاريخ التصرف متأخرًا على تاريخ العمل المادى ، فقد ثبت بذلك أن حق الدائن سابق فى الوجود على تصرف المدين . أما إذا كان تاريخ التصرف متقدمًا على تاريخ العمل المادى ، ولم يكن تاريخًا ثابتًا ، فللدائن أن يثبت بجميع الطرق أن هذا التاريخ قد قدم عمدًا ليكون سابقًا على حقه بقصد حرمانه من الدعوى البولصية( [1940] ) .

وإن كان مصدر حق الدائن عقدًا ، وكان له تاريخ ثابت ، فهذا التاريخ الثابت يكون حجة على من حصل له التصرف ، ولكن تاريخ التصرف ، $ 1026 $ ولو كان تاريخًا غير ثابت ، يكون أيضًا حجة على الدائن إلى أن يثبت العكس لأنه ليس من الغير قبل أن يثبت توافر شروط الدعوى البولصية كما قدمنا . ومن ثم إذا كان التاريخ غير الثابت للتصرف متقدمًا على التاريخ الثابت لحق الدائن ، كان للدائن أن يثبت بجميع الطرق أن التاريخ قدم عمدًا بقصد حرمانه من الدعوى البولصية( [1941] ) . وغنى عن البيان أن التصرف إذا كان له تاريخ ثابت ، فإن مقارنة هذا التاريخ بالتاريخ الثابت لحق الدائن تمكن من معرفة أى التاريخين هو الأسبق .

أما إذا كان العقد الذى أنشأ حق الدائن غير ثابت التاريخ ، فقد كان ينبغى ألا يكون هذا التاريخ حجة على من حصل له التصرف ، لأنه من الغير وقد قدمنا أن الغير لا يحتج عليه إلا بالتاريخ الثابت . ولكن لأسباب عملية أغفل التقنين المصرى الجديد أن يشترط ثبوت تاريخ حق الدائن ، اقتداءً بالمشروع الفرنسى الإيطالى ، لأن الدائن ـ كما تقول المذكرة الإيضاحية( [1942] ) ـ " يفاجأ فى أغلب الأحيان بالتصرف الضار دون أن يكون قد احتاط من قبل لإثبات تاريخ سند الدين " . ومن ثم يكون التاريخ غير الثابت لحق الدائن حجة على من $ 1027 $ حصل له التصرف ، إلى أن يثبت هذا أن التاريخ قدم عمدًا بالتواطؤ بين الدائن والمدين حتى يستطيع الدائن الطعن فى التصرف بالدعوى البولصية( [1943] ) . ويكون تاريخ التصرف حجة على الدائن كما قدمنا ، فإن كان تاريخًا ثابتًا كانت حجيته مطلقة( [1944] ) ، وإن كان تاريخًا غير ثابت كان حجة على الدائن إلى أن يثبت العكس . ومن ثم إذا كان تاريخ التصرف غير ثابت ، وكان متقدمًا على التاريخ غير الثابت لحق الدائن ، جاز للدائن أن يثبت بجميع الطرق أن تاريخ التصرف قد قدم عمدًا بقصد حرمانه من الدعوى البولصية( [1945] ) .

المبحث الثالث

الشروط التى ترجع إلى المدين

585 ـ شرطان رئيسيان : أما الشروط التى ترجع إلى المدين فترد إلى شرطين رئيسيين : ( أولاً ) الإعسار ( ثانيًا ) الغش والتواطؤ( [1946] ) .

 $ 1028 $ المطلب الأول

الأعسار

586 ـ تصرف المدين بسبب إعساره أو يزيد فى إعساره : يشترط فى الدعوى البولصية أن يكون المدين معسرًا ليست عنده أموال تكفى لوفاء حق الدائن .

والمدين إما أن يكون غير معسر قبل صدور التصرف المطعون فيه فيجب أن يكون هذا التصرف هو السبب فى إعساره ، وإما أن يكون معسرًا قبل صدور التصرف فيجب أن يزيد التصرف فى إعساره( [1947] ) . وهذا ما تقضى به المادة 237 من التقنين المدنى ، وقد تقدم ذكرها .

 $ 1029 $ فلو أن التصرف المطعون فيه لم يكن هو السبب فى الإعسار ، بل بقى المدين يسرًا بعد هذا التصرف( [1948] ) ، ولكن طرأ بعد ذلك ما جعله معسرًا ، فلا يجوز للدائن أن يطعن فى التصرف . على أنه قد يتفق أن تصرف المدين لا يجعله معسرًا ، ولكن يكون هذا التصرف حلقة فى سلسلة متصلة من التصرفات مجموعها يؤدى إلى إعساره ، وقد قصد بذلك الإضرار بالدائن ، ففى هذه الحالة يجوز للدائن أن يطعن فى هذه التصرفات كلها ولا يجتزئ بالتصرف الأخير الذى سبب مباشرة إعسار المدين( [1949] ) .

وإذا كان المدين معسرًا من بادئ الأمر ، ثم تصرفًا بعوض كاف حيث لم يكن هذا التصرف سببًا فى زيادة إعساره ، فإن التصرف لا يكون قابلاً للطعن فيه بالدعوى البوليصية( [1950] ) .

587 ـ إثبات الإعسار : وقد وضع التقنين المدنى الجديد قرينة قانونية تيسر على الدائن إثبات إعسار المدين . فإذا أدعى الدائن إعسار المدين ، فليس عليه ، كما تقول المادة 239 وقد تقدم ذكرها ، إلا أن يثبت ما فى ذمته من ديون . وعند ذلك تقوم قرينة قانونية قابلة لإثبات العكس على أن المدين معسر ، وينتقل عبء الإثبات بفضل هذه القرينة إلى المدين ، وعليه هو أن يثبت أنه غير معسر ، ويكون ذلك بإثبات أن له مالاً يساوى قيمة الديون ويزيد عليها ، فإن لم يستطع إثبات ذلك اعتبر معسرًا .

588 ـ الإعسار فى الدعوى البولصية وما ينطوى عليه من مرونة : الإعسار فى الدعوى البولصية ، كالإعسار فى الدعوى غير المباشرة ، المقصود منه هو الإعسار الفعلى بأن تزيد ديون المدين على حقوقه( [1951] ) ، لا الإعسار $ 1030 $ القانونى الذى يستلزم حكمًا بشهره بشروط وإجراءات معينة .

وللإعسار فى الدعوى البولصية ، فوق ذلك ، معنى عملى ينطوى على كثير من المرونة .

فإذا طولب المدين بإثبات أن له مالاً يساوى قيمة ديونه ، وجب عليه أن يدل على أموال ظاهرة لا يتعذر التنفيذ عليها ، وإلا اعتبر معسرًا( [1952] ) ، ومن هذا يتبين كيف أن التصرف الصادر من المدين قد يكون معاوضة ، ومع ذلك يسبب إعساره . ويكفى لتحقق ذلك أن يكون المدين قد باع عينًا مملوكة له بثمن بخس ، أو باعها بثمن معادل لقيمتها ولكنه أخفى النقود أو بددها بحيث يتعذر على الدائن التنفيذ عليه بحقه( [1953] ) .

وإذا فرض أن حق الدائن يتركز فى عين مملوكة للمدين ، كما إذا كان موعدًا ببيع عين أو كان دائنًا فى وعد برهن أو كان دائنًا مرتهنًا ، ثم باع المدين العين الموعود ببيعها أو الموعود برهنها إلى شخص آخر إضرارًا بحق الدائن( [1954] ) ، أو باع العين المرهونة قبل أن يشهر الدائن الدائن الرهن بحيث لا يتمكن من تتبع العين أو بعد شهر الرهن ولكن الدائن لا يريد تتبع العين حتى لا يضطر إلى تحمل إجراءات التطهير ، ففى مثل هذه الأحوال يعتبر المدين فى حالة إعسار بالمعنى المقصود فى الدعوى البولصية ما دام الدائن لا يستطيع أن يصل إلى العين ذاتها الذى تركز فيها حقه ، حتى لو كان عند المدين أموال كافية تفى بتعويض الدائن بعد فوات العين . ومن ثم يجوز للدائن الطعن بالدعوى البولصية فى تصرف المدين فى العين الموعود ببيعها أو برهنها أو تصرفه فى العين المرهونة ، فيتمكن بذلك من رد العين إلى ملك المدين بالنسبة إلى حقه وينفذ بهذا الحق عليها( [1955] ) .

 $ 1031 $ 589 ـ وجوب بقاء الإعسار إلى وقت رفع الدعوى ـ تريد الميدن : ويجب أن يبقى المدين معسرًا إلى وقت رفع الدعوى البولصية ، فلو $ 1032 $ أن تصرفه سبب إعساره أو زاد فى إعساره ، ثم انقلب بعد ذلك موسرًا لزيادة $ 1033 $ طرأت فى ماله ، كما إذا كان قد تلقى ميراثًا أو وصية أو عقد صفقة رابحة ، فلا يجوز للدائن أن يطعن فى تصرف المدين إذ لم تعد له مصلحة فى ذلك( [1956] ) .

والدعوى البوليصية دعوى تكميلية ( subsidiaire ) لا تعطى للدائن إلا بعد أن يجرد أموال المدين ، أى إلا بعد أن يثبت أن ليس للمدين مال ظاهر يمكن التنفيذ عليه غير الحق الذى تصرف فيه ، ويجوز لمن تصرف له المدين أن يدفع بالتجريد( [1957] ) . ولكن التجريد هنا غير التجريد فى الكفالة . ففى الكفالة إذا لم يطلب الكفيل التجريد فى أول الدعوى سقط حقه ، وإذا طلبه فعليه أن يدل الدائن على مال للمدين يستطيع الرجوع عليه فيه وأن يقدم المصروفات اللازمة لهذا الرجوع . أما فى الدعوى البولصية فيجوز لمن تلقى الحق عن المدين أن يطلب تجريد المدين فى أية حالة كانت عليها الدعوى ، ولا يطلب منه أن يدل الدائن على مال للمدين( [1958] ) ، ولا أن يقدم له مصروفات التجريد ، بل على الدائن أن يثبت إعسار المدين على الوجه الذى قدمناه( [1959] ) ، ومن ثم فالمدين هو الذى يدل على مال عنده يكفى لوفاء ديونه كما سبق القول .

وقاضى الموضوع هو الذى يقدر ما إذا كان تصرف المدين هو الذى سبب إعساره أو زاد فى هذا الإعسار ، وما إذا كان الإعسار باقيًا إلى وقت رفع الدعوى ، ولا رقابة لمحكمة النقض فى ذلك ، وإنما تكون لها الرقابة للتحقق من أن $ 1034 $ هذين الأمرين قد تثبتت منهما محكمة الموضوع كشرط في الدعوى البولصية ، والدائن هو المكلف بإثبات كل من الأمرين ( [1960] ) .

المطلب الثاني

الغش والتواطؤ

( concilium fraudis )

590 – الغش بوجه عام : غش المدين هو أهم الشروط في الدعوى البولصية ، بل هو العمود الفقري لهذه الدعوى التي تقوم على محاربة الغش . ويمكن تجميع شروط الدعوى البولصية كلها في شرط الغش ، فإن الغش لا يتوافر في جانب المدين إلا إذا تصرف تصرفاً مفقراً يؤدي إلى إعساره للإضرار بدائن حقه ثابت قبل هذا التصرف . فلا يكفي إذن أن يكون التصرف المطعون فيه قد تسبب في اعسار المدين أو زاد في إعساره على النحو المتقدم ، بل يجب أيضاً أن يكون هذا التصرف قد صدر من المدين غشاً ( [1961] ) . وشرط الغش هذا هو الذي يدخل العنصر النفسي في الدعوى البولصية ، لأن الباعث هنا له الأثر الأكبر في نفاذ التصرف في حق الدائن أو عدم نفاذه .

 $ 1035 $

والغش فى الدعوى البولصية ( Fraude ) غير التدليس ( dol ) الذى عرفناه عيباً فى الرضاء . فالتدليس يدخله فى الغالب طرق احتيالية ويراد به خديعة أحد المتعقادين ، ولذلك يكون العقد قابلا للإبطال لمصلحة المتعاقد المخدوع . أما الغش فى الدعوى البولصية فلا تصحبه طرق احتيالية ، ولا تراد به خديعة أحد المتعاقدين ، بل كثيراً ام يحدث أن يتواطأ المتعاقدان على الغش ، ولذلك يبقى العقد صحيحاً فيما بينهما ، وإنما يراد بالغش الإضرار بحقوق الدائن ، ولذلك يكون أثره عدم نفاذ العقد فى حق الدائنين . والعبرة فى الغش أن يكونن موجودا وقت صدور التصرف المطعون فيه ( [1962] ) .

على أن الغش فى الدعوى البولصية والتدليس كعيب فى الرضاء إنما هما تطبيقان للنظرية العامة فى الغش . والغش فى العقد بنوع خاص ينطوى على صور مختلة . فيقصد به تارة الإضرار بأحد المتعاقدين ، وهذا هو التدليس كما قدمنا . ويقصد به طوراً الإضرار بالغير ، فيحتفظ باسم الغش . والغير إما أن يكون دائناً لأحد المتعاقدين ، كما فى الدعوى البولصية ودعوى الصورية . وإما أن يكون غير دائن يريد المتعاقدان إلحاق الضرر به بمحاولتهما التملص من واجب عليهما نحوه ، كعقد بيع يذكر فيه ثمن أكثر من الحقيقة لمنع الشفيع من الأخذ بالشفعة ، أو أقل من الحقيقة للانتقاص من الرسوم المستحقة .

وجزاء الغش فى غير العقد هو التعويض . وجزاؤه فى العقد يكون تارة إبطال العقد كما فى التدليس عند تكوين العقد ، وطوراً يكون تعويضاً كما فى التدليس عند تنفيذ العقد ، وثالثة يكون عدم نفاذ العقد فى حق الغير كما فى التدليس عند تنفيذ العقد ، وثالثة يكون عدم نفاذ العقد فى حق الغير كما فى الدعوى البولصية ، ورابعة يكون رد الشىء إلى حقيقته كما فى الصورية ، وهو على كل حال يوجب التعويض إذا أحدث ضرراً باعتباره فى ذاته عملا غير مشروع ( [1963] ) .

 $ 1036 $

591 - يشترط غش المدين وعلم من صدر له التصرف بالغش إذا كان التصرف معاوضة : وتنص الفقرة الأولى من المادة 238 من التقنين المدنى ، كما رأينا ، على أنه " إذا كان تصرف المدين بعوض ، اشترط لعدم نفاذه فى حق الدائن أن يكون منطوياً على غش من المدين ، وأن يكون من صدر له التصرف على علم بهذا الغش . ويكفى لاعتبار التصرف منطوياً على الغش أن يكون قد صدر من المدين وهو عالم أنه معسرا ، كما يعتبر من صدر له التصرف عالماً بغش المدين إذا كان قد علم أن هذا المدين معسر " .

ويتبين من هذا النص أنه إذا كان التصرف الصادر من المدين معاوضة ، كبيع مثلا ، وجب أن يكون منطوياً على غش من المدين . وقد توخى التقنين المدنى الجديد إقامة قرائن قانونية لتيسير الإثبات الذى يحمل عبئه الدائن . فعلى الدائن أن يثبت أن المدين وقت أن صدر منه البيع كان يعلم أن هذا البيع بسبب إعساره أو يزيد فى إعساره . ويستطيع الدائن أن يستخلص هذا العلم من بعض القرائن القضائية التى تقوم فى الدعوى ، كما إذا كان المدني قد تصرف لولده أو لزوجته أو لأحد أقاربه الأقربين ولم يكن لمن تصرف له مال ظاهر يقوم معه احتمال جدى أنه دفع الثمن .

فإذا أثبت الدائن علم المدين بإعساره ، كان هذا قرينة قانونية على غش المدين . ولكن القرينة غير قاطعة ، فهى قابلة لإثبات العكس . ويستطيع المدين أن ينقضها بأن يثبت من جانبه أنه بالرغم من علمه بإعساره إلا أنه لم يقصد إلحاق الضرر بالدائن ، بل كان الدفع له على التصرف باعثاً آخر ، كتلبية لنداء واجب أدبى ، أو حصوله على ما يقوم بحاجات المعيشة مع وثوقه أن إعساره مؤقت لا يلبث أن يزول وإن أخلفت الأيام ظنه فبقى معسراً ( [1964] ) . وقد يتعاقد المدين تعاقداً يؤدى إلى إعساره وهو عالم بذلك ، وإنما يقدم على التعاقد لاغيا $ 1037 $ وإضراراً بحقوق الدائن ، بل اعتقاداً منه أن هذا التعاقد الذى أدى إلى إعساره سيكون سبباً فى ترويج أعماله وعودته إلى اليسار . ففى مثل هذه الحالة ، إذا أثبت المدين ذلك ، لا يجوز للدائن الطعن فى العقد لانعدام الغش ( [1965] ) .

ولا يكفى ، ما دام التصرف معاوضة ، أن يكون هذا التصرف منطوياً على غش من المدين على النحو المتقدم الذكر ، بل يجب أيضاً أن يكون من صدر له التصرف –المشترى مثلا - على علم بهذا الغش . وهنا أيضاً يقيم التقنين المدنى الجديد قرينة قانونية أخرى ، فيكفى أن يثبت الدائن علم من صدر له التصرف أن هذا التصرف يسبب إعسار المدين أو يزيد فى إعساره ، حتى يعتبر من صدر له التصرف أنه على علم بغش المدين . وعلى من صدر له التصرف ، إذا أراد أن ينقض هذه القرينة ، أن يثبت أنه ، بالرغم من هذا العلم ، كان يعتقد بحسن نية أن المدين لم يكن يقصد الإضرار بدائنيه ، كأن يكون التصرف الصادر من المدين ليس إلا تصرفاً مألوفاً تقتضيه صيانة تجارته أو زراعته أو صناعته ( [1966] ) .

ويتبين مما تقدم أن التصرف إذا كان معاوضة وطعن فيه الدائن بالدعوى البولصية ، بدأ بإثبات أن المدين قد تصرف وهو عالم بأن هذا التصرف يؤدى إلى إعساره ، وأن من صدر له التصرف يعلم ذلك أيضاً ( [1967] ) . فإذا تمكن من هذا $ 1038 $ الإثبات ، فرضنا الغش فى جانب المدين وفى جانب من صدر له التصرف ، حتى يثبت أى منهما أنه لم تكن عنده نية الإضرار بالدائن . والإثبات من جانب الثلاثة يكون بجميع الطرق ، لأن المراد إثبات واقعة مادية ، ولأن الغش يجوز إثباته بجميع طرق الإثبات( [1968] ) .

 $ 1039 $

592 - لا يشترط غش المدين ولا سوء نية من تصرف له المدين إذا كان التصرف تبرعاً : أما إذا كان التصرف الصادر من المدين تبرعاً ، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 238 من التقنين المدنى ، كما رأينا ، على ما يأتى : " أما إذا كان التصرف تبرعاً ، فإنه لا ينفذ فى حق الدائن ، ولو كان من صدر له التبرع حسن النية ، ولو ثبت أن المدين لم يرتكب غشاً " .

ويتبين من هذا النص أن المدين إذا صدر منه تبرع ، كهبة مثلا ، فليس من الضرورى أن يثبت الدائن غش المدين المتبرع أى علمه بإعساره ، ومن باب أولى ليس من الضرورى أن يثبت علم الموهوب له بإعسار المدين . بل يكفى للنجاح فى الدعوى البولصية فى حالة التبرع أن يثبت الدائن أن هذا التبرع قد سبب إعسار المدين أو زاد فى إعساره ، سواء كان المدين يعلم بذلك أو لا يعلم ، وسواء كان الموهوب له يعلم هو أيضا أو لا يعلم . ويبرر هذا الحكم أن الدائن يشكو من ضرر أصابه من جراء تبرع مدينه إذا بقى هذا التبرع قائما ، أما الموهوب له فلا يشكو إلا من فوات نفع عليه إذا أجزنا للدائن الطعن فى التبرع ، والفرق واضح بين من يتوقى ضرراً ومن يبتغى نفعا ، فالأول أى الدائن هو الأجدر بالرعاية ( [1969] ) . $ 1040 $ أما فى المعاوضات فالمفاضلة بين الدائن والمشترى غيرها بين الدائن والموهوب له . إذ المشترى إنما يتوقى ضرراً كالدائن ، فقد دفع مقابلا للمدين ، فإن كان حسن النية وجب أن يفضل على الدائن ما دام هذا لم يحتط لنفسه فيحصل على ضمان خاص لاستيفاء حقه ، وإن كان المشترى سيئ النية فضل عليه الدائن ( [1970] ) .

وقد كان هذا هو أيضاً الحكم فى التقنين المدنى السابق ( [1971] ) .

أما فى فرنسا فالغش فى جانب المدين شرط فى الدعوى البولصية ، سواء كان التصرف المطعون فيه معاوضة أو تبرعاً ( [1972] ) . ولكن إذا كان التصرف معاوضة ، اشترط أيضاً الغش فى جانب من صدر له التصرف . أما إذا كان التصرف تبرعاً ، لم يشترط الغش فى جانب من صدر له التبرع ، ويكفى غش المدين .

 $ 1041 $

593 - خلف الخلف : وقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 238 من التقنين المدنى ، كما رأينا ، على أنه " إذا كان الخلف الذى انتقل إليه الشىء من المدين قد تصرف فيه بعوض إلى خلف آخر ، فلا يصح للدائن أن يتمسك بعدم نفاذ التصرف إلا إذا كان الخلف الثانى يعلم غش المدين وعلم الخلف الثانى يعلم إعسار المدين وقت تصرفه للخلف الأول إن كان املدين قد تصرف له تبرعا " .

ويستخلص من هذا النص أن هناك فرضين يجب التمييز بينهما :

( الفرض الأول ) أن الخلف الذى انتقل إليه الشىء من المدين قد تصرف فيه لخلف ثان تبرعا . ففى هذا الفرض لا يشترط سوء نية الخلف الثانى ، لأنه إنما يبتغى نفعاً ولا يتوفى ضرراً كما قدمنا . فإذا كان الخلف الأول قد تلقى التصرف هو الآخر تبرعا ، فلا تشترط سوء نيته ولا غش المدين كما سبق القول . أما إذا كان الخلف الأول قد تلقى التصرف معاوضة ، فيشترط إثبات غش كل من المدين وهذا الخلف الأول على النحو الذى قدمناه .

( الفرض الثانى ) أن الخلف الذى انتقل إليه الشىء من المدين قد تصرف فيه لخلف ثانى معاوضة ، وهذا هو الفرض الذى ورد فيه النص المتقدم الذكر .

 $ 1042 $

فإن كان المدين قد تصرف معاوضة أيضا للخلف الأول ، فلا يكفى أن يثبت الدائن غش كل من المدين والخلف الأول ، بل يجب أيضا أن يثبت غش الخلف الثانى ، فيثبت أن الخلف الثانى علم أمرين :

(1)        غش المدين .

(2)        وعلم الخلف الأول بغش المدين ( [1973] ) .

وفى هذا الحكم تخرج الدعوى البولصية على القواعد العامة . فقد كان مقتضى تطبيق هذه القواعد أنه متى أمكن النجاح فى الدعوى البولصية بالنسبة إلى الخلف الأول ، انتزع الشىء من يد الخلف الثانى دون حاجة إلى إثبات سوء نيته ، لأنه لم يكن فى وسع الخلف الأول أن ينقل إلى الخلف الثانى أكثر مما له ( [1974] ) . ولكن المبررات التى قامت لحماية الخلف الأول وتفضيله $ 1043 $ على الدائن إذا كان حسن النية تقوم هى نفسها لحماية الخلف الثانى وتفضيله على الدائن إذا كان هو –دون الخلف الأول - حسن النية( [1975] ) .

أما إذا كان المدين قد تصرف تبرعا للخلف الأول ، فقد قدمنا أن الدائن ليس مكلفا بإثبات سوء نية المدين ولا سوء نية الخلف الأول . ولكن مادام الخلف الأول قد تصرف معاوضة للخلف الثانى ، فإنه يجب على الدائن أن يثبت ، حتى ينجح فى الدعوى البوصلية قبله . علم هذا الخلف الثانى بإعسار المدين . فإذا كان الخلف الثانى حسن النية ، فإنه يفضل على الدائن ، لأنه دفع مقابلا فهو يتوقى ضرراً كالدائن كما تقدم القول( [1976] ) .

 $ 1044 $

ويلاحظ أن الدائن ، فى هذا الفرض الثانى وفى حالتيه ، قد ينجح فى الدعوى البولصية فى مواجهة الخلف الأول دون الخلف الثانى . وعند ذلك يعتبر تصرف المدين للخلف الأول غير نافذ فى حق الدائن ، أما تصرف الخلف الأول للخلف الثانى فنافذ ، ومن ثم يستطيع الدائن التنفيذ بحقه على العوض الذى التزم به الخلف الثانى للخلف الأول ، ويشاركه فى ذلك –إلى جانب سائر دائنى المدين - جميع دائنى الخلف الأول مشاركة الغرماء ( [1977] ) .

594 - التمييز بين المعاوضات والتبرعات : ولما كان التمييز بين المعاوضات والتبرعات له أهمية كبرى فى الدعوى البولصية لما قدمناه ، فإننا نستعرض هنا بعض حالات يدق فيها هذا التمييز :

( 1 ) عقود المعاوضة إذا انطوت على غبن فاحش ، كما لو باع المدين عيناً بربع ثمنها ، قد تبدو أنها من قبيل التبرع . ولكن الصحيح أنها تبقى عقود $ 1045 $ معاوضة ، ويشترك فيها الغش ، ما لم يكن الثمن تافها غير جدى فيكون القعد تبرعاً لا يشترط فيه الغش . أما إذا كان الثمن جدياً ولكن انطوى على غبن فاحش ، فقد يقوم هذا الغبن الفاحش ذاته قرينة على الغش( [1978] ) .

( 2 ) يعتبر الإقراض دون فائدة تبرعاً ، أما الإقراض بفائدة فيعتبر معاوضة .

( 3 ) هناك عقود تكون تبرعاً من ناحية أحد المتعاقدين ، ومعاوضة من ناحية المتعاقد الآخر . مثل ذلك الكفالة ، شخصية كانت أو عينية ، فهى تبرع من جهة الكفيل إذا لم يأخذ عوضاً لأمن المدين ولا من الدائن ، وهى معاوضة من جهة الدائن . والعبرة فى هذه الحالة بجانب المعاوضة ، فإذا رفع دائن الكفيل الدعوى البولصية للطعن فى عقد الكفالة –وهو عقد يزيد فى التزامات الكفيل الشخصى وينتقص من حقوق الكفيل العينى - وجب عليه أن يثبت غش كل من الكفيل والدائن .

( 4 ) هناك عقود ليست تبرعات خالصة ، بل يدخل فيها عنصر المعاوضة . مثل ذلك هبة تصدر من شخص اعترافاً بجميل أسداه إليه الموهوب له ( Donation remuneratoire ) ، فهذه الهبة فى حقيقتها معاوضة قبل أن تدخلها نية الغش ، فلا يجوز الطعن فيها بالدعوى البولصية . على أننا لو فرضنا أن المدين كان مدفوعاً فى هبته ، إلى جانب الاعتراف بالجميل ، بنية الإضرار بدائنيه فبالغ فى قيمة الهبة ، فإنه يجوز الطعن فى التصرف بالدعوى البولصية ، ولكن يشترط هنا إثبات الغش . مثل ذلك أيضاً الهبة بعوض ، فإنه يجب اعتبار العقد معاوضة لاسيما إذا التزم الموهوب له بدفع العوض للغير ، ونم ثم يجب لاستعمال الدعوى البولصية إثبات الغش ( [1979] ) . ومثل ذلك أخيراً عقد المهر فى القانون الفرنسى ، فإن القضاء فى فرنسا يعتبره عقد معاوضة فيستلزم إثبات الغش فى جانب المدين الذى قدم المهر وفى جانب كل من الزوجين ( [1980] ) ، أما الفقه الفرنسى فيعتبره تبرعاً يكفى فيه –فى القانون الفرنسى - إثبات غش المدين الذى قدم المهر ( [1981] ) . وفى الشريعة الإسلامية المهر مبلغ من المال يعطيه $ 1046 $ الزوج لزوجته ، وفيه معنى المقابل لحل الاستمتاع ، ولذلك يسقط نصف المهر بعدم الدخول . ومن هذا نرى اعتبار المهر معاوضة ، فيجب على دائن الزوج أن يثبت تواطؤ الزوج مع زوجته على الزيادة فى مهرها زيادة فاحشة بقصد الإضرار بحقوق الدائن . أما الهدايا التى يقدمها الخطيب لخطيبته والزوج لزوجته فنرى اعتبارها من قبيل التبرعات ، فلا يشترط فيها إثبات الغش . وأما ما قد يقدمه والد الزوجة أو أحد أقاربها من المعونة المالية لتجهيزها فيمكن أن يعد وفاء لالتزام طبيعى ، لا يجوز الطعن فيه بالدعوى البولصية إلا إذا ثبت الغش بأن جاوزت المعونة الحد المألوف وزاد الجهاز على جهاز المثل( [1982] ) .

المبحث الرابع

التقادم فى الدعوى البولصية

595 - تقادم الدعوى البولصية فى التقنين المدنى السابق وفى التقنين المدنى الفرنسى : لم يكن هناك نص خاص فى تقادم هذه الدعوى $ 1047 $ بخمس عشرة سنة ، شأنها فى ذلك شأن سائر الدعاوى التى لم يرد فى أمر تقادمها نص خاص ( [1983] ) . وكانت المدة تسرى من وقت صدور التصرف من المدين لأمن وقت علم الدائن بالتصرف ، لأن سبب الدعوى قد وجد منذ صدور التصرف ( [1984] ) .

ولا يوجد كذلك فى التقنين المدنى الفرنسى نص خاص بتقادم الدعاوى البولصية . وجمهور الفقهاء فى فرنسا ، سواء منهم من كيف الدعوى بأنها دعوى تعويض من كيفها بأنها دعوى بطلان ، يقولون بأن الدعوى البولصية تسقط كسائر الدعاوى بثلاثين سنة ، لا بعشر سنوات وهى المدة التى تسقط بانقضائها دعاوى البطلان فى القانون الفرنسى ( [1985] ) .

 $ 1048 $

596 - تقادم الدعوى البولصية فى التقنين المدنى الجديد : وقد رأينا أن التقنين المدنى الجديد قد استحدث نصاً فى تقادم الدعوى البولصية ، فقضت المادة 243 بأن " تسقط بالتقادم دعوى عدم نفاذ التصرف بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذى يعلم فيه الدائن بسبب عدم نفاذ التصرف ، وتسقط جميع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من الوقت الذى صدر فيه التصرف المطعون فيه " .

ونرى من ذلك أن التقنين المدنى الجديد جعل مدة تقادم الدعوى البولصية معادلة لمدة تقادم دعاوى البطلان والدعاوى الناشئة عن العمل غير المشروع والإثراء بلا سبب ، وإن كانت الدعوى البولصية ليست بدعوى بطلان كما سيجئ . وقد نزل التقنين الجديد بمدة التقادم إلى ثلاث سنوات حتى لا يبقى مصير التصرف الصادر من المدين معلقاً مدة طويلة . وقد كان المشروع التمهيدى يجعل مدة التقادم سنة واحدة ، ولكن لجنة مجلس الشيوخ رفعت هذه المدة إلى ثلاث سنوات " توخياً للتيسير " ( [1986] ) . وتسرى مدة الثلاث السنوات من وقت علم الدائن بسبب عدم نفاذ التصرف ، " لأن الدائن قد يعلم بصدور التصرف ، ولكن لا يعلم بالأسباب التى تستتبع عدم نفاذه فى حقه " ( [1987] ) . فيجب إذن ، لسريان هذه المدة القصيرة ، أن يعلم الدائن ، لا بصدور التصرف المطعون فيه من مدينه فحسب بل يعلم أيضاً بإعسار مدينه وبالغش الواقع من هذا المدين ومن خلف إن كان هناك موجب لذلك ، وفقاً للقواعد التى سبق ذكرها ( [1988] ) .

وقد لا يعلم الدائن بكل ذلك إلا بعد صدور التصرف بمدة طويلة . فإذا زادت هذه المدة على اثنتى عشرة سنة ، ثم تركنا بعد ذلك للدائن ثلاث سنوات لرفع الدعوى ، فإن مدة التقادم على هذا الحساب تزيد على خمس عشرة سنة $ 1049 $ من وقت صدور التصرف . لذلك قضت المادة 243 مدنى ، كما رأينا ، أن الدعوى البولصية " تسقط فى جميع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من الوقت الذى صدر فيه التصرف المطعون فيه " . ففى الحالة المتقدمة الذكر ، وهى حالة ما إذا لم يعلم الدائن بسبب عدم نفاذ التصرف إلا بعد مدة تزيد على اثنتى عشرة سنة ، تتقادم الدعوى بانقضاء خمس عشرة سنة من وقت صدور التصرف ( [1989] ) .

597 - تنازع التقنين الجديد مع التقنين السابق فى الزمان : ويخلص مما قدمناه أن الدعوى البولصية كانت فى التقنين المدنى السابق تسقط بخمس عشرة سنة نم وقت صدور التصرف ، وتسقط الآن فى التقنين المدنى الجديد بثلاث سنوات من وقت علم الدائن بسبب عدم نفاذ التصرف بحيث لا تزيد المدة فى كل حال على خمس عشرة سنة . فتكون مدة التقادم فى التقنين الجديد أقصر منها فى التقنين القديم . وقد نصت المادة الثامنة من التقنين المدنى الجديد فى هذا الصدد على ما يأتى : " 1 - إذا قرر النص الجديد مدة للتقادم أقصر مما قرره النص القديم ، سرت المدة الجديدة من وقت العمل بالنص الجديد ، ولو كانت المدة القديمة بدأت قبل ذلك . 2 - أما إذا كان الباقى من المدة التى $ 1050 $ نص عليها القانون القديم أقصر من المدة التى قررها النص الجديد ، فإن التقادم يتم بانقضاء هذا الباقى " .

ويتبين من ذلك أنه إذا كان فى يوم 15 أكتوبر سنة 1949 قد وجد ، وفقاً للتقنين السابق ، تقادم لم يكتمل بالنسبة إلى تصرف يجوز الطعن فيه بالدعوى البولصية ، وجب أولا أن نحسب مدة التقادم وفقاً للتقنين الجديد . فإذا فرض أن هذا التصرف قد صدر من المدين فى أول أكتوبر سنة 1940 ، ولكن الدائن لم يعلم بسبب عدم نفاذه إلا فى أول أكتوبر سنة 1950 ، فإن التقادم يكتمل وفقاً للتقنين السابق فى أول أكتوبر سنة 1955 ، ويكتمل وفقاً للتقنين الجديد فى أول أكتوبر سنة 1953 ، فتكون العبرة بالتقادم الذى يتم وفقاً للتقنين الجديد لأنه يتم أولا .

أما إذا كان الدائن لم يعلم بسبب عدم نفاذ التصرف إلا فى أول أكتوبر سنة 1954 ، فإن التقادم يكتمل دائماً وفقاً للتقنين السابق فى أول أكتوبر سنة 1955 ، ولكنه يكتمل وفقاً للتقنين الجديد فى أول أكتوبر سنة 1957 . فتكون العبرة هنا بالتقادم الذى يتم وفقاً للتقنين السابق لأنه هو الذى يتم أولا ، وتتقادم الدعوى البولصية فى هذه الحالة فى أول أكتوبر سنة 1955 .

الفرع الثانى

الآثار التى تترتب على الدعوى البولصية

598 – النصوص القانونية : تنص المادة 240 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " متى تقرر عدم نفاذ التصرف استفاد من ذلك جميع الدائنين الدين صدر هذا التصرف إضراراً بهم " .

وتنص المادة 241 على ما يأتى :

 " إذا كان من تلقى حقاً من المدين المعسر لم يدفع ثمنه ، فإنه يتخلص من $ 1051 $ الدعوى متى كان هذا الثمن هو ثمن المثل وقام بإيداعه خزانة المحكمة ( [1990] ) .

ولا مقابل لهذه النصوص فى التقنين المدنى السابق ، ولكن أحكامها كان معمولا بها دون نص .

وتقابل النصوص فى التقنين المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى $ 1052 $ السورى المادتين 241 – 242 ) وفى التقنين المدنى العراقى المادتين 266 – 267 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادتين 243 – 244 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى 278 فقرة 3( [1991] ) .

599 - طبيعة الدعوى البولصية : ليست الدعوى البولصية إلا طريقاً يسلكه الدائن لينال من القضاء حكماً بأنه من الغير فى تصرف صدر من مدينه المعسر إضراراً بحقوقه . إذا الأصل أن الدائن ينصرف إليه اثر العقد الصادر من المدين ، على أن يكون المدين حسن النية فى هذا التصرف ، فإن كان سيء النية فإن أثر العقد لا ينصرف إلى الدائن . ومن ثم تكون الدعوى البولصية هى دعوى بعدم نفاذ تصرف المدين المعسر فى حق الدائن . وفى هذا تتركز آثار الدعوى البولصية ، بل ليس هذا إلا النتيجة الطبيعية لما قدمناه من شروط هذه الدعوى ، فقد رأينا أن هذه الشروط ترد إلى فكرة أساسية ، هى غش المدين بقصد الإضرار بالدائن ، فأخذا للمدين بغشه ، ودرءاً لهذا الضرر ، واستخلاصا $ 1053 $ للجزاء من طبيعة العمل ، جعل القانون تصرف المدين غير نافذ فى حق المدين ، وبذلك يرتد الغش ويندفع الضرر .

ومما يترتب من النتائج على أن الدعوى البولصية هى دعوى بعدم نفاذ التصرف ما يأتى : -

( أولا ) ليست الدعوى البولصية بدعوى بطلان ولا بدعوى تعويض . والفقه الفرنسى زاخر بالمناقشات المتحدمة فى هذا الصدد ، وقد انقسم بين رأيين :

رأى يذهب إلى أن الدعوى البولصية بدعوى بطلان . ويستند هذا الرأى إلى أن كلمة " البطلان " وردت فى نصوص التقنين المدنى الفرنسى فى صدد تطبيقات للتدعوى البولصية( [1992] ) ، وإلى تقاليد القانون الرومانى ، وإلى تقاليد القانون الفرنسى القديم ( [1993] ) . وسنرى أن الدائن لا يبطل التصرف الصادر من مدينه ، بل أن هذا التصرف يبقى قائماً ، وكل ما يطلبه الدائن هو ألا يسرى فى حقه أثر هذا التصرف . وليس من الدقة أن يقال أن شخصاً يعتبر من الغير فى عقد ثم بطلب إبطاله . لأن البطلان لا يكون إلا فيما بين المتعاقدين . أما الغير فليس له أن يطلب إلا عدم نفاذ العقد فى حقه .

ورأى آخر يهذب إلى أن الدعوى البولصية هى دعوى تعويض ( [1994] ) . ولو صح أن تصرف المدين كان ينفذ فى حق الدائن ، فيضره فيعطى تعويضا عن هذا الضرر ، لصح أن تكون الدعوى البولصية للتعويض . ولكن الواقع غير ذلك ، فإن تصرف المدين لا ينفذ فى حق الدائن ، فهو ليس فى حاجة إلى تعويض إذ لم يلحقه ضرر بعد أن منع وقوعه ( [1995] ) . وإذا صح أن يكون هذا تعويضاً ، فهو تعويض $ 1054 $ عينى( [1996] ) . بل هو تنفيذ عينى لالتزام المدين ألا يضر بحقوق الدائن ( [1997] ) .

سبق أن قررنا كل ذلك فى كتابنا " نظرية العقد " ( [1998] ) ، ونبهنا إلى التكييف الصحيح للدعوى البولصية ( [1999] ) ، وقد أصبح الفقه المصرى بعد ذلك لا يختلف فى هذا الأمر ( [2000] ) .

وإذا نفينا عن الدعوى البولصية أنها دعوى بطلان . فقد نفينا عنها ما يذهب $ 1055 $ إليه رأى من أنها دعوى عينية ( [2001] ) ، أو رأى آخر من أنها دعوى مختلطة ( [2002] ) ، وذلك من أجل تعيين المحكمة المختصة بنظرها . فإن القول بأحد هذين الرأيين إنما كان مبنياً على أساس أنها دعوى بطلان ، وأن دعاوى البطلان هى دعاوى عينية لأنها ترجع العين إلى ملك المدين ، أو هى دعاوى مختلطة لأنها تبدأ شخصية ثم تنقلب عينية . والآن بعد أ ، تبينا أن الدعوى البولصية ليست بدعوى بطلان ، لم يعد هناك محل للقول بأنها عينية أو مختلطة . وإنما هى دعوى شخصية ( [2003] ) ، ولكن ليس ذلك لأنها دعوى تعويض فقد نفينا عنها هذا الوصف ، بل لأن الدائن عندما يطلب عدم نفاذ تصرف المدين فى حقه يبنى هذا الطلب على التزام المدين بألا يتصرف فى ماله إضراراً بدائنيه ، وهذا التزام شخصى مصدره القانون . يضاف إلى هذا أن الدائن فى الدعوى البولصية لا يطالب بحق عينى ، بل ولا تؤول دعواه إلى انتقال حق عينى له أو لمدينه ( [2004] ) ، وكل ما يطلبه هو عدم نفاذ تصرف المدين فى حقه . ولا يترتب على إجابة طلبه أن العين التى تصرف فيها المدين ترجع إلى ملكية هذا ، فإن تصرف المدين يبقى قائماً . كما أن العين لا تؤول إلى ملكية الدائن ، بل ترجع إلى ضمانه العام ، وعليه أن يقوم بإجراءات تنفيذية متميزة عن إجراءات الدعوى البولصية لينفذ بها على العين التى رجعت إلى ضمانه .

( ثانيا ) ولما كانت الدعوى البولصية هى دعوى يطلب فيها الدائن عدم نفاذ التصرف الصادر من المدين ، فمن الطبيعى أن يكون خصم الدائن فى هذه الدعوى $ 1056 $ هو كل شخص اشترك فى هذا التصرف . فيرفع الدائن الدعوى على المدين ومن تصرف له المدين ، وإذا كان المتصرف له قد تصرف بدوره إلى خلف ثان وجب إدخال هذا أيضاً فى الدعوى ، وهكذا ( [2005] ) . فالمدين إذن لابد أن يكون خصما فى الدعوى ، وهذا هو أيضاً ما قررناه فى الدعوى غير المباشرة وفقاً لأحكام التقنين المدنى الجديد وخلافاً لأحكام التقنين المدنى السابق( [2006] ) ، وقد مر القول فى ذلك .

( ثالثا ) وما دام الدائن لا يطلب إلا عدم نفاذ التصرف فى حقه ، فإنه يترتب على ذلك أن تصرف المدين لا يبطل ، بل يبقى قائماً بالنسبة إلى المدين ومن تصرف له المدين . بل إن الدائن نفسه يبقى متحملا أثر تصرف مدينه إلى أن يتقرر اعتباره من الغير ، بالتقاضى أو بالتراضى .

ويستطيع الدائن ألا يرفع الدعوى البولصية إلى أن تسقط هذه الدعوى بالتقادم ، فيتحمل نهائياً أثر التصرف . بل يستطيع قبل سقوط الدعوى بالتقادم أن يتنازل عنها ، فلا يجوز له عندئذ أن يعود إلى رفعها ( [2007] ) . كما يستطيع ، دون أن يرفع الدعوى ، أن يتراضى مع المدين ومن تصرف له المدين على ألا يكون التصرف نافذاً فى حقه .

ويخلص من ذلك أن أثر الدعوى البولصية بالنسبة إلى الدائن يختلف عن أثرها بالنسبة إلى المدين ومن تصرف له المدين . وهذا ما ننتقل الآن إلى بحثه .

 $ 1057 $

المبحث الأول

أثر الدعوى البولصية بالنسبة إلى الدائن

600 - عدم مضى الدائن فى الدعوى إذا استوفى حقه : لا يرفع الدائن الدعوى البولصية إلا بصفته دائناً . فغذا توافرت فيه هذه الصفة وقت رفع الدعوى ، ثم فقدها أثناء ذلك أو بعد صدور الحكم ، بأن استوفى حقه مثلا ، فإنه لا يستطيع الاستمرار فى الدعوى أو فى التنفيذ . هذا إلى أنه لم تعد له مصلحة فى ذلك بعد أن استوفى حقه .

وقد يقوم المدين نفسه بوفاء الدين ، فينهى بذلك الدعوى أو يوقف التنفيذ . ومصلحته فى هذا العمل أنه يفى بدين فى ذمته ، ويتوقى رجوع من تصرف له لو استمر الدائن فى الدعوى أو فى التنفيذ .

ولكن الغالب أن المدين لا يستطيع وفاء الدائن لإعساره . فيصح أن يقوم بالوفاء من تصرف له المدين . ومصلحته فى هذا العمل هى أن يوقف الدعوى أو تنفيذ الحكم على الحق الذى تلقاه ( [2008] ) . ثم يرجع بما وفاه على المدين ، شأن $ 1058 $ كل شخص وفى دين غيره( [2009] ) .

بل إن من تلقى الحق بعوض من المدين ، كالمشترى مثلا ، ينفتح أمامه سبيل آخر للتخلص من الدعوى البولصية إذا كان الثمن الذى اشترى به هو ثمن المثل ، وذلك بألا يدفع الثمن إلى المدين ويقوم بإيداعه خزانة المحكمة على ذمة الدائن ( أنظر المادة 241 مدنى وقد تقدم ذكرها ) . ويستطيع من تلقى الحق التخلص من الدعوى البولصية حتى لو اشترى بأقل من ثمن المثل ، ما دام يودع خزانة المحكمة ثمن المثل ، فإن الدائن متى خلص له مقابل معادل للحق الذى خرج من ضمانه لم تعد له مصلحة فى الاستمرار فى الدعوى . ويكفى فى جميع الأحوال أن يعلن من تلقى الحق الدائن بالإيداع ، وليس من الضرورى أن يعلن سائر الدائنين ، فقد لا يستطيع أن يعرفهم جميعاً ( [2010] ) . ولكن ذلك لا يمنع سائر الدائنين ، إذا هم علموا بإيداع الثمن خزانة المحكمة ، أن يبادروا إلى التنفيذ على الثمن بحقوقهم ، وهم يشاركون فى ذلك الدائن الذى رفع الدعوى البولصية $ 1059 $ مشاركة الغرماء كما سنرى .

106 - عدم نفاذ تصرف المدين فى حق الدائن : فإذا لم يستوف الدائن حقه ، استمر فى الدعوى حتى يحصل على حكم يقضى بعدم نفاذ تصرف المدين بالنسبة إليه ، فلا يسرى فى حقه أثر هذا التصرف ، إذ يعتبر فيه من الغير . ويترتب على ذلك أن الحق الذى تصرف فيه المدين يعتبر أنه لم يخرج من ضمان الدائن ، فينفذ هذا عليه ( [2011] ) ، ويتخذ فى ذلك إجراءات تنفيذ متميزة عن إجراءات $ 1060 $ الدعوى البولصية وإن كانت تقترن بها ( [2012] ) ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك . ومن $ 1061 $ هذا نرى أن دخول الحق فى ضمان الدائن يكون بأثر رجعى ، إذ يعتبر أنه لم يخرج من هذا الضمان كما قدمنا ( [2013] ) .

على أن الدائن قد يضطر إلى التنفيذ على الحق منقوصاً ، كما إذا كانت العين تحت يد موهوب له حسن النية ، فيملك هذا الثمرات بالقبض طبقاً للقواعد العامة ( [2014] ) . وقد يضطر إلى التنفيذ على حق آخر حل محل الحق الذى تصرف فيه المدين ، كما إذا كانت العين تحت يد مشتر ثان حسن النية ، فإن الدائن فى هذه الحالة لا ينفذ إلا على الثمن المستحق فى ذمة المشترى التالى للمشترى الأول . وهذا إذا كان الثمن مساوياً لقيمة العين أو أكبر من قيمتها ، أما إذا كان أقل فإن الدائن يرجع بقيمة العين على المشترى الأول سيء النية ( [2015] ) . وإذا فرضنا موهوباً له حسن النية بدلا من المشترى الأول ، وقد باع العين الموهوبة لمشتر حسن النية ، فإن الدائن لا يرجع على الموهوب له حسن النية إلا بقدر ما استفاد ، فإن كان $ 1062 $ قد باع العين بأقل من قيمتها رجع عليه الدائن بالثمن دون القيمة ( [2016] ) .

602 - استفادة جميع الدائنين الذين صدر التصرف أضراراً بهم : القاعدة فى القانون الفرنسى –وكانت القاعدة كذلك أيضاً فى التقنين المدنى المصرى السابق - إن الدائن الذى يرفع الدعوى البولصية هو الذى يستأثر وحده بفائدتها دون سائر الدائنين ممن لم يدخلوا معه فى الدعوى( [2017] ) . ويعلل الفقهاء فى فرنسا ذلك عادة بنسبية الحكم ، فما دام الدائنون الآخرون لم يدخلوا فى الدعوى فلا يستفيدون من الحكم ( [2018] ) . ولكن يرد على ذلك بأن نسبية الحكم لم تمنع الدائنين الذين لم يدخلوا فى الدعوى غير المباشرة من الاستفادة بالحكم الذى يصدر فيها . ويضيف بعض الفقهاء إلى نسبية الحكم أن الدائن فى الدعوى البولصية يرفع الدعوى باسمه ، بينما هو يرفعها فى الدعوى غير المباشرة باسم مدينه ، ومن ثم يستفيد هو وحده فى الأولى ، ويستفيد معه سائر الدائنين فى الثانية ( [2019] ) . ولكن يرد على ذلك أن الدائن فى دعوى الصورية يرفع الدعوى باسمه ، ومع ذلك يستفيد من الحكم سائر الدائنين فى دعوى الصورية يرفع الدعوى باسمه ، ومع ذلك يستفيد من الحكم سائر الدائنين ولو لم يدخلوا فى الدعوى . ويقول الأستاذان بودرى وبارد ( [2020] ) إن الدائن فى الدعوى البولصية لا يمثل إلا نفسه ، بدليل أنه لو استوفى حقه سقطت الدعوى . ولكن هذه علة غير مقنعة ، فإن الدائن فى الدعوى غير المباشرة لا يستطيع هو أيضاً المضى فى الدعوى إذا استوفى حقه .

 $ 1063 $

ولذلك ذهب رأى إلى أن كل الدائنين يستفيدون من الدعوى البولصية ، حتى لم يشترك منهم فيها ، وحتى من كان حقه لاحقاً للتصرف المطعون فيه ( [2021] ) . وهناك رأى أكثر اعتدالا يذهب إلى أن الدائنين يستفيدون من الدعوى البولصية حتى لو لم يشتركوا فيها ، بشرط أن يكون حقهم سابقاً على التصرف المطعون فيه حتى يكونوا مستوفين لشروط الدعوى ( [2022] ) .

وبهذا الرأى الأخير أخذ التقنين المدنى المصرى ، إذ نصت المادة 240 من هذا التقنين ، كما رأينا ، على أنه " متى تقرر عدم نفاذ التصرف استفاد من ذلك جميع الدائنين الذين صدر هذا التصرف إضراراً بهم " . فإذا ما رفع دائن مستوف لشروط الدعوى أن يتدخل فيها ، فيستفيد من الحكم بطبيعة الحال . وإذا لم يتدخل أحد ، ونجح الدائن الذى رفع الدعوى فى دعواه ، فإن الحق الذى تصرف فيه المدين يعود إلى الضمان العام لجميع الدائنين ممن استوفوا شروط الدعوى البولصية وكانت حقوقهم سابقة على التصرف المطعون فيه . فإذا عمد الدائن الذى حصل على الحكم إلى اتخاذ إجراءات تنفيذية على الحق الذى عاد إلى هذا الضمان العام على النحو الذى أسلفناه ، كان لكل دائن استوفى شروط الدعوى البولصية بالنسبة إلى هذا الحق أن يتدخل فى إجراءات التنفيذ ، فيشارك الدائن الأول مشاركة الغرماء ، بل قد يتقدم عليه إذا كان له حق عينى يخوله هذا التقدم . وبذلك تتحقق المساواة ما بين الدائنين ، ولا يتقدم أحد على آخر لمجرد أنه بادر إلى رفع الدعوى البولصية قبله ، بل لا يكون التقدم إلا لسبب يوجبه قانوناً( [2023] ) .

هذه القاعة التى استحدثها التقنين الجديد كانت محل جدل شديد فى لجنة مجلس الشيوخ . فقد قيل فى هذه اللجنة أن استئثار الدائن الذى رفع الدعوى البولصية بفائدتها فيه تشجيع له على مباشرتها ، وإلا لم ينشط دائن بالذات إلى $ 1064 $ رفعها إذا وجد إن الدائنين الذين لم يشتركوا معه فى رفعها يشتركون مع ذلك فى فائدتها . وقيل أيضاً إن نسبية الأحكام تحول دون التسليم باشتراك الدائنين الذين لم يتدخلوا فى الدعوى البولصية فى فائدتها ، كما إنه لا يمكن القول بأن الدائن الذى رفع هذه الدعوى ينوب عن سائر الدائنين فى رفعها . وقيل كذلك أن الدعوى البولصية إنما هى دعوى بعدم نفاذ التصرف لا بإبطاله : وإذا كان البطلان لا يتجزأ فإن عدم النفاذ قابل للتجزئة فيكون التصرف غير نافذ فى حق أحد الدائنين دون الباقى . ولكن اللجنة لم تر الأخذ بهذا الرأى ، وأصرت على ضرورة المساواة بين الدائنين ، فما دام الحق قد دخل فى ضمانهم العام فلا محل لتقديم أحدهم على الآخرين لمجرد أنه علم قبل غيره بصدور التصرف الضار ، وقد لا يعلم باقى الدائنين بهذا التصرف قبل أن يصدر الحكم فى الدعوى البولصية ، فيكون فى هذا التقديم إخلال بالمساواة بينهم لا يتفق مع الاتجاه العام الذى توخاه التقنين الجديد عند ما نظم الإعسار وضيق من حق الاختصاص( [2024] ) .

 $ 1065 $

603 - رجوع الدائن بالتعويض : وللدائن ، إذا أصابه ضرر خاص من التصرف الذى صدر من المدين ، أن يطالب ، إلى جانب عدم نفاذ التصرف فى حقه على النحو الذى بسطناه ، بالتعويض عن هذا الضرر الخاص وفقاً للقواعد العامة . فإذا أثبت المقرض ، إذ بادر إلى التصرف فى حقه ، قد حرمه من التنفيذ فى الوقت المناسب ، فأصابه ضرر من ذلك يزيد على الفوائد القانونية أو الفوائد المشترطة ، جاز فى هذه الحالة أن يحكم له بتعويض يزيد على هذه الفوائد ، ويتقاضاها ممن تسبب بغشه فى هذا الضرر . ويتضامن فى الالتزام بهذا التعويض المدين نفسه إذا كان سيئ النية ، ومن تصرف له المدين إذا كان متواطئاً معه ، وخلف هذا الأخير إذا تواطأ مع سلفه ، وهكذا . وكذلك الحكم إذا لم يكن هناك سوء نية ، كما فى التبرعات ، ولكن وجد تقصير ، وذلك فى غير الفوائد فقد رأينا أنه لا يجوز الحكم بفوائد تكميلية إلا فى حالة سوء النية ، ونحن فى كل ذلك إنما نطبق القواعد العامة للمسئولية التقصيرية لا القواعد الخاصة بالدعوى البولصية( [2025] ) .

 $ 1066 $

ويترتب على تطبيق هذه القواعد العامة أيضاً أن العين إذا هلكت فى يد المشترى أو الموهوب لى سيء النية ، كان كل من هذين مسئولا عن هلاكها ، حتى لو كان الهلاك بسبب أجنبى إذا ثبت أن العين لم تكن تهلك لو بقيت فى يد المدين . أما إذا هلكت فى يد الموهوب له حسن النية ، لم يرجع الدائن بتعويض عليه حتى لو هلكت العين بخطئه ، لأن تقصير الموهوب له هنا متعلق بهلاك العين لا بمنع الدائن من التنفيذ عليها . وكالهلاك التلف الكلى أو الجزئى .

كذلك يرد المشترى أو الموهوب له سيء النية الثمار ، قبضها أو لم يقبضها . أما الموهوب له حسن النية فلا يرد الثمار المقبوضة ، إذ يتملكها بالقبض ( [2026] ) . وإذا بنى حائز العين أو غرس أو أنفق مصروفات ضرورية أو نافعة أو كمالية ، طبقت الأحكام الخاصة بذلك( [2027] ) .

المبحث الثانى

أثر الدعوى البولصية بالنسبة إلى المدين ومن تصرف له المدين

604 - حكم التصرف المطعون فيه : قدمنا أن الدعوى البولصية ليست دعوى بطلان ، فليس من أثرها أن تبطل تصرف المدين ، وإنما تجعل هذا التصرف غير نافذ فى حق الدائنين . أما فى حق غيرهم فيبقى التصرف قائماً ينتج كل آثاره ، إلا ما تعارض منها مع عدم نفاذ العقد فى حق الدائنين . ويترتب على ذلك :

 $ 1067 $

( أولا ) : أن التصرف المطعون فيه يبقى قائماً فيما بين المتعاقدين ، بل يبقى منصرفاً أثره إلى من يمثله المتعاقدان من خلف عام وخلف خاص .

( ثانيا ) عند تعارض المبدأ المتقدم مع مبدأ عدم نفاذ التصرف فى حق الدائن يعالج هذا التعارض بتطبيق القواعد العامة ( [2028] ) .

605 - بقاء التصرف المطعون فيه قائماً : يبقى التصرف قائماً نافذ الأثر بين الطرفين( [2029] ) .

فإذا كان التصرف بيعاً مثلا ، بقى الشيء المبيع ملكا للمشترى ، وبقى المشترى ملتزماً بدفع الثمن ، وأنتج البيع كل آثاره من التزامات فى جانب كل من المتعاقدين ( [2030] ) . فإذا نفذ الدائن على العين المبيعة واستوفى حقه منها ، فإن الباقى من ثمن العين بعد بيعها فى المزاد يكون ملكاً للمشترى لا للبائع ، وهذا بالرغم من أن المشترى سيء النية متواطئ مع البائع ( [2031] ) . كذلك لو ترتب على البيع أن أخذ العين شفيع ، ثم استوفى الدائن حقه من العين المشفوع فيها ، رجع ما بقى من العين أو من ثمنها إلى الشفيع ( [2032] ) .

وإذا كان التصرف وقفاً خيرياً مثلا ، صدر إضراراً بالدائنين ، بقيت العين موقوفة بعد أن يستوفى منها الدائن حقه . فإذا بيعت لوفاء هذا الحق ، وبقى من ثمنها شيء بعد الوفاء ، كان الباقى من الثمن وقفاً ، واشتريت به عين أخرى تحل محل الأولى عن طريق الاستبدال دون حاجة إلى وقفها من جديد ، وبقيت الجهة الموقوف عليها وشروط الوقف نظارته لا تتغير( [2033] ) .

 $ 1068 $

وكما يبقى التصرف قائماً فيما بين الطرفين ، فإن أثره ينصرف أيضاً إلى من يمثله هذان الطرفان من خلف عام أو خلف خاص . فورثة المدين لا يرثون الباقى من العين التى تصرف فيها مورثهم بعد تنفيذ الدائن عليها ، ويرث ذلك ورثة المشترى . وإذا كان تصرف المدين فى العين بالبيع ، فإن دعوى الضمان التى نشأت من عقد البيع تنتقل مع العين إلى المشترى من المشترى ، بالرغم من أنه سيء النية ، باعتباره خلفاً خاصاً للمشترى .

أما بالنسبة إلى دائنى المدين –غير الدائن الذى رفع الدعوى البولصية - فقد قدمنا أن التصرف المطعون فيه يكون غير نافذ فى حقهم إذا استوفوا شروط الدعوى البولصية ، ذلك أنهم يستفيدون من لحكم بعدم نفاذ التصرف كما يستفيد الدائن الذى رفع الدعوى البولصية وفقاً لأحكام التقنين المدنى الجديد . ويستطيع هؤلاء الدائنون جميعاً أن ينفذوا على العين بحقوقهم ، ويقسمون ثمنها بينهم قسمة الغرماء على النحو الذى قدمناه . ولكن دائنى من تصرف له المدين ينفذ أثر التصرف فى حقهم نفاذه فى حق مدينهم ، فلهم أن يعتبروا العين مملوكة له ، وأن ينفذوا عليها بعد أن يستوفى الدائن الذى رفع الدعوى البولصية ومن يشترك معه من الدائنين حقوقهم ، ولهم أن يستعملوا حق مدينهم فى الرجوع على المدين الذى تصرف له( [2034] ) .

606 - تعارضى مبدأ قيام التصرف مع مبدأ عدم نفاذه فى حق الدائن وتطبيق القواعد العامة : على أنه لا يمكن تفادى تعارض المبدأين اللذين قدمناهما : قيام التصرف فيما بين الطرفين من جهة ، وعدم نفاذ هذا التصرف فى حق الدائن من جهة أخرى . فلو فرضنا التصرف بيعاً ، فإن من حق المشترى $ 1069 $ أن تخلص له ملكية العين المبيعة طبقاً لمبدأ قيام التصرف فيما بين الطرفين ، ولا تخلص له هذه الملكية إلا بعد أن يستوفى الدائن حقه من العين طبقاً لمبدأ عدم نفاذ التصرف فى حق الدائن . فلا يبقى إذن إلا تطبيق القواعد العامة للتوفيق بين المبدأين .

وتطبيق هذه القواعد يؤدى إلى أن الدائن يستوفى حقه من العين المبيعة ، لأن البيع غير نافذ فى حقه . ثم لما كان البيع لا يزال قائماً فيما بين المشترى والمدين الذى باع له العين ، فإن المشترى يرجع على المدين بضمان الاستحقاق ( [2035] ) . وله أن يطلب فسخ البيع ، ويترتب على الفسخ أن يتحلل المشترى من جميع التزاماته التى نشأت من عقد البيع ، فيزول التزامه بدفع الثمن بالرغم من تواطؤه مع المدين وإذا كان قد دفع الثمن استرده وترقب فى ذلك يسار المدين ، ويرد إلى المدين ما بقى من العين فى يده بعد تنفيذ الدائن( [2036] ) .

وله كذلك أن يرجع على المدين بما استوفاه الدائن ، فقد حصل ذلك من ماله ، فيرجع بدعوى الإثراء بلا سبب ، شأن كل شخص وفى ديناً عن الغير .

ويتبين مما تقدم أن المشترى له دعويان : دعوى العقد ويرفعها ضد البائع له ، ودعوى الإثراء بلا سبب ويرفعها ضد المدين . فإذا كان البائع هو المدين ، فالمشترى بالخيار فى الرجوع عليه بإحدى الدعوين . ولكن قد يكون البائع غير المدين ، كما إذا كان المدين قد تصرف فى العين لآخر وهذا باعها للمشترى ، ففى هذه الحالة تتفرق الدعويان على شخصين مختلفين : دعوى الاستحقاق ترفع ضد البائع ، ودعوى الإثراء بلا سبب ترفع ضد المدين . وللمشترى أن يختار إحدى الدعوين ( [2037] ) .

 $ 1070 $

607 - مقارنة بين الدعوى البولصية والدعوى غير المباشرة : تتفق الدعويان فى أن الدائن يعالج بهما موقف مدين معسر يتعمد الإضرار بدائنه أو يهمل إهمالا من شأنه أن يضر بهذا الدائن ، فلابد من إدخال المدين خصما فى كل من الدعويين . وتتفقان كذلك فى أن الإجراءات فيهما فردية لا جماعية بخلاف إجراءات الإفلاس التجارى ، وفى أن سائر الدائنين مع ذلك يشاركون عند التنفيذ الدائن الذى رفع الدعوى ويقسمون معه ما حصل عليه قسمة الغرماء .

وتفترق الدعويان فى أن الذى يعالجه الدائن فى الدعوى غير المباشرة هو عمل سلبى من المدين وهو امتناعه عن استعمال حقوقه عمداً أو إهمالا ، وما يعالجه فى الدعوى البولصية هو عمل إيجابى من المدين وهو تصرفه فى حقوقه إضراراً بالدائن . لذلك كانت الحماية ضد العمل الإيجابى أشد نشاطاً من الحماية ضد العمل السلبى ( [2038] ) . فالدعوى البولصية يرفعها الدائن باسمه لا باسم المدين ، ويعتبر نفسه فيها من الغير بالنسبة إلى التصرف الذى يطعن فيه . أما الدعوى غير المباشرة $ 1071 $ فيرفعها الدائن باسم المدين ، ويعتبر نفسه نائباً عن المدين فى الحق الذى يستعمله باسمه( [2039] ) .

أما من حيث الأحكام التفصيلية فهناك فروق كثيرة ما بين الدعويين ، نذكر منها :

( 1 ) فى الدعوى البولصية يشترط فى الدائن أن يكون حقه مستحق الأداء ، ويكفى فى الدعوى غير المباشرة أن يكون حق الدائن محقق الوجود دون أن يكون مستحق الأداء .

( 2 ) فى الدعوى البولصية يشترط أن يكون حق الدائن سابقاً على التصرف المطعون فيه ، ولا يشترط فى الدعوى غير المباشرة أن يكون حق الدائن سابقاً على ثبوت حق المدين الذى يستعمله الدائن .

( 3 ) فى الدعوى البولصية التصرف الذى يطعن فيه الدائن لابد أن يكون تصرفاً قانونياً ( Acte Juridique ) توافرت فيه شروط معينة تقدم ذكرها ، أما فى الدعوى غير المباشرة فقد يكون مصدر الحق الذى يستعمله الدائن باسم مدينه تصرفاً قانونياً أو واقعة مادية .

( 4 ) فى الدعوى البولصية لابد أن يكون المدين –فيما عدا التبرعات فى القانون المصرى - سيء النية يريد بتصرفه الإضرار بحقوق دائنيه ، بل أن سوء نية المدين وحده لا يكفى إذا كان التصرف المطعون فيه معاوضة ، إذ يجب فى هذه الحالة إثبات سوء نية الخلف وخلف الخلف . أما فى الدعوى غير المباشرة فقد يكون المدين سيء النية وقد يكون مهملا فى استعمال حقه بنفسه ، فلا يشترط إذن فى المدين سوء النية .

( 5 ) أثر الدعوى البولصية واحد دائما هو اعتبار الدائن من الغير فى التصرف فى المطعون فيه ، ذلك أنه لا توجد إلا دعوى بولصية واحدة يرفعها الدائن باسمه ، $ 1072 $ وهى دائما دعوى شخصية . أما أثر الدعوى غير المباشرة فيختلف باختلاف الحق الذى يستعمله الدائن باسم المدين ، ذلك أنه لا توجد دعوى واحدة غير مباشرة ، بل توجد دعاوى متعددة بقدر ما للمدين من حقوق يستطيع الدائن أن يستعملها ، وهى تارة تكون شخصية وطورا تكون عينية حسب طبيعة الحق الذى يستعمله الدائن( [2040] ) .

 $ 1073 $

الفصل الثالث

دعوى الصورية( * )

( Action en simulation )

608 - مسائل ثلاث : نحدد أولا ما هى الصورية ، ثم نبين أحكامها ، ثم نعقد مقارنة بين دعوى الصورية وكل من الدعوى البولصية والدعوى غير المباشرة .

الفرع الأول

تحديد الصورية

609 - معنى الصورية وأنواعها : يلجأ المتعاقدان عادة إلى الصورية عندما يريدان إخفاء حقيقة ما تعاقدا عليه لسبب قام عندهما . ومن هنا وجد :

( 1 ) العقد الظاهر ( Acte Apparent ) ، وهو العقد الصورى ( Acte simule, Fictif ) .

( 2 ) والعقد المستتر ( Acte secret ) ، وهو العقد الحقيقى ( Acte reel ) وتسميه المحاكم المصرية عادة بورقة الضد ( Contre - Iettre ) .

والصورية قسمان : صورية مطلقة ( Simulation Absolue ) وصورية نسبية $ 1074 $ ( Simulatio relative )( [2041] ) . والصورية النسبية إما أن تكون بطريق التستر ( Par voie de deguisement ) . وإما أن تكون بطريق المضادة ( Par voie de contre - Iettre ) ، وإما أن تكون بطريق التسخير ( Par voie d'interposition de persnnes ) .

610 - الصورية المطلقة : وهى تتناول وجود العقد ذاته ، فيكون العقد الظاهر لا وجود له فى الحقيقة ، ولا تتضمن الورقة المستترة عقداً آخر حقيقياً يختلف عن العقد الظاهر ، بل تقتصر هذه الورقة على تقرير أن العقد الظاهر إنما هو عقد صورى لا وجود له . مثل ذلك شخص يريد أن يتوقى من دائنيه أن ينفذوا على شيء يملكه ، فيبيع هذا الشيء بيعاً صورياً على شخص يتفق معه على ذلك ، ويكتبان بالبيع عقداً ظاهراً ، ويكتبان فى الوقت ذاته سنداً مستتراً يذكران فيه أن البيع لا حقيقة له ، وهذا السند المستتر هو " ورقة الضد " . وفى هذه الصورة نرى اقتراب الصورية من الدعوى البولصية ، ففى كليهما يحاول المدين بغشه أن يضر بحقوق دائنيه ، وفى كليهما يعطى القانون سلاحاً للدائنين يحاربون به غش المدين .

على أنه قد يكون للصورية المطلقة أغراض أخرى غير الإضرار بحقوق الدائن . فقد يتفق شخص مع آخر ممن يلوذ به على أن يبيعه بيعاً صورياً النصاب المالى المطلوب لمركز يرشح نفسه له ، كمركز العضوية فى مجلس نيابى أو مركز العمدية أو نحو ذلك ، أو يبيعه بيعاً صورياً مالا يظهر به فى مظهر ذوى اليسار حتى يتسنى له الانخراط فى جمعية أو شركة تتطلب هذا المظهر أو مصاهرة أسرة تقتضى هذا اليسار .

ويتبين من هذا –ومن الحالات الأخرى الصورية النسبية التى ستأتى - وأن الصورية أوسع نطاقاً من الدعوى البولصية .

611 - الصورية بطريق التستر : وتتناول نوع العقد لا وجود ، وذلك كهبة فى صورة بيع . العقد الظاهر هو البيع وهو عقد صورى ، والعقد $ 1075 $ المستتر هو الهبة وهو العقد الحقيقى . ويكون الغرض من الصورية عادة فى مثل هذه الحالة الهرب من رسمية العقد فيما لو ظهرت الهبة فى ثوبها الحقيقى ( [2042] ) . وقد يكون الغرض ستر السبب الحقيقى للتصرف ، كأن يكتب شخص صكاً على نفسه بدين لآخر يقول عنه أنه ثمن لشيء اشتراه وهو فى الحقيقة قرض بربا فاحش ، وكأن يصدر من شخص لأحد ورثته عقد بيع وهو فى الحقيقة وصية .

612 - الصورية بطريق المضادة : ولا تتناول وجود العقد أو نوعه ، بل ركناً أو شرطاً فيه . مثل ذلك عقد بيع يذكر فيه ثمن أقل من الثمن الحقيقى تخففا من رسوم التسجيل ، أو ثمن أكبر من الثمن الحقيقى توقيا من الأخذ بالشفعة ، ويحتفظ المتعاقدان بسند مستتر ، هو ورقة الضد ، يذكر فيه الثمن على حقيقته .

613 - الصورية بطريق التسخير : ونتناول شخص أحد المتعاقدين ، كأن يهب شخص لآخر مالا ويكون الموهوب له المذكور فى العقد ليس هو المقصود بالهبة ، بل المقصود شخص آخر يغلب أن تكون الهبة غير جائزة له ، فيوسط الواهب بينه وبين الموهوب له الحقيقى شخصا مسخراً ( Personne interpose ) ، تكون مهمته أن يتلقى الهبة من الواهب ثم ينقلها إلى الموهوب له . فيكون الغرض من الصورية بطريق التسخير عادة التغلب على $ 1076 $ مانع قانونى يحول دون تمام الصفقة لشخص معين ( [2043] ) .

وقد أورد التقنين المدنى صوراً مختلفة من الصورية بطريق التسخير ، نذكر منها :

( 1 ) ما نصت عليه المادة 471 مدنى من أنه " لا يجوز للقضاة ولا لأعضاء النيابة ولا للمحامين ولا لكتبة المحاكم ولا للمحضرين أن يشتروا لا بأسمائهم ولا باسم مستعار الحق المتنازع فيه كله أو بعضه ، إذا كان النظر فى النزاع يدخل فى اختصاص المحكمة التى يباشرون أعمالهم فى دائرتها ، وإلا كان البيع باطلا " .

( 2 ) ما نصت عليه المادة 472 مدنى من أنه " لا يجوز للمحامين أن يتعاملوا مع موكليهم فى الحقوق المتنازع فيها إذا كانوا هم الذين يتولون الدفاع عنها ، سواء أكان التعامل بأسمائهم أم باسم مستعار ، وإلا كان العقد باطلا " .

( 3 ) ما نصت عليه المادة 479 مدنى من أنه " لا يجوز لمن ينوب عن غيره بمقتضى اتفاق أو نص أو أمر من السلطة المختصة أن يشترى بنفسه مباشرة أو باسم مستعار ، ولو بطريق المزاد العلنى ، ما نيط به بيعه بموجب هذه النيابة ، ما لم يكن ذلك بإذن القضاء ، ومع عدم الإخلال بما يكون منصوصاً عليه فى قوانين أخرى " .

( 4 ) ما نصت عليه المادة 480 مدنى من أنه " لا يجوز للسماسرة ولا للخبراء أن يشتروا الأموال المعهود إليهم فى بيعها أو فى تقدير قيمتها ، سواء أكان الشر ، بأسمائهم أم باسم مستعار( [2044] ) " .

 $ 1077 $

614 - شروط تحقق الصورية : ويتبين مما قدمناه أن الصورية لا تتحقق إلا إذا توافرت الشروط الآتية :

( 1 ) أن يوجد عقدان –أو موقفان - اتحد فيهما الطرفان والموضوع .

( 2 ) أن يختلف العقدان من حيث الماهية أو الأركان أو الشروط .

( 3 ) أن يكونا متعاصرين ، فيصدرا معاً فى وقت واحد ( [2045] ) .

( 4 ) أن يكون أحداهما ظاهراً علنياً وهو العقد الصورى ، ويكون الآخر مستتراً سرياً وهو العقد الحقيقى ( [2046] ) .

615 - تمييز الصورية عن حالات مشابهة : وهناك حالات مشابهة للصورية يجب تمييز الصورية عنها . من ذلك :

( 1 ) إن الصورية تختلف عن التدليس فى أنها عمل يتفق عليه المتعاقدان متواطئين معاً ، فليس يغش أحداهما الآخر ، وإن يريدان معاً غش الغير أو إخفاء أمر معين ( [2047] ) . أما التدليس فعمل يقوم به أحد المتعاقدين لتضليل المتعاقد $ 1078 $ الآخر ( [2048] ) .

وتختلف الصورية عن التزوير كذلك ، لأن كلا من المتعاقدين عالم بالصورية ومتواطئ عليها مع الآخر . فلا يجوز إذن الطعن فى العقد الرسمى أو العرفى بالتزوير بسبب صوريته( [2049] ) .

( 2 ) تختلف الصورية أيضاً عن التحفظ الذهنى ( Reserve mentale ) فى أن الأولى نتيجة تدبير واتفاق بين طرفين ، أما التحفظ الذهنى ففيه يستقل أحد الطرفين –دون أن يتفق فى ذلك مع الآخر - بإظهار إرادة وإبطان إرادة أخرى تختلف عن الأولى ، فإرادته الظاهرة غير جدية إذ تحفظ ذهنياً بإرادة باطنة تختلف عنها . فالتحفظ الذهنى نوع من الصورية فى الإرادة الظاهرة ، ولكنها صورية غير متفق عليها بين المتعاقدين .

( 3 ) ولا صورية فى عقد جدى التقنين المدنى المختلط بين المتعاقدين ، ثم بدا لهما بعد ذلك أن يدخلا فيه تعديلا . فإذا اتفق الطرفان على عقد إيجار مثلا ، ثم عدلا العقد فيما يتعلق بالأجرة فخضاها ، لم يكن هناك عقد صورى وعقد حقيقى ، بل هناك عقدان حقيقيان الأخير منهما يعدل الأول . وقد تقدم القول إن الصورية لا تتحقق إلا إذا كان العقدان متعاصرين( [2050] ) .

( 4 ) ولا صورية كذلك فى عقد جدى يتم بين المتعاقدين ، حتى لو لم يكن ذلك العقد إلا وسيلة للوصول إلى غرض آخر ليس هو الغرض المباشر من العقد . فإذا تصرف المدين فى ماله تصرفاً جدياً حتى يضيع على دائنه فرصة $ 1079 $ التنفيذ عليه ، فتصرف المدين فى هذه الحالة تصرف جدى لا صورى ، ويطعن فيه بالدعوى البولصية لا بدعوى الصورية( [2051] ) . وقد يحمل الزوج أحد أقاربه –كأحد والديه - على أن يرفع عليه دعوى نفقة ، حتى ينتقص بذلك من مقدار النفقة التى يحكم بها للزوجة ، ففى هذه الحالة لا تكون دعوى النفقة المرفوعة من غير الزوجة دعوى صورية ، بل هى دعوى حقيقية . وفى فرنسا قد يتبنى شخص آخر تبنياً حقيقياً بقصد أن ينتقص بذلك من حقوق الورثة ، وقد يتزوج الطبيب امرأة يعالجها وهى فى مرض الموت حتى يجوز له أن يتلقى منها تبرعاً ممنوعاً عنه بموجب المادة 909 من التقنين المدنى الفرنسى لو لم يتزوجها( [2052] ) .

( 5 ) ولا صورية فى عقد ظاهر نوه فيه بالعقد المستتر ، كما فى البيع مع التقرير بالشراء عن الغير ( declaration de command, eletion d'ami )( [2053] ) ، لأن شرط الصورية أن يكون هناك عقد مستتر لا يشار إليه فى العقد الظاهر ، بل يبقى سراً بين الطرفين . ولذلك يصعب تحقق الصورية إذا كان العمل المستتر من شأنه ألا يكون نافذاً فى حق الغير إلا بطريقة من طرق الشهر ، كتسجيل أو قيد أو إعلان ، إذ فى هذه الحالة يفقد العمل المستتر سريته فلا تتوافر شروط الصورية ( [2054] ) .

616 - منطقة الصورية : وأكثر ما تكون الصورية فى العقود . ولكن هذا لا يمنع من أن تكون فى التصرف القانونى الصادر من جانب واحد ( [2055] ) ، بشرط أن يكون هذا التصرف موجهاً إلى شخص معين ، لأن $ 1080 $ الصورية نتيجة اتفاق ولا يتصور الاتفاق إلا من شخصين يتعاملان معاً . فالتنازل عن حق عينى ، أو الإبراء من دين ، أو إنهاء علاقة قانونية قائمة( [2056] ) ، كل هذا يتم بتصرف قانونى من جانب واحد ، وقد يكون هذا التصرف صورياً إذا اتفق الطرفان على أن التنازل أو الإبراء أو إنهاء العلاقة القانونية لا يقع ، وأن الحق العينى أو الدين أو العلاقة القانونية كل هذا يبقى قائماً بالرغم من التصرف الصورى ( [2057] ) .

وكما تكون الصورية فى العقود والتصرفات يصح أيضاً أن تكون فى الأحكام ، وبخاصة أحكام رسوم المزاد التى لا تتعدى مهمة القاضى فيها مجرد استيفاء الإجراءات الشكلية ثم إيقاع البيع لمن يظهر أن المزاد قد رسا عليه ( [2058] ) .

الفرع الثانى

أحكام الصورية

617 - النصوص القانونية : تنص المادة 244 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " 1 - إذا أبرم عقد صورى ، فلدائنى المتعاقدين وللخلف الخاص ، متى كانوا حسنى النية ، أن يتمسكوا بالعقد الصورى ، كما أن لهم أن يتمسكوا بالعقد المستتر ويثبتوا بجميع الوسائل صورية العقد الذى أضر بهم " .

 " 2 - وإذا تعارضت مصالح ذوى الشأن ، فتمسك بعضهم بالعقد الظاهر $ 1081 $ وتمسك الآخرون بالعقد المستتر ، كانت الأفضلية للأولين " .

وتنص المادة 245 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " إذا ستر المتعاقدان عقداً حقيقيا بعقد ظاهر ، فالعقد النافذ يما بين المتعاقدين والخلف العام هو العقد الحقيقى ( [2059] ) " .

ولا مقابل لهذه النصوص فى التقنين المدنى السابق ، ولكن أحكامها كانت مطبقة دون نص ، فقنن التقنين الجديد القضاء المصرى فى ذلك ( [2060] ) .

وتقابل هذه النصوص فى التقنين المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى م 245 - 246 ، وفى التقنين المدنى العراقى م 147 - 149 ، وفى التقنين المدنى الليبى م 247 - 248 ، وفى تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانية م 160 - 161( [2061] ) .

 $ 1082 $

ويتبين من هذه النصوص أن أحكام الصورية بالنسبة إلى المتعاقدين والخلف العام تختلف عن أحكامها بالنسبة إلى الغير أى الدائنين والخلف الخاص . فنبحث :

( 1 ) أحكام الصورية بالنسبة إلى المتعاقدين والخلف العام .

( 2 ) أحكام الصورية بالنسبة إلى الغير .

( 3 ) الصورية من حيث الدعوى وطرق الإثبات .

المبحث الأول

أحكام الصورية بالنسبة إلى المتعاقدين والخلف العام

618 - العقد الظاهر لا وجود له : رأينا أن المادة 245 من التقنين المصرى تقضى بأنه إذا ستر المتعاقدان عقداً حقيقياً بعقد ظاهر ، فالعقد الناف فيما بين المتعاقدين والخلف العام هو العقد الحقيقى " . ويترتب على ذلك أن العقد الظاهر ، فيما بين المتعاقدين والخلف العام ، لا وجود له ، فلا يعمل به . وهذا ما يقتضيه مبدأ سلطان الإرادة ، ذلك أن المتعاقدين إنما أرادا العقد المستتر لا العقد الظاهر ، فوجب أن يلتزما بما أراداه لا بما لم يريداه ( [2062] ) .

 $ 1083 $

ومن ثم إذا باع شخص عيناً من آخر بيعاً صورياً واحتفظ بورقة الضد ، ففيما بين البائع والمشترى لا وجود للبيع . ويبقى البائع مالكاً للعين ، وله حق التصرف فيها ، ويستطيع أن يبيعها بيعاً جدياً بعد ذلك إلى مشتر ثان والمشتر الثانى هو الذى تنتقل إليه الملكية ، وليس للمشترى الصورى الأول أن يحتج بعقد البيع الصورى على المشترى الثانى ولو سجل البيع الصورى قبل تسجيل البيع الجدى . كذلك إذا مات البائع ، فالعين الباقية فى ملكه تنتقل بالميراث إلى وارثه الخلف العام ، إذ العبرة بالنسبة إلى الخلف العام بالعقد الحقيقى أيضاً لا بالعقد الصورى ( [2063] ) .

وعلى النقيض من ذلك لا يكون المشترى الصورى مالكاً للعين ( [2064] ) . وكذلك وارثه لا تنتقل إليه ملكية العين بالميراث ، إذا مات المشترى الصورى ( [2065] ) .

 $ 1084 $

ولكن إذا لم يكن للعقد الصورى وجود كتصرف قانونى فيما بين المتعاقدين والخلف العام ، فإن له مع ذلك وجوداً مادياً قد يترتب عليه أثر قانونى . فالتصرف الصور الصادر من الموصى له فى العين الموصى بها يعتبر قبولا ضمنياً للوصية ، وكذلك التصرف الصورى الصادر من الوارث فى عين من أعيان التركة يعتبر قبولا للميراث فى القانون الفرنسى( [2066] ) .

619 - والعبرة بالعقد الحقيقى : فالذى يعتد به إذن ، فيما بين المتعاقدين والخلف العام ، كما يقول صريح النص فى المادة 245 مدنى ، إنما هو العقد الحقيقى . وقد رأينا فى المثل السابق أننا اعتددنا بورقة الضد ، وهى التى تعبر عن الموقف الحقيقى ، فيما بين المتعاقدين والخلف العام فالبائع الصورى يبقى مالكاً للعين وتنتقل منه الملكية إلى وارثه ، والمشترى الصورى لا تنتقل إليه ملكية العين ومن ثم لا تنتقل منه هذه الملكية إلى وارثه .

ولما كانت الصورية كثيراً ما تستعمل لخديعة الغير وللتحايل على القانون ، فقد كانت تختلط بالغش ، وكان كلا العقدين الظاهر والمستتر يعتبر باطلا . ولم يميز القضاء الفرنسى بين الغش والصورية إلا فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر ( [2067] ) ، فاقتصر فى الصورية على منع تحقيق الأغراض غير المشروعة التى يراد الوصول إليها من طريق الصورية ، واكتفى بذلك دون أن يجاوزه إلى إبطال العقد الحقيقى الذى قصد إليه المتعاقدان . وهذا هو ما تقضى به المادة 1321 من التقنين المدنى الفرنسى ، إذ تنص على أن " العقود المستترة لا تنتج أثرها إلا فيما بين المتعاقدين ، ولا يكون لها أثر ضد الغير ( [2068] ) " . وهو ما استقر عليه الفقه $ 1085 $ والقضاء فى فرنسا ( [2069] ) ، وما استقر عليه الفقه والقضاء فى مصر ( [2070] ) حتى فى عهد التقنين المدنى السابق الذى لم يشتمل على النصوص التى اشتمل عليها التقنين المدنى الجديد ، وذلك لاتفاق هذه الأحكام مع القواعد العامة ، وقد قنن القضاء $ 1086 $ المصرى كما قدمنا فى المادتين 244 و 245 من التقنين المدنى الجديد .

620 - وجوب أثبات العقد الحقيقى والشروط الواجب توافرها فيه : وأى من الطرفين يريد أن يتمسك بالعقد المستتر فى مواجهة العقد الظاهر يجب عليه هو أن يثبت وجود العق المستتر الذى يريد التمسك به ، وفقاً لقواعد الإثبات التى سنبينها فيما يلى . أما إذا لم يستطع أن يثبت أن هناك عقداً مستتراً ، فالعقد الظاهر هو الذى يعمل به ، ويعتبر عقداً جدياً لا صورياً( [2071] ) .

فإذا ما ثبت وجود العقد المستتر ، وجب أن تتوافر فى هذا العقد ، حتى يسرى فيما بين المتعاقدين ، جميع الشروط الموضوعية التى يتطلبها القانون ( [2072] ) . فعقد الهبة المستتر فى صورة البيع مثلا يجب أن يصدر من ذى أهلية للهبة ، وأن تتوافر فيه أركان الهبة الموضوعية وشروط صحتها ( [2073] ) . فإذا توافر كل ذلك ، أجريت على العقد أحكام الهبة لا أحكام البيع ، فيجوز الرجوع فيه إلا لمانع ، $ 1087 $ ويحسب من نصيب الموهوب له فى الميراث فى القانون الفرنسى ( [2074] ) ، ويعتبر تبرعاً لا معاوضة من حيث الدعوى البولصية ( [2075] ) .

أما من حيث الشكل ، فلا يشترط فى العقد المستتر أن تتوافر فيه الشكلية التى قد يتطلبها القانون لو لم تكن هناك صورية . فالهبة –ولو كانت هبة منقول ( [2076] ) - فى صورة بيع لا تشترط فيها ورقة رسمية ( أنظر المادة 488 فقرة أول مدنى ) ، ويكفى أن يكون العقد الظاهر بيعاً فى شكله وفى موضوعه( [2077] ) .

 $ 1088 $

وإذا أفرغ العقد الظاهر فى ورقة رسمية ، فإنه يجوز مع ذلك أن يحتوى العقد المستتر سند عرفى ( [2078] ) .

المبحث الثانى

أحكام الصورية بالنسبة إلى الغير

621 - تحديد من هو الغير فى الصورية : قدمنا أنه يجب التمييز فى الصورية بين المتعاقدين والغير . والغير فى الصورية يحتاج إلى التجديد ، فقد رأينا أن الغيرية تختلف باختلاف الوضع القانونى الذى تواجهه ، فالغير فى الصورية يختلف عن الغير فى أثر العقد : وعن الغير فى التسجيل ، وعن الغير فى القيد ، وعن الغير فى التاريخ الثابت ، وعن الغير فى حجية الحكم .

والوضع القانونى فى الصورية الذى يكون أساساً فى تحديد معنى " الغير " يتخلص فى وجوب حماية كل من اعتمد على العقد الصورى واطمأن إليه ، معتقداً بحسن نية أنه عقد حقيقى فبنى عليه تعامله ( [2079] ) . فاستقرار التعامل يقضى فى هذه الحالة –كما تقضى العدالة - أن يعتبر العقد الصورى بالنسبة إليه عقداً قائماً ينتج أثره إذا كانت له مصلحة فى ذلك ( [2080] ) . وهذا الأساس فى تحديد معنى " الغير " فى الصورية يقتضى أن يكون " غيراً " الفريقان الآتيان :

( أولا ) كل من كسب حقاً عينياً من أحد المتعاقدين على الشيء محل التصرف $ 1089 $ الصورى ، سواء كان هذا الحق سابقاً للتصرف الصورى أو تالياً له( [2081] ) .

فلو باع شخص داراً من آخر بيعاً صورياً ، فكل من كسب حقاً عينياً على هذه الدار ، قبل التصرف الصورى أو بعده ، من البائع أو المشترى ، يعتبر من الغير فى البيع الصورى الذى التقنين المدنى المختلط . مثل من يكسب الحق العينى من البائع قبل التصرف الصورى دائن مرتهن يرهن له البائع الدار ثم يبيعها بد ذلك بيعاً صورياً ، ومثل من يكسب الحق العينى من البائع بعد التصرف الصورى مشتر ثان يبيع منه البائع الدار مرة أخرى بيعاً جدياً بعد أن باعها بيعاً صورياً ، فكل من الدائن المرتهن و المشترى بعقد جدى يعتبر غيراً بالنسبة إلى البيع الصورى ، ومن حقه أن يطعن فى هذا البيع بالصورية على النحو الذى سنبينه ، حتى يسلم له حقه الذى كسبه من البائع ( [2082] ) . ومثل من يكسب الحق العينى من المشترى بعد صدور التصرف الصورى له مشتر ثان يبيع منه المشترى الصورى الدار بيعاً جدياً بعد أن اشتراها بعقد صورى ، أو دائن مرتهن يرهن له المشترى الصورى الدار . فكل من المشترى بعقد جدى والدائن المرتهن يعتبر غيراً بالنسبة إلى البيع الصورى ، ومن حقه أن يتمسك بهذا البيع على النحو الذى سنبينه ، حتى يسلم له حقه الذى كسبه من المشترى ( [2083] ) . ويستوى أن يكون الشيء محل التصرف $ 1090 $ الصورى عيناً أو ديناً ( [2084] ) .

ويلاحظ أن هذا الفريق الأول ليس إلا الخلف الخاص لأحد المتعاقدين فى البيع الصورى : خلفاً خاصاً للبائع أو خلفاً خاصا للمشترى .

ويلاحظ أيضاً أن هذا الخلف الخاص قد كسب حقه من البائع أو من المشترى بسبب يغاير التصرف الصورى الصادر من البائع إلى المشترى . فالدائن المرتهن من البائع كسب حقه بعقد الرهن وهو غير البيع الصورى ، وكذلك الحال بالنسبة إلى كل من المشترى بعقد جدى من المشترى والدائن الذى ارتهن من المشترى الدار . ويترتب على ذلك أنه لا يعتبر غيراً من كسب حقه على العين $ 1091 $ محل التصرف الصورى بموجب هذا التصرف الصورى نفسه . فلو باع شخص داراً من آخر بعقد ذكر فيه ثمن أقل من الثمن الحقيقى للتخفف من رسوم التسجيل ، فإن الشفيع فى هذه الدار لا يعتبر غيراً بالنسبة إلى هذا البيع ، ولا يحق له أن يتمسك بالثمن المذكور فى العقد للأخذ بالشفعة ، بل يجب أن يدفع الثمن الحقيقى إذا أثبته أى من البائع أو المشترى ، ذلك أن الشفيع إنما كسب حقه بالشفعة ، والشفعة سبب يدخل فيه نفس البيع الذى ذكر فيه الثمن الصورى ( [2085] ) ، فيكون قد كسب حقه بموجب العقد الصورى ، فلا يعتبر غيراً فى هذا العقد . هذا إلى أنه من الواضح أن الشفيع قد حل محل المشترى فى البيع ، فهو إذن ليس بخلف خاص للمشترى إذ لم يتلق منه الملكية ، وهو فى الوقت ذاته بعد أن محل المشترى قد أصبح طرفاً مع البائع فى نفس العقد الصورى فلا يصح أن يكون خلفاً خاصا للبائع ( [2086] ) .

 $ 1092 $

ويترتب على ذلك أيضاً أنه إذا كان عقد الاشتراط لمصلحة الغير ما بين المشترط والمتعهد عقداً صورياً ، فإنه يجوز للمتعهد أن يتمسك قبل المنتفع $ 1093 $ بالصورية حتى لو كان المنتفع حسن النية لا يعلم بصورية العقد . ذلك أن المنتفع لا يعتبر غيراً فى هذه الصورية حتى يستطيع التمسك بالعقد الظاهر ، فهو قد استمد $ 1094 $ حقه من هذا العقد ، وشرط الغير فى الصورية كما قررنا ألا يكون حقه الذى تراد حمايته من الصورية مصدره العقد الصورى ذاته( [2087] ) .

( ثانيا ) الدائنون الشخصيون ( Chirographaires ) لكل من المتعاقدين طرفى الصورية( [2088] ) .

فدائن المشترى فى البيع الصورى يعتبر من الغير ، إذ أنه قد اطمأن إلى أن الشيء محل التصرف الصورى قد انتقل إلى المشترى ، فدخل فى ضمانه العام ، وله فى هذه الحالة أن يتمسك بالعقد الصورى . وكذلك دائن البائع فى البيع الصورى يعتبر من الغير ، ولكن لسبب آخر هو أن الشيء محل التصرف الصورى لم يخرج فى الحقيقة من ملك البائع ، أى لم يخرج من الضمان العام للدائن ، فللدائن فى هذه الحالة أن يتمسك بالعقد الحقيقى( [2089] ) .

ويتبين من ذلك أن الدائنين الشخصين تارة يعتبرون من الغير فى بعض أوضاع قانونية ، وطوراً لا يعتبرون من الغير فى أوضاع قانونية أخرى . فهم يعتبرون من الغير فى الصورية والدعوى البولصية والقيد ( inscription ) ، حيث تجب حمايتهم من غش المدين أو حيث يحق لهم أن يطمئنوا إلى المركز الظاهر $ 1095 $ وأن يتعاملوا على مقتضاه . وهم لا يعتبرون من الغير فيما عدا ذلك من الأوضاع القانونية ، كنسبية أثر العقد وحجية الحكم وثبوت التاريخ والتسجيل ( Transcription ) ، فيسرى فى حقهم أثر العقد وحجية الأمر المقضى والتاريخ غير الثابت والعقد غير المسجل .

والدائن الشخصى يعتبر من الغير فى الصورية سواء كان حقه مستحق الأداء أو غير مستحق الأداء ، ما دام خاليا من النزاع ، ومركزه فى ذلك كمركزه فى الدعوى غير المباشرة ، بخلاف الدعوى البولصية فقد رأينا أن حقه يجب أن يكون مستحق الأداء .

ولا يشترط كذلك فى الدائن الشخصى للبائع ، حتى يعتبر من الغير فى الصورية ، أن يكون حقه سابقاً على التصرف الصورى ، بل يصح أن يكون تالياً لهذا التصرف ، إذ تصرف المدين الصورى يبقى صورياً حتى بالنسبة إلى الدائنين الذين استجدوا بعد هذا التصرف ، ولا يزال الشيء محل التصرف داخلا فى الضمان العام للدائنين ، سواء من كان منهم سابقاً على التصرف الصورى ومن كان منهم لاحقاً له ( [2090] ) . وما قلناه فى الدائن الشخصى للبائع نقوله فى الدائن الشخصى للمشترى ، فهو من الغير سواء كان حقه تالياً للتصرف الصورى أو سابقاً عليه ، ففى الحالتين دخل الشيء ظاهراً فى الضمان العام للدائنين ( [2091] ) . وفى هذا أيضاً يتفق مركز الدائن $ 1096 $ الشخصى فى الصورية مع مركزه فى الدعوى غير المباشرة ويختلف عن مركزه فى الدعوى البولصية .

622 - للغير أن يتمسك بالعقد المستتر : وقد رأينا المادة 244 من التقنين المدنى تحدد الغير فى الصورية بأنهم هم دائنو المتعاقدين والخلف الخاص ، على النحو الذى بيناه فيما تقدم ، وتقضى بأن لهؤلاء أن يتمسكوا بالعقد المستتر .

والأصل هو أن العقد المستتر –وهو العقد الذى له وجود حقيقى والذى أراده المتعاقدان - هو الذى يسرى ، حتى بالنسبة إلى الغير . أما العقد الظاهر فلا وجود له ، فالأصل فيه أنه لا يسرى ، حتى بالنسبة إلى الغير ، إلا إذا كانت له مصلحة فى ذلك كما سنرى .

فالعقد المستتر هو إذن الذى يسرى فى الأصل فى حق الغير ( [2092] ) ، حتى لو كان الغير لا يعلم بوجود هذا العقد فى مبدأ الأمر ، واعتقد أن العقد الظاهر هو عقد جدى( [2093] ) .

 $ 1097 $

ويترتب على ذلك أن لدائنى البائع ، إذا كان البيع صورياً ، أن يتمسكوا بالعقد المستتر حتى يتمكنوا من التنفيذ على العين المبيعة على أساس أنها لم تخرج من ملك البائع ( [2094] ) . ولهم أيضاً أن يتمسكوا بأن البيع حقيقته هبة مستترة حتى يسهل عليهم الطعن فيها بالدعوى البولصية دون حاجة إلى إثبات الغش . وهذا كله حتى لو لم يثبت حقهم فى ذمة البائع إلا بعد صدور البيع الصورى كما أسلفنا الإشارة . وإذا أثبت دائن البائع صورية البيع ، فإنه لا يستأثر وحده بالتنفيذ على العين المبيعة ، بل يشترك معه فى التنفيذ سائر الدائنين ، ذلك لأن الدائن إنما حصل على حكم يقرر أمراً واقعاً هو أن العين لم تخرج من ملكية المدين ، وبذلك تبقى فى الضمان العام لكل الدائنين ، فلا ينفرد الدائن الذى رفع دعوى الصورية بالتنفيذ عليها وحده( [2095] ) .

 $ 1098 $

كذلك للخلف الخاص ، الذى كسب حقه من البائع على العين المبيعة صورياً . أن يتمسك بالعقد المستتر . ومصلحته فى ذلك ظاهرة إذا كان قد كسب حقه بعد صدور البيع الصورى ، حتى يكون كسبه لهذا الحق صحيحاً . وله مصلحة كذلك فى التمسك بالعقد المستتر حتى لو كسب حقه قبل صدور البيع الصورى ، إذا كان هذا الحق لم يشهر على الوجه الذى يوجبه القانون قبل تسجيل البيع الصورى ، أو حتى إذا كان قد شهر ولكن الخلف الخاص يريد أن يتجنب إجراءات حق التتبع وألا يتحمل حق التطهير ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك . مثل ما قدمنا أن يبيع الراهن العين المرهونة بيعا صوريا ويكون الدائن المرتهن لم يقيد الرهن قبل تسجيل البيع الصورى ، أو يبيع المالك العين مرة ثانية بيعا صوريا بعد أن يكون قد باعها بيعا جديا ويسجل المشترى الثانى عقده الصورى قبل أن يسجل المشترى الأول عقده الجدى ، فللدائن المرتهن فى المثل الأول ، وللمشترى الأول فى المثل الثانى ، أن يتمسكا بالعقد المستتر ويطعنا فى العقد الظاهر بالصورية ( [2096] ) .

 $ 1099 $

623 - وللغير أيضاً أن يتمسك بالعقد الظاهر إذا كانت له مصلحة فى ذلك : على أن الغير قد يضره التمسك بالعقد المستتر ، وتكون مصلحته فى أن يتمسك بالعقد الظاهر . وقد قضت المادة 244 ، كما رأينا ، بأن الغير –دائنى المتعاقدين والخلف الخاص - له أن يتمسك بالعقد الظاهر متى كان حسن النية ( [2097] ) . وهنا تبرز أهم قاعدة فى الصورية ، وهى القاعدة التى تميز الصورية عن غيرها من الأوضاع القانونية . فإلى هنا لم نزد على أن كنا نقرر القواعد العامة ، وليس فى تمسك الغير بالعقد المستتر إلا تطبيق لهذه القواعد ، فإن العقد المستتر هو العقد الحقيقى ، فهو الذى يسرى كما سبق القول . فهذا هو الاستثناء . ولكنه استثناء يطغى فى كثير من الأحوال على القاعدة ، ويصبح للغير أن يختار بين العقد المستتر أو العقد الظاهر حسب مصلحته . وهو إذا تمسك بالعقد $ 110 $ المستتر ، فلأنه العقد الحقيقى الذى أراده المتعاقدان ، فيأخذهما بما أرادا . وإذا تمسك بالعقد الظاهر ، فلأن هذا العقد قد خلق مظهراً انخدع به واطمأن إليه ، وليس للمتعاقدين أن يستفيدوا من غشهما فى علاقتهما بالغير . فالعقد المستتر يقتضيه مبدأ سلطان الإرادة ، والعقد الظاهر يقتضيه مبدأ استقرار التعامل . ومما يدل على أن الاستثناء يطغى فى كثير من الأحوال على القاعدة ما سنرى من أنه إذا تعارض الاستثناء مع القاعدة ، وتمسك أحد الأغيار بالعقد الظاهر وتمسك " غير " آخر بالعقد المستتر ، فإن المتمسك بالعقد الظاهر –أى بالاستثناء - هو الذى ترجح كفته .

فللغير إذن أن يتمسك بالعقد الظاهر ( [2098] ) إذا تحققت له مصلحة فى ذلك ( [2099] ) ومن ثم يكون لدائن المشترى فى البيع الصورى أن يتمسك بالعقد الظاهر ، حتى يتمكن من التنفيذ على العين التى اعتبرت بالنسبة إليه داخلة فى ملك المشترى بموجب العقد الظاهر ، ولو كان حق هذا الدائن ثابتاً فى ذمة المشترى قبل صدور البيع الصورى كما سبق القول ( [2100] ) . ولا يستأثر دائن المشترى بالتنفيذ على العين ، بل يشترك معه فى ذلك سائر دائنى المشترى ، لنفس الأسباب التى قدمناها فى دائن $ 1101 $ البائع ، كذلك للخلف الخاص الذى كسب حقه من المشترى أن يتمسك بالعقد الظاهر . مثل ذلك دائن مرتهن من المشترى ( [2101] ) ، أو صاحب حق ارتفاق ، أو صاحب حق انتفاع ، أو مشتر ثان ( [2102] ) ، كل هؤلاء لهم أن يتمسكوا بالعقد الظاهر ، فيعتبر الحق العينى قد انتقل إليهم من مالك ( [2103] ) .

ولما كان أساس تمسك الغير بالعقد الظاهر هو كما قدمنا اطمئنانه إلى هذا العقد ، فمن البديهى إذن أنه يجب لتمسكه بالعقد الظاهر أن يكون حسن النية ، أى لا يعلم وقت تعامله مع المالك الظاهر أن العقد الظاهر إنما هو عقد صورى ، بل اعتقد أنه عقد جدى واطمأن إليه وبنى عليه تعامله . أما إذا كان عالماً وقت تعامله بصورية العقد الظاهر ، فليس ثمة مبرر لحمايته ، وكان العقد الذى يسرى فى حقه هو العقد الحقيقى ، شأنه فى ذلك شأن المتعاقدين( [2104] ) . فلابد إذن أن $ 1102 $ يكون الغير جاهلا بصورية العقد الظاهر حتى يستطيع أن يتمسك به . ويكفى أن يجهل هذه الصورية وقت تعامله ، حتى لو علم بها بعد ذلك . فإذا كان دائناً شخصياً للمشترى وكان التصرف الصورى سابقاً على حقه ، وجب أن يكون وقت أن أصبح دائنا للمشترى قد اعتقد أن التصرف الصورى الذى سبق حقه إنما هوت صرف جدى ، وقد اطمأن إليه على هذا الاعتبار . وكذلك الحال لو انتقل إليه حق عينى من المشترى بعد صدور التصرف الصورى ، فيجب وقت انتقال الحق العينى إليه أن يكون معتقداً جدية التصرف الصورى . وقد قدمنا أن الغير قد يكون حقه ، شخصياً كان أو عينياً ، سابقا على التصرف الصورى ، ففى هذه الحالة يكون حسن النية المطلوب منه هو أن يكون قد اعتقد وقت علمه بصدور التصرف الصورى أن هذا التصرف جدى ، فاطمأن إليه على هذا الاعتبار .

والمفروض أن الغير حسن النية لا علم له بالعقد المستتر ، وعلى من يدعى عكس ذلك أن يثبت ما يدعيه ( [2105] ) . ولما كان العلم بالعقد المستتر واقعة مادية ، فإنه يجوز إثباتها بجميع الطرق ، بما فى ذلك البينة والقرائن ( [2106] ) .

 $ 1103 $

624 - التعارض بين غير يتمسك بالعقد الظاهر وغير يتمسك بالعقد المستتر : ولما كان الغير له أن يتمسك بالعقد الظاهر أو بالعقد المستتر وفقا لمصلحته ، فإنه يقع كثيرا أن يقوم تنازع فيما بين الغيار لتعارض المصلحة . ويكفى أن نفرض فى بيع صورى أن يكون للبائع دائن وللمشترى دائن . فدائن البائع مصلحته أن يتمسك بالعقد المستتر ، ودائن المشترى مصلحته أن يتمسك بالعقد الظاهر . ولا يمكن أن نأخذ بالعقدين معا ، فلا بد إذن من تغليب إحدى المصلحتين . فإما أن نحرص على احترام الإرادة الحقيقية للمتعاقدين فنغلب مصلحة دائن البائع أو من كسب حقاً عينياً من البائع ونأخذ بالعقد المستتر ، وإما أن نعنى بثبات التعامل واستقراره فنغلب مصلحة دائن المشترى أو من كسب حقاً عينياً من المشترى ونأخذ بالعقد الظاهر . ولم يكن فى التقنين المدنى السابق نص فى هذه المسألة ، فانقسمت الآراء ، بعض يأخذ بالعقد المستتر ( [2107] ) . والغالبية تأخذ بالعقد الظاهر( [2108] ) .

 $ 1104 $

وقد حسم التقنين المدنى الجديد هذا الخلاف ، فنصت الفقرة الثانية من المادة 244 ، كما رأينا ، على أنه " إذا تعرضت مصالح ذوى الشأن ، فتمسك بعضهم بالعقد الظاهر وتمسك الآخرون بالعقد المستتر ، كانت الأفضلية للأولين " . وبذلك أيد التقنين الجديد الرأى ذهبت إليه الغالبية ، لاعتبارات تعلق باستقرار التعامل ( [2109] ) . ويترتب على ذلك أن دائن المشترى فى البيع الصورى يفصل على دائن البائع ، فيقوم هو دون دائن البائع بالتنفيذ على العين المبيعة صورياً ، متمسكا بالعقد الظاهر إذ هو فى مصلحته . ويمتنع على دائن البائع أن ينفذ على هذه العين وأن يتمسك بالعقد المستتر ( [2110] ) . ويترتب على ذلك أيضاً أن من كسب حقاً عينيا نم المشترى الظاهر يفضل على من كسب حقاً عينياً من البائع الظاهر فلو أن البائع بعد أن صدر منه البيع الصورى باع مرة أخرى بيعاً جدياً لمشتر آخر وسجل هذا المشترى عقده ، ثم باع المشترى الظاهر بعد ذلك العقار بيعاً جدياً لمشتر ثان ، فإن المشترى من المشترى يفضل على المشترى من البائع بالرغم من أن هذا الأخير قد سجل أولا ، لأن كلا منهما لا يعتبر من الغير بالنسبة إلى التسجيل حتى يفضل السابق إليه ، إذ هما لم يتلقيا الحق من شخص $ 1105 $ واحد . وإنما نحن بصدد تنازع ما بين الأغيار بالنسبة إلى الصورية لا بالنسبة إلى التسجيل ، فتأخذ بالعقد الظاهر ، ونفضل المشتري من المشتري على المشتري من البائع ، ولا عبرة بالأسبقية في التسجيل ( [2111] ) . على أن المشتري من المشتري لا تنتقل إليه الملكية إلا إذا سجل عقده ، وإن كان يفضل على المشتري من البائع ولو تأخر عنه في التسجيل ( [2112] ) .

المبحث الثالث

الصورية من حيث الدعوى وطرق الإثبات

1-               من حيث الدعوى

625 – الخصوم في دعوى الصورية : قد ترفع دعوى الصورية من أحد طرفي العقد الصوري على الطرف الآخر يطعن في العقد بالصورية ، وفي هذه الحالة يجب إدخال من له مصلحة في التمسك بالعقد الصوري في الدعوى ، كخلف المشتري الظاهر إذا كان سيئ النية ( [2113] ) . وقد يكون الطعن بالصورية $ 1106 $ فى صورة دفع فى دعوى يرفعها أحد طرفى العقد الصورى على الطرف الآخر بموج بالعقد الظاهر ، ويجوز إبداء هذا الدفع فى أية حاجلة كانت عليها الدعوى ( [2114] ) .

وقد تكون الدعوى مرفوعة من الغير على الطرفين ، فيطعن الغير فى العقد الظاهر بالصورية ويمسك بالعقد المستتر ، لوجود مصلحة له فى ذلك ، ويجب فى هذه الحالة إدخال كل من طرفى الصورية خصماً فى الدعوى ( [2115] ) .

ويد يرفع الدائن دعوى الصورية باسم مدينه ، وفى هذه الحالة لا يكون الدائن من الغير ولا يجوز له إثبات الصورية إلا بالطرق التى يستطيع بها المدين إثبات ذلك ، ويجوز للخصم أن يتمسك بالدفوع التى كان يتمسك بها قبل المدين ( [2116] ) .

ومن يدعى الصورية هو 3 الذى يتحمل عبء إثبات ذلك ( [2117] ) ، على النحو الذى سنبينه فيما يلى :

 $ 1107 $

626 - أثر الحسم الصادر فى دعوى الصورية : والحكم الذى يصدر فى دعوى الصورية لا يسرى على الخصمين وحدهما ، بل يتعدى أثره إلى الدائنين . فإذا حكم بصورية عقد ، وكان الخصم فى الدعوى دائناً لحد طرفى العقد ، استفاد الدائنون الآخرون من هذا الحكم ، واستطاع كل منهم أن يتمسك به دون أن يدخل خصماً فى الدعوى . وكذلك لو كان الخصمان هما طرفا العقد ، فإن الدائنين يستطيعون التمسك بالحكم ( [2118] ) .

والحكم فى صورية العقد حكم فى مسألة موضوعية ، فلا رقابة فيها لمحكمة النقض ( [2119] ) .

627 - عدم تفادى دعوى الصورية : ودعوى الصورية ذاتها لا تسقط بالتقادم ، سواء رفعت من أحد طرفى العقد الصورى أو من الغير ، لأن المطلوب إنما هو تقرير أن العقد الظاهر لا وجود له ، وهى حقيقة قائمة مستمرة لم تنقطع حتى يبدأ سريان التقادم بالنسبة إليها .

أما إذا كانت دعوى الصورية تتضمن دعوى أخرى ، كما إذا طعن الورثة $ 1108 $ فى الهبة من مورثهم بالبطلان وكانت مستترة فى صورة عقد بيع ، فإن هناك دعويين : أحداهما متعلقة بصورية عقد البيع وهذه لا تسقط بالتقادم ، والأخرى متعلقة بالطعن فى عقد الهبة ( وهو العقد المستتر ) بالبطلان وهذه تسقط بالتقادم شأنها فى ذلك شأن سائر دعاوى البطلان ( [2120] ) .

2 - من حيث طرق الإثبات ( [2121] )

628 - حالتان : تختلف طرق إثبات الصورية بحسب ما إذا كانت الدعوى مرفوعة من أحد الطرفين أو ممثل له ( كالوارث والدائن الذى يرفع الدعوى باسم المدين ، أو كانت مرفوعة من الغير .

629 - الحالة الأولى – الدعوى مرفوعة من أحد الطرفين أو ممثل له : يراد فى هذه الحالة إثبات العقد المستتر فيما بين الطرفين والورثة ( [2122] ) . فلا يثبت إلا بالكتابة أو بما يقوم مقامها ( [2123] ) إذا زادت قيمة الالتزام فى العقد المستتر على عشرة جنيهات ( [2124] ) ، ما لم يكن هناك غش واحتيال على القانون $ 1109 $ فيجوز فى هذا الحالة الإثبات بجميع الطرق ( [2125] ) . أما إذا لم تزد قيمة الالتزام $ 1110 $ على عشرة جنيهات ، فإن يجوز إثبات العقد المستتر بجميع الطرق ، إلا إذا كان $ 1111 $ العقد الظاهر مكتوباً فلا يجوز إثبات عكسه إلا بالكتابة ( [2126] ) . وليس فى كل ذلك إلا تطبيق للقواعد العامة فى الإثبات ( [2127] ) ، سبق أن بيناه عند بسط هذه القواعد فى قسم الإثبات .

630 - الحالة الثانية – الدعوى مرفوعة من الغير : أما فى هذه الحالة فيريد الغير إثبات صورية العقد الظاهر فى مواجهة الطرفين ( [2128] ) . وهو لا يتقيد بالكتابة $ 1112 $ حتى لو كانت قيمة الالتزام فى العقد الظاهر تزيد على عشرة جنيهات ( [2129] ) ، فيجوز له إثبات صورية العقد الظاهر بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن ( [2130] ) . ذلك أن الصورية ، بالنسبة إلى الغير ، تعتبر واقعة مادية لا تصرفاً قانونياً ، $ 1114 $ $ 1115 $ فيجوز إثباتها بجميع الطرق ( [2131] ) .

الفرع الثالث

مقارنة دعوى الصورية بكل من الدعوى البولصية والدعوى غير المباشرة

631 - الغرض من المقارنة : بعد أن فصلنا قواعد دعوى الصورية ، نقارن هذه الدعوى بكل من الدعوى البولصية والدعوى غير المباشرة ، كما قارنا الدعوى البولصية بالدعوى غير المباشرة ، حتى نتبين ذاتية كل دعوى إزاء الدعويين الأخريين ( [2132] ) .

ونقارن دعوى الصورية بالدعوى البولصية ، ثم بالدعوى غير المباشرة .

 $ 1116 $

المبحث الأول

مقارنة دعوى الصورية بالدعوى البولصية

632 - مقارنة إجمالية : يدعو إلى مقارنة الدعويين إحداهما بالأخرى شبه واضح فيما بينهما . ففى كلتيهما يحاول المدين أن يتوقى تنفيذ الدائن على مال ( [2133] ) ، فيتصرف فى هذا المال تصرفاً جدياً أو تصرفاً صورياً ( [2134] ) ، وفى كلتيهما لا ينفذ تصرف المدين فى حق الدائن .

ولكن الفرق بين الدعويين واضح كذلك . ففى دعوى الصورية لا يتصرف المدين فى ماله تصرفاً جدياً ، وليس للعقد الظاهر وجود قانونى ، ولا وجود إلا للعقد المستتر لأنه هو العقد الحقيقى ، ومن ثم لا ينتج العقد الصورى أثراً إلا بالنسبة إلى الدائنين . هذا إلى أن الدائن فى دعوى الصورية يرمى إلى استبقاء شئ فى ملك المدين لم يخرج منه ، أما فى الدعوى البولصية فيرمى إلى إدخال شئ خرج من ملك المدين ( [2135] ) .

 $ 1117 $

633 - الفروق التفصيلية ما بين الدعويين : وتختل الدعويان ، فى أحكامهما التفصيلية ، من وجوه عدة ، نذكر منها :

 $ 1118 $

( 1 ) دعوى الصورية يرفعها الدائن والخلف الخاص وكل من له مصلحة مشروعة ولو كان أحد المتعاقدين ، أما الدعوى البولصية فلا يرفعها إلا الدائن ( [2136] ) .

( 2 ) فى دعوى الصورية يكفى أن يكون حق الدائن خالياً من النزاع ( [2137] ) ، فالدائن إلى أجل أو تحت شرط واقف يستطيع رفع هذه الدعوى ( [2138] ) . أما فى الدعوى البولصية فلا يكفى خلو حق الدائن من النزاع ، بل يجب أيضاً أن يكون هذا الحق مستحق الأداء .

( 3 ) فى دعوى الصورية لا يشترط أن يكون حق الدائن سابقاً على التصرف الصورى ، أما فى الدعوى البولصية فيشترط أن يكون حق الدائن سابقاً على التصرف المطعون فيه ( [2139] ) .

 $ 1119 $

( 4 ) فى دعوى الصورية يجوز للدائن أن يرفع الدعوى حتى لو كان التصرف الصورى ، بفرض أنه جدى ، لا يسبب إعسار المدين أو يزيد فى إعساره ، بل لا يشترط أن يكون المدين معسراً إطلاقاً ، لأن الدائن فى هذه الدعوى يطلب تقرير أن التصرف غير موجود وهذه حقيقة لا يغر منها أن يكون المدين معسراً أو غير معسر . أما فى الدعوى البولصية فيشترط أن يثبت الدائن أن التصرف المطعون فيه قد تسبب فى إعسار المدين أو زاد فى إعساره ( [2140] ) .

 $ 1120 $

( 5 ) فى دعوى الصورية لا يشترط أن تكون الصورية قد قصد بها الإضرار بحقوق الدائن ، فقد يكون المقصود بها غرضاً آخر كما قدمنا ، ولا يمنع ذلك من أن يطعن الدائن فى التصرف الصورى . أما فى الدعوى البولصية فيشترط فى المعاوضات قصد الإضرار بالدائن على النحو الذى سبق بيانه ( [2141] ) .

( 6 ) دعوى الصورية لا تسقط بالتقادم ، لأنها يراد بها تقرير أمر واقع ، وهذا الأمر يبقى واقعاً مهما انقضى عليه من الزمن . أما الدعوى البولصية فتسقط بالتقادم ، وقد سبق بيان المدة التى تتقادم بها هذه الدعوى ( [2142] ) .

( 7 ) فى دعوى الصورية يجوز للمدين أن يسترد العين التى باعها صورياً للمشترى ، أما فى الدعوى البولصية فلا يستطيع المدين ذلك لأن البيع الذى صدر منه بيع جدى .

( 8 ) فى دعوى الصورية إذا تنازع ، فى بيع صورى ، دائن البائع مع دائن المشترى ، قدم دائن المشترى إيثاراً للعقد الظاهر كما قدمنا ( [2143] ) . أما فى الدعوى $ 1121 $ البولصية فإنه إذا باع المدين عيناً إضراراً بدائنه ، اعتبر البيع غير نافذ فى حق الدائن ، وتقدم هذا الدائن فى استيفاء حقه من العين على دائن المشترى ( [2144] ) .

المبحث الثانى

مقارنة دعوى الصورية بالدعوى غير المباشرة

634 - وجوه الشبة : يتبين مما قدمناه فى دعوى الصورية والدعوى غير المباشرة أن هناك شبهاً واضحاً بين الدعويين من حيث الشروط والأحكام . $ 1122 $ فقد رأينا أنه لا يشترط فى دعوى الصورية أن يكون حق الدائن مستحق الأداء ولا أن يكون هذا الحق سابقاً على التصرف الصادر من المدين ، وهذا هو الأمر فى الدعوى غير المباشرة . ورأينا كذلك أن دعوى الصورية تفيد جميع الدائنين على السواء ، من اشترك منهم فى الدعوى ومن لم يشترك ، وهذا هو أيضاً حكم الدعوى غير المباشرة .

وحتى نضع دعوى الصورية إلى جانب الدعوى غير المباشرة فى صورة واضحة ، نفرض أن مديناً باع عيناً مملوكة له بيعاً صورياً . فدائن البائع يستطيع أن يطعن فى العقد بالصورية ، ولا يشترط لذلك أن يكون حقه مستحق الأداء أو أن يكون سابقاً على التصرف الصورى ، وإذا نحج فى دعواه استفاد معه سائر الدائنين . ويستطيع الدائن أيضاً ، بدلاً من الطعن بالصورية ، أن يستعمل حق مدينه البائع فى التمسك بالعقد المستتر ، فيصل إلى نفس النتيجة التى يصل إليها من وراء الطعن بالصورية ، وهو فى ذلك أيضاً لا يشترط فيه أن يكون حقه مستحق الأداء ولا سابقاً على التصرف الصورى ، كما أن التمسك بالعقد المستتر يفيد سائر الدائنين .

635 - وجوه الخلاف : على أنه بين أن يطعن الدائن بالصورية فى العقد الظاهر وأن يستعمل الدعوى غير المباشرة فيتمسك بالعقد المستتر نيابة عن المدين ، توجد الفروق الآتية :

( 1 ) إذا طعن الدائن فى العقد الظاهر بالصورية رفع الدعوى باسمه هو ، وإذا تمسك بالعقد المستتر نيابة عن المدين رفع الدعوى باسم هذا المدين . ويترتب على ذلك أنه فى الحالة الأولى يستطيع إثبات الصورية بجميع الطرق لأنه من الغير . أما فى الحالة الثانية وهو يعمل باسم المدين ، فلا يستطيع الإثبات إلا بالطرق التى يستطيعها المدين ، فيجب الإثبات بالكتابة فيما جاوزت قيمته عشرة جنيهات ، أو فيما لا يجاز هذه القيمة إذا كان العقد الظاهر مكتوباً ( [2145] ) .

 $ 1123 $

( 2 ) وإذا طعن الدائن بالصورية ، فليس فى حاجة إلى إثبات إعسار المدين . أما إذا تمسك بالعقد المستتر نيابة عن مدينه ، وجب عليه أن يثبت أن المدين يصبح معسراً أو يزيد إعساره إذا لم يتمسك بهذا العقد .

( 3 ) إذا اختار الدائن دعوى الصورية ، لم يستطع المشترى أن يدفع هذه الدعوى بدفع خاص بالعقد المستتر . أما إذا تمسك بالعقد المستتر نيابة عن المدين ، كان للمشترى أن يدفع هذه الدعوى بكل الدفوع التى يستطيع أن يدفع بها دعوى البائع لو كان هذا هو الذى تمسك بالعقد المستتر ( [2146] ) .

ويتبين مما تقدم أن الدائن يفضل الطعن باسمه بالصورية فى العقد الظاهر ، فهذا خير له من التمسك بالعقد المستتر نيابة عن المدين عن طريق الدعوى غير المباشرة ، وذلك من جميع الوجوه المتقدمة الذكر ( [2147] ) .

 $ 1124 $

الفصل الرابع

الحق فى الحبس ( [2148] )

( Droit de retention )

تمهيد – تكييف الحق فى الحبس

636 - كيف نشأ الحق فى الحبس : يرجع ذلك إلى عهد القانون الرومانى . فقد كان الحائز لعيهن لا يملكها وهو يعتقد أنها ملكه ، إذا أنفق مالاً فى حفظها أو فى تحسينها ، وأراد المالك أن يسترد العين ، أعطى البريتور الرومانى $ 1125 $ للحائز دفعاً بالغش ( exceptio doli ) يدفع به دعوى الاسترداد حتى يسترد ما صرفه فى حفظ العين وفى تحسينها ( [2149] ) . وكذلك أعطى هذا الدفع بالغش فى العقود الملزمة لجانب واحد كالوديعة ، إذا أنفق المودع عنده مالاً على الوديعة وكان له الحق فى استرداد ما أنفق . وكان هذا الدفع مفهوماً ضمناً فى العقود الملزمة للجانبين – إذ هى كلها عقود تنطوى على حسن النية ( contrats de bonne foi ) وبموجبه يستطيع كل من المتعاقدين أن يقف تنفيذ التزامه حتى يقوم المتعاقد الآخر بتنفيذ الالتزام المقابل ، وهذا ما سمى بعد ذلك فى القانون الفرنسى القديم بالدفع بعد تنفيذ العقد ( exceptio non adimpleti conrtactus ) .

فمنشأ الحق فى الحبس والدفع بعدم تنفيذ العقد كان إذن واحداً فى القانون الرومانى ، كلهما يقوم على دفع بالغش . ولن العلاقة فيما بينهما انفصمت فى عصور القانون الفرنسى القديم ، عندما ما اختفى الدفع بعدم التنفيذ وراء فسخ العقد ، والتصق الحق فى الحبس بالأعيان المادية وأصبح يعتبر حقاً عينيناً ( [2150] ) .

 $ 1126 $

وهذه الصورة الأخيرة هى التى انتقلت إلى التقنين المدنى الفرنسى .

637 - الحق فى الحبس فى القانون المدنى الفرنسى : لم يضع التقنين المدنى الفرنسى نظرية عامة لا للحق فى الحبس ولا للدفع بعدم تنفيذ العقد ، واقتصر – متأثراً فى ذلك بالحالة التى كان عليها القانون الفرنسى القديم – على إيراد تطبيقات معينة ضمنها بعض نصوص متناثرة ( [2151] ) . وبقى الفقه الفرنسى طوال القرن التاسع عشر ، يعالج الموضوع على أساس أن للحبس حالات معينة مذكورة على سبيل الحصر ، وليست له نظرية عامة . وفى مفتتح القرن العشرين نقل سالى عن التقنين المدنى الألمانى النظرية العامة للدفع بعدم التنفيذ ، فكان ذلك حافزاً للفقه الفرنسى أن يجعل من الحبس نظرية عامة .

وقام خلاف فى فرنسا هل الحق فى الحبس حق عينى؟ فقال بعض الفقهاء بذلك ( [2152] ) ، ولكن الغالبية – لا سيما فى الفقه الفرنسى المعاصر – لم تر فيه حقاً عينيناً ( [2153] ) ، إذ هو يفقد المقومات الأساسية للحقوق العينية ، فليس ينطوى على حق التقدم ولا على حق فى التتبع ولا هو خاضع لإجراءات الشهر ( [2154] ) .

ومنذ أنكر على الحق فى الحبس أنه حق عينى ، كان الرأى الراجح فى القانون الفرنسى أن هذا الحق ليس مقصوراً على الحالات التى نص عليها التشريع ، وليست $ 1127 $ هذه الحالات مذكورة على سبيل الحصر ، بل يجوز أن يمتد الحق فى الحبس إلى حالات مماثلة عن طريق القياس ، بعد استخلاص قاعدة عامة ترد إليها جميع حقوق الحبس ( [2155] ) .

ولا يكفى بطبيعة الحال أن يكون هناك دينان ما بين شخصين ، أحدهما دائن للآخر ثم هو مدين له فى الوقت ذاته ، فيحبس المدين الدين الذى عليه حتى يستوفى الحق الذى له . وهذا إنما يقع فى المقاصة القانونية ، عندما يكون الدينان من نوع واحد وتوافرت فيهما سائر شروط المقاصة ، فعند ذلك ينقضى الدينان بالمقاصة ، ولا يقتصر الأمر على الحبس أو وقف التنفيذ ( [2156] ) .

وإنما يجب أن يكون هناك ارتباط ( lien de connexite ) ما بين الدينين ، وهذا الارتباط يتحقق فى إحدى صورتين :

( 1 ) إما أن يكون أحد الدينين قد نشأ بمناسبة الشئ الواجب الأداء ( debitun cum re junctum ) ، فيحبس المدين الشئ الذى يجب عليه أداؤه حتى يستوفى الدين الذى نشأ بمناسبة هذا الشئ ، وذلك كمصروفات الحفظ والصيانة والتحسينات التى ينفقها الحائز على العين التى فى حيازته ، وكالتعويض عن الضرر الذى يحدثه الشئ للحائز ، ففى هاتين الحالتين يكون للحائز أن يحبس العين حتى يسترد هذه المصروفات أو يتقاضى هذا التعويض ، فقد نشأن الدين بالمصروفات أو بالتعويض بمناسبة الشئ محل الحيازة .

( 2 ) وإما أن يكون الارتباط آتياً من أن كل الدينين مصدره عقد واحد أو علاقة قانونية واحدة ، وذلك كالبائع يحبس المبيع حتى يستوفى الثمن ، وكالمشترى يحبس الثمن حتى يتسلم المبيع ، وكل من البائع والمشترى بعد فسخ البيع أو إبطاله يسترد ما سلمه إلى الآخر فلا يرد أحدهما ما أخذه إلى بعد أن يسترد ما أعطاه ( [2157] ) .

 $ 1128 $

638 - حق الحبس فى التقنين المدنى المصرى السابق : لم يكن هناك شك فى أن حق الحبس فى التقنين المدنى المصرى السابق كان حقاً عينياً ( [2158] ) ، فنصوص هذا التقنين كانت صريحة فى هذا المعنى . كانت المادة 5 / 19 من هذا التقنين تعدد الحقوق العينية التى يمكن أن يترتب على الأموال ، فتذكر على سبيل الحصر حق الملكية وحق الانتفاع وحق الارتفاق وحق الامتياز وحق الرهن وحق الاختصاص وحق الحبس . وكانت المادة 554 / 678 تعدد أنواع الدائنين ، فتذكر أولاً الدائنين العاديين الذين لا يضمن ديونهم حق عينى ، ثم تعقب بالدائنين ذوى الحقوق العينية فتذكر الدائنين المرتهنين ، فالدائنين الحاصلين على حق اختصاص ، فالدائنين المتازين بسبب رهن حيازة أو حق من حقوق الامتياز ، فالدائنين " الذين لهم حق صالح للاحتجاج به على جميع الدائنين الأخر فى حبس ما تحد أيديهم من ملك مدينهم إلى حين استيفاء ديونهم " . إذا عرضت مناسبة ، فى نص من نصوص هذا التقنين ، لذكر الحقوق العينية ، كان حق الحبس يذكر صراحة بينها . فقد كانت المادة 92 / 146 تنص على أن " التعهد بإعطاء حق عينى على عقار أو منقول ينقل ذلك الحق ، بشرط عدم الإخلال بحق الامتياز والرهن العقارى والحبس " . وكانت المادة 189 / 253 ، وهى تفصل أحكام التجديد ( الاستبدال ) ، تذكر أنه يجوز الاتفاق على " أن التأمينات العينية كالامتيازات ورهن العقار وحبس العين تكون تأميناً على الدين الجديد " .

ومن جعل حق الحبس فى هذا التقنين حقاً عينياً ، فصل بطيعة الحال عن الدفع بعدم تنفيذ العقد ، وعددت حالاته على سبيل الحصر ، شأنه فى ذلك شأن سائر الحقوق العينية . فكانت المادة 605 / 731 من التقنين المدنى السابق تجرى على الوجه الآتى : " يكون الحق فى حبس العين فى الأحوال الآتية ، فضلً عن الأحوال المخصوصة المصرح بها فى القانون ( [2159] ) : أولاً - للدائن الذى $ 1129 $ له حق امتياز ( [2160] ) . ثانياً - لمن أوجد تحسيناً فى العين ، ويكون حقه من أجل ما صرفه أو ما ترتب على مصرفه من زيادة القيمة التى حصلت بسبب التحسين على حسب الأحوال ( [2161] ) . ثالثاً - لمن صرف على العين مصاريف ضرورية أو مصاريف لصيانتها ( [2162] ) " .

وكان يمكن على أسا هذه النصوص وضع نظرية عامة لحق الحبس فى التقنين المدنى السابق . فحق الحبس هو الحق العينى ( [2163] ) الذى يثبت لغير المالك $ 1130 $ على الشئ الذى فى حيازته إلى حين استيفاء دينه بتمامه . ومصدره نص فى القانون ، فلا يجوز الاتفاق على خلق حق حبس جديد غير ما نص عليه القانون وذلك فيما عدا رهن الحيازة حيث يثبت حق الحبس بالاتفاق . فأركان حق الحبس إذن ثلاثة : ( 1 ) نص فى القانون ينشئه ( 2 ) دين صحيح حال للحائز فى ذمة المدين ( 3 ) شئ مملوك للمدين تحت حيازة الدائن . ولا يقع الحبس على الأشياء المعنية كحق الانتفاع ، ولا على مالا يجوز بيعه كحق الاستعمال وحق السكنى وحق المستحق فى الوقف . وقد يكون الشئ المحبوس مملوكاً لغير المدين كأمتعة المستأجر من الباطن . ويجيب أن تتم الحيازة على وجه قانونى ، لا خلسة أو غشاً أو إكراهاً . ولما كان حق الحبس حقاً عينياً ، فأنه يتضمن حق تتبع على نحو خاص ، فيجوز لمن له حق الحبس أن يتمسك بحقه فى مواجهة مالك العين ودائنيه والخلف العام والخلف الخاص ، ولكنه إذا تخلى عن الحيازة اختياراً لم يجز له أن يستردها وفقد حقه فى الحبس . ويتضمن حق الحبس أيضاً حق تقدم ولكن بطريقة غير مباشرة ومن ناحية عملية ، فصاحب هذا الحق يستطيع أن يستبقى الشئ فى حيازته حتى يستوفى الدين الذى له وبذلك يتقدم عملياً على غيره من الدائنين ( [2164] ) . ولكن حق الحبس ، بالرغم من عينيته ، لم يكن خاضعاً لإجراءات الشهر ، على خلاف فى الرأى ( [2165] ) .

 $ 1131 $

وقد حاول الفقه المصرى ، فى عهد التقنين المدنى السابق ، أن يشكك فى عينية حق الحبس ، وأن يضع إلى جانب هذه العينية فكرة أن الحق فى الحبس ليس إلا دفعاً بعدم التنفيذ ، فهو ليس بحق عينى ولا بحق شخصى . ولكن صراحة النصوص فى التقنين المدنى السابق كانت قاطعة فى أن هذا التقنين يعتبر حق الحبس حقاً عينياً . فلم تكن هذه المحاولات الفقهية إلا بمثابة إرهاصات تؤذن بما يكون عليه المستقبل ، وقد دفعت فعلاً عند تنقيح التقنين المدنى إلى الرجوع بالحق فى الحبس إلى طبيعته الحقيقية من أنه دفع وليس بحق ، فسار على هذا النهج التقنين المدنى الجديد ( [2166] ) .

639 - الحق فى الحبس فى التقنين المدنى المصرى الجديد : هجر التقنين المدنى الجديد نظرية التقنين المدنى السابق فى أن الحق فى الحبس حق عينى . وقد جارى التقنين الجديد بهذا النهج التطور الحديث فى الفقه والتشريع ( [2167] ) ، وجعل من الحق فى الحبس نظرية عامة تنبسط على جميع نواحى القانون ، ولا تنحصر فى حالات معينة تتناثر فى النصوص المتفرقة . ذلك أن الحق فى $ 1132 $ الحبس يقوم فى أساه على مبدأ عام ، هو أن الدائن إذا كان مديناً فى الوقت ذاته لمدينه ، فمن حقه بقدر الإمكان أن يستوفى الدين الذى له من الدين الذى عليه . وهذا المبدأ يقوم على اعتبارات تمليها بداهة المنطق ومقتضيات العدالة ، وتمتد فى جذورها إلى أعماق التاريخ فقد كان القانون الرومانى كما قدمنا يعالج الحالات التى تتجمع حول هذا المبدأ بعلاج واحد هو الدفع بالغش ( exceptio doli ) .

ونجد تطبيق هذا المبدأ كاملاً فى المقاصة القانونية . فحيث يكون الدائن مديناً لمدينه ، وتوفر فى الدينين صفات معينة بأن يكونا خاليين من النزاع وحالين ومن جنس واحد ، فكل دائن منهما يستوفى الدين الذى له من الدين الذى عليه ، فيقال أن الدينين قد انقضيا قصاصاً بقد الأقل منهما ( [2168] ) .

ثم نجد تطبيق هذا المبدأ بعد ذلك فى المعقود الملزمة للجانبين . فلكل من المتعاقدين أن يقف الوفاء بالدين الذى عليه حتى يستوفى الدين الذى له ، وهذه قاعدة الدفع بعدم تنفيذ العقد ، وقد بسطناه تفصيلاً فى الجزء الأول من هذا الوسيط ( [2169] ) .

ثم نجد تطبيق هذا المبدأ فى العقود الملزمة لجانب واحد كالوديعة . فلحافظ الوديعة أن يقف تنفيذ التزامه من رد الوديعة إلى المودع ، حتى يستوفى ما فى ذمة $ 1133 $ المودع من مصروفات أنفقت فى حفظ الوديعة من تعويض عما عسى أن تكون الوديعة قد أحدثت من الضرر .

ثم نجد تطبيق هذا المبدأ حتى لو لم تقم علاقة تعاقدية بين الطرفين ، ما دامت هناك رابطة تربط العين المحبوسة بالدين المحبوس من أجله ( rapport de connexite entre la dette et la chose - debitum cum re junctum ) كالحائز يحبس العين حتى يسترد من المالك المصروفات الضرورية ومصرفات التحسين .

بل إن هناك ميلا عند بعض الفقهاء ( [2170] ) للذهاب إلى مدى أبعد من هذا ، وإعطاء الحق فى الحبس للدائن ما دام مديناً لمدينة ، حتى لو لم توجد أية رابطة ما بين الدينين ، فالتقابل ما بين الدينين ، لا الرابطة بينهما ، هو الذى نقف عنده لإعطاء الحق فى الحبس . ويتحقق هذا الوضع الآن عملاً ، لا من طريق الحق فى الحبس ، لا من طريقين آخرين : ( أولاً ) من طريق المقاصة القضائية ، فيدفع المدين دعوى دائنيه عن طريق دعوى فرعية ( demande reconventionnelle ) يرفعها على الدائن يطالبه فيها بدين له فى ذمة دائنه ، ولو لم يوجد أى ارتباط ما بين الدينين . فإذا كان المدين محقاً فى دعواه الفرعية ، أجرى القاضى مقاصة قضائية ما بين الدينين . ( ثانياً ) من طريق حجز الدائن تحت يد نفسه ( saisie - arret sur soi - meme ) ، فللدائن إذا كان فى الوقت ذاته مديناً لمدينة أن يحجز هذا الدين عليه لمدينه تحت يد نفسه ، ولو لم يكن بين الدينين أى ارتباط ، وإذا حكم القاضى بصحة الحجز أجرى المقاصة ما بين الدينين . فما يصل إليه الشخص الآن عن طريق المقاصة القضائية وعن طريق الحجز تحت يد نفسه ، يمكن إذا تطور الفكر القانونى أن يصل إليه عن طريق الحق فى الحبس ، إذا بلغ هذا الحق فى تطوره مداه الأخير ، وأصبح يثبت فى أى دينين متقابلين من غير أن تقوم بينهما أية رابطة ( [2171] ) .

ونتبين من هذا التحليل طبيعة الحق فى الحبس فى التقنين المدنى الجديد .

 $ 1134 $

فليس هو بالحق العينى ، ولا بالحق الشخصى ( [2172] ) . بل هو حق المدين فى أن يقف الوفاء بدينه حتى يستوفى الدين الذى له فى ذمة دائنه ، فهو دفع بعدم التنفيذ ، يدخل تحته الدفع بعدم تنفيذ العقد الذى يعتبر فرعاً عنه ( [2173] ) . وهو بمثابة ضمان خاص أعطاه التقنين المدنى الجديد لكل دائن يكون مديناً فى الوقت ذاته لدائنه ، فيحبس الدين الذى عليه حتى يستوفى الدين الذى له . ومن ثم نقل الحق فى الحبس من المكان الذى كان له فى التقنين المدنى السابق إلى المكان الذى له الآن فى التقنين المدنى الجديد ، فأدرج ضمن ما يكفل حقوق الدائنين من وسائل ضمان ، إذ هو إحدى وسائل الضمان فى هذه الحالة الخاصة ( [2174] ) ، وكما أن الدائن فى الدعوى غير المباشرة يتوثق للتنفيذ بحقه حقاً أهمله المدين ، وفى الدعوى البولصية حقاً نقله المدين للغير غشاً ، وفى دعوى الصورية حقاً تظاهر المدين بنقله للغير ، فالدائن فى الحبس يتوثق للتنفيذ بحقه حقاً للمدين ترتب فى ذمته هو .

وهناك أهمية عملية كبيرة فى هذا التحوير الذى أتى به التقنين المدنى الجديد ، وانتقل بمقتضاه الحق فى الحبس من حق عينى إلى دفع بعدم التنفيذ . وتتبين هذه الأهمية من الوجوه الآتية :

( 1 ) أصبح الحق فى الحبس غير مذكور على سيبل الحصر ، بل هو يمتد إلى " أحوال لا تتناهى ( [2175] ) " ، إذ هو دفع وليس بحق عينى أو حق شخصى .

( 2 ) تزول بالتكييف الجديد صعوبات كانت قائمة فى عهد التقنين السابق ، فقد كان هذا التقنين يعتبر الحق فى الحبس حقاً عينياً ، ومع ذلك فأن حق التقدم وحق التتبع المصاحبين دائماً للحقوق العينية لا يظهران فى وضوح مصاحبين لهذا الحق العينى .

 $ 1135 $

( 3 ) تنتهى بالتكييف الجديد مشكلة إجراءات الشهر ، فقد كان واجباً إذا كيف الحق فى الحبس بأنه حق عينى أن يكون خاضعاً لشهر ، أما الآن فهو دفع لا حق عينى ، ومن ثم لا يخضع لهذه الإجراءات .

فالتكييف الصحيح للحق فى الحبس فى التقنين المدنى الجديد إذن هو أنه دفع بعدم التنفيذ ، يخول للدائن الذى يكون فى الوقت ذاته مديناً لمدينة أن يقف الوفاء بالدين الذى عليه حتى يستوفى الدين الذى له . ويقوم ذلك على اعتبارات ترجع إلى مقتضيات العدالة وبداهة المنطق القانونى ( [2176] ) .

ونبحث الحق فى الحبس فى التقنين المدنى الجديد ، وفقاً للخطة التى سار عليها هذا التقنين ، من الوجوه الآتية : ( أولاً ) من حيث نشوئه ( م 246 مدنى ) . ( ثانياً ) ومن حيث الآثار التى تترتب عليه ( م 247 مدنى ) . ( ثالثاً ) ومن حيث انقضائه ( م 248 مدنى ) .

الفرع الأول

نشوء الحق فى الحبس

640 - النصوص القانونية : تنص المادة 246 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 $ 1136 $

 " 1 - لكل من التزم بأداء شئ أن يمتنع عن الوفاء به ، ما دام الدائن لم يعرض الوفاء بالتزام مترتب عليه بسبب التزام المدين ومرتبط به ، أو ما دام الدائن لم يقم بتقديم تأمين كاف للوفاء بالتزامه هذا " .

 " 2 - ويكون ذلك بوجه خاص لحائز الشئ أو محرزه إذا هو أنفق عليه مصروفات ضرورية أو نافعة ، فإن له يمتنع عن رد هذا الشئ حتى يستوفى ما هو مستحق له ، إلا أن يكون الالتزام بالرد ناشئاَ عن عمل غير مشروع " ( [2177] ) .

ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق المادة 605 / 731 . وقد سبق ذكرها ، وكذلك سبقت مقارنة التقنين المدنى السابق بالتقنين المدنى الجديد فى هذا الموضوع .

ويقابل النص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المادة 247 ، وفى التقنين المدنى العراقى المواد 280 - 282 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 249 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المادتين 271 - 272 ( [2178] ) .

 $ 1137 $

ويتبين من هذا النص أن للحق فى الحبس شروطاً إذا توافرت نشأ هذا الدفع ، وأن له تطبيقات متنوعة لا يمكن ذكرها على سبيل الحصر . فنبسط هذه الشروط ، ثم نستعرض بعض التطبيقات سواء ما ورد فيه نص صريح أو ما لم يرد فيه نص .

المبحث الأول

الشروط الواجب توافرها لنشوء الحق فى الحبس

641 - شرطان لنشوء الحق فى الحبس : وضعت الفقرة الأولى من المادة 246 قاعدة عامة يرد إليها جميع تطبيقات الحق فى الحبس . وهذا هو الجديد الذى أتى به التقنين المدنى الحالى ، فقد كان حق الحبس فى التقنين المدنى السابق ، كما رأينا ، يقتصر على حالات خاصة مذكورة على سبيل الحصر ، إذ كان يعتبر فى هذا التقنين حقاً عينياً .

 $ 1138 $

أما في التقنين الجديد لا تحصر حالات الحق في الحبس ، ولكن تحصر الشروط التي إذا هي توافرت تنشيء الحق في الحبس . ويمكن من الرجوع إلى النص المشار إليه حصر هذه الشروط في شرطين اثنين :

( أولاً ) أن يكون هناك شخصان كل منهما دائن للأخر ومدين له ، ومن ثم يكون هناك دينان متقابلان : دين في ذمة الأول للثاني ، ودين مقابل له في ذمة الثاني للأول .

( ثانياً ) أن يكون هناك ارتباط ( lien de connexite ) ما بين الدينين .

ونستعرض كلا من هذين الشرطين :

642 – الشرط الأول – دينان متقابلان : يجب أولاً أن يكون هناك شخص مدين لآخر ، وثانياً أن يكون هذا الآخر مدينا هو أيضاً للأول . فيقف الأول الوفاء بالدين الذي عليه حتى يستوفى الدين الذي له .

أما الدين الذي في ذمة الشخص الأول – وهو المحل الذي يقع عليه الحبس – فيصح أن يكون متعلقاً بعين معينة بالذات ، كدار باعها صاحبها فأصبح مديناً $ 1139 $ بتسليمها إلى المشترى ، فيقف تنفيذ التزامه بالتسليم حتى يستوفى الثمن ( [2179] ) . ويصح أيضاً أن يكون الدين محله شئ غير معين بالذات ، نقود أو أشياء مثلية ، كما لو اشترى شخص شيئاً فيقف دفع الثمن للبائع حتى يقوم البائع بتسليمه الشئ المبيع . بل يصح أن يكون محل الدين عملاً أن امتناعاً عن عمل . فالمقاول يستطيع ألا يبدأ العمل حتى يستوفى ما اتفق مع رب العمل على أن يجعله له من الأجر . وصاحب الأرض الذى تعهد ألا يمنع جاره من المرور فى أرضه ، مقابل جعل معين ، يستطيع أن يقف تنفيذ التزامه فيمنع الجار من المرور حتى يستوفى جعله ( [2180] ) .

 $ 1140 $

على أنه لا يصح أن يكون محل الدين ملكاً عاماً ، استأجره شخص مثلاً وأنفق عليه ويريد حبسه حتى يستوفى ما أنفق ، وذلك أن حبس الملك العام يفوت المصلحة العامة التى أعد لها هذا الملك ( [2181] ) . كما لا يصح أن يكون محل الدين شيئاً غير قابل للحجز عليه فى الدين المقابل . فلا يحبس هذا الشئ عن صاحبه إلا بقدر ما يكون قابلاً للحجز عليه فى هذا الدين . مثل ذلك ما نصت عليه المادة 488 من تقنين المرافعات من أنه لا يجوز الحجز على أجور الخدم والصناع والعمال أو مرتبات المستخدمين إلا بقدر الربع ، فلا يجوز لرب العمل ، بعد أن استحق العامل أجره ، أن يحبس أكثر من ربع هذا الأجر عنه حتى يستوفى منه التزاماً ترتب فى ذمته له . ومثل ذلك أيضاً ما نصت عليه المادة 485 من تقنين المرافعات من عدم جواز الحجز على أشياء معينة إلا لاقتضاء ثمنها أو مصاريف صيانتها أو نفقة مقررة ، فلا يجوز حبسها عن صاحبها إلا فى دين من هذه الديون ( [2182] ) .

ولا يشترط فى الدين – محل الحبس – أن يكون مصدراً عقداً ، فقد يكون مصدره عملاً غير مشروع أو إثراء بلا سبب أو نصاً فى القانون . فإذا تصادمت سيارتان ، وأصبح صاحب كل سيارة مديناً بالتعويض لصاحب السيارة الأخرى ، ولم تتوافر شروط المقاصة القانونية فى الدينين بأن كان أحدهما غير مقدر مثلاً ، جاز لمن كان الدين الذى عليه مقدراً أن يحبس هذا الدين حتى يستوفى حقه بعد أن يتم تقديره . فالدين المحبوس هنا مصدره العمل غير المشروع . وقد نصت الفقرة $ 1141 $ الأولى من المادة 914 مدنى على أنه " إذا أقام شخص بمواد من عنده منشآت على أرض يعلم أنها مملوكة لغيره دون رضاء صاحب الأرض ، كان لهذا أن يطلب إزالة المنشآت على نفقة من أقامها مع التعويض إن كان له وجه ، وذلك فى ميعاد سنة من اليوم الذى يعلم فيه بإقامة المنشآت . . . " . ففى هذه الصورة يلتزم صاحب الأرض بتسليم المنشآت بعد إزالتها إلى صاحبها ، ومصدر التزامه الإثراء بلا سبب ، ويلتزم صاحب المنشآت أن يزيلها على نفقته وأن يدفع تعويضاً عن الضرر الذى أحدثه لصاحب الأرض ، ومصدر التزامه العمل غير المشروع . فيستطيع صاحب الأرض أن يحبس المنشآت بعد إزالتها ، حتى يستوفى من صاحبها نفقة الإزالة والتعويض المستحق . ونصت المادة 928 مدنى على أنه " إذا كان مالك الأرض وهو يقيم عليها بناء قد جار بحسن نية على جزء من الأرض الملاصقة ، جاز للمحكمة إذا رأت محلاً لذلك أن تجبر صاحب هذه الأرض على أن ينزل لجارة عن ملكية الجزء المشغول بالبناء ، وذلك فى نظير تعويض عادل " . ففى هذه الصورة يلتزم صاحب الأرض بأن ينزل لجاره عن ملكية الجزء المشغول بالبناء ، وهذا التزام مصدره نص فى القانون ، وذلك فى نظير تعويض عادل يلتزم صاحب البناء لصاحب الأرض . ولصاحب الأرض أن يقف تنفيذ التزامه القانونى من اتخاذ الإجراءات اللازمة لنقل ملكية الجزء من الأرض المشغول بالبناء إلى صاحب البناء ، حتى يستوفى منه التعويض العادل .

على أن هناك استثناء واحداً من الأحكام التى قررناها ، وهو استثناء ورد فى آخر الفقرة الثانية من المادة 246 . فإن هذا النص يجعل لحائز الشئ حق حبسه حتى يسترد المصروفات الضرورية أو النافعة التى أنفقها على هذا الشئ " إلا أن يكون الالتزام بالرد ناشئاً عن عمل غير مشروع " . فالتزم الحائز برد الشئ الذى حازه أو أحرزه قد يكون مصدره العقد ، فيجوز حبسه ، وذلك كالتزام المستأجر برد العين المؤجرة إلى صاحبها عند نهاية الإيجار فيحبس العين حتى يسترد ما أنفق عليها . وقد يكون مصدره رد غير المستحق ، فيجوز أيضاً حبسه ، وذلك كالتزام من تسلم بحسن نية عيناً من غير حق فيلتزم بردها إلى صاحبها وله أن يحبسها حتى يسترد ما أنفق عليها . وقد يكون مصدره العمل غير المشروع ، وهنا لا يجوز حبسه ، وذلك ما إذا اغتصب الحائز العين من صاحبها أو سرقها $ 1142 $ منه أو وجدها ضائعة فاستولى عليها ، فإنه لا يجوز له أن يحبسها حتى يستوفى ما أنفق عليها ما دام قد حازها بعمل غير مشروع . بل يجب عليه تسليمها فوراً إلى صاحبها ، ثم يرجع عليه بعد ذلك بما أنفق ( [2183] ) . ولكن إذا جاز الشخص عيناً مسروقة أو ضائعة دون أن يكون هو الذى سرقها أو عثر عليها ، لم يكن التزامه برد العين إلى صاحبها مصدره عمل غير مشروع ، ومن ثم جاز له أن يقف تنفيذ الالتزام بالرد حتى يستوفى ما أنفق من المصروفات ( [2184] ) .

 $ 1143 $

أما الدين الآخر المقابل للدين الأول ، والذى يحبس من أجله الدين الأول حتى يستوفى هو ، فيجب أن يكون ديناً مدنياً حالاً لم يتم تنفيذه . فإذا كان ديناً طبيعياً لم يجز الحبس من أجله ، وإلا كان فى هذا جبر على تنفيذ الالتزام الطبيعى ، ولا جبر فى تنفيذه كما قدمنا ( [2185] ) . وإن كان غير حال ، فلا معنى لحبس الدين الأول إلى حين استيفاء هذا الدين الثانى ما دام استيفاؤه وقت الحبس ليس بواجب ( [2186] ) . $ 1144 $ ولكن الحق فى الحبس يبقى قائماً حتى لو نفذ الدين الثانى تنفيذا جزئياً ( [2187] ) أو تنفيذاً معيباً ، فما لم يكن التنفيذ تنفيذاً كاملاً سليماً جاز حبس الدين الأول . ولكن يجب أن يكون العيب فى التنفيذ عيباً جدياً ، وأن يكون الجزء الباقى بغير تنفيذ جزءاً غير تافه ، وإلا لم يجز الحبس . والقضاء رقيب على كل ذلك ، فإذا ادعى الدائن الحابس أن تنفيذ الدين الذى له هو تنفيذ معيب أو تنفيذ جزئى ، ومن ثم فقد استبقى حقه فى الحبس ، كان للقضاء تقدير العيب فى التنفيذ أو تقدير ما بقى من الالتزام دون تنفيذ للبت فيما إذا كان هذا يبرر استبقاء الدائن لحقه فى الحبس .

وإذا كان الاتفاق أو العرف يقضى بأن يكون تنفيذ الالتزام الثانى تالياً لتنفيذ الالتزام الأول ، لم يجز حبس الالتزام الأول إلى حين تنفيذ الالتزام الثانى . فإذا كان المستأجر ملتزماً بدفع الأجرة مقدماً قبل أن يتسلم العين المؤجرة ، لم $ 1145 $ يجز له أن يحبس الأجرة حتى يتسلم العين . وقد جرى العرف أن صاحب الفندق يقدم خدماته للنزيل قبل أن يستوفى الأجر ، فلا يجوز له حبس هذه الخدمات حتى يستوفى أجره . ولكن لا يمنع الدائن من استعمال حق فى الحبس أن يكون المدين قد أجلا قضائياً ( delai de grace ) لتنفيذ دينه ، فإن مثل هذا الأجل – وقد أعطى معونة للمدين – لا يصح أن يكون سبباً فى إسقاط حق دائنه فى الحبس ( [2188] ) .

والدين المقابل ، كالدين الأول ، يصبح أن يكون محله عيناً أو ديناً أو عملاً أو امتناعاً عن عمل ، ويصح أن يكون مصدره عقداً أو عملاً غير مشروع أو إثراء بلا سبب أو نصاً فى القانون . وقد مرت بنا أمثلة على بعض ذلك .

643 - الشرط الثانى - قيام الارتباط ما بين الدينين : ولا يكفى أن يكون هناك دينان متقابلان على النحو الذى بسطناه ، بل يجب أيضاً أن يقوم ارتباط ما بين هذين الدينين ( [2189] ) .

والارتباط نوعان : ارتباط قانونى ( connexite juridique ) وارتباط مادى $ 1146 $ أو موضوعى ( connexite materielle, objective ) ( [2190] ) .

فالارتباط القانونى هو الذى ينشأ عن علاقة قانونية تبادلية ما بين الدينين ، سواء كانت هذه العلاقة تعاقدية أو غير تعاقدية ( [2191] ) . ذلك أن الارتباط يوجد ، أول ما يوجد ، ما بين التزامين متبادلين فى عقد ملزم للجانبين . فكل التزام من هذين سبب لالتزام الآخر ، كما تقول النظرية التقليدية فى السبب . وعدم تنفيذ أى التزام منهما قد يؤدى إلى فسخ العقد ، وهو على كل حال يبيح التعاقد الآخر أن يمتنع عن تنفيذ التزامه ، وهذا هو الحق فى الحبس فى صورة الدفع بعدم تنفيذ العقد ( [2192] ) . ويبقى الارتباط قائماً على أساس علاقة تبادلية ، حتى لو فسخ العقد أو أبطل ، وأصبح واجباً على كل من المتعاقدين أن يرد للآخر ما أخذه منه ، فكل من هذين الالتزامين مرتبط بالالتزام الآخر ارتباطاً تبادلياً وإن لم تكن العلاقة بعد انحلال العقد علاقة تعاقدية . وينبنى على ذلك أن كلا من الطرفين له أن يمتنع عن رد ما أخذه من الآخر ، حتى يسترد منه ما أعطاه ( [2193] ) . $ 1147 $ وقد تقوم العلاقة التبادلية على غير عقد أصلاً ، فيقوم الارتباط على أساس هذا التبادل غير التعاقدى . ففى الفضالة – وهى ليست بعقد – التزامات الفضولى والتزامات رب العلم هى التزامات متبادلة ، ومن ثم قام الارتباط فيما بينها ، ويجوز لكل من الطرفين أن يمتنع عن تنفيذ التزاماته حتى يستوفى التزامات الطرف الآخر ( [2194] ) . وقد تنشأ العلاقة التبادلية من عقد ملزم لجانب واحد ، فتكون علاقة تبادلية تعاقدية . ففى عقد الوديعة يلتزم حافظ الوديعة بردها إلى المودع ، وقد يترتب فى ذمة المودع التزام برد ما أنفق حافظ الوديعة عليها من المصروفات أو بتعويض ما أصاب حافظ الوديعة من الضرر بسبب الوديعة . ففى هذه الحالة تكون هناك علاقة تبادلية تعاقدية نشأ عنها التزامان متقابلان : التزام برد الوديعة فى ذمة حافظ الوديعة ، والتزام برد المصروفات أو بالتعويض عن الضرر فى ذمة المودع . ومن ثم يستطيع حافظ الوديعة أن يحبس التزامه برد الوديعة ، حتى يسترد المصروفات أو يتقاضى التعويض من المودع . ويلاحظ هنا أمران : ( أولهما ) أن عقد الوديعة ليس مصدراً إلا لأحد الالتزامين المتقابلين وهو الالتزام بالرد فى ذمة حافظ الوديعة ، أما الالتزام الآخر - وهو الالتزام برد المصروفات أو الالتزام بالتعويض - فمصدره الإثراء بلا سبب فى حالة المصروفات والعمل غير المشروع فى حالة التعويض . وهذا بخلاف العقد الملزم بالجانبين ، فإنه مصدر كل من الالتزامين المتقابلين اللذين ينشآن عن هذا العقد . ومع ذلك فهناك تقابل واضح ، فى حالة الوديعة ، ما بين الالتزامين المشار إليهما ، مما حمل الفقهاء على القول بأن هناك علاقة تبادلية نشأن عنها الالتزامين المشار إليهما ، مما حمل الفقهاء على القول بأن هناك علاقة تبادلية نشأ عنها الالتزامان المتقابلان ، فالارتباط فيما بينهما ارتباط قانون ( [2195] ) . ( والأمر الثانى ) أنه إذا $ 1148 $ كان الارتباط هنا ارتباطاً قانونياً ، فهو أيضاً ارتباط موضوعى إذ نشأ التزام المودع برد المصروفات أو بالتعويض بمناسبة الشئ المحبوس وهو الوديعة ، كما سنرى فى الارتباط الموضوعى ، وننتقل الآن إليه ( [2196] ) .

فالارتباط الموضوعى أو المادى ينشأ لا عن علاقة تبادلية من بين الدينين ، بل عن وقاعة مادية هى أن الشئ المحبوس – والالتزام برده هو أحد الدينين – قد نشأ بمناسبته ومرتبطاً به ( a l'occation et en connexite ) ( [2197] ) الدين الآخر . فالحائز ، إذا لم تكن بينه وبين المالك أية علاقة غير الحيازة ، ملزم برد الشئ الذى فى حيازته إلى المالك . وقد يصبح دائناً للمالك - بمناسبة هذا الشئ وهذه واقعة مادية - بالمصروفات التى أنفقها على الشئ أو التعويض عن الضرر الذى أصابه من الشئ . ومن هنا وجد الارتباط المادى أو الموضوعى ما بين الدينين ، فحق الحائز قد نجم عن الشئ ذاته الذى يجب عليه رده ( debitum cum re junctum ) ، $ 1149 $ ومن ثم جاز له أن يحبس هذا الشئ حتى يسترد المصروفات أو يتقاضى التعويض ( [2198] ) .

أما إذا لم يقم ما بين الدينين ارتباط قانونى أو ارتباط مادى ، فقد اختل الشرط الثانى للحق فى الحبس ، ولم يجز للدائن استعمال هذا الحق . وبمجرد وجود التزامين متقابلين بين شخصين ، كل منهما دائن للآخر ومدين له ، لا يكفى لوجود ارتباط ما بين هذين الالتزامين كما قدمنا ، وإن كان هنا ميل عند بعض الفقهاء للقول بأن هذا كاف ( [2199] ) ، وأن التقابل ما بين الدينين لا الرابطة بينهما هو الذى نقف عنده لإعطاء الدائن الحق فى الحبس ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك .

 $ 1150 $

على أنه إذا لم يقم بين الدينين ارتباط قانونى أو ارتباط مادى على النحو الذى بسطناه ، فقد يخلق الاتفاق بين الطرفين هذا الارتباط ، فيتفقان على أن الالتزامات المتقابلة فيما بينهما يجمعها كلها حساب جار غير قابل للتجزئة ، فترتبط التزامات كل منهما بالتزامات الآخر ، ويجوز عندئذ لأى منهما أن يحبس ما فى ذمته من التزامات للآخر حتى يستوفى ما له من حقوق عنده . ولكن لما كان مثل هذا الاتفاق أثره مقصور على الطرفين ، فإنه لا يسرى فى حق الغير . وكما يخلق الاتفاق الارتباط ما بين الدينين ، فقد يخلق هذا الارتباط أيضاً نص فى القانون . وقد قضت المادة 369 من التقنين التجارى الألمانى والمادة 895 فقرة ثانية من التقنين المدنى السويسرى بقيام ارتباط ما بين الالتزامات التجارية المتقابلة فيما بين التاجرين .

644 - كيف يستعمل الدائن الحق فى الحبس عند توافر شرطية : واستعمال الدائن الحق فى الحبس ، عند توافر الشرطين اللذين تقدم ذكرهما ، لا يقتضى إعذاراً ولا الحصول على ترخيص من القضاء . بل أن الدائن يقف تنفيذ التزامه نحو مدينه فعلاً ، وليس من الضرورى أن يعرض على المدين تنفيذ هذا الالتزام عرضاً حقيقياً ، وإنما يقتصر على وقف التنفيذ . فإذا قاضاه مدينه ، وضع الأمر كله تحت نظر القضاء ، ويغلب أن يحكم على الدائن بتنفيذ التزامه نحو المدين بشرط أن ينفذ المدين التزامه نحوه . وإذا تعذرت معرفة من هو البادئ فى عدم التنفيذ جاز للقاضى أن يحكم على كل منهما بإيداع ما التزم به خزانة المحكمة أن عند أمين ( [2200] ) .

على أنه لا يجوز للدائن أن يتعسف فى استعمال حقه فى الحبس . فلا يصح أن يستعمله بدعوى أن حقه فى ذمة مدينه لم ينفذ تنفيذاً كاملاً أو نفذ تنفيذاً معيباً ، $ 1151 $ ثم يتبين أن الجزء الذى لم ينفذ تافه إلى حد لا يعتد به أو أن العيب فى التنفيذ أمر غير ذى خطر ( [2201] ) . ولا يصح كذلك للدائن أن يستعمل الحق فى الحبس ، إذا كان هو المتسبب بعشه أو بإهماله فى عدم تنفيذ المدين لالتزامه نحوه . كما لا يصح للدائن أن يستعمل الحق فى الحبس إذا كان هو البادئ فى عدم تنفيذ التزامه ، فحبس المدين من أجل ذلك ما فى ذمته من التزام . كذلك لا يصح للدائن أن يحبس لمدينه ديناً خالياً من النزاع مستحق الأداء حتى يستوفى منه ديناً لا يزال محل نزاع بينهما ، فلا يجوز للمستأجر أن يحبس الأجرة حتى يقوم المؤجر بترميمات ينازع فى أنها واجبة عليه ، ولا يجوز لشركة النور أن تقطع التيار عن المشترك حتى يقوم بدفع زيادة فى الاشتراك هى محل تقاض بينهما ولم ينته القضاء من الفصل فيها ( [2202] ) .

المبحث الثانى

تطبيقات على الحق فى الحبس

645 - تطبيقات منصوص عليها فى القانون وتطبيقات غير منصوص عليها - ندرة التطبيقات الأولى : بعد أن وضع التقنين المدنى الجديد قاعدة عمة للحق فى الحبس على النحو الذى بسطناه ، اجتزأ بهذه القاعدة عن التبسيط فى إيراد التطبيقات لهذا الدفع ، خلافاً للتقنين المدنى السابق الذى اعتبر كما رأينا الحبس حقاً عينياً فأورد جميع حالاته على سيبل الحصر .

ومع ذلك فقد أورد التقنين المدنى الجديد بعض تطبيقات فى نصوص متفرقة ، نستعرضها هنا ، ثم ننتقل بعد ذلك إلى تطبيقات غير منصوص عليها بعد أن أصبح الحق فى الحبس قاعدة عامة لا تحتاج تطبيقاته إلى نصوص خاصة .

 $ 1152 $

وفى كل طائفة من هذه التطبيقات – المنصوص عليها وغير المنصوص – نميز بين تطبيقات تقوم على الارتباط القانونى أو التبادلى ، وأخرى تقوم على الارتباط المادى أو الموضوعى ( [2203] ) .

المطلب الأول

تطبيقات منصوص عليها فى القانون

1 - تطبيقات تقوم على الارتباط القانونى أو التبادلى

646 - مبدأ الدفع بعدم تنفيذ العقد : أهم النصوص التى تورد تطبيقاً للحق فى الحبس هو النص الذى يقرر مبدأ الدفع بعد تنفيذ العقد ( exception non adimpleti contractus ) ، فليس هذا المبدأ إلا تطبيقاً من تطبيقات الحق فى الحبس كما سبق القول . وقد نصت المادة 161 من التقنين المدنى على أنه " فى العقود الملزمة للجانبين إذا كانت الالتزامات المتقابلة مستحقة الوفاء ، جاز لكل من المتعاقدين أن يمتنع عن تنفيذ التزامه إذا لم يقم المتعاقد الآخر بتنفيذ ما التزم به " .

وقد سبق أن تبسطنا فى شرح هذا المبدأ فى الجزء الأول من هذا الوسيط ، فنكتفى بالإحالة إلى ذلك ( [2204] ) ، وننتقل الآن إلى النصوص التى وردت فى التقنين المدنى كتطبيقات خاصة لهذا المبدأ .

647 - حق البائع فى حبس المبيع : نصت المادة 459 من التقنين المدنى على أنه " 1 - إذا كان الثمن كله أو بعضه يستحق الدفع فى الحال ، للبائع $ 1153 $ أن يحبس المبيع حتى يستوفى ما هو مستحق له ولو قدم المشترى رهناً أو كفالة ، هذا ما لم يمنح البائع المشترى أجلاً بعد البيع . 2 - وكذلك يجوز للبائع أن يحبس المبيع ولو لم يحصل الأجل المشترط لدفع الثمن إذا سقط حق المشترى فى الأجل طبقاً لأحكام المادة 273 " . ونصت المادة 460 على أنه " إذا هلك المبيع فى يد البائع وهو حابس له ، كان الهلاك على المشترى ، ما لم يكن المبيع قد هلك بفعل البائع " . وفى هذه النصوص تطبيق هام للحق فى الحبس متمثلاً فى الدفع بعدم تنفيذ العقد . فهناك دينان متقابلان تقابلا تبادليا ، دين البائع فى تسليم المبيع للمشترى ودين المشترى فى دفع الثمن للبائع . ودين للبائع حبس المبيع حتى يستوفى الثمن . وهذا بخلاف ما إذا كان الثمن حالاً ثم منح البائع المشترى أجلاً بعد البيع ، فيفرض القانون أن البائع بمنحه المشترى هذا الأجل قد نزل عن حقه فى الحبس ، فيسقط حقه فى حبس المبيع ، إلا إذا اشترط غير ذلك ، وعليه هو يقع عبء إثبات ما اشترط ( [2205] ) .

وفى هذا التطبيق الخاص خرج المشرع على الأصل الذى سنراه يقرره فى الحق فى الحبس بوجه عام ، فلم يجز للمشترى أن يسقط حق البائع فى حبس المبيع إذا هو قدم رهناً أو كفالة ، وذلك لاعتبارات خاصة بالبيع ، فإن المبيع نفسه مثقل بامتياز للبائع ، فليس البائع فى حاجة إلى مزيد من الضمان ، وإنما هو فى حاجة إلى استيفاء حقه .

ونرى أيضاً فى هذا التطبيق الخاص أن المشرع قد أورد حكماً من أحكام الحق فى الحبس هو الحكم المتعلق بهلاك الشئ المحبوس فى يد الحابس ، فإن كان الهلاك بفعله كان مسئولاً عن التعويض ، وإن كان بسبب أجنبى فهو على المالك ، والمالك هو المشترى ( [2206] ) .

648 - حق المشترى فى حبس الثمن : نصت المادة 457 من التقنين المدنى على أنه " 1 - يكون الثمن مستحق الوفاء فى الوقت الذى يسلم فيه المبيع ، $ 1154 $ ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضى بغير ذلك . 2 - فإذا تعرض أحد للمشترى مستنداً إلى حق سابق على البيع أو آيل من البائع ، أو إذا خيف على المبيع أن ينزع من يد المشترى ، جاز له ، ما لم يمنعه شرط فى العقد ، أن يحبس الثمن حتى ينقطع التعرض أو يزول الخطر . ومع ذلك يجوز للبائع فى هذه الحالة أن يطالب باستيفاء الثمن على أن يقدم كفيلاً . 3 - ويسرى حكم الفقرة السابقة فى حالة ما إذا كشف المشترى عيباً فى البيع " . وهذا تطبيق آخر للحق فى الحبس متمثلاً فى الدفع بعدم تنفيذ العقد . ونرى فيه المشترى ، وهو مدين بالثمن والدين حال ، يتعرض له أجنبى مستنداً إلى حق سابق على البيع أو آيل من البائع ، أو يخشى هو على المبيع أن ينزع من يده لأسباب جدية ، أو يكشف عن عيب فى المبيع . فى كل هذه الأحوال يكون البائع ملزماً بالضمان ، فيجب عليه أن يمنع التعرض أو يزيل الخطر أو يعوض عن العيب . فهذا دين فى ذمة البائع قد أصبح مستحق الأداء ، يقابله ويرتبط به ارتباطاً تبادلياً الدين الذى فى ذمة المشترى بدفع الثمن . فيجوز إذن للمشترى أن يحبس الثمن حتى يستوفى حقه من البائع ، أى حتى ينقطع التعرض أو يزول الخطر أو يتقاضى المشترى تعويضاً عن العيب .

ويلاحظ هنا أن الشئ المحبوس ليس عيناً معينة بالذات مملوكة للطرف الآخر ، بل هو دين فى ذمة الحابس نفسه يمتنع عن أدائه ( [2207] ) .

ويلاحظ أيضاً أن المشرع هنا رجع إلى تطبيق القواعد العامة فى الحبس ، عند ما أجاز للبائع أن يسقط حق المشترى فى حبس الثمن إذا هو قدم كفيلاً .

649 - حق المستأجر فى حبس العين المؤجرة فى مواجهة كل من المؤجر والمشترى للعين : نصت المادة 605 من التقنين المدنى على أنه " 1 - لا يجوز لمن انتقلت إليه ملكية العين المؤجرة ولم يكن الإيجار نافذاً فى حقه أن يجبر المستأجر على الإخلاء إلا بعد التنبيه عليه بذلك فى المواعيد المبينة فى المادة 563 . 2 - فإذا نبه على المستأجر بالإخلاء قبل انقضاء الإيجار ، فإن المؤجر يلتزم بأن يدفع للمستأجر تعويضاً ما لم يتفق على غير ذلك ، ولا يجبر المستأجر $ 1155 $ على الإخلاء إلا بعد أن يتقاضى التعويض من المؤجر أو ممن انتقلت إليه الملكية نيابة عن المؤجر أو بعد أن يحصل على تأمين كاف للوفاء بهذا التعويض " . وهذا تطبيق ثالث للحق فى الحبس متمثلاً أيضاً فى الدفع بعد تنفيذ العقد . ذلك أن المؤجر قد التزم بعقد الإيجار أن يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة طول مدة الإيجار ، وقد أخل بالتزامه بأن باع العين إلى مشتر لا ينفذ الإيجار فى حقه ، فوجب عليه التعويض للمستأجر بموجب عقد الإيجار نفسه . فهنا إذن دينان متقابلان مرتبطان فيما بينهما لأنها نشآ معاص من عقد الإيجار على وجه التبادل : دين المؤجر أن يدفع تعويضاً للمستأجر لإخلاله بالتزامه ، ودين المستأجر أن يرد العين المؤجرة إلى المؤجر أو خلفه المشترى . فيجوز إذن للمستأجر أن يحبس العين حتى يستوفى التعويض . وهذا الحق فى الحبس ليس نافذاً فحسب فى حق المؤجر ، بل هو نافذ أيضاً فى حق الخلف الخاص للمؤجر وهو المشترى للعين المؤجرة ( [2208] ) . فيجوز إذن للمستأجر أن يبقى حابساً للعين المؤجرة حتى فى مواجهة المشترى ، إلى أن يستوفى التعويض إما من المؤجر ، وإما من المشترى نفسه نيابة عن المؤجر إذا أراد المشترى أن يتعجل تسلم العين التى اشتراها ( [2209] ) .

وهنا أيضاً يطبق المشرع القواعد العامة فى الحبس ، عندما يسقط حق المستأجر فى حبس العين إذا هو حصل ، من المؤجر أو من المشترى ، على تأمين كاف للوفاء بالتعويض المستحق له .

 $ 1156 $

650 - حق المستأجر فى حبس العين لاستيفاء ما يستحق من التعويض بسبب إنهاء الإيجار قبل انقضاء مدته : نصت المادة 608 من التقنين المدنى على أنه " 1 - إذا كان الإيجار معين المدة ، جاز لكل من المتعاقدين أن يطلب إنهاء العقد قبل انقضاء مدته إذا جدت ظروف خطيرة غير متوقعة من شأنها أن تجعل تنفيذ الإيجار من مبدأ الأمر أو فى أثناء سريانه مرهقاً ، على أن يراعى من يطلب إنهاء العقد مواعيد التنبيه بالإخلاء المبنية بالمادة 563 ، وعلى أن يعوض الطرف الآخر تعويضاً عادلاً . 2 - فإذا كان المؤجر هو الذى يطلب إنهاء العقد ، فلا يجبر المستأجر على رد العين المؤجرة حتى يستوفى التعويض أو يحصل على تأمين كاف " . وهذا هو أيضاً تطبيق تشريعى للحق فى الحبس . والدينان المتقابلان القائمان على علاقة تبادلية هما : دين المؤجر فى إعطاء تعويض للمستأجر لإنهاء عقد الإيجار قبل انقضاء مدته ، ودين المستأجر فى رد العين إلى المؤجر . فللمستأجر إذن أن يحبس العين المؤجرة حتى يستوفى حقه فى التعويض ، أو حتى يحصل على تأمين كاف للوفاء بهذا الحق . وليس هذا إلا مجرد تطبيق لأحكام الحبس .

2 - تطبيقات تقوم على الارتباط المادى أو الموضوعى

651 - حق الحائز فى حبس العين لاسترداد ما أنفقه عليها من المصروفات : نصت الفقرة الثانية من المادة 246 من التقنين المدنى ، كما رأينا ، على ما يأتى : " ويكون ذلك ( أى الامتناع عن الوفاء ) بوجه خاص لحائز الشئ أو محرزه ، إذا هو أنفق عليه مصروفات ضرورية أو نافعة ، فإن له أن يمتنع عن رد هذا الشئ حتى يستوفى ما هو مستحق له ، إلا أن يكون الالتزام بالرد ناشئاً عن عمل غير مشروع " . وهذا هو التطبيق الرئيسى للحق فى الحبس القائم على الارتباط المادة أو الموضوعى .

ويجب الرجوع ، فى تحديد الدينين المتقابلين فى هذا التطبيق ، إلى الفقرتين الأولى والثانية من المادة 980 ، فقد نصتا على ما يأتى : " 1 - على المالك الذى يرد إليه ملكه أن يؤدى إلى الحائز جميع ما أنفقه من المصروفات الضرورية . 2 - أما المصروفات النافعة فيسرى فى شأنها أحكام المادتين 924 و 925 " . $ 1157 $ وهاتان المادتان المشار إليها فى آخر الفقرة الثانية تميزان بين ما إذا كان الحائز الذى أنفق مصروفات نافعة على العين التى حازها كان حسن النية ، أى كان يعتقد عندما أنفق هذه المصروفات أن العين مملوكة له ، أو سيئ النية . فإذا كان حسن النية ، كان له أن ينزع ما أحدثه فى العين أو يبقيه ، ويخير المالك فى حالة الإبقاء بين أن يرد للحائز المصروفات التى أنفقها أو أن يدفع مبلغاً يساوى ما زاد فى ثمن العين بسبب هذه المصروفات ( م 925 فقرة أولا مدنى ) . أما إذا كان سئ النية ، فللمالك أن يطلب إزالة ما أحدثه الحائز فى العين على نفقة الحائز مع التعويض إن كان له وجه ، أو أن يستبقيه ويخير فى هذه الحالة بين دفع قيمته مستحق الإزالة أو دفع مبلغ يساوى ما زاد فى ثمن العين بسبب هذه المصروفات ( م 924 فقرة أولى مدنى ) . ونرى من ذلك أن الحائز ( [2210] ) ، إذا أنفق مصروفات ضرورية على العين ، كان له أن يستردها جميعاً من المالك ، سواء كان هو حسن النية أو سيئها . وإذا أنفق مصروفات نافعة ، فإن كان حسن النية ، كان على المالك أن يرد له أقل القيمتين : مقدار هذه المصروفات أو الزيادة فى ثمن العين بسببها . وإن كان سيئ النية ، كان على المالك أن يرد له أقل القيمتين ، الزيادة فى ثمن العين بسبب المصروفات أو قيمة ما استحدث فى العين مستحق الإزالة . ففى جميع الأحوال يكون هناك دينان متقابلان : ( 1 ) دين على المالك للحائز هو رد قيمة من القيم سالفة الذكر فى نظير ما أنفق الحائز من مصروفات على العين ( [2211] ) . ومصدر هذا الدين هو الإثراء بلا سبب . ( 2 ) دين على الحائز للمالك هو رد العين إليه ، ومصدر هذا الدين قد يكون الإثراء بلا سبب لأن الحائز يثرى على حساب المالك لو استبقى العين ، وقد يكون العقد كما فى حيازة الدائن المرتهن للعين التى ارتهنها رهن حيازة فإنه يجب عليه ردها للمالك بموجب عقد الرهن ، $ 1158 $ وقد يكون العمل غير المشروع كما لو اغتصب الحائز العين من مالكها أو سرقها أو استولى عليها وهى ضائعة ، وقد يكون القانون كما فى حيازة الوصى لأعيان القاصر فإنه يجب عليه ردها عند انتهاء الوصاية بحكم القانون . ففى هذه الأحوال – عدا حالة ما إذا كان التزام الحائز بالرد ناشئاً عن عمل غير مشروع كما سبق القول – تتوافر شروط نشوء الحق فى الحبس ، إذ يوجد دينان متقابلان ، وهما مرتبطان أحدهما بالآخر ، فالدين برد المصروفات قد نشأ بمناسبة العين الواجبة الرد . فيجوز إذن للحائز أن يحبس العين حتى يسترد المصروفات على النحو الذى تقدم ذكره ( [2212] ) .

وقد قام خلاف ، فى عهد التقنين المدنى السابق ، فيما إذا كان الحائز سيئ النية له الحق فى حبس العين ( [2213] ) . فحسم التقنين المدنى الجديد هذا الخلاف ، $ 1159 $ إذا أعطى الحق الحبس للحائز مطلقاً ، حسن النية كان أو سيئ النية ، وإن يكن التعويض المستحق للحائز سيئ النية أقل من التعويض المستحق للحائز حسن النية على الوجه الذى تقدم بيانه .

هذا وقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 980 من التقنين المدنى على ما يأتى : " فإذا كانت المصروفات كمالية ، فليس للحائز أن يطالب بشئ منها ، ومع ذلك يجوز له أن ينزع ما استحدثه من منشآت على أن يعيد الشئ إلى حالته الأولى ، إلا إذا اختار المالك أن يستبقيها مقابل دفع قيمتها مستحقة الإزالة " . ونرى من ذلك النص أن الحائز ، سواء كان حسن النية أو سيئها ، إذا أنفق مصروفات كمالية ، فليس له أن يتقاضى عنها تعويضاً . وليس له إلا أن ينزع ما استحدثه من منشآت على نفقته ، على أن يعيد الشئ إلى حالته الأولى ، وإن تعذر ذلك فعليه أن يدفع تعويضاً عما أحدثه من الضرر . وللمالك أن يلزمه بنزع ما استحدثه على نفقته ، مع إعادة الشئ إلى حالته الأولى والتعويض إن كان له مقتضى . وللمالك أيضاً أن يستبقى ما استحدثه الحائز ، وعند ذلك يلتزم بدفع قيمته مستحق الإزالة . ونرى – وإن كانت الفقرة الثانية من المادة 246 لم يتناول نصها هذه الحالة – أن المالك إذا استبقى ما استحدثه الحائز فى مقابل دفع قيمته مستحق الإزالة ، كان الارتباط المادة قائماً ما بين الدينين المتقابلين ، وجاز للحائز أن يحبس العين حتى يستوفى من المالك حقه . وليس هذا إلا تطبيقاً للقاعدة العامة الواردة فى الفقرة الأولى من المادة 246 ، وإذا كانت الفقرة الثانية من هذه المادة لم تتناول هذه الحالة ، فذلك لأنه يغلب فى المصروفات الكمالية أن تنزع أو أن تترك دون تعويض ، فلم يعرض لها النص كما عرض للمصروفات الضرورية والمصروفات النافعة ( [2214] ) .

 $ 1160 $

ونصت المادة 982 من التقنين المدنى على أنه " يجوز للقاضى بناء على طلب المالك أن يقرر ما يراه مناسباً للوفاء بالمصروفات المنصوص عليها فى المادتين السابقتين ، وله أن يقضى بأن يكون الوفاء على أقساط دورية بشرط تقديم الضمانات اللازمة . . " . فإذا قضت المحكمة بأن يكون الوفاء على أقساط دورية بشرط تقديم الضمانات اللازمة . . . " . فإذا قضت المحكمة بأن يكون الوفاء على أقساط دورية ، فقد أصبح الدين غير حال ، ويترتب على عدم حلول الدين أن يفقد الدائن حقه فى حبس العين ، لأنه لا يجوز له الحبس إلا فى دين حال كما قدمنا . ويفارق التقسيط الممنوح من القاضى الأجل الذى يمنحه القاضى فى الحالات العادية ( delai de grace ) – وهذا الأجل الأخير لا يمنع من الحبس كما رأينا – فى أن الغرض المقصود بالتقسيط هو ألا يرهق المالك بدفع مبلغ جسيم من المال دفعة واحدة ، فقسط عليه التعويض تيسيراً له ، وليس من التيسير أن يحرم من ملكه ويبقى الحائز حابساً له حتى يستوفى القسط الأخير . على أن النص يقضى بأن هذا التقسيط الذى يمنحه القاضى مشروط بتقديم الضمانات اللازمة ، وقد رأينا أن القواعد العامة للحبس تسقط الحق فيه إذا قدمت هذه الضمانات . فللمالك إذن أن يسترد ملكه من الحائز ، أما لأن الدين الذى فى ذمته غير حال ، وإما لأنه يكون قد قدم ضمانات كافية للوفاء بهذا الدين .

652 - حق صاحب العلو فى حبس السفل بعد أن يعيد بناءه : وهذه حالة تقوم على فكرة أن المصروفات التى أنفقت كانت ضرورية ، لا فى حفظ الشئ ، بل فيما هو أبعد مدى من ذلك : فى إنشاء الشئ ، مرة أخرى . فإذا كان هناك بناء ، له صاحب للعلو وصاحب للسفل ، وانهدم ، وجب أن يبدأ صاحب السفل فى إعادة بناء سلفه ، حتى يتمكن صاحب العلو من إعادة بناء علوه . فإذا امتنع صاحب السفل من إعادة بناء سفله ، وطلب صاحب العلو أن يعيد هو بناء السفل ، جاز له أن يفعل ذلك على نفقة صاحب السفل ، وله أن يحبس السفل حتى يستوفى حقه من صاحبه . وقد نصت المادة 860 من التقنين المدنى على هذا الحكم فى العبارات الآتية : " 1 - إذا انهدم البناء وجب على صاحب السفل أن يعيد بناء سفله . فإذا امتنع ، جاز للقاضى أن يأمر ببيع السفل ، إلا إذا طلب صاحب العلو أن يعيد هو بناء السفل على نفقة صاحبه . 2 - وفى الحالة الأخيرة يجوز لصاحب العلو أن يمنع صاحب السفل من السكنى $ 1161 $ والانتفاع حتى يؤدى ما فى ذمته ، ويجوز له أيضاً أن يحصل على إذن فى إيجار السفل أو سكناه استيفاء لحقه " .

ويلاحظ أن الحق فى الحبس هنا قد يقترن ، بإذن من القاضى ، بأن ينتفع الحابس بالعين المحبوسة أو بأن يستغلها حتى يستوفى حقه من ثمرتها ، وهذا استثناء من القواعد العامة للحق فى الحبس ، كما سنرى ، تبرره ظروف الحالة التى نحن بصددها .

المطلب الثانى

تطبيقات غير منصوص عليها فى القانون

653 - تطبيقات تذكر لا على سبيل الحصر : ولما كانت القاعدة العامة فى الحبس الواردة فى الفقرة الأولى من المادة 246 قد أغنيت المشرع فى التقنين المدنى الجديد عن الإكثار من إيراد التطبيقات ، فقد اقتصر هذا التقنين على التطبيقات التشريعية التى أسلفنا ذكرها ، وترك الباقى للقاعدة العامة . فنستعرض بعض تطبيقات لم يرد فيها نصر فيكتفى فيها بأعمال القاعدة العامة ، وغنى عن البيان أن هذه التطبيقات لا نذكرها هنا على سبيل الحصر ، إذ توجد تطبيقات أخرى كثيرة غيرها لا يمكن حصرها ، ويكفى فيها تطبيق القاعدة العامة فى الحبس .

ونترك جانباً حق الحبس فى رهن الحيازة ، فهذا قد نظمه القانون ( [2215] ) وهو يختلف عن الحبس الذى نحن بصدده فى أنه يقترن بحق عينى هو حق الرهن ، ومكان دراسته فى الرهن الحيازى . كذلك نترك جانباً حقوق الامتياز التى تقوم على فكرة الرهن ، فترتب حقاً فى الحبس مصحوباً بحق امتياز ، وذلك كحق امتياز المؤجر ( [2216] ) وحق امتياز صاحب الفندق ( [2217] ) ، فهذه مكان دراستها فى حقوق الامتياز .

 $ 1162 $

ونميز هنا أيضاً ، كما فعلنا فيما تقدم ، بين تطبيقات تقوم على الارتباط القانونى أو التبادلى وتطبيقات تقوم على الارتباط المادى أو الموضوعى .

1 - تطبيقات تقوم على الارتباط القانونى أو التبادلى

654 - حق المؤجر فى حبس العين المؤجرة وحق المستأجر فى حبس الأجرة : فى عقد الإيجار ، وهو عقد ملزم للجانبين ، إذا لم يستوف المؤجر الأجرة الحالة كان له أن يحبس العين المؤجرة حتى يستوفيها ( [2218] ) . وهذا تطبيق لمبدأ الدفع بعد تنفيذ العقد ، أى للحق فى الحبس ، لم يرد فيه نص ليس فى حاجة إليه .

والذى يقف النظر عنده فى هذا التطبيق أن العين المحبوسة هى ملك للدائن الحابس ، فالمؤجر يحبس العين التى آجرها وهى فى الكثرة الغالبة من الأحوال ملكه . وقد كان هذا التطبيق ، باعتباره تطبيقاً للحق فى الحبس ، يبدو غير مستقيم فى عهد التقنين المدنى السابق الذى كان يعد حق الحبس حقاً عينياً ، إذ المالك لا يكون له حق عينى على ملك نفسه غير حق الملكية ( [2219] ) . أما فى التقنين المدنى الجديد ، حيث الحق فى الحبس لا يعتبر حقاً عينياً بل هو مجرد دفع بعدم التنفيذ ، فالتطبيق مستساغ معقول .

كذلك للمستأجر ، لنفس الأسباب المتقدمة ، أن يحبس الأجرة حتى يتسلم العين المؤجرة ، إذا لم يكن مشترطاً تعجيل الأجرة قبل تسليم العين .

655 - حق المستأجر فى حبس العين المؤجرة للتحسينات التى استحدثها : نصت المادة 592 من التقنين المدنى على أنه " 1 - إذا أوجد المستأجر فى العين المؤجرة بناء أو غراساً أو غير ذلك من التحسينات مما يزيد فى قيمة العقار ، التزم المؤجر أن يرد للمستأجر عند انقضاء الإيجار ما أنفقه فى هذه التحسينات $ 1163 $ أو ما زاد فى قيمة العقار ، ما لم يكن هناك اتفاق يقضى بغير ذلك . 2 - فإذا كانت تلك التحسينات قد استحدثت دون علم المؤجر أو رغم معارضته ، كان له أيضاً أن يطلب من المستأجر إزالتها ، وله أن يطلب فوق ذلك تعويضاً عن الضرر الذى يصيب العقار من هذه الإزالة إن كان للتعويض مقتض . 3 - فإذا اختار المؤجر أن يحتفظ بهذه التحسينات فى مقابل رد إحدى القيمتين المتقدم ذكرهما ، جاز للمحكمة أن تنظره إلى أجل للوفاء بها " . فهذا النص يميز بين ما إذا كان المستأجر قد استحدث التحسينات بعلم من المؤجر ومن غير معارضة منه ، دون أن يكون بينهما اتفاق ، أو استحدثها دون علم المؤجر أو رغم معارضته . ففى الحالة الأولى يخير المؤجر فى أن يدفع للمستأجر إما ما أنفقه هذا فى التحسينات وإما ما زاد فى قيمة العقار بسببها ، وللمستأجر ، تطبيقاً لقاعدة الحق فى الحبس ومن غير حاجة إلى نص خاص ، أن يحبس العين المؤجرة حتى يستوفى من المؤجر إحدى القيمتين المشار إليهما . وفى الحالة الثانية يكون المؤجر بالخيار بين طلب إزالة التحسينات مع التعويض إن كان له مقتض ، وبين استبقاء هذه التحسينات فى مقابل رد إحدى القيمتين المتقدم ذكرهما . فإذا استبقى التحسينات ووجب عليه رد إحدى القيمتين إلى المستأجر ، كان لهذا ، تطبيقاً لقاعدة الحق فى الحبس ومن غير حاجة إلى نص خاص ، أن يحبس العين المؤجرة حتى يستوفى ما له فى ذمة المؤجر . فإذا نظر المؤجر إلى أجل ، تطبيقاً للفقرة الثالثة من المادة 592 ، لم يعد للمستأجر الحق فى حبس العين لأن الدين المقابل أصبح غير حال ، قياساً على ما قدمناه فى حالة ما إذا قضت المحكمة بأن يكون الوفاء بالمصروفات للحائز على أقساط دورية وفقاً للمادة 982 ( [2220] ) .

656 - حق المتقايض فى حبس ما قايض به : فى عقد المقايضة يلتزم كل من المتقايضين أن يسلم للآخر الشئ الذى قايض به ، وتسرى على المقايضة أحكام البيع ( م 485 مدنى ) . فيجوز إذن لكل من المتقايضين ، تطبيقاً لقاعدة الحق فى الحبس ، أن يحبس الشئ الذى قايض به حتى يقبض الشئ الذى قايض عليه . ولما كانت أحكام البيع تسرى على المقايضة ، فإن الأحكام المتعلقة $ 1164 $ بحبس البائع للمبيع ، وقد تقدم ذكرها ، تنطبق هنا ( [2221] ) .

657 - حق الواهب فى حبس الهبة وحق الموهوب له فى حبس العوض : نصت المادة 497 من التقنين المدنى على أن " يلتزم الموهوب له بأداء ما اشترط عليه من عوض ، سواء اشترط هذا العوض لمصلحة الواهب أم لمصلحة أجنبى أم للمصلحة العامة " . فهنا التزامان متقابلان مرتبطان أحدهما بالآخر ارتباطاً تبادلياً : التزام الواهب بتسليم العين الموهوبة ، والتزام الموهوب له بتسليم العوض . فيجوز إذن لكل من المتعاقدين ، تطبيقاً لقاعدة الحق فى الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ، أن يحبس الالتزام الذى فى ذمته حتى يقوم المتعاقد الآخر بتنفيذ ما فى ذمته من التزام .

675 - حق المقاول فى حبس العمل وحق رب العمل فى حبس الأجرة : نصت المادة 656 من التقنين المدنى على أنه " يستحق دفع الأجرة عند تسلم العمل ، إلا إذا قضى العرف أو الاتفاق بغير ذلك " . فهنا التزامان متقابلان يرتبط أحدهما بالآخر ارتباطاً تبادلياً : التزام المقاول بتسليم العمل ، والتزام رب العمل بدفع الأجرة . فيجوز إذن لكل من المتعاقدين ، تطبيقاً لقاعدة الحق فى الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ( [2222] ) ، أن يمتنع عن تنفيذ التزامه حتى يستوفى حقه من المتعاقد الآخر ( [2223] ) .

 $ 1165 $

659 - حق الموكل فى حبس الأجرة والتعويض وحق الوكيل فى حبس ما للموكل فى ذمته : نصت المادة 710 من التقنين المدنى على ما يأتى : " على الموكل أن يرد للوكيل ما أنفقه فى تنفيذ الوكالة التنفيذ المعتاد مع الفوائد من وقت الإنفاق ، وذلك مهما كان حظ الوكيل من النجاح فى تنفيذ الوكالة " . ونصت المادة 711 على أن " يكون الموكل مسئولاً عما أصاب الوكيل من ضرر دون خطأ منه سبب تنفيذ الوكالة تنفيذاً معتاداً " . ونصت المادة 706 على أنه " 1 - ليس للوكيل أن يستعمل مال الموكل لصالح نفسه . 2 - وعليه فوائد المبالغ التى استخدمها لصالحه من وقت استخدامها ، وعليه أيضاً فوائد ما تبقى فى ذمته من حساب الوكالة من وقت أن يعذر " . فهذه التزامات متقابلة مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً تبادلياً ومصدرها جميعاً عقد واحد ملزم للجانبين هو عقد الوكالة ( [2224] ) . فيجوز إذن ، تطبيقاً لقاعدة الحق فى الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ( [2225] ) ، لكل من المتعاقدين أن يمتنع عن تنفيذ التزاماته حتى يستوفى حقوقه من المتعاقد الآخر ( [2226] ) .

660 - حق المستعير فى حبس العارية وحق المعير فى حبس ما فى ذمته للمستعير : نصت المادة 637 من التقنين المدنى على أنه " 1 - إذا اضطر المستعير إلى الإنفاق للمحافظة على شئ أثناء العارية ، التزم المعير أن يرد إليه ما أنفقه من المصروفات . 2 - أما المصروفات النافعة فتتبع فى شأنها الأحكام الخاصة بالمصروفات التى ينفقها من يحوز الشئ وهو سيئ النية " . ونصت الفقرة الثانية من المادة 638 على ما يأتى : " ولا ضمان عليه ( على المعير ) كذلك فى العيوب الخفية ، غير أنه إذا تعمد إخفاء العيب أو ضمن سلامة الشئ منه ، لزمه تعويض المستعير $ 1166 $ عن كل ضرر يسببه ذلك " . ونصت الفقرة الأولى من المادة 642 على أنه " متى انتهت العارية وجب على المستعير أن يرد الشئ الذى تسلمه بالحالة التى يكون عليها ، وذلك دون إخلال بمسئوليته عن الهلاك أو التلف " . فهذه أيضاً التزامات متقابلة يرتبط بعضها ببعض ، فعلى المستعير أن يرد العارية عند انتهاء العقد ، وعلى المعير أن يعوض المستعير عن المصروفات وعن العيوب الخفية على النحو المبين فى النص . فيجوز إذن لكل من المتعاقدين ، تطبيقاً لقاعدة الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ( [2227] ) ، أن يمتنع عن تنفيذ التزاماته حتى يستوفى حقوقه ، وبوجه خاص يجوز للمستعير أن يحبس العارية حتى يستوفى ما فى ذمة المعير بسب المصروفات أو بسبب العيوب الخفية .

661 - حق حافظ الوديعة فى حبسها وحق المودع فى حبس ما فى ذمة لحافظ الوديعة : نصت المادة 725 من التقنين المدنى على ما يأتى : " على المودع أن يرد إلى المودع عنده ما أنفقه فى حفظ الشئ ، وعليه أن يعوضه كل ما لحقه من خسارة بسبب الوديعة " . ونصت المادة 722 على أنه " يجب على المودع عنده أن يسلم الشئ إلى المودع بمجرد طلبه ، إلا إذا ظهر من العقد أن الجل عين لمصلحة المودع عنده . وللمودع عنده أن يلزم المودع بتسلم الشئ فى أى وقت ، إلا إذا ظهر من العقد أن الأجل عين لمصلحة المودع " . فهنا أيضاً التزامات متقابلة يرتبط بعضها ببعض ، فعلى حافظ الوديعة أن يرد الوديعة ، وعلى المودع أن يعوض حافظ الوديعة عن المصروفات وعما لحق هذا من خسارة بسبب الوديعة . فيجوز إذن لكل من المتعاقدين ، تطبيقاً لقاعدة الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ، أن يمتنع عن تنفيذ التزاماته حتى يستوفى حقوقه ، ومن ثم يجوز لحافظ الوديعة أن يحبس العين المودعة حتى يسترد المصورفات أو يقاضى التعويض بحسب الأحوال .

 $ 1167 $

662 - الحبس فى حالة إبطال العقد أو فسخه : نصت المادة 142 من التقنين المدنى على أنه " 1 - فى حالتى إبطال العقد وبطلانه يعاد المتعاقدان إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد ، فإذا كان هذا مستحيلاً جاز الحكم بتعويض عادل . 2 - ومع ذلك لا يلزم ناقص الأهلية إذا أبطل العقد لنقص أهليته ، أن يرد غير ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد " . ونصت المادة 160 على أنه " إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد ، فإذا استحال ذلك جاز الحكم بتعويض " . ففى جميع هذه الأحوال تكون هناك التزامات متقابلة ارتبط بعضها ببعض ، وقد نشأت عن انحلال الرابطة التعاقدية إما بالإبطال أو بالفسخ ، فوجب على كل من الطرفين أن يرد للطرف الآخر ما أخذه منه بسبب تنفيذ العقد . ومن ثم يجوز لكل من الطرفين ، تطبيقاً لقاعدة الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ( [2228] ) ، أن يحبس ما فى يده للطرف الآخر حى يسترد ما له فى يد هذا الطرف ( [2229] ) .

وتطبيقاً لما تقدم نصت المادة 468 من التقنين المدنى ، فى بيع ملك الغير ، على أنه " إذا حكم للمشترى بإبطال البيع وكان يجعل أن المبيع غير مملوك للبائع ، فله أن يطالب بتعويض ولو كان البائع حسن النية " . فيجوز إذن للمشترى أن يحبس المبيع عن البائع حتى يستوفى هذا التعويض ( [2230] ) . ونصت المادة 503 ، فى الهبة ، على أنه " 1 - يترتب على الرجوع فى الهبة بالتراضى أو بالتقاضى أن تعتبر الهبة $ 1168 $ كأن لم تكن . 2 - ولا يرد الموهوب له الثمرات إلا من وقت الاتفاق على الرجوع أو من وقت رفع الدعوى ، وله أن يرجع بجميع ما أنفقه من مصروفات ضرورية ، أما المصروفات النافعة فلا يجاوز فى الرجوع بها القدر الذى زاد فى قيمة الشئ الموهوب " . ويتبين من ذلك أن الموهوب له ، بعد الرجوع فى الهبة ، يلتزم برد الشئ الموهوب مع ثمراته ، ويلتزم الواهب برد المصروفات التى أنفقها الموهوب له ، وكل لذلك على الوجه المبين فى النص . فيجوز لكل من الطرفين أن يمتنع عن تنفيذ التزاماته حتى يتقاضى ما له من حقوق ، ويجوز بوجه خاص أن يحبس الموهوب له العين الموهوبة حتى يسترد ما أنفقه من المصروفات .

663 - الحبس فى حالة الفضالة : نصت المادة 193 من التقنين المدنى على أن " يلتزم الفضولى بما يلتزم به الوكيل من رد ما استولى عليه بسب بالفضالة ، وتقديم حساب عما قام به " . ونصت المادة 195 على أن " يعتبر الفضولى نائباً عن رب العمل ، متى كان قد بذل فى إدارته عناية الشخص العادى ولو لم تتحقق النتيجة المرجوة . وفى هذه الحالة يكون رب العمل ملزماً أن ينفذ التعهدات التى عقدها الفضولى لحسابه ، وأن يعوضه عن التعهدات التى التزم بها ، وأن يرد له النفقات الضرورية والنافعة التى سوغتها الظروف مضافاً إليها فوائدها من يوم دفعها ، وأن يعوضه عن الضرر الذى لحقه بسبب قيامه بالعمل ، ولا يستحق الفضولى أجراً على عمله إلا أن يكون من أعمال مهنته " . ويتبين من ذلك أن هناك التزامات متقابلة ما بين الفضولى ورب العمل قد ارتبط بعضها ببعض ، ونشأت كلها من علاقة تبادلية غير تعاقدية . فالفضولى يلتزم برد $ 1169 $ ما استولى عليه بسبب الفضالة وبتقديم حساب عما قام به ، ورب العمل يلتزم بتعويض الفضولى عن التعهدات التى التزم بها وعن النفقات التى سوغها الظروف وعن الضرر الذى لحقه بسبب قيامه بأعمال الفضالة . ومن ثم يجوز لكل من الطرفين ، تطبيقاً لقاعدة الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ، أن يمتنع عن تنفيذ التزاماته حتى يستوفى حقوقه من الطرف الآخر ( [2231] ) .

2 - تطبيقات تقوم على الارتباط المادى أو الموضوعى

664 - الحبس فى حالات الالتصاق : سبق الكلام فى حق الحائز فى حبس العين لاسترداد ما أنفقه عليها من المصروفات ( [2232] ) . فإذا كان هذا الحائز أقام على أرض الغير منشآت ، فقد تكفلت المواد 924 إلى 926 من التقنين المدنى ببيان الحكم فى ذلك ، مميزة بين ما إذا كان الحائز حسن النية أو سيئ النية . فإذا كان حسن النية ، خبر صاحب الأرض بين أن يدفع قيمة المواد وأجرة العمل أو أن يدفع مبلغاً يساوى ما زاد فى ثمن الأرض بسبب هذه المنشآت . وإذا كان الحائز سيئ النية ، كان لصاحب الأرض أن يطلب إزالة المنشآت ، أو أن يستبقها مقابل دفع قيمتها مستحقة الإزالة أو دفع مبلغ يساوى ما زاد فى ثمن الأرض . ففى الحالات التى يستبقى فيها صاحب الأرض المنشآت مقابل دفع قيمة من القيم السالفة الذكر ، يكون هناك دينان متقابلان يرتبط كل منهما بالآخر ارتباطاً مادياً ، فعلى الحائز أن يرد الأرض لصاحبها ، وعلى صاحب الأرض أن يدفع للحائز القيمة التى اختار دفعها له . فيجوز إذن لكل $ 1170 $ من الطرفين ، تطبيقاً لقاعدة الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ، أن يمتنع عن تنفيذ التزامه حتى يتقاضى حقه ، وبخاصة يجوز للحائز أن يحبس الأرض عن صاحبها حتى يتقاضى منه التعويض المستحق .

665 - حبس المشترى للعين المؤجرة : نصت المادة 946 من التقنين المدنى على أنه " 1 - إذا بنى المشترى فى العقار المشفوع أو غرس فيه أشجاراً قبل إعلان الرغبة فى الشفعة ، كان الشفيع ملزماً تبعاً لما يختاره المشترى أن يدفع له إما المبلغ الذى أنفقه أو مقدار ما زاد فى قيمة العقار بسب البناء أو الغراس . 2 - وأما إذا حصل البناء أو الغراس بعد إعلان الرغبة فى الشفعة ، كان للشفيع أن يطلب الإزالة . فإذا اختار أن يستبقى البناء أو الغراس ، فلا يلزم إلا بدفع قيمة أدوات البناء وأجرة العمل أو نفقات الغراس " . ويتبين من النص أنه يجب التمييز بين ما إذا كان المشترى بنى أو غرس قبل إعلان الرغبة فى الشفعة ، أو بعد إعلان هذه الرغبة . ففى الحالة الأولى يكون المشترى حسن النية ، أو بعد إعلان هذه الرغبة . ففى الحالة الأولى يكون المشترى حسن النية ، فله الخيار فى أن يسترد من الشفيع إما المبلغ الذى أنفقه فعلاً أو ما زاد فى قيمة العقار . وفى الحالة الثانية يكون المشترى سيئ النية ، ومن ثم يكون للشفيع طلب الإزالة ، وله استبقاء البناء أو الغراس مقابل دفع قيمة أدوات البناء وأجرة العمل أو نفقات الغراس . فهناك إذن التزامات متقابلة مترابطة ترابطاً مادية ، فعلى المشترى أن يرد العين المشفوع فيها إلى الشفيع ، وعلى الشفيع أن يرد إلى المشترى فى مقابل البناء أو الغراس إحدى القيم السالفة الذكر . فيجوز إذن للمشترى ، طبقاً لقاعدة الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ، أن يحبس العين المشفوع فيها حتى يستوفى القيمة المستحقة .

666 - حق المشترى فى حبس المنقول المسروق أو الضائع : نصت المادة 977 من التقنين المدنى على أنه " 1 - يجوز لمالك المنقول أو السند لحامه ، إذا فقده أو سرق منه ، أن يسترده ممن يكون حائزاً له بحسن نية ، وذلك خلال ثلاث سنوات من وقت الضياع أو السرقة . 2 - فإذا كان من يوجد الشئ المسروق أو الضائع فى حيازته قد اشتراه بحسن نية فى سوق أو مزاد علنى أو اشتراه ممن يتجر فى مثله ، فإن له أن يطلب ممن يسترد هذا الشئ أن يعجل له $ 1171 $ الثمن الذى دفعه " . ويتبين من هذا النص أن من يشترى بحسن نية شيئاً مسروقاً أو ضائعاً فى سوق أو مزاد علنى أو ممن يتجر فى مثله لا يلزم برد الشئ إلى مالكه إلا إذا طلبه المالك خلال ثلاث سنوات من وقت الضياع و السرقة ورد للمشترى الثمن الذى دفعه . وليس بين المشترى والمالك أية علاقة غير حيازة المشترى للشئ المسروق أو الضائع ، وقد أصبح المشترى دائناً باسترداد الثمن بمناسبة هذا الشئ الذى يجب عليه أن يرده للمالك . ومن ثم وجد ارتباط مادى أو موضوعى ما بين التزام المشترى برد الشئ إلى المالك والتزام المالك برد الثمن إلى المشترى ، فيجوز إذن للمشترى ، طبقاً لقاعدة الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ( [2233] ) ، أن يحبس الشئ عن المالك حتى يسترد منه الثمن ( [2234] ) .

667 - حق المنتفع فى حبس العين : نصت المادة 989 من التقنين المدنى على أن " 1 - المنتفع ملزم أثناء انتفاعه بكل ما يفرض على العين المنتفع بها من التكاليف المعتادة وبكل النفقات التى تقتضيها أعمال الصيانة . 2 - أما التكاليف غير المعتادة والإصلاحات الجسيمة التى لم تنشأ عن خطأ المنتفع فإنها تكون على المالك ، ويلتزم المنتفع بأن يؤدى للمالك فوائد ما أنفقه فى ذلك . فإن كان المنتفع هو الذى قام بالإنفاق ، كان له استرداد رأس المال عند انتهاء حق الانتفاع " . ويتبين من هذا النص أن التكاليف غير المعتادة والإصلاحات الجسيمة فى العين المنتفع بها تكون على المالك لا على المنتفع ، فإذا قام المنتفع بها كان له استرداد رأس المال عند انتهاء حق الانتفاع . ومن ثم يوجد التزامان متقابلان مترابطان ترابطاً مادياً : التزام المنتفع برد العين المنتفع بها إلى المالك عند انتهاء حق الانتفاع ، والتزام المالك برد أصل ما أنفقه المنتفع فى التكاليف غير المعتادة والإصلاحات الجسيمة . فيجوز إذن للمنتفع ، طبقاً لقاعدة الحبس $ 1172 $ ودون حاجة إلى نص خاص ، أن يحبس العين المنتفع بها حتى يستوفى حقه من المالك ( [2235] ) .

الفرع الثانى

الآثار التى تترتب على الحق فى الحبس

668 - النصوص القانونية : تنص المادة 247 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " 1 - مجرد الحق فى حبس الشئ لا يثبت حق امتياز عليه " .

 $ 1173 $

 " 2 - وعلى الحابس أن يحافظ على الشئ وفقاً لأحكام رهن الحيازة ، وعليه أن يقدم حساباً عن غلته " .

 " 3 - وإذا كان الشئ المحبوس يخشى عليه الهلاك أو التلف ، فللحابس أن يحصل على إذن من القضاء فى بيعه وفقاً للأحكام المنصوص عليها فى المادة 1119 ، وينتقل الحق فى الحبس من الشئ إلى ثمنه " ( [2236] ) .

ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق ، ولكن هذه الأحكام كان معمولاً بها فى جملتها دون نص ، إلا ما يتعلق بالفقرة الثالثة التى تنص على حالة من أجوال الحلول العينى ، كان من غير المتيسر الأخذ بها دون نص فى عهد التقنين المدنى السابق .

ويقابل النص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المادة 248 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 283 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 250 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى 274 ( [2237] ) .

 $ 1174 $

والنص الذى نحن بصدده ، وكذلك النص التالى الذى يبين أسباب انقضاء الحق فى الحبس ، إنما يعرضنا للحالة التى تحبس فيها عين معينة بالذات فى دين مرتبط بها ارتباطاً قانونياً أو ارتباطاً ماديا . أما إذا كان الشئ المحبوس ليس عيناً معينة بالذات ، فقواعد الدفع بعدم تنفيذ العقد هى التى تنطبق ، وقد سبق لنا شرحها فى الجزء الأول من هذا الوسيط ( [2238] ) . ونقتصر هنا على الحالة التى يكون فيها الشئ المحبوس عيناً معينة بالذات . فالحابس للعين ، بمقتضى حبسه لها ، تقرر له حقوق وتترتب عليه واجبات ، نتولى الآن بسطها .

المبحث الأول

حقوق الحابس للعين

669 - علاقة الحابس بالمالك وعلاقته بالغير : نميز – فى بسط حقوق الحابس للعين – بين علاقة الحابس بمالك العين وهو عادة المدين الذى تحبس العين فى دنيه ، وعلاقة الحابس بالغير .

المطلب الأول

علاقة حابس العين بمالكها

670 - حبس العين عن مالكها : متى توافرت الشروط اللازمة لنشوء الحق فى حبس العين ، أصبح للدائن الحق فى حبس هذه العين عن $ 1175 $ مالكها ( [2239] ) ، فلا يستطيع هذا أن يطالب الحائز برد العين حتى يقوم بوفاء ما فى ذمته من الدين للحائز .

وتبقى العين محبوسة فى يد الحائز حتى يستوفى هذا كله حقه ( [2240] ) . فلو كان هذا الحق مصروفات ضرورية أو نافعة أنفقها الحائز على العين ، فللحائز أن يحبس العين حتى يستوفى من المالك جميع الجقوق التى قررها له القانون والتى سبق بيانها ( م 980 مدنى ) . ذلك أن الحق فى حبس العين غير قابل للتجزئة ( individible ) ( [2241] ) ، شأنه فى ذلك شأن كل ضمان . فلو أن المالك وفى الحائز جزءاً من الدين ، فإن الحائز يبقى حابساً للعين كلها حتى يستوفى الباقى بأكمله ( [2242] ) ، ولو أن الدين الذى فى ذمة المالك انقسم على ورثته بعد موته – وهذا لا يقع فى $ 1176 $ الفقه الإسلامى وإنما يقع فى القانون الفرنسى – فإن الحائز يبقى حابساً للعين حتى يستوفى من كل وارث نصيبه فى الدين . على أنه يجب على الحائز ألا يتعسف فى استعمال حقه فى الحبس ، فلو أن الباقى من الدين كان جزءاً قليلاً تافهاً ، كان من التعسف كما قدمنا أن يبقى حابساً للعين كلها فى هذا الجزء التافه ، ووجب عليه أن يرد العين لمالكها مع مطالبته بالباقى من الدين ( [2243] ) .

وما ذكرناه فى حق المالك يسرى فى حق ورثته ، فللحائز حبس العين فى مواجهة ورثة المالك ، وهم خلفه العام ، حتى يستوفى كل حقه ( [2244] ) . وكذلك ينتقل الحق فى الحبس من الحائز إلى ورثته ، فلو مات الحائز كان لورثته حبس العين إلى أن يستوفوا حقهم الذى انتقل إليهم من مورثهم .

671 - لا يعطى الحبس بمجرده حق امتياز للحابس : على أن حبس العين على النحو المتقدم لا يجعل للحابس حق امتياز عليه ، وتقول الفقرة الأولى من المادة 247 أن " مجرد الحق فى حبس الشئ لا يثبت حق امتياز عليه ( [2245] ) " . $ 1177 $ وهذا هو الجوهرى فى الحبسن فهو ليس بحق عينى كما قدمنا . على أنه حتى لو كان حقاً عينياً – كما كان فعلاً فى التقنين المدنى السابق – فإنه بمجرده لا يجعل للحابس حق امتياز ( [2246] ) . ويترتب على ذلك أن الحابس إذا نفذ على العين المحبوسة بحقه ، فإنما ينفذ عليها كدائن عادى لا كدائن له حق امتياز ، فيزاحمه سائر الدائنين فى الثمن ويقاسمونه فيه مقاسمة الغرماء . وهو متى أقدم على بيع العين جبراً فى دينه ، فقد نزل عن حقه فى الحبس ، لأنه لا يستطيع – وهو الذى طلب البيع – أن يمتنع عن تسليم العين لم رسا عليه المزاد ، ولا يبقى أمامه إلا الثمن الذى رسا به المزاد يستوفى منه ، هو وسائر الدائنين كما قدمنا ، الحق الذى له ( [2247] ) .

ولكن إذا بقى الحائز حابساً للعين ، ولم ينفذ عليها ، فإن حقه فى الحبس يبقى قائماً ، حتى لو باع المالك العين من آخر أو نفذ أحد الدائنين الآخرين بحقه على العين فباعها جبراً لم رسا عليه المزاد . ففى جميع هذه الأحوال يبقى حق الحائز فى حبس العين قائماً فى مواجهة المشترى من المالك أو فى مواجهة الراسى عليه المزاد ( [2248] ) ، على تفصيل سيأتى بيانه عند الكلام فى علاقة الحابس بالغير . ولا يبقى إلا توفية الحابس حقه كاملاً إذا لم يكن هو الذى نفذ على العين ، وينتهى الحق فى الحبس فى هذه الحالة إلى النتيجة الفعلية التى ينتهى إليها حق الامتياز ( [2249] ) .

 $ 1178 $

672 - حبس الثمرات : وإذا كانت العين المحبوسة تنتج غلة أو ثمرات ، فليس للحائز إلا حبسها ، وليس له حق امتياز عليها ، شأنها فى ذلك شأن العين نفسها ( [2250] ) . وسنرى فى واجبات الحابس أنه لا يلتزم باستغلال العين إلا إذا كانت بطبيعتها تنتج غلة . فإذا باع الحابس الغلة للتنفيذ عليها ، فقد حقه فى حبسها ، كما رأيناه يفقد هذا الحق إذا ما نفذ على العين .

ولكن إذا كانت الغلة معرضة للتلف ، جاز للحائز استئذان القاضى فى بيعها ويقوم ثمنها مقامها فيبقى حابساً له حتى يستوفى حقه ( [2251] ) ، ولكن لا يتقدم فى هذا الثمن على سائر المدينين ، بل يقاسمونه فيه مقاسمة الغرماء إذا أراد التنفيذ عليه بحقه . ويتبين من ذلك أن هناك فرقاً بين أن يبيع الحابس الثمرات استيفاء لحقه وفى هذه الحالة يقاسمه الدائنون مقاسمة الغرماء ، وبين أن يبيع الثمرات بإذن من القاضى لأنها معرضة للتلف وفى هذه الحالة يبقى حابساً للثمن الذى يقوم مقام الثمرات ، فإذا ما نفذ على الثمن وهو محبوس فى يده زاحمه الغرماء ( [2252] ) .

 $ 1179 $

المطلب الثانى

علاقة حابس العين بالغير

673 - الدائنون العاديون : رأينا فيما قدمنا أن ورثة المالك يحلون محله ولا يعتبرون من الغير ، فيسرى الحبس فى حقهم كما كان يسرى فى حق المالك مورثهم . أما الدائنون العاديون للمالك فهؤلاء يعتبرون من الغير ، ولكن مع ذلك يسرى الحبس فى حقهم أيضاً كما يسرى فى حق المالك . فلو أن دائناً عادية للمالك – أيا كان تاريخ دينه وسواء كان متأخراً عن تاريخ ثبوت الحق فى الحبس أو متقدما على هذا التاريخ ( [2253] ) - أراد أن ينفذ بحقه على العين المحبوسة ، فباع العين جبراً فإن الحائز يستبقى حقه فى الحبس فى مواجهة هذا الدائن وفى مواجهة المشترى الراسى عليه المزاد - وهو أيضاً يعتبر من الغير – إلى أن يستوفى حقه كاملاً ( [2254] ) . ولو كان الحكم غير ذلك لفقد الحق فى الحبس أهميته ، إ كان أى دائن للمالك يستطيع أن يبيع العين جبراً فيفقد الحابس حقه فى الحبس .

هذا هو مبلغ نفاذ الحق فى الحبس فى مواجهة الدائن العادى . وقد يؤدى ذلك من الناحية العملية ، كما قدمنا ، إلى أن يستوفى الحائز حقه كاملاً قبل سائر الدائنين ( [2255] ) ، ولكن ليس للحائز من الناحية القانونية ، كما سبق القول ، أى امتياز على العين المحبوسة .

 $ 1180 $

674 - الخلف الخاص : وهو كل من انتقلت إليه ملكية العين المحبوسة من المالك ، أو انتقل إليه منه حق عينى على العين المحبوسة . وذلك أن الحبس لا يعطل حق المالك فى التصرف فى ملكه فله أن يبيع العين وهى محبوسة فى يد الحائز ، وله أن يرتب عليها حق رهن أو حق انتفاع أو حق ارتفاق أو غير ذلك من الحقوق العينية .

فإذا كانت العين المحبوسة عقاراً ، فإن المشترى من المالك والدائن المرتهن وصاحب حق الانتفاع أو حق الارتفاق أو غير ذلك من الحقوق العينية يجب عليهم أن يشهروا حقوقهم . فإن كانوا قد شهروا حقوقهم قبل أن يثبت للحائز الحق فى حبس العين ، لم يسر هذا الحق فى مواجهتهم ، فإن حقوقهم إذن أن يحبس عنهم العين . وإن كانوا قد شهروا حقوقهم بعد أن ثبت للحائز الحق فى حبس العين ( [2256] ) ، فإن هذه الحقوق العينية لا تنفذ فى حق الحابس ، ويستطيع هذا يتمسك بحقه فى الحبس فى مواجهة المشترى أو الدائن أو أى صاحب حق عينى آخر . ولو قلنا بغير ذلك وبأن الحبس لا يسرى فى حق هؤلاء فى هذه الحالة ، لسهل على المالك أن يتهرب من الحبس ببيعه العين أو بترتيب حق عينى عليها ، فيسقط الحبس فى حق من تصرف له المالك .

أما إذا كانت العين المحبوسة منقولاً ، فإن الحق فى الحبس يسرى فى حق من ترتبت لهم حقوق عينية بعد الحبس . ويسرى كذلك فى حق من ترتبت لهم حقوق عينية قبل الحبس إذا كان الحابس حسن النية أى لا علم له بهذه الحقوقن يتمس ، لأن الحبس يتضمن الحيازة والحيازة بحسن نية فى المنقول لها هذا الأثر كما هو معروف ( [2257] ) .

 $ 1181 $

بقى أن يكون سبب الحبس هو إنفاق مصروفات على العين . ففى هذه الحالة وحدها يسرى الحق فى الحبس على الخلف الخاص دائماً ، سواء كانت العين المحبوسة منقولاً أو عقاراً ، وسواء كان حق الخلف الخاص قد شهر بعد ثبوت الحق فى الحبس أو قبل ذلك إن كانت العين عقاراً . ذلك أن إنفاق المصروفات على العين قد أفادها فى ذاتها ، فأفاد تبعاً لذلك كل من يطالب باستردادها ولو كان حقه ثابتاً قبل إنفاق هذه المصروفات . ويصدق ذلك على المنقول ، حتى لو كان الحابس سيئ النية ( [2258] ) .

المبحث الثانى

واجبات الحابس للعين

675 - واجبات ثلاثة : رأينا أن الفقرة الثانية من المادة 247 تقول : " وعلى الحابس أن يحافظ على الشئ وفقاً لأحكام رهن الحيازة ، وعليه أن $ 1182 $ يقدم حساباً عن غلته " . فهناك إذن واجبان على الحابس : المحافظة على الدين المحبوسة ، وتقديم حاسب عن غلتها . يضاف إلى هذين الواجبين واجب ثالث ، هو رد العين المحبوسة إلى صاحبها عند انقضاء الحق فى الحبس .

676 - المحافظة على العين المحبوسة : يلتزم الحابس بالمحافظة على العين المحبوسة وفقاً لأحكام رهن الحيازة . وأحكام رهن الحيازة فى هذه المسألة مبسوطة فى المادة 1103 ، وهى تنص على أنه " إذا تسلم الدائن المرتهن الشئ المرهون ، فعليه أن يبذل فى حفظه وصيانته من العناية ما يبذله الشخص المعتاد ، وهو مسئول عن هلاك الشئ أو تلفه ما لم يثبت أن ذلك يرجع لسبب أجنبى لا يد له فيه " . فالمرتهن حيازة ملتزم بالمحافظة على العين المرهونة ، والتزامه هذا هو التزام ببذل عناية لا التزام بتحقيق غاية . ومقدار العناية المطلوب منه أن يبذله فى المحافظة على العين المرهونة هو عناية الشخص المعتاد ، وهو كما نرى معيار موضوعى لا ذاتى . ثم أنه ملتزم برد العين المرهونة عند انقضاء الرهن ، والتزامه هذا – على النقيض من التزامه بالمحافظة على العين – هو التزام بتحقيق غاية لا التزام ببذل عناية . ومن ثم فهو مسئول ، إذا لم يرد العين المرهونة لهلاك أو لتلفن عن التعويض ، ما لم يثبت أن الهلاك أو التلف يرجع إلى سبب أجنبى ( [2259] ) .

والذى يعنينا هنا هو الالتزام بالمحافظة على العين لا الالتزام بالرد . فالحابس ، كما قدمنا ، ليلتزم بالمحافظة على العين المحبوسة ، والتزامه هو التزام ببذل عناية ، هى عناية الرجل المعتاد . مصدر هذا الالتزام هو القانون ، وقد رتب القانون الالتزام على واقعة مادية هى حبس العين .

فإذا قصر الحابس عن بذل هذه العناية ، اعتبر هذا خطأ منه ، وتحققت مسئوليته التقصيرية ، وأصبح ملزماً بالتعويض . ويعتبر مقصراً لو نزل عن عناية الرجل المعتاد ، حتى لو لم ينزل عن العناية التى يبذلها هو فى حفظ ماله . فلو كانت العين المحبوسة سيارة أو داراً ، وكان الحابس معروفاً بالإهمال والتقصير ، وترك $ 1183 $ السيارة دون صيانة حتى أصيبت بتلف فى بعض أجهزتها ، أو ترك الدار دون ترميم حتى تخرب بعض أجزائها ، كان مسئولاً عن التعويض ، ولا يدفع عنه المسئولية أن يثبت أنه يفعل ذلك فيما هو مملوك له ويهمل هذا الإهمال فى صيانة سيارته أو داره . ذلك أن مقدار العناية المطلوب منه هو, كما قدمنا ، عناية الرجل المعتاد لا عنايته الشخصية ، والرجل المعتاد لا يأتى مثل هذا الإهمال . فإذا بذل عناية الرجل المعتاد برئت ذمته من المسئولية ، حتى لو تعيبت العين المحبوسة فى يده ، وثبت أن الحابس يبذل فى المحافظة على ماله عناية أكبر من عناية الرجل المعتاد وأنه لو بذل مثل هذه العناية فى المحافظة على العين المحبوسة لما تعيبت ، فليس يطب منه أكثر من عناية الرجل المعتاد ، ارتفعت هذه العناية أو نزلت عن عنايته الشخصية بحفظ ماله ( [2260] ) .

وقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 247 على إجراء خاص يتخذه الحابس ، وهو مرتفع عن التزامه بالمحافظة على العين المحبوسة ، فقضت بأنه " إذا كان الشئ المحبوس يخشى عليه الهلاك أو التلف ، فللحابس أن يحصل على إذن من القضاء فى بيعه وفقاً للأحكام المنصوص عليها فى المادة 1119 ، وينتقل الحق فى الحبس من الشئ إلى ثمنه " ( [2261] ) . وهذا الإجراء فيه مصلحة مشتركة لكل من الحابس والمالك . فلو أن العين المحبوسة كانت مأكولاً أو مشروباً مما يسرع إليه من التلف ، فمن مصلحة الحابس محافظة على ضمانه أن يستأذن فى بيعها ، وكذلك من مصلحة المالك محافظة على ملكه أن يطلب بيعها . لذلك نرى – قياساً على ما جاء فى المادة 1119 المشار إليها فى النص – أن لكل من الحائز والمالك أن يطلب بيع العين المحبوسة فى هذه الحالة ، بل أن الحائز يجب عليه ، إذا أيقن أن العين تهلك أو تتلف فو احتفظ بها ، أن يبادر إلى اتخاذ إجراءات البيع ، وإلا كان مقصراً فى المحافظة على الشئ ، فإن هذا الإجراء هو ما يبادر إليه $ 1184 $ الرجل المعتاد فى المحافظة على ماله . وأكثر ما يتحقق ذلك فى المنقول ، فإن العقار قل أن يخشى عليه الهلاك أو التلف . وإجراءات البيع هى المذكورة فى المادة 1119 ، فى رهن المنقول رهن حيازة إذا خيف على الشئ المرهون الهلاك أو التلف ، وتجرى هذه المادة على الوجه الآتى : " 1 - إذا كان الشئ المرهون مهدداً بالهلاك أو التلف أو نقص القيمة بحيث يخشى أن يصبح غير كاف لضمان حق الدائن ، ولم يطلب الراهن رده إليه مقابل شئ آخر يقوم بدله ، جاز للدائن أو للراهن أن يطلب من القاضى الترخيص له فى بيعه بالمزاد العلنى أو بسعره فى البورصة أو السوق . 2 - ويفصل القاضى فى أمر إيداع الثمن عند الترخيص فى البيع ، وينتقل حق الدائن فى هذه الحالة من الشئ إلى ثمنه " . والإذن يكون أمراً على عريضة تتبع فيه الإجراءات المقررة فى مثل هذه الأوامر . ويكون البيع ، كما تقرر المادة 1119 ، بالمزاد العلنى وفقاً للإجراءات المقررة فى البيوع الجبرية ، فإذا كان للعين سعر معروف فى البورصة أو الأسواق التجارية بيع بهذا السعر دون حاجة إلى إجراءات المزاد العلنى . ولا يعتبر طلب الحبس بيع العين فى هذه الحالة تنفيذاً على العين ، وإلا لفقد حقه فى الحبس كما قدمنا . وإنما يعتبر هذا الإجراء ضرورياً للمحافظة على العين من الهلاك أو التلف ، فلا يفقد الحابس حقه فى الحبس ، ولكن ينتقل هذا الحق من الشئ إلى ثمنه كما تقول كل من المادتين 247 و 1119 . وهذا معناه أن الثمن يحل حلولاً عينياً محل العين المحبوسة ، وهذه حالة من حالات الحلول العينى نص عليها القانون . ويعين القاضى الجهة التى يودع فيها الثمن ، فقد تنكون خزانة المحكمة ، وقد تكون جهة الحابس نفسه ، وقد يودع الثمن عند أمين ( [2262] ) .

677 - تقديم الحساب عن الغلة : فى رهن الحيازة يلتزم المرتهن باستغلال العين المرهونة استغلالاً كاملاً ، ثم يخصم الغلة من الدين ، وقد نصت المادة 1104 من التقنين المدنى فى هذا الصدد على ما يأتى : " 1 - ليس للدائن $ 1185 $ أن ينتفع بالشئ المرهون دون مقابل . 2 - وعليه أن يستثمره استثماراً كاملاً ما لم يتفق على غير ذلك . 3 - وما حصل عليه الدائن من صافى الريع وما استفاده من استعمال الشئ يخصم من المبلغ المضمون بالرهن ولو لم يكن قد حل أجله ، على أن يكون الخصم أولاً من قيمة ما أنفقه فى المحافظة على الشئ وفى الإصلاحات ، ثم من المصروفات ، ثم من أصل الدين " .

وقد رأينا أن الحابس ، خلافاً للدائن المرتهن رهن حيازة ، ليس له أن يتسولى على الثمرات يخصمها من الدين ، بل كل ما له هو أن يحبسها مع العين حتى يستوفى حقه ، وقد يبيعها إذا كان يخشى عليها الهلاك أو التلف ويحبس الثمن كما سبق القول . وكما أن الحابس ليس له أن يتملك الثمرات خصماً من الدين ، كذلك ليس عليه ، خلافاً للدائن المرتهن رهن حيازة ، التزام باستغلال العين المحبوسة . قد كان المشروع التمهيدى لنص المادة 247 يجرى على الوجه الآتى : " . . . وعلى الحابس أن يحافظ على الشئ وأن يقدم حساباً عن غلته وفقاً للأحكام التى تسرى فى حق الدائن المرتهن حيازة . " وفى لجنة المراجعة لوحظ أن النص على هذا النحو يقرر التزاماً فى ذمة الحابس باستغلال العين استغلالاً كاملاً على الوجه المقرر فى شأن الدائن المرتهن رهن حيازة ، ورؤى أنه يحسن عدم تقرير هذا الالتزام ، فعدل النص على الوجه الآتى : " وعلى الحابس أن يحافظ على الشئ وفقاً لأحكام رهن الحيازة ، وعليه أن يقدم حساباً عن غلته ( [2263] ) " . فلم يرتب النص فى شأن الغلة إلا التزاماً بتقديم الحساب ، ولم يجعله خاضعاً لأحكام رهن الحيازة كما جعل التزام المحافظة على الشئ لئلا يكون هناك التزام فى ذمة الحابس باستغلال العين المحبوسة .

ولكن الالتزام بتقديم الحساب عن الغلة يقتضى بطبيعة الحال أن يقبض لحابس هذه الغلة ويحبسها ، ثم يقدم حساباً عنها للمالك ( [2264] ) . فالعين إذا كانت بطبيعتها تنتج غلة ، كأرض تزرع أو دار تسكن أو أوراق مالية تنتج أرباحاً ، فعلى الحابس أن يستمر فى زراعة الأرض ، وسكنى الدار أو إيجارها ، وقبض $ 1186 $ أرباح الأوراق المالية ، وما إلى ذلك . وله أن يحبس هذه الغلة حبسه للعين ذاتها ، وعليه أن يقدم حساباً غن الغلة إلى المالك عند انقضاء الحق فى الحبس ، فيرد له العين وغلتها . أما إذا كانت العين لا تنتج بطبيعتها غلة ، كسيارة أو ساعة أو أثاث أو نحو ذلك ، فلا يلتزم الحابس باستغلالها ، بل يبقيها عنده دون استغلال مع المحافظة عليها وصيانتها على النحو الذى قدمناه ( [2265] ) .

678 - رد العين المحبوسة : ويلتزم الحابس أخيراً برد العين المحبوسة للمالك عند انقضاء الحق فى الحبس . وهذا الالتزام يختلف مصدره باختلاف العلاقة السابقة فيما بين الحابس والمالك . فقد يكون مصدره العقد ، كما فى حبس البائع للمبيع حتى يستوفى الثمن ، فإذا ما استوفاه انقضى حقه فى الحبس ووجب عليه تسليم المبيع إلى المشترى ، ومصدر الالتزام بالتسليم هو عقد البيع . وقد يكون مصدره غير العقد ، كما إذا حاز شخص أرضاًً مملوكة للغير وبنى عليها أو غرس ، ثم حسبها حتى يستوفى حقه فى التعويض ، فهو بعد استيفائه حقه ملزم برد الأرض إلى صاحبها ، ومصدر الالتزام هنا هو الإثراء بلا سبب . وأياً كانت علاقة المالك بالحابس ، فإن المالك يستطيع دائماً ، باعتباره مالكاً ، أن يرفع على الحابس بعد انقضاء الحق فى الحبس دعوى عينية باستحقاق العين .

ونرى من ذلك أن التزام الحابس برد العين بعد انقضاء الحق فى الحبس لا يرجع إلى الحبس ذاته ، فالحبس مجرداً واقعة مادية لا ترتب التزاماً على الحابس برد العين إلى صاحبها . ولكن إذا انقضى الحبس ، فقد زال المانع الذى كان يحول دون الرد ، فيعود الالتزام بالرد فى ذمة الحابس وفقاً للعلاقة القانونية التى كانت تربطه بالدائن قبل الحبس .

ومن هنا نتبين الفرق بين الحبس ورهن الحيازة . ففى رهن الحيازة يلتزم الدائن المرتهن برد العين المرهونة بموجب عقد الرهن ذاته ، ويكون مسئولاً عن الهلاك $ 1187 $ والتلف إلا إذا أثبت السبب الأجنبى ، فالالتزام بالرد التزام بتحقيق غاية مصدره العقد . أما الحابس فيرجع التزامه بالرد إلى العلاقة التى كانت بينه وبين المالك قبل الحبس كما سبق القول ، وهذه العلاقة هى التى تحدد مدى الالتزام بالرد ، ومن يحمل تبعة الهلاك وما إلى ذلك ، ومن ثم لا يكون هناك محل لتطبيق أحكام رهن الحيازة فى التزام الحابس بالرد ( [2266] ) .

الفرع الثالث

انقضاء الحق فى الحبس

679 - النصوص القانونية : تنص المادة 248 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " 1 - ينقضى الحق فى الحبس بخروج الشئ من يد حائزه أو محرزه " .

 " 2 - ومع ذلك يجوز لحابس الشئ إذا خرج الشئ من يده خفية أو بالرغم من معارضته ، أن يطلب استرداده ، إذا هو قام بهذا الطلب خلال ثلاثين يوماً من الوقت الذى علم فيه بخروج الشئ من يده وقبل انقضاء سنة من وقت خروجه ( [2267] ) " .

ولا مقابل لهذا النص فى التقنين المدنى السابق ، ولكن الحكم ليس إلا تطبيقاً $ 1188 $ للقواعد العامة ، والذى زاده نص التنين الجديد أنه نظم المواعيد التى يجوز استرداد الحيازة فيها ( [2268] ) .

ويقابل النص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المادة 249 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 284 ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 251 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المادة 273 ( [2269] ) .

ويعرض النص لأحد أسباب انقضاء الحق فى الحبس ، وهو خروج العين من يد الحابس ، لتنظيمه تنظيماً خاصاً . وإذا استعرضنا جميع أسباب الانقضاء ، أمكن تقسيمها إلى قسمين : انقضاء الحق فى الحبس بطريق تبعى ، وانقضائه بطريق أصلى .

المبحث الأول

انقضاء الحق فى الحبس بطريق تبعى

680 - انقضاء الحق فى الحبس بانقضاء الحق المضمون به : الحق فى الحبس إنما شرع لتأمين حق للحابس فى ذمة مالك العين المحبوسة . فإذا انقضى حق الحابس فى ذمة المالك ، انقضى الحق فى الحبس تبعاً لذلك . وهذا هو الانقضاء $ 1189 $ بطريق تبعى . مثل ذلك أن يستوفى الحابس المصروفات التى أنفقها على العين المحبوسة ، فلا يعود هناك محل لبقاء العين محبوسة فى يده ، ويجب أن يردها للمالك ( [2270] ) .

وينقضى حق الحابس فى ذمة المالك بأى سبب من أسباب انقضاء الالتزام فقد ينقضى بالوفاء ، وهذا هو السبب الغالب المألوف . وينقضى أيضاً بما يقوم مقام الوفاء ، كالتجديد والمقاصة واتحاد الذمة . وينقضى أخيراً من غير وفاء أصلاً ، كما إذا أبرأ الحابس المالك أو سقط الحق من جراء استحالة تنفيذه لسبب أجنبى .

فإذا انقضى حق الحابس فى ذمة المالك بالوفاء أو بغيره ، لم يزل الحق فى الحبس إلا إذا انقضى الحق كله . أما إذا بقى جزء منه ، فإن العين تبقى محبوسة فى هذا الباقى ( [2271] ) . وقد قدمنا أن الحق فى الحبس غير قابل للتجزئة ( [2272] ) .

681 - عدم الانقضاء بالتقادم : ويلاحظ أن الحق الذى للحابس فى ذمة المالك ، ما دامت العين محبوسة فى هذا الحق ، لا يتقادم ، إذ $ 1190 $ حبس العين فيه يمنع من تقادمه . والحق فى الحبس نفسه لا يزول بالتقادم ، لأن الحبس حالة مادية مستمرة لا يتصور فيها التقادم . ومن ثم لا يمكن انقضاء الحق فى ا لحبس بالتقادم ، لا بتقادمه هو ولا بتقادم الحق المضمون به ( [2273] ) .

المبحث الثانى

انقضاء الحق فى الحبس بطريق أصلى

682 - أسباب الانقضاء بطريق أصلى : وقد ينقضى الحق فى الحبس وحده - دون الحق المضمون به – بطريق أصلى . ويتحقق ذلك فى الأحوال الآتية :

( أولاً ) تقديم تأمين كاف للوفاء بالحق المضمون بالحبس ( م 246 فقرة أولى مدنى ) .

( ثانياً ) هلاك العين المحبوسة .

( ثالثاً ) عدم قيام الحابس بالتزامه من المحافظة على العين المحبوسة .

( رابعاً ) نزول الحابس عن حقه فى الحبس ، وأكثر ما يكون ذلك بخروج العين من يد الحابس طوعاً وهذه هى الحالة التى عرضت لها المادة 248 من التقنين المدنى .

683 - تقديم تأمين كاف للوفاء بالحق المضمون بالحبس : هذا السبب لانقضاء الحق فى الحبس بطريق أصلى منصوص عليه صراحة فى آخر الفقرة الأولى من المادة 246 من التقنين المدنى ، فقد جاء فى هذا النص أن الحبس يكون جائزاً " ما دام الدائن ( أى مالك العين ) لم يقم بتقديم تأمين كاف $ 1191 $ للوفاء بالتزامه هذا " . وذلك أن الغرض من الحق فى الحبس هو تأمين الحابس على حقه فى ذمة المالك ، فإذا استطاع المالك أن يقدم له تأميناً آخر كافياً – كفالة أو رهنا أو نحو ذلك ( [2274] ) - لم يعد هناك مقتض للاستمرار فى حبس العين . والقاضى هو الذى يبت فيما إذا كان التأمين الذى يقدمه المالك كافياً ، عند الخلاف فى ذلك ( [2275] ) .

وقد وردت تطبيقات تشريعية لهذا السبب من الانقضاء . من ذلك ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 605 من التقنين المدنى ، فى صدد حق المستأجر فى حبس العين المؤجرة حتى يستوفى التعويض المستحق له عند بيع العين ، من أن المستأجر لا يجبر " على الإخلاء إلا بعد أن يتقاضى التعويض من المؤجر أن ممن انتقلت إليه الملكية نيابة عن المؤجر ، أو بعد أن يحصل على تأمين كاف للوفاء بهذا التعويض " . ومن ذلك أيضاً ما نصت عليه المادة 982 ، فى صدد جواز تقسيط ما يترتب فى ذمة المالك للحائز بسبب المصروفات ، من أن للقاضى " أن يقضى بأن يكون الوفاء على أقساط دورية بشرط تقديم الضمانات اللازمة " . ومن ذلك أخيراً ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 457 ، فى صدد حق المشترى فى حبس الثمن ، من أنه " إذا تعرض أحد للمشترى مستنداً إلى حق سابق على البيع أو آيل من البائع ، أو إذا خيف على المبيع أن ينزع من يد المشترى ، جاز له ما لم يمنعه شرط فى العقد أن يحبس الثمن حتى ينقطع التعرض $ 1192 $ أو يزول الخطر . ومع ذلك يجوز للبائع فى هذه الحالة أن يطالب باستيفاء الثمن على أن يقدم كفيلاً " .

على أن هناك حالة من حالات الحبس صرح المشرع استثناء بعد جواز انقضاء الحق فى الحبس فيها بتقديم تأمين يحل محل الحبس ، وهذه هى حالة حبس البائع للمبيع حتى يستوفى الثمن . فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 459 من التقنين المدنى على أنه " إذا كان الثمن كله أو بعضه مستحق الدفع فى الحال ، فللبائع أن يحبس المبيع حتى يستوفى ما هو مستحق له ، ولو قدم المشترى رهناً أو كفالة ، هذا ما لم يمنح البائع المشترى أجلاً بعد البيع " . ففى هذه الحالة وحدها لا ينقضى الحق فى الحبس بتقديم تأمين كاف ، وهذا استثناء من القاعدة العامة التى بسطناها ورد بصريح النص ، ويبرره أن البائع ليس فى حاجة إلى تأمين فإن له حق امتياز على المبيع ، وإنما هو فى حاجة إلى حبس المبيع بالذات للضغط على المشترى حتى يوفى له بالثمن ، كما سبق القول ( [2276] ) .

684 - هلاك العين المحبوسة : وإذا هلكت العين المحبوسة ، انقضى الحق فى الحبس بداهة لانعدام المحل . والهلاك إما أن يكون بخطأ الحابس ، وفى هذه الحالة يكون مسئولاً عن التعويض ، وإما أن يكون لسبب أجنبى عن فعل الحابس ، وفى هذه الحالة تهلك العين على مالكها حتى لو كان الحابس ملتزماً بموجب عقد أن يسلمها للمالك . وقد طبقت المادة 460 من التقنين المدنى هذا الحكم ، فنصت على أنه " إذا هلك المبيع فى يد البائع وهو حابس له ، كان الهلاك على المشترى ، ما لم يكن المبيع قد هلك بفعل البائع ( [2277] ) " .

 $ 1193 $

وإذا هلكت العين فاستحق عنها تعويض أو مبلغ تأمين ، ففى رأينا أن التعويض أو مبلغ التأمين يحل محل العين ، ويكون للدائن حبسه محل العين التى هلكت ، قياساً على حالة بيع العين إذا خيف عليها الهلاك أو التلف وحبس الثمن . وتكون هذه حالة من حالات الحلو العينى لم يرد فيها نص صريح ، وقد رأينا حالة مماثلة فى بيع الثمرات التى يخشى عليها التلف وحبس ثمنها ( [2278] ) . ومن الفقهاء من يذهب إلى أن الحلو العينى لا يكون إلا بنص ، ومن ثم لا يجوز للدائن أن يحبس التعويض أو مبلغ التأمين بدلاً من العين التى هلكت ( [2279] ) .

 $ 1194 $

أما بيع العين المحبوسة فيختلف فى الحكم عن هلاكها . ذلك أن البيع إن اقتضته الضرورة لأن العين يخشى عليها الهلاك أو التلف ، فقد قدمنا أن الحق فى الحبس لا ينقضى ، بل ينتقل من العين إلى الثمن . وإن أوقع البيع أحد الدائنين غير الدائن الحابس تنفيذاً على العين ، فإن رسو المزاد لا يقضى الحق فى الحبس كما أسلفنا القول ( [2280] ) . أما إذا أوقع البيع الدائن الحابس نفسه تنفيذاً على العين ، فإن هذا يعتبر نزولاً منه عن حقه فى الحبس ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك .

685 - إخلال الحابس بالتزامه من المحافظة على العين : قدمنا أن الحابس يلتزم بالمحافظة على العين ، وعليه أن يبذل فى ذلك عناية الرجل المعتاد . فإذا أخل بهذا الالتزام إخلالاً خطيراً ، جاز للمالك أن يطلب من القضاء إسقاط حقه فى الحبس لتعسفه فى استعمال هذا الحق . وليس فى هذا إلا تطبيق للقواعد العامة ( [2281] ) .

686 - نزول الحابس عن حقه فى الحبس – خروج العين طوعاً من يديه : وقد ينزل الحابس عن حقه فى الحبس قبل أن يستوفى ما له فى ذمة المالك ، فيزول هذا الحق بطريق أصلى . وأكثر ما يتحقق ذلك بأن يتخلى الحابس عن حيازة العين المحبوسة طوعاً ( [2282] ) . فإذا خرجت الحيازة من يده على هذا لوجه زال حقه $ 1195 $ فى الحبس ، ولا يستطيع أن يسترد حيازة العين بعد ذلك ( [2283] ) . ويتحقق ذلك فى صورة عملية بأن ينفذ الحابس على العين المحبوسة بحقه ، فيتخذ إجراءات البيع الجبرى ، ويجب عليه فى هذه الحالة عند رسو المزاد على مشتر أن يسلمه العين ، لأن فى التنفيذ عليها من جانبه نزولاً ضمنياً منه عن حقه فى الحبس ( [2284] ) ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك .

وإذا كان خروج الشئ من يد الحابس طوعاً يستخلص منه نزول ضمنى عن حقه فى الحبس ، فإن خروج الشئ من يده خفية أو عنوة أو بالرغم من معارضته لا يمكن أن يفهم منه أنه نزل عن هذا الحق . فإذا اختلس المالك أو أجنبى العين من يد الحابس خفية ، أو اغتصبها منه رغماً عنه ، أو أخذها بالرغم من معارضته ، فإن حقه فى الحبس لا يزول بذلك ( [2285] ) . بل له أن يسترد حيازة $ 1196 $ العين ، بشرط أن يطلب ردها فى أقصر الأجلين ، إما قبل انقضاء ثلاثين يوماً من الوقت الذى علم فيه بخروج العين من يده ( [2286] ) ، وإما قبل انقضاء سنة من وقت خروج العين من يده ( [2287] ) .

واسترداد الحيازة على هذا النحو جائز ، حتى لو أن من اختلس الحيازة أو اغتصبها نقلها بعد ذلك إلى حائز حسن النية ، إذ أن الحيازة ولو بحسن نية لا تجب سرقة الضمان ( vol de gage ) ( [2288] ) . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " ليس الحبس ، على وجه الإجمال ، إلا حيازة الشئ حيازة فعلية ، ولذلك كان طبيعياً أن ينقضى بفقد هذه الحيازة . ولكن ينبغى أن يكون هذا الفقد إدارياً . فإذا خرج الشئ من يد محتبسه خفية أو انتزع منه رغم معارضته ، ظل حقه فى الحبس قائماً ، وكان له أن يسترده $ 1197 $ ولو من يد حائز حسن النية ، باعتبار أن الأمر ينطوى على سرقة ضمان . على أن حق الاسترداد هذا ، وإن كان جزاء يكفل حماية الحق فى الحبس ، إلا أن من واجب المحتبس أن يستعمله فى خلال ثلاثين يوماً من وقت علمه بخروج الشئ من يده ( قارن حق المستأجر فى استرداد المنقولات التى تخرج من حيازته فى خلال ثلاثين يوماً ) ( [2289] ) " .

ويجب أن يسترد الحابس الحيازة القديمة التى فقدها حتى يعود إليه الحق فى الحبس ، أما إذا رجعت له حيازة العين بسبب جديد ، فإن حقه الأول فى الحبس يكون قد زال ، وتولد له حق جديد بالسبب الجديد ليس هو الحق الأول ( [2290] ) .

ويلاحظ أنه إذا خرجت الحيازة من يد الحابس ولو خفية أو عنوة ، فإن الحق فى الحبس يزول مؤقتاً ما دام الحائز لم يسترد فعلاً الحيازة على النحو الذى أوضحناه . فإذا استرد الحيازة فى الميعاد ، عاد إليه الحق فى الحبس . وإن انقضى الميعاد دون أن يستردها ، زال نهائياً حقه فى الحبس . ومن ذلك نرى الفرق واضحاً بين الحق فى الحبس والحق العينى ، فالحق العينى ينطوى دائماً على حق تتبع ، ولا يزول بانتقال العين إلى الغير .

 $ 1198 $

الفصل الخامس

الإعسار ( [2291] )

( La deconfiture )

تمهيد

الإعسار المدنى والإفلاس التجارى

الإعسار فى التقنين المدنى السابق وفى التقنين المدنى الجديد

687 - مقومات الإفلاس التجارى : عندما ما يتوقف التاج عن دفع مستحق عليه ، يجوز شهر إفلاسه . وشهر الإفلاس أعنف طريق ينفذ به الدائن على أمال مدينه ، ولذلك اختص به التجار ، لما للائتمان فى المعاملات التجارية من أهمية خاصة ، ولأن التاجر دائنوه فى العادة كثيرون ومتفرقون ، فمن المصلحة أن يتحدوا فى جماعة ( union ) وأن يجروا تصفية أموال مدينهم التاجر تصفية جماعية تحقق المساواة الفعلية ما بين الدائنين .

ومن ثم كان تنظيم الإفلاس التجارى يقوم على أسس ثلاثة :

 $ 1199 $

( الأساس الأول ) ألا ينفرد أحد الدائنين دون الباقى بالاستئثار بمال المدين ، إلا إذا كان له على هذه المال حق خاص – رهن أو امتياز أو حبس أو نحو ذلك – يميزه فيه عن سائر الدائنين . فيتحقق إذن تحققاً فعلياً فى الإفلاس أن جميع أموال المدين ضامنة لالتزاماته ، لا فرق فى ذلك بين دائن ودائن .

( الأساس الثانى ) أن تغل يد المدين عن التصرف فى أمواله . فمنذ أن يشهر إفلاس التاجر لا يملك أن يتصرف فى ماله ، ويبقى كذلك إلى أن تنتهى التفليسة بالتصفية أو بالصلح . بل إن التاجر المفلس تقيد تصرفاته حتى قبل شهر الإفلاس ، ففى فترة الريبة ( Periode suspecte ) - من اليوم الذى تحدده المحكمة ميعاداً لتوقفه عن الدفع وعشرة أيام قبله – تكون بعض تصرفاته باطلة وبعضها قابلاً للإبطال ، على الوجه المعروف فى القانون التجارى .

( الأساس الثالث ) أن تصفى أمواله تصفية جماعية . والتصفيقة الجماعية هى المميز الجوهرى للإفلاس التجارى . ومعناها أولاً أن ترفع يد المدين عن أمواله ( desaisissement ) ، فتنتقل حيازة هذه الأموال وحراستها إلى سنديك ( syndic ) يمثل كل من الدائنين والمدين . ومعناها ثانياً ألا يباشر أى دائن إجراء فردياً للتنفيذ ( poursuite individuelle ) على أموال المدين ، بل تكون الإجراءات التى تتخذ للتصفية والتنفيذ إجراءات جماعية ( poursuite collective ) يتخذها السنديك باسم جميع الدائنين ، الذين يندمجون فى اتحاد ( masse, union ) تخلع عليه الشخصية المعنوية . ومن ثم تتحقق المساواة الفعلية التامة بين جميع الدائنين ، فتصفى أزال مدينهم وتباع لحسابهم جميعاً ، ثم يتقاسمون الثمن فيما بينهم قسمة الغرماء ، كل يأخذ نصيباً بقدر ما له من دين ، هذا ما لم تنته التفليسة بالصلح ( concordat ) بين الدائنين ومدينهم ، طبقاً للقواعد ووفقاً للإجراءات المرسومة فى القانون التجارى .

688 - مقارنة بين الإفلاس التجارى والوسائل المدينة التى تقدم ذكرها : الآن وقد ذكرنا مقومات الإفلاس التجارى ، نقارن بينه وبين الوسائل المدنية التى تكلف حقوق الدائنين ، من وسائل تمهد للتنفيذ على أموال المدين ووسائل ضمان . وهذه الوسائل المدنية هى التى ذكرناها من قبل : الدعوى غير $ 1200 $ المباشرة ، والدعوى البولصية ، والدعوى الصورية ، والحق فى الحبس ( [2292] ) .

لا تشترك هذه الوسائل الأربع مع الإفلاس التجارى فى مقوماته الثلاثة ، إلا فى واحد منها فقط هو الأول : عدم انفراد أحد الدائنين دون الباقى بالاستثمار بمال الدين . أما المقومان الآخران – غل يد المدين عن التصرف والتصفية الجماعية – فيتميز بها الإفلاس التجارى عن هذه الوسائل الأربع ، ولا تشترك فيها معه .

فالدعوى غير المباشرة يوجه الدائن فيها همه إلى مال للمدين يستخلصه من الضياع من جراء سوء نية هذا المدين أو إهماله ، تمهيداً للتنفيذ على هذا المال . والدائن لا ينفرد دون باقى الدائنين بالاستئثار بالمال ، بل يشاركه فيه سائر الدائنين مشاركة الغرماء كما قدمنا . وفى هذا تتفق الدعوى غير المباشرة مع الإفلاس التجارى . وتختلف عنه أولاً فى أن المدين ، على النقيض من التاجر المفلس ، لا تغل يده عن التصرف فى هذا المال ، بل يستطيع أن يتصرف فيه حتى فى أثناء قيام الدعوى غير المباشرة ، وليس للدائن من سبيل إلا الطعن فى هذا التصرف بالدعوى البولصية ، وقد تقدم بيان ذلك . وتختلف عنه ثانياً فى أن التنفيذ على المال الذى استخلصه الدائن عن طريق الدعوى غير المباشرة يكون بإجراءات فردية ، فالدائن الذى رفع الدعوى غير المباشرة لا بد فى التنفيذ من أن يتخذ إجراءات فردية للحجز ، ولكل دائن آخر أن يتخذ مثل هذه ا " لإجراءات أو أن يشترك فى الإجراءات التى سبق اتخاذها . فيجب على كل حال أن يتخذ الدائن الذى يريد التنفيذ على المال إجراءات فردية باسمه خاصة ، بل غن الدائن الذى يسبق الآخرين فى التنفيذ يستوفى حقه من هذا المال قبلهم ما داموا لم يدركوا التوزيع النهائى . وهذا بخلاف الإفلاس التجارى ، فالتصفية فيه كما قدمنا تصفية جماعية يتولاها السنديك باسم جميع الدائنين ، ولا يستطيع أحد منهم أن يتخذ إجراءات فردية يسبق بها الآخرين .

والدعوى البولصية يوجه الدائن فيها همه إلى مال للمدين سبق لهذا أن تصرف فيه إضراراً بحقوق الدائنين ، وذلك حتى يجعل هذا التصرف غير سار فى حق $ 11201 $ الدائنين ، تمهيداً للتنفيذ على المال الذى سبق التصرف فيه . الدائن فى التقنين المدنى الجديد ، لا ينفرد دون باقى الدائنين بالاستئثار بهذا المال ، بل يشاركه فيه سائر الدائنين مشاركة الغرماء . وفى هذا تتفق الدعوى البولصية مع الإفلاس التجارى ( [2293] ) . وتختلف عنه أولاً فى أن المدين لم تغل يده عن التصرف فى المال منذ البداية ، بل هو قد تصرف فيه فعلاً وكان لابد من الطعن فى هذا التصرف بالدعوى البولصية بعد توافر شروط معينة ، أما التاجر المفلس فتغل يده عن التصرف فى ماله منذ شهر إفلاسه ولا حاجة لتوافر أى شرط آخر غير شهر الإفلاس . وتختلف عنه ثانياً فى أن التنفيذ على المال الذى تصرف فيه المدين فى الدعوى البولصية يكون التنفيذ عليه من جهة الدائنين بإجراءات فردية على النحو الذى تقدم فى الدعوى غير المباشرة ، لا بإجراءات جماعية يقوم بها ممثل لاتحاد الدائنين كما هو الأمر فى الإفلاس التجارى .

ودعوى الصورية يوجه الدائن فيها همه إلى مال للمدين يستبقيه ، بعد أن تصرف فيه المدين تصرفاً صورياً ، فيكشف الدائن عن صورية التصرف تمهيداً للتنفيذ على هذا المال . والدائن لا ينفرد دون باقى الدائنين بالاستئثار بهذا المال ، بل يشاركه فيه سائر الدائنين مشاركة الغرماء . وفى هذا تتفق دعوى الصورية مع الإفلاس التجارى . وتختلف عنه أولاً فى أن المدين لا تغل يده عن التصرف المال تصرفاً جدياً ، بعد أن تصرف فيه تصرفاً صورياً ، فيجوز له بعد أن كشف دعوى الصورية عن صورية تصرفه الأول ، بل وقبل أن يتمكن الدائنين من التنفيذ عليه ، ولا سبيل للدائنين فى هذه الحالة غلا الطعن فى هذا التصرف الجدى بالدعوى البولصية . وتختلف عنه ثانياً فى أن التنفيذ على المال الذى كشف الدائن عن صورية التصرف فيه يكون بإجراءات فردية على النحو الذى تقدم فى الدعوى غير المباشرة وفى الدعوى البولصية ، لا بإجراءات جماعية يقوم بها السنديك ممثلاً لاتحاد الدائنين كما هو الأمر فى الإفلاس التجارى .

والحق فى الحبس يوجه الدائن فيه همه إلى مال للمدين محبوس تحت يده ، $ 1202 $ فيستبقيه محبوساً حتى يستوفى حقه . والدائن لا ينفرد دون باقى الدائنين بالاستئثار بهذا المال ، فهو إذا نفذ عليه وبيع فى المزاد العلنى شاركه فى ثمنه سائر الدائنين مشاركة الغرماء ، وقد تقدم بيان ذلك . وفى هذا يتفق الحق فى الحبس مع الإفلاس التجارى . ويختلف عنه أولاً فى أن المدين على النقيض من التاجر المفلس ، لا تغل يده عن التصرف فى المال المحبوس ، بل يستطيع أن يتصرف فيه وينفذ تصرفه فى حق الدائنين ، بل وفى حق الدائن الحابس نفسه إذا سبق التصرف الحبس على النحو الذى بسطناه فيما تقدم . ويختلف عنه ثانياً فى أن التنفيذ على المال المحبوس يكون بإجراءات فردية كما فى الدعوى غير المباشرة والدعوى البولصية ودعوى الصورية ، لا بإجراءات جماعية ، كما فى الإفلاس التجارى .

689 - الإفلاس التجارى والإعسار المدنى : وإذا كانت الوسائل المدنية الأربع التى تقدم ذكرها تقصر عن الإفلاس التجارى فى مقومين من مقوماته الثلاثة ، ولا تشترك معه إلى فى المقوم الأول كما رأينا ، فإن الإعسار المدنى ( deconfiture ) كما نظمه التقنين المدنى الجديد يتقدم خطوة على هذه الوسائل الأربع ، ويشترك مع الإفلاس التجارى ( faillite ) فى مقومين من مقوماته الثلاثة ، ويقصر عنه فى المقوم الثالث وحده .

يتفق الإعسار المدنى مع الإفلاس التجارى فى أن أحد الدائنين لا ينفرد دون الباقى فى الاستئثار بمال المدين . ويتفق معه أيضاً – وفى هذا يتميز الإعسار المدنى عن الوسائل المدنية الأربعة التى سبق ذكرها – فى أن يد المدين تغل عن التصرف فى أمواله منذ شهر الإعسار ، كما تغل يد المدين التاجر عن التصرفات فى أمواله منذ شهر الإفلاس .

ولكن يختلف الإعسار المدنى عن الإفلاس التجارى فى المقوم الثالث – وهو المقوم الجوهرى كما قدمنا – فلا يوجد فى الإعسار المدنى تصفية جماعية يقوم بها السنديك ممثلاً لاتحاد الدائنين كما هو الأمر فى الإفلاس التجارى ، بل يبقى أمر التنفيذ على أموال المدين كما هو فى الوسائل المدنية الأربع موكولاً إلى إجراءات فردية يقوم بها كل دائن باسمه خاصة ( [2294] ) .

 $ 1203 $

ومن ثم يوضع الإعسار المدنى إلى جانب الوسائل المدنية الأربع - الدعاوى الثلاث والحق فى الحبس – وسيلة من وسائل التنفيذ على أموال المدين . وهو لا يتميز عنها فى المقوم الجوهرى للإفلاس التجارى ، فهو مثلمها ليست فيه تصفيقة جماعية ولا محل فيه إلا لإجراءات فردية ، وإن كان يفوقها جميعاً فى أنه يغل يد المدين عن التصرف فى أمواله على النحو الذى سنبسطه فيما يلى :

690 - الإعسار فى التقنين المدنى السابق : لم ينظم التقنين المدنى السابق الإعسار ، وهذا بخلاف الإفلاس فقد نظمه التقنين التجارى تنظيماً دقيقاً مفصلاً . وقد يقال إن الإعسار ليس فى حاجة إلى التنظيم الذى لا بد منه فى الإفلاس ، لأن التجارة تقم على الائتمان فلا بد فيها من ضمانات قوية يطمئن إليها الدائنون ، وعلى رأس هذه الضمانات تنظيم إفلاس التاجر تنظيماً يحفظ على الدائنين حقوقهم ويكفل المساواة فيما بينهم ، وليست هذه الاعتبارات قائمة فى المعاملات المدنية بالقوة التى تقوم بها فى التعامل التجارى . ولكن المدين المعسر ، حتى فى المعاملات المدنية ، فى أشد الحاجة إلى تنظيم إعساره حماية له وللدائنين على السواء . وتزداد الحاجة إلى تنظيم الإعسار المدنى ، منذ يرتب القانون على هذا الإعسار نتائج هامة ( [2295] ) .

وقد سار التقنين المدنى السابق فى عدم تنظيمه للإعسار على نهج التقنين المدنى الفرنسى ، وأطلق يد المدين المعسر فى التصرف ، ولم يقيد من هذا الإطلاق إلا بقدر ما تسمح به الدعوى البولصية ، ولم يواجه المدين المعسر إلا عن طريق الدعاوى الثلاث المعروفة ، وهى وحدها لا تكفى فى تنظيم الإعسار . واستفاضت $ 1204 $ الشكوى من هذه الحالة فى فرنسا ( [2296] ) وفى مصر ( [2297] ) .

961 - تنظيم الإعسار فى التشريعات الحديثة : أما موقف التشريعات الحديثة من تنظيم الإعسار فيختلف اختلافاً بيناً عن موقف التقنين المدنى الفرنسى . فبعض هذه التشريعات – كما فى ألمانيا وانجلترا وهولندا والسويد والنرويج والدنمارك – لا تميز بين الإفلاس التجارى والإعسار المدنى ، فتجعل المدين المعسر ، التاجر وغير التاجر ، خاضعاً لنظام واحد هو نظام الإفلاس التجارى . ومن ثم عرفت هذه التشريعات الإفلاس المدنى ( faillite civile ) ، بل عرفت الإفلاس دون وصف نظاماً موحداً ، فالإفلاس عندها يتناول كلا من الإفلاس التجارى ( faillite ) والإعسار المدنى ( deconfiture ) ( [2298] ) . وعيب $ 1205 $ هذا النظام أنه يأخذ المدين المعسر بما يأخذ به التاجر المفلس من إجراءات لها ما يبررها فى التعامل التجارى ولكنها فى المعاملات المدنية تعتبر قاسية فى غير ضرورة .

وفى سويسرا نظم الإفلاس التجارى ، وترك الإعسار المدنى دون تنظيم موكولاً إلى إجراءات الحجز المعتادة . ولكن بعض طوائف المدينين المعسرين أخضعت لنظام الإفلاس التجارى على سبيل الإجبار ، وجعل للآخرين أن يختاروا هذا النظام فمن يشاء منهم ذلك يقيد اسمه فى سجل خاص ( [2299] ) . وعيب هذا النظام أنه لا يزال يترك الإعسار المدنى دون تنظيم ، ويقتصر على نقل بعض المدينين المعسرين إلى نظام الإفلاس التجارى ولا يتلاءم هذا النظام فى بعض إجراءاته مع ملابسات الإعسار المدنى .

ولعل النظم الأسبانى هو خير هذه النظم جميعاً ، فهو ينظم الإعسار المدنى تنظيماً مستقلاً عن تنظيم الإفلاس التجارى ، ويسير فى كل نظام وفقاً لمقتضياته . فالتاجر المفلس غير المزارع المعسر . الأول يتقيد باعتبارات جوهرية فى الائتمان التجارى تدعو إلى تنظيم إفلاسه تنظيماً دقيقاً يكفل الطمأنينة لدائنيه ويقر المساواة فيما بينهم ، فتصفى أمواله تصفيقة جماعية يقوم بها سنديك باسم جميع الدائنين . أما المزارع المعسر فليس فى حاجة إلى كل ذلك ، بل إن إقحام نظام الإفلاس التجارى فى شأنه ، وما ينطوى عليه من رفع يده عن أمواله وتعيين سنديك يتسلمها ويصفيها تصفية جماعية ، من شأنه أن يربك أعماله فى غير ضرورة . وبحسب الإعسار المدنى أن ينظم تنظيماً يكون من شأنه غل يد المدين عن التصرف ، $ 1206 $ فهذا هو القدر الضرورى لحماية الدائنين ، دون أن ترفع يده عن ماله ودون أن تتخذ إجراءات جماعية كثيرة النفقة شديدة التعقيد ، إن تطلبتها مقتضيات الائتمان التجارى فليست ملابسات الائتمان المدنى فى حاجة إليها ( [2300] ) . على أن النظام الإسبانى لا يفرق كثيراً بين تنظيم الإفلاس التجارى وتنظيم الإعسار المدنى من ناحية التصفية الجماعية ( [2301] ) . وهذا ما توقاه التقنين المدنى المصرى الجديد ، فقد جعل تنظيم الإعسار المدنى يختلف اختلافاً واضحاً عن تنظيم الإفلاس التجارى ، واقتصر فى الإعسار المدنى على الإجراءات الفردية كما سنرى ( [2302] ) .

 $ 1207 $

692 - تنظيم الإعسار فى التقنين المدنى الجديد - الإعسار الفعلى والإعسار القانونى : على أن المشروع التمهيدى للتقين المدنى الجديد كان يتضمن نصوصاً تنشئ نظاماً استثنائياً لتصفيقة جماعة فى الإعسار المدنى . ولما عرضت هذه النصوص للاستفتاء ،مال الرأى العام القانونى فى مصر إلى عدم الأخذ بهذا النظام الاستثنائى ، فحذفت النصوص المتعلقة به فى لجنة المراجعة ( [2303] ) .

واستبقيت النصوص التى تنظم الإعسار المدنى دون تصفيقة جماعية تنظيماً يتلاءم مع مقتضيات المعاملات المدنية . ولما كانت هذه النصوص تنظم الإعسار $ 1208 $ عن طريق شهره بموجب حكم قضائى ، فإن التقنين المدنى الجديد يكون قد أنشأ حالة قانونية منظمة للإعسار ، وانقلبت هذه الحالة – كما تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ( [2304] ) - " من مجرد أمر واقع يكتنفه التجهيل ، إلى نظام قانونى واضح المعالم بين الحدود " ( [2305] ) فأصبح التقنين المدنى الجديد يميز بين $ 1209 $ نوعين من الإعسار : الإعسار الفعلى ( insolvabilite ) والإعسار القانونى ( deconfiture ) . ويختلف الإعسار الفعلى عن الإعسار القانونى من وجوه عدة .

فإعسار الفعلى حالة واقعية ( etat de fait ) تنشأ عن زيادة دوين المدين – سواء كانت مستحقة الأداء أو غير مستحقة ما دامت محققة الوجود - على حقوقه . أما الإعسار القانونى فحالة قانونية ( etat de droit ) تنشأ من زيادة ديون المدين المستحقة الأداء على حقوقه ، ولابد من شهرها بموجب حكم قضائى يجعل المدين فى حالة إعسار ( etat de deconfiture ) .

والآثار التى يرتبها القانون على الإعسار القانونى قد لا يرتبها على الإعسار الفعلى . فسنرى أن سقوط الأجل ( م 255 فقرة أولى و 273 مدنى ) ، ومنع المدين من التصرف فى ماله ( م 257 مدنى ) ، وتعريضه لعقوبة التبديد فى حالتين معينتين ( م 260 مدنى ) ، وجواز إعطائه نفقة من إيراداته المحجوزة ( م 259 مدنى ) ، وعدم جواز الاحتجاج بحقوق الاختصاص فيما بين الدائنين ( م 256 فقرة 2 مدنى ) ، إنما يترتب ذلك كله على الإعسار القانونى ، لا على مجرد الإعسار الفعلى . أما انتهاء الشركة بإعسار أحد الشركاء ( م 528 فقرة أولى مدنى ) ، وجواز إنهاء العارية إذا أعسر المستعير بعد انعقادها أو كان معسراً قبل ذلك دون علم من المعير ( م 644 حرف حـ مدنى ) ، وتقديم كفيل موسر ( أى غير معسر ) إذا التزام المدين بتقديم كفيل ( م 744 مدنى ) ، وسقوط حق الدائن فى الرجوع على الكفيل إذا أعسر المدين ولم يتخذ الدائن الإجراءات اللازمة للمحافظة على حقوقه ( قياساً على وجوب تقدمه فى تفليسة المدين إذا أفلس : م 786 مدنى ) ، كل ذلك يترتب على الإعسار الفعلى دون حاجة إلى أن يكون الإعسار قانونياً . كذلك فى الدعوى غير المباشرة والدعوى البولصية استبقى التقنين المدنى الجديد الإعسار على ما كان عليه فى التقنين المدنى السابق ، إعساراً فعلياً لا إعساراً قانونياً ، مسايراً فى ذلك تقاليد هاتين الدعويين . وينهض لتوجيه هذا الرأى أن التقنين المدنى الجديد حدد على وجه الدقة المقصود بالإعسار فى الدعوى البولصية ، فنص فى المادة 239 على أنه " إذا ادعى الدائن $ 1210 $ إعسار المدين ، فليس عليه إلا أن يثبت مقدار ما فى ذمته من ديون ، وعلى المدين نفسه أن يثبت أن له مالاٍ يساوى قيمة الديون أو يزيد عليها " . فالمشرع هنا اعتبر المدين معسراً بمجرد ألا يكفى ماله للوفاء بجميع ديونه ، المستحقة وغير المستحقة ، بينما هو فى الإعسار القانونى لا يعتبر المدين معسراً إلا إذا كان ماله لا يكفى للوفاء بديونه المستحقة وحدها دون ديونه غير المستحقة . فالإعسار القانونى ، كما نرى ، حالة أشد إمعاناً فى الاستغراق بالدين من الإعسار الفعلى ، والتقنين المدنى الجديد صريح فى أنه يكتفى فى الدعوى البولصية – وتبعاً لذلك فى الدعوى غير المباشرة – بالإعسار الفعلى دون الإعسار القانونى ( [2306] ) .

وقد ينتهى الإعسار القانونى قبل أن ينتهى الإعسار الفعلى . ذلك أن الإعسار القانونى ينتهى بموجب حكم إذا وفى المدين المعسر ديونه الحالة ، وينتهى حتماً بقوة القانون إذا انقضت خمس سنوات على شهر الإعسار . فيتبين من ذلك أن الإعسار القانونى قد ينتهى ، ومع ذلك تبقى ديون المدين أكثر من حقوقه فيكون معسراً فعلاً ، وهكذا قد يتناوب المدين إعسار فعلى ينتقل منه إلى إعسار قانونى ليعود بعد ذلك إلى إعسار فعلى . وسيأتى بيان ذلك تفصيلاً فيما يلى .

وننتقل الآن ، بعد هذا التمهيد ، إلى بسط أحكام تنظيم الإعسار المدنى فى التقنين المدنى الجديد ، أى إلى الكلام فى حالة الإعسار القانونى . فنبحث : ( أولاً ) شهر حالة الإعسار ( ثانياً ) الآثار التى تتربت على حالة الإعسار ( ثالثاً ) انتهاء حالة الإعسار .

ونقصد فيما يلى ، إذا أطلقنا لفظ " الإعسار " ، الإعسار القانونى ، أى الإعسار كحالة قانونية منظمة ، فإذا أردنا الإعسار الفعلى صرحنا بذلك ( [2307] ) .

 $ 1211 $

الفرع الأول

شهر حالة الإعسار

693 - دعوى شهر الإعسار : لابد لثبوت حالة الإعسار ، من دعوى ترفع بذلك ، وحكم يصدر بشهر الإعسار . فوجب إذن أن نبحث أمرين : ( 1 ) طرفى دعوى الإعسار ( 2 ) إجراءات هذه الدعوى .

المبحث الأول

طرفا دعوى الإعسار

694 - النصوص القانونية : تنص المادة 249 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " يجوز أن يشهر إعسار المدين إذا كانت أمواله لا تكفى لوفاء ديونه المستحقة الأداء " .

وتنص المادة 250 على ما يأتى :

 " يكون شهر الإعسار بحكم تصدره المحكمة الابتدائية التى يتبعها موطن المدين ، بناء على طلب المدين نفسه أو طلب أحد دائنيه . وتنظر الدعوى على وجه السرعة " .

وتنص المادة 251 على ما يأتى :

 " على المحكمة فى كل حال قبل أن تشهر إعسار المدين أن تراعى فى تقديرها جميع الظروف التى أحاطت به ، سواء أكانت هذه الظروف عامة أم خاصة . $ 1212 $ فتنظر إلى موارده المستقبلة ، ومقدرته الشخصية ، ومسئوليته عن الأسباب التى أدت إلى إعساره ، ومصالح دائنيه المشروعة ، وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر فى حالته المالية " ( [2308] ) .

ولا مقابل لهذه النصوص فى التقنين المدنى السابق ، ولم يكن هذا التقنين ينظم الإعسار المدنى كما سبق القول .

وليس فى التقنينات المدنية العربية الأخرى ما نظم الإعسار المدنى إلا التقنينان السورى والعراقى . أما التقنين اللبنانى فقد ترك الإعسار المدنى دون تنظيم كما فعل التقنين المدنى الفرنسى . وكذلك شأن التقنين الليبى ، فقد غفل تنظيم الإعسار .

وتقابل النصوص السالفة الذكر فى التقنين المدنى السورى المواد من 250 $ 1213 $ إلى 252 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادتين 270 و 271 فقرة أولى ( [2309] ) .

ومن هذه النصوص يتبين أن المدعى عليه فى دعوى الإعسار هو المدين العسر دائماً ، أما المدعى فيكون فى الغالب أحد دائنيه وقد يكون هو المدين نفسه .

 $ 1214 $

695 - المدعى عليه هو المدين المعسر : من الطبيعى أن يكون المدعى عليه فى دعوى الإعسار هو المدين المعسر . وهنا يجب تحديد ما هو المقصود بلفظ " المعسر " فقد قدمنا أن الإعسار القانونى ليس ضرورة هو الإعسار الفعلى .

فالإعسار الفعلى هو كما قدمنا زيادة ديون المدين على حقوقه ( [2310] ) ، سواء كانت ديونه مستحقة الأداء أو غير مستحقة الأداء ، ما دامت ديوناً محققة الوجود . فلا يدخل فى الحساب الديون المتنازع فيها إلى أن تخلو من النزاع ، ولا الديون المعلقة على شرط واقف إلى أن يتحقق الشرط . أما الديون المؤجلة ، والديون المعلقة على شرط فاسخ ، والديون غير المقدرة ، فإنها تحسب جميعاً ولكن يجب تقدير الديون غير المقدرة ، للإستيثاق مما إذا كان مال المدين يكفى للوفاء بها هى والديون المقدرة . وإذا تحقق الشرط الفاسخ ، فسقط الدين المعلق على هذا الشرط ، استنزل من مجموع الديون ، وقد ينقلب المدين باستنزال هذا الدين موسراً بعد أن كان معسراً .

هذا هو تحديد الإعسار الفعلى . أما الإعسار القانونى فقد توخى له التقنين المدنى تحديداً آخر جعله أقل وقوعاً من الإعسار الفعلى . ونبادر إلى القول – قبل تحديد الإعسار القانونى أن الإفلاس التجارى هو أيضاً شئ آخر غير الإعسار الفعلى وغير الإعسار القانونى . فالإفلاس التجارى يجوز شهره بمجرد أن يتوقف المدين التاجر عن الوفاء بدين عليه فى الميعاد المحدد . ولا ينظر فى الإفلاس التجارى إلى ما إذا كان المدين معسراً بالفعل أو غير معسر ، فقد يكون موسراً وتكون له أموال تربى على ديونه أضعافاً مضاعفة ، ولكن إذا كانت هذه الأموال لا يستطيع المدين أن يسدد منها الدين المطلوب ، بأن تكون هى الأخرى ديوناً فى ذمة مدينى المدين لم تدفع لعدم حلول أجلها أو لتوقف المدينين عن الدفع ، أو تكون عقارات أو منقولات يتعذر بيعها لوفاء الدين من ثمنها ، أو تقصر هذه الأموال عن الوفاء بالدين لأى سبب آخر ، فإنه يجوز شهر إفلاس المدين ، مهما بلغ من اليسار ، ما دام قد توقف عن دفع دين عليه مستحق الأداء . وهذا هو الذى توجبه مقتضيات التعامل التجارى ، فهو تعامل يقوم على الثقة والائتمان فلا بد $ 1215 $ من أن يفى التاجر بدينه فى الميعاد المحدد للوفاء ، فإن دائنه قد ائتمنه واطمأن إلى التعامل معه ، ويغلب أن يكون هذا الآخر مديناً اعتمد فى الوفاء بدينه على أن مدينه سيفيه حقه ، فمتى توقف مدينه عن الدفع توقف هو أيضاً عن الدفع لدائنه ، وقد يتوقف هذا الدائن هو أيضاً عن الدفع لدائنه ، وهكذا دواليك ، فيجر توقف مدين إلى توقف سلسلة من مدينين غيره اعتمد بعضهم على بعض . ومن ذلك نرى ما لتوقف المدين التاجر عن الوفاء بدينه من نتائج خطيرة ، ومن ثم كان جزاء هذا التوقف جواز شهر الإفلاس ( [2311] ) .

وليس كذلك الإعسار القانونى . فإن مجرد توقف المدين عن الدفع ليس بالدليل على إعساره ، ولا يجر هذا التوقف عادة فى المعاملات المدنية كل النتائج الخطيرة التى رأيناها فى التعامل التجارى . ومن ثم لم ير المشرع فى التقنين المدنى الجديد أن يقف عند هذه القرينة لاعتبار المدين معسراً . ولم يقف حتى عند الإعسار الفعلى ، بأن يكون مال المدين لا يكفى للوفاء بجميع ديونه . بل هو لم يرض أن يجمع بين الأمرين : الإعسار الفعلى والتوقف عن الدفع . وقد كان هذا الطريق أحد طريقين لتحديد الإعسار القانونى فى المشروع التمهيدى للتقنين الجديد . فلم تختر لجنة المراجعة هذا الطريق ( [2312] ) ، واختارت الطريق الآخر الذى استقر فى التقنين الجديد ، وهو أكثر رفقاً بالمدين . فلا يكفى ، حتى يجوز شهر إعسار المدين ، أن تكون أمواله غير كافية للوفاء بجميع ديونه ، ولا يكفى أن يتوقف عن دفع دين مستحق الأداء ، بل يجب أن يكون أشد إعساراً من كل ذلك ، فتكون أمواله غير كافية للوفاء بديونه المستحقة الأداء وحدها ( [2313] ) . فلو أن أمواله كانت كافية للوفاء بالديون المستحقة الأداء ، لم يجز شهر إعساره ، حتى لو كانت $ 1216 $ هذه الأموال غير كافية للوفاء بجميع الديون الحالة والمؤجلة ( [2314] ) ، وحتى لو توقف عن دفع دين حال .

ونرى من ذلك أن الإعسار القانونى أضيق من الإعسار الفعلى ، وأن المعسر إعساراً فعلياً لا يكون بالضرورة معسراً إعساراً قانونياً ، وإن كان المعسر إعساراً قانونياً لابد أن يكون معسراً فعلياً . فلو كانت أموال المدين تقدر بعشرة آلاف ، وكانت ديونه الحالة ثمانية آلاف ، وديونه المؤجلة أربعة آلاف ، فهذا المدين معسر إعساراً فعلياً لأن مجموع ديونه الحالة والمؤجلة يربى على مجموع أمواله ، وهو غير معسر إعساراً قانونياً لأن ديونه الحالة لا تزيد على ما عنده من مال . ولو كانت الديون الحالة اثنى عشر ألفاً بدلاً من ثمانية آلاف ، لكان المدين معسراً أيضاً إعساراً قانونياً ، لأن ديونه الحالة أصبحت تربى على أمواله .

على أن الإعسار القانونى ، على ضيقه ، أوسع من الإفلاس التجارى ، فقد رأينا أن مجرد توقف المدين التاجر عن دفع دينه الحال يجيز شهر إفلاسه ، ولو كان هذه المدين غير معسر ، لا إعساراً قانونياً ولا إعساراً فعلياً ( [2315] ) .

696 - عبء إثبات الإعسار : ويقع عبء إثبات إعسار المدين على من يطلب شهر إعساره ، ويكون غالباً أحد دائنيه كما سيأتى . ويمكن إثبات الطرق الإعسار – أى عدم كفاية أموال المدين للوفاء بديونه المستحقة الأداء – بجميع الطرق لأن الإعسار واقعة مادية . ويجوز الانتفاع بالقرينة القانونية الواردة فى المادة 239 مدنى ، على أن تكون قرينة قضائية . فقد رأينا المادة 239 تنص على أنه " إذا ادعى الدائن إعسار المدين ، فليس عليه إلا أن يثبت مقدرا ما فى ذمته من ديون ، وعلى المدين نفسه أن يثبت أن له مالاً يساوى قيمة الديون أو يزيد عليها " . فإذا أثبت الدائن ديناً مستحق الأداء فى ذمة المدين ، كان للقاضى أن $ 1217 $ يستخلص من ذلك قرينة قضائية على أن هذا المدين معسر ، وهى قرينة تقبل إثبات العكس ككل القرائن القضائية ، فيجوز للمدين دخضها إذا هو أثبت أن عنده مالاً يكفى للوفاء بهذا الدين المستحق الأداء ( [2316] ) .

697 - سلطة المحكمة التقديرية فى شهر الإعسار : وحتى بعد إثبات أن أموال المدين غير كافية للوفاء بديونه المستحقة الأداء على النحو الذى قدمناه ، فليس من الضرورى أن تقضى المحكمة بشهر إعساره ، بل إن لها سلطة تقديرية واسعة فى ذلك .

فعلى المحكمة – كما تقول المادة 251 مدنى – فى كل حال ، قبل أن تشهر إعسار المدين ، أن تراعى فى تقديرها جميع الظروف التى أحاطت به ، سواء أكانت هذه الظروف عامة أم خاصة . فتنظر إلى موارده المستقبلة ، ومقدرته الشخصية ، ومسئوليته عن الأسباب التى أدت إلى إعساره ، ومصالح دائنيه المشروعة ، وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر فى حالته المالية .

فالظروف التى تراعيها المحكمة إذن فى تقديرها هى الظروف العامة التى أعسر فيها المدين ، وكذلك الظروف الخاصة بشخصه ، فالظروف العامة مثلها أزمة اقتصادية طاحنة سببت إعسار كثير من الناس ، أو حرب نشبت ، أو ثورة اندلعت ، أو فيضان استثنائى ، أو آفة زراعية انتشرت ، أو نحو ذلك من الظروف التى تعم جميع الناس ولا تخص المدين وحده .

 $ 1218 $

والظروف الخاصة بالمدين يجب أيضاً أن تراعيها المحكمة ( [2317] ) فى تقديرها لشهر الإعسار أو الامتناع عن شهر . وهذه الظروف الخاصة إما أن ترجع إلى الماضى ، كمسئوليته عن الأسباب التى أدت إلى إعساره ، وهل كان حسن النية عاثر الحظ ، أو كان مبذراً متلافاً . وإما أن ترجع الظروف الخاصة إلى الحاضر ، مثل ذلك مصالح دائنيه المشروعة فقد تستوجب شهر إعساره ، ومثل ذلك أيضاً رعونة المدين أو عدم خبرته أو ضعف إدراكه . وإما أن ترجع الظروف الخاصة إلى المستقبل ، مثل ذلك موارد المدين المستقبلة ، فقد ينتظر لأعماله الرواج عد فوات أزمة عارضة ، ومثل ذلك أيضاً مقدرته الشخصية فقد يكون طبيباً ماهراً أو مهندساً حاذقاً فيمكن الاعتماد على عمله فى المستقبل وتفادى شهر إعساره فى الحال ( [2318] ) .

وغنى عن البيان أن المحكمة ، وهى تقدر هذه الظروف العامة والخاصة ، فقد تلمس فيما ما يشفع للمدين ، وبقية شهر الإعسار ، فيقوم ذلك إلى حد كبير مقام الصلح الواقى ( concordat preventif ) فى المعاملات التجارية ( [2319] ) .

698 - المدعى فى دعوى الإعسار – أحد – الدائنين : أما المدعى فى دعوى شهر الإعسار فيكون غالباً أحد دائنى المدين المعسر . وللدائن فى ذلك $ 1219 $ مصالح شتى . فقد يخشى ، بعد أن تيقن من إعسار المدين ، أن يستبد بالمدين اليأس فيبادر إلى تبديد ماله ، أو إخفائه ، أو التصرف فيه للإضرار بحقوق دائنيه ( [2320] ) . فيسهل على الدائن ، بعد أن يشهر إعسار المدين ، أن يلغى جميع هذه التصرفات . بل أنه ليعرض المدين إلى عقوبة جنائية ، هى عقوبة التبديد ، إذا شهر إعساره وأقدم المدين على ذلك على إخفاء بعض أمواله ، أو اصطنع ديوناً صورية أو مبالغاً فيها بقصد الإضرار بدائنيه ، أو تعمد الإعسار فى دعوى الدين التى رفعها عليه دائنه ( م 260 مدنى ) ، كما سيأتى ( [2321] ) .

وقد يكون الدائن ، بعد أن تيقن من إعسار مدينه ، يخشى أن يبادر دائنوه الآخرون إلى أخذ اختصاصات على عقاراته يتقدمون بها فى استيفاء حقوقهم ، لا سيما بعد أن أصبح حق الاختصاص فى التقنين المدنى الجديد لا يؤخذ إلا بناء على حكم واجب التنفيذ ( م 1085 مدنى ) ، فيسبقه إلى الحصول على هذا الحكم دائنون آخرون ، ويبقى هو أمداً طويلاً قبل أن يحصل على حكم واجب التنفيذ يستطيع بموجبه أن يأخذ حق اختصاص . وفى مثل هذه الظروف يؤثر الدائن أن يبادر إلى شهر إعسار مدينه ، وما دام هو لا يزال أمامه وقت طويل قبل أن يستطيع الحصول على حكم يأخذ حق اختصاص بموجبه ، فلا أقل من أن يمنع الدائنين الآخرين من أن يفعلوا ذلك فيتقدموا عليه دون مبرر .

وقد يكون الدائن حقه مؤجل ، ويتيقن من إعسار مدينه ، فيخشى أن ينتظر حلول الأجل فلا يجد عند المدين مالاً يستوفى منه حقه . فيبادر إلى شهر إعسار المدين ، متمسكاً بدين حال ، غير الدين المؤجل ، لا تكفى أموال المدين للوفاء به . فإذا ما شهر إعسار المدين ، سقط الأجل فى المدين المؤجل ، وبادر الدائن إلى التنفيذ بحقه ، والحصول على قسط منه ، بدلاً من أن يضيعه كله ( [2322] ) .

 $ 1220 $

699 - المعدى فى دعوى شهر الإعسار هو المدين نفسه : تقول المادة 250 مدنى ، كما رأينا ، أن شهر الإعسار يكون بناء على طلب المدين نفسه أو طلب أحد دائنيه . وقد عرضنا للدوافع التى تحدو بالدائن على أن يطلب شهر إعسار مدينه ، فبقى أن نتبين الدوافع التى تحدو بالمدين نفسه على أن يطلب شهر إعساره .

قد يرى المدين أن الديون قد أثقلته ، وأن الظروف التى تحيط به تشفع له ، فيعمد إلى طلب شهر إعساره حتى يستطيع الحصول على منحه آجالاً للديون الحالة ، وحتى يمد الآجال بالنسبة إلى الديون المؤجلة ( م 255 فقرة 2 مدنى وسيأتى بيانها ) ، فيتمكن بذلك من تسوية حالته المالية فى هدوء وطمأنينة . ويشبه هذا فى الإفلاس التجارى الصلح مع الدائنين ( concordat ) .

وقد يكون المدين غارقاً فى ديونه ، تنهال عليه الحجوز من كل جانب ، وقد حجزت إيراداته فمنع مورد رزقه ، فيعمد إلى طلب شهر إعساره حتى يستطيع الحصول على نفقة ( م 259 مدنى وسيأتى بيانها ) يقتات منها إلى أن تتم تصفيقة أمواله ( [2323] ) .

وأكثر ما يتحقق طلب المدين شهر إعسار نفسه يكون فى دعوى يرفعها عليه أحد دائنيه بالدين ، فيطلب أثناء نظر هذه الدعوى شهر إعسار نفسه ( [2324] ) .

 $ 1221 $

700 - شهر الإعسار لا تطلبه النيابة العامة ولا تقضى به المحكمة من تلقاء نفسها : وفى الإفلاس التجارى يجو للنيابة العامة طلب شهر إفلاس المدين التاجر ، ويجوز للمحكمة أن تشهر إفلاس التاجر من تلقاء نفسها . فقد نصت المدة 196 من التقنين التجارى على أن " الحكم بإشهار الإفلاس يجوز أن يصدر بناء على طلب نفس المدين المفلس أو طلب مداينيه أو الوكيل عن الحضرة الخديوية أو تصدره المحكمة من تلقاء نفسها " . وليس هنا محل الكلام عن الإفلاس التجارى ، وكيف تطلبه النيابة العامة ، أو تحكم به المحكمة من تلقاء نفسها . والذى يعنينا أن نبينه فى هذا الصدد أن الإعسار المدنى لا يخضع لهذا النظام ، غذ لا يوجد نص فى تنظيم الإعسار يسمح به ، بل إن نص المادة 250 مدنى يقضى ، كما رأينا ، بأن يكون شهر الإعسار بناء على طلب المدين نفسه أو طلب أحد دائنيه . فلم يذكر النص النيابة العامة ، ولم يبح للمحكمة أن نقضى من تلقاء نفسها بشهر إعسار المدين غير التاجر ، وذلك لأن الاعتبارات التى تستوجب هذا الحكم فى المعاملات التجارية لا وجود لها فى المعاملات المدنية ( [2325] ) .

المبحث الثانى

إجراءات دعوى الإعسار

701 - النصوص القانونية : تنص المادة 252 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " مدة المعارضة فى الأحكام الصادرة فى شأن الإعسار ثمانية أيام ، ومدة استئنافها خمسة عشر يوماً ، تبدأ من تاريخ إعلان تلك الأحكام " .

 $ 1222 $

وتنص المادة 253 على ما يأتى :

 " 1 - على كاتب المحكمة فى اليوم الذى تقيد فيه دعوى الإعسار أن يسجل صحيفتها فى سجل خاص يرتب بحسب أسماء المعسرين ، وعليه أن يؤشر فى هامش التسجيل المذكور بالحكم الصادر فى الدعوى وبكل حكم يصدر بتأييده أو بإلغائه ، وذلك كله يوم صدور الحكم " .

 " 2 - وعلى الكاتب أيضاً أن يرسل إلى قلم كتاب محكمة مصر صورة من هذه التسجيلات والتأشيرات لإثباتها فى سجل عام ، ينظم وفقاً لقرار يصدر من وزير العدل " .

وتنص المادة 254 على ما يأتى :

 " يجب على المدين إذا تغير موطنه أن يخطر بذلك كاتب المحكمة التى يتبعها موطنه السابق . وعلى هذا الكاتب بمجرد علمه بتغيير الموطن ، سواء أأخطره المدين أم علم بذلك من أى طريق آخر ، أن يرسل على نفقة المدين صورة من حكم شهر الإعسار ومن البيانات المؤشر بها فى هامش التسجيل إلى المحكمة التى يتبعها الموطن الجديد لتقوم بقيدها فى سجلاتها ( [2326] ) " .

 $ 1223 $

ولا مقابل لهذه النصوص فى التقنين المدنى السابق .

وتقابل هذه النصوص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى السورى المادتين 253 - 254 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 271 فقرة 2 و 3 ( [2327] ) .

702 - المحكمة المختصة بالحكم بشهر الإعسار : وقد قدمنا أن المادة 250 مدنى تقضى بأن المحكمة المختصة بالحكم بشهر الإعسار هى المحكمة الابتدائية التى يتبعها موطن المدين المعسر ، فلا تختص المحاكم الجزئية إذن بنظر دعاوى الإعسار .

703 - نظر الدعوى على وجه السرعة - تقصير مواعيد المعارضة والاستئناف : وتقضى المادة 250 مدنى أيضاً أن تنظر دعوى الإعسار على وجه $ 1224 $ السرعة . فيبين فى صحيفة الدعوى موضوعها وطلبات المدعى فيها بالإيجاز ( م 71 مرافعات ) . وتقدم على غيرها من الدعاوى العادية ، ولا يقبل فيها طلب التأجيل إلا عند الضرورة ، ولأجل قريب ، وتقدم الدعوى مباشرة إلى المحكمة دون عرضها على التحضير . وقد نصت المادة 188 من تقنين المرافعات ، فى هذه الصدد ، على أن " الدعاوى المستعجلة ودعاوى شهر الإفلاس . . . وكل الدعاوى التى ينص القانون على وجوب الفصل فيها على وجه السرعة . . . تقدم مباشرة إلى المحكمة دون عرضها على التحضير . ويتعين على المدعى فيها أن يودع مستنداته قلم الكتاب عند قيد دعواه ، ويقدم المدعى عليه ما يكون لديه من مستندات فى جلسة المرافعة نفسها ، وفى جميع الأحوال تعطى المحكمة الخصوم المواعيد المناسبة للاطلاع على المستندات والرد عليها . وكلما اقتضت الحال تقديم مستندات أو طلبات عارضة أو إدخال خصوم ، حددت المحكمة المواعيد التى يجب أن يتم فيها ذلك " .

والحكم الذى يصدر فى الدعوى بشهر الإعسار يكون قابلاً للمعارضة إذا صدر غيابياً ، ولكن مواعيد المعارضة تقصر إلى ثمانية أيام من تاريخ إعلان الحكم الغيابى للمدين ( م 252 مدنى ) . ويلاحظ أن المادة 386 من تقنين المرافعات تنص على أنه " لا تجوز المعارضة فى الأحكام الصادرة فى المواد المستعجلة ولا فى المواد التى يوجب القانون الحكم فيها على وجه السرعة " . وكان هذا النص يقتضى ألا تجوز المعارضة فى الحكم الذى يصدر بشهر الإعسار ، لأن الدعوى تنظر على وجه السرعة كما قدمنا . ولكن لم ينسق التقنين المدنى مع تقنين المرافعات فى هذه المسألة ، فتعارضا . ولا بد من القول ، إزاء هذا التعارض ، بأن الحكم الذى تضمنته المادة 252 مدنى من جواز المعارضة يعتبر استثناء من القاعدة العامة التى قررتها المادة 386 مرافعات من أن المعارضة لا تجوز فى المواد التى يوجب القانون الحكم فيها على وجه السرعة . وتعبر المادة 252 مدنى ، وهى تجعل ميعاد المعارضة ثمانية أيام ، استثناء أيضاً من المادة 388 مرافعات ، وهذا تنص على أن " ميعاد المعارضة خمسة عشر يوماً من تاريخ إعلان الحكم الغيابى ، ما لم يقض القانون بغير ذلك " ، وهنا قضى القانون بأن يكون الميعاد ثمانية أيام كما قدمنا .

ويكون الحكم الصادر فى دعوى شهر الإعسار ، سواء صدر بشهر الإعسار أو بالرفض ، قابلاً للاستئناف . فلو أن الدائن رفع الدعوى على المدين بطلب $ 1225 $ شهر إعساره ، وصدر الحكم ابتدائياً بشهر الإعسار ، جاز للمدين المحكوم عليه بشهر إعساره أن يستأنف الحك أمام محكمة الاستئناف التى تستأنف أمامها أحكام المحكمة الابتدائية التى أصدرت الحكم الابتدائى .

وكذل إذا صدر الكم الابتدائى برفض شهر الإعسار ، جاز للدائن استئنافه . وميعاد الاستئناف ، كما تقضى بذلك المادة 252 مدنى ، هو خمسة عشر يوماً تبدأ من تاريخ إعلان الحكم . وهنا أيضاً لم ينسق التقنين المدنى مع تقنين المرافعات فقد نصت المادة 402 مرافعات على ما يأتى : " ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ، يكون ميعاد الاستئناف عشرين يوماً لأحكام محاكم المواد الجزئية وأربعين لأحكام المحاكم الابتدائية ، وينقص هذا الميعادان إلى النصف فى مواد الأوراق التجارية . ويكون الميعاد عشرة أيام فى المواد المستعجلة والمواد التى يوجب القانون الفصل فيها على وجه السرعة أياً كانت المحكمة التى أصدرت الحكم " . وكان مقتضى هذا النص أن يكون ميعاد الاستئناف فى دعوى شهر الإعسار ، وهى دعوى تنظر على وجه السرعة كما قدمنا ، عشرة أيام لا خمسة عشر يوماً . ولا بد من القول هنا أن الحكم الذى تضمنته المادة 252 مدنى من جعل ميعاد الاستئناف خمسة عشر يوماً هو استثناء من القاعدة العامة التى قررتها الفقرة الثانية من المادة 402 مرافعات من أن ميعاد الاستئناف فى المواد التى تنظر على وجه السرعة هو عشرة أيام فقط .

704 - الحكم الصادر بشهر الإعسار منشئ لا كاشف وهو حجة على الكافة : والحكم الصادر بشهر الإعسار هو حكم منشئ لحالة قانونية جديدة ، فقد نقل المدين إلى حالة إعسار يرتب عليها القانون نتائج هامة . ولا يقال إن الحكم إنما كشف عن حالة المدين المعسر ، فقد قدمنا أن الإعسار هو حالة قانونية يشترط فى قيامها أوضاع خاصة ، وهذه الأوضاع هى التى تنشئ الحالة القانونية ( [2328] ) .

 $ 1226 $

ولما كان الحكم ينشئ حالة قانونية جديدة ، فهو حجة على الكافة . والمدين الذى شهر الحكم إعساره يعتبر معسراً ، لا بالنسبة إلى الدائن الذى رفع دعوى شهر الإعسار وحده ، بل أيضاً بالنسبة إلى سائر الدائنين ، وكذلك بالنسبة إلى الغير ممن قد يتصرف له المدين فلا ينفذ تصرفه . ذلك أن حالة الإعسار لا تتجزأ ، ولا يصح أن يعتبر المدين معسراً بالنسبة إلى بعض ، وموسراً بالنسبة إلى الآخرين ( [2329] ) . ويترتب على أن الحكم بشهر الإعسار حجة على الكافة أمران : ( 1 ) يجوز لكل ذى مصلحة – كدائن لم يدخل فى الدعوى أو شخص تصرف له المدين المعسر – أن يطعن فى الحكم بشهر الإعسار عن طريق اعتراض الخارج عن الخصومة ، إذا أثبت 3 أن دعوى شهر الإعسار إنما رفعت غشاً بالتواطؤ بين طرفى الدعوى أو أن المدين قد أهمل إهمالاً جسيماً فى الدافع عن نفسه ونجم عن هذا الإهمال أن حكم بشهر إعساره " م 450 فقرة 1 مرافعات " . ( 2 ) مادام الحكم حجة على الكافة ، فقد كفل له القانون وسائل للعلانية حتى يتمكن ذوو الشأن ومن لهم مصلحة أن يعلموا به . وهذا ما ننتقل الآن إليه .

705 - العلانية التى نظمها القانون للحكم الصادر بشهر الإعسار : كفل القانون العلانية للحكم الصادر بشهر الإعسار عن طريقين : ( 1 ) طريق قلم كتاب المحكمة الابتدائية التى أصدرت الحكم بشهر الإعسار ، وهذه هى الجهة المحلية للإعلان عن الحكم . ( 2 ) طريق قلم كتاب محكمة مصر الابتدائية ، وهذه هى الجهة المركزية الرئيسية للإعلان عن الحكم .

أما عن الجنة المحلية ، فقد قضت المادة 253 مدنى ، كما رأينا ، بأن كاتب المحكمة الابتدائية التى رفعت أمامها دعوى شهر الإعسار ينظم سجلاً خاصاً مرتباً بحسب أسماء المعسرين حتى يتيسر البحث فيه ، وعليه ، بعد أن تقيد دعوى الإعسار ، أن يسجل صحيفة الدعوى فى هذا السجل الخاص ، تحت اسم المدين المطلوب شهر إعساره . ومتى صدر الحكم فى الدعوى ، أشر يوم صدوره ، فى هامش التسجيل المذكور ، بالحكم الصادر . وإذا طعن فى الحكم بالمعارضة أو الاستئناف أو النقض أو التماس إعادة النظر أو اعتراض الخارج عن الخصومة ، $ 1227 $ أشر ، فى هامش التسجيل أيضاً ، بالحكم الصادر فى الطعن المذكور بالتأييد أو بالإلغاء ، ويكون ذلك يوم صدور الحكم . وبذلك تجتمع فى هذا السجل الخاص ، تحت اسم كل مدين رفعت عليه دعوى شهر الإعسار ، صورة كاملة عن تاريخ رفع الدعوى وصحيفتها وعما صدر من الأحكام فيها . فيستطيع كل ذى شأن أن يعرف ، من واقع هذا السجل الخاص ، حالة المدين وعما إذا كانت دعوى الإعسار قد رفعت عليه وبماذا حكم فى هذه الدعوى ، فيتبين الحالة على حقيقتها . ولما كان هذا السجل الخاص موجوداً فى المحكمة الابتدائية التى يتبعها موطن المدين ، وكان هناك احتمال فى أن يغير المدين موطنه ، فلابد من إرسال هذه البيانات إلى المحكمة التى بها موطن المدين الجديد لنقلها فى سجلها الخاص ، لأن من يريد بحث حالة المدين إما يبحثها فى قلم كتاب المحكمة التى يوجد بها موطنه الأخير وهو الموطن الظاهر أمامه . ومن ثم قضت المادة 254 مدنى بأن المدين الذى شهر إعساره ، إذا غير موطنه ، وجب عليه أن يخطر بذلك كاتب المحكمة التى يتبعها موطنه السابق وهى المحكمة التى قيد فى سجلها الخاص حكم شهر الإعسار . وسواء علم هذا الكتاب بالموطن الجديد من المدين نفسه أو من شخص آخر كدائن أو أى ذى مصلحة ، فإنه يجب عليه أن يرسل على نفقة المدين صورة من حكم شهر الإعسار ومن البيانات المؤشر بها فى هامش التسجيل إلى المحكمة التى يتبعها الموطن الجديد لتقوم بقيدها فى سجلها الخاص . وبذلك يستطاع البحث عن حالة المدين فى قلم كتاب المحكمة التى يتبعها موطنه الأخير ، حتى لو غير موطنه أكثر من مرة ( [2330] ) . $ 1228 $ وننتقل الآن إلى الجهة المركزية . فقد رأينا أن الفقرة الثانية من المادة 253 نصت على ما يأتي : " ( وعلى الكاتب أيضاً أن يرسل إلى قلم كتاب محكمة مصر صورة من هذه التسجيلات والتأشيرات لإثباتها في سجل عام ينظم وفقاً لقرار يصدر من وزير العدل " . والغرض من ذلك أن تكون هناك جهة مركزية ينظم فيها سجل عام تنقل فيه صورة من التسجيلات والتأشيرات التي قيدت في السجلات الخاصة لجميع المحاكم الابتدائية في البلاد . وبذلك تتوحد جهة مركزية يستطيع الباحث إذا رجع إليها أن يعلم بحالة المدين في أي موطن كان ( [2331] ) .

الفرع الثاني

الآثار التي تترتب على حالة الإعسار

706 – نوعان من الآثار : يترتب على شهر اعسار المدين نوعان من الآثار : ( 1 ) آثار بالنسبة إلى المدين ( 2 ) وأثار بالنسبة إلى الدائنين .

 $ 1229 $

المبحث الأول

بالنسبة إلى المدين

707 – النصوص القانونية : تنص المادة 257 من التقنين المدني على ما يأتي :

 " متى سجلت صحية دعوى الإعسار ، فلا يسري في حق الدائنين أي تصرف للمدين يكون من شأنه أن ينقص من حقوقه أو يزيد في التزاماته ، كما لا يسري في حقهم أي وفاء يقوم به المدين " .

وتنص المادة 258 على ما يأتي :

 " 1 - يجوز للمدين أن يتصرف في ماله ، ولو بغير رضاء الدائنين ، على أن يكون ذلك بثمن المثل ، وأن يقوم المشتري بإيداع الثمن خزانة المحكمة حتى يوزع وفقا لإجراءات التوزيع " .

 " 2 - فإذا كان الثمن الذي يبع به المال أقل من ثمن المثل ، كان التصرف غير سار في حق الدائنين ، إلا إذا أودع المشتري فوق الثمن الذي اشتري به ما نقص من ثمن المثل " .

وتنص المادة 259 على ما يأتي :

 " إذا أوقع الدائنون الحجز على إيرادات المدين ، كان لرئيس المحكمة المختصة بشهر الإعسار أن يقرر للمدين ، بناء على عريضة يقدمها ، نفقة يتقاضاها من إيراداته المحجوزة ، ويجوز التظلم من الأمر الذي يصدر على هذه العريضة ، في مدة ثلاثة أيام من تاريخ صدوره ، أن كان التظلم من المدين ، ومن تاريخ إعلان الأمر للدائنين إن كان التظلم منهم " .

وتنص المادة 260 على ما يأتي :

 " يعاقب المدين بعقوبة التبديد في الحالتين الآتيتين :

 " ( أ ) إذا رفعت عليه دعوى بدين فتعمد الإعسار ، بقصد الإصرار بدائنيه ، وانتهت الدعوى بصدور حكم عليه بالدين وشهر إعساره " .

 $ 1230 $

 " ( ب ) إذا كان بعد الحكم بشهر إعساره ، أخفى بعض أمواله ليحول دون التنفيذ عليها ، أو اصطنع ديوناً صورية أو مبالغاً فيها ، وذلك كله بقصد الإضرار بدائنيه " ( [2332] ) .

 $ 1231 $

ولا مقابل لهذه النصوص فى التقنين المدنى السابق .

وتقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المواد 257 - 260 ، وفى التقنين المدنى العراقى المواد 272 و 274 و 276 و 277 ( [2333] ) .

وهذه النصوص تكفل حماية الدائنين من تصرفات المدين عن طريقين : ( 1 ) منع نفاذ هذه التصرفات فى حقهم ( 2 ) تعريض المدين لعقوبات جنائية إذا صدرت منه أعمال معينة . ثم هى فى الوقت ذاته ترعى جانب الرأفة بالمدين ، فتجيز أن تقدر له نفقة يتقاضاها من إيراداته المحجوزة .

 $ 1232 $

708 - عدم نفاذ تصرفات المدين فى حق دائنيه : هنا نجد مزية من أهم مزايا شهر إعسار المدين . فقد كان الدائنون قبل شهر إعسار مدينهم موكولين إلى الدعوى البولصية ، لا يستطيعون أن يجعلوا تصرفات المدين غير سارية فى حقهم إلا بعد أن يثبتوا أن المدين المعسر قد تصرف غشاً للإضرار بحقوقهم وأن المتصرف له كان أيضاً سيئ النية ، إذا كان التصرف معاوضة . أما بعد شهر إعسار المدين ، فكل تصرف يصدر منه من تاريخ تسجيل صحيفة الدعوى ، ويكون من شأنه أن ينقص من حقوقه كالبيع والهبة ، أو يزيد فى التزاماته كالقرض ، وأى وفاء يقوم به ولو لدين حال ( [2334] ) ، يكون غير سار فى حق الدائنين ، وذلك دون حاجة إلى إثبات إعسار المدين فهو ثابت بشهر الإعسار ، ودون حاجة إلى إثبات سوء نية المدين أو سوء نية المتصرف له ولو كان التصرف معاوضة ( [2335] ) . وهذه الوقاية تفضل العلاج الذى تقدمه الدعوى البولصية ( [2336] ) . وغنى عن البيان أن أى تصرف يرى به المدين إلى تفضيل دائن على آخر ، بالوفاء $ 1233 $ له قبل حلول دينه أو بعد حلول الدين أو بإعطائه ضماناً لدينه ، يكون غير سار فى حق الدائنين الآخرين ( [2337] ) .

وعدم نفاذ التصرف فى حق الدائنين لا يمنع من أن يبقى التصرف قائماً فيما بين المدين والمتصرف له, فلو نفذ الدائنون على العين المتصرف فيها ، كان للمتصرف له الرجوع بالضمان على المدين . ولو ترك الدائنون العين دون أن ينفذوا عليها ، بقيت فى ملك المتصرف له ، لأن التصرف لا يزال قائماً . وإذا انتهت حالة الإعسار بسبب من أسباب انتهائه ، بقى التصرف غير نافذ فى حق الدائنين ، ولكنه يبقى أيضاً قائماً ما بين المدين والمتصرف له ( [2338] ) .

ولا يوجد فى قاعدة عدم نفاذ تصرفات المدين المعسر إلا استثناء واحد نصت عليه المادة 258 مدنى . فإن هذه المادة تقضى بجواز أن يبيع المدين ماله ، ولو بغير رضاء دائنيه ، بشرطين : ( 1 ) أن يكون البيع بثمن المثل ، فإن نقص عن ثمن المثل فإن التصرف لا يكون سارياً فى حق الدائنين إلا إذا أكمل المشترى الثمن إلى ما يعادل ثمن المثل ( [2339] ) . ( 2 ) أن يودع المشترى الثمن كله ، بما فى ذلك تكملته إلى ثمن المثل ، فى خزانة المحكمة على ذمة الدائنين ، فيوزع بينهم وفقاً لإجراءات $ 1234 $ التوزيع ( [2340] ) . وهذا الاستثناء لا ضرر فيه على الدائنين ، فقد بيع مال المدين بثمن مثله ووزع الثمن على الدائنين . وفيه خير للمدين ، فقد ترك يصفى ماله بنفسه ، ولم يبخس فيه كما كان يحتمل أن يبخس لو بيع المال فى المزاد العلنى ، ووفر على نفسه وعلى دائنيه نفقات البيع الجبرى ( [2341] ) .

709 - حالتان يعاقب فيهما المدين المعسر بعقوبة التبديد : ومن مميزات شهر إعسار المدين أن المدين يصبح بعد شهر إعساره عرضة للعقوبة الجنائية إذا ارتكب أعمالاً معينة ( [2342] ) . فقد نصت المادة 260 مدنى على حالتين يعاقب فيها المدين المعسر بعقوبة التبديد .

( الحالة الأولى ) إذا رفع دائن عليه دعوى بالدين قبل أن يشهر إعساره ، ثم حكم عليه البدين . فتعمد ، قبل الحكم بالدين أو بعده ، أن يعسر بقصد الإضرار بدائنيه ، بأن بدد ماله أو أخفاه أو اصطنع ديوناً صورية أو نحو ذلك من التصرفات التى تؤدى إلى إعساره ، وذلك تهبراً من تنفيذ الحكم الذى صدر أو سيصدر . فلهذه الجريمة إذن ركنان : ( 1 ) ركن مادى هو الحكم بالمديونية وحكم بشهر الإعسار مقترن بالحكم بالمديونية أو لا حق له . ( 2 ) وركن معنوى هو تعمد الإعسار إضراراً بالدائنين وتهرباً من تنفيذ الحكم بالمديونية . ومن القرائن على هذا التعمد أن يكون إعسار المدين قد حدث أثناء نظر دعوى المديونية أو عقب صدور الحكم بالمديونية . وإعسار المدين على هذا النحو شبيه $ 1235 $ بالإفلاس مع التدليس ، ويعاقب مثله عقوبة جنائية .

( الحالة الثانية ) إذا حكم على المدين المعسر بشهر الإعسار ، فعمد إلى الأضرار بدائنيه عن طريق أحد الأعمال الآتية : ( 1 ) إخفاء بعض أمواله ليحول دون التنفيذ عليها ، ويكون ذلك على الأخص فى المنقولات فإنه يسهل إخفاؤها . ولا يعتبر إخفاء المال مجرد التصرف فيه ، فقد رأينا أن التصرف لا يضر الدائنين إذ هو غير نافذ فى حقهم . ( 2 ) اصطناع ديون صورية حتى يزيد مقدار ديونه فيض دائنيه بإنقاص النصيب الذى يحصل عليه كل منهم عند التنفيذ . وتكون هذه الديون الصورية سابقة على الإعسار ، وإلا لم تكن نافذة فى حق الدائنين فلا تضر بهم ( [2343] ) . ( 3 ) اصطناع ديون مبالغ فيها ، وهنا الديون تكون جدية لا صورية ولكن يبالغ فى مقدراها . مثل ذلك أن يعمد المدين إلى تغيير سندات بالدين عليه سابقة على الإعسار ، فيضاعف قيمتها حتى ينقص من نصيب الدائنين الاخرين ( [2344] ) . وظاهر أن هذه الأعمال الثلاثة – إخفاء المال واصطناع الديون الصورية واصطناع الديون المبالغ فيها – هى الأعمال التى يخشى أن تصدر من المدين المعسر ، وهى أشد الأعمال إضراراً بدائنيه . ولذلك جعل المشرع الجزاء عليها عقوبة جنائية تتناسب مع طبيعتها ، فالمدين الذى يأتى عملاً من هذه الأعمال إنما يبدد الأموال التى تعلقت بها حقوق الدائنين . والجريمة هنا ، كالجريمة فى الحالة الأولى ، لها ركنان : ركن مادى هو صدور حكم بشهر الإعسار يتلوه عمل من هذه الأعمال الثلاثة التى سبق ذكرها ، وركن معنوى هو قصد الإضرار بالدائنين وهذا القصد يفترض وجوده وما صدر من عمل من المدين المعسر يقوم قرينة على ذلك . وهنا أيضاً يكون المدين المعسر كالتاجر المفلس بالتدليس ، ويعاقب مثله عقوبة جنائية ( [2345] ) .

 $ 1236 $

710 - تقدير نفقة للمدين المعسر : وهنا تظهر إحدى فوائد شهر الإعسار للمدين المعسر نفسه . فهو ، إذا لم يكن قد شهر إعساره ، جاز لدائنيه أن يحجزوا على جميع أمواله ، فيما عدا الأموال التى لا يجوز الحجز عليها وقد سبق بيانها . أما إذا شهر إعسار المدين ، فبالإضافة إلى الأموال التى لا يجوز الحجز عليها وتبقى غير قابلة للحجز بعد شهر الإعسار ، يستطيع المدين ، إذا كان الدائنون قد أوقعوا الحجز على إيراداته فبقى دون مورد يعيش منه ، أن يقدم عريضة لرئيس المحكمة المختصة بشهر الإعسار – أى المحكمة التى بها موطنه – يطلب فيها أن يقرر له نفقة يتقاضها من إيراداته المحجوزة ( م 259 مدنى ) . فإذا قدر له رئيس المحكمة النفقة المطلوبة ، بأمر على العريضة التى قدمها ، جاز له أن يتظلم من هذا التقدير ، إذا رآه غير كاف ، إلى المحكمة فى مدة ثلاثة أيام من تاريخ صدوره ، وجاز أيضاً للدائنين أن يتظلموا من التقدير ، إذا رأوه مبالغاً فيه ، إلى المحكمة فى مدة ثلاثة أيام من تاريخ إعلانهم بأمر التقدير ( م 259 مدنى ) . ويجوز التظلم من كلا الطرفين إلى الآمر نفسه – رئيس المحكمة – أولاً ، ويحكم الرئيس فى التظلم على وجه السرعة بتأييد الأمر أو بإلغائه ، ويكون حكمه قابلاً لطرق الطعن المقررة للأحكام التى تصدر على وجه السرعة ( م 375 مرافعات ) ( [2346] ) .

ويبقى المدين المعسر يتقاضى النفقة المقدرة إلى أن تنتهى تصفية أمواله ، ولا يبقى الدائنون منها إلا الموال التى لا يجوز الحجز عليها كما سبق القول . وغنى عن البيان أن تقرير النفقة لا يمنع من بيع المال الذى يتقاضى المدين النفقة من ريعه .

المبحث الثانى

بالنسبة إلى الدائنين

711 - النصوص القانونية : تنص المادة 255 من التقنين المدنى $ 1237 $ على ما يأتى :

 " 1 - يترتب على الحكم بشهر الإعسار أن يحل كل ما فى ذمة المدين من ديون مؤجلة . ويخصم من هذه الديون مقدار الفائدة الاتفاقية أو القانونية عن المدة التى سقطت بسقوط الأجل " .

 " 2 - ومع ذلك يجوز للقاضى أن يحكم ، بناء على طلب المدين وفى مواجهة ذوى الشأن من دائنيه ، بإبقاء الأجل أو مدة بالنسبة إلى الديون المؤجلة ، كما يجوز له أن يمنح المدين أجلاً بالنسبة إلى الديون الحالة ، إذا رأى أن هذا الإجراء تبرره الظروف ، وأنه خير وسيلة كفل مصالح المدين والدائنين جميعاً " .

وتنص المادة 256 على ما يأتى :

 " 1 - لا يجول شهر الإعسار دون اتخاذ الدائنين لإجراءات فردية ضد المدين " .

 " 2 - على أنه لا يجوز أن يحتج على الدائنين الذين يكون لهم حقوق سابقة على تسجيل صحيفة دعوى الإعسار بأى اختصاص يقع على عقارات المدين بعد هذا التسجيل " ( [2347] ) .

ولا مقابل لهذه النصوص فى التقنين المدنى السابق .

وتقابل فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى $ 1238 $ المادتين 255 - 256 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادتين 273 و 275 ( [2348] ) .

وهذه النصوص تكفل حماية الدائنين بعضهم من بعض وتحقق لهم المساواة جميعاً ، مع إبقاء المدين قائماً على ما له دون أن ترفع عنه يده بخلاف التاجر المفلس . ويتحقق ذلك بالطرق الآتية : ( 1 ) تكون الإجراءات التى يتخذها الدائنون للتنفيذ على المدين المعسر إجراءات فردية ، لا إجراءات جماعية . ( 2 ) تسقط آجال الديون المؤجلة كمبدأ عام ، تحقيقاً للمساواة بين الدائنين ، ولكن قد تبقى هذه الآجال ، وقد تمد ، بل وقد تمنح آجال للديون الحالة . ( 3 ) لا تنفيذ حقوق الاختصاص التى قد يأخذها بعض الدائنين فى حق الدائنين الآخرين ، وذلك تحقيقاً للمساواة ، هنا أيضاً ، بين الدائنين .

ونستعرض كلا من هذه المسائل الثلاث .

712 - إجراءات فردية لا إجراءات جماعية : تقض الفقرة الثانية من المادة 256 بأنه " لا يحول شهر الإعسار دون اتخاذ الدائنين لإجراءات فردية ضد المدين " . وهنا يتجلى المقوم الأساسى للإعسار المدنى ، فهو ليس كالإفلاس التجارى يؤدى إلى إجراءات جماعية . فالمدين المعسر لا ترفع يده عن ماله ، بل يبقى قائماً على إدارته ، وهذا بخلاف التاجر المفلس فإن أمواله تنزع من يده وتنتق إلى حيازة السنديك . وفى الإعسار لا يعين سنديك ، ولا يجتمع الدائنون فى اتحاد ( union ) ، كما يجرى الأمر فى الإفلاس . فيبقى دائنو المدين المعسر كل منهم مستقل عن الآخر ، ولا تتخذ إجراءات جماعية للتنفيذ ، بل يقوم كل $ 1239 $ دائن على مصلحته بنفسه ، فيتخذ باسمه خاصة من لإجراءات الفردية ما يسمح به القانون . فلكل دائن أن يحجز على أموال المدين ، ما كان موجوداً منها قبل شهر الإعسار وما استجد بعده . ولكل دائن أن يبادر قبل غيره إلى استيفاء حقه من أموال المدين ، فإذا لم يتمكن الدائنون الآخرون من اللحاق به ومزاحمته عند التوزيع ، فقد يستوفى حقه كاملاً دونهم . فالمساواة إذن بين الدائنين إنما هى مساواة قانونية لا مساواة فعلية ، والقانون يعتبر الدائنين متساوين جميعاً ولكن لا يمنع من أن يتخذ أحدهم إجراءات فردية يسبق بها الآخرين .

على أن القانون كفل للدائنين المساواة الفعلية من وجهين : ( 1 ) إسقاط آجال الديون ( 2 ) عدم نفاذ حقوق الاختصاص .

713 - آجال الديون : إذا شهر إعسار المدين ، كان ذلك إشعاراً للدائنين بأن يبادروا إلى التنفيذ على أمواله ، حتى يدركوا منها ما يستطيعون أن يستوفوا به أكبر نصيب من حقوقهم . ومن ثم يكون الدائن ذو الحق المؤجل فى مركز بالغ الدقة ، فهو لا يستطيع المبادرة إلى التنفيذ لأن حقه لم يحل ، ولا يستطيع الانتظار إلى أن يحل الأجل خشية أن تستنفد الديون الحالة جميع أموال المدين . لذلك نصت الفقرة الأولى من المادة 255 على أنه " يترتب على الحكم بشهر الإعسار أن يحل كل ما فى ذمة المدين من ديون مؤجلة ، ويخصم من هذه الديون مقدار الفائدة الاتفاقية أو القانونية عن المدة التى سقطتن بسقوط الأجل " . فمجرد صدور الحكم بشهر إعسار المدين يترتب عليه سقوط الأجل فى الديون المؤجلة ، وتصبح هذه الديون حالة تجوز المبادرة إلى التنفيذ بها ، وبذلك تتحقق المساواة ما بين الديون المؤجلة والديون الحالة . وحتى لا يغبن المدين وأصحاب الديون الحالة من حلول الديون المؤجلة قبل انقضاء الأجل ، نص القانون على أن يخصم من هذه الديون المؤجلة التى حلت بشهر الإعسار مقدار الفائدة الاتفاقية أو القانونية عن المدة التى سقطت سقوط الأجل . فإذا كان الدين المؤجل يستحق الدفع بعد سنة من وقت صدور حكم شهر الإعسار ، وكان يشتمل على فائدة اتفاقية مقدارها 6% فإن الدين يصبح حالاً بعد أن يخصم منه مقدار هذه الفائدة الاتفاقية . فإن كان لم يشتمل على فائدة اتفاقية وكان واجب الدفع بعد سنة ، أصبح حالاً بعد أن يخصم منه مقدار الفائدة القانونية بسعر 4% أو 5% بحسب $ 1240 $ ما يكون ديناً مدنياً أو تجارياً . أما إذا كان الدين واجب الدفع بعد سنة ، وكان المتفق عليه أن يدفع فى هذه الميعاد مع فائدة مقدراها 6% مثلاً ، فإنه يصبح حالاً دون خصم ودون فائدة .

هذه هى القاعد . ولكن يصح أن تكون ظروف المدين بحيث تستوجب الرفق به . وعند ذلك يجوز للمدين ، بعد أن سقط أجل الدين بقوة القانون بمجرد صدور حكم الإعسار ، أن يطلب من القاضى ، فى مواجهة الدائن ذى الشأن أى صاحب الدين الذى سقط أجله ، إبقاء الأجل كما كان . ويجوز له فوق ذلك أن يطلب مد هذا الأجل ، بل يجوز له أن يطلب ، فى مواجهة الدائنين أصحاب الديون الحالة ، أن يمنح أجلاً يمكنه من تحين الفرصة المناسبة لتصفية أمواله على خير وجه لمصلحته هو ولمصلحة الدائنين معه . ويجبيه القاضى إلى ما طلب من كل ذلك إذا رأى أن الظروف تبرر إجابة هذا الطلب ، وأن من مصلحة المدين والدائنين جميعاً ألا يبادر الدائنون إلى التنفيذ على أموال المدين فى ظروف غير مناسبة فتنزل قيمتها ، وأن من الخير التربص لفرصة مواتية تباع فيها هذه الأموال بأ‘لى قيمة فيعود ذلك بالنفع على كل من الدائنين والمدين . ويحقق هذا فى الإعسار المدنى بعض ما يحقق الصلح مع الدائنين ( concordat ) فى الإفلاس التجارى ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك .

على أنه ليس بدعاً أن يمنح القاضى للمدين أجلاً حتى فى الديون الحالة ، وبالأولى أن يمد الأجل القائم أو يبقى على الأجل الموجود . فليس هذا إلا ضرباً من نظرة المدين إلى ميسرة ( delai de graace ) ، يفعله القاضى حتى لو لم يكن المدين قد شهر إعساره ، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 346 مدنى على ما يأتى : " على أنه يجوز للقاضى فى حالات استثنائية ، إذا لم يمنعه نص فى القانون ، أن ينظر المدين إلى أجل معقول أو آجال ينفذ فيها التزامه ، إذا استعدت حالته ذك ولم يلحق الدائن من هذا التأجيل ضرر جسيم " .

714 - عدم نفاذ حقوق الاختصاص : ونص القانون على وسيلة أخرى أبعد أثراً فى تحقيق المساواة الفعلية بين الدائنين . فقضت الفقرة الثانية من المادة 256 ، كما رأينا ، بأنه " لا يجوز أن يحتج على الدائنين الذين يكون لهم حقوق سابقة على تسجيل صحيفة دعوى الإعسار بأى اختصاص يقع على $ 1241 $ عقارات المدين بعد هذا التسجيل " . ذلك أن الدائنين يبادرون عادة ، بمجرد شهر إعسار مدينهم ، إلى أخذ حقوق اختصاص على عقاراته عن طريق الإجراءات الفردية التى لم ينقطع حقهم فيها كما قدمنا ، وذلك كى يكفلوا لأنفسهم التقدم على الدائنين الذين لم يتمكنوا من أخذ حقوق اختصاص . وقد أصبحت هذه الإجراءات أكثر إخلالاً بالمساواة بين الدائنين بعد أن اشترط التقنين المدنى الجديد ( م 1085 ) أن يكون بيد الدائن حم واجب التنفيذ حتى يستطيع أخذ حق اختصاص ، فلابد والحالة هذه من أن الدائنين الذين بيدهم أحكام واجبة التنفيذ يبادرون إلى أخذ حقوق اختصاص على عقارات مدينهم المعسر ، يبتغون بذلك أن يتقدموا على الدائنين الذين لم تتح لهم الظروف أن تكون بأيديهم أحكام واجبة التنفيذ . فحتى تتحقق المساواة بين الدائنين قضى القانون ، كما رأينا ، بألا يحتج على الدائنين الذين يكون لهم حقوق سابقة على تسجيل صحيفة دعوى الإعسار بأى اختصاص يقع على عقارات المدين بعد هذا التسجيل . فإذا بادر دائن بيده حكم واجب التنفيذ غلى أخذ حق اختصاص ، فإن حق الاختصاص هذا لا يكون نافذاً فى حق الدائنين ذوى التواريخ الثابتة السابقة على تسجيل صحيفة دعوى الإعسار . أما إذا كان حق الاختصاص سابقاً على تسجيل صحيفة دعوى الإعسار ، فإنه ينفذ بطبيعة الحال فى حق جميع الدائنين .

ويتبين مما قدمناه أن الدائنين السابقين على تسجيل صحيفة دعوى الإعسار لا يخشون أن يتقدم أحدهم على الآخرين بأخذ حق اختصاص . ولكن قد يكون لمن حصل منهم على حكم واجب التنفيذ مصلحة فى أن يبادر إلى أخذ حق اختصاص على عقارات المدين ، حتى إذا ما انتهت حالة الإعسار بسبب من أسباب انتهائها كما سيأتى : واستجد للمدين دائنون آخرون بعد انتهاء حالة الإعسار ، كان حق الاختصاص نافذاً فى حق هؤلاء الدائنين الذين استجدوا ، كما سنرى .

الفرع الثالث

انتهاء حالة الإعسار

715 - مسألتان : نتكلم فى مسألتين : ( 1 ) كيف تنتهى حالة الإعسار ( 2 ) وما الذى يترتب على انتهائها .

 $ 1242 $

المبحث الأول

كيف تنتهى حالة الإعسار

716 - النصوص القانونية : تنص المادة 261 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " 1 - تنتهى حالة الإعسار بحكم تصدره المحكمة الابتدائية التى يتبعها موطن المدين ، بناء على طلب كل ذى شأن ، فى الحالتين الآتيتين : ( أ ) متى ثبت أن ديون المدين أصحبت لا تزيد على أمواله ( ب ) متى قام المدين بوفاء ديونه التى حلت دون أن يكون لشهر الإعسار إلى ما كانت عليه وفقاً للمادة 263 " .

 " 2 - ويؤشر كاتب المحكمة من تلقاء نفسه بالحكم الصادر بانتهاء حالة الإعسار يوم صدروه على هامش التسجيل المنصوص عليه فى المادة 253 ، وعليه أن يرسل صورة منه إلى قلم كتاب محكمة مصر للتأشير به كذلك " .

وتنص المادة 262 على ما يأتى :

 " تنتهى حالة الإعسار بقوة القانون متى انقضت خمس سنوات على تاريخ التأشير بالحكم الصادر بشهر الإعسار ( [2349] ) " .

 $ 1243 $

ولا مقابل لهذه النصوص فى التقنين المدنى السابق .

وتقابل هذه النصوص فى القتنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المادتين 261 - 262 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 278 ( [2350] ) .

ويخلص من هذه النصوص أن هناك طريقين لانتهاء حالة الإعسار : ( 1 ) فأما أن تنتهى هذه الحالة بحكم يصدر قاضياً بانتهائها ( 2 ) وإما أن تنتهى بقوة القانون بعد انقضاء مدة معينة .

 $ 1244 $

717 - انتهاء حالة الإعسار بموجب حكم قضائى : تنتهى حالة الإعسار بموجب حكم قضائى فى أحد فرضين : ( أولاً ) إذا ثبت أن المدين قد أيسر تماماً ، فأصبحت أمواله تفى بجميع ديونه ، ما كان حالاً منها وقت شهر إعساره وما حل بسقوط الأجل بسبب شهر الإعسار . وقد يتحقق ذلك لو أن المدين المعسر تلقى ميراثاً أو وصية ، فأصبحت أمواله تربى على ديونه أو تفى بها . وقد يتحقق ذلك أيضاً إذا قبل الدائنون أو بعضهم إبراء المدين من بعض ديونه بحيث يصبح الباقى فى ذمته من الديون لا يزيد على ما عنده من مال ( [2351] ) . ( ثانياً ) إذا ثبت أن المدين قد وفى بجميع دينه التى كانت حالة وقت طلب إنهاء حالة الإعسار ، سواء كانت هذه الديون ديوناً حالة وقت شهر الإعسار أو حلت بعد ذلك بانقضاء أجلها . أما الديون التى اعتبرت حالة عن طريق إسقاط أجلها بسبب شهر الإعسار ، ولم يكن هذا الأجل قد انقضى وقت طلب إنهاء حالة الإعسار ، فإنها لا تدخل فى هذا الحساب ، وذلك لأن هذه الديون سيعود إليها الأجل الذى سقط ، كما سنرى ، فتصبح غير حالة وقت طلب إنهاء حالة الإعسار . وظاهر أن المدين إذا كان قد وفى بجميع الديون المشار إليها ، فإنه يصبح فى حالة كان لا يستطاع معها طلب شهر إعساره ، وهذا هو المبرر لإنهاء حالة الإعسار فى هذا الفرض . ولكن لا يكفى أن يكون عند المدين مال كاف للوفاء بهذه الديون ، بل يجب أن يكون المدين قد وفاها فعلاً كما رأينا ( [2352] ) . وفى هذا يختلف الفرض الثانى عن الفرض الأول ، فقد تقدم فى الفرض الأول أنه يكفى أن تكون أموال المدين قد أصبحت تفى بجميع ديونه دون حاجة إلى وفاء هذه الديون بالفعل .

وإذا تحقق فرض من هذين الفرضين ، فإن حالة الإعسار لا تنتهى بقوة القانون ، بل لابد من صدور حكم بإنهاء هذه الحالة . وهذا الحكم ، كالحكم بشهر الإعسار ، منشئ لا كاشف ، ويقبل الطعن فيه بالطرق المقررة قانوناً $ 1245 $ وفى المواعيد العادية . ويصدر من المحكمة الابتدائية التى يتبعها موطن المدين ، وتكون عادة هى المحكمة التى أصدرت الحكم بشهر إعساره ، ما لم يكن المدين قد غير موطنه . ويصدر بناء على طلب كل ذى شأن . وأول ذوى الشأن فى هذا الطلب هو المدين نفسه ، فمن مصلحته ، متى تحقق فرض من الفرضين المتقدمى الذكر ، أن يطلب من المحكمة إصدار حكم بإنهاء إعساره . وقد يكون لأحد الدائنين مصلحة فى طلب إنهاء الإعسار ، إذا كان دينه فى الأصل وشيك الحلول ، ثم حل هو وغيره من الديون المؤجلة بسبب شهر الإعسار . فإذا انتهت حالة الإعسار بتوفيه الديون الحالة ، رجعت الآجال إلى الديون المؤجلة . ولما كان أجل دينه وشيك الحلول كما قدمنا ، فإن يستوفى الدين قبل غيره من أصحاب الديون المؤجلة ، وقد يظفر به كاملاً ( [2353] ) .

ومتى صدر الحكم بإنهاء حالة الإعسار من المحكمة المختصة ، أشر كاتب المحكمة من تلقاء نفسه ، يوم صدور الحكم ، بانتهاء حالة الإعسار على هامش التسجيل المقيد فى السجل الخاص بالمحكمة ذاتها . فإذا كان المدين قد غير موطنه ، ورفعت دعوى إنهاء الإعسار فى محكمة موطنه الجديد ، وجب التأشير بالحكم فى سجل كل من المحكمتين ، المحكمة التى أصدرت الحكم بإنهاء حالة الإعسار والمحكمة التى أصدرت الحكم بشهر الإعسار . وفى جميع الأحوال يجب أن ترسل صورة من الحكم بإنهاء حالة الإعسار إلى قلم كتاب محكمة مصر للتأشير به كذلك فى السجل العام الموجود بهذه المحكمة ( [2354] ) .

 $ 1246 $

718 - انتهاء حالة الإعسار بقوة القانون : وقد أعطى القانون مهلة للدائنين لتصفية أموال مدينهم واستيفاء حقوقهم منها ، عن طريق الإجراءات الفردية . فأمامهم خمس سنوات من تاريخ التأشير بالحكم الصادر بشهر الإعسار ، وهى مدة كافية لتصفية أموال المدين . ولا يجوز أن يبقى المدين بعد انقضاء هذه المدة فى حالة الإعسار التى لحقته ، فإن هذه الحالة قد غلت يده عن التصرف فى أمواله ، فوجب التوفيق بين مصلحته ومصلحة دائنيه ، فروعيت مصلحة هؤلاء بإعطائهم مدة كافية لاستيفاء حقوقهم عن طريق الحجز على أموال مدينهم ، وروعيت مصلحة المدين بإنهاء حالة الإعسار بقوة القانون بمجرد انقضاء هذه المدة .

وغنى عن البيان أنه بمجرد انقضاء الخمس السنوات من تاريخ التأشير بالحكم الصادر بشهر الإعسار تنتهى حالة الإعسار دون حاجة إلى استصدار حكم بذلك ، بل ودون حاجة إلى التأشير بذلك على هامش التسجيل ، إذ يسهل على كل ذى مصلحة يبحث حالة المدين أن يحسب انقضاء الخمس السنوات المذكورة بمجرد اطلاعه على تاريخ تسجيل التأشير بالحكم الصادر بشهر الإعسار .

ما يترتب على انتهاء حالة الإعسار

719 - النصوص القانونية : تنص المادة 263 من التقنين المدنى على ما يأتى :

 " يجوز للمدين بعد انتهاء حالة الإعسار أن يطلب إعادة الديون التى كانت قد حلت بسبب شهر الإعسار ولم يتم دفعها إلى أجلها السابق ، بشرط أن يكون قد وفى ديونه التى حلت دون أن يكون لشهر الإعسار أثر فى حلولها " .

 $ 1247 $

وتنص المادة 264 على ما يأتى :

 " انتهاء حالة الإعسار بحكم أو بقوة القانون لا يمنع الدائنين من الطعن فى تصرفات المدين ولا من التمسك باستعمال حقوقه وفقاً للمواد من 235 إلى 243 ( [2355] ) " .

ولا مقابل لهذه النصوص فى التقنين المدنى السابق .

وتقابل فى التقنينات المدينة العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المادتين 263 - 264 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 279 ( [2356] ) .

 $ 1248 $

ويخلص من هذه النصوص أن حالة الإعسار متى زالت زالت معها الآثار التى كانت قد ترتبت عليها . ومن هذه الآثار التى تزول نذكر بنوع خاص سقوط أجل الدين ، فيعود الدين إلى أجله السابق . كذلك المدين الذى تزول حالة إعساره بحكم قضائى أو بقوة القانون قد ينتقل من حالة إعسار قانونية إلى إعسار فعلى ، فيبقى خاضعاً لأحكام الدعوى غير المباشرة والدعوى البولصية اللتين لا تتطلبان إلا الإعسار الفعلى على ما قدمنا .

فنستعرض إذن مسائل ثلاثا : ( 1 ) زوال الآثار التى ترتبت على شهر الإعسار بوجه عام . ( 2 ) رجوع الأجل بعد سقوطه . ( 3 ) خضوع المدين بعد زوال حالة إعساره لأحكام الدعوى غير المباشرة والدعوة البولصية .

720 - زوال الآثار التى ترتبت على شهر حالة الإعسار : رأينا أن هناك آثاراً ترتبت على شهر حالة الإعسار . فالمدين قد غلت يده عن التصرف فى ماله ، وأصبح معرضاً لعقوبة التبديد فى حالتين معينتين سبق ذكهما ، وقد يكون حصل على أمر بتقرير نفقة له من إيرادات أمواله المحجوزة . والدائنون لا يحتج بعضهم على بعض بحقوق الاختصاص التى تكون قد أخذت بعد تسجيل صحيفة دعوى الإعسار ، وقد سقطت آجال ديونهم إن لم تكن قد استبقيت أو مدت أو منحت آجال للديون الحالة .

هذه الآثار كلها تبقى ببقاء حالة الإعسار ، فإذا ما زالت هذه الحالة بحكم قضائى أو بقوة القانون ، فإن الآثار التى ترتبت عليها تزول بزوالها . ومن ثم يعود للمدين حق التصرف فى أمواله ، فتنفذ تصرفاته فى حق دائنيه ، ولكن يبقى للدائنين أن يباشروا الدعوى غير المباشرة والدعوى البولصية كما سيأتى . ولا يصبح المدين معرضاً لعقوبة التبديد ، حتى لو أخفى ماله عن دائنيه أو اصطنع ديوناً مبالغاً فيها أو تعمد الإعسار ، ولا كون معرضاً فى كل ذلك إلا لأحكام دعوى الصورية والدعوى البولصية ، وذلك ما لم يشهر إعساره من $ 1249 $ جديد فيترتب على الحكم الجديد بشهر الإعسار آثاره المعروفة . كذلك تنقطع النفقة التى قد تكون قدرت له ، فإن النفقة لا تبقى إلا ببقاء حالة الإعسار القانونى . أما حقوق الاختصاص التى كان الدائنون قد أخذوها بعد تسجيل صحيفة دعوى الإعسار ، فإنها تصبح نافذة فى حق الدائنين الذين استجدوا بعد انتهاء حالة الإعسار ، ولكنها تبقى غير نافذة فى حق الدائنين السابقين على تسجيل صحيفة دعوى الإعسار ( [2357] ) .

وننتقل الآن إلى رجوع الأجل بعد سقوطه .

721 - رجوع الأجل بعد سقوط : متى زالت حالة الإعسار ، زال أثرها فى إسقاط أجل الدين ، وعاد الدين إلى أجله السابق . نستعرض ، لبيان ذلك تفصيلاً ، الفروض التى تزول فيها حالة الإعسار :

فإن زال الإعسار بحكم قضائى بسبب قيام المدين بوفاء ديونه التى حلت دون أن يكون لشهر الإعسار أثر فى حلولها ، فإن الديون الباقية التى لم توف – والتى كانت آجالها قد سقطت بشهر الإعسار – تعود إلى آجالها السابقة ، فتصبح ديوناً مؤجلة غير حالة ، ولا تحل إلا بانقضاء آجالها انقضاء طبيعياً بانقضاء المدة لا عن طريق سقوط الأجل . وتقضى بهذا كل من المادتين 261 فقرة أولى و 263 .

وإن زال الإعسار بحكم قضائى بسبب كفاية أموال المدين للوفاء بديونه الحالة منها والمؤجلة ، كانت هذه الديون طائفتين : ( 1 ) طائفة حل أجلها حلولا $ 1250 $ طبيعياً ، أما لأنها كانت حالة وقت شهر الإعسار وأما لأنها حلت بعد ذلك بانقضاء مدة الأجل لا بسقوطه . فهذه الديون تكون حالة مستحقة الأداء وعلى المدين الذى زالت حالة إعساره الوفاء بها ، وإلا اتخذ الدائنون إجراءات التنفيذ الجبرى واستوفوا حقوقهم من أمواله ، وهى تكفى فرضاً للوفاء لا بالديون الحالة وحدها ، بل بها وبالديون المؤجلة . ( 2 ) وطائفة لم يحل أجلها ، وإنما كان الأجل قد سقط بشهر الإعسار . هذه الديون إذا كانت لم توف ، تعود إليها آجالها السابقة بموجب المادة 263 - لا المادة 261 فقرة أولى – فترجع ديوناً مؤجلة ، وعند انقضاء مدة الأجل تكون مستحقة الأداء ، وعلى المدين الوفاء بها . والمفروض أن عنده من المال ما يكفى لذلك ( [2358] ) ، فإن لم ينفذ طوعاً اتخذت إجراءات التنفيذ الجبرى . ويشترط لجوع الآجال بعد سقوطها – كما تقضى صراحة المادة 263 - أن يكون المدين قد وفى ديونه التى حلت دون أن يكون لشهر الإعسار أثر فى حلولها ، أى أن يكون قد وفى الطائفة الأولى من الديون .

وإن زال الإعسار بقوة القانون – بانقضاء خمس سنوات من تاريخ التأشير بحكم شهر الإعسار - ووفى المدين الديون التى حلت دون أن يكون لشهر الإعسار أثر فى حلولها على النحو الذى قدمناه ، كان من حقه أن يطلب - بموجب المادة 263 لا المادة 261 فقرة أولى – إرجاع الآجال السابقة للديون التى تكون آجالها قد سقطت بسبب شهر الإعسار ولم يكن سبق الوفاء بها ( [2359] ) .

722 - خضوع المدين بعد زوال حالة إعساره لأحكام الدعوى غير المباشرة والدعوى البولصية : قلنا أن المدين الذى زالت حالة إعساره بحكم قضائى أو بقوة القانون يعود له حق التصرف فى ماله . ولكن قد يقع أن هذا $ 1251 $ المدين الذى زالت حالة إعساره القانونى يبقى مع ذلك معسراً إعساراً فعلياً ( [2360] ) . ففى هذه الحالة يصبح المدين خاضعاً لأحكام كل من الدعوى غير المباشرة والدعوى البولصية . ذلك أن انتهاء حالة الإعسار بحكم قضائى أو بقوة القانون – كما تقول المادة 264 - لا يمنع الدائنين من الطعن فى تصرفات المدين بالدعوى البولصية ، ولا من التمسك باستعمال حقوقه بالدعوى غير المباشرة ، وذلك كله وفقاً للمواد 235 - 243 مدنى ، وهى النصوص التى تبسط أحكام كل من الدعويين .

فيجوز للدائنين إلى أن يستعملوا حقوق مدينهم المعسر إعساراً فعلياً ، بعد زوال إعساره القانونى ، عن طريق الدعوى غير المباشرة ، فإن الذى يشترط فى هذه الدعوى هو الإعسار الفعلى دون الإعسار القانونى كما قدمنا .

ويجوز للدائنين كذلك أن يطعنوا فى تصرفات المدين المعسر إعساراً فعلياً ، بعد زوال إعساره القانونى ، بالدعوى البولصية ، فإن الذى يشترط فى هذه الدعوى أيضاً هو الإعسار الفعلى دون الإعسار القانونى كما سبق القول . وعلى الدائنين فى هذه الحالة أن يراعوا توافر شروط الدعوى البولصية ، إلا إذا عادوا إلى شهر إعسار المدين من جديد بعد توافر شروط الإعسار القانونى ، فعند ذلك لا تسرى تصرفات المدين فى حقهم دون حاجة إلى الطعن فى هذه التصرفات بالدعوى البولصية .

ويخلص لنا من ذلك أن المدين قد تتعاقب عليه حالتا الإعسار القانونى $ 1252 $ والإعسار الفعلى . فإن كان فى حلة إعسار قانونى ، فإنه يكون خاضعاً للنظام الخاص الذى بسطنا تفصيلاته فيما تقدم . أما إذا كان معسراً إعساراً فعلياً فإنه لا يكون خاضعاً لهذا النظام الخاص . بل يخضع للنظام العام الذى يخضع له جميع المدينين ، وهو النظام الذى تسوده أحكام الدعاوى الثلاث : الدعوى غير المباشرة والدعوى البولصية ودعوى الصورية .

 



([1]) لا نقصد إلى معالجة موضوع التصرف القانونى والواقعة القانونية ، فهو موضوع جد دقيق ، وليس مكانه هنا وقد سبق أن عالجناه فى دروس ألقيناها بقسم الدكتوراه بجامعة القاهرة ، وهى الدروس التى سنشير إليها من وقت إلى آخر . وسبق أيضا أن أشرنا إلى التمييز ما بين التصرف القانونى والواقعة القانونية ، وإلى أنهما هما المصدران لجميع الروابط القانونية ، فى كتابنا ((نظرية العقد)) وفى الجزء الأول من هذا (( الوسيط)) .

([2]) أنظر (( التصرف القانونى والواقعة القانونية )) وهى الدروس التى ألقيناها بقسم الدكتوراه بجامعة القاهرة وسبقت الاشارة إليها ص 63 ـ ص 111 وص 135 ـ ص 140 .

([3]) (( التصرف القانونى والواقعة القانونية )) دروس الدكتوراه )) دروس الدكتوراه المشار إليها ـ ص 141 ـ ص 142.

([4]) (( التصرف القانونى والواقعة القانونية )) دروس الدكتوراه المشار إليها ص 142 ـ ص 143 .

([5]) بعض المراجع الأساسية : بونييه (Bonnier) فى الإثبات فى القانون المدنى والقانون الجنائى سنة 1888 ـ راؤول دى لا جراسيرى (Raoul de la Grasserie) فى الإثبات فى المواد المدنية والجنائية فى القانون الفرنسى والتشريعات الأجنبية سنة 1912 ـ تفنيه (Thevenet) تعديل جديد فى النظرية التقليدية للإثبات ( المجلة العامة 1934 ص 127 ) ـ الدكتور محمد صادق فهمى فى الاثبات فى القانون المقارن رسالة من باريس سنة 1924 ( بالفرنسية ) ـ جان دابيا (jean dabia) فى صياغة الدليل القانونى وبخاصة فى القانون المدنى سنة 1935 ـ الدكتور على راشد فى الاقتناع الشخصى للقاضى رسالة من باريس سنة 1942 ( بالفرنسية) ـ جورف (Gorphe) فى تقدير الأدلة أما القضاء سنة 1947 ـ رويلوس (reulos) فى نظرية الاثبات والطرق الفنية الحديثة فى نسخ المستندات (المجلة الفصلية فى القانون التجارى سنة 1948 ص 608) ـ هنرى موتلسكى (Henri motulsky) فى المبادئ العامة لتطبيق القانون الخاص تطبيقاً نهجياً باريس سنة 1948 ـ جاك فلور (Jacques flour)بعض الملاحظات على تطور الأوضاع الشكلية ( متفرقات ريبير سنة 1950 ص 93) ـ روجيه ديكوتينس (roger decottignies) فى القرائن فى القانون الخاص باريس سنة 1950 . وهذا غير المؤلفات المبسوطة المعروفة فى شرح القانون المدنى الفرنسى ، ونذكر منها بنوع خاص : أوبرى ورو وبارتان جزء 12 طبعة خامسة ـ بودرى وبارد الجزآن الثالث والرابع طبعة ثالثة ـ بلانيول وريبير وجابولد الجزء السابع طبعة ثانية ـ بيدان ويرو الجزء التاسع طبعة ثانية ـ دى باج ( فى شرح القانون البلجيكى) الجزء الثالث طبعة ثانية ـ وغير المؤلفات الوجيزة المعروفة : بلانيول وريبر وبولانجيه طبعة ثالثة ـ كولان وكابيتان وجوليو دى لامورانديير (طبعة عاشرة :) ـ جوسران طبعة ثانية .

       وفى الفقه المصرى الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الأدلة ـ الأستاذ أحمد نشأت فى الاثبات (طبعة خامسة) ـ الموجز للمؤلف ـ الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الاثبات (طبعة ثانية) ـ الاستاذ عبد المنعم فرج الصدة فى الاثبات فى المواد المدنية (طبعة ثانية) ت الأستاذ عبد الباسط جميعى فى نظام الاثبات فى القانون المدنى المدنى المصرى وانظر أيضا نظرية الاثبات فى القوانين العربية للأستاذ حسين المؤمن ـ وطرق القضاء فى الفقه الاسلامى للأستاذ أحمد إبراهيم وعند الاشارة إلى المؤلفات التى تكرر طبعها نشير إلى الطبعة التى ذكرناها هنا (1) الموجز للمؤلف ص 614 ـ ص 645

([6]) الموجز للمؤلف ص 614 ـ ص 645

([7]) أنظر فى مقارنة دقيقة بين الإثبات القضائى والإثبات التعليمى أو التاريخى بارتان على أوبرى ورو جزء 12 فقرة 749 حاشية رقم 2 مكرر ، وأنظر أيضاً : بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1407 ـ ص 828 ـ ص 829 ـ بيدان وبرو 9 فقرة 1138 ص 306 ـ الأستاذ عبد الباصط جميعى نظام الإثبات فى القانون المدنى المصرى ص 39 ـ ص 42 .

([8]) وقد مر الاثبات القضائى فى تاريخ الانسانية بمراحل يضيق المقام هنا عن الخوض فيها. فقد كانت الانسانيةفى طفولتها تلجأ فى الإثبات القضائى غلى ضروب من السحر والشعوذة . ثم لجأت إلى الدين ، من حلف واستدعاء لله وللقديسين على المبطل من الخصمين . وكان القتال ، بل الانتحار ، من الأدلة القضائية عند بعض الأمم فى فجر التاريخ (انظر فى هذا راؤول دى جراسيرى (Raoul de la Grasserie) فى الاثبات فى المواد المدنية والجنائية فى القانون الفرنسى والتشريعات الأجنبية ص 18 ـ الأستاذ أحمد نشأت فى الاثبات جزء أول ص 9 ـ ص 12) .

([9]) وقد تغلب العادة فيجرى القلم بذكر إثبات الحق ، والمقصود دائماً هو إثبات الواقعة القانونية التى أنشات الحق.

([10]) مجموعة الأعمال الحضيرية 3 ص 349 .

([11]) الموجز فقرة 614 ص 645 . وأنظر : بلانيول وريبير وجابولد 7 ص 1406 ص 825 وقد جاء فيه : (( الدليل وحده هو الذى يحيى الحق ويجعله مفيدا )) (La praeuve seule vivifie le droit et le rend utile) . وقد أثرت فى هذا المعنى أقوال مشهورة ، منها (( ما لادليل عليه هو والعدم سواء )) أو (( يستوى حق معدوم وحق لا دليل عليه )) (Idem est non esse aut non probari) ـ ويقول أهرنج ك (( الدليل هو قوة الحق )) (La prevue est la rancon des duoits) ـ أنظر أيضا : بيدان وبرو 9 ص 1139 ص 207 ـ الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الاثبات ص 1 ص 2 .

([12]) بودرى وبارد 3 فقرة 2059 .

([13]) ويذهب الأساتذة كولان وكابيتان ودى لامورانديير ( جزء 2 ص 718 وجزء 1 ص 105 وما بعدها ) إلى هذا الرأى . كذلك يبدو ان الدكتور محمد صادق فهمى ( الإثبات فى القانون المقارن ص 85 ـ ص 86 ) يميل إلى وضع قواعد الإثبات فى تقنين المرافعات . أنظر أيضاً بيدان ويرو 9 فقرة 1140 ، ص 208 .

([14]) الموجز ص 646 ـ وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية لمشروع التقنين المدنى الجديد فى هذا الصدد ما ياتى : (( والواقع أنه يتضح من استظهار تبويب التقنينات المختلفة ومقارنة كل منها بالآخر ، أن الإثبات والشهر لا ينزلان منها مكاناً واحدا . فبعض هذه التنقينات يفرد لهما مكانا فى تقنين المرافعات ( مذهب التشريعات الجرمانية ) ، وبعض منها يضمن أحكامها تشريعاً مستقلا ( مذهب التشريعات الانجليزية والأمريكية ) ، وبعض آخر يفرق هذه الأحكام بين التقنين المدنى وتقنين المرافعات ( مذهب التشريعات اللاتينية ) . ويقوم مذهب الفريق الأخير من التقنينات على التفريق بين طائفة القواعد المتعلقة بالتنظيم الموضوعى ، وبين طائفة القواعد المتعلقة بالشكل والإجراءات ، ويلحق الأولى بالتقنين المدنى ، ويقرر الثانية مكاناً فى تقنين المرافعات ز وتشتمل الطائفة الأولى على الأحكام المتعلقة بمحل الاثبات ، وبيان من يقع عليه عبؤه ، وتفصيل طرقه ، وأحوال أعمال كل من هذه الطرق . وغنى عن البيان أنه يقصد من هذه الأحكام بوجه عام إلى اتقاء المنازعات وتأمين ما ينبغى للتعامل من استقرار ، ولعل هذا الغرض الوقائى بذاته هو أبرز ما ينهض لتوجيه وضعها فى نصوص التقنين المدنى باعتباره الأصل الجامع للمبادئ العامة فى القانون . أما ما يتعلق من الأحكام باعمال طرق الإثبات فهو يتصل بناحية الشكل والإجراءات ولا سيما ما يقوم من هذه الطرق على التحقيق أو الخبرة . وبديهى أن مثل هذه الأحكام أخص نطاقاً من الأحكام الموضوعية ، وهى تتسم على وجه الافراد بطابع قضائى يجعل خطابها ينصرف بوجه خاص إلى من يعهد إليهم بتطبيق القانون والفصل فى المنازعات. فأخلق بها ، والحال هذه ، أن تحل مع سائ ما يتلعق بخصوصيات الشكل والإجراءات صعيداً واحداً فى تقنين المرافعات )) . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 347 ـ ص 348 ) .

                                                                                                       ( م 2 الوسيط ج 2 )

([15]) وكذلك فعل القانون الأمريكى فى قانون الإثبات (Law of evidence) . أنظر فى مكان الإثبات فى كل من النظام اللاتينى والنظام الجرمانى والنظام الأنجلوسكسونى ، وذلك من ناحية التطور التاريخى ، رسالة الدكتور محمد صادق فهمى فى الإثبات فى القانون المقارن ص 20 ـ ص 55 .

([16]) وقد توضع القواعد الموضوعية للإثبات مع قواعد الشهر فى مكان واحد فى التقنين المدنى . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية لمشروع التقنين المدنى الجديد فى هذا المعنى ما يأتى : (( ليس شك فى أن التقنين المدنى هو أنسب مكان لكل ما يتعلق بالأحكام الموضوعية فى الإثبات ، بل وقد يكون فى هذا الوضع ما يدعو إلى التفكير فى الجمع بين هذه الأحكام وبين الأحكام الخاصة بشهر التصرفات فى كتاب قائم بذاته يكون عنوانه : فى الإثبات والشهر )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 347 ) .

 

([17]) وهذا ما سلم به واضعو تقنين المرافعات الجديد ، إذ قالوا فى المذكرة التفسيرية لمشروع التقنين المذكور إن قوانين المرافعات تجمع فى بعض البلاد الأوروبية بين قواعد الإثبات الموضوعية وبين إجراءات الإثبات وأوضاعه لشدة الاتصال بين القواعد وبين الإجراءات فى هذا الشأن . ومع ذلك رؤى أن يقتصر المشروع على الأحاطة بالإجراءات فى الأوضاع وأن تترك القواعد الموضوعية للقانون المدنى . وقد استتبع هذا رفع النصوص الموضوعية الموجودة فى قانون المرافعات الحالى مثل آثار عرض اليمين وحلفها والنكول عنها وعدم التعرض لبيان الأوراق التى تكون حجة حتى يطعن فيها بالتزوير والتى يكفى الإنكار للحيلولة دون الاحتجاج بها ، وترك ذلك كله للقانون المدنى .

       ويأخذ الأستاذ نشأت على واضعى تقنين المرافعات الجديد أنهم بالرغم مما قدموه قد عرضوا إلى بعض القواعد الموضوعية : (( مثلا نصت المادة 156 على أنه يجب أن تكون الوقائع المراد إثباتها متعلقة بالدعوى منتجة فيما جائزا قبولها . ونصت المادة 260 على أن المحكمة أن تقدر ما يترتب على الكشط والمحو والتحشير وغير ذلك من العيوب المادية فى الورقة من إسقاط قيمتها فى الاثبات أو إنقاصها ، والمادتان 262 و 284 أعطتا القاضى الحق فى أن يحكم بصحة الورقة التى أنكر توقيعها أو طعن فيها بالتزوير إذا اقتنع بذلك من وقائع الدعوى ومستنداتها أو أن يأمر بالتحقيق . وأجازت المادة 290 للمحكمة أن تحكم برد أية ورقة وببطلانها إذا ظهر لها بجلاء أنها مزورة ولو لم يدع أمامها بالتزوير )) ( الأستاذ نشأت فى الاثبات فقرة 23 ص 25 ) . وهذه الأمثلة التى ساقها الأستاذ نشأت إنما تدل على تعذر فصل القاعدة الموضوعية عن قواعد الإجراءات فى بعض الحالات الخاصة . فما كان باليسير على واضعى تقنين المرافعات الجديد أن يغفلوا ما أوردوه من هذه القواعد الموضوعية ، فهى متصلة اتصالا وثيقاً بما تلتها من قواعد الإجراءات ، هذا إذا استثنينا المادة 156 التى تنص على أن تكون الوقائع المراد إثباتها متعلقة بالدعوى ، منتجة فيها ، جائزا قبولها ، فان المكان الطبيعى لهذا النص هو التقنين المدن .

       كذلك يوجد طريقان للإثبات ـ هما المعاينة والخبرة ـ تغلب فيهما الناحية الإجرائية ، فكان مكانهما اللائق من الناحية العملية هو تقنين المرافعات ( قانون الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرى 29 ) .

 

 

 

([18]) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1406 ص 826 ـ بلانيول وريبير بولانجيه 2 فقرة 2157 .

([19]) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1408 ص 830 .

([20]) أنظر فى هذا المعنى الستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 24 ـ فقرة 27 ـ ومما يؤكد هذا المعنى ، فى القانون الدولى الخاص ، أن القانون الذى يسرى على القواعد الموضوعية فى الإثبات هو عين القانون الذى يسرى على شكل العقود ، ذلك أن الإثبات ، من ناحية قواعد الإسناد ، هو فى منزلة الشكل ، فيسرى قانون البلد الذى تم فيه العقد أو قانون الموضوع أو قانون موطن المتعاقدين أو قانوهما الوطنى المشترك . وقد نصت المادة 20 من التقنين المدنى الجديد على أن (( العقود ما بين الأحياء تخضع فى شكلها لقانون البلد الذى تمت فيه ، ويجوز أيضاً أن تخضع للقانون الذى يسرى على أحكامها الموضوعية ، كما يجوز أن تخضع لقانون موطن المتعاقدين أو قانونهما الوطنى المشترك )) ( انظر فى هذه المسألة بيدان وبرو 9 فقرة 1156 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1431 ص 860 ـ 862 ) أما الإجراءات الشكلية للإثبات فيسرى عليها قانون القاضى (lex fori) ، وقد نصت المادة 22 من التقنين المدنى على أنه (( يسرى على قواعد فيه الإجراءات ))

       على أنه ، بالرغم من ذلك ، يجب أن يلاحظ أن الحق قد يقوم دون أن يقوم دليله ، بأن يستوجب القانون مثلا أن يكون الدليل كتابة لا توجد أو كتابة لها شكل خاص فتكون باطلة لعدم استيفائها الشكل المطلوب . وعند ذلك يبقى الحق قائما وإن سقط الدليل . وقد يهيأ لصاحب الحق أن يثبت وجوده من طريق آخر . ومن ثم كان للقول بقيام الحق مع سقوط دليله هذا الوجه من ناحية العمل ( انظر فى ذلك بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1408 ص 829 ص 830 ـ بيدان وبرو 9 فقرة 1139 ص 207 ) .

([21]) جوسران 2 فقرة 158 ـ بيدان وبرو 9 فقرة 1140 ص 207 ـ ص 208 ـ والسبب فى أن التقنين المدنى الفرنسى وضع الإثبات فى هذا المكان هو أن واضعى هذا التقنين اقتفوا أثر بوتييه (pothier) ، حتى دون أن يتدبروا أن بوتييه عنى بعبارة (( طرق الوفاء )) (paiements) فى صيغة الجمع إثبات جميع الأسباب التى ينقضى بها الالتزام دون أن يقتصر على الوفاء ( بودرى وبارد 3 فقرة 2053 ـ ما كارديه 5 ص 2ـ لارومبير 5 م 1315 فقرة 7 ت ديمولومب 29 فقرة 181 ـ لوران 19 فقرة 81 ) وكان دوما (domat) فى كتابه (( القوانين المدنية ـ الكتاب الثالث ـ الباب السادس )) مثلا أفضل للاحتذاء من بوتييه ، فإن هذا الفقيه الأخير إنما وضع الإثبات فى المكان الذى وضعه فيه لأنه لم يضع كتاباً فى القانون المدنى جملة واحدة ( بلانيول وريبير وبولانجيه فقرة 2155) .

([22]) الباب السادس من الكتاب الأول فى الالتزامات بوجه عام ، وهذا فى التقنين الجديد .

([23]) وقد جاء فى الموجز فى هذا المعنى ما يأتى : (( فليست نظرية الإثبات إذن مقصورة على الالتزامات التعاقدية كما قد يوهم ذلك موضعها من القانون المدنى الفرنسى . وليست مقصورة على الالتزامات بوجه عام ، تعاقدية كانت أو غير تعاقدية ، كما قد يدل على ذلك مكانها فى القانون المدنى المصرى . بل هى نظرية عامة شاملة ، تتناول العقود ، وتتناول غير العقود من مصادر الالتزامات الأخرى ، وتتناول مصادر الحقوق العينية ، ومصادر روابط الأسرة ن بل هى تجاوز القانون المدنى إلى غيره من القوانين )) ( الموجز فقرة 615 ص 645 ـ ص 646 ) .

([24]) قارن الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 30 ـ فقرة 35 . وهذه العادة وما ألفته الناس هما السبب فى أن التقنين المدنى الجديد قد عادل عن إفراد كتاب خاص للإثبات والشهر . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا اصد ما يأتى : (( على أن مسألة استحسان إفراد كتاب خاص للإثبات والشهر لا تزال جديرة بالنظر والتفكير ، ولا سيما إذا اللاتينية ، وأخصها التقنين الفرنسى والتقنين الإيطالى والتقنين البلجيكى والمشروع الفرنسى الإيطالى ، وعقد للإثبات باباً سادساً فى الكتاب الثانى الخاص بالتعهدات والعقود . ولم ير المشروع أن يشذ عن هذا النهج بعد أن استقر فى تقاليد البلاد . أما الشهر فقد نظم فى أكثر الدول بمقتضى تشريعات خاصة صدرت بعد العمل بالتقنينات المدنية ، ثم أدمجت فى هذه التقنينات فيما بعد عقب الأحكام الخاصة بالحقوق العينية . وقد اختار المشروع هذا الوضع . على أن توزيع أحكام الإثبات وقواعد الشهر على هذا النحو لم يقصد منه إلى قصر نطاق الأولى على الالتزام ووقف الثانية على الحقوق العينية فحسب . فمن المسلم ـ بوجه عام ـ أن تلك الأحكام عامة التطبيق ، تسرى على جميع الوقائع القانوية المبدئة للحقوق ، مالية كانت هذه الحقوق أو عينية أو معنوية ، ومن المسلم كذلك أن هذه القواعد لا تقتصر على الحقوق العينية العقارية ، بل ينبغى أن تتناول كل ما يهم الغير الوقوق عليه من الأوضاع القانونية ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 348 ) .  

 

 

 

 

 

([25]) ونوجه النظر منذ الآن إلى أن الذى وضع المشروع الابتدئى فى الإثبات هو الأستاذ استنويت (stenuit) الذى كان قاضياً بالمحاكم المختلطة ( انظر الوسيط جزء أول ص 17 هامش رقم 2 ) وقد وضع هذا المشروع الابتدائى فى اثنتين وخمسين مادة ، وأرفق بهذه النصوص مذكرة إيضاحية تتمشى معها بطبيعة الحال . وقد تناولت لجنة تنقيح القانون المدنى هذه النصوص بالمراجعة والتنقيح حتى حولتها إلى جزء من المشروع التمهيدى للقانون المدنى هذه النصوص بالمراجعة والتنقيح حتى حولتها إلى جزء من المشروع التمهيدى للقانون . ولكن المذكرة الإيضاحية التى وضعها الأستاذ استنويت أدرجت كما هى فى مجموعة الأعمال التحضيرية ، دون مراعاة لما أدخل على النصوص الأولى من تنقيح وتعديل . فأصبحت هذه المذكرة ، فى بعض المواضع ، لا تتمش مع النصوص النهائية . وسننبه إلى كل مسألة فى موضعها .

([26]) أنظر الوسيط جزء أول ص 71 .

([27]) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن القانون الذى كان معمولا به وقت إبرام التصرف هو الذى يسرى على هذا التصرف من حيث شروط صحته ومن حيث شلكه ومن حيث طرق إثباته ( 25 يونية سنة 1913 م 25 ص 471 ) . ويحدد حجية الورقة المكتوبة القانون القائم وقت صدورها ( استئناف مصر 24 فبراير سنة 1930 المحاماة 10 رقم 346 ص 696 ) وقد كانت المادة 19 من المشروع التمهيدى للتقنين المدنى الجديد تنص على أن (( تسرى فى شأن القرائن القانونية النصوص المعمول بها فى الوقت الذى تم فيه العمل أو الحادث الذى تترتب عليه القرينة القانونية )) ولكن هذه المادة حذفت فى لجنة المراجعة لوضوح حكمها ولعدم الحاجة إليها ( مجموعة الأعمال التحضيرية 1 ص 227 ) أما طرق الإثبات التى هى ليست من عمل الطرفين بل يترك أمرها إلى القاضى ، كالاقرار واليمين ، فيسرى عليها القانون الجديد . فلو أن قانوناً جديداً منع اليمين فى حالة معينة ، فمان توجيه اليمين يكون غير جائز فى هذه الحالة حى عن واقعة حدثت قبل نفاذ القانون الجديد ( بيدان وبرو 9 فقرة 1157 ص 229 ) .

       وإذا خفض قانون جديد نصاب البيئة إلى خمسة جنيهات مثلا ، فالتصرفات المبرمة قبل نفاذ هذا القانون الجديد وتزيد على خمسة جنيهات ولا تزيد على العشرة يكفى فى إثباتها البيئة والقرائن , لأن القانون القائم وقت إبرام التصرف كان يجيز ذلك ( ديرانتون 1 فقرة 66 ـ ديمولومب 1 فقرة 54 ـ لوران 1 فقرة 176 . ) أما إذا رفع قانون جديد نصاب البيئة إلى عشرين جنيها مثلا ، فالأصل أن التصرفات المبرمة قبل نفاذ هذا القانون الجديد ، وتزيد على عشرة جنيهات ، لايجوز إثباتها بالبيئة ، وإن كانت لا تزيد على عشرين جنيهاً ، إعمالا للقانون القائم وقت إبرام هذه التصرفات دون نظر لأحكام القانون الجديد ، حتى لا يتأثر مركز الخصمين بهذه الأحكام . وبهذا الرأى يقول كثير من الفقهاء ( ديرانتون 1 فقرة 66 ـ ديمولومب 1 فقرة 54 ـ لوران 1 فقرة 176 ) . ولكن بعض الفقهاء يذهبون غلى جواز الإثبات بالبيئة فى هذه الحالة لأن فتح القانون الجديد لهذا الطريق للاثبات إ،ما كان المقصود منه الكشف عن الحقيقة بطرق أصلح ، ولا يجوز للمدين فى هذا الفرض أن يدعى أنه كسب حقاً فى أن يتخلص من التزامه بسبب عقم طرق الإثبات التى كانت قائمة وقت نشوء هذا الالتزام ( أوبرى ورو 1 طبعة خامسة ص 128 وهامش رقم 66 ـ بودرى وهوك فوركارد 1 فقرة 176 ـ بيدان وبرو 9 فقرة 1157 ص 229 ـ ص 230 . على أن القائلين بهذا الرأى الأخير يقصرونه على الحالة التى نحن بصددها ، ولا يعممونه حتى يتناول الأوراق المكتوبة والقرائن القانونية ، فهذه وتلك يحكمها القانون الذى يكون قائما وقت صدورها أو وقت تمام الحادث الذى ترتبت عليه ( أنظر فى هذا الموضوع جوريس كلاسير المدنى (Juris-classeur Civil) قسم 134 مادة 1316 فقرة 14 ـ فقرة 17 ) .

       أما الوقائع التى لا تتوافر أدلتها وقت نشوئها ـ وهى الوقائع المادية ـ فهذه يسرى عليها القانون الجديد حتى لو كان قد نشأت فى ظل القانون القديم . وكذلك جواز قبول الواقعة فى الإثبات يعتبر من النظام العام فيسرى عليه القانون الجديد ، وقد نصت على هذا الحكم الفقرة الثانية من المشروع التمهيدى للتقنين المدنى ، ولكن هذا النص حذفته لجنة المراجعة تجنبا للتفصيلات ولأن مكانه المناسب هو قانون المرافعات ( مجموعة الأعمال التحضيرية 1 ص 225 ) . انظر فى هذا الموضوع الدكتور عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات فى المواد المدنية فقرة 53 ـ فقرة 56 ص 61 ـ ص65 ) .

([28]) وكان النص فى المشروع يجرى على الوجه الآتى : (( تسرى فى شأن الأدلة التى تعد مقدما للنصوص المعمول بها فى الوقت الذى يعد فيه الدليل أو فى الوقت الذى يستطاع أو ينبغى فيه إعداده )) . ولكن لجنة مجلس الشيوخ حذفت عبارة (( مجموعة الأعمال التحضيرية 1 ص 227 ) .

([29]) وقد كانت الفقرة الأولى من المادة 17 من المشروع التمهيدى للتقنين المدنى تنص على ما يأتى : (( تسرى النصوص المتعلقة بإجراءات الاثبات من وقت العمل بها على جميع الدعاوى القائمة )) . ولكن هذا النص حذف فى لجنة المراجعة لأن مكانه المناسب هو تقنين المرافعات ( انظر المادة الأول من تقنين المرافعات الجديد ).

([30]) وقد ثار ابن القيم الجوزية على تحديد الفقهاء للأدلة فى الإثبات جامداً وتقيدهم بشهادة الشهود وأخذهم بها دون القرائن والأدلة الأخرى ، ونادى بوجوب ترك الإثبات حراً ، (( فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأى طريق كان فثم شرع الله )) . قال فى أعلام الموقعين : (( إن الشارع فى جميع المواضع يقصد ظهور الحق بما يمكن ظهوره به من البينات التى هى أدلة عليه وشواهد له ، ولا يرد حقاً متى ظهر بدليله أبداً ، فيضيع حقوق الله وعباده ويعطلها ، ولا يقف ظهور الحق على أمر معين لا فائدة فى تخصيصه مع مساواة غيره له فى ظهور الحق أو رجحانه عليه ترجيحاً لا يمكن جحده ودفعه ، كترجيح شاهد الحال على مجرد البينة فى صورة من على رأسه عمامة وبيده عمامه وآخر خلفه مكشوف الرأس يعدو أثرهولا عادة له بكشف راسه ، فبينة الحال ودلالته هنا تفيد ظهور صدق المدعى أضعاف ما يفيد مجرد البينة عند كل أحد . فالشارع لا يهمل مثل هذه البينة والدلالة ، ويضيع حقاً يعلم كل أحد ظهوره وحرمته . بل لما ظن هذا من ظنه ضعيوا طريق الحكم ، فضاعكثير من الحقوق لتوقف ثبوتها عندهم على طريق معين ، وصار الظالم الفاجر ممكناً من ظلمه وفجوره : فيفعل ما يريد ويقول يقوم على بذلك شاهدان أثنان ، فضاعت حقوق كثيرة لله ولعباده )) . ثم قال فى الطرق الحكمية (( فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأى طريق كان ، فثم شرع الله ودينه ، والله سبحانه علم  وأحكم وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشئ ثم ينفى ما هو أظهر منها وأقوى دلالة وأبين اشارة ، فلا يجعله منها ، ولا يحكم عند وجودها بموجبها ، بل قد بين سبحانه وتعالى بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده ، وقيام الناس بالقسط ، فأى طريق ستخرج بها العدل والقسط فهى من الدين ليست بمخالفة له )) .

([31]) الموجز للمؤلف ص 647 .

([32]) وكذلك كان الأمر فى الصدر الأول من القانون الفرنسى القديم ، فكان شهادة الواحد لا تصلح testis unus. Testis nullus ـ انظر بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2192 .

([33]) انظر القوانين الفقهيه لإبن جزى ص 309 ـ ص 310 .

([34]) الموجز للمؤلف ص 647

([35]) الحياد هنا ليس معناه عدم التحيز (impartialite) ـ فإن هذا واجب بداهة على القاضى ـ بل معناه أن يقف القاضى موقفاً سلبياً من كلا الخصمين على حد سواء (neutralite) (بيدان وبرو 9 فقرة 1151 ، ص 218 ) .

([36]) ديموج فى الأفكار الرئيسية فى القانون الخاص (Notions fondamentales du droit prive) الفصل السابع ص 534 ـ ص 541 .

([37]) الموجز للمؤلف ص 647 ـ ص 648 .

([38]) أنظر المذكرة التفسيرية لتقنين المرافعات الجديد . وأنظر الدكتور أحمد أبو الوفا فى المرافعات المدنية والتجارية ص 29 ، والدكتور عبد المنعم أحمد الشرقاوى فى شرح المرافعات المدنية والتجارية ص 10 ـ ص 11 .

([39]) فلا يجوز للقاضى أن يستند إلى أوراق عثرت عليها النيابة العامة دون أن يثبت أن هذه الأوراق قد عرضت على الخصوم لمناقشتها ( لارومبير 5 م 1316 فقرة 10 ـ ديمولومب 29 فقرة 200 ـ بودرى وبارد 3 فقرة 2056 ـ نقض فرنسى 20 نوفمبر سنة 1889 داللوز 90 ـ 1 ـ 54 ) . ولا يجوز للمحكمة أن تعتد بكتاب أرسل إلى رئيسها ولم يعرضه الرئيس على الخصوم لمناقشته ( نقض فرنسى 23 أبريل سنة 1902 داللوز 1903 ـ 1 ـ 368 ) ولا بتحقيق جنائى لم تناقشه الخصوم ( نقض فرنسى 29 يوليه سنة 1903 داللوز 1903 ـ 1 ـ 448 ) . ولكن يجوز لمحكمة الاستئناف ، دون أن تفحص من جديد الدليل الذى سبق أن فحصته محكمة أول درجة ، أن تستخلص من هذا الدليل نتيجة غير النتيجة التى استخلصتها هذه المحكمة الأخيرة ( أوبرى ورو 12 فقرة 749 ص 99 ) .

([40]) كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 721 ص 488 . أنظر فى هذه المسألة ـ مناقشة الخصوم للأدلة ـ من ناحية التطور التاريخى رسالة الدكتور محمد صادق فهمى فى الاثبات فى القانون المقارن ص 239 ـ ص 247.

([41]) نقض فرنسى 20 نوفمبر سنة 1889 داللوز 90 ـ 1ـ 54 ( سبقت الإشارة إليه ) ـ 22 فبراير سنة 1897 داللوز 98 ـ 1 ـ 114 ـ 23 أبريل سنة 1902 داللوز 1903 ـ 1 ـ 368 ( سبقت الإشارة إليه ) . انظر الأستاذ عبد الباسط جميعى فقرة 90 .

([42]) ويقول بارتان ( أوبرى ورو 12 فقرة 749 ص 74 حاشية رقم 8 ter) إنه لو سمح للقاضى أن يتدخل فى الإثبات وأن يأتى من عنده بأدلة لم تقدمها الخصوم ، لخشى أن يعدل من طلبات المدعى أو أن يحور فيها ، وليست هذه مهمة القاضى فإذا ما أتى القاضى بأدلة من عنده ، ورضى الخصوم أن يناقشوها ، ونزلوا عن حقهم فى الاعتراض ، كان هذا بمثابة اتفاق بين الخصمين ، وهو جائز فى صورة صرحية فيجوز فى هذه الصورة الضمنية ( ص 76 حاشية رقم 8 sexies) . وحتى الواقعة المعروفة بالشهرة العامة (commune renommee)  لابد فيها من إثبات الشهرة العامة وحدها كما يقول أوبرى ورو ( 12 فقرة 749 ص 77 حاشية رقم 9 ) . انظر أيضاً كولان وكابيتان ومورانديبر 2 ص 488 .

([43]) ولكن هذا لايمنع من أن يستعين القاضى فى قضائه بما هو مقروف بين الناس ولا يكون علمه خاصاً به مقصوراً عليه ، وذلك كالمعلومات التاريخية والجغرافية والعلمية والفنية الثابتة ، فله أن يتسعين فى قضائه بما هو معروف من أن الأراضى فى مصر قد أصبحت مملوكة لأصحابها رقبة ومنفعة بعد أن كانت أراضى خراجية وذلك منذ عهد سعيد باشا . وبما هو معروف من أن رى الحياض لا يكون إلا دورة زراعية واحدة ، وبأن ثمن القطن كان منخفضاً فى أوقات مرتفعاً فى أوقات أخرى ( أنظر الأستاذ عبد الباسط جميعى ص 73 والأحكام التى اشار إليها والأستاذ عبد المنعم فرج الصدة ص 16 ) .

       وانظر فى جواز أن يقضى القاضى بعلمه فى الفقه الإسلامى عند المتقدمين ( فى غير الحدود الخالصة ) وفى عدم جواز ذلك إطلاقاً عند المتأخرين الأستاذ أحمد إبراهيم فى طرق القضاء فى الشريعة الإسلامية ص 33 ت ص 42 .

 

([44]) وقطع فى ذلك أن القاضى الجنائى ، ودوره فى الإثبات إيجابى إلى حد بعيد فلا يعتبر محايداً ، ممنوع مع ذلك من القضاء بعلمه ، كما لاحظ ذلك بحق الأستاذ عبد الباسط جميعى فى كتابه ((نظام فى الإثبات القانون المدنى المصرى )) ( ص 78 ) .

([45]) أنظر طرق القضاء فى الشريعة الإسلامية للاستاذ أحمد إبراهيم ص 235 ونظام الإثبات فى القانون المدنى المصرى للأستاذ عبد الباسط جميعى ص 93 .

([46]) على أن الورقة قد تكون صادرة من الخصم فيستند إليها الخصم الآخر ، وفى هذا الاستناد إقرار من هذا الخصم الآخر بصحة ما جاء بالورقة ، ومن ثم يجوز للخصم الأول ان يحتج بها بالرغم من أنها صادرة منه هو ( نقض مدنى 22 مايو سنة 1941 المحاماة 22 ص 250 ـ نظام الإثبات فى القانون المدنى المصرى للأستاذ عبد الباسط جميعى ص 93 .

([47]) انظر فى هذا المعنى استئناف مصر 6 ديسمبر سنة 1911 المحاماة 2 رقم 69 ص 222 ـ 30 مايو سنة 1932 المحاماة 13 رقم 211 ص 418 ـ استئناف مختلط 10 يونية سنة 1915 م 27 ص 402 .

 

([48]) انظر الفقرة الأولى من المادة 388 من مشروع التقنين المدنى الجديد ، وكان نصها يجرى على الوجه الآتى : (( يعتبر الشرط قد تحقق إذا كان الطرف الذى له مصلحة فى أن يتخلف قد حال بطريق الغش دون تحققه )) . وقد حذفت فى لجنة المراجعة لإمكان استخلاص حكمها من القواعد العامة . وانظر أيضاً المادة 1178 من التقنين المدنى الفرنسى وبلانيول وريبير وجابولد 7 فقر 1411 ص 834 .

([49]) ديموج 3 ص 347 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1411 ص 834.

([50]) ويرجع أصل هذه الدعوى إلى القانون الرومانى ، منذ عهد الألواح الاثنى عشر على قول ( أكارياس Accqrias فى القانون الرومانى 2 ص 876 ) ، وفى آخرعهد الجمهورية على قول آخر ( جيرار Girard الطبعة الثالة ص 629 هامش رقم 2 ) ـ وانتقلت الدعوى فى العصور الوسطى إلى القانون الكنسى (droit canonique) وإلى بعض قوانين العادات (droits coutumiers) فى فرنسا . ولم يرد فى شأنها نص عام فى التقنين المدنى الفرنسى ، ولكن وردت بعض نصوص تشريعية متفرقة فى بعض تطبيقاتها التفصيلية . من ذلك الفقرتان الثانية والثالثة من المادة 842 من التقنين المدنى الفرنسى فيما يتعلق بمستندات العين المقسومة التى توجد فى يد أحد الشركاء المتقاسمين ، ومن ذلك المواد من 14 إلى 17 من التقنين التجارى الفرنسى فيما يتعلق بتقديم دفاتر التجار الاطلاع عليها ـ ولكن الفقه والقضاء فى فرنسا يميلان إلى تعميم هذه التطبيقات على حالات أخرى لم ينص عليها ( ديموج 3 فقرة 211 ـ ديموج فى المجلة الفصلية للقانون المدنى سنة 1921 ص 740 وسنة 1928 ص 898 ـ ديمونتيس Demontes فى دعوى العرض فى القانون الحديث رسالة من باريس سنة 1922 ـ جلاسون وتيسييه وموريل ، فقرة 594 ـ موريل فقرة 479 ـ بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2171 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1412 ص 835 ـ ص 836 ـ بيدان وبرو 9 فقرة 1175 ـ نقض فرنسى 17 يونية سنة 1879 سيريه 1881 ـ 1 ـ 116 ـ 22 ديسمبر سنة 1897 داللوز ـ ا ـ 85 ـ 19 فبراير سنة 1907 سيريه 1907 ـ 1 ـ 271 ـ 16 مارس سنة 1921 مجلة القانون المدنى 1921 ص 740) .

([51]) وذلك كمحاضر الجرد وعقود القسمة وتصفية التركات والأموال المشتركة وعقود الوكالة والشركات ( بيدان وبرو 9 فقرة 1175 ص 247 ـ ص 248 .

([52]) محكمة رن 14 يونية سنة 1928 المجلة الفصلية للقانون المجنى 1928 ص 898 . أنظر كذلك القضاء البلجيكى : بروكسل 6 مارس سنة 1863 باسيكريزى 1863 ـ 96 ـ لييج 4 أبريل سنة 1868 باسيكريزى 1868 ـ 219 . ويذهب كل من القضاء الفرنسى والقضاء البلجيكى إلى أن المبدأ القاضى بألا يجبر الخصم على تقديم مستند ضد نفسه (Nemo tenetur edere contra se) لا يجوز أن يتخذ ستاراً للحيلولة دون العدالة ولتحقيق أغراض ذاتية . ويقول بيدان وبرو فى هذه المناسبة إن الاحتماء بالمبدأ على هذا الوجه يعد ضرباً من التعسف (abus des droits) (بيدان وبرو 9 فقرة 1175 ص 248) .

([53]) وكوجوب عدم انتهاك حرمة الرسائل ووجوب الامتناع عن الإضرار بالغير . وفى هذه الحدود لا يجوز للشخص الامتناع عن تقديم مستند أمره القضاء بتقديمه ، وإلا جاز الحكم عليه بغرامة تهديدية (astreinte) ، بل نمجاز الحكم ضده فى الدعوى (نقض فرنسى 15 يولية سنة 1901 داللوز 1901 ـ 1 ـ 499 ـ بيدان وبرو 9 فقرة 1175 ص 248 ـ ص 249 ) .

([54]) ويجوز كذلك إجبار الغير على تقيدم مستند تحت يده إذا كان هذا الغير شخصاً يقوم بوظيفة عامة وذلك كمسجلى الحالة المدنية (officiers de l`etat civil) وحافظى الرهون (conservateurs des hypotheques) وموثقى العقود (notaries) ، ويترك ذلك لتقدير القضاء . أما الأفراد الأجانب عن الخصومة فيجوز كذلك إجبارهم إذا ثبت ضدهم غش أو تدليس أو كانوا شهوداً فى الدعوى . هذا إلى أن الفرد الذى يمتنع دون حق عن تقديم مستند فى يده يفيد العدالة يكون مسئولا عن تعويض الضرر الذى يحدثه بمقتضى المادة 1382 من التقنين المدنى الفرنسى ( بيدان وبرو 9 فقرة 1176 ـ فقرة 1177 ) .

([55]) وقد قضت محكمة النقض بأنه (( لا يجبر خصم على أن يقدم دليلا يرى أنه ليس فى مصلحته ، فإن من حق كل خصم أن يحتفظ بأوراقه الخاصة به ، وليس لخصمه أن يلزمه بتقديم مستند يملكه ولا يريد تقديمه )) ( نقض مدنى 11 أبريل سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 50 ص 160 ـ وانظر حكماً آخر فى 2 أبريل سنة 1936 مجموعة عمر 1 ص 1083 ) . وقضت محكمة استئناف مصر بأنه إذا قدم خصم فى دعوى على الحكومة ورقة قال إنها صورة غير رسمية من أحد الخطابات المتبادلة بين إحدى مصالح الحكومة ووزارة المالية ، جاز للحكومة أن تطلب من المحكمة أن تأمر باستبعادها من دوسيه الدعوى ، لأنه غذا كان لا يجوز إلزام الحكومة إلى تقديم الأصل الخالف للصورة ( محكمة الاستئناف 6 ديسمبر سنة 1911 المحاماة 2 رقم 69 ص 222 ) وقضت محكمة الموسكى بأنه لا يجوز إعطاء صور التلغرافات للغير لأنها معتبرة من الأوراق الخصوصية ( محكمة الموسكى 19 مايو سنة 1925 المحاماة 6 رقم 114 ص 164 ) .

([56]) وقد قضت محكمة النقض بان (( إذا طلب الخصم تكليف خصمه بتقديم ورقة تحت يده مدعياً أن له حقاً فيها وامتنع عن تقيدمها فهذا الامتناع إنما يكون محل اعتبار من المحكمة بحسب دلالته المحتملة وبغير غلزام من القانون بعده حتما تسليماً بقول الطالب ( نقض مدنى 11 مارس سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 285 ص 563 . وانظر أيضا استئناف مختلط 10 يونية سنة 1914 م 27 ص 402 ـ 16 ديسمبر سنة 1941 م 54 ص 22 ) .

([57]) وقد قضت محكمة النقض بأنه (( إذا كانت محكمة الموضوع قد اتخذت إجراء من إجراءات تحضير الدعوى بأن كلفت أحد الخصوم بتقديم ورقة من الأوراق ، فلم يقدمها وادعى عدم وجودها عنده ، فإن لها أن تحكم فى موضوع الدعوى لمصلحة الخصم الذى يرجح لديها أنه هو المحق ز وبحسبها أن تكون قد دونت فى حكمها حجج الطرفين ، واعتمدت فى ترجيح ما رجحته منها على أسباب معقولة ، ليكون حكمها بعيداً عن رقابة محكمة النقض ، لأن الاجتهاد فى ذلك كله داخل فى فهم الواقع فى الدعوى مما لا شأن فيه للقانون ( نقض مدنى 2 أبريل سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 342 ص 1082 ) .   

([58]) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا امتنع الخصم من تقديم مستند ـ كمحضر جرد تركة ـ بعد تكليف المحكمة له بتقديمه ، وأصبح من المستحيل بسبب هذا الامتناع الاطلاع على هذا المستند ، اعتبر خصمه قد أقام الدليل على ما كان يطلب إثباته من واقع هذا المستند ( استئناف مختلط 10 ديسمبر سنة 1941 م 54 ص 22 ) .

([59]) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى شأن هذا النص ما يأتى : (( يدخل الالتزام بتقديم شئ فى نطاق الالتزامات المقررة بنص القانون . ويقتضى ترتيب هذا الالتزام اجتماع شروط ثلاثة : (ا) أولها أن يدعى شخص بحق يتعلق بشئ ، شخصياً كانالحق او عينياً . (ب) والثانى أن يكون الشئ المدعى به فى يد شخص آخر على سبيل الحيازة أو الإحراز ، سواء أكان هذا الشخص خصما فى الدعوى أم لم يكن خصما فيها . (ج) والثالث أن يكون فحص الشئ ضرورياً للبت فى الحق المدعى به من حيث وجوده ومداه . ويرجع تقدير هذه الضرورة غلى القاضى ... فإذا اجتمعت الشروط المتقدم ذكرها ، جاز للقاضى أن يأمر بعرض الشئ أو الوثيقة المطلوبة ، إلا أن يتمسك المدين بمصلحة مشروعة أو سبب قوى للامتناع ، كالحرص على حرمة سر عائل مثلا . والأصل فى العرض أن يحصل حيث يوجد الشئ وقت رفع الدعوى ز ولكن يجوزللقاضى أن يحكم بغير ذلك كما هو الشأن فى تقديم الشئ أمام القضاء . وتكون نفقات العرض على نفقة من يطلبه . ويجوز إلزامه ، إذا رأى القاضى ذلك ، بتقديم تأمين لضمان تعويض ما قد يصيب محرز الشئ من ضرر من وراء هذا العرض )) ( مجموعة الأعمال الحضيرية 2 ص 491 ـ ص 492 فى الحاشية ) . 

([60]) وقد قضت محكمة النقض بأن قاعدة أنه لا يجوز إلزام خصم بتقديم مستندات لخصمه ولا يجوز انتقال المحكمة للاطلاع عليها إلا إذا كانت هذه المستندات رسمية لا تنطبق فى حالة ما إذا كانت الورقة مشتركة بين الطرفين بأن كانت مثبتة لالتزامات متبادلة بينهما ( نقض مدنى 8 فبراير سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 61 ص 320 ) .

([61]) ومن أجل ذلك نصت المادة 258 من تقنين المرافعات على أنه (( إذا قدم الخصم ورقة للاستدلال بها فى الدعوى ، فلا يجوز له سحبها بغير رضاء خصمه إلا بإذن كتابى من القاضى أو رئيس الدائرة )) .

([62]) انظر شرح المرافعات المدنية والتجارية للدكتور عبد المنعم أحمد الشرقاوى ص 456 ـ ص 460 وكتاب المرافعات المدنية والتجارية للدكتور أحمد أبو الوفا ص 492 ـ ص 494 .

([63]) ويكون الأمر مع ذلك أيضاً متروكاً لتقدير القاضى ، فله أن يرفض طلب تقديم الورقة ، ولو فى إحدى هذه الحالات الثلاث ، إذا تبين له عدم جدية الطلب . وقدقضت محكمة النقض بأنه وإن كانت المادة 253 من تقنين المرافعات تجيز للخصم أن يطلب إلزام خصمه بتقديم أية ورقة منتجة فى الدعوى تكون تحت يده إذا توافرت إحدى الأحوال الثلاث الواردة فيها ، إلا أن الفصل فى هذا الطلب باعتباره متعلقاً بأوجه الإثبات متروك لتقدير قاضى الموضوع ، فله أن يرفضه إذا تبين له عدم جديته ، وإذن فى كانت المحكمة ، إذ رفضت إجابة طلب الطاعن بإلزام المطعون عليه بتقديم دفاتر الوقف لإثبات وفائه للأجرة التى ادعى أنه قام بدفعها ، قد قررت ، بالأدلة المبررة التى أوردتها وبمالها من سلطة التقدير الموضوعية فى هذا الخصوص ، أنه طلب غير جدى ، فإن النعى عليها بمخالفة القناون يكون على غير أساس ( نقض مدنى 11 ديسمبر سنة 1952 مجموعة أحكام محكمة النقض 4 رقم 29 ص 183 ) .

([64]) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 491 ـ ص 492 فى الحاشية .

([65]) فلا يكون الحق ذاته محلا للإثبات كما قدمنا . وقد جاء فى الموجز للمؤلف (ص 649 ـ ص 650) تأكيداً لهذه القاعدة الهامة ما يأتى : ((ويعنينا أن نشدد فى بيان أن الأمر الذى يكون محلا للإثبات هو مصدر الحق لا الحق ذاته . فإن الغفلة عن هذه القاعدة الجوهرية يوقع فى كثير من الخلط . وينبنى على ذلك أن الالتزام ذاته لا يكون محلا للإثبات ، فهو لاثبت أو ينتفى ، بل هو يستخلص من مصدره ، ومصدر الالتزام وحدث هو الواقعة القانونية التى تكون محلا للإثبات ، فالدائن الذى يريد إثبات التزام فى ذمة مدينه عليه أن يثبت مصدر هذا الالتزام ، هل هو عقد أو إرادة منفردة ، أو هو عمل غير مشروع ، أو هو إثراء على حساب الغير ، أو هو واقعة طبيعية يرتب عليها القانون إنشاء هذا الالتزام . وهذه هى مصادر الالتزام التى بيناها فى أول هذا الكتاب ، ونرى من ذلك أن الأمر الذى يكون محلا للإثبات بالنسبة لجميع الحقوق هو الواقعة القانونية (fait juridique) دائماً ، فان الواقعة القانونية هى مصدر لكل الحقوق كما بينا . وهى إما أن تكون واقعة طبيعية أو واقعة اختيارية ، والواقعة الاختيارية إما أن تكون عملا مادياً أو عملا قانونياً ، والعمل القانونى إما أن يكون عقدا أو إرادة منفردة ، على التفصيل الذى قدمناه )) .

       هذا وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ما يأتى : (( يتعين أن يقام الدليل على كل واقعة قانونية يدعى بها وفقاً للأحكام المنصوص عليها فى القانون المدنى ، متى نوزعت هذه الواقعة او انكرت صحتها. والجوهرى فى هذا الصدد هو ان الإثبات يرد على الواقعة القانونية ذاتها بوصفها مصدراً للحق أو الالتزام ، دون هذا الالتزام أو ذاك الحق . وغنى عن البيان أن تفصيل هذه الفكرة أشكال بأغراض الفقه منه بأغراض التقنين )) . ثم لما تليت المادة 536 من المشروع التمهيدى فى لجنة المراجعة ، ونصها : (( على الدائن إثبات الالتزام )) هو إثبات مصدر الالتزام . (انظر فى كل ذلك مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 349 ـ ص 350) .

([66]) وذلك على عكس العنصر الأول ، عنصر الواقع ، فهو كما قدمنا مسألة موضوعية لا تخضع لرقابة محكمة النقض . وقد وازن بارتان (أوبرى ورو جزء 12 طبعة خامسة فقرة 749 هامش رقم 2 مكرر 4 ) بين منطقة الإثبات ـ وهو منطقة الواقع ـ ومنطقة الطعن بالنقض ـ وهو منطقة القانون ـ وعارض إحداهما بالأخرى.

       ولاحظ بارتان بحق ( أوبرى ورو جزء 12 طبعة خامسة فقرة 749 هامش رقم 3 ) أن القاعدة التى تقضى بوجوب أن يبحث القاضى من تلقاء نفسه عن القواعد القانونية الواجبة التطبيق هى التى تؤسس قاعدة أخرى معروفة تقضى بجوز إثارة وجوه الطعن جديدة (moyens nouveaux) فى الاستئناف دون النقض . ذلك أن قاضى محكمة أول درجة ملزم بالبحث ، جاز لمحكمة الاستئناف ن من تلقاء نفسها كذلك ، أن تتدارك هذا النقض . ومن ثم جاز للخصوم أيضاً أن يثيروا وجوها قانونية جديدة لم تسبق لهم إثارتها أمام محكمة أول درجة ، لأن هذه المحكمة كان من الواجب عليها أن تثير هذه الوجوه القانونية من تلقاء نفسها .

                                                                                                                   ( م 4 الوسيط ج 2 )

([67]) وقد قضت محكمة النقض ( الدائة المدنية ) بأنه لكى ينتج الإقرار اثره القانونى يجب أن يكون متعلقاً بواقعة لا بالتطبيق القانونى ، لأن تفسير القانون وتطبيقه على واقعة الدعوى هو من شأن المحكمة وحدها لا من شأن الخصوم . وإذن فإن إقرار المطعون عليهما بالطباق المادة 37 من القانون رقم 71 لسنة 1946 على الوصية موضوع النزاع لا يقيد المحكمة فى شئ ( 22 أكتوبر سنة 1953 مجموع أحكام محكمة النقض السنة الخامسة رقم 5 ص 62 ) .

       هذا وقد يدور النزاع ، لاحول معرفة القانون أو تفسيره ، بل حول تاريخ نشره ، وتاريخ النشر واقعة مادية تثبت بجميع الطرق وبخاصة عن طريق البحث فى الجريدة الرسمية ( قارب بيدان وبرو 9 فقرة 1142 ص 209 ـ ص 210 ) .

([68]) بيدان وبرو 9 فقرة 1145 ص 213 .

([69]) وقد قضت محكمة مصر ( الدائرة الاستئنافية ) بأنه يجوز تفسير العقد المكتوب بالرجوع إلى العادات المتبعة فى التجارة ، والتى يكون من شأنها تغيير نتائج العقد الاعتيادية غير المذكورة فيه . وهذه العادات يصح إثباتها بالبينة . وينتج عن ذلك أنه إذا امتلك دباغان عقاراً شائعاً بينهما لحاجات صناعتهما ، صح الحكم ، تبعاً للعادة عند أرباب طائفتهما ، بأن من يكون منهما قد أقام معملا على العقار بعد الامتلاك ، له الحق فى طلب تثبيت ملكيته له خاصة ولو لم يكن ثمة شرط صريح ( 11 أبريل سنة 1905 المجموعة الرسمية 6 رقم 68 ) .

([70]) تعليق بارتان على أوبرى ورو جزء 12 طبعة خامسة فقرة 749 هامش رقم 3 مكرر .

([71]) وقد كانت القاعد القانونية التى تقوم على العرف تعتبر فى الماضى عنصراً من عناص الواقع يتعين على الخصم إثباتها، شأنها فى ذلك شأن العادة الاتفاقية . ويرجع السبب فى ذلك إلى رغبة المحشين (Glossateurs) فى أن تتغلب قواعد القانون الرومانى على قواعد العرف المحلية (droits coutumiers locaux) . فقواعد القانون الرومانى لا حاجة إلى إثباتها بل القاضى يبحث عنها من تلقاء نفسه ليطبقها ، أما قواعد العرف فهذه لا يطبقها القاضى إلا إذا أثبت الخصوم قيامها ، وبذلك تتغلب قواعد القانون الرومانى على قواعد العرف . ثم بقى العمل على ذلك فى فرنسا طوال القرن التاسع عشر لسبب آخر غير فكرة تغليب قواعد القانون الرومانى التى أصبحت غير ذات موضوع بعد صدور التقنين المدنى الفرنسى . ذلك أن مدرسة الشراح على المتون (recole de l'exegese) ، التى ظلت سائدة طوال ذلك القرن ، كانت تعتبر أن القواعد القانونية لا تستمد إلا من التشريع ، فالتشريع وحده هو الذى يبحث عنه القاضى من تلقاء نفسه لتطبيقه دون حاجة إلى إثباته من جانب الخصوم ، أما العرف فيتعين على الخصوم إثباته . ولما اندثرت هذه المدرسة فى أوائل القرن العشرين ، اتجه الفقه الفرنسى اتجاهاً آخر ، تحت تأثير جنى (Geny) وسالى (Saleilles) والفقه الجرمانى ، فاعتبر القاعدة القانونية التى تقوم على العرف فى قوة القاعدة القانونية التى تقوم على التشريع (opinion juris vel necessitates)  كلتاهما قانون واجب التطبيق يتعين على القاضى البحث عنه من تلقاء نفسه لتطبيقه ( بيدان وبرو 9 فقرة 1144 ص 211 ـ ص 212 ) على أن هناك فارقاً عملياً بين العرف والتشريع . فالتشريع أمر التعرف عليه ميسرو ، فهو محصور فى عبارات مكتوبة ، يصدر من هيئة معينة ، وفى يوم معين ، وينشر فى سجل معروف ، ومن ثم يسهل استيعابه . أما العرف فيتكون على مر الزمن ، لا يعرف كيف بدأ ، ولا متى انتهى ، فيصعب فى بعض الأحوال الاستيثاق منه . لذلك كان من مصلحة الخصم الى يتمسك بالعرف ويستطيع إثباته أن يثبته للقاضى ، حتى لا تضيع عليه الفرصة إذا كان القاضى يجهل هذا العرف ولا يستطيع العثور عليه من تلقاء نفسه . على أنه بالرغم من هذا الفراق العملى ، يبقى العرف قانوناً لا يطالب الخصم بإثباته ِ، وعلى القاضى أن يبحث عنه ، ويقضى فيه بعلمه ، ولمحكمة النقض أن تعقب عليه إذا هو طبق عرفاً غير موجود أو أغفل عرفاً قائماً ، سواء تنبه إلى ذلك أو لم يتنبه ( بيدان وبرو 9 فقرة 1144 ص 212 ـ الأستاذ عبد الباسط جمعيى فى نظام الإثبات فى القانون المدنى المصرى فقرة 59 ـ فقرة 62 ) ، ويذهب الدكتور عبد المنعم فرج الصدة (ص 26) ، مسايراً فى ذلك الأستاذين حامد فهمى وحمد حامد فهمى فى كتاب (( النقض )) ( فقرة 16 وفقرة 17 ) إلى أن العرف إذا كان محلياً (( فإن افتراض علم القاضى به يصبح غير معقول ، وبالتالى يكون على الطرف الذى يستند إليه أن يثبته . وفى هذه الحالة يأخذ العرف حكم الواقعة التى يتعين إثباتها ، فيكون أمر التثبت من قيامه متروكاً للقاضى ، فلا يخضع فيه لرقابة محكمة النقضى ، أما تطبيق هذا العرف بعد أن ثبت قيامه فيخضع لرقابة محكمة النقض )) .

 

([72]) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن من يتمسك بقانون أجنبى يجب عليه أن يثبته وجوداً ومعنى (استئناف مختلط 9 يونية سنة 1892 م 4 ص 255) . انظر أيضاً حكماً آخر فى هذا المعنى ( استئناف مختلط 24 مايو سنة 1933 م 45 ص 297 ) . وقد جرى قضاؤنا المختلط ـ وكان القضاء الذى تتاح له فرصة تطبيق القوانين الأجنبية قبل استكمال المحاكم الوطنية لولايتها ـ فى هذا مجرى القضاء الفرنسى ( قارن الدكتور محمد عبد المنعم رياض فى مبادئ القانون الدولى الخاص طبعة ثانية فقرة 433 ) . والمستقبل كفيل بمعرفة ما سيجرى عليه قضاؤنا الوطنى فى هذه المسألة بعد أن استكمل ولايته ، وهل سحذو حذو القضاء الختلط فى تقليده للقضاء الفرنسى ، أو يسير هى طريق مستقل مهتدياً بالمبادئ العلمية السيمة .

([73]) انظر محكمة النقض الفرنسية (مدني) فى 6 فبراير سنة 1843 سيريه 1843 ـ 1 ـ 209 ـ حكماً ثانياً في 16 مايو سنة 1888 داللوز 1888 ـ 1 ـ 305 ـ حكماً ثالثاُ (دائرة العرايض) فى 19 فبراير سنة 1929 سيريه 1930 ـ 1 ـ 49 ـ حكماً رابعاً فى 7 مارس سنة 1938 داللوز الأسبوعى 1938 ـ 258 ـ حكماً خامساً فى 22 مارس سنة 19444 داللوز 1944 ـ 145 ـ حكماص سادساً فى 25 مايو سنة 1948 داللوز 1948 ـ 357 .  

([74]) باتيفول فقرة 323 ص 340 ـ أوبرى ورو 12 فقرة 479 ـ ديمولومب 29 فقرة 185 ـ بودرى وبارد 2055 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1409 ص 831 ـ ص 832 ـ بلانيول وريبير وبولانجييه 2 فقرة 2164 ـ دي باج ( القه البلجيكى ) 3 فقرة 706 . وانظر فى القانون المقارن رسالة الدكتور محمد صادق فهمى ص 344 ـ ص 348 . وانظ أيضاً نبواييه فى مجلة القانون الدولى والتشريع المقارن 1928 فقرة 6 .

([75]) مورى فى القواعد العامة فى تنازع القوانين ص 69 ـ بارتان فى مبادئ لاقانون الدولى الخاص جزء 1 فقرة 107 ـ فارى سوميير 2 فقرة 1110 ـ فاليرى فقرة 139 ـ أرمانجون 1 فقرة 141 .

([76]) مارتى رسالة من تولوز فقرة 96 ـ ليريبور ييجونيير فى القانون الدولى الخاص طبعة ثالثة ص 249 .

([77]) أكثر الفقه فى مصر على أن تطبيق القانون الأجنبى يعتبر مسألة من مسائل القانون ، تصريحا ( الدكتور عبد المنعم فرج الصدة ص 29 ـ ص 30 ويذهب إلى وجوب اعتبار تطبيق القانون الجنبى مسألة من مسائل القانون وقد (( تكون معاونة الخصم في بيان حكم القانون الأجنبيى لازمة من الناحية العملية ، ولكن هذا لا ينزل بالقانون الأجنبي إلى مستوى الواقعة ، ثم انه إذا كان القانون الوطنى يقضى بتطبيق القانون الأجنبى على نزاع معين ، فإن هذا يقتض تطبيقه على الوجه الصحيح وذلك بأن تكون مخالفته والخطأ فى تفسيره محل رقابة من محكمة النقض . أما الصعوبة المزعومة فى الإلمام بالقانون الأجنبى فلم يعد لها وجود بعد ما نراه اليوم بين ختلف الدول من صلات علمية ساعدت على تبادل المجموعات القانونية والقضائية والمؤلفات الفقهية بصورة شاملة )) . انظر ايضاً نفس المؤلف ص 27 ـ ص 28 فيما جرى عليه العمل فى هذه المسألة فى انجلترا وألمانيا وسويسرا وإيطاليا ) ، أو تلميحاً (الدكتور محمد عبد المنعم رياض فى مبادئ القانون الدولى الخاص المصرى طبعة ثانية فقرة 432 ـ فقرة 433 ـ الدكتور حامد زكى فى القانون الدولى الخاص المصرى طبعة أولى فقرة 167 ـ فقرة 168 ـ الأستاذ أحمد نشأت رسالة الإثبات فقرة 20 ـ الدكتور سليمان مرقس فى أصول الإثبات فى المواد المدنية فقرة 19 ص 18 ) ـ والقليل يذهب إلى أن تطبيق القانون الأجنبى يعتبر مسألة من مسائل الواقع ( الدكتور عبد السلام ذهنى فى نظرية الإثبات 1 ص 94 ـ وبخاصة الأستاذ عبد الباسط جميعى ص 55 ـ ص 57 ويذهب إلى اعتبار القانون الأجنبى واقعة ، إذ أن القاضى لا يفترض فيه علم قانون غـير =

([78]) بارتان على أوبرى ورو جزء 12 طبعة خامسة فقرة 749 هامش رقم 3 مكرر 4 ـ انظر أيضا بيدان وبرو 9 فقرة 1143 .

([79]) وقد نظم المجمع العلمى للقانون الدولى الإجراءات التى يستطيع بها القاضى معرفة أحكام القوانين الأجنبية وذلك بواسطة الطرق السياسية (الدكتور عبد الحميد أبو هيف فى القانون الدولى الخاص فقرة 302) .

       وفى القانون الإنجليزى تفترض مطابقة القانون الأجنبى لقانون المحكمة ، إلا إذا ادعى الخصوم غير ذلك وأثبتوا ما ادعوه . وفى هذا تيسير عملى على القاضى فيما إذا عجز عن الاهتداء إلى أحكام القانون الأجنبى . وشبيه بذلك ما ورد فى المشروع التمهيدى للتقنين المدنى ( وقد حذف النص فى المشروع النهائى) من أنه ((فى جميع الحالات التي ستقرر فيها أن قانوناً أجنبياً هو الواجب التطبيق يطبق القانون المصرى ، إذا كان وجود القانون الأجنبى أو مدلوله غير ممكن إثباته )) (مجموعة الأعمال التحضيرية 1 ص 314 ـ ص 315) .

([80]) انظر فى الواقعة المحددة فى القوانين والتشريعات المختلفة رسالة الدكتور محمد صادق فهمى فى الإثبات ص 313 ـ ص 358 .          

([81]) وقد قضت محكمة النقض الدائة المدنية بأن الإعسار هو حالة قانونية تستفاد من أن أموال الشخص ليست كافية للوفاء بديونه المستحقة عليه . وهو بهذا المعنى لا يوقم على نفى مطلق يتعقذر إثباته ، بل يقوم على أمر واقع له علاماته التى تشهد عليه . على أن المقرر فى الإثبات أن إذا كانت الواقعة المدعاة سلبية وكانت منضبطة النفى كان على مدعيها إثبات خلافها متى أمكنه تحويلها إلى قضية موجبة . فإذا لم يكن ذلك ممكناً أو كانت الواقعة غير منضبطة النفى ، فإن مدعيها يعتبر عاجزاً عن إثبات دعواه . وعلى ذلك فلا مخالفة لقواعد الإثبات إذا اعتبر الحكم المشفوع منه عاجزاص عن إثبات إعسار الشفيع لأنه لم يقم دليلا على هذا الاعسار (31 يناير سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 33 ص 80 ) . ويؤخذ من هذا الحكم أن الواقعة السلبية ، حتى لو لم يمكن تحويلها إلى قضية موجبة أو كانت واقعة غير منضبطة النفى ، لا يعفى مدعيها من عبء الإثبات بل يعتبر =

= عاجزاً عن إثبات دعواه وجاء فى الموجز للمؤلف (ص 650 ) فى هذا الصدد ما يأتى : (( ولا يهم أن تكون الواقعة التى يتمسلك بها إيجابية أو سلبية فقد تكون الواقعة سلبية ولكنها محددة تحديداً كافياً فتكون قابلة للإثبات . مثل ذلك أن يثبت الدائن أن المدين الملزم بحراسة شئ معين لم يقم بحراسته ، وعدم القيام بالحراسة واقعة سلبية ، ولكن الدائن يستطيع إثبات هذه الواقعة عن طريق إثبات واقعة إيجابية ، بأن يثبت مثلا أن المدين كان فى جهة أخرى فى الوقت الذى كان ينبغى أن يكون موجوداً بجانب الشئ لحراسته ـ وقد تكون إيجابية ولكنها غير محددة فلا تكون قابلة للإثبات )) .

       وأشار بودرى وبارد إلى أن السبب فى الخطأ الذى شاع من أن الواقعة السلبية لا يجوز إثباتها يرجع إلى نص فى القانون ارومانى أساء المحشون (glossateurs) فى العصور الوسطى فهمه . فإن هذا النص يقضى بأن عبء الإثبات يقع على من يدعى لا على من ينكر (Ei incumbit probatio qui negat) . والمدعى الذى يقع عليه عبء الإثبات قد يدعى واقعة إيجابية أو واقعة سلبية ، وهو المكلف بالإثبات فى الحالتين . ففسر المحشون النص بتحويره إلى معنى آخر ، هو أن الدلي على من يثبت (qui dicit) لا على من ينفى (qui negat) ، وذهبوا إلى أن النفى هنا معناه الواقعة السبية ، ومن ثم لا تكون الواقعة السلبية جائزة الإثبات (بودرى وبارد 3 فقرة 2065 ـ فقرة 2066 ـ أنظر أيضاً : تولييه 8 فقرة 16 ـ فقرة 19 ـ ديرانتون 13 فقرة 2 ـ ديمولومب 29 فقرة 192 ـ فقرة 193 ـ لوران 19 فقرة 95 ـ كولان وكابيتان ولامور انديير 2فقرة 719 ص 486 ـ ص 487 ـ بلانيول وريبير وبولانجييه 2 فقرة 2168 ـ الأستاذ عبد الباسط جميعى ص 49 ـ ص 92 ) .

       ويلاحظ على كل حال أن القاضى فى إثبات الوقائع السلبية لا يتطلب دليلا فى قوة الدليل الذى يتطلبه فى إثبات الوقائع الإيجابية ( أوبرى ورو 12 فقرة 749وهامش رقم 18 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1419 ص 845 ) .

       وانظر رسالة الدكتور محمد صادق فهمى فى الإثبات ( فى الواقعة السلبية ص 211 ـ ص 222 وفى الواقعة المستحيلة ص 293 ـ ص 304 ) .

       وانظر فى الشهادة على النفى فى الفقه الإسلامى الأستاذ أحمد إبراهيم فى طرق القضاء ص 21ـ ص 28 .

([82]) ولذلك قضت محكمة النقض ( الدائرة المدينة) بأن القانون إنما يكلف المدعى إقامة الدليل على دعواه ، إلا إذا سلم له خصمه بهاأو ببعضها فإنه يعفيه بذلك من إقامة الدليل على ما اعترف به .فإذا اعترف شخص بأن الأرض موضوع النزاع أصلها من أملاك الحكومة الخاصة، ولكنه يملكها بالتقادم ، ثم بحثت المحكمةمع ذلك مستندات ملكية الحكومة لهذه الأرض وقضت بعدم كفايتها لإثبات الملكية ، فقد خالفت القانون (23 نوفمبر سنة 1933 ملحق مجلة القانون والإقتصاد 4 ص15 ) .

([83]) انظر الموجز ص 650 ـ ص 651 ـ والأستاذ عبد الباسط جميعى ص 47 ـ ص 48 .

([84]) وقد كان تقنين المرافعات القديم ينص على شرطين من هذه الشروط الثلاثة ـ أن تكون الواقعة متعلقة بالدعوى وأن يكون جائزاً قبولها ـ فى مواضع متفرقة ( م 153 / 171 ـ 165/186 ـ 177/200 ـ 178/203 ـ 179/ 204 ـ 182/207 ) ، وذلك فى الاستجواب واليمين والتحقيق والطعن بالتزوير . ولكن نص تقنين المرافعات الجديد أكمل الناقص من الشروط وجمعهاكلها فى نص واحد . أما تقنينالمرافعات الفرنسى ( م 253 ـ 254 فى التحقيق بالبيئة ) فقد ذكر شرطين : أن تكون الواقعة منتجة وجائزة القبول . ويلاحظ أن المكان الذى يجبأن ينص فيه على هذه الشروط هو التقنين المدنى لا تقنين المرافعات ، لأن هذه الشروط من القواعد الموضوعية فى الاثبات لا من القواعد الشكلية .

([85]) انظ فى هذا المعنى بارتان على أوبرى ورو جزء ذ2 فقرة 749 هامش رقم 10 مكرر ـ بيدان وبرو 9 فقرة 1146 ـ الدكتور عبد المنعم فرج الصدة فقرة 37 ص 39 ـ ص 40 .

       هذا وفكرة تحويل الدليل (deplacement de prevue) هى التى تقوم عليها القرائن القانونية ، فهذه القرائن تنطوى على تحويل الدليل من واقعة إلى أخرى ويكون ذلك بمقتضى نص فى القانون .

([86]) ومثل ذلك أيضاً ـ فى القضاء الإنجليزى ـ أن يقوم تاجر بتوريد بضاعة لآخر ، فيدعى هذا أن التاجر ورد له صنفاً رديئاً ، فيتقدم التاجر لإثبات أن كل عملائه الآخرين الذين اعتاد توريد هذه البضاعة لهن يمتدحون بضاعته . فهذه واقعة متعلقة بالدعوى وإن لم تكن منتجة ، فيقبل إثباتها ، لأنها وإن لم تكن حاسمة إلا أنها تضيف إلى عناصر الإقناع عنصراً جديداً له فائدته ، وقد يؤدى إذا أضيف لعناصر أخرى إلى تكوين مجموعة من القرائن القضائية لصالحه (انظر فى هذا المثل الدكتور محمد صادق فهمى فى الإثبات ص 282 والأستاذ عبد الباسط جميعى ص 56) .

([87]) أما إذا أراد المستأجر تقديم الدليل على أنه وفى بديون أخرى غير أقساط الأجرة للمؤجر ، فهذه واقعة لا تتصل إطلاقاً بواقعة الوفاء بالأجرة ، فتكون لا هى منتجة فى الإثبات ولا هى متعلقة بالدعوى ، فلا يجوز قبول إثباتها.

([88]) ويقول الأستاذ عبد الباسط جميعى (ص 57) إن لمحكمة الموضوع أن ترفض اعتبار الواقعة متعلقة بالدعوى ولو توافق الطرفان على أنها متعلقة . أما إذا توافق الطرفان على أها غير متعلقة ، فلا يسمح القاضى بإثباتها ، لا لأن توافق الطرفين يجعلها غير متعلقة بالدعوى ، بل لأن حياد القاضى يقبضيه ألا يقبل دليلا اتفق الخصمان على استبعاده .

([89]) الأستاذ عبد الباسط جميعى ص 59 ـ ص 60 ، ويأتى بأمثلة لذلك دعوى إثبات الحالة (م 188 مرافعات) ، والدعاوى التى ترفع بطلب انتقال المحكمة لمعاينة معالم واقعة يحتمل أن تصبح محل نزاع أمام القضاء إذا كان يخضى من زوال هذه المعالم ( م 187 مرافعات ) ، والدعاوى التى ترفع بطلب سماع شاهد يوشك أن يموت أو يزمع سفراً قد لا يعود منه أو لا يعود قريباً ( م 222 مرافعات ) ، ورفع الدعوى للاستيثاق لحق يخشى زوال دليله ( م 4 مرافعات ) . وقول أيضاً غن القاضى يغربل الوقائع غربلة أولى ليتخير منها ما هو متعلق بالدعوى فيجعله فى وعاء الإثبات ، ثم يغربلها غربلة ثانية ليستبقى منها ما هو منتج فى الإثبات .

([90]) انظر الأستاذ عبد الباسط جميعى ص 61 هامش رقم 2 والمراجع المشار إليها . وانظر فى أن الواقعة يجب أن تكون منتجة (relecant) فى القانون الانجليزى الدكتور محمد صادق فهمى فى الإثبات ص 264 ـ ص 284 .

([91]) تشتمل المواد من 206 إلى 209 من تقنين المرافعات على سلسلة من القيود فى جواز الإدلاء بالشهادة . فتمنع المادة 206 الموظفين والمستخدمين والمكلفين بخدمةعامة من أن يشهدوا ولو بعد تركهم العمل عما يكون قد وصل إلى علمهم فى أثناء قيامهم به من معلومات لم تنشر بالطريق القانون ولم تأذن السلطة المختصة فى إذاعتها . وتمنع المادتان 207 و 208 من علم من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم من طريق منته أو صنعته بواقعة أو بمعلومات أن يفشيها ولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته ، ما لم يكن ذكرها له مقصوداصبه فقط ارتكاب جناية أو جنحة ، وذلك إلا إذا طلب منهم ذلك من أسرها لهم . وتمنع المادة 209 أحد الزوجين من أن يفشى بغير رضاء الآخر ما أبلغه إليه أثناء الزوجية ولو بعد انقضائها ، إلا فى حالة رفع دعوى من أحدهما على صاحبه أو إقامة دعوى على أحدهما بسبب جناية أو جنحة وقعت منه على الآخر . ويلاحظ هنا أن الممنوع ليس هو إثبات الواقعة فى ذاتها ، بل إثبات الواقعة من طريق شهادة شاهد معين ، فعدم جواز القبول لا ينصب إذن على الواقعة بل ينصب على الدليل ( الدكتتور عبد المنعم فرج الصدة فقرة 35 ص 38 )

([92]) ولكن يجوز لمن لا يريد ترتيب أثر قانونى على هذه الوقائع أن يثبت عدم مشروعيتها لأن هذا هو الذى يتفق مع النظام العام والآداب .

([93]) ببيدان وبرو 9 فقرة 1171 ـ وانظر فى جواز إثبات الواقعة قانوناً فى القانون الانجليزى الدكتور محمد صادق فهمى فى الإثبات ص 305 ـ 312 .

([94]) والفرق بين كون الواقعة غير منتجة فى الإثبات وكونها غير جائزة افثبات أنها عند ما تكون غير منتجة فى الإثبات فان ذلك يرجع إلى شئ فى طبيعتها ، إذا الواقعة فى ذاتها لا تؤدى إلى إثبات المطلوب ، إما لسبب موضوعى كالحيازة لمدة تقل عن خمس عشرة سنة ، وإما لسبب قانونى كالتعويض بسبب انهدام البناء يطلب من مالكه لا من حارسه . والواقعة عند ما تكون غير جائزة افثبات فإن ذلك يرجع لا إلى شئ فى طبيعتها ، بل إلى عارض قانونى يمنع من جواز إثباتها ، ولو لم يقم هذا المانع أو لو زال لكانت الواقعة جائزة الإثبات .

       ويحسن أيضاً أن نميز بين عدم جواز قبول الدعوى وعدم جواز قبول الواقعة وعدم جواز قبول الدليل . فالدعوى لا يجوز قبولها لأسباب معروفة ، كأن تكون مرفوعة من غير ذى صفة أو من غير ذى أهلية . فإذا كانت الدعوى مقبولة وتقدم الخصم بواقعة لإثباتها ، فقد تكون هذه الواقعة غير جائزة الإثبات لسب موضوعى أو لسبب قانونى على النحو الذى قدمناه . فإذا كانت الواقعة جائزة الإثبات ، فقد يتطلب القانون لإثباتها دليلا كتابياً فتكون البينة أو القرائن دليلا غير مقبول ( انظر فى هذه المسألة الأستاذ عبد الباسط جميعى ص 65 ـ ص 66 ) .

([95]) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 526 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق . وأقرته لجنة المراجعة على أصله تحت رقم 402 فى المشروع النهائى ، بعد أن ذكرت اللجنة أن المقصود بعبارة (( إثبات الالتزام )) هو إثبات مصدر الالتزام . ثم أقره مجلس النواب دون تعديل تحت رقم 302 ، فلجنة الشيوخ ومجلس الشيوخ تحت رقم 389 .

       وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهدي فى صدد هذا النص ما يأتى : (( وقد احتذى المشروع مثال التقنينات اللاتينية ، وأخذ بنظام تقييد الإثبات ، فبدأ بتعيين من يكلف بإقامة الدليل أو احتمال عبئه . وقد قصد من الأخذ بهذا النظام إلى اتقاء تحكم القضاء وكفالة حسن سير العدالة وتأمين استقرار المعاملات . وكل أولئك من قبيل الاعتبارات العامة التى تنهض ، لا لتوجيه التقييد فى عمومه فحسب ، بل وكذلك لتوجيه الأحكام التطبيقية فى خصوصياتها ، ولا سيما ما تعلق منها بتعيين من يكلف بالإثبات . وترد الأحكام المتعلقة بهذا التعيين إلى قاعدة احترام الوضع الثابت أصلا فالأصل فى الإنسان براءة الذمة ، فعلى من يدعى التزام غيره ويتمسك بذلك بما يخالف هذا الأصل أن يقيم الدليل على دعواه )) . ( مجموعة الأعمال الحتضيرية 3 ص350) .                                                                          ( م 5 الوسيط ج 2 )

([96]) كانت الادة 214/278 من التقنين المدنى السابق تنص على ما يأتى : (( على الدائن إثبات دينه ، وعلى المدين إثبات براءته من الدين )) . وهذا النص يتفق فى الحكم مع نص التقنين الجديد .

([97]) جمعت قواعد الإثبات الموضوعية وإجراءاتها الشكلية ، فى سورية ، فى قانون واحد صدر فى 0 حزيران (يونية) 1947 وسمى ((قانون البينات فى المواد المدنية والتجارية)) . ولا يتضمن هذا القانون نصاً يقابل نص المادة 389 من التقنين المدنى المصرى . ولكن الباب الأول منه تضمن قواعد كلية فى الإثبات ، من نحو ما نحن بصدده . فنصت المادة الأولى على أن (( تقسم البينات إلى : 1 ـ الأدلة الكتابية 2 ـ الشهادة 3 ـ القرائن 4 ـ الإقرار 5 ـ اليمين 6 ـ المعاينة والخبرة )) ونصت المادة الثانية على أن (( ليس للقاضى أن يحكم بعلمه الشخصى )) . نصت المادة الثالثة على أنه (( يجب أن تكون الوقائع التى يراد إثباتها متعلقة بالدعوى ومنتجة فى الإثبات وجائزاً قبولها )) .

([98]) نصوص التقنين المدنى العراقى : م 444 ـ الأصل براءة الذمة . م 445 ـ اليقين لا يزول بالشك . م 446 ـ يضاف الحادث إلى أقرب أوقائته . م 447 ـ 1 ـ الأصل بقاء ما كان على ما كان ، والأصل فى الصفات العارضة العدم . 2 ـ وما ثبت بزمان يحكم ببقائه ، ما لم يوجد دليل على خلافه . م 448 ـ 1 ـ البينة على من ادعى واليمين على من أنكر .

       2 ـ والمدعى هو من يتمسك بخلاف الظاهر ، والمنكر هو من يتمسك بإبقاء الأصل .

       نصوص تقنين الموجبات والعقود للبناننى : وضعت قواعد الإثبات الموضوعية وإجراءاتها الشكلية جميعاً ، فى لبنان ، فى تقنين أصول المحاكمات المدنية ( قانون المرافعات ) ، ولم يتضمن هذا التقنين نصاً يقابل المادة 389 من التقنين المدنى المصرى . غير أن تقنين الوجبات والعقود اللبننانى تضمن هذا النص ، فقضت المادة 376 من هذا التقنين بأن من يدعى أنه دائن يجب عليه إثبات حقه ، فإذا ما تم هذا الإثبات كان على من يدعى أن التزامه قد انقضى أن يثبت صدق مدعاه .

       نصوص التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة : 376 ـ على الدائن إثبات الالتزام ، وعلى المدين إثبات التخلص منه ( مطابقة للمادة 389 من التقنين المدنى المصرى ) .

       ويتبين من النظر إلى هذه النصوص أن التقنينات المدنية للبلاد العربية فى هذه المسألة تكاد تكون واحدة . فنص التقنين المصرى يطابقه نص التقنين الليبى ويكاد يطابقه نص التقنين اللبنانى . أما التقنين العراقى فقد أورد نصوصاً متعددة أخذها عن المجلة ، وهو تتلخص فى أمرين : (1) أن البينة على من أدعى والمدعى هو من يتمسك بخلاف الظاهر ، واليمين على من أنكر والمنكر هو من يتمسك بإبقاء الأصل . (2) فالأصل هو براءة

([99]) ننقل فى قسم الإثبات من هذا الكتاب نصوص التقنين المدنى الفرنسى إذ يغلب أن تكون هى الأصل الذى أخذت منه نصوص التقنين المدنى المصرى الجديد فى الإثبات . هذا هو نص المادة 1315 من التقنين الفرنسى : (( من يطالب بتنفيذ التزام يجب عليه إثباته . كذلك من يدعى التخلص من التزامه يجب عليه أن يثبت الوفاء به أو أن يثبت الواقعة التى أدت إلى انقضائه ))

''Celui qui reclame l'une obligation doit la prouver. Reciproquement, celui qui se pretend libere, doit justifier le paiement ou le fait qui a produit l'extinction de son obligation'' .

([100]) الموجز للمؤلف ص 651 ـ استئناف مختلط 13 يناير سنة 1903 م 15 ص 88 ـ 16 نوفمبر سنة 1932 م 45 23 .

([101]) عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : (( لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس

دماء رجال وأموالهم ، ولكن البينة على المدعى )) . رواه البخارى ومسلم . وللبيهقى بإسناد صحيح : (( البينة

على المدعى واليمين على من أنكر )) . ( طرق القضاء فى الشريعة الإسلامية أحمد إبراهيم ص 16 ويقول

 الأستاذان بيدان ويرو ( جزء تاسع فقرة 1159 ص 231 هامش رقم 1 ) إن القاعدة التى تقضى بأن البينة على المدعى ليست ، كما قد يتوهم ، من القواعد التى كانت مقررة فى كل العصور . فهى لم تظهر فى القانون الرومانى إلا منذ أخذ البريطور preteur يحمى مجرد الحيازة فيحمى الوضع الظاهر ، وعندئذ ألقى عبء الإثبات على من يدعى خلاف الظاهر . أما فى القانون الفرنسى القديم ، فقد كانت العادات القديمة تجعل عبء الإثبات على المدعى عليه لا على المدعى ، وإن كان ذلك يبدو غريباً ، وهذا بسبب الصبغة الجنائية للدعوى فى القديم ، مما نزل بوضع المدعى عليه دون وضع المدعى . بل إن هناك من الوثائق ، التى ترجع إلى ما قبل العصور الوسطى ، ما يثبت أن دعوى الاستحقاق التى يكلف فيها المجعى بإثبات ملكيته لم تكن ترفع ، وفقاً لهذه العادات القديمة ، إلا ضد الحائز بسوء نية أو الحائز ضد القانون ، مما يحمل على الظن بأن الحائز هو الذى كان عليه أن يثبت أن حيازته مشروعة . ولم تظهر القاعدة التى تقضى بأن البينة على المدعى فى القانون الفرنسى القديم إلا تدرجاً فى العصور الوسطى ، تحت أثر إحياء القانون الرومانى وبفضل القانون الكنسى بوجه خاص ( انظر فى ذلك رسالة تفنيه thevenet فى نظرية عبء الإثبات ليون سنة 1921 ص 11 وما بعدها ) . ويننتهى الأستاذان بيدان وبرو إلى القول بأن من الخطأ حسبان القاعدة التى تقضى بأن البينة على المدعى من القواعد التى تمليها البداهة وتقضى بها طبيعة الأشياء ، فإن الواقع من الأمر أن هذه القاعدة لم تظهر إلا بعد أن نظم القضاء تنظيماً خاصاً وإلا بعد أن برز المبدأ الذى يقضى بحماية الأوضاع الظاهرة .

       ولعل ذلك يكشف عما للفقه الإسلامى من فضل التقدم ، فقد قرر هذه القاعدة منذ البداية فى عصر لم تكن فيه معروفة فى أوربا .

([102]) ويأتى بودرى وبارد بمثل يبين فيه كيف يتناوب المدعى والمدعى عليه عبء الإثبات : يطالب المودع بالوديعة وعليه عبء إثباتها ، فيدفع المدعى عليه بأنها هلكت بقوة قاهرة وعليه عبء إثبات الهلاك ، فيدفع المدعى بأن هذا الهلاك غير مبرئ لذمة المدعى عليه لأنه كان معذراً (mis en demeure) وعلى المدعى إثبات الإعذار ، فيدفع المدعى عليه بأن ذمته قد برئت بالرغم من الإعذار لأن الوديعة كانت لابد تهلك بالقوة القاهرة حتى لو كانت قد سلمت للمودع وعلى المدعى عليه هنا عبء افثبات (بودرى وبارد 3 فقرة 2063) .

       ويبين الفقيهان خطأ ما جرى عليه القضاء الفرنسى فى عقد التأمين على الحياة ، عندما تشترط شركة التأمين لاستحقاق قيمة التأمين ألا يكون المؤمن عليه قد انتحر ما لم يكن الانتحار نتيجة فقده لوعيه بأن كان مجنوناً . فالقضاء الفرنسى يلقى عبء إثبات الانتحار وعبء إثبات انعدام الجنون كليهما على شركة التأمين (نقض فرنسى 3 أغسطس سنة 1876 داللوز 79 ـ 5 ـ295 ـ استئناف ليون 17 فبراير سنة 1891 داللوز 92ـ 2 ـ 46 ـ استئناف باريس 16 يولية سنة 1892 داللوز 93 ـ 2 ـ 233) . ويقول الفقيهان إن شركة التأمين تحمل عبء إثبات الانتحار ، وعلى ورثة المنتحر عبء إثبات جنون مورثهم . وقد اضطرت شركات التأمين ، للتتقى هذا القضاء ، أن تشترط صراحة فى عقود التأمين تحميل عبء إثبات الجنون للورثة (بودرى وبارد 3 فقرة 2064 ـ انظر أيضاً الدكتور عبد السلام ذهنى فى الأدلة جزء أول ص 105 ـ ص 109) . وهذا ما جرت به المادة 756 من التقنين المصرى ، فقد نصت الفقرتان الأوليان منها على ما يأتى : (( 1 ـ تبرأ ذمة المؤمن من التزامه بدفع مبلغ التأمين إذا انتحر المؤمن على حياته . ومع ذلك يلتزم المؤمن أن يدفع لمن يؤول إليهم الحق مبلغاً يساوى قيمة احتياطى التأمين ـ 2 ـ فإذا كان سبب الانتحار مرضاً أفقد المريض إرادته ، بقى التزام المؤمن قائماً بأكمله . وعلى المؤمن إثبات أن المؤمن على حياته مات منتحراً ، وعلى المستفيد أن يثبت أن المؤمن على حياته كان وقت انتحاره فاقد الإرادة )) .

([103]) وقد قضت محكمة النقض بأن المنكر المعفى من الإثبات هو من ينكر الدعوى إنكاراً مجرداً ، فلا يجيب عليها بغير الإنكار . أما من أجاب على الدعوى بدفعها ، فإنه يصير بذلك مدعياً مطالباً بأن يقيم الدليل على ما يدعيه . وعلى ذلك يكون الدفع بإعسار الشفيع ادعاء من المشترى ، وهو المطالب بأن يقدم الدليل عليه ( نقض مدنى 31 يناير سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 33 ص 80 ) ـ وقضت محكمة النقض أيضاً بأن

صاحب الدفع هو المكلف بإثبات دفعه ،

 كما أن المدعى هو المكلف بإقامة الدليل على دعواه . فإذا دفع المدين بأنه من صغار الزراع فلا يجوز توقيع الحجز على ملكه ، كان عليه إثبات هذا الدفع . ذلك هو حكم القانون المدنى ، كما أنه حكم المادة الأولى من القانون رقم 4 لسنة 1913 الخاص بعدم جواز توقيع الحجز على الأملاك الزراعية الصغيرة ، فإن هذه المادة بعد أن نصت على أنه (( لا يجوز توقيع الحجز على الأملاك الزراعية التى يملكها الزراع الذين ليس لهم من الأطيان إلا خمسة أفدنة أو أقل . . . )) قد أضافت أنه (( ليس للمدين أن يتنازل عن التمسك بهذا الحظر ، بل يجب عليه التمسك به لغاية وقت صدور حكم نزع الملكية على الأكثر ، وإلا سقط حقه فيه )) . وتمسكه بالحظر مقتضاه أن يتولى هو إثبات موجبه ، أى إثبات أنه زارع وأنه لا يملك أكثر من خمسة أفدنة وأنه كان كذلك وقت نشوء الدين . فإذا قضت المحكمة بقبول الدفع بعدم جواز الحجز بناء على أن الدائن ـ مع عدم إنكاره أن المدين يملك أقل من خمسة أفدنة ـ لم يقدم ما يثبت أن المدين كان ، وقت نشوء الدين ، يملك أكثر من ذلك القدر ، فإنها تكون قد خالفت قواعد الإثبات ( نقض مدنى 3 يناير سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 20 ص 39 ) .

([104]) وقد أريد لهذا السبب توسيع دائة مفهوم لفظ (( المدعى )) . فقيل المدعى هو من يروم إثبات أمر خفى يريد إزالة أمر جلى . وقيل المدعى من إذا ترك ترك ، أى من إذا ترك الخصومة لا يجبر عليها ، والمدعى عليه من إذا ترك الجواب أجبر عليه ( الأستاذ نشأت فى الإثبات 1 فقرة 40) .

 

 

([105]) وهنا نرى الفقه الإسلامى أيضا يستجيب لهذا المبدأ . فمن قواعده المقررة أن الأصل براءة الذمة ، وأن الحادث يضاف إلى أقرب أوقاته ، وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان ، وأن الأصل فى الصفات العارضة العدم ، وأن ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليلل على خلافه ، وأن المنكر هو من يتمسك ببقاء الأصل . وقد رأينا أن هذه نصوص نقلها التقنين المدنى العراقى عن المجلة .

([106]) ماركاديه 5 م 1315 فقرة  ـ لارومبيير 5 م 1315 ص 16 ـ ديمولومب 29 فقرة 187 ـ لوران 19 فقرة 91 ـ هيك 8 فقرة 218 ـ بودرى وبارد 3 فقرة 2060 .

([107]) بودرى وبارد 3 فقرة 2060 ص 421 .

([108]) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا أدعى شخص أن آخر شاركه فى استئجار أطيان وأن الإجارة انتهت بالخسارة ، فأنكر المدعى عليه الاشتراك معه ولم يجب عن الخسارة بشئ ، فأحالت المحكمة القضية إلى التحقيق لإثبات قيام الاشتراك وحصول الخسارة ، ثم مع ثبوت الاشتراك رفضت الدعوى لعجز المدعى عن إثبات الخسارة فيها ، فهذا الحكم لا يقبل الطعن فيه بدعوى مخالفة المحكمة فيه لقواعد افثبات إذ اعتبرت المدعى مع تسليم خصمه بالخسارة مكلفاً بإثباتها ، وذلك لأن إنكار الخصم قيام الشركة المدعاة ينطوى فيه عدم تسليمه بالخسارة ( نقض مدنى 29 ديسمبر سنة 1938 مجموعة عمر 2 رقم 153 ص 451 ) . ملاحظة : كان من الممكن استنباط قرينة على حصول الخسارة من إنكار المدعى عليه الشركة ثم ثبوتها رقغم هذا الإنكار ، ولكن الظاهر أن المحكمة لم تعتبر هذه القرينة كافية ، ولم يتسطع المدعى من جهته تكملتها بأدلة أخرى .

([109]) وكالأهلية الصفة ، إذا كان قيامها واضحاً فأنها تفترض . أما إذا كانت الصفة قد ضح انعدامها ، فلا يفترض وجودها ، ومن له مصلحة فى قيامها عليه عبء إثباتها . وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا حصل أحد الشركاء فى إجارة من وزارة الوقاف على مخالصة من مأمور الأوقاف قرر فيها أنه دفع جميع المطلوب منه فى الدعوى التى رفعت عليه ، ولذلك فقد أخلاه من الحراسة والحجز والدعوى والضمان ، واعتبر هذا الشريك تلك المخالصة مبرئة له من التضامن مع شركائه فى عقد الإيجار فى وفاء الباعى من أجرة الأطيان المؤجرة إليهم جميعاً متضامنين بحسب نص العقد ، ولكن المحكمة ذهب إلى أنه ـ لكى يكون للمخالصة هذا الأثر ـ يجب أن يقيم الصادرة له المخالصة ـ باعتبار أنه هو المتمسك بها ـ الدليل على أن من اصدرها يملك التنازل عن حق الوقف فى اسيفاء أجرة كل الأطيان المؤجرة ، فإن المحكمة تكون قد طبقت قواعد الإثبات تطبيقاً صحيحاً على واقعة الدعوى ( نقض مدنى 14 أبريل سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 409 ص 759 ) .

([110]) وقد قضت محكمة النقض بأن عبء إثبات إجازة عقد قابل للابطال انما يقع على عاتق مدعى الاجازة . وإذن فمتى كان الطاعن قد ادعى أن مورث المطعون عليها قد أجاز بعد بلوغه سن الرشد عقد البيع الذى عقده وهو قاصر ، فإن الحكم المطعون فيه إذ ألقى عيه عبء إثبات هذه الواقعة لا يكون قد خالف قواعد الإثبات ( نقض مدنى 26 نوفمبر سنة 1953 مجموعة أحكام محكمة النقض 5 رقم 28 ص 203 ) .

([111]) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا لم تثبت الملكية للمدعين بالسند الذى أسسوا عليه دعواهم ، فلا يكون للمحكمة أن تتخذ من عجز منازعيهم ـ وهم مدعى عليهم فى الدعوى ـ عن

  إثبات ملكيتهم بالتقادم دليلا قانونيا على ثبوت ملكية المدعين وهم المكلفون قانوناً بإثبات دعواهم ( نقض مدنى 14 يونية سنة 1945 مجموعة عمر رقم 266 ص 723 ـ وانظر أيضاً 10 أكتوبر سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 97 ص 193 ـ 12 فبراير سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 266 ص 538 ) . وقضت محكمة النقض أيضاً بأنه متى كان ناظر الوقف الواضع اليد على العين مقراً بتبعيتها للوقف ، فلا شأن لمدعى ملكيتها فى مطالبة الناظر بكتاب ولا بإشهاد على الوقف . وعلى هذا المدعى وحده تقديم الدليل المثبت لدعواه ، وخصوصاً إذا كان الوقف قديماص يرجع إلى ما قبل صدور لائحة ترتيب المحاكم الشرعية فى 27 من مايو سنة 1897 التى أوجبت لأول مرة إجراء افشهاد عن الوقف لإثباته ، وكان قبلها إثبات الوقف خاضعاص لأحكام الشريعة الإسلامية التى لا تستلزم فيه كتابة ولا إشهاداً ( نقض مدنى 23 يناير سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 143 ص 316 ) . وقضت محكمة النقض أيضاً بأن تقرير الحكم أن المدعى عليه لم يكسب ملكية الأطيان التى يطلب المدعيان ثبوت ملكيتهما لها بأى سبب من أسباب كسب الملك لا يفيد بذاته وبطريق اللزوم ثبوت ملكيتها للمدعيين . فمتى كان الحكم ، إذ قضى بثبوت ملكية المدعيين للأطيان موضوع النزاع ، قد أقام قضاءه على أن المدعى عليه لم يكسب ملكية هذه الأطيان بأى من عقدى شرائه أو بوضع اليد المدة الطويلة أو القصيرة ، كذلك لم يبين الحكم كيف آلت الأشياء إلى المدعيين من آخر كان قد اشتراها فى حين أنهما ليسا من ورثته ، ولم يتحدث عن عقد القسمة المبرم بين هذا المشترى وأخوته ، ولا عن كيفية إفادته ملكية المدعيين ، متى كان الحكم قد أقام قضاءه على ذلك فإنه يكون قاصراً ( نقض مدنى 15 فبراير سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 65 ص 341 ) ـ وقضت محكمة النقض أيضاً بأنه إذا قضت المحكمة بإحالة الدعوى على التحقيق بناء على طلب الطرفين ليبين كل منهما ما يدعيه من تملكه الأرض موضوع النزاع بالتقادم الطويل المدة ، وبعد أن انتهت المحكمة من سماع شهود الطرفين رجحت أقوال شهود المدعى على شهود المدعى عليهم ، فليس فيما أجرته مخالفة لقواعد الإثبات ( نقض مدنى 29 مارس سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 87 ص 478 ) . وقضت أخيراً بأنه بحسب المحكمة إذ هى قضت برفض دعوى الطاعنين أن تستند فى ذلك إلى عجزهم عن إثبات سبب ملكيتهم دون أن تكون فى حالجة إلى بيان أساس ملكية المطعون عليها التى لم تكن إلا مدعى عليها فى الدعوى ( نقض مدنى 6 مارس سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 96 ص 560 ) . أنظر أيضاً استئناف مختلط 31 يناير سنة 1901 م 13 ص 133 ـ 14 ديسمبر سنة 1905 م 18 ص 41 ـ 26 أبريل سنة 1906 م 18 ص 221 .

([112]) ديمولومب 29 فقرة 189 ـ لوران 19 فقرة 91 ـ بودرى وبارد 3 ص 2060 ص 422 .

([113]) نقض مدنى 29 أبريل سنة 1954 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 122 ص 819 .

([114]) استئناف مختلط 15 يناير سنة 1903 م 15 ص 90 .

([115]) بودرى وبارد 3 فقرة 2060 ص 422 . هذا وقد قضت محكمة النقض بأن تعتبر العقارات بالتخصيص وفقا لنص المادة 688 مختلط داخلة ضمن الملحقات المشار إليها فى المادة المذكورة ، وتباع مع العقار المرهون ما لم يتفق صراحة على خلاف ذلك ، ويقع عبء إثبات هذا الاتفاق على من يدعيه ( نقض مادنى 14 يناير سنة 1954 مجموعة أحكام النقض 50 رقم 62 ص 420 ) .

([116]) يلاحظ الفقه الحديث أن القول بأن القرينة القانونية تنقل عبء الإثبات إذا كانت تقبل إثبات العكس ، وتعفى من الإثبات عفاء نهائياً إذا كانت لا تقبل إثبات العكس ، هو قول تعوزه الدقة . ذلك أن القرينة القاونية سواء كانت قابلة لإثبات العكس أو غير قابلة ، تقتضى ممن يتمسك بها إثبات وقائع معينة هى التى عينها القانون لقيام القرينة . فكأن القرينة القانونية لم تعف من الإثبات أو تنقل عبئه ، وإنما هى نقلت الإثبات من محل إلى محل آخر (deplacement de prevue) ، فبدلا من أن يثبت المدعى الواقعة المراد إثباتها يثبت واقعة أخرى متصلة بها ، وإثبات هذه الواقعة الأخرى يعتبره القانون إثباتا للواقعة الأولى . فالقانون إذن ، كما تقدم القول ، لم يعف من الإثبات أو ينقل عبئه ، وإنما أبدل فى الإثبات واقعة بأخرى ، ولا يزال من يحمل عبء الإثبات ملزماً بإثبات هذه الواقعة الأخرى ، لم يعف من إثباتها ولم ينتقل عبء إثباتها من عاتقه إلى عاتق خصمه ( انظر فى هذا المعنى بيدان وبرو 9 فقرة 1165 وفقرة 1291 ) . =

=   وهذا النظر الجديد ، وإن كان صحيحاً فى ذاته ، لا يؤدى إلى هدم النظر القديم . ففى القرينة القانونية القابلة لإثبات العكس ، ينتقل الإثبت من محل إلى محل آخر ، ولكن متى أثبت المدعى الواقعة البديلة ـ كون المسئول هو المكلف بالرقابة مثلا ـ انتقل عبء الإثبات فعلا من عاتقه إلى عاتق المكلف بالرقابة ، فيصبح هذا مكلفاً أن يثبت أنه قام بواجب الرقابة . وفى القرينة القانونية غير القابلة لإثبات العكس ، ينتقل الإثبات أيضا من محل إلى محل آخر ، ولكن متى أثبت المدعى الواقعة البديلة ـ كون المسئول هو حارس الحيوان أو البناء أو الآلة الميكانيكية مثلا ـ أعفى فعلا إعفاء نهائياً من إثبات الواقعة الأصيلة ، وهى وقوع خطأ من هذا المسئول . ولا يقال أن هذا الإعفاء النهائى لا جدوى فيه للمدعى ما دام يبقى مكلفا بإثبات الواقعة البديلة ، فإن الإعفاء فى هذه الحالة له فوائد لا يستهان بها ، ذلك أن إثبات الواقعة البديلة يكون عادة أيسر بكثير من إثبات الواقعة الأصيلة ، فيكون المجعى فى النهاية قد تخفف كثيراً من مؤونة الإثبات . على أننا سنرى عند الكلام فى القرائن القانونية غير القابلة لإثبات العكس أن حقيقة هذه القرائن هو أنها قواعد موضوعية لا قواعد للإثبات .

([117]) وقد آثرنا أن نستعمل هذا اللفظ (( فعلا )) بدلا من اللفظ (( عرضاً )) الذى استعملناه فى الموجز ( انظر ص 653 ) واستعمله الفقه المصرى معنا ثم استعملته محكمة النقض ( 6 مارس سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 165 ص 375 ) ، لأن اللفظ الأول أدل على المعنى المقصود .

([118]) وقد قضت محكمة النقض بأن الأصل خلوص الذمة ، وانشغالها عارض . ومن ثم كان لإثبات على من يدعى ما يخالف الثابت أصلا أو عرضاً ( وفى اللغة التى اخترناها : حكماً أو فعلا ) مدعياً كان أو مدعى عليه . فإذا رفع الموكل دعواه بندب خبير لتحقيق الحسابات التى قيدها وكيله فى دفاتر الدائرة ، فهذه الدعوى لا تعدو أن تكون دعوى تحقيق حساب بين موكل ووكيله غايتها تعيين المبالغ التى قبضها الوكيل من أموال الموكل فانشغلت بها ذمته والمبالغ التى صرفها فى شؤونه فبرئت منها ذمة الوكيل . فهى لا تخضع ولابد لقاعدة الإثبات العامة السابق ذكرها ، فيتعين على الموكل وورثته إثبات قبض الوكيل للمال الذى يدعون أنه قبضه . فإن فعلوا ، تعين على الوكيل وورثته أن يثبتوا صرف هذا المال فى شؤون الموكل أو مصيره إليه . فإذا كان الثبات بتقرير الخبير أنه اعتمد فى حصر المبالغ التى وصلت إلى الوكيل على الدفاتر التى كان هو يرصد فيها حساب وكالته ، فإنه يكون على ورثة الوكيل ، وقد أقام الموكل بما قيده الوكيل بالدفاتر الدليل على انشغال ذمة مورثهم بما ورد فيها من مبالغ ، أن يقيموا هم بدورهم الدليل على خلوص ذمته منها كلها أو بعضها . فإذا اعتمدت المحكمة على تقرير الخبير الذى آخذ مورثهم بعجزهم هم عن إثبات براءة ذمته من مبالغ ثبت وصولها إلى يده من الدفاتر التى قيدها بها ، فإنها لا تكون قد خالفت القانون ( نقض مدنى 6 مارس سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 165 ص 375 ) .

([119]) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1420 ص 845 ـ ص 849 .

([120]) ويضع الأستاذ ديموج مبدأين أساسيين فى حمل عبء الإثبات . أولهما أن من يحمل هذا العبء لا يلتزم بإثبات جيمع الشروط الواجب توافرها لوجود الحق الذى يدعيه ، بل يكفى أن يثبت من الشروط ما يجعل وجود هذا الحق مرجحا (vraisemblable) . فليس عليه أن يثبت أن حقه قد خلا من التدليس ومن الإكراه ، لأن هذه الوقائع استثنائية ومن يدعى غير الراجح يحمل عبء ما يدعيه ، ذلك أنه ادعى شيئاً بعيد الوقوع ، ولكنه مع ذلك قد يقع ، فعليه هو أن يثبت وقوعه . والمبدأ الثانى فى عبء الإثبات هو أن هذا العبء يحمله فى كل حالة بالذات الخصم الذى يستطيع أن يضطلع به فى أقل مشقة (le moins d'inconvenient) ، أى فى أقصر وقت وبأقل المضايقات وبأيسر النفقة (le moins de delais, de vexations, de frais..) . ثم يذهب ديموج إلى وجوب عدم المبالغة فى تقدير أهمية عبء الإثبات . ذلك أن الخصوم لا بد لهم من أن يتوزعوه فيما بينهم يتعاونون على الاضطلاع بهذا العبء ، ولكنه تعاون الأعداء ، كما يتعاون رب العمل مع نقابة العمال ، وذاك التعاون كهذا يغلب فيه أن يكون ضرورياً ومنتجاً . والتعاون ليس مقصوراً فحسب على الخصوم فيما بينهم ، بل إن الخصوم يتعاونون أيضاص مع القاضى في ذلك . ومن أجل هذا لا يستطيع القاضي أن يقضى بعلمه ، فإن ذلك يحرمه من تعاون الخصوم معه ( ديموج فى الأفكار الرئيسية للقانون الخاص الفصل السابع ص 542 ـ ص 565 ) .

([121]) أنظر ما قدمناه فى هذه المسألة فقرة 47 فى الحاشية .

([122]) يذهب أوبرى ورو إلى أن الخصم الذى يحمل عبء الإثبات يجب أن يثبت جميع العناصر الواقعية والقانونية للحق (droit) الذى يتمسك به أو الفائدة القانونية (benefice legal) التى يدعيها . ويقف عبء الإثبات عند هذا الحد . فلا يلتزم الخصم بإثبات انعدام الأسباب أو الظروف التىكان وجودها يمنع من كسب الحق (obslacle a l'acquistion du droit) أو يؤدى إلى سقوط الفائدة القانونية (decheance du benefice legal) . ولا يلتزم كذلك أن يثبت أن الحق لم يدخل عليه تعديل أو يلحق به قيد لمصلحة خصمه (n'a pas ete modife ou restraint au profit de son adversaire) ( أوبرى ورو 12 فقرة 749 ص 84 وص 86 ـ ص 90 ) .

       ويتعترض بارتان ( ص84 حاشية رقم 19 مكرر ) على التمييز ما بين الواقعة التى أنشأت الحق ، ويلقى على المجعى عبء إثباتها ، والواقعة التىتتكون قد منعت من نشوء الحق أو تكون قد عدلته أو قيدت منه ، ويحمل المدعى عليه فيها عبء الإثبات . ويقول إن هذا التمييز لا مبرر له ، وإذا كنا نزمع أن نطلب من المدعى إثباتا كاملا فينبغى أن يثبت جميع الوقائع دون تمييز . ولكن الواقع من الأمر أننا لا نطالب المدعى بإثبات كامل حتى بالنسبة إلى الواقعة التى أنشأت الحق . فإن صاحب الاختراع مثلا يجب عليه أن يثبت صدور براءة له بالاختراع وأنه سجل هذه البراءة ، وعلى المدعى عليه أن يثبت أن الاختراع ليس بجديد مع أن جدة الاختراع هى من العناصر المكونة للواقعة مصدر حق المخترع ومع ذلك يقع عبء إثباتها على المدعى عليه لا على المخترع .

       ثم فى حاشية ثانية ( رقم 19 مكرر خامساً quinquies ) يعترض بارتان على ما جعل أوبرى ورو عبء الإثبات فيه على المدعى عليه ، وستعرض فى هذا الصدد فروضاً مختلفة يخلص منها إلى أن عبء الإثبات فيها إنما يقع على المدعى لا على المدعى عليه ، وينتهى بالعبارة الآتية : (( وبعبارة موجزة ، أياً كان التعريف الذى نقف عنده لما يدعوه أوبرى ورو المانع من نشوء الحق ، يقابل به انعدام الشروط الضرورية لوجود الحق ، فإن القاعدة التى تلقى عبء إثبات هذا المانع على عاتق المدعى عليه تبدو لنا ـ وهذا أقل ما يمكن أن أقول ـ قاعدة مشكوكاً فيها غير متماسكة )) . ثم في حاشية ثالثة ( رقم 19 مكرر سادسا Sexies) يتناول بارتان

= الاستثناء الثانى ـ سقوط الفائدة القانونية المدعاة (decheance du benefice legal invoque) ـ فيقول بعد استعراض فروض مختلفة فى أحوال سقوط الحق إن عبء الإثبات فى هذه الفروض يقع على المدعى لا على المدعى عليه خلافاً لما ذهب إليه أوبرى ورو .

       ثم فى حاشية رابعة ( رقم 19 مكرر سابعاً septies ) يتناول بارتان الاستثناء الثالث والأخير ـ تعديل الحق المتمسك به أو تقييده لمصلحة لخصم (modification ou restriction au profit de l'adversaire du droit invoque) ـ فيقول لو أن دائناً أبرأ ذمة مدينه لإعسار طارئ محتفظاً بالحالة التى يعود فيها المدين إلى اليسار ، ثم طالب المدين بعد يساره ، فإن على الدائن أن يثبت أنه استبقى الصفة المدنية لحقه ، وليس على المدين أن يثبت أن الدين قد تحول بإبراء الذمة إلى التزام طبيعى ولو كان الإبراء مقروناً بتحفظ .

                   ثم ينتهى بارتان ( فى الحاشية رقم 20 مكرر ) إلى عرض ما يقترحه هو بديلا مما ذهب إليه أوبرى ورو ، فيقول : إن توزيع عبء الإثبات لا يكون على نمط واحد ، بل يختلف تبعاً لما إذا كان يراد إثبات واقعة مادية ، كوقوع حادث ، أو إثبات حالة نفسية ، كالنية أو كالعلم بالغلط . ويختلف كذلك تبعاً لما إذا كان يراد إثبات واقعة مادية محضة ، كتسليم الطرد لأمين النقل ليستخلص من هذه الواقعة واقعة مادية أخرى لا يمكن إثباتها بطريق مباشر كتلف ما بالطر بعد ضياعه أو فقده ، أو إثبات واقعة مادية ليستخلص منها إما علاقة السببية بين واقعتين ، أو نسبة معينة بين قيمتين تكون المقارنة بينهما من شأنها أن تنشئ التزاماً بالرد أو التزاماً بالإسعاف والمساعدة أو إنقاصاً لالتزامات مرهقة أو تفسيراً فرضه القانون أو ارتضاه الطرفان باختيارهما علمية قانونية ....... ويحسن أن نحلل ما صدر من أحكام القضاء فى هذه المشاكل تحليلا وصفياً . وسيؤدى هذا التحليل دون شك ، إذا تعمقنا فيه إلى المدى الممكن تصوره ، إلى تحديد ما أسميه (( أسراً طبيعية من الخصومات )) (familles naturelles des litiges) . فإذا عرض للمشتغل بالقانون مسألة جديدة غير متوقعة فى توزيع عبء الإثبات ، أمكنه أن يجد من بين هذه (( الأسر الطبيعية )) ما يصلح لمقارنة الجديد به ، بل ما يصلح أن يعتبر سابقة قضائية حقيقية لشدة المشابهة ، فيقيس الجديد عليه ، ويصل من هذا القياس إلى الحل المنشود . ( قارن بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2177 ) .

([123]) وقد جاء فى الموجز للمؤلف فى هذا المعنى ما يأتى: (( ويتبين من ذلك أن مهمة كل خصم فى الدعوى هو أن ينقل عبء الإثبات إلى خصمه . فإن عجز الخصم عن الاثبات خسر دعواه . وإن استطاع هو الآخر نقل عبء الإثبات إلى الخصم الأول ، وعجز الخصم الأول عن الإثبات خسر هذا الخصم دعواه ، إلا إذا استطاع نقل عبء الإثبات إلى الخصم مرة ثانية ، وهكذا . وعبء الإثبات يقع دائماً على من يدعى شيئاً مخالفاً لما هو ثابت أصلا أو عرضاً أو ظاهراً أو بفضل قرينة قانونية . ونرى من ذلك أن الحقائق القضائية ليست إلا حقائق نسبية ، شأن سائر الحقائق )) ( الموجز ص 651 ) .

([124]) فى رسالة حديثة ( موتيلسكى Motulsky فى نظرية العناصر المكونة للحقوق ـ باريس سنة 1948 ) ، اتخذ المؤلف هذه العناصر أساساً لرأى ذهب إليه فى مسألة عبء الإثبات .

       فهو يميز بين مرحلتين : عبء الادعاء (charge de l'allegation) وعبء الاثبات (charge de prevue) .

       1 ـ فعبء الادعاء ينحصر فى أن المدعى يجب أن يضمن ادعاءه جميع العناصر التى تكون الحق المدعى به . وهذا ما يسميه المؤلف بالعناصر المكونة للحق (elements generateurs du droit) . فإن أغفل شيئاً من هذه العناصر ، رفضت دعواه . ومن ثم يظهر المعنى المقصود بعبارة (( عبء الادعاء )) ، فالمدعى يحمل عبء اعاء جميع العناصر المكونة للحق الذى يدعيه ، وإلا خسر دعواه ، وذلك حتى قبل الانتقال إلى مرحلة عبء الإثبات ، بل وحتى لو حضر وحده فى غيبة خصمه ، ولم يذكر جميع العناصر المكونة لحقه ، فإنه يخسر دعواه لمصحلة خصمه الغائب ـ ولكن التطبيق الحرفى لهذه القاعدة ، أن يضمن ادعاءه وقوع التراضى على المبيع والثمن ، وأهلية المتعاقدين ، وخلو التراضى من العيوب ، وتوافر شروط المبيع ، ووجود سبب مشروع الخ .. فلا بد إذن من أن يتخفف من يحمل (( عبء الادعاء )) من بعض هذه العناصر ، عن طريق ما يسميه المؤلف بنظرية الإعفاء (la theorie des dispenses) . والإعفاءات التى ترد على ((عبء

 الإدعاء )) نوعان : إعفاءات عقلية (dispenses rationnelles) وإعفاءات قانونية (dispenses legales) . فهناك شروط لابد من توافرها لوجود الحق المدعى به ، ولكنها شروط يجب عقلا وبداهة (sentiment d'enidence) افتراض وجودها إلى أن يقوم فى شأنها نزاع . من ذلك الشروط العامة الواجب توافرها فى كل دعوى وفى كل حق وفى كل التزام وفى كل عقد . هذه تدخل تحت ( الإعفاءات العقيلة )) ، فيعفى المدعى من تضمين إدعائه لها إلى أن ينازع فيها المدعى عليه . أما الشروط التى تميز الحق المدعى به وتخصصه فهذه يجب أن يتضمنها الادعاء . ويدخل أيضاً تحت (( الإعفاءات العقلية )) المفهومات المركبة (notions complexes) كمفهوم البيع ومهوم الزواج ، فتبقى على ما هى عليه من تركيب ، إلى أن يقع فى شأنها نزاع ، فعند ذلك يجب تحليلها (decomposition) إلى العناصر التى تتركب منها . ((والإعفاءات القانوينة)) قد ينص عليها القانون صراحة ، كما فعل فى النص على افتراض حسن النية ، فيعفى المدعى من إثبات هذا العنصر . على أن أكثر (( الإعفاءات القانوينة )) لا نص عليها ، ولكنها تستخلص من ثنايا النصوص (elle doit etre decelee par l'exegese) ، فحيث يعمد القانون ، لا إلى تنظيم عنصر من عناصر الحق ، بل إلى تنظيم الوضع المخالف له ، يكون على المدعى عليه عبء إثبات هذا الوضع الخالف ، وذلك كما فعل القانون فى تنظيم عدم الأهلية والبطلان وانقطاع التقادم ووقفه والشرط والأجل والتعسف فى استعمال الحق والوصية . ويخلص المؤلف من ذلك إلى وضع القاعدة الآتية فى (( عبء الادعاء )) : (( على الخصم الذى يطالب بحق أن يضمن ادعاءه جميع الظروف التى تقابل العناصر المكونة لهذا الحق ، ما لم يوجد لديه إعفاء عقلى أو قانونى )) .

       هذا هو (( عبء الإدعاء )) من حيث المبدأ . أما من حيث التطبيق : فالمدعى إما أن ينوء بعبئه ، فلا يضمن ادعاءه ، بعد جميع الإعفاءات ، العناصر اللازمة ، فيخسر دعواه دون انتقال إلى مرحلة الإثبات . وإما أن يقوم بعبئه ، فيضمن ادعاءه العناصر اللازمة . عند ذلك يأتى دور المدعى عليه . وهذا إما أن ينازع فى الوقائع المدعاة ، فعليه عبء المنازعة (charge de contestation) ، أى عليه أن ينازع منازعة جدية فى أحد العناصر المدعاة ، وإلا كسب المدعى دعواه دون أن ينتقل إلى مرحلة الإثبات . وإما أن يقر بالحق المدعى به ولكن يدعى أن هذا الحق قد انقضى أو لحقه تعديل ، فعليه فى هذه الدعوى المقابلة (contre-action) عبء الادعاء المقابل ، وعليه أن يضمن ادعاءه جميع العناصر المطلوبة ، وعلى المدعى أن يقف من هذا الادعاء المقابل موقف المنازع أو موقف من يدعى ادعاء مقابلا آخر ، وهكذا . وينتهى القاضى إلى تصفية (( نقط النزاع)) (faits litgieux). وهذه هى الوقائع المنتجة فى الدعوى والتى بقيت محلا للنزاع بين الخصمين . وعند ذلك ينتقل القاضى إلى مرحلة الإثبات . =

= ب ـ وعبء الإثبات يقتصر على ((نقط النزاع)) بعد حصرها على الوجه المتقدم . فهناك ((نقط نزاع)) تخلفت عن تصفية ادعاء المدعى فيحمل المدعى عبء إثباتها . وهناك (( نقط نزاع )) أخرى تخلفت عن تصفية ادعاء المدعى عليه فيقع عبء إثباتها على المدعى عليه . وهكذا يتوزع عبء الإثبات بين الخصمين ، كل يحمل نصيبه منه . وتتناول نظرية الإعفاء عبء الإثبات كما تناولت عبء الادعاء . غير أن الإعفاء هنا لا يكون إلا إعفاء قانونيا (dispense legale) ، أما الإعفاء العقلى (dispense rationnelle) فيمتنع ، لأنه فى عبء الادعاء لا يقوم مع قيام النزاع ، والنزاع هنا قائم فرضاً . فيعفى كل من الخصمين من إثبات الأوضاع الخالفة التى عمد القانون إلى تنظيمها ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك .

       وإذا كان الدليل الذى يتقدم به من يحمل عبء الإثبات دليلا مقنعاً للقاضى ، صدر الحكم لمصلحته . وإذا عجز عن الإثبات ، صدر الحكم ضده . وإذا كان الدليل يشوبه الشك ، فسر الشك لغير مصلحته وصدر الحكم ضده ، وهنا تتبين دلالة حمله لعبء الإثبات .           هذه هى الخطوط الرئيسية للرأى الذى يتقدم به صاحب الرسالة المتقدمة الذكر . وليس فى هذا الرأى نصيب كبير من الابتداع ، وإن كان فيه كثير من الترتيب والتنسيق . فتصفية ادعاءات كل من الخصمين قبل الانتقال إلى مرحلة الإثبات ، وتحديد نقط النزاع بعد هذه التصفية ، وتوزيع عبء الإثبات بين الخصمين ، فيه ترتيب منسق وتسلسل منطقى للمسائل التى ينطوى لعيها عبء الإثبات . ولكن المسألة الجوهرية فى عبء الإثبات ـ التى رأينا ديموج يعالجها ع طريق فكرتى الرجحان (vrqisemblance) والاضطلاع بأقل مشقة (le moins d'inconvenients)، ورأينا بارتان يواجهها بالأسر الطبيعية للخصومات (familles naturelles de litiges) ، ويعمد جنى إلى تحميل عبء الإثبات فيها لمن يريد تعديل وضع مكتسب (modification d'une situation acquise)، ويعمد بارد إلى تحميل هذا العبء لمن يتمسك بواقعة مخالفة للوضع المألوف المعتاد (un fait contre l'etat normal et habituel) ، كما يعمد تفنيه (Thevenet) إلى تحميل العبء لمن يقوم الظاهر ضده (contre lequel l'apparence existe) ـ هذه المسألة الجوهرية يعالجها المؤلف بنظريته فى الإعفاء . وهى نظرية لا تزيد فى التحديد والضبط عن هذه الآراء التى قدمناها ، وقد أحس المؤلف نفسه أنها محوطة بشئ من الغموض . ونحن إذا دققنا النظر فى نظرية الإعفاء هذه ، لا نراها تخرج عما سبق أن قررناه من أن الخصم يعفى من عبء الإثبات إذا ادعى ما هو ثابت حكما أو فعلا .

([125]) انظر الدكتور سليمان مرقس فى شرح عقد الإيجار الطبعة الثانية سنة 1954 فقرة 233 ص 417 ـ ص 418 .

([126]) انظر الجزء الأول من الوسيط فقرة 440 ص 677 .

([127]) نقض مدنى 26 نوفمبر سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 28 ص 203 .

([128]) وتعيين الخبير من الرخص المخولة للقاضى ، فله أن يقدر ما إذا كان لازماً أو نغير لازم ، وله بعد أن يتم هذا التعيين أن يأخذ بتقرير الخبير أو ألا يأخذ به ( نقض مدنى 19 نوفمبر سنة 1931 مجموعة عمر 1 رقم 2 ص 6ـ19نوفمبر سنة 1931 مجموعة عمر 1 رقم 5 ص 14 ـ 10 مارس سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 42 ص 84 ـ 10 نوفمبر سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 69 ص 139 ـ 12 مارس سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 335 ص 1047 ـ 29 يناير سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 139 ص 410 ـ 9 مارس سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 108 ص 820 ـ 18 مايو سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 138 ص 302 ـ 28 ديسمبر سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 178 ص 503 ( الأخذ بالجزء غير الباطل من تقرير الخبير ) ـ أو لمارس سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 216 ص 581 ـ 31 مايو سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 263 ص 713 ـ 23 يناير سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 146 ص 327 ـ 16 ديسمبر سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 353 ص 684 ) . ولكن يجب تعيين خبير إذا أوجب القانون ذلك ( كما فعل تقنين المرافعات إذ قضت الفقرة الثانية من المادة 31 ، فى تقدير الدعوى المتعلقة بالعقار ، بأنه إذا كان العقار غير مربوط عليه ضريبة قدرت قيمته بحسب المستندات التى تقدم أو بواسطة خبير ) ، أو كان تعيين =

= الخبير هو الوسيلة الوحيدة للخصم فى إثبات مدعاه فعند ذلك لايجوز رفض تعيين الخبير بغير سبب مقبول ( نقض مدنى 5 يناير سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 312 ص 1020). انظر أيضاص المادة 836 مدنى ونقضى بأن تندب المحكمة ، إن رأت وجهاً لذلك ، خبيراً لقسمة المال الشائع ، وفى الكثرة الغالبة من الأحوال يكون هناك وجبه لتعيين الخبير .

       وتقارن الأساتذة بلانيول وريبير وبولانجيه بين الخبير والشاهد . فهما يتوافقان من حيث أن القاضى يعتمد على أقوال كل منهما فى تكوين اعتقاده . وهما يتفارقان من حيث إن الشاهد يخبر عن الماضى أما الخبير فيقرر عن الحاضر . والأول يقتصر على رواية خبر ، أما الثانى فيبدى رأياً فنياً يعين القاضى على البت فى الدعوى . فالخبير أقرب إلى أن يكون قاضياً من أن يكون شاهداً ( بلانيول وريبير وبولانيجه 2 ص 2254 ) .

([129]) ومع ذلك فقد يوجب القانون الإثبات بالكتابة فى بعض الوقائع المادية كما فعل فى إثبات البنوة (م 323 فقرة 2 و م 341 فقرة 3 مدنى فرنسى ) ، وقد يجيز الإثبات بالبينة فى مناسبة تصرف قانونى كالغلط والتدليس وافكراه إذا شاب عيب منها التصرف القانونى لأن هذه العيوب فى الواقع إلا وقائع مادية (بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2166 ) .

([130]) يرى أوبرى ورو أن الوقعة التى يعتبرها القانون ثابتة بفضل قرينة قانونية قاطعة لا تكون محلا للإثبات ، ومن ثم لا تكون القرائن القانونية القاطعة طريقاً للإثبات بالمعنى الصحيح . أما القرائن القانونية البسيطة ، وهى التى يجوز إثبات عكسها ، فلا تكون هى أيضاً طريقاً للإثبات ، بل هى طريق لنقل عبء الإثبات إلى الخصم الآخر ( أوبرى ورو 12 فقرة 749 ص 73 ) .

       وقد قدمنا أن القرينة القانونية القاطعة توجب على الخصم إثبات واقعة متصلة بالواقعة محل النزاع ، فهناك إذن=  

=  واقعتان : واقعة أصيلة وهى الواقعة محل النزاع ، وواقعة بديلة وهى الواقعة الواجب على الخصم إثباتها ويكون فى هذا الإثبات إثبات للواقعة الأصيلة . ففيما يتعلق بالواقعة البديلة ، لا يكون فى القرينة القانونية القاطعة إعفاء من الإثبات ، بل هناك إثبات مباشر . أما فيما يتعلق بالواقعة الأصيلة ، فإن فى القرينة القانونية القاطعة إعفاء من الإثبات المباشر ، وتثبت الواقعة الأصيلة ثبوتا غير مباشر عن طريق إثبات الواقعة البديلة . ولا فرق ما بين القرينة القانونية القاطعة والقرينة القانونية البسيطة ، فى هذا الصدد ، إلا فى أن الإعفاء من الإثبات المباشر للواقعة الأصيلة فى القرينة البسيطة هو إعفاء مؤقت لا إعفاء نهائى كما فى القرينة اقاطعة . إذ أن القرينة البسيطة ينقلها عبء الإثبات إلى الخصم الآخر ، تفسح المجال لإعادة هذا العبء إلى الخصم الأول بعد أن كان قد أعفى من الإثبات ، وذلك إذا ما اضطلع الخصم الآخر بعبئه . أما بالنسبة إلى الواقعة البديلة فالقرينة القاطعة والقرينة البسيطة سواء : فى الاثنتين يعين إثبات الواقعة البديلة إثباتاً مباشراص .

       ولما كانت العبرة فى الإثبات إنما تكون الإثبات الذى ينصب مباشرة على الواقعة الأصيلة ، فقد اعتبرنا هذا المعنى فى القرائن القانونية ، وآثرنا فى الترتيب الذى توخيناه أن نجعل هذه القرائن ، لا طريقاً للإثبات ، بل طريقاً للإعفاء من الإثبات ، إذ هى جمعيا تعفى من إثبات الواقعة الأصيلة إثباتاً مباشراص ، على وجه نهائى فى القرائن القاطعة وعلى وجه مؤقت فى القرائن البسيطة .

([131]) وللخصم أن يختار من طرق الإثبات ما يجيزه القانون . وهو إذا اختار طريقاً منها ، ولم يونافق فيه أو عدل عنه ، فله أن يلجأ إلى طريق آخر ، وذلك إلا فى اليمين فسنرى أن الالتجاء إلى هذا الطريق يعتبر نزوى عما عاه من الطرق . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه يجوز للخصم الذى رخص له فى إثبات حق متنازع فيه بطريق معين من طرق الإثبات أن يلجأ إلى طرق أخرى لإثبات حقه ، سواء أكان قد عجز عن الإثبات بالطريق الذى سبق الترخيص به أم كان قد عدل عن هذا الطريق بعدم المضى فيه . ومن ثم إذا كان كان المدعى فى دعوى الاستحقاق قد فقد حقه فى السير فى إجراءات التحقيق ، فلا يترتب على ذلك أنه يفقد حقه فى إثبات دعواه بطريق آخر ( استئناف مختلط 6 فبراير سنة 1919 م 31 ص 156 ) . وقضت أيضاً بأنه إبذا أقر اقاضى اتخذ طريق من طرق الإثبات ، فإن ذلك لا يمنع الخصم ، وكذلك لا يمنع القاضى ، من الالتجاء إلى طرق أخرى لإثبات أو نفى ما يدعيه الخصوم . وينبنى على ذلك أنه إذا لم يباشر الخبير المحاسب عمله بسبب عمله بسبب عدم إيداع الخصم الأمانة المقدرة ، فإن ذلك لا يمنع الخصم المقصر فى إيداع الأمانة من أن يستبدل بهذا الطريق طرقاً أخرى للإثبات . ويتعين على القاضى أن يبحث هذه الطرق ، غاضاً النظر عن الإجراء الذى سبق اتخاذه ولم يتم (استئناف مختلط 9 ديسمبر سنة 1931 م44 ص56 ) .

([132]) نظر فى هذه المسألة سسيوريانو (Sescioreano) فى الإتفاقات الخاصة بإثبات براءة ذمة المدين ، رسالة من باريس سنة ذ920 ـ ليبال (Le Balle) فى الاتفاقات الخاصة بطرق الإثبات فى القانون المدنى ، رسالة من باريس سنة 1923 ـ وسنعود إلى معالجة المسألة من ناحية جواز الاتفاق على الإثبات بالبينة حيث تجب الكتابة أو الاتفاق على الإثبات بالكتابة حيث تجوز البينة عند الكلام فى البينة والقرائن .

([133]) أنظر رسالة سسيوريانو (Sescioreano) المتقدم ذكرها ص 39 .

([134]) أنظر رسالة ليبال ) (Le Balle) المتقدم ذكرها ص 134 ـ بيدان وبرو 9 فرة 1153 ـ فقرة 1154 .

([135]) بيدان وبرو 9 فقرة 1153 .

([136]) أما إذا لم يكن هناك اتفاق خاص ، وخالف القاضى من تلقاء نفسه القواعد التى رسمها القانون فى الإثبات وسكت الخصم ولم يعترض ، فلا يعتبر ذلك اتفاقاً بينه وبين خصمه على مخالفة قواعد الإثبات ، بل نزولا بارادة منفردة عن حق الاعتراض ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1428 ص 856 هامش رقم 3 ) . وهذا بخلاف ما إذا تطوع أحد الخصمين لحمل عبء إثبات واقعة لم يكن عليه إثباتها وسكت الخصم الآخر ، فقد قدمنا أن هذا يكون بمثابة اتفاق ضمنى على تعديل قواعد عبء الإثبات .

([137]) نقض فرنسى 9 يناير سنة 1865 داللوز 65ـ1ـ160ـ سريه 65ـ1ـ63 حكم آخر فى 17 يولية سنة 1866 داللوز 67ـ1ـ67ـ سيريه 66ـ1ـ401 .

([138]) نقضى فرنسى أول يونيه سنة 1893 سيريه 93 ـ 1 ـ 283 ـ حكم ثان فى 22 فبراير سنة 1896 سيريه 97 ـ 1 327 ـ حكم ثالث فى 27 ديسمبر سنة 1921 سيريه 1922 ـ1 ـ 20 .

([139]) نقض فرنسى 8 أغسطس سنة 1904 سريه 1904 ـ 1 ـ 1 481 .

([140]) نقض فرنسى 20 مارس سنة 1876 سيريه 77 ـ 1 ـ 338 ـ حكم آخر فى 23 نوفمبر سنة 1891 سيريه 95 ـ 1 ـ 402 .

([141]) نقض فرنسى 13 نوفمبر سنة 1891 سيريه 95 ـ1 ـ 407 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1428 ـ فقرة 1429 ص 856 ـ ص *59 ـ بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2195 ـ بيدان وبرو 9 فقرة 1155 .

([142]) وقد قضى كذلك بأنه إذا اشترط المتعاقدان إبعاد اليمين بغير الحال ، فان الشرط ليس فيه ما يخالف النظام العام ، فهو جائز وقد يتردد بعض الناس فى الحلف بسبب العقيد الدينية أو تأنيب الضمير إذا ما ظهر له الحق بعد الحلف ( بنى مزار 27 فبراير سنة 1939 المحاماة 19 رقم 359 ص 882 ) . وقضى بأن الاتفاق فى سند المديونية على عدم أحقية المدين فى توجيه اليمين الحاسمة إلى دائنه عن اسداد اتفاق جائز قانوناً لعدم مخالفته للنظام العام والآداب ( أسيوط الكلية 14 أبريل سنة 1941 المحاماة 21 رقم 437 ص 1042 ) . وأنظر فى أن قواعد الإثبات ليست من النظام العام ، إلا أن يكون الاتفاق على تعديلها قد جاء فى عقد إذعان حيث يكفل القانون حماية الطرف المذعن الدكتور عبد المنعم فرج الصدة ص 20 ـ ص 22 .

([143]) وقد كان التقنين المدنى القديم لا يجيز إثبات عقد الإيجار إلا بالكتابة ، وفى رأينا أنه كان يجوز الاتفاق على جواز الإثبات بالبينة . وتوجب المادة 658 من التقنين المدنى الجديد أن يحصل الاتفاق على الزيادة فى أجر المقاول بالكتابة إذا كان عقد المقاولة قد أبرم بأجر إجمالى على أساس تصميم متفق عليه ، وفى رأينا أن يجوز الاتفاق فى عقد المقاولة على أن يكون إثبات الاتفاق على زيادة أجر المقاول بالبينة دون الكتابة .

([144]) على أن هناك أدلة إذا تقدم بها الخصم ، ولم ينقضها خصمهباثبات العكس ، تصبح دون محيص مقنعة للقاضى ، وذلك كالأدلة الكتبابية وكشهادات الميلاد والوفاة وكالقرائن القانونية القاطعة وكالإقرار وكاليمين . أما ما عدا ذلك فالقاضى حر فى الأخذ به أو فى إطراحه وفقاً لما يقدر من ظروف الدعوى ووقائعها ( كولان وكابيتان ومورانديير 2 ص 720 ـ بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2194 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1426 ) .

([145]) وقد استقر قضاء محكمة النقض على أن محكمة الموضوع هى صاحبة الحق فى تقيدر الدليل الجائز لها الأخذ به دون رقابة لمحكمة النقض عليها فى ذلك ، ما دام الديل الذى تأخذ به مقبولاً قانوناً ، وما لم يكن للدليل حجية معينة حددها القانون ، وبشرط أن تبين فى حمها الاعتبارت المقبولة التى بنت عليها قضاءها ، فلا تعتمد واقعة بغير سند لها ، ولا تستخلص من الوقائع نتيجة غير مقبولة عقلا . فإذا بنى القاضى حكمه على واقعة استخلصها من مصرد لا وجود له ، أو موجود ولكنه مناقض لما أثبته ، أو غير مناقض ولكن من المستحيل عقلا استخلاص تلك الواقعة منه ، كان هذا الحكم معيباص متعيناً نقضه : نقض مدنى 2 يونية سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 52 ص 117 ـ 16 يونية سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 59 ص 132 ـ 3 نوفمب رسنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 67 ص 138 ـ 17 نوفمبر سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 72 ص142 ـ 24 نوفمبر سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 75 ص 145 تفسير الأحكام التى يستند إليها كتفسير سائر المستندات ) ـ أول ديسمبر سنة 1932 مجموع عمر 1 رقم 767 ص 146 ( كالحكم السابق) ـ 19 يناير سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 94 ص 170 ـ 27 أبريل سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 120 ص 206 ـ 7 ديسمبر سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 151 ص 284 ( تفسير سند غامض على أنه ثمن قطن باعه المدعى بصفته وكيلا عن المدعى عليه وسلمه للموكل لا على أنه قرض وادب الأداء ) ـ 28 ديسمبر

                                                                                                       ( م 7 ـ الوسيط 2 )      سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 157 ص 292 ـ أول مارس سنة 1934 مجموعة عمر 1 رقم 168 ص 328 ـ 30 مايو سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 275 ص 815 ـ 5 يناير سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 312 ص 1020 ـ 21 مايو سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 365 ص 1118 ـ 9 يونية سنة 1938 مجموعة عمر 2 رقم 128 ص 398 (تفسير الأحكام التى يستند إليها كتفسير سائر السندات ) ـ ـ 10 نوفمبر سنة 1938 مجموعة عمر 2 رقم 143 ص 427 ـ 18 مايو سنة 1939 مجموعة عمر 2 رقم 183 ص 560 ـ 22 فبراير سنة 1940 مجموعة عمر 33 رقم 3 ص 74 ـ 2 يناير سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 89 ص 266 (تفسير الأحكام التى يستند إليها كتفسير سائر السندات) ـ 27 مارس سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 111 ص 339 (جواز الاستناد إلى حكم شرعى غير نهائى) ـ ـ 16 أكتوبر سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 123 ص (جواز الأخذ ببعبض الشهادة تدون بعض ) ـ 29 يناير سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 137 ص 409 ـ 24 ديسمبر سنة 1942 مجموعة عمر 4 رقم 9 ص 16 ( جواز الاستناد إلى أسباب حكم صادر فى خصومة أخرى ـ 18 فبراير سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 27 ص 57 ـ 14 ديسمبر سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 169 ص 478 ( تقدير المحكمة الاستئنافية لشهادة الشهود على خلاف تقدير المحكمة الابتدائية جائز) ـ 8 مارس سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 219 ص 584 ( جواز أن يجعل للمركز الدينى لأحد الشهود وزنه ) ـ 10 يناير سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 22 ص 41 ـ 7 فبرير سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 40 ص 101 ( جواز الأخذ ببعض الشهادة دون بعض ) ـ 28 مارس سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 56 ص 143 (جواز الأخذ بشهادة لم تأخذ بها محكمة جنائية) 10 أكتوبر سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 98 ص 209 ( لا حاجة للرد على ما نظرته المحكمة من الدلة ) ـ 17 أكتوبر سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 100 ص 218 ( القاضى حر فى عدم الاطمئنان إلى شهادة الشاهد دون إبداء الأسباب ) ـ 28 نوفمبر مجموعة عمر 5 رقم 124 ص 279 ـ 24 أبريل سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 188 ص 406 ( عدم التقيد بالنتيجة التى يسفر عنها تنفيذ حكم التمهيدى) ـ 6 نوفمبر سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 229 ص 477 ( جواز الاستناد إلى دفع رسوم الخفر وعوايد الملك قرينة مؤيدة لما شهد به الشهود على وضع اليد ) ـ 4 ديسمبر سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 4 =

= رقم 25 ص 154 ( جواز اطراح بعض شهادة الشاهد ) ـ 11 ديسمبر سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 28 ص 176 ( جواز اطراح بعض الأدلة اكتفاء بما اقتنعت به المحكمة من الأدلة التى اطمأنت إليها ) ـ 25 ديسمبر سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 38 ص 233 ـ 5 مارس سنة 1953 مجموعة أحكا النقض 4 رقم 88 ص 575 ( جواز اطراح بعض شهادة الشاهد ) ـ 5 مارس سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 92 ص 596 ( جواز عدم إجابة الطالب إلى طلب التحقيق لإثبات علم المطعون عليه بملكية الطاعن للمبيع ما دامت المحكمة قد اقتنعت من الأوراق المقدمة بما ينفى هذا العلم ) ـ 19 مارس سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 104 ص 687 (كالحكم السابق) ـ 4 يونية سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 120 ص 842 (كالحكم السابق) ـ 4 يونية سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 175 ص 1108 (كالحكم السابق) . انظر أيضاً محكمة الاستئناف الأهلية 26 فبراير سنة 1922 المجموعة الرسمية سنة 25 رقم 77 .

       وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه يجوز للمحكمة ، إذا رأت وجهاً لذلك ، أن تتخذ من الإجراءات والوقائع الثابتة فى قضية أخرى عناصر فى تكوين اعتقادها وذلك على سبيل الاستئناس ، من نحو يمين أديت ، أو إقرار صدر ، أو تحقيق أجرى ، أو مستندات قدمت ( استئناف مختلط 6 يناير سنة 1931 م 43 ص 136 ـ 26 يناير سنة 1932 م 44 ص 136 ـ 23 يناير سنة 1935 م 47 ص 129 ـ 27 يناير سنة 1937 م 49 ص 85) .

([146]) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1424 ـ بودرى وبارد 3 فقرة 2067 ص 429 ـ الدكتور سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 35 .

([147]) أوبرى ورو 12 فقرة 749 ص 95 ـ ص 96 والهوامش .

([148]) الدكتور سليمان مرقس فى الإثبات ص 35 . وغنى عن البيان أن المعاينة والخبرة دليلان حجيتهما غير ملزمة .

([149]) والمعاينة والخبرة دليلان أصليان ، قد يكتفى بهما القاضى ، يستكملهما بأدلة أخرى . أما القرائن القانونية ، فالقاطعة منهما أدلة أصلية كافية ، أو هى طرق تعفى من الإثبات إعفاء نهائياً ، ومن ثم فهى طرق تقوم بذاتها وتكفى وحدها . والقرائن القانونية غير القاطعة أدلة أصلية ولكنها غير كافية ، فهى تعفى من الإثبات إعفاء مؤقتاً إذ تقتصر على نقل عبء الإثبات إلى الخصم الآخر .

([150]) دي باج 3 ص 696 ـ ص 698 ـ أوبرى ورو 12 فقرة 749 ص 95 ـ ص 96 والهوامش .

([151]) وغنى عن البيان أن المعاينة والخبرة ـ وهما من مباحث قانون المرافعات كما قدمنا ـ قوتهما مطلقة فى الإثبات ، إذ يصلحان لإثبات جميع الوقائع المادية وجميع التصرفات القانونية ، أياً كانت القيمة .

([152]) دي باج 3 ص 696 ـ ص 698 .

([153]) أما اليمين المتممة فننعالجها مع اليمين الحاسمة لاتحاد أكثر القواعد التى تحكم كلا من اليمينين .

([154]) وقد اقترح الآستاذان أوبرى ورو ( جزء 12 فقرة 754 ص 155 هامش رقم 2 ) ، حتى يرتفع هذا اللبس ما بين التصرف ذاته (negotium) وأداة الإثبات (instrumentum) ، تسمية أداة افثبات باللفظ الآتى : (acte instrumentaire)

([155]) الدكتور سليمان مرقس فى أصول افثبات فقرة 35 ـ بلانيول وريبير وجابولد جزء 6 فقرة 1434 ـ وقد ورد فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهدى ( م 527 من هذا المشروع ) فى هذا الصدد ما يأتى : (( تصرف عبارة السند تارة إلى الواقعة القانونية ، أى العمل أو التصرف القانونى ، وطوراً إلى أداة الإثبات ، أى إلى الورقة التى يجرى الإثابت بمقتضاها . وقد رؤى استعمال عبارة الورقة الرسمية للتمييز بين مصدر الحق أو الالتزام وبين أداة إثباته )) . ( مجموعة الأعمال التحضيرية جزء 3 ص 352 ) .

([156]) وأكثر ما تعد الأوراق لإثبات التصرفات القانونية (actes juridiques) . وقل أن تعد لإثبات الوقائع المادية (faits materiels) ، ويقع ذلك عادة فى الشهادات التى تعد لإثبات الميلاد والوفاة وفى اعلامات الوراثة وفى المحاضر التى تعد لإثبات الحالة ( بلانيول وريبير ) وبولانجيه 2 فقرة 2196 ) .

([157]) استئناف أسيوط 3 يونية سنة 1948 المحاماة 28 رقم 805 ص 273 .

([158]) ويجوز أن تصلح الورقة العرفية حجة للغير ، لا لإثبات واقعة مادية فحسب ، بل أيضاً لإثبات تصرف قانونى ، كما إذا حصر الورثة فيما بينهم التركة بمتقتضى محضر عرفى وأوردوا فيه ديوناً للتركة ذكروا أنها قد دفعت ، فهذا المحضر يصلح دليلا لمدينى التركة وهم من الغير على أنهم وفوا ديونهم ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1436 ص 868 هامش رقم 1 ) .

([159]) وهذا هو النص فى أصله الفرنسى : "L'acte, soit authentique soit sous seing privem fait foi entre les parties, meme de ce qui n'y est exprime qu'en termes enonciatifs pourvu que l'enonciation ait un rapport direct avec la disposition.  Les enonciations etrangeres a la disposition ne peubent server que de commencement de prevue".                                              

([160]) الجزء السابع فقرة 1435 ـ ويورد الأستاذان أوبرى ورو ( 12 فقرة 755 ص 177 ) مثلا : مدين بايراد مؤبد يقر بهذا الإيراد فى ورقة رسمية ، ويذكر فى الورقة عبارة إخبارية مؤداها أن الإيراد قد نقص بسبب دفع جزء من رأس المال أو أن أقساط افيراد السابقة قد دفعت جميعها إلى تاريخ معين ، فهذه العبارة افخبارية تتصل اتصالا مباشراً بموضوع الإقرار فتكون لها الحجية إلى حج الطعن بالتزوير .  

([161]) أما الأوراق الرسمية الموثقة فى المحاكم الشرعية ـ الإشهادات ـ فهذه تضع عليها المحاكم الوطنية الصيغة التنفيذية لخلو المحاكم الشرعية من أقلام محضرين للتنفيذ ، ولذلك يقوم بتنفيذها محضرو المحاكم الوطنية . وعندما كانت المحاكم المختلطة قائمة ، كانت الصيغة التنفيذية تطلب من المحكمة المختلطة ويقوم بالتنفيذ محضر من هذه المحكمة إذا كان أحد ذوى الشان فى الورقة الرسمية أجنبياً .

       أما فى نظام التوثيق الجديد ، فقد جعل قانون التوثيق ( م 2 ثالثاً ) وضع الصيغة التنفيذية من اختصاص مكاتب التوثيق .

([162]) الموجز للمؤلف فقرة 642 ص 674 . 

([163]) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 527 من المشروع التمهدى على الوجه الآتى :

(( 1 ـ الورقة الرسمية هى التى يثبت فيها موظف عام ، طبقاً للأوضاع القانونية ، وفى حدود سلطته واختصاصه ، ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوى الشأن .  2 ـ فاذا لم تستوف هذه الورقة الشروط الورادة فى الفقرة السابقة ، فلا يكون لها إلا قيمة الورقة العرفية ، بشرط أن يكون قد وقع عليها ذوو الشأن جميعاً باضاءاتهم أو بأختامهم أو ببصمات أصابعهم )) . وفى لجنة المراجعة حور النص تحويراً لفظياً فجاء على وجه مطابق لما ورد فى التقنين الجديد ، وأصبح المادة 403 من المشروع  النهائى . ووافق عليه مجلس النواب تحت رقم 403 . وكذلك فعلت لجنة مجلس الشيوخ ومجلس الشيوخ تحت رقم 390 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 351 ـ ص 354 ) .

       وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى صدد هذا النص ما يأتى : (( ... ويراعى أن الورقة الرسمية لا تكون على الدوام من صنع المتعاقدين أنفسهم ، فقد يتولى الموظف العام تحريرها وتوثيقها دون أن يقتصر عمله على تلقيها . وقد عرضت المادة 1905 من التقنين الهولندى والمادة 2422 من التقنين البرتغالى والمادة 1207 من التقنين الكندى لهذا التفصيل . بيد أن المشروع لم ير محلا لإيراده . وتناول الفرة الأولى من المادة 527 بيان الشرطين الواجب توافرهما فى الورقة الرسمية . ويراعى أن هذين الشرطين هما قوام ما شرع القانون من ضمانات هى مرجع ما يتوافر لتلك الورقة من حجية بالغة فى الإثبات ، وعلة إيكال أمرها إلى موظف عام يثبت له القانون سلطة واختصاصاً فى هذا الشأن ، سواء من الناحية النوعية أم من الناحية المكانية ..... ولما كان صحة الدليل غير منفكة عن صحة التصرف نفسه أن اشترط للرضا فيه شكل خاص ، فغنى البيان أن هذه الفقرة لا تنطبق على التصرفات التى تشترط فيها الرسمية بوصفها ركناً من أركان الشكل )) . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 352 ـ 353 ) .

([164]) كانت المادة 226/291 من التقنين المدنى القديم تنص على ما يأتى : (( المحررات الرسمية ، أى التى تحررت بمعرفة المأمورين المختصين بذلك ، تكون حجة على أى شخص ما لم يحصل الادعاء بتزوير ما هو مدون بها بمعرفة المأمور المحرر لها )) . وقد جمع هذا النص بين شروط الورقة الرسمية وحجيتها فى الإثبات . فجاء قاصراً فى الناحيتين : (1) فمن ناحية الشروط ، جاء النص قاصراً من حيث إنه أغفل شرط وجوب مراعاة الأوضاع المقررة قانوناً ، ومن حيث إنه لم يبين أن اختصاص الموظف العام هو اختصاص نوعى ( وهذا ما عبر عنه التقنين الجديد بالسلطة ) واختصاص مكانى ، بل أطلق لفظ (( المختصين )) على كلا النوعين من الاختصاص . (2) ومن ناحية الحجية فى الإثبات ، لم يميز النص ـ كما ميزت المادة 391 من التقنين المدنى الجديد ـ بين ما يكون حجة إلى حد الطعن بالتزوير وما يجوز دحضه باثبات عكسه . وسيأتى بيان ذلك فيما يلى .

([165]) التقنينات المدنية العربية الأخرى ـ قانون البينات السورى م 5 : 1 ـ الأسناد الرسمية هى التى يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ، طبقاً للأوضاع القانونية ، وفى حدود سلطته واختصاصه ، ما تم على يديه أو ما تلقاه من أولى الشأن . 2 ـ فاذا لم تستوف هذه الأسناد الشروط الواردة فى الفقرة السابقة ، فلا يكون لها إلا قيمة الاسناد العادية ، بشرط أن يكون ذوو الشأن قد وقعوا عليها بتواقيعهم أو بأختامهم أو ببصمات أصابعهم .

       التقنين المدنى العراقى م 450 : ( 1 ـ السندات الرسمية هى التى يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو تلقاه من ذوى الشأن ، وذلك طبقاً للأوضاع القانونية وفى حدود سطلته واختصاصه . 2 ـ فاذا لم يكتسب السند صفة رسمية ، فلا يكون له إلا قيمة السند العادى متى كان ذوو الشأن قد وقعوه بامضاءاتهم أو بأختامهم أو ببصمات أصابعهم )) .

       تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى : م 154 : (( السند الرسمى هو مخطوطة ثبوتية صادة عن مأمور رسمى ذى صلاحية ، وموضوعة وفاقاً للقواعد المقررة . أما إطلاق الصفة الرسمية على السند أو عدم إطلاقها عليه فيخضع لقانون المحل الذى أنشىء فيه السند )) ـ م 155 : (( إن السند الرسمى ، يعد كسند ذى توقيع خاص إذا كان محتوياً على تواقيع جميع المتعاقدين ذوى الشأن وإن لم تراع فيه القواعد المنصوص عليها فى المادتين 146 و 147 .

       التقنين المدنى للملكة الليبية المتحدة م 377 : (( 1 ـ الورقة الرسمية هى التي يثبت فيها موظف أو شخص مكلف بخدمة عامة ماتم علىيديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن ، وذلك طبقاً للأوضاع القانونية وفي حدود سلطته واخصاصه 2 ـ فاذا لم تكسب هذه الورقة صفة الرسمية ، فلا يكون لها إلا قيمة الورقة العرفية متى كان ذوو الشأن قد وقعوها بامضاءاتهم أو ببصمات أصباعهم . وينبغى لإثبات صحة بصمة الأصبع أن توضع بحور شاهدين يوقعان على الورقة )) .

       ويلاحظ أن نصوص التقنينات المدنيةالعربية تكاد تكون متفقة ، حتى في اللفظ ، مع نص التقنين المدني المصرى . فأحكامها جميعاً واحدة . إلا أن التقنين اللبناني ، وهو يشترط في المادتين 146 و 147 تعدد النسخ الأصلية في العقود الملزمة لجانب واحد على غرار التقنين المدني الفرنسي ، يميز تبعاً لذلك في السند الرسمى الباطل ما إذا كان البطلان راجعاً لوجود عيب في الشكل أو لانعدام الاختصاص المكانى فيصلح سنداً عرفياً إذا كان موقعا عليه ، أو كان البطلان راجعاً لغير ذلك من الأسباب فلا يصلح سنداً عرفياً . وسيأتى تفصيل ذلك في مكانه . كما يلاحظ أن التقنين الليبى يشترط لإثبات صحة بصمة الأصبع أن توضع بحضور شاهدين يوقعان على الورقة ، ويشترط هذا الشرط فى الورقة الرسمية ، دون الورقة العرفية ( انظر المادة 381 ليبى ) . ثم ان التقنين الليبي لا يعتد بالختم كما تعتد به التقنينات العربية الأخرى .

([166]) التقنين المدني الفرنسى م 1317 : (( الورقة الرسمية هى التى تلقاها ، وفقاً للأوضاع الشكلية المطلوبة ، موظف عام له حق التوثيق في لجهة التى كتبت فيها الورقة )) . م 1318 : (( الورقة التى لم تكسب صفة الرسمية بسبب عدم اختصاص الموظف العام أو عدم أهليته أو لعيب في الشكل ، تكون لها قيمة الورقة العرفية إذا كانت موقعة من الطرفين )) .

       وهذه هى نصوص التقنين المدنى الفرنس فى أصلها الفرنسى :

 

Art. 1317 :  l'acte authentique est celui qui a ete recu par officiers publics ayant le droit d'instrumenter dans le lieu ou l'acte a ete redige, avec les solennites requises. Art. 1318:  L'acte aui n'est point authentique par l'incompetence ou l'incapacite de l'offcier , ou par un defaut de form  vaut comme ecriture privee, s'il a ete signe des partie.                           

                                                                                                      

( م 8 ـ الوسيط جـ 2 )                                                                                  

([167]) جاء فى الموجز للمؤلف ما يأتي : (( ونلاحظ من الآن أن هناك فرقاً بين الورقة الرسمية ، وهى الورقة التى تتوافر فيها الشروط الثلاثة المتقدمة ، والورقة المسجلة ، وهي ورقة أعلنت للناس من طريق حفظها في سجل خاص وإعطاء صور منها لمن يريد الاطلاع عليها طبقاً للأوضاع المقررة . وينبغى ألا نخلط الرسمية بالتسجيل . فالرسمية لاستيفاء الشكل أو للزيادة في قوة الإثبات . أما التسجيل فللإعلان والشهر . وقد تكون هناك ورقة رسمية غير مسجلة كتوكيل رسمى ، كما قد تكون هناك ورقة عرفية مسجلة كعقد بيع عرفي مسجل . والرسمية لا تغنى عن التسجيل ، فاذا كتب عقد البيع فى ورقة رسمية ، فلا بد من تسجيله أيضا حتى ينقل الملكية )) . ( الموجز ص 656 هامش رقم 1 ) .

([168]) وتضيف الأساتذة بلانيول وريبير وجابولد إلى هذه الشروط شرطين آخرين : (1) أن يكون الموظف العام ، وهو يكتب الورقة الرسمية ، له حق مباشرة وظيفته ، فلا يجوز أن يكون معزولا أو موقوفا أو أن يكون قد حل أحد محله . وهذا الشرط مفهوم بداهة من (( صفة الموظف العام )) . (ب) أن يكون الموظف العام أهلا ، ويكون غير أهل إذا كانت له مصلحة شخصية في الورقة . وهذا أيضا شرط مفهوم ضمنا ويدخل في شروط (( الموظف العام )) ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1437 ص 869 ) .

([169]) أى حال تعدد جهات التوثيق . وتقول المذكرة الإيضاحية لقانون التوثيق تمهيداً لهذه الإشارة ما يأتى : (( ولم يغب عن المشرع المصرى ما للتوثيق من عظيم الأثر في تثبيت المعاملات ، فقد نص فى لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة فى سنة 1880 على توثيق جميع الإشهادات كما نص على ذلك فى اللوائح التالية التى صدرت في سنى 1897 و 1910 و1931 . ولما أنشئت المحاكم المختلطة نص فى المادة 33 من لائحة ترتيبها على أن التعهدات والهبات وعقود إنشاء الرهن والعقود الناقلة للملك التى تتم أمام كاتب المحكمة الابتدائية يكون لها قوة العقود الرسمية . وأنه وإن كان التوثيق لم ينص عليه بلفظ فى هذه اللائحة ، فانه قد وضعت لتنظيم إجراءاته تعليمات لأقلام الكتاب صدر بها أمر عال فى فبراير سنة 1876 . وجرى العمل على أن يقوم بالتوثيق أحد كتاب المحكمة . وعند إنشاء المحاكم الوطنية نص فى المادة 47 من لائحة ترتيبها على أن كتاب المحاكم الابتدائية يجب عليهم تحرير جميع العقود وأن العقود التى يحررونها تكون فى قوة العقود الرسمية . ولكن هذا النص لم يجربه العمل فى الواقع إذا استثنينا ما كان من قبول الإقرارات الرسمية فى بعض حالات . وإذ كانت هذه الحال لم تعد موافقة لظروف العصر ... )) .

([170]) وقد نصت المادة ب11 من قانون التوثيق على أن (( تلغى أقلام التوثيق بالمحاكم الوطنية والمختلطة ، ويحال إلى مكاتب التوثيق جميع أصول العقود الموثقة والوثائق والدفاتر المعلقة بها )) . أما التوثيق فى المحاكم الشرعية فلا يزال باقياً فى نطاق ضيق كما سيأتى . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية لقانون التوثيق فى هذا الصدد : (( وتنص المادة الثانية عشرة ( وصحتها الحادية عشرة ) على إلغاء أقلام التوثيق بالمحاكم الوطنية والمختلطة . ولما كان المشروع قد احتفظ بالمحاكم الشرعية كجهة توثيق فى الحالات المعينة التى سبقت الإشارة إليها فى المادة الرابعة ، فقد اكتفى بأن يلغى من أقلام التوثيق من هذه المحاكم كل ما يدخل ضمن اختصاص مكاتب التوثيق الجديدة ، بهذا يمتنع على أقلام كتاب المحاكم الشرعية توثيق أى محرر لا يدخل فى نطاق المسائل التى استبقيت لها فى هذا المشروع . وتنص المادة المذكورة على إلغاء أقلام التوثيق وإحالة أصول العقود الموثقة والوثائق والدفاتر المتعلقة بها إلى مكاتب التوثيق الجديدة ، ومن المفهوم بالبداهة أن إجراء موجب الإلغاء وتنظيم ما يتعلق

 

به موكول إلى وزير العدل )) .

([171]) على أنه فيما يتعلق بالوقف وما يلحق به من تحكير فمها لا نزاع فيه أن ما كان منه ذا صفة مدنية كإجارة الوقف يوثق أمام المكاتب الجديدة ( المذكرة الإيضاحية لقانون التوثيق ) . وغنى عن البيان أن اختصاص المحاكم الشرعية فى توثيق المحررات المتعلقة بالوقف قد قلت أهميته كثيراً بالغاء الوقف الأهلى ، ولم يبقى الآن إلا الوقف الخيرى تباشر فيه هذه المحاكم اختصاصها التوثيقى .

([172]) وأهمها الإقرار بالنسب ونفيه . أما الزواج والطلاق وما يتعلق بهما فيوثق محرراتها المأذون الشرعى وهو تابع للمحكمة الشرعية .

([173]) وتقول المذكرة الإيضاحية لقانون التوثيق فى هذا الصدد ما يأتى : (( وقد كان مقتضى توحيد جهات التوثيق أن تكون مكاتب التوثيق الجديدة هى التى تتولى توثيق جميع المحررات أياً كانت . إلا أنه لاعتبارات خاصة بالمحاكم الشرعية قد احتفظ المشروع بهذه المحاكم كجهة توثيق فى نطاق ضيق ، فنصت المادة ( الثالثة ) على إخراج المحررات المتعلقة بالوقف أو بمواد الأحوال الشخصية من اختصاص مكاتب التوثيق ، وبذلك يستمر توثيقها فى المحاكم الشرعية . والمقصود بالأحوال الشخصية فى هذا المقام هو مسائل الزواج والطلاق وما يتعلق بمهما والإقرار بالنسب ونفيه ... )) ثم تقول المذكرة الإيضاحية بعد ذلك : (( وأخيراً فان هذا المشروع وإن كان لم يوحد جهات التوثيق توحيداً كلياً للاعتبارات التى سبق بيانها ، إلا أنه قد خطا خطوة كبيرة فى سبيل هذا التوحيد ، وحقق بذلك أمنية طالما جالت فى الخواطر )) .

([174]) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية لقانون التوثيق فى هذا الصدد ما يأتى : (( وتقضى المادة المذكورة (الثالثة) بأن هذه المكاتب توثق المحررات المتعلقة بمواد الأحوال الشخصية بالنسبة إلى غير المسلمين . إلا إنه بالنسبة إلى الأجانب يكون لهم الخيار فى توثيق محرراتهم المتعلقة بأحوالهم الشخصية لدى مكاتب التوثيق أو لدى جهاتهم القنصلية تطبيقاً لقواعد القانون الدولى الخاص )) .

       ويلاحظ أن توثيق الأوراق الرسمية المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين فى مكاتب التوثيق لا يتعارض مع ما تستوجبه قوانين أحوالهم الشخصية من شروط أخرى لصحة تصرفاتهم فى هذه المسائل ، فتدخل الكنيسة فى عقود الزواج وعدم إباحة الطلاق أو إباحته فى حدود ضيقة يبقى معمولا به ، ولا يجوز الاكتفاء بتحرير ورقة رسمية فى مكتب التوثيق بزواج أو طلاق حتى يصح هذا أو ذاك ( انظر الدكتور سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 46 هامش رقم 3 ) .

([175]) ونظام الموثقين (notariat) نظام فرنسى محض . أعيد تنظيمه فى عهد الثورة بقانون 15 فانتوس السنة التاسعة . ولا يزال هذا القانون معمولا به حتى اليوم ، وإن كان قد عدل بقوانين 21 يونية سنة 1843 و12 أغسطس سنة 1912 و21 فبراير سنة 1926 . ومهنة التوثيق فى فرنسا مهنة منظمة تنظيماً دقيقاً وتخضع لرقابة شديدة .

       واختصاص الموثق (notaire) الموضوعى اختصاص عام شامل . فهو وحده الذى يوثق العقود والتصرفات ما بين الأفراد . وقل أن يوثق هذه العقود والتصرفات غيره ، فقد يقع أن يسجل اتفاق ما بين خصمين أمام المحكمة فى محضر الجلسة أو يصطلح خصمان أمام قاضى المصالحات (juge de paix) فيسجل هذا الصلح فى محضره ، ولكن هذا نادر . وتنعدم أهلية الموثق إذا وقف عن عمله أو حل غيره محله . كذلك تنعدم أهليته إذا وثق ورقة له فيها مصلحة شخصية ، هو أو أحد أقاربه أو أصهاره فرعاً وأصلا ، والحواشى للدرجة الثالثة . أما الاختصاص المكانى فيتسع ويضيق بحسب الأحوال ، فمن الموثقين من يتناول اختصاصه دائرة محكمة من محاكم الاستئناف ، ومنهم من يتناول اخصاصه دائرة محكمة ابتدائية (arrondissement) ، ومنهم من يتناول اختصاصه دائرة إحدى محاكم الصلح (canton) .

       ويوثق الموثق الورقة من أصل (minute) وصور (copies) ، ويحتفظ بالأصل ويسلم الصور إلى أصحاب الشأن . وهناك نوعان من الصور : الصورة التنفيذية (gosse) وتوضع عليها الصيغة التنفيذية وتسلم للطرف الذى له مصلحة فى التنفيذ ، والصورة الأصلية (expedition) ولا توضع عليها الصيغة التنفيذية وتسلم لكل ذى شأن وهناك أوراق محدودة الأهمية ، كالتوكيلات والمخالصات بالأجرة ، وتحرر من أصل (brevet) دون صور ، وسلم الأصل لصاحب الشأن .

       وجميع الأوراق الموثقة يجب تسجليها فى خلال مدة قصيرة ( 10 أيام أو 15 يوماً ) حتى يمتنع على الموثق تقديم تاريخها ، فتاريخ الورقة الموثقة ـ لا تاريخ التسجيل ـ هو التاريخ الثابت الرسمى . ولكن يعاقب الموثق الذى لا يقوم بتسجيل الورقة ، وعقوبته الغرامة .

       وللموثقين أتعاب يتقاضونها مباشرة من عملائهم ، وتحددها المراسيم .

       ( أنظر في نظام التوثيق فى فرنسا بودرى وبارد 3 فقرة 2112 ـ فقرة 2258 ص 464 ـ ص 661 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1438 ـ فقرة 1448 ص 870 ـ ص 885 ) .

([176]) وإذا اعترض على هذا التفسير بأن النص ذكر ، إلى جانب (( السلطة )) لفظ ((الاختصاص)) مطلقا فيشمل كلا من الاختصاص الموضوعى والاختصاص المكانى ، كان ردنا أن إيراد النص للفظ (( السلطة )) متقدما على لفظ ((الاختصاص)) يقتضى أن يكون لكل لفظ معناه ، وسلطة الموثق فى التوثيق لا تقتصر على ولايته فحسب بل تشمل أيضا مدى هذه الولاية من حيث نوع الأوراق التى يوثقها ، فهو مسلط على توثيق أوراق رسمية معينة . ومن ثم فقد آثرنا أن ندخل الاختصاص الموضوعى للموثق تحت لفظ (( السلطة )) ، ونجعل لفظ (( الاختصاص )) مقصوراً على الاختصاص المكانى .

([177]) قارن الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات فقرة 105 ـ والدكتور سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 41 .

([178]) وحتى يستطيع الموثق مباشرة ولايته فى التوثيق ، يجب عند تعيينه وقبل مباشرة أعماله أن يحلف اليمين على الوجه المبين فى المادة 2 من اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق .

([179]) أوبرى ورو 12 فقرة 755 ص 156 .

([180]) أوبرى ورو 12 فقرة 755 ص 156 هامش رقم 7 ـ بوردى وبارد 3 فقرة 2070 ص 432 وفقرة 2107 ص 462 .

 

([181]) أوبرى ورو 12 فقرة 755 ص 157 ـ بودرى وبارد 3 فقرة 2073 ص 434 .

([182]) نستعمل لفظ (( الأهلية )) هنا مسايرة للتعبير الدارج ، وإلا فقد قدمنا فى الجزء الأول من هذا الوسيط ( فقرة 147 ) أن الأهلية بالمعنى الصحيح مناطها التمييز ، أما ما سنذكره هنا فليس إلا موانع قانونية تمنع الموثق من توثيق ورقة رسمية معينة بالذات .

 

([183]) كما لا يجوز له أن يوثق أوراقا رسمية لشركة مساهمة يحمل عدداً كبيراً من أسهمها ، ولا أن يكون كفيلا أو وكيلا لأحد ذوى الشأن فى الورقة التى يوثقها ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1440 ) .

([184]) وقد يتم التعاقد بوكيل ، وتنص المادة السادسة من اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق على أنه ((إذا تم التعاقد بوكيل ، فعلى الموثق أن يتأكد من أن مضمون المحرر المطلوب توثيقه لا يجاوز حدود الوكالة )) . ولكن يصح أن يكون الوكيل ممن تربطه بالموثق صلة القرابة أو المصاهرة ، ولو للدرجة الرابعة ، ولا تكون الورقة الرسمية باطلة لهذا السبب . ويختلف هذا الوضع عن الوضع الذى يكون فيه الموثق نفسه وكيلا عن أحد ذوى الشأن ، فقد قدمنا أن الورقة الرسمية تكون باطلة فى هذه الحالة لوجود مصلحة شخصية للموثق . وغنى عن البيان أن الورقة لا تكون باطلة إذا ربط الوكيل بأصحاب الشأن رابطة قرابة أو مصاهرة ولو للدرجة الرابعة .

([185]) وتقضى الفقرة الثانية من المادة الثامنة من اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق بجواز الاكتفاء بالشاهدين اللذين يعرفان شخصية أصحاب الشأن ( أنظر المادة السابعة من اللائحة وسيأتى ذكرها ) ، فيكونان شاهدى معرفة وفى الوقت ذاته شاهدين فى الورقة الرسمية ، متى توافرت فيهما الشروط المبينة فى الفقرة الأولى من المادة الثامنة. وبديهى أن من هذه الشروط انتفاء صلة القرابة أو المصاهرة . وينبنى على ذلك أن شاهدى المعرفة ، وإن كانا فى الأصل لا يشترط فيهما انتفاء صلة القرابة أو المصاهرة ، لكن إذا كانا فى الوقت ذاته شاهدى الورقة الرسمية فإن انتفاء صلة القرابة أو المصاهرة لغاية الدرجة الرابعة يصبح عندئذ شرطا فيهما .

       هذا وجزاء عدم أهلية الشهود بطلان الورقة الرسيمة ، ما لم يصححها المبدأ القاضى بأن الغلط الشائع ينشئ الحقوق (error communis facit jus) ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1445 ص 880 ـ ص 881 ) .

 

 

([186]) انظر المادة الثانية من قانون التوثيق . ويختص الموثق أيضا ، بمقتضى هذه المادة ، فى غير التوثيق ، بما يأتى : (1) التصديق على توقيعات ذوى الشأن فى المحررات العرفية (2) إثبات تاريخ المحررات العرفية (3) إعطاء الشهادات بحصول التصديق على التوقيعات أو إثبات التاريخ فى المحررات العرفية .

([187]) انظر المادة 13 من اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق ـ وقد ورد فى المذكرة الإيضاحية لقانون التوثيق ، فى شأن تقييد الاختصاص المكانى لمكاتب التوثيق دون أصحاب الشأن ، ما يأتى : (( ولابد من التنبيه هنا إلى أنه لم يرد بتحديد اختصاص كل مكتب إجبار ذى الشأن على أن يتقدم بمحرره إلى مكتب بعينه ، بل إن له أن يتقدم به إلى أى مكتب يشاء لتوثيقه . وإنما أريد من هذا التحديد منع الموثق فى أحد المكاتب من أن يباشر مأمورية التوثيق خارج دائرة اختصاص هذا المكتب )) .

([188]) أنظر المادة الأولى من قانون التوثيق .

([189]) وقد أنشئ ، بمقتضى المادة الأولى من القرار الوزارى المشار إليه ، مكاتب للتوثيق فى العواصم الآتية : أسوان ـ الأقصر ـ سوهاج ـ أسيوط ـ المنيا ـ الفيوم ـ بنى سويف ـ الجيزة ـ القاهرة ـ بنها ـ شبين الكوم ـ طنطا ـ المنصورة ـ الزقازيق ـ دمنهور ـ الإسكندرية ـ بورسعيد ـ دمياط ـ السويس .

([190]) انظر المادة الثانية من القرار الوزارى الصادر بإنشاء مكاتب التوثيق .

 

 

([191]) وقد أنشئ ، بمقتضى المادة الثالثة من القرار الوزارى الصادر بإنشاء مكاتب التوثيق ، فروع ثلاثة لمكتب القاهرة : فرع السيدة زينب ( أقسام باب الشعرية والخليفة والوايلى ومصر القديمة والسيدة والبلاد التابعة فيما يتعلق بالشهر لمحافظة القاهرة من مركز الجيزة الواقعة شرقى النيل ) ـ فرع مصر الجديدة ( مصر الجديدة ومنشية البكرى ونواحى كفر فاروق والمطرية والقبة ) فرع شبرا ( قسما روض الفرج وشبرا ونواحى منية السيرج وجزيرة بدران والأميرية والزاوية الحمراء والوايلى الصغرى والوايلى الكبيى ) . ولم ينشأ فى الاسكندرية والمحافظات الأخرى فروع لمكاتبها . أما عواصم المديريات فقد أنشئ لمكتب كل عاصمة فروع فى المراكز التى بها محاكم جزئية أو مأموريات للشهر العقارى . فأنشئت فروع فى الدر وأدفو لمكتب أسوان ، وفى أسنا وقوص وقنا ودشنا ونجع حمادى لمكتب الأقصر ، وفى البليا والمنشأة وجرجا وأخميم وطهطا وطما لمكتب سوهاج ، وفى البدارى وأبى تيج وأبنوب ومنفلوط وديروط وملوى لمكتب أسيوط ، وفى أبى قرقاص وسمالوط وبنى مزار ومغاغة والفشن لمكتب المنيا ، وفى أطسا وسنورس وأنشواى لمكتب الفيوم ، وفى ببا وأهناسيا الجديدة والواسطى لمكتب بنى سويف ، وفى الصف والعياط وإمبابة لمكتب الجيزة ، وفى شبين القناطر وقليوب وطوخ لمكتب بنها ، وفى منيا القمح وأبى حماد وبلبيس وههيا وكفر صقر وفاقوس لمكتب الزقازق ، وفى أجا وميت غمر والسنبلاوين ودكرنس والمنزلة وفارسكور لمكتب المنصورة ، وفى أشمون ومنوف والشهداء وتلا وقويسنا لمكتب شبين الكوم ، وفى المحلة الكبرى وزفتى والسنطة وسمنود وبيلا كفر الزيات ودسوق وفوة وطلخا وشربين وبلقاس لمتب طنطا ، وفى كوم حمادة وايتاى البارود والدلنجات وشبراخيت وأبى حتمص والمحمودية وكفر الدوار ورشيد وأبى المطامير لمكتب دمنهور .

       ويلاحظ أنه منذ صدرو القرار الوزارى بإنشاء مكاتب للتوثيق ( فى 21 من شهر أكتوبر سنة 1947 ) أنشئت مديرتان جديدتان ، إحداهما بالوجه البحرى وهى مديرية الفؤادية والأخرى بالوجه القبلى وهي مديرية الفاروقية ، وقد ترتب على إنشائهما تعديل فى التنظيم المتقدم .

([192]) المذكرة الإيضاحية للقرار الوزارى الصادر بإنشاء مكاتب التوثيق .

([193]) أما الأوضاع والإجراءات التى جرت ـ ولا تزال تجرى عليها ـ المحاكم الشرعية ، وكذلك الأوضاع التى كانت المحاكم المختلطة تجرى عليها ، فقد أوردنا بصددها فى الموجز ما يأتى : (( فالأوضاع التى تجرى عليها المحاكم الشرعية مبينة فى لائحة ترتبيها . وتتلخص فى أن الإشهادات ( أى العقود الرسمية ) تكتب فى دفاتر معدة ذلك تسمى بالمضابط . ويعرض الكاتب صيغة الإشهاد على من باشره من القضاة أو على من أذنه بمباشرته منهم . وبعد استيفاء كتابة الصيغة وقراءاتها يضع كل من ذوى الشأن والشهود إمضاءه أو ختمه على المضبطة ، وكذلك يفعل من باشر الإشهاد من القضاة وكاتب الإشهاد . ثم ينقل الإشهاد حرفياص فى دفتر آخر يسمى السجل ، ويوقع عليه الناقل . ومن هذا السجل تحرر الحجج الشرعية )) . (( أما الأوضاع التى تجرى عليها المحاكم المختلطة فمبنية فى المواد 124 إلى 136 من التعليمات الصادر بها الأمر العالى فى 27 يناير سنة 1876 . وتتلخص فى أن العقد الرسمى يجب أن يحتوى على ذكر التاريخ والمحل الذى كتب فيه والموظف الذى قام بكتابته وأسماء المتعاقدين وشهود العقد وشهود المعرفة ، ثم تكتب وقائع العقد ، ويوقع عليه ذوو الشأن من أطراف وشهود ومترجم وكاتب . وقد جرت العادة أن يكتب المحامون العقود الرسمية مقدماً ، ويكتفى الموظف الرسمى بتلاوة ما أعده المحامون من ذلك على ذوى الشأن وإتمام ما ينقص من الأوضاع . فإذا ما تمت كتابة العقد على النحو المتقدم ، احتفظ بالأصل فى قلم كتاب المحكمة ، ويعطى للأطراف صور منه )) . ( الموجز للمؤلف ص 658 ـ ص 659 وانظر أيضاً الدكتور عبد السلام ذهنى فى الأدلة جزء أول ص 127 ـ ص 141 ) . وغنى عن البيان أن الأوراق الرسمية التى وثقت قبل نفاذ قانون التوثيق تسرى عليها النظم التى كانت موجودة وقت توثيقها ، وهى ما قدمناه ( استئناف مختلط 29 يناير سنة 1890 م 2 ص 387 ـ 9 مايو سنة 1895 م 7 ص 265 ـ 23 يناير سنة 1896 م 8 ص 92 ـ 23 أبريل سنة 1896 م 8 ص 252 ) ـ وقد كانت المحاكم المختلطة توثق الأوراق الرسمية بإحدى اللغات القضائية التى كانت مقررة ، وبخاصة اللغة الفرنسية .

                                                                                                       ( م 9 الوسيط ـ جـ 2 )

([194]) بل يجوز تجديد طلب التوثيق متى زال السبب الذى منع من قبوله ( انظر الدكتور سليمان مرقس في أصول الإثبات ص 51 هامش رقم 1) . أو يقال إن الحكم لا يحوز حجية الأمر المقضى فى موضوع التصرف ، فيجوز الاحتجاج أمام محكمة الموضوع بتوافر الأهلية أو بقيام الرضاء أو بصحة التصرف رغماص من حكم قاضى الأمور الوقتية أو غرفة المشورة بعدم توافر  الأهلية أو بعدم قيام الرضاء أو ببطلان التصرف ، لأن هذا الحكم إنما هو حكم فى مسألة عاجلة ، هى جواز التوثيق أو عدم جوازه ، ولا أثر له فى الموضوع .

 

([195]) وتنص الماد 7 من اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق على أنه (( يجب على الموثق أن يتأكد من شخصية المتعاقدين بشهادة بالغين عاقلين معروفين له أو أن تكون شخصيتهما ثابتة بمستند رسمى )) . وتنص المادة 8 من اللائحة على أنه (( لا يجوز توثيق محرر إلا بحضور شاهدين كاملى الأهلية مقيمين بالملكة المصرية ولهما إلمام بالقراءة والكتابة ولا صالح لهما فى المحرر المطلوب توثيقه ولا تربطهما بالمتعاقدين أو بالموثق صلة مصاهرة أو قرابة لغاية الدرجة الرابعة . ويجوز للموثق أن يكتفى بالشاهدين المنصوص عليهما فى المادة السابقة متى توافرت فيهما هذه الشروط . وعلى الشاهدين أن يوقعا المحرر مع أصحاب الشأن والموثق )) والمحكمة فى هذا ظاهرة ، وهى أن يكون هناك شاهدا عدل إذا ما أثير نزاع حول العقد الذى حصل توثيقه ( المذكرة الإيضاحية للائحة التنفيذية لقانون التوثيق ) .

([196]) المادة 12 من اللائحة التنفيذية لقانونن التوثيق . وتقول المذكرة الإيضاحية لهذه اللائحة فى هذا الصدد ما يأتى : (( وتنص المادة الثانية عشرة على أنه إذا كان أحد المتعاقدين ضريراً أو ضعيف النظر أو أصم أو أبكم ، فعليه أن يستعين بمن يكون واسطته فى التفاهم والتعبير عن القصد الذى يرمى إليه من التعاقد ، وذلك على غرار ما ورد فى قانون المحاكم الحسبية الأخير )) . ولكن يلاحظ أن قانون المحاكم الحسبية المشار إليه لا يشترط (( مساعداً قضائيا )) إلا لمن كان أعمى أصم ، أو أصم أبكم ، أو أعمى أبكم ، أي يكون قد جمع بين عاهتين من هذه العاهات الثلاث ( المادة 47 من قانون المحاكم الحسبية وانظر أيضاً المادة 117 من التقنين المدني ) .

([197]) المادة 11 من اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق . وتقول المذكرة الإيضاحية لهذا اللائحة فى هذا الصدد ما يأتى : (( وإذا كانت اللغة العربية هى لغة البلاد الرسمية ، فقد نصت المادة الحادية عشرة على أن يكون توثيق المحررات بهذه اللغة . فاذا كان من المتعاقدين من يجهلها فليستعن بمترجم ملم بها ، على شرط أن يرتضيه الطرف الآخر حتى لا يكون ثمة مجال للطعن بوقوع تحريف فى الألفاظ والمعانى التى كانت مقصود المتعاقدين )) .

([198]) المادة 10 من اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق ، وتقول المذكرة الإيضاحية لهذه اللائحة فى هذا الصدد ما يأتى : (( ولقد أوجبت المادة العاشرة على الموثق أن يتلو المحرر على المتعاقدين ، وأن يبين لهم الأثر القانوني المترتب عليه ، ليتبينوا بوضوح النتائج التى قد تترتب على تعهداتهم ، وذلك بالبداهة دون أ، يصدر منه ما يؤثر فى إرادة المتعاقدين أو ما يوجههم توجيهاً لا يريدونه )) .

([199]) المادة 10 من اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق .

([200]) وتقول المذكرة الإيضاحية لقانون التوثيق فى هذا الصدد ما يأتى : (( وإمعاناً فى المحافظة على أصول المحررات التى توثق نصت المادة الحادية عشرة ( صحتها العاشرة ) على عدم جواز نقل هذه الأصول أو الوثائق المتعلقة بها أو الدفاتر الخاصة باجراء التوثيق من مكاتب التوثيق . ولا يرد على ذلك أن لهذه المحررات صوراً بالمكتب الرئيسى ، فان وجود هذه الصور لا يمكن أن يبرر أى تهاون فى المحافظة على أصول المحررات التى تحوى توقيعات ذوى الشأن والشهود والموثق لما قد تتعرض له أثناء النقل من العبث أو الضياع )) .

([201]) وتقول المذكرة الإيضاحية لقانون التوثيق فى هذا الصدد ما يأتى : (( ولا يخفى أن العقود الموثقة هى فى الأصل خاصة بذوى الشأن فيها . ولذلك نصت المادة التاسعة ( صحتها الثامنة ) من المشروع على أن صور المحررات الموثقة لا تسلم إلا لهم . ولكن قد يقع أن يكون لغير ذوى الشأن صالح فى المحرر ويهمه الحصول على صورة منه ، لذلك رخصت هذه المادة للغير فى الحصول على صورة من المحرر الذى تم توثيقه بإذن من قاضى الأمور الوقيتة بالمحكمة التى يقع مكتب التوثيق فى دائرتها . وقررت المادة العاشرة ( صحتها التاسعة ) من المشروع أنه لا يجوز تسليم أكثر من صورة تنفيذية واحدة من المحرر الذى تم توثيقه إلا بعد الحصول على قرار من قاضى الأمور المستعجلة بالمحكمة التى يقع فى دائرتها مكتب التوثيق . ومرد ذلك أن صاحب الشأن يختصم فى طلب الصورة التنفيذية الثانية مكتب التوثيق ، فعليه أن يبين الأسباب التى تبرر سحب الصورة التنفيذية الثانية ويستصدر بذلك حكما )) .

       هذا وقد نصت المواد من 14 إلى 16 من اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق على أن يعد بكل مكتب من مكاتب التوثيق فى عواصم المديريات والمحفاظات الدفاتر الثلاثة الآتية : (1) دفتر تبين فيه من واقع الأوراق الرسمية الموثقة بعد ترقيمها بأرقام متتابعة أسماء المتعاقدين وأسماء آبائهم وأجدادهم لآبائهم ومحال إقامتهم ونوع المحرر وموضوعه واسم الموثق . ويبين على أصل المحرر رقم إدراجه بهاذ الدفتر . (2) دفتر هجائى للفهارس تدرج فيه أسماء جميع أصحاب الشأن فى المحررات ورقم المحرر الخاص بهم وتاريخه . (3) دفتر يخصص للصور تدرج فيه أرقام المحررات وتواريخها وأسماء ذوى الشأن فيها وتاريخ تسليم صورة المحرر إلى صاحبه بعد توقيعه منه .

([202]) على أنه إذا انتقل لسبب يبرر الانتقال ، ولكنه لم يثبت انتقاله فى الدفاتر المعدة لذلك ، فان البطلان لا يترتب على هذا الإجراء غير الجوهرى . والعبرة بوجود المبرر للانتقال فعلا ، فان وجد كانت الورقة صحيحة ، وإلا فهى باطلة .

([203]) أما ذكر أن التوثيق قد تم فى المكتب أو فى أيى مكان آخر فيبدو أنه غير جوهرى .

([204]) ويكفى إثبات ذلك. فإن أنكر أحد أصحاب الشأن صحة الواقعة كان عليه أن يطعن بالتزوير . فان نجح فى الطعن اعتبرت الورقة مزورة فى هذه الواقعة ، ثم اعتبرت أيضا باطلة للأخلال بهذا الإجراء الجوهرى .

([205]) توقيعات الموثق وأصحاب الشأن والشهود والمترجم والمعين .

([206]) ولكن يبقى واجب الدفع ، ويكون ديناص للخزانة العامة .

([207]) ويكفى أن تثبت الشخصية فعلا .

([208]) ولكن إذا بقيت الورقة رسمية فى هذه الحالة ، فان التصرف القانوني يكون مع ذلك غير نافذ فى حق الموكل .

([209]) وربما أيضا توقيها صفحة صفحة .

([210]) ولكن قد يكون هذا دليلا على تزوير الورقة .

([211]) وفى هذا المعنى تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى : (( ولما كانت صحة الدليل غير منفكة عن صحة التصرف نفسه أن اشترط للرضا فيه شكل خاص ، فغنى عن البيان أن هذه الفقرة ( وهى الفقرة التى تقضى بتحول الورقة الرسمية الباطلة إلى ورقة عرفية ) لا تنطبق على التصرفات التى تشترط فيها الرسمية بوصفها ركناً من أركان الشكل )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية ص 353 ) .

([212]) على أنه إذاكانت الورقة الرسمية الباطلة صادرة من عدة مدينين متضامنين ولم يوقع عليها إلا بعض هؤلاء ، فأنها لا تصلح ورقة عرفية ، لا بالنسبة إلى من لم يوقعها لعدم التوقيع ، ولا بالنسبة إلى من وقعها لأنه لم يوقع إلا كمدين متضامن مع آخرين فلو صحت مستنداً ضده لقد الرجوع على من لم يوقع من هؤلاء المذينين . وتبقى الورقة باطلة فى هذه الحالة حتى لو نزل الدائن عن حقه قبل المدينين الذين لم يوقعوها . ( أنظر فى هذا المعنى أوبرى ورو 12 فقرة 755 ص 184) .

       وإذا كانت الورقة الرسمية الباطلة غير موقعة من المدين ، وكان بطلانها راجعاً إلى سبب غير عدم التوقيع ، فلا تكون لها قوة الورقة العرفية ، حتى لو كان الموثق الذى قام بتوثيق هذه الورقة قد ذكر فيها عجز المدين عن التوقيع . ذلك أن إثبات الموثق فى ورقة باطلة عجز المدين عن التوقيع لا قيمة له لبطلان الورقة ، فتصبح الورقة بمنزلة ورقة عرفية غير موقعة أصلا دون ذكر لعجز المدين عن التوقيع ، ومن ثم تنعدم حجيتها كورقة عرفية . هذا إلى أن عجز المدين عن توقيع الورقة العرفية بامضائه لا يعفيه من توقيعها بختمه أو ببصمة أصبعه كما سنرى . ( أنظر فى هذه المسألة الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات فقرة 129 ـ الدكتور سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 44 ص 55 ) .

([213]) وقد جاء فى الموجز للمؤلف عن هذه المسألة فى التقنين المصرى القديم ما يأتى : (( ولكن إذا كانت الورقة الرسمية عقداً وكانت باطلة ، فقد تصلح أن تكون ورقة عرفية يصح تقديمها لإثبات هذا العقد ، ما لم تكن الرسمية شرطاً شكلياً فى الانعقاد كما هو الأمر فى الهبة والرهن . ولكن يشرتط حتى تكون للورقة الرسمية الباطلة قيمة الروقة العرفية من حيث الإثبات أن تكون هذه الروقة قد وقع عليها ذوو الشأن ، لأن التوقيع شرط فى الورقة العرفية كما سنرى . ولا يعتبر تاريخ الورقة الرسمية الباطلة تاريخاً رسمياً ثابتاً ، حتى لو صلحت هذه الورقة الباطلة أن تكون ورقة عرفية صحيحة )) ( الموجز فقرة 626 ص 659 ) .

([214]) ونذا ما جاء في المذكرة الإيضاحية في هذا الصدد : (( والواقع أن م يولى القانون من سلطة خاصة للموظف العام هو عماد ما يتوافر للرقة الرسمية من قوة في الإثبات ، وهو بذاته مناط العلة من هذه القوة . بيد أنه لم ير من العدل حرمان المتعاقدين من الإستناد إلى الورقة إذا كانوا قد عهدوا بأمرها إلى موظف ليست له سلطة توثقها بالنسبة للمكان ، متى كانوا قد اعتقدوا خلاف ذلك بناء على سبب مشروع . على أن مثل الورقة لا يكون لها إلا قيمة ورقة عرفية وفقا لما تقضى به الفقرة الثانية من المادة 527 م المشروع . ويشترط لتطبيق هذه الفقرة : ( ا ) أن تكون ثمة ورقة تلقاها موظف عام له سلطة توثقها بالنسبة لطبيعتها ( الإختصاص النوعي ) . ( ب ) وأن يكون ذوو الشأن جميعاً قد وقعوا على هذه الورقة بإمضاءاتهم أو بأختامهم أو ببصمات أصابعهم . على أن هذه الحكم ليس إلا استثناء من نطاق القواعد العامة . ولذلك ينبغى تحامى التوسع فى تفسيره . فهو لا ينطبق حيث يكون الموظف العام غير مختص بالنسبة لطبيعة الورقة ( كما لو تلقى أحد الحضرين عقد بيع ) ، أو حيث يكون هذا الموظف قد أغفل التوقيع على الورقة لأنها تكون خلوا في هذه الحالة مما يثبت أنه تلقاها ، أو حيث يكون أحد المتعاقدين قد أغفل التوقيع على هذه الورقة بإمضائه أو ختمه أو بصمته . وهو لا ينطبق كذلك إذا كان الموظف العام قد تدخل بوصفه طرفاً في التعاقد ، إذ ليس من المتصور ان يتولى الموظف العام ضبط ورقة رسمية لنفسه ، وليس للمتعاقدين في هذه الحالة أن يعتقدا إعتقادا مشروعاً في رسمية هذه الورقة )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 352 ـ ص 253 .

 

([215]) وهذا هو النص في أصله الفرنسى : Art.  1318.- L'acte aui n'est point authentiaue par l'incompetence ou l'incapacite de l'officier public lu par un defaut de forme vaut comme ecriture priveem s'il a ete signe des parties.        

([216]) بأن كان الموثق مثلا غير مختص موضوعاً بتوثيقها ، أو كان لم يوقعها ، أوكان طرفاً فيها ( أنظر تفصيل ذلك في بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1455 ص 891 ـ ص 893 ـ أوبرى ورو 12 فقرة 755 ص 180 ـ ص 183 ) .  

([217]) إذا إذا توافرت فيها جميع شروط الورقة العرفية بأن كانت موقعة من أصحاب الشأن ، ثم تعددت نسخها الأصلية إذا كان العقد ملزماً للجانبين أو كتبت قيمة الالتزام بالحروف دون الأرقام واعتمدها المدين بخطه إذا كان العقد ملزماً لجانب واحد .

([218]) بأن كان الموثق ـ كما تقول المادة 1318 من التقنين المدني الفرنسي ـ غير مختص بتوثيقها من ناحية المكان ، أو كان غير متوافر الأهلية لتوثقها ، أو كانت تنطوى على عيب في الشكل . ويشترط على كل حال ، لتكون لهذه الورقة الرسمية الباطلة عيمة الورقة العرفية ، أن تكون موقعة من ذوى الشأن ، وقد نصت المادة 1318 صراحة على هذا الشرط ( أوبرى ورو 12 فقرة 755 ص 183 ) .

 

([219]) وقد قدمنا أن الأستاذ استنويت (Stenuit) هو الذى وضع المشروع الأولى في الإثبات وأرفق به مذكرة إيضاحية تتمشى معه . وقد أخذ في هذه المسألة بأحكام القانون الفرنسي ، فنص في المادة 12 من مشروعه على وجوب تعدد النسخ الأصلية للورقة العرفية إذا كان العقد ملزما للجانبين ، ونص في المادة 13 على وجوب كتابة القيمة واعتمادها بخط المدين إذا كان العقد ملزماً لجانب واحد . ومن ثم أعمل التمييز المدون في التقنين المدني الفرنسي ، فنص في المادة السادسة من مشروعه على ما يأتي : (( السند الذى لم يكسب صفة الرسمية ، لعيب في الشكل أو بسبب أن الموظف العام الذى وثقه وكانت له صفة فى توثقه لم يكن أهلا أو لم يكن مختصا من حيث المكن ، تكون له قيمة الورقة العرفية ، ما دام يحمل جميع توقيعات ذوى الشأن من المتعاقدين أويحمل بصمات أختامهم )) . فقصر الأستاذ استنويت ، كما نرى ، منطقة تطبيق هذا النص على الورقة الرسمية الباطلة إذا كان البطلان آتيا من الإخلال بإجراء جوهرى أو من عدم أهلية الموثق أو عدم اختصاصه المكانى ، ففى هذه الأحوال تكون للورقة الرسمية الباطلة قيمة الورقة العرفية بالرغم من أن شروط صحة الورقة العرفية لم تستوف كلها ، وهى الشروط المبنية في المادتين 12 و 13 من مشروعه . وكان طبيعيا أن يذكر الأستاذ استنويت هذا التمييز في المذكرة الإيضاحية التى أعدها لهذا المشروع ، ومن ثم لا يجعل للورقة الرسمية الباطلة بسبب إنعدام ولاية الموثق أو بسبب عدم توقيعه أو بسبب عدم اختصاصه الموضوعي ـ وهذه هي الورقة الرسيمة المنعدمة في عرف الفقه الفرنسي ـ أية قيمة ، حتى ولا قيمة الورقة العرفية . وأدمجت هذه المذكرة الإيضاحية في مجموعة الأعمال التحضيرية دون مراعاة لما أدخل على النصوص من تعديلات ، فأصبحت المذكرة لا تتمشى مع النصوص النهائية في بعض المواضع ، وهذا موضع منها ننبه إليه ( أنظر في هذه المسألة الدكتور سليمان مرقس في أصول الإثبات فقرة 44 ص 51 ـ ص 53) .

([220]) أوبرى ورو 12 فقرة 755 ص 170 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1451 ص 886 ـ ص 887 .

([221]) وفي هذا تقول المذكرة الإيضاحية للشروع التمهيدى : (( والجوهرى في هذا الصدد أن الورقة الرسمية تكون حجة بكل ما يلحق به وصف الرسمية فيها دون حاجة إلى الإقرار بها ، على نقيض الورقة العرفية فهى لا تكون حجة بما فيها قبل الإقرار بها )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3ص 355) . وقد نصت المادة 157 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى على (( أن السند الرسمى الذى له شكل السند الرسمى ومظهره الخارجى يجب أن يعد رسمياً إلى أن يقوم بإثبات العكس الفريق المدعى عليه بهذا السند )) .

([222]) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1451 ص 886 ـ ص 887 .

([223]) وقد كان هذا هو أيضاً حكم تقنين المرافعات القديم . وعندما كانت لجنة المراجعة تنظر في المشروع التمهيدى للتقنين المدني الجديد ، سأل أحد أعضاء اللجنة عما إذا كان يجوز للقاضى أن يحكم بتزوير الورقة من تلقاء نفسه دون أن يطعن فيها بالتزوير ، فأجيب بأن قانون المرافعات الحالي ( القديم ) يجيز للقاضي أن يستبعد الورقة التى يتضح تزويرها من تلقاء نفسه ، وهذا الاستبعاد يفضى بحكم الواقع إل زوال حجية الورقة ، رسمية كانت أو عرفية ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 358 ) .

([224]) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 528 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتي :

(( 1 ـ تكون الورقة الرسمية ، ما لم يطعن فهيا بالتزوير ، حجة على الناس كافة بما دون فيها من أمور قام بها الموظف العام في حدود مهمته أو صدرت من ذوى الشأن في حضوره . 2 ـ أما ما ورد على لسان ذوى الشأن من بيانات فيعتبر صحيحاً حتى يقوم الدليل على ما يخالفه )) . وفي لجنة المراجعة حورى الفقرة الأولى من النص تحويراً جعلها تتفق مع النص الذى أقر نهائياً ، وأصبح رقم النص 404 في المشروع النهائى . ووافق مجلس النواب عليها دون تعديل . وفي لجنة مجلس الشيوخ قام نقاش حول الفقرة الثانية من المادة ، وهي التي تعتبر البيانات الواردة على لسان ذوى الشأن صحيحة حتى يقوم الدليل على ما يخالفها . وكانت نتيجة هذه المناقشة أن اتفقت الآراء على حذف هذه الفقرة ، لأن تلك البيانات يرجع في أمر صحتها أو عدم صحتها إلى القواعد العامة في الإثبات ، وإثباتها في ورقة رسمية لا يعطيها قوة خاصة في ذاتها بالنسبة لحقيقة وقوعها . فحذفت اللجنة الفقرة الثانية من المادة إكتفاء بالقواعد العامة ، وأصبح رقم النص 391 . ووافق عليه مجلس الشيوخ كما عدلته لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 354 ـ ص 355 وص 357 ـ ص 359 ) .

([225]) ونعيد إيراد هذا النص من التقنين المدني القديم : (( المحررات الرسمية ، أي التي تحررت بمعرفة المأمورين المختصين بذلك ، تكون حجة على أى شخص ، ما لم يحصل الادعاء بتزوير ما هو مدون بها بمعرفة المأمور المحرر لها )) . وقد قدمنا أن النص الجديد يفضل هذا النص القديم من حيث إن يحدد ما يعتبر في الورقة الرسمية حجة إلى حد الطعن بالتزوير ، فهو ما دون الموثق من أمور قام بها في حدود مهمته أو وقعت من ذوى الشأن في حضوره .

([226]) التقنينات المدنية العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 6 : 1 ـ تكون الأسناد الرسمية حجة على الناس كافة بما دون فيها من أفعال مادية قام بها الموظف العام في حدود مهمته أو وقعت من ذوى الشأن في حضوره ، وذلك ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً . 2 ـ أما ما ورد على لسان ذوى الشأن من بيانات فيتعتبر صحيحاً حتى يقوم الدليل على ما يخالفه .

       التقنين المدني العراقي م 451 : تكون السندات الرسمية حجة على الناس كافة بما دون فيها من أمور قام بها الموظف العام في حدود مهمته أو وقعت من ذوى الشأن في حضوره ، ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً.

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى : م 156 ـ للسند الرسمي القوة التنفيذية ، وهو ـ إلى أن يدعى تزويره ـ مثبت لجميع الأفعال المادية التي تحققها المأمور الرسمى بذاته وكان من وظيفته أن يحققها كمحـل العقـد

                                                                                     ( م 10 الوسيط ـ جـ 2 )                    

 وتاريخ وصحة التوقيع وما يعزوه إلى المتعاقدين من التصريحات ـ م 157 ـ إن السند الرسمى الذى له شكل السند الرسمى ومظهره الخارجى يجب أن يعد رسمياً إلى أن يوقم بإثبات العكس الفريق المدعى عليه بهذا السند . والسند الرسمى مثبت أيضاً للأعمال التى صرح بها المتعاقدون ولها علافة مباشرة بالعقد إلى أن يثبت العكس ـ م 158 ـ لا يصلح السند الرسمى إلا كبداية بينة خطية فيما يختص بالتصريحات التى ليس لها علاقة مباشرة بموضوع العقد ـ م 159 ـ إن السند الرسمى لا يسرى مفعوله الثبوتى فيما يختص بتصرحات المتعاقدين إلا عليهم وعلى خلفائهم في الحقوق . وبالعكس فإن هذا السند يتعدى مفعوله الثبوتى إلى الغير ، سواء أكان لهم أم عليهم ، فيما يختص بالأفعال المادية التى يصرح بها المأمور الرسمى والتى تعد ثابتة إلى أن يدعى تزويرها .

التقنين المدني للمملكة الليبية المتحدة ـ م 378 : مطابقة للمادة 391 من التقنين المدني المصرى .
ويتبين من استعراض نصوص التقنينات المدنية العربية أنها تتفق في أحكامها مع أحكام التقنين المصرى في المسائل التى نحن بصددها .

([227]) التقنين المدني الفرنسى ـ م 1319 : (( تكون الورقة الرسمية ، بما تضمنته من اتفاق ، حجة على المتعاقدين والورثة والخلف . ومع ذلك إذا طعن بالتزوير في الورقة الرسمية ، وكان الطعن بالطريق الجنائى ، أوقف تنفيذ الورقة المطعون فيها منذ الإحالة على الاتهام . أما إذا كان الطعن بطريق فرعى ، فإنه يجوز للمحكمة ، تبعاً للظروف ، أن توقف مؤقتاً تنفيذ الورقة )) . وهذا هو النص في أصله الفرنسى :

((L'acte authentiaue fait pleine foi de la convention qu'il renferme entre les parties contractantes et leurs heritiers ou ayants cause. Neanmoins, en cas des plaints en faux principal, l'execution de l'acte argue de faux sera srspendere, par la mise en accusation; et, en cas d'inscription de faux faite incidemment, les tribumaucx pourront, suivant les circonstances, supendere proviosoirement l'execution l'acte.))                                           

([228]) وهذه القواعد لا تعتبر من النظام العام ، فلا يجوز التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض ( أوبرى ورو 12 فقرة 755 ص 171 هامش رقم 51 مكرر رابعا ) .

([229]) ويعتبر تاريخاً ثابتاً لمجرد وروده في ورقة رسمية ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1453 ص 889 ـ ص 890 ) .

([230]) توقيعه هو وتوقيعات أصحاب الشأن والشهود والمترجم والمعين ـ هذا وما قرره المحضر من أنه أعلن الورقة إلى المحافظة لأنه لم يجد أحداً يسلمه الإعلان في محل إقامة ذى الشأن ، أو أنه سلم الإعلان إلى الخادم ، وما إلى ذلك مما فعله بنفسه أو وقع تحت بصره ، تبقى له الحجية إلى حد الطعن بالتزوير ( استئناف مختلط 23 مارس سنة 1910 م 32 ص 206 ـ 23 فبراير سنة 1911 م 23 ص 197 ـ 24 أبريل سنة 1913 م 25 ص 230 ـ 30 ديسمبر سنة 1920 م 33 ص 115 ) . أما ما ينقله عن الغير فيجوز إثبات عكسه دون طعن بالتزوير (استئناف مختلط 24 مارس سنة 1910 م 22 ص 231 ـ 15 مايو سنة 1913 م 25 ص 380 ـ 30 ديسمبر سنة 1913 م 26 ص 110 ـ 18 مارس سنة 1914 م 26 ص 287 ـ 4 ديسمبر سنة 1928 م 41 ص 69 ) . وقد قضت دائرة النقض الجنائية بأنه إذا كان الدين ثباتاً بسند رسمى ذكر فيه أن النقود دفعت أمام كاتب العقود ، فلا يمكن إثبات الصورية بشهادة الشهود ، ومن ثم لا يجوز إثبات أن مبلغ الدين يشتمل على فوائد ربوية ( نقض جنائى 4 يناير سنة 1924 المجموعة الرسمية 27 رقم 76 ) .

            وما ورد على لسان أصحاب الشأن من بيانات يملونها على الموظف المختص بتحرير شهادات لميلاد والوفاة يجوز إثبات عكسها دون حاجة إلى الطعن بالتزوير ( استئناف مختلط 31 ديسمبر سنة 1925 م 38 ص 145 .

            هذا ويجوز النزول عن حجية الورقة الرسمية فيما يجب فيه الطعن بالتزوير ، فلا تعود هناك حاجة إلى هذا الطعن ( استئناف مختلط 13 أبريل سنة 1932 م 44 ص 271 ) .

([231]) استئناف مختلط 3 يناير سنة 1917 م 29 ص 133 ـ 6 فبراير سنة 1917 م 29 ص 199 ـ أوبرى ورو 12 فقرة 755 ص 171 ـ 172 .

([232]) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1452 ص 887 ـ ص 889 ـ هذا وإذا ذكر في ورقة رسمية أو في جواز سفر أن سن العاقد أو صاحب الجواز هى كذا عاماً ، فإن ذلك لا يكون حجة على بلوغه هذه السن ، ولا تثبت السن إلا بشهادة الميلاد أو بتقدير طبيب . وقضت محكمة النقض بأن ذكر تايخ الوفاة في محضـر حصـر التركـة لا يكون حجة بحصول الوفاة فى ذلك التاريخ ، لأن هذا المحضر لم يعد لإثبات تاريخ الوفاة بل لإثبات عناصر التركة فقط ( نقض 8 فبراير سنة 1945المحاماة 27 رقم 430 ص 1074 ) . ومحضر حصر التركة الذى يذكر فيه أن التركة جميعها سلمت إلى بعض الورثة لا يعتبر دليلا على التسلم ( الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 155 ). والمحاضر الرسمية التى تحرر لجمع الاستدلالات ـ محاضر التحقيق والجرد وحصر التركة ـ تكون قابلة لإثبات العكس دون حاجة إلى الطعن بالتزوير ( الأستاذ أحمد نشأت 1 في الإثبات فقرة 155 ـ الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات فقرة 48 ص 61 ) . ويجوز إثبات عكس ما ورد في الإشهاد الشرعى الصادر بوفاة شخص بجميع الطرق ، إذ هو ليس بحكم ولا بحجة في إثبات الوقائع المدرجة فيه ( استئناف وطنى 31 مارس سنة 1913 المجموعة الرسمية 14 رقم 81 ـ استئناف مختلط 22 يناير سنة 1902 م 14 ص 86 ) .

            والحجية إلى حد الطعن بالتزوير مقصورة على المواد المدنية والتجارية . أما في المواد الجنائية فالأمر متروك لتقدير القاضي . وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا عرض عى المحكمة الجنائية محضر كسر ختم المتوفى ، جاز لها ألا تأخذ بما جاء فيه إذا اقتنعت بعدم صحته ، وذلك دون حاجة إلى الحكم بتزويره ( نقض 7 يونية سنة 1943 المحاماة 26 رقم 65 ص 188 ) . وقضى أيضاً بأنه يجوز لكل ذى شأن أن يثبت بكافة الطرق القانونية ما يخالف ما دون في المحاضر التى يحررها رجال البوليس في المواد الجنائية دون أن يكون ملزماً بالطعن فيها بالتزوير ( نقض جنائى 4 يناير سنة 1943 المحاماة 24 رقم 103 ص 333 ـ 11 يناير سنة 1943 المحاماة 24 رقم 140 ص 441 ـ أسيوط الإبتدائية 22 فبراير سنة 1923 المجموعة الرسمية 24 رقم 57 ـ الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات ص 58 هامش رقم 1 ) .

([233]) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1452 ص 887 هامش رقم 3 . وعلة ذلك ـ كما تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ـ (( ما يولى القانون من ثقة لصحة الإقرارات الصادرة في حضور الموظف العام وصحة ما يتولى إثباته من البيانات التى تدخل في حدود مهمته . فإذا اقتضت مصلحة أحد من ذوى الشأن أن يقيل الدليل على عكس بيان من البيانات التى يلحق بها وصف الرسمية ، تعين عليه أن يلجأ إلى طريق الطعن بالتزوير )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 355 ـ ص 356 ) .

       هذا وتتلخص إجراءات الطعن بالتزوير في أنه إذا أدعى خصم أن الورقة الشاهدة عليه مزورة ، فله أن يطعن فيها بالتزوير في أية حالة تكون عليها الدعوى بتقرير في قلم الكتاب يعلن للخصم الآخر بمذكرة تبين فيها شواهد التزوير وإجراءات التحقيق التى يطلب إثباته بها . على أنه يجوز للمحكة ـ ولو لم يدع أمامها بالتزوير بالإجراءات المتقدمة ـ أن تحكم برد أية ورقة وبطلانها إذا ظهر لها بجلاء من حالتها أو من ظروف الدعوى أنها مزورة . فإذا طعن الخصم في الورقة بالتزوير ، وكان الإدعاء بالتزوير منتجاص في النزاع ، ولم تكف وقائع الدعوى ومستنداتها لاقتناع المحكمة بصحة الورقة أو بتزويرها ، ورأت أن إجراء التحقيق على الوقائع التى قبلت المحكمة تحقيقها والإجراءات التى رأت إثباتها بها ، وندب أحد قضاة المحكمة لمباشرة التحقيق ، وتعيين خبير أو ثلاثة خبراء ، والأمر بإيداع الورقة المطعون بتزويرها قلم الكتاب مع بيان حالتها . ويجرى التحقيق بالمضاهاة وبشهادة الشهود . وتكون المضاهاة على ماهو ثابت صدوره ممن تشهد عليه الورقة من أوراق رسمية أو أوراق معترف بها منه أو على خطه أو إمضائه الذى يكتبه أمام القاضى المنتدب للتحقيق . أما الشهود فيسمعون فيما يتعلق بصدور الورقة من صاحب التوقيع ، وتراعى في سماعهم القواعد المقررة في سماع شهادة الشهود . والحكم بالتحقيق يوقف صلاحية الورقة للتنفيذ دون إخلال بالإجراءات التحفظية . وإذا حكم بسقوط حق مدعى التزوير في إدعائه أو برفضه حكم عليه بغرمة مقدارها 25 جنيهاً مصرياً . ولا يحكم عليه بشئ إذا ثبت بعض ما ادعاه . ( أنظر المواد من 281 إلى 290 من تقنين المرافعات ) .

       وتنظم المادة 291 من تقنين المرافعات دعوى التزوير الأصلية فتنص على أنه (( يجوز لمن يخشى الاحتجاج عليه بورقة مزورة أن يختصم من بيده تلك الورقة ومن يستفيد منها لسماع الحكم بتزويرها ، ويكون ذلك بدعوى أصلية ترفع بالأوضاع المعتادة ، وتراعى الإجراءات المتقدمة )) .

([234]) أوبرى ورو 12 فقرة 755 ص 172 ـ ص 173 ـ وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى في صدد ما قدمناه من البيانات التى تقوم حجيتها إلى حد الطعن بالتزوير ما يأتى : (( وقد تكفل النص بتحديد هذه البيانات ، فقصرها على الأمور التى يثبتها الموظف العام في حدود مهمته أو التى تصدر من ذوى الشأن فى حضوره . وهي بهذا الوصف تتضمن : ( ا ) ما يثبت الموظف العام من وقائع أو أمور باعتبار أنه تولى ضبطها بنفسه . ومن قبيل هذه الوقائع أو الأمور : التاريخ وعتبر ثابتا من يوم تلقى الورقة وقبل قيدها في السجل المعد لذلك ، وبيان مكان تلقى الورقة ، والكتابة ، وتوقيع ذوى الشأن ، وتوقيع الموثق ، والبيانات المتعلقة بإتمام الإجراءات التى يتطلبها القانون . ( ب ) ما يصدر من ذوى الشأن في حضور الموظف ويدرك بالحس من طريق الاتصال بالسمع أو الوقوع تحت البصر ، كالإقرارات أو وقائع التسليم . ويراعى أن الموظف العام يثبت واقعة الإدلاء بهذه الإقرارات دون أن يمس في ذلك صحتها ، فلو قرر أحد المتعاقدين أنه باع وقرر الآخر أنه أدى الثمن ، أثبت الموثق هذيه الإقرارين ، وكان إثباته لهما دليلا على الإدلاء بهما لا على صحة الوقائع التى تنطوى فيهما .

       ويشترط أن تكون الوقائع أو الأمور المتقدم ذكرها مما يدخل في حدود مهمة الموثق ، لأن إلحاق الصفة الرسمية بما يثبت الموظف العام فى المحرر مشروط باقتصاره على هذه الحدود ، كما رسمها نص القانون ، فإن جاوزها انقطعت عنه الولاية ، وسقطت تبعاً لذلك قيمة ما يتولى إثباته على هذا الوجه . فلو أثبت الموثق أن المتعاقد متمتع بقواه العقلية مثلا ، فلا يكون لإثبات هذه الواقعة أثر في إمكان الاحتجاج بها ، لأن إثباتها ليس مما يدخل في مهمة من يتولى التوثيق )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 356 ) .

([235]) استئناف مختلط 22 يونية سنة 1939 م 52 ص 56 .

([236]) استئناف مختلط 10 أبريل سنة 1943 م 55 ص 111 .

([237]) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1454 .

([238]) وقد تقضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأن المحررات الرسمية تكون حجة على أى شخص ما لم يحصل الإدعاء بتزوير ما هو مدون بها بمعرفة المأمور المحرر لها ، وعلى ذلك فلا يجوز إثبات خلاف ما ورد فيها بالبينة أو بقرائن الأحوال مهما كانت قوة هذه القرائن للثقة الموجودة فى هذه الأوراق الرسمية ، إلا أنه فيما يختص بما يقرره الخصوم أمام المأمور المحرر لها ويدونه بمحضره عن وقائع حصلت بغير حضوره فيجوز إثبات ما يخالفها بالبينة أو بقرائن الأحوال بشرط أن يكون هناك مبدأ للثبوت بالكتابة ( استئناف مصر 29 يونية سنة 1925 ، المحاماة 6 رقم 100 ص 137 ) . أنظر أيضا في هذا المعنى : استئناف مصر 20 يناير سنة 1931 المجموعة الرسمية 32 رقم 4 ص 57 . استئناف مختلط 27 مارس سنة 1889 م 1 ص 164 ـ 31 نوفمبر سنة 1889 م 2 ص 24 ـ 6 مارس سنة 1890 م 2 ص 108 ـ 4 يونية سنة 1790 م 2 ص 417 ـ 26 ديسمبر سنة 1891 م 7 ص 98 ـ 16 نوفمبر سنة 1892 م 5 ص 9 ـ 18 أبريل سنة 1894 م 6 ص 233 ـ 14 يناير سنة 1897 م 9 ص 119 ـ 17 فبراير سنة 1897 م 9 ص 188 ـ 22 يناير سنة 1902 م 14 ص 86 .

([239]) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1452 .

([240]) استئناف مختلط 7 يونية سنة 1917 م 29 ص 489 .

([241]) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : (( وتكون إقرارات ذوى الشأن حجة على الكافة ( ما لم يطعن في صحتها بالتزوير ) . ويراعى أن المشروع قد استعاض بعبارة (( صحة الإقرارات )) عن اصطلاح (( صحة الإتفاق )) وهو الاصطلاح الذى اختاره التقنين الفرنسى والتقنين الإيطالى والمشروع الفرنسي الإيطالى في معرض التعبير . والواقع أنه ينبغى تحامى الخلط بين صحة واقعة انعقاد العقد وبين صحة هذا العقد في ذاته . فإذا قرر ذوو الشأن بمحضر من الموظف أن أحدهما باع وأن الآخر اشترى ، فالورقة الرسمية تعتبر حجة على صدور الإقرارين في ذاتهما ، من حيث مبلغ مطابقتهما للواقع ، فلا حيلة للموثق في العلم بها وإثباتها ، لأنها ليست لا يستتبع إمكان الاحتجاج بصحته الذاتية إلى أن يطعن فى هذه الورقة بالتزوير . على أن مثل هذا الإقرار يعتبر صحيحاً إلى أن يثبت العكس ، تفريعاً على أن الأصل في الإقرارات أن تكون صحيحة ، أما الصورية فهى استنثاء يتعين على من يتمسك به أن يقيم الدليل عليه وفقاً للقواعد العامـة

       في الإثبات )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 356 ـ ص 357 ) .

([242]) فلو أن ورثة البائع ادعوا أن مورثهم كان مجنوناً وقت إمضاء البيع ، فعليهم إثبات ما ادعوه ، ولهم أن يثبتوه بجميع الطرق دون حاجة إلى الطعن بالتزوير ، وذلك بالرغم مما أثبته الموثق فى الورقة الرسمية من أن البائع كان سليم العقل ، لأن الورقة الرسمية ليست معدة لإثبات ذلك ( كولان وكابيتان 2 فقرة 744 ص 500 ) .

([243]) وقد جاء فى المذركة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : (( وتعتبر الورقة الرسمية حجة ، لا بالنسبة للمتعاقدين وحدهم ، بل وبالنسبة للغير كذلك ، شأنها فى ذلك شأن الورقة العرفية فيما عدا التاريخ. وقد نص التقنين المراكش ( م419 ) والتقنين المصرى ( م 226/291 ) صرحة على هذا الحكم ، وتبعهما المشروع في ذلك )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 355 ) .

([244]) أنظر المادة 604 فقرة أولى مدني .

([245]) أنظر المادة 604 فقرة ثانية مدني .

([246]) ويستوى فى الاحتجاج على الغير بالتصرف القانونى أن يكون ذلك باعتباره تصرفاً قانونياً أو بإعتباره واقعة مادية . فإذا اشترى شخص عقاراً من غير مالكه بعقد بيع أثبت فى ورقة رسمية ، فإن هذا البيع ، وهو تصرف قانونى ، يحتج به على مالك العقار كسبب صحيح للتملك بالتقادم القصير ، ويكون ذلك بإعتبار البيع بالنسبة إلى المالك واقعة مادية لا تصرفاً قانونياً . ومع ذلك تكون رسمية البيع حجة على المالك ، فلا يستطيع أن ينكر من هذه الورقة الرسمية ما يجب لإنكاره الطعن بالتزوير إلا عن هذا الطريق .

([247]) فيجب إذن التمييز ـ فى حجية الورقة الرسمية بالنسبة إلى الغير كما في حجيتها فيما بين المتعاقدين ـ بين صحة صدور ما ذكر الموثق أنه رآه بعينه أو سمعه بأذنه (de visu aut de auditi)  والتشكك فى صحة صدوره يمس بأمانة الموثق وصدقه ومن ثم فلا يجوز الإنكار إلا عن طريق الطعن بالتزوير ، وبينصحة هذه الوقائع ذاتهاوهل هى جدية أو صوريةوهذا ليس فيه مساس بأمانة الموثق أو بصدقه ومن ثم جاز إنكاره دون طعن بالتزوير ويكفى تقديم الدليل على العكس بالطرق المقررة قانوناً ، وبين حكم القانون فى التصرف الثابت فى الورقة الرسمية وهل هو يسرى فى حق الغير وهل هو مشوب بعيب من عيوب الإدارة وهل له محل مشروع وسبب مشروعغ وكيف يفسر وما إلى ذلك وهنا لا نعرض للورقة الرسمية التى هى طريق للإثبات (instrumentum) بل نعرض للتصرف القانونى ذاته (negotium) وننزل عليه حكم القانون فلا محل الكلام فى الطعن بالتزوير أو الاكتفاء بتقديم الدليل على العكس فى هذا الصدد ( تولييه 8 فقرة 122 ـ ديرانتون 13 فقرة 84 ـ فقرة 85 ـ ديمولومب 29 فقرة 279 ـ أوبرى ورود 12 فقرة 755 ص 174 ـ ص 176 ) .

 

([248]) ومن ذلك أيضاً أن البيانات الواردة على سبيل الإخبار (enunciation) فى الورقة الرسمية في غير موضوعها ، ولكنها متصلة بالموضوع اتصالا مباشراً ، تكون لها حجية البيانات الواردة على سبيل التقرير (disposition) فى الموضوع ، بالنسبة إلى الغير ، كما أن لها هذه الحجية فيما بين الطرفين . وقد ضرب أوبرى ورو لذلك مثلا سبق ذكره : إقراراً بإيراد مؤبد فى ورقة رسمية ، وورد فى الورقة أن الإيراد قد نقص بسبب دفع جزء من رأس المال أو أن جميع أقساط الإيراد السابقة قد دفعت ، فهذه البيانات المتصلة بالموضوع اتصالا مباشراً لها حجية الورقة الرسمية فيما بين الطرفين ، وكذلك تكون لها هذه الحجية بالنسبة إلى الغير ، ويتحقق ذلك إذا كان للدائن بالإيراد دائن حاجز أو كان الدائن بالإيراد قد نزل عنه لشخص آخر ، لما ورد فى الورقة الرسمية من أن جزءاً من رأس المال قد دفع أو أن الأقساط السابقة قد وفيت جميعها تكون له حجية الورقة الرسمية بالنسبة إلى الدائن الحاجز أو المتنازل له عن الإيراد . وهذا كله فيما إذا كان الطرفان فى الورقة الرسمية يملكان قانوناً التأثير فى حقوق الغير ، بأن كان التصرف القانونى (negotium) الذى عقداه فيما بينهما من شأنه أن يسرى فى حقه . فإن لم يكن الأمر كذلك ، لم يكن لبياناتهما حجية بالنسبة إلى الغير . فلو ورد في البيع الرسمى أن للدار حق مطل على العقار المجاور ، لم يكن لهاذ البيان حجية بالنسبة إلى صاحب هذا العقار . ولو ورد فى هذا البيع الرسمى أن البائع يملك الدار بسند ذكر تاريخه ، لم يكن لهذا البيان أيضاً حجية بالنسبة إلى المالك الحقيقي للدار إذا أراد المشترى أن يحتج عليه بالتقادم القصير ويتمسك بحيازة البائع من التاريخ المذكور فى الورقة الرسمية ليضمها إلى مدة حيازته ( أوبرى ورو 12 فقرة 755 ص 177 ـ ص 179) .

       وقد ذكر أوبرى ورو ( فى هامش ص 177 ) أن بعض الفقهاء ( تولييه 8 فقرة 157 وفقرة 161 ـ ديرانتون 13 فقرة 98 ـ زاخارييه فقرة 751 مع هامش رقم 15 ) يذهبون إلى أنه لا حجية بالنسبة إلى الغير للبيانات المستقلة عن موضوع الورقة والورادة على سبيل الإخبار ولو كانت متصلة اتصالا مباشرا بهذا الموضوع ، ولو كان الطرفان يملكان التأثير فى حق الغير . ويقول أوبرى ورو يحق أن هؤلاء الفقهاء يخلطون بين صحة صدور هذه البيانات من الطرفين ، وهذا له حجية بالنسبة إلى الغير إلى حد الطعن بالتزوير ، وبين صحة الوقائع التى تتضمنها هذه البيانات فى ذاتها ، وهذه الوقائع يجوز للغير أن يقيم الدليل على عكسها بالطرق المقررة قانوناً دون حاجة إلى الطعن بالتزوير .

([249]) تاريخ النصوص ـ المادة 392 : ورد هذا النص فى المادة 535 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتـى : (( 1 ـ إذا كان أصل الورقة الرسمية موجوداً ، فان الصور الخطية أو الفوتوغرافية الصادرة من موظف عام كتب الأصل أو حفظه بين أوراقه ، تكون حجة بالقدر الذى يعترف فيه بمطابقة الصورة للأصل . 2 ـ ويجوز لكل من الطرفين أن يطلب مراجعة الصورة على الأصل ، على أ يتم ذلك فى مواجهتهما . وفى هذه الحالة يجوز للقاضى أن يأمر ياستحضار الأصل )) . وفى لجنة المراجعة اقترح حذف عبارة (( الصادرة من موظف عام كتب الأصل أو حفظه بين أوراقه )) من الفقرة الأولى لعدم ضرورتها ، مع تعديل الفقرة تعديلا لفظياً . وكذلك اقترح تعديل الفقرة الثانية لاستظهار قرينة مطابقة الصورة للأصل ما لم ينازع أحد الطرفين في ذلك ، ولتحتيم مضاهاة الصورة على الأصل عند المنازعة وكان هذا الأمر جوازياً للقاضي فى المشروع التمهديى كما رأينا . فقبلت اللجنة الاقتراحين ، وأصبح النص النهائى للمادة مطابقاً لما جاء فى التقنين الجديد ، وصارت المادة رقمها 405 فى المشروع النهائى . ووافق مجلس النواب على النص دون تعديل . وكذلك فعلت لجنة الشيوخ ، وأصبح رقم المادة 392 ، ووافق عليها مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 359 ـ ص 362 ) .

       المادة 393 : ورد هذا النص فى المادة 536 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : (( أما إذا فقد الأصل ، فتكون الصورة الخطية أو الفوتوغرافية حجة على الوجه الآتى : ا ـ يكون للصورة التنفيذية أو للصورة الأولى حجية الأصل إذا صدرت من موظف عام مختص وكان مظهرها الخارجى لا يسمح بالشك فى مطابقتها للأصل . ب ـ ويكون للصور الخطية أو الفوتوغرافية المأخوذة من الصورة التنفيذية أو الصورة الأولى ذات الحجية إذا صدرت هذه الصورة من موظف عام مختص . ويجوز فى هذه الحالة أن يطلب الطرفان إحضار الصورة التنفيذية أو الصورة الأولى ، كما يجوز للقاضى أن يأمر بإحضارها . جـ  ـ أما ما يؤخذ بعد ذلك من صور خطية أو فوتوغرافية ، فلا يكون إلا لمجرد الاستثناستبعا للظروف )) . وفى لجنة المراجعة عدل النص تعديلا يجعله أدق فى تأدية المعنى المقصود ، فأصبح يكاد يكون مطابقاً لما انتهى إليه . ووافق مجلس النواب على النصدون تعديل ، وجعل رقمه 406 . وفى لجنة مجلس الشيوخ اتجه الرأى أولا إلى استبعاد حكم السند (( ا )) من النص ، وقيل إن في بقائه خطورة إذ قد تكون الصورة خالية من الشوائب فى مظهرها الخارجى ولكنها لا تطابق الأصل ، وعدم وجود هذا الأصل سيكون حائلا دون تحقيق صحتها ، فإعطاؤها قوة الأصل ينطوى على مجازفة . ورأى أحد الأعضاء ، مع ذلك ، أنتكون للصورة الرسمية الأصلية قوة مبدأ الثبوت بالكتابة . ولكن اللجنة عادت فأبقت النص بعد أن تبينت صحة حكمه من واقع المراجع القانونية . ثم استبدلت فى البند (( ب )) عبارة (( الصورة الأصلية التى أخذت منها )) بعبارة (( الأصل الذى أخذت منه )) زيادة فى الإيضاح ، وحذفت عبارة (( كما يجوز للقاضى أن يأمر باحضارها )) كما أضاقت كلمة (( رسمية )) بعد كلمة (( صور )) في البنـد (( جـ )) . وأصبحت المادة رقمها 393 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 363 ـ ص 367 ) . هذا والمادة 393 من التقنين الجديد منقولة عن المادة 291 من المشروع الفرنس الإيطالى .

([250]) وكانت المادة 231/296 من التقنين المدنى القديم تنص على ما يأتى : (( إذا قدم الخصم صور سندات غير صورها الواجبة التنفيذ وهى صورها الأولى ، ولم يقدم الأصل ، وكانت الصور المذكور محررة بمعرفة أحد المأمورين العموميين ، فللقاضى النظر في درجة اعتماد تلك الصور ، وعلى كل حال فانها تعتبر فى مقام مبادئ الثبوت بالكتابة )) . وسنبسط حكم هذا النص ونقارن ما بين التقنين القديم والحديث فيما يلي .

([251]) التقنينات العربية الأخرى ـ قانون البينات السورى م 7 : 1 ـ إذا كان أصل السند الرسمى موجوداً ، فإن الصور الخطية والفوتوغرافية التى نقلت منه وصدرت على موظف عام في حدود اختصاصه تكو لها قوة السند الرسمى الأصلى بالقدر الذى يعترف فيه بمطابقة الصورة للأصل ، ما لم ينازع فى ذلك أحد الطرفين ، وفى هذه الحالة تراجع الصورة على الأصل ـ م 8 : إذا لم يوجد أصل السند الرسمى ، كانت الصورة الخطية أو الفوتوغرافية حجة على الوحه الآتى : ا ـ يكون للصورة الأولى قوة الأصل إذا صدرت من موظزف عام مختص وكان مظهرها الخارجى لا يتطرق معه الشك فى مطابقتها للأصل . ب ـ ويكون للصورة الخطية أو الفوتوغرافية المأخوذة من الصورة الأولى نفس القوة إذا صدرت من موظف عام مختص يصادق على مطابقتها للأصل الذى أخذت منه . ويكون لكل من الطرفين أن يطلب مراجعة هذه الصورة على الصورة الأولى على أن تتم المراجعة فى مواجهة الخصوم . جـ  ـ أما الصورة المأخوذة عن الصورة الثانية فيمكن الاستئناس بها تبعاً للظروف .

       تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى ـ م 173 : إن إبراز نسخة من السند مع وجود السند الأصلى لا يغنى عن إبراز هذا السند ، إذ أنه يجوز التشبث بإبراز السند الأصلى فى كل حين ـ م 174 : إذ فقد السند الأصلى يستعاض عنه بالنسخة الرسمية ـ م 175 : إن إدراج السند الرسمى فى السجلات الرسمية لا يصلح إلا كبداية بينة خجطية ، ويجب مع ذلك أن يثبت فقدان جميع الأصول المحفوظة عند الكاتب العدل والمختصة بالسنة التى يظهر أن السند أنشئ فى خلالها أو أن تقام البينة على أن فقدان أصل هذا السند نتج عن حادث خاص ـ 176 : إذا ظهر من نسهة السند فى الحالة المبينة فى المادة السابقة ـ أن السند أنشئ بحضور شهود ، وجب دعوة هؤلاء الشهود أمام القاضى .

       التقنين المدنى العراقى ـ م 452 : 1 ـ إذا كان أصل السند موجوداً ، فإن صورته الرسمية ، خطية كانت أو فوتوغرافية ، الصادرة من موظف عام مختص ، تكون حجة بالقدر الذى تكون فيه مطابقة للأصل . 2 ـ وتعتبر الصورة مطابقة للأصل ، ما لم ينازع فى ذلك أحد الطرفين ، وفى هذه الحالة تراجع الصورة على الأصل ـ م 453 ، إذا لم يوجد السند الرسمى ، كانت الصورة حجة على الوجه الآتى : ا ـ يكون للصورة الرسمية الأصلية ، تنفيذية كانت أو غير تنفيذية ، حجية الأصل إذا كان مظهرها الخارجى لا يسمح بالشك فى مطابقتها للأصل . ب ـ وتكون للصورة الرسمية المأخوذة من الصورة الأصلية الحجية ذاتها . ولكن يجوز فى هذه الحالة لكل من الطرفين مراجعتها على الأصل الذى أخذت منه . جـ   ـ أما ما يؤخذ من صور للصورة المأخوذة من الصور الأصلية فلا يعتد به إلا لمجرد الاستئناس تبعاً للظروف ـ م 454 : الوثائق الرسمية ، كالبراءات والقوانين والإرادات الملكية وشهادات الاختراع والعلامة الفارقة والجنسية وأحكام المحاكم وسجلات التسوية وسنداتها وسجلات الطابو الدائمية وسنداتها ، تكون حجة على الناس كافة بما دون بها ، ما لم يطعن فيها بالتزوير .

       التقنين المدنى للملكة الليبة المتحدة : م 379 و 380 : مطابقتان للمادتين 392 و 393 من التقنين المدنى المصرى .

       ويتبين من مطالعة هذه النصوص أن أحكام التقنينات العربية الأخرى فى هذه المسألة تطابق أحكام التقنين المصرى ، وذلك فيما عدا فروقاً بسيطة فى التقنين اللبنانى .

([252]) التقنين المدنى الفرنسى ـ م 134 : إذا كان أصل السند باقياً ، فلا يكون لصوره من الحجية إلا بما ورد فى الأصل ، ويجوز دائماً المطالبة بابراز الأصل : 1335 : إذا فقد أصل السند ، كانت الصور حجة على الوجه الآتى : 1 ـ يكون للصور التنفيذية أو الصور الأولى حجية السند الأصلى . وكذلك الحال بالنسبة إلى الصور التى أمر بأخذها القاضى بحضور أصحاب الشأن أو بعد دعوتهم للحضور ، وبالنسبة إلى الصور التى أخذت بحضور أصحاب الشأن وبتراضى منهم . 2 ـ الصور التى أخذت ، بعد تسليم الصور التنفيذية أو الصور الأولى ، ومن غير أمر القاضى أو تراضى الخصوم ، من أصل السند بواسطة الموثق الذى تلقاها أو أحد من خلفائه أو موظف عام يحفظ بحكم وظيفته أصول السندات ، يجوز أن تكون لها حجية الأصل ، إذا فقد الأصل ، بشرط أن تكون قديمة . وتعتبر قديمة إذا كان قد مضى عليها أكثر من ثلاثين سنة . فإن كان قد مضى عليها أقل من ثلاثين سنة ، فلا تصلح إلا مبدأ ثبوت بالكتابة . 3 ـ إذا كانت الصور المأخوذة من أصل السند لم يأخذه الموثق الذى تلقاها أو أحد من خلفائه أو موظف عام يحفظ بحكم وظيفته أصول السندات ، فهى لا تصلح ، مهما كانت قدمية ، إلا مبدأ ثبوت بالكتابة . 4 ـ أما صور الصور فيجوز الاستئناس بها تبعاً للظروف . ( انظر أيضاً المادة 1336 من التقنين المدنى الفرنسى . وهى تقابل المادة 176 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى ، وقد تقدم ذكرها ) .

       وهذا هو الأصل الفرنسى لهذه النصوص :

Art.  1334:  Les copies, lorsque le titre original subsiste, ne font foi que de ce qui est contenu au titre, don’t sa representation peut tougours etre exigee.                                                                                               

Art.  L335:  Lorsque le titre original n'existe plus, les copies font foi        d'apres les distinctions suivantes:                                                           

Lo. Les grosses ou primieres expeditions font sq meme foi que l'original , ll en est de meme des copies qui ont ete tirees par l'autorite du magistrat, parties presentes ou dument appelees, ou de celles qui ont ete tirees en presence des parties et de leur consentiment reciprogue.     2o.  Les copies qui, sans l'autorite du magistrate, ou sans le consentement des parties, et depuis la deliverance des grosses ou primieres expeditions, auront ete tirees sur la minute de l'acte par le notaire aui l'a recu, ou par l'un de ses successeurs, ou par officiers publics publics qui, en cette qualite, sont depositaires des minutes, peuvent, en cas de perte de l'original, faire foi quand dlles sont anciennes Elles sont considerees comme anciennes quand elles ont plus de trente ans.  Si elles ont moins de trente ans, elles ne peuvent server aue de commencement de prevue par ecrit.                                 

        3o.  L orsque les copies tirees sur la minute d'un acte ne l'auront pas ete par le notaire aui l'a recu, ou par l'um de ses successeurs ou par officiers publics qui, en cette qualite, sont depositaires des minutes, elles ne peuvent server, quelle que soit leur anciennete, que de commencement de preuves par ecrit.                                                      

       4o.  Les copies des copies pourront, suivant les circonstances, etre considerees comme simples renseignements.                                 

([253]) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : (( والأصل في حجية الورقة الرسمية أن تكون قاصرة على نسخها الأصلية ، كما تقضى بذلك صراحة المادة 1925 من التقنين الهولندى . ويتفرع على ذلك أن الصور الخطية أو الشمسية والصور التنفيذية والصور الأولى لا تكون بذاتها حجة فى الإثبات ، مع أن موظفاً عاماً يستوثق من مطابقتها للأصل . ولهذه العلة ذكر النص على وجه التحديد أن الصور تكون حجة بالقدر الذى يعترف فيه بمطابقتها للأصل ، مع مراعاة القيد الآتى : فلذى الشأن من الطرفين أن يطلب مراجعة الصورة على الأصل فى مواجهة الطرف الآخر . ومؤدى هذا أن مجرد إنكار مطابقة الصورة للأصل يكفى للإلزام بتقديم الأصل ولو لم يكن هذا الإنكار معززاً بدليل )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 361 ) .

       والمشروع التمهيدى ـ كما رأينا ـ لم يلزم القاضى باستحضار الأصل ، بل أجاز له ذلك ، فجعل استحضار الأصل محلا لتقديره . ولكن المشروع النهائى جعل استحضار الأصل لزاماً على القاضى .

([254]) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : (( ويراعى أن النص سوى فى الحكم بين الصور الشمسية ( الفوتوغرافية ) والصور الخطية إزاء شيوع الركون إلى طريقة التصوير الشمسى بالنسبة للأوراق الرسمية فى مصر . وقد قضت المادة 440 من التقنين المركشى على انسحاب الحكم نفسه على الصورة الشمسية للأوراق المنقولة عن الأصل )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 360 ـ ص 361 ) .

([255]) حتى ولو لم يكن مفقوداً ، ما دام أن تقديمه متعذر . ومن هنا عدلت العبارة التى في صدر المادة 393 فصارت : (( إذا لم يوجد أصل الورقة الرسمية )) ، وكانت فى المشروع التمهيدى : (( أما إذا فقد الأصل )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 363 ) .

([256]) وقد كان المشروع التمهيدى فى الفقرة الثانية من المادة 535 ، على ما رأينا ، يجرى على الوجه الآتى : (( ويجوز لكل من الطرفين أن يطلب مراجعة الصورة على الأصل ، على أن يتم ذلك فى مواجهتهما . وفى هذه الحالة يجوز للقاضى أن يأمر باستحضار الأصل )) . فمجرد المنازعة فى المطابقة لا يكفى لإسقاط القرينة ، بل يترك ذلك إلى تقدير القاضى ، فأن رأى استبقاء القرينة قائمة دون مضاهاة فعل ، وإلا استحضر الأصل وضاهى عليه الصورة . وفى هذا المعنى تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ما يأتى : (( بيد أن العمل جرى على الاعتداء بحجية الصور الخطية والشمسية واعتبارها مطابقة للأصل متى انتفت كل شبهة فى حقيقة هذه المطابقة . فليست قيمة هذه الصور فى الإثبات بموقوتة أو مغياة بمجرد المنازعة فى مطابقتها لأصولها . على أن المشروع قصد إلى تحامى استغلال مجرد الإنكار فى إطالة أمد الخصومات واللدد فيها ، فنص فى الفقرة الثانية من المادة المتقدم ذكرها على أنه ( يجوز للقاضى أن يأمر باستحضار الأصل ) . فللقاضى والحال هذه سلطة تقدير جدية الإنكار ، دون أن يخل ذلك بواجه فى الاعتداء بما لمن يحتج عليه بالصورة الشمسية أو الخطية من حق غير منازع فى المطالبة بتقديم الأصل . فإذا انتفى كل شك فى أن الإنكار لا يقصد منه إلا إلى إطالة أمد النزاع ، كان للقاضى ألا يأمر باستحضار الأصل . وليس فى أن من الأنسب تخويل القاضى سلطة التقدير فى هذا الشأن ، ولا سيما أن شيوع طريقة التصوير الشمسى يقضى على الكثير من أسباب الخطأ فى الصور التى تنقل بالخط أو بالآلة الكاتبة )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 361 ) .

       وقد رأينا أن المشروع النهائى أدخل تعديلا على المشروع التمهيدى فى هذه المسألة ، وجعل لزاماً على القاضى استحضار الأصل للمضاهاة بمجرد منازعة الخصم فى المطابقة . وبهذا المعنى صدر التقنين الجديد . وبوجه هذا الرأى اعتبار منطقى : إن الاحتجاج بورقة ، ولو كانت رسمية ، على خصم إنما يكون بتوقيع هذا الخصم عليها ، والصورة لا تحمل هذا التوقيع ، والذى يحمل التوقيع هو الأصل ، فما دام الأصل موجوداً ، وطلب الخصم استحضاره ، فالأصل وحده هو الذى يحتج به عليه ، ووجب استحضاره لمضاهاة الصورة عليه . حتى إذا تبين من المضاهاة مطابقة الصورة للأصل ، فالأصل لا الصورة هو الذى يحتج به على الخصم فالحجية إذن ، حتى عند مطابقة الصورة للأصل ، إنما تثبت للأصل دون الصورة كما قدمنا .

([257]) وقد ورد فى الموجز للمؤلف شرحاً للتقنين القديم فى هذا الصدد ما يأتى : (( وقد رأينا فيما قدمناه أن ذوى الشأن فى الورقة الرسمية لا يحصلون إلا على صور منها ، أما الأصل فيبقى محفوظاً في قلم كتاب المحكمة . فإذا كان الأصل موجوداً لم تقم الصورة مقامه فى الإثبات إلا إذا سلم الخصم بمطابقة الصورة للأصل . فإذا لم يسلم بذلك ، وطلب الرجوع إلى الأصل وهو وحده الذى يحمل توقيعه ، أجيب إلى طلبه ، وانتدبت المحكمة قاضياً لاستلام الأصل مع كتابة صورة منه توضع مكان الأصل مؤقتاً حتى يرد الأصل )) . ( الموجز فقرة 629 ص 661 ـ ص 662 ) . وواضح ما ورد فى الموجز أن الصورة تنتفع بادئ ذى بدء بقرينة المطابقة ، وتنتفى هذه القرينة بمجرد إنكار الخصم مطابقة الصورة للأصل ، وعندئذ يؤتى بالأصل لمضاهاة الصورة عليه . والحجية ، حتى عند التحقق من المطابقة ، إنما تثبت ، فى التقنين القديم كما فى التقنين الجديد ، للأصل لا للصورة ( قارن استئناف مختلط 21 ديسمبر سنة 1948 م 61 ص 32 ) .

       وهذا هو أيضاً حكم القانون المدنى الفرنسى ( أوبرى ورو 12 فقرة 760 ص 279 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1498 ) .

([258]) وفى هذا تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى : (( يقع على من يتمسك بالصور الخطية أو الشمسية عبء إقامة الدليل على فقد الأصل )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 365 ) .

([259]) وعقب التوثيق كما قدمنا . ولا توضع عليها الصيغة التنفيذية ، إما لأن ذا الشأن لا حاجة به للتنفيذ ، وإما لأن موضوع الورقة لا يدع محلا للتنفيذ كالتوكيل الرسمى .

([260]) وهذا هو الرأى الذى ذهب إليه الأستاذ سليمان مرقس فى كتابه أصول الإثبات ( فقرة 502 مكررة ص 67 ـ ص 69 ) ، ونفى أن يكون المقصود من النص الاقتصار ، فى إعطاء حجية الأصل ، على الصورة التنفيذية (grosse) والصورة الأصلية الأولى (premiere expedition) ، بل جعل النص يعم الصورة الأصلية البسيطة (simple expedition) ، والصورة الرسمية التى تحرر بضور التقاضى المنتدب عند صدور قرار من سلطة قضائية بضم الأصل إلى ملف الدعوى . وهذا الرأى فى نظرنا هو الصحيح ، فإن عبارة (( الصور الرسمية الأصلية ، تنفيذية كانت أو غير تنفيذية )) الواردة فى النص عبارة عامة تشمل هذه الحالات جميعاً . ولا يوجد ما يبرر قصرها على الحالتين الأوليين ـ الصورة التنفيذية والصورة الأصلية الأولى ـ دون غيرهما . (أنظر أيضاً فى هذا المعنى الدكتور عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات فقرة 95 ) .

       وقد قصر الأستاذ أحمد نشأت ( الإثبات ذ فقرة 172 ـ فقرة 172 ) هذه العبارة على الحالتين الأوليين (الصور التنفيذية والصورة الرسمية الأولى ) ، وأخرج من النص حالة الصورة الأصلية البسيطة ـ والظاهر أنه يرى وجوب اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة عن طريق الاجتهاد لا عن طريق النص انظر ص 163 ـ كما أخرج حالة الصورة الرسمية التى تحرر بحضور القاضى المنتدب ورجع فيها إلى المادة العاشرة من قانون التوثيق وتنص صراحة على أن تقوم الصورة مقام الأصل لحين رده .

       وقد تأثر الأستاذ أحمد نشأت فى رأيه هذا بما كان عليه التقنين القديم ، فسنرى أن هذا التقنين كان ، على غرار التقنين الفرنسى ، يفرق بين الصورة الأصلية الأولى تنفيذية كانت أو غير تنفيذية فيوليها حجية الأصل ، وبين الصورة الأصلية البسيطة فلا يوليها حتما حجية الأصل ولكن لا ينزل بها عن مرتبة مبدأ الثبوت بالكتابة (وفى التقنين الفرنسى تكون لها حجية الأصل إذا مضى عليها ثلاثون سنة وإلا فهى مبدأ ثبوت بالكتابة ) . وقد كان النص العربى للمشروع التمهيدى ـ كما لاحظ بحق الأستاذ سليمان مرقس فى كتابـه أصـول الإثبـات ص 69 ـ يؤيد هذا الرأى . فقد وردت المادة 536 من هذا المشروع ـ وهى أصل المادة 393 ـ على الوجه الآتى : (( يكون للصورة التنفيذية أو للصورة الأولى حجية الأصل )) ، ( أنظر أيضاً المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 365 ) ، وكان هذا يغاير الأصل الفرنسى للنص وهو : Les grosses et toutes expeditions font la meme foi que l'original :  فلم يفرق هذا النص الفرنسى بين صورة أصلية أولى وصورة أصلية بسيطة ، بل جعل لكل الصور الأصلية حجية الأصل ، وهذا نقلا عن المادة 291 من المشروع الفرنسى الإيطالى كما سبق القول . وقد عدل النص العربى فى لجنة المراجعة ـ كما رأينا ـ فأصبح الأصل )) . ومن ثم لم يعد هناك محل للتمييز بين الصورة الأصلية الأولى والصورة الأصلية البسيطة ، فكلاهما له حجية الأص .

       على أن الأستاذ سليمان مرقس ( أصول الإثبات ص 68 هامش رقم 1 ) لا يزال يفضل ـ من الناحية التشريعية لا من الناحية التفسيرية ـ للتشريع القائم ـ التمييز بين الصورة الأصلية الأولى ، ويوليها حجية الأصل ، والصورة الأصلية البسيطة ، ويجعلها خاضعة لتقدير القاضى ، (( إذ يمكن ـ كما يقول ـ أن نتصور أن يتواطأ الموظف المختصى مع أحد ذوى الشأن ويعطيه صورة محورة من عقد رسمى محفوظ لديه ليست هى الصورة المحورة حجية الأصل ويغطى ما وقع فيها من تحوير فلا يجز إثبات عدم صحتها إلا بالطعن بالتزوير )) . ومهما قيل من أن احتمال تواطؤ الموظف المختص يكون أكبر فى الصورة الأصلية البسيطة منه فى الصورة الأصلية الأولى ، فلا شك فى أن إثارة هذا التواطؤ ـ أياً كانت احتمالاته ـ لا يجوز أن تكون إلا عن طريق الطعن بالتزوير .

([261]) وقد تكون ، تبعاً للظروف ، مبدأ ثبوت بالكتابة ، إذا توافرت فيها الشروط الواجبة لذلك .

([262]) وذلك بخلاف ما إذا كان الأصل موجوداً ، فقد قدمنا أن الصورة تستمد حجيتها لا منها ذاتها بل من الأصل الموجود .

([263]) مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 266 . وقد سبق ذكر ذلك .

([264]) وقد كان المشروع التمهيدى ( م 536 بندب ) يجيز أيضاً للقاضى ، من غير طلب الخصوم ، أن يأمر بإحضار الصورة الأصلية للمضاهاة . ولكن المشروع النهائى خرج خلواً من هذا الجواز ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك ( أنظر مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 364 وص 365 ) .

([265]) ويرى الأستاذ سليمان مرقس ( أصول الإثبات ص 70 ) أنه (( إذا كانت الصورة الأصلية فى هذه الحالة قد فقدت كما فقد أصل الورقة الرسمية ، أمكن اعتبار الصورة غير الأصلية بمثابة صورة أصلية من الصورة الأصلية المفقودة وإجراء حكم الفقرة (1) عليها ، فتكون لها حجية هذه الصورة الأخيرة متى كان مظهرها الخارجى لا يسمح بالشك فى مطابقتها لها )) . ولا نميل للأخذ بهذا الرأى دون نص صريح يقضى به ، فقد رأينا أن الأخذ بحكم مماثل فى حال تحديد حجية الصورة الأصلية عند فقد الأصل كان مستنداً إلى نص صريح ، وعد مع ذلك نصاً جرئياً .

       ويرى الأستاذ أحمد نشأتت ( الإثبات 1 فقرة 173 ) أن الصورة الثانية فى هذه الحالة يجب أن يعترف لها بقيمة مبدأ الثبوت بالكتابة على الأقل . وهذا هو أيضاً رأى الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة ( الإثبات ص 104 ) .

       وقد تقضى الظروف باعتبار الصورة الثانية إثباتاً كاملا للحق إذا كان صاحب الحق نفسه متعنتاً لا يريد تقديم المستند الأصلى . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا رفض التاجر المفلس أن يقدم السند الأصلى لعقد البيع الصادر له ، كان للسنديك أن يقدم صورة تسجيل هذا العقد ( والتسجيل ذاته صورة أصلية من السند الأصلى فصورته تكون إذن صورة للصورة الأصلية ) مستنداً لحق التاجر المفلس فى ملكية الشئ المبيع إذا رفع الغير دعوى استحقاق يطالب بهذه الملكية ( استئناف مختلط 2 يناير سنة 1901 م 13 ص 95 ) .

([266]) أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 365 .

([267]) ويدخل فى ذلك أية صورة أخذت ، مباشرة أو بطريق غير مباشر ، من صورة مأخوذة من صورة للصورة الأصلية ، مهما تعددت التى تفصل ما بين الأصل والصورة التى يراد الاحتجاج بها .

([268]) وهذا هو الرأى الذى يقول به الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة ( الإثبات ص 104 ) ـ هذا وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى بعد ذلك ما يأتى : (( أما المقتطفات والمستخرجات والصور الجزئية فللقاضى سلطة تقديرها . وغنى عن البيان أن هذه المقتطفات والصور تقتصر قيمتها على الشق الذى ينقل فيها عن الأصل )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 365 ) .

([269]) ويقضى التقنين المدنى الفرنسى ( م 1335 وقد تقدم ذكرها ) بأنه إذا لم يوجد الأصل ، فإن الصور التى تكون لها حجية الأصل هى : (1) الصورة التنفيذية (grosse) . (2) الصورة الأولى (premiere expedition) . (3) الصورة الأصلية المحررة بأمر القاضى فى حضور أصحاب الشأن أو بعد دعوتهم للحضور (4) الصورة الأصلية المحررة فى حضور أصحاب الشأن وبتراضيهم . (5) الصورة الأصلية المحررة بغير أمر القاضى وبغير تراضى الخصوم وفى غير حضورهم إذا أخذت بواسطة الموثق (notaire) ، أو موظف عام مختص ، وكانت قديمة أى مضى على تحريرها أكثر من ثلاثين سنة . وهناك صور أصلية لا تكون قيمتها إلا مبدأ ثبوت بالكتابة ، وهى : (1) الصورة الأصلية المحررة على الوجه المتقدم الذكر فى الطائفة الخامسة من الصور التى تكون لها حجية الأصل إذا لم تكن الصورة قديمة ، أى لم يمض على تحريرها أكثر من ثلاثين سنة (2) الصورة الأصلية التى حررها غير الموثق وغير الموظف العام مهما يكن تاريخ تحريرها .

       أما صور الصور فلا يعتد بها إلا للاستئناس . ويستثنى من ذلك : (1) صورة التسجيل فى الورقة المسجلة ، وتعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة وذلك قبل قانون 21 يولية سنة 1921 (2) إذا حررت صورة تنفيذية ثانية أو أصل ثان بأمر رئيس المحكمة المدنية ( م 844 مرافعات فرنسى ) . فهذه صورة من الصورة ولكن لها حجية الأصل (أنظر بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1498 ـ فقرة ب1499 ص 946 ـ ص 947 ) .

([270]) وكذلك تثبت حجية الأصل للصورة التى يوقعها القاضى وكاتب الجلسة مع كاتب التوثيق عندخ تسلمهما الأصل لإجراء المضاهاة ( م 265/ 306 مرافعات قديم ) .

([271]) الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 172 ص 161 ـ ص 162 ـ الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 52 ص 64 ـ ص 66 ـ الأستاذ عبد المنعم فرج  الصدة فى الإثبات فقرة 93 ـ قارن الموجز للمؤلف ، وقد ورد فيه ، تفسيراً للمادة 231/ 296 من التقنين المدنى السابق ، ما يأتى : (( أما إذا فقد الأصل ، فإن الصورة التنفيذية (grosse) ، وهى الصورة الأولى التى يحصل عليها الخصوم وعليها الصيغة التنفيذية ، تقوم مقام الأصل فى الإثبات . وكذلك تقوم مقام الأصل تلك الصورة التى وضعت مكان الأصل مؤقتاً عند أخذ الأصل للرجوع إليه كما رأينا وذلك إذا ضاع الأصل . أما الصور الأخرى غير التنفيذية (ecpeditions) فللقاضى النظر فى درجة اعتمادها كما تقرر ذلك المادتان 231/296 ، فقد يعتبرها على الأقل مبدأ ثبوت بالكتابة )) ( الموجز ص 662 ) . ونستدرك على ما جاء فى الموجز أنه أغفل ذكر الصورة الأولى إذا لم تكن هى الصورة التنفيذية ، فهذه ، فى التقنين السابق ، كانت لها حجية الأصل شأنها فى ذلك شأن الصورة الأولى التنفيذية . والسبب فى أننا لم نر ، فى (( الموجز )) ، التمييز ما بين الصورة التنفيذية والصورة الأولى ، أننا اتبعنا فى عدم التمييز بينهما رأياً قديماً قال به لارومبيير ( جزء رابع م 1335 فقرة 1 ) ولوران ( جزء 19 فقرة 373 ) ـ أنظر أيضاً فى عدم التمييز بين الشيئين : كولان وكابيتان 2 فقرة 456 ص 431 ـ بودرى وبارد 4 فقرة 2491 ) .

([272]) قارن الاستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 173 ص 162 ـ ص 163 ـ وغنى عن البيان أن الأصل إذا كان موجوداً ، فى التقنين المدنى السابق ، فإن الحجية تنحصر فيه ، سواء عن طريق المضاهاة عليه أو عن طريق افتراض مطابقة الصورة له . ولا يختلف حكم التقنين المدنى السابق فى ذلك عن حكم التقنين المدنى الجديد .

([273]) ولا محل لمثل هذا التقسيم فى الأوراق الرسمية ، فكلها بوجه عام معد للإثبات .  

([274]) استئناف مختلط أول يونية سنة 1948 ـ ولم يشترط القانون المصرى غير التوقيع شرطاً لصحة الورقة العرفية . ولكن هذا لا يمنع من وجود شروط أخرى لتحقيق أغراض أخرى . فمثلا حتى تكون الورقة العرفية صالحة للشهر لا بد من تحريرها من نسخة أصلية بالمداد الأسود على ورق خاص مدموغ يطلب من مكاتب الشهر ومأمورياته (م 19 من اللائحة التنفيذية لقانون الشهر ) ، ويجب التصديق على التوقيعات ( م 29 من قانون الشهر ) ، كما يجب ذكر بيانات معينة (م 22 من قانون الشهر ) . وجزاء هذه الشروط عدم إمكان شهر الورقة ، ولكن ذلك لا يؤثر فى قوة إثباتها . مثل آخر : ما يشترطه قانون التجارة فى بعض الأوراق التجارية (م 105 و 134 و 190 تجارى ) . وقد يشترط فى الورقة العرفية شروط أخرى لجواز سماع الدعوى ، فقد قضت المادة الثانية من قانون الوصية ( رقم 71 لسنة 1946 ) بعدم جواز سماع الدعوى بالوصية أو بالرجوع عنه ، بعد وفاة الموصى بالنسبة إلى الحوادث الواقعة من سنة 1911 ، إلا إذا وجدت أوراق رسمية أو مكتوبة جميعها بخط المتوفى وعليها إمضاؤه كذلك تدل على ما ذكر ، أو كانت ورقة الوصية أو الرجوع عنها مصدقاً على توقيع المدعى عليها .

       ولا يشترط فى الورقة العرفية شهود ( استئناف مختلط 7 يناير سنة 1891 م 3 ص 121 ) ، أو تعدد نسخ الأصل أو الاعتماد الخطى لقيمة الالتزام ( استئناف مختلط 24 يناير سنة 1894 م 6 ص 120) .

 

([275]) اعتبر المشرع المصرى الختم كالإمضاء : أنظر المواد . 390 و 394 ـ 395 مدنى و261 ـ 262و 268 ـ 269و 274و 277و 279 مرافعات و 211و 215و 340 عقوبات . وقد تضمن المشروع الأول لنصوص الإثبات الذى وضعه الأستاذ استنويت (Stemuit) النص الآتى : (( لا تساوى بصمة الختم الإمضاء . فإذا كان موقع الورقة لا يعرف أن يكتب أو لا يستطيع ذلك بسبب عاهة فى جسمه ، وجب فوق توقيعه بختمه أن يكلف شخصاً مرخصاً له فى ذلك قانوناً أن يوقع بإمضائه بدلا منه . ويتعين فى هذه الحالة أن يذكر موقع الورقة بإمضائه أنه يعرف صاحب الختم أو أن يبين المستندات المثبتة لشخصيته وأن يوضح سبب صرف النظر عن هذا النص حى لا يؤدى إلى تعطيل التعامل ( الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 75 هامش رقم 2 ) .

       وفى القانون الفرنسى لا يجوز التوقيع بالختم أو بأية علامة . وتنص المادة 144 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى على أن (( الفريق الذى لا يعرف أن يوقع بامضائه يستبدل الإمضاء بوضع طابع أصبعه )) .

([276]) أما التوقيع ببصمة الأصبع فلم يكن التقنين القديم ينص عليه . ولكن ظهر فى العمل أنه أكثر ضماناً من التوقيع ببصمة الختم ، حيث أثبت العلم أن بصمات الأصابع لا تتشابه ، وذلك جرت المحاكم على التعويل على بصمة الأصبع . وكان قانون المواليد والوفيات القديم ( لسنة 1912 ) ينص على جواز التوقيع ببصمة الأصبع ، أما قانون المواليد والوفيات الجديد ( لسنة 1946 ) الذى حل محله فلم يبين كيف يكون التوقيع . ونصت المادة 225 عقوبات على أن تعتبر بصمة الأصبع كالإمضاء فى تطبيق أحكام التزوير ( نقض جنائى 24 أبريل سنة 1944 مجموعة عمر 6 رقم 338 ص 462 ) . وقد قررت الجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف المختلطة فى 5 مارس سنة 1926 قبول بصمات الأصبع فى التوقيع على العقود المراد التصديق عليها لإمكان تسجيلها ، وذلك من الأشخاص الأميين الذين ليست لهم أختام ، واعتبار هذه البصمات كالإمضاءات أو الأختام ، بشرط أخذ صورة طبق الأصل من هذه البصمات على سجل خاص مع توقيعات الشهود ، وذلك حال إجراء عملية التصديق فى جهة خلاف أقلام الرهون المختلطة أو المأموريات التابعة لها ، وأصدرت بذلك محكمة الاستئناف المختلطة منشوراً رقم 691 سنة 51 قضائية بتاريخ 13 أبريل سنة 1926 . أما فى فرنسا فقد قضت محكمة النقض بأن بصمات الأصبابع لا تعادل الإمضاء ( نقض فرنس 15 مايو سنة 1934 داللوز 1934 ـ 1 ـ 113 ) ـ أنظر فى هذه المسألة الأستاذ محمد كامل مرسى فى شهر التصرفات ص 226 ـ الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 176 ص 105 ـ الأستاذ سلميان مرقس فى أصول الإثبات ص 75 هامش رقم 3 وهامش رقم 4 .                                                         ( م 12 الوسيط ـ جـ  2 )

([277]) ولا يغنى عن التوقيع علامة يضعها المدين ، كما لا يصح اعتبار مثل هذه العلامة مبدأ ثبوت بالكتابة إذ لا قيمة لها قانوناً . ويسرى هذا الحكم على الختم المطموس ، إذ هون لا يخرج عن أن يكون مجرد علامة مستديرة غير مقروءة أصلا ( محكمة دمياط الجزئية فى 24 مايو سنة 1934 المجموعة الرسمية 36 رقم 8 ص 193 ـ المحاماة 15 رقم 29/2 ص 62 ) .

([278]) ويشترط فى التوقيع فى مصر أن يشتمل على الاسم واللقب كاملين ( الموجز ص 664 ) . وجرت العادة عند الغربيين أن يكون التوقيع بالحرف الأول من الأسم وباللقب كاملا ( الأستاذ سليمان مرقس أصول الإثبات ص 74 ) .

([279]) على أن أثر التصرف القانونى قد ينصرف إلى من وقع باسم غيره إذا كان الطرف الآخر فى التصرف حسن النية ويجهل عدم صحة التوقيع ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1458 ) .

([280]) ولكن لا يكون تاريخ الورقة حجة على الغير ، إلا إذا أسبح هذا التاريخ ثابتاً بعد استكمال جميع التوقيعات (بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1458 ص 896 ) .

([281]) ولا يشترط لصحة الورقة العرفية أن تكون مستوفية لشروط قانون التمغة . فإذا لم يوضع على الورقة العرفية طابع التمغة الذى نص عليه القانون ، لم تكن الورقة باطلة ، ولكن هناك غرامة على من أخل بهذا الواجب .

       وقد نظم القانون الفرنسى طريقة لتسجيل (enregistrement) الأوراق ( راجع فيها بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة وجابولد 7 فقرة 1461 ـ فقرة 1462 ص 899 ـ ص 901 ) .

([282]) وقد نصت المادة 340 من قانون العقوبات على أن (( كل من اؤتمن على ورقة ممضاة أو مختومة على بياض ، فخان الأمانة وكتب فى البياض الذى فوق الختم أو الإمضاء سند دين أو مخالصة أو غير ذلك من السندات والتمسكات التى يترتب عليها حصول ضرر لنفس صاحب الإمضاء أو الختم أو لماله ، عوقب بالحبس ، ويمكن أن يزاد عليه غرامة لا تتجاوز خمسين جنيهاً مصرياً . وفى حالة ما إذا لم تكن الورقة الممضاة أو المختومة على بياض مسلمة إلى الخائن وإنما استحصل عليها بأية طريقة كانت ، فإنه يعد مزوراً ويعاقب بعقوبة التزوير )) .

([283]) وهذه القواعد ذاتها تراعى فى إثبات الجريمة الجنائية المنصوص عليها فى المادة 340 من قانون العقوبات ، وقد مر ذكرها ـ هذا وإذا كانت الحيلة (dol) قد استعملت فى الحصول على الورقة الموقعة على بياض ، فيجوز عندئذ إثبات الغش بجميع طرق الإثبات .

([284]) أوبرى ورو 12 فقرة 756 ص 185 ـ ص 186 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1459 ص 898 .

([285]) الموجز للمؤلف ص 666 .

([286]) استئناف مختلط 15 يناير سنة 1926 م 38 ص 470 ـ 13 ديسمبر سنة 1939 م 52 ص 47 .

([287]) أوبرى ورو 12 فقرة 756 ص 186 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1459 ص 898 .

([288]) وقد كان المشروع الأولى لنصوص الإثبات الذى وضعه الأستاذ استنويت (stenuit) يتضمن نصوصاً تورد هذين الشرطين كما قدمنا . ولكن لجنة تنقيح التقنين المدنى حذفت هذه النصوص ، فخرج المشروع التمهيدى خلواً منها . وبقى الأمر كذلك فى جميع مراحل التنقيح ، حتى استقر التقنين المدنى المصرى الجديد وليس فيه هذان الشرطان .

([289]) ولم يكن هذا الشرط موجوداً فى القانون الرومانى ولا فى القانون الفرنسى القديم ، وقـد استحدثـه القضـاء ( برلمان باريس ) لأول مرة فى 30 أغسطس سنة 1736 .

([290]) النسخة (double) غير الصورة (copie) ، إذ هى أصل (original) لا صورة .

([291]) وتؤسس هذه القاعدة على جواز أن يقول الطرف الذى لم يحتفظ بنسخته إن العقد لم يكن إلا مشروعاً لم يتم ، ولو أنه كان قد تم لاحتفظ بنسخته للاحتجاج بها ( أوبرى ورو 12 فقرة 756 ص 188 هامش رقم 13).

([292]) ولكن إذا كان أحد الطرفين فى العقد الملزم للجانبين قد اقتضى حقه قبل كتابة الورقة أو فى أثناء كتابتها ، ولم تعد له مصلحة فى الاحتفاظ بنسخته ، فإن تعدد النسخ لا يكون فى هذه الحالة لازماً . فإذا كان البائع مثلا قد استوفى الثمن كله ولم يعد له أى حق فى ذمة المشترى ، اقتصر على تحرير نسخة واحدة من عقد البيع يحتفظ بها المشترى ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1465 ص 903 ـ ص 904 ) .

       كذلك إذا لم تتعارض المصالح فى الجانب الواحد لا تتعدد نسخ هذا الجانب . فالبائعون لعين فى الشيوع لا تتعدد نسخهم . وفى شركة التوصية تكفى نسخة واحدة لجميع الشركاء المديرين ، نسخة أخرى لجميع الشركاء الموصين ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1466 ص 904 ـ فقرة 906 ) .

       ويستثنى من قاعدة تعدد النسخ العقود التجارية ، والرسائل ، والعقود القضائية ، والأوراق الرسمية الباطلة إذا صلحت أن تكون أوراقاً عرفية وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك .

       ويمكن تفادى شرط تعدد النسخ بكتابة نسخة واحدة وإيداعها عند أمين يحفظها لحساب جميع المتعاقدين (بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1467 ـ فقرة 1468 ص 906 ـ ص 907 ) .  

([293]) ولكن العقد الملزم للجانبين يبقى قائماً ، ويجوز إثباته بطرق أخرى غير الكتابة كالإقرار , اليمين . بل يجوز إثباته بالبينة والقرائن إذا كانت قيمة الالتزام لا تجاوز النصاب المحدد للإثبات بهذه الطرق ( أى 5000 فرنك ) ( أوبرى ورو 12 فقرة 756 ص 198 ـ ص 199 ) .

       ولكن هل يجوز أن تعتبر الورقة مبدأ ثبوت بالكتابة ، فتستكمل بالبينة أو بالقرائن ، حتى لو جاوزت قيمة الالتزام هذا النصاب المحدد ؟ يذهب القضاء الفرنسى فى معظمه وطائفة من الفقهاء إلى جواز اعتبار الورقة مبدأ ثبوت بالكتابة فى هذه الحالة ( أنظر فى هذه المسألة بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1470 ص 909 ـ ص 911 ) .

([294]) بل قد جرى العمل ، قبل قانون التسجيل الذى صدر فى سنة 1923 ، على أن يكتفى ، فى عقود البيع التى تم فيها دفع الثمن ، بنسخة واحدة موقعة من البائع ولو لم يوقعها المشترى . وقد اكتفى القانون المذكور بتحرير العقود واجبة التسجيل من نسخة واحدة يوقع عليها جميع المتعاقدين ، ثم تحفظ بقلم التسجيل وتعطى منها صورة فوتوغرافية لكل من يطلب ذلك فى مقابل رسم معين . وكذلك فعل قانون الشهر العقارى الذى حل محل قانون التسجيل ( الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 79 ) .

([295]) أنظر فى كل هذا أوبرى ورو 12 فقرة 756 ص 188 ـ ص 205 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1464 ـ فقرة 1470 ـ ص 911 ـ الموجز للمؤلف ص 664 ـ ص 665 .

([296]) وكان هذا للقضاء على العادة التى فشت ، فى القرن الثامن عشر فى فرنسا ، فى إساءة استعمال التوقيع على بياض . فصدر بهذه القاعدة تصريح ملكى (declaration royale) فى 22 سبتمبر سنة 1733 . ويتبين من ذلك أن هذه القاعدة وقاعدة تعدد النسخ قاعدتان متعاصرتان ، ظهرتا أخيراً ، الأولى فى سنة 1733 ، والثانية فى سنة 1736 .

([297]) وإذا لم يستوف هذا الشرط فالبطلان لا يلحق إلا الورقة العرفية كدليل للإثبات ، أما التصرف القانونى ذاته فيبقى ويجوز أن يكون قابلا للإثبات بطرق أخرى . وتعتبر الورقة التى لم تستوف الشرط مبدأ ثبوت بالكتابة . وإذا تغاير مقدار الالتزام المعتمد مع المقدار المذكورة فى صلب الورقة ، أخذ بأقل المقدارين لأن ذلك فى مصلحة المدين ، حتى لو كانت الورقة بخطه . أنظر فى كل ذلك أوبرى ورو 12 فقرة 756 ص 205 ـ ص 217 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1471 ـ فقرة 1479 ـ ص 911 ـ ص 917 . وفى تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى ( 148 ) م يؤخذ بالمقدار الأول .

([298]) يضاف إلى ذلك أن احتمال تزوير الورقة العرفية أكبر بكثير من هذا الاحتمال بالنسبة إلى الورقة الرسمية ، لذلك كان افتراض صحة الورقة أقرب إلى الحقيقة من افتراض صحة الورقة العرفية . ومن ثم كانت صحة التوقيع على الورقة العرفية عرضة للتزلزل بمجرد إنكار صاحب التوقيع لتوقيعه ، ويجب فى هذه الحالة تحقيق الورقة عن طريق إجراءات تحقيق الخطوط . أما التوقيع لتوقيعه ، ويجب فى هذه الحالة تحقيق الورقة عن طريق إجراءات تحقيق الخطوط . أما التوقيع على الورقة الرسمية فتفترض صحته حتى يطعن فيه بالتزوير . على أن التوقيع على الورقة العرفية تفترض صحته افتراضاً مؤقتاً ، ويزول هذا الافتراض ، بمجرد إنكار صاحب التوقيع كما قدمنا ( بودرى وبادر 4 فقرة 2337 ـ فقرة 2340 ) .

([299]) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 529 من المشروع التمهدى على الوجه الآتى :

       (( 1 ـ من احتج عليه بورقة عرفية لم يرد أن يعترف بها وجب عليه أن ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة . 2 ـ أما الوارث أو الخلف فيكفى منه أن يحلف يميناص بأنه لا يعلم أن الخط أو الإمضاء أو الختم أو البصمة هى لمن تلقى عنه الحق )) . وفى لجنة المراجعة أدمجت الفرتان فى فقرة واحدة مع تحويرات لفظية تزيد الحكم الوارد فيها دقة ووضوحاً ، وأصبح النص فى المشروع النهائى ، تحت رقم 407 ، مطابقاً للنص الذى استقر فى التقنين الجديد . ووافق عليه مجلس النواب، ثم لجنة الشيوخ تحت رقم 394 ، ثم مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 367 ـ ص 371 ) .

([300]) كانت المادة 227/292 ، من التقنين المدنى القديم تجرى على الوجه الآتى : (( والمحررات الغير الرسمية تكون حجية على المتعاقدين بها ما لم يحصل إنكار الكتابة أو الإمضاء )) . ولم يستحدث التقنين الجديد شيئاً ، غير أنه جاء أدق فى الأسلوب وأكثر تفصيلا للأحكام . فهو يميز بين صدور الورقة ممن وقعها ، وهذا مفترض حتى يلجأ صاحب التوقيع إلى إنكار الورقة ، وبين صحة الوقائع المدونة فى الورقة ، وهذا لم يعرض له النص الجديد بل تركه للقواعد العامة وهى تقضى بأنه يجوز إثبات العكس بالطرق المقررة قانوناً . والنص الجديد يميز أيضاً ، عند إنكار الورقة ، بين صاحب التوقيع ويجب عليه أن ينكر صراحة أن الورقة قد صدرت منه ، وبين الورثة والخلف وهؤلاء يكتفى منهم بأن يحلفوا يميناً على عدم العلم . والنص الجديد يعدد أخيراً طرق التوقيع فيذكر الإمضاء والختم والبصمة ، وكان النص القديم لا يذكر إلا الإمضاء ، ولكن محكمة النقض قضت بأن المادة 227 من التقنين المدنى ( القديم ) إذا كان لم يرد بها ذكر لفظ (( الختم )) معطوفاً على (( الكتابة والإمضاء )) فان هذا قصور فيها ، علبته ـ على ما تراه محكمة النقض ـ هو مجرد السهو عن تكميل حكمها عند نقله عن القانون المختلط المنقول هو عن القانون الفرنسى . وليست العلة فيه أن الشارع المصرى يرى المغايرة في الحجية بين الأوراق الممضاة والأوراق المختومة ، وإلا لما فهم تماماً كيف أنه عند إصدار قانونى المرافعات والعقوبات بعد شهرين قد ذكر لفظ (( الختم )) معطوفاً على لفظى (( الإمضاء )) و (( الكتابة )) فى جميع المواد التى وضعها فى الفرع الخاص بتحقيق الخطوط وفى المواد الخاصة بجريمتى التزوير وخيانة الأمانة ( نقضى مدنى 26 أبريل سنة 1934 مجموعة عمر 1 رقم 174 ص 346 ) .

       ويتبين مما تقدم أن كل الأحكام التى قررها النص الجديد كانت مرعية فى ظل التقنين القديم دون نص ، ومن ثم لا يكون التقنين الجديد قد استحدث شيئاً كما قدمنا .

([301]) التقنينات العربية الأخرى ـ قانون البينات السورى م 9 : السند العادى هو الذى يشتمل على توقيع من صدر عنه أو على خاتمه أو بصمة أصبعه وليست له صفة السند الرسمى ـ م 10 :1 ـ من احتج عليه بسند عادى ، وكان لا يريد أن يعترف به ، وجب عليه أن ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو توقيع أو خاتم أو بصمة أصبع ، وإلا فهو حجة عليه بما فيه 2 ـ أما الوراث أو أى خلف آخر فيكتفى منه أن يقرر بأنه لا يعلم أن الخط أو التوقيع أو الختم أو البصمة هو لمن تلقى عته الحق 3 ـ من احتج عليه بسند عادى وبحث فيه ، لا يقبل منه إنكار الخط أو التوقيع أو الخاتم أو بصمة الإصبع )) . ولا يطلب قانون البينات السورى اليمين من الوارث عند الإنكار . وينص صراحة على أن من صدر منه السند وبحث فيه لا يقبل منه إنكاره بعد ذلك .

       التقنين المدنى العراقى م 455 : (( 1 ـ يعتبر السند العادى صادراً ممن وقعه ، ما لم ينكر صراحة هو أو من يقوم مقامه ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة إبهام . 2 ـ ويكتفى من الوراث أو الخلف بأن يحلف يميناً بأنه لا يعلم أن الخط أو الإمضاء أو الختم أو البصمة هو لمن تلقى عنه الحق إذا عجز المحتج بالسند عن الإثبات )) . ويختلف التقنين العراقى عن التقنين المصرى فى مسألة تفصيلية : يكتفى ، فى التقنين العراقى ، من الوراث والخلف فى البداية بمجرد الإنكار الصريح دون يمين ، وعند ذلك يتولى المحتج بالسند إثبات صحة صدور السند من المورث بالإجراءات المقررة فى قانون المرافعات . فإذا ما عجز عن الإثبات ، عند ذلك بطلب من الوارث أو الخلف أن يحلف يميناً على عدم العلم .

       تقين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى : م 149ـ (( إن الفريق الذى أدلى عليه بسند ذى توقيع خاص ، فبحث فى الأساس بغير أن يناقش فى صحة التوقيع ، لا يقبل منه بعد ذلك إنكار هذا التوقيع )) ـ م 150 ـ (( يجوز إنكار التوقيع الموضوع على السند قبل أية مناقشة فى الأساس ، فتجرى حينئذ معاملة التطبيق )) ـ م 151 : (( إذا تقررت صحة الإمضاء الموضوع على سند ذى توقيع خاص ، إما باعتراف الشخص المدلى عليه بهذا السند من تلقاء نفسه ، وإما بعد إجراء معاملة التطبيق ، فإن هذا السند يصبح مكتسباً ، تجاه المتعاقدين وتجاه الغير ، القوة الثبوتية التى تكون للسند الرسمى ، مع الاحتفاظ بإثبات صحة التارخ )) وقد نص التقنين اللبنانى على عدم جواز الإنكار بعد البحث فى موضوع السند ، ونص على قيمة السند بع الاعتراف به أو بعد تحقيق صحته ، ولم ينص على حالة ما إذا أراد الوارث إنكار توقيع مورثه .

       التقنين المدنى للملكة الليبية المتحدة : م 381 ( مطابقة لنص المادة 394 من التقنين المدنى المصرى ) .

       ويتبين من استعراض هذه النصوص أن التقنينات العربية ـ فميا عدا بعض فروق فى التفصيلات ـ متماثلة فى الحكام .

([302]) التقنين المدنى الفرنسى : م 1322 ـ السند العرفى ، المعترف به ممن شهد عليه أو الذى يعتبر معترفاً به قانوناً ، تكون له قوة السند الرسمى فيما بين الطرفين والورثة والخلف ـ م 1323 ـ من احتج عليه بسند عرفى يجب عليه إما أن يعترف به وإما أن ينكر صراحة خطه أو إمضاءه . أما الورثة والخلف فيجوز لهم أن يقتصروا على إعلان أنهم لا يعلمون أن الخط أو الإمضاء هو لمن تلقوا الحق عنه ـ م 1324 ـ فى حالة ما إذا أنكر الخصم خطه أو إمضاءه ، أو أعلن الورثة أو الخلف عدم العلم ، وجب المر بإجراء التحقيق قضائياً .

       وهذا هو الأصل الفرنسى لهذه النصوص :

       Art 1322 – L'acte sous seing prive, reconnu par celui auquel on l'oppose, ou legalement tenu pour reconnu, a, entre ceux qui l'ont souscrit et entre leurs heritiers et ayants cause, la meme foi que l'acte authentique.                                                                                            

       Art.  1323 J Celui auquel on oppose un acte sous seing prive est oblige d'avouer ou de desavouer formellement son ecriture ou sa signature.  Les heritiers ou ayants cause peuvent se contenter de declarer qu'ils ne connaissent point l'ecriture ou la signature de leur auteur.                     

       Art.  1324 J Dans le cas ou la partie desavoue son ecriture ou sa signature, et dans le cas l uses heritiers o uses heritiers ou ayants cause declarent ne les point connaitre, la verification en est ordonnee en justice.                                                                                                     

([303]) وقد ورد فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهديى فى هذا الصدد ما يأتى : (( وتقرر الفرقة الأولى من هذا المادة أن سكوت ذوى الشأن يعتبر فى الأصل إقراراً ، لأن من واجب من لا يريد الاعتراف بالورقة (( أن ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء )) ، فإذا أبى ذو الشأن أن يعترف بنسبة الخط أو الإمضاء أو أن ينكر هذه النسبة ، فيتعين اعتبار الورقة العرفية قد اعترف بها حكماً . وقد أخذت المادة 227 من التقنين القائم بهذه القرينة فقضت بأن (( المحررات الغير الرسمية تكون حجة على المتعاقدين بها ما لم يحصل إنكار الكتابة أو الإمضاء )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 368 ـ ص 369 ) .

([304]) ويكفى أن يسكت عند مواجهته بالورقة ، فلا يستطيع بعد ذلك أن يلجأ إلى الإنكار ، بل يجب عليه الطعن بالتزوير ( الأستاذ سليمان مرقس أصول الإثبات فقرة 61 ص 82 ـ أوبرى ورو 12 فقرة 756 ص 219 ـ ص 220 ـ وأنظر المادة 214 من تقنين المرافعات الفرنسى ) .

([305]) أما إذا كان التوقيع مصدقاً عليه ، فلا يجوز له الاكتفاء بالإنكار ، بل يجب عليه الطعن بالتزوير ، لأن التصديق على التوقيع يعتبر فى هذه الحدود بمثابة ورقة رسمية ـ وعلى كل حال فللمحكمة ألا تجيب طلب الإحالة إلى التحقيق متى رأت من ظروف الدعوى والأدلة التى استندت إليها ما يكفى لتكوين عقيدتها فيها بلاد حاجة إلى التحقيق متى رأت من ظروف الدعوى والأدلة التى استندت إليها ما يكفى لتكوين عقيدتها فيها بلا حاجة إلى التحقيق المطلوب ( نقض مدنى 17 ديسمبر سنة 1931 مجموعة عمر 4 رقم 20 ص 32 ) . ولقاضى الموضوع أن يقضى بصحة الروقة المقدمة فى الدعوى دون أن يكون ملزماً بالسير فى إجراءات التحقيق متى تبين ذلك بناء على أسباب مقبولة . فإذا طلب الخصم تأخير الحكم فى الدعوى ليطعن بالتزوير فى الورقة التى رفعت هذه الدعوى بناء عليها ، فمن حق القاضى أن يهدر هذا الطلب إذا رأى أن مقدمه لم يبغ به إلا مجرد المماطلة وكسب الوقت ( نقض مدنى 21 نوفمبر سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 77 ص 279 ـ 17 أكتوبر سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 101 ص 219 مع تعليق للأستاذ محمد حامد فهمى فى هامش ص 219 ـ 22 مايو سنة 1945 مجموعة عمر 3 رقم 118 ص 365 ـ استئناف مصر 4 مايو سنة 1929 مجموعة رسمية 30 ص 106 ـ 18 نوفمبر سنة 1937 مجموعة رسمية 38 رقم 5 ص 107 ـ استئناف مختلط 24 أبريل سنة 1889 م 1 ص 263 ـ 2 يناير سنة 1890 م 2 ص 306 ـ 5 فبراير سنة 1891 م 3 ص 182 ـ 15 أبريل سنة 1891 م 3 ص 304 ـ 23 يناير سنة 1895 م 7 ص 99 ـ 17 نوفمبر سنة 1937 م 50 ص 22 ـ 28 أبريل سنة 1945 م 57 ص 148 ـ 6 مايو سنة 1946 م 58 ص 141 ) .

([306]) وقد قضت محكمة النقضى بأنه متى كان الثابت أن الطاعن لم يقف عند حد إنكار توقيع مورثه على السند ، وإنما ذهب إلى الادعاء بتزويره ، فإن الحكم إذ ألقى عليه عبء إثبات هذا التزوير لا يكون قد خالف قواعد الإثبات ( نقض مدنى 24 ديسمبر سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 46 ص 297 ) ـ وقد قضت المادة 274 من تقنين المرافعات بأنه لا تسمع شهادة الشهود إلا فيما يتعلق بإثبات حصول الكتابة أو الإمضاء أو الختم أو بصمة الأصبع ، أما فى دعوى التزوير فيجوز قبول إثبات عدم قيام الدين الذى حررت عنه الورقة قرينة على التزوير . وقضت محكمة النقض بأن المادة 270 مرافعات ( 274 جديد ) خاصة بتحقيق الخطوط ولا مجال لتطبيقها فى دعوى التزوير . والمقصود منها هو احترام القاعدة العامة فى الإثبات بعدم تمكين من يتمسك بورقة أنكرها خصمه من أن يثبت بالبينة ، فى غير الأحوال التى يجوز فيها ذلك قانونا ، الالتزام المدون بها ، ولذلك جاء نصها مقصورا على أن البينة لا تسمع إلا عند إثبات واقعة الكتابة أو التوقيع دون الالتزام ذاته ، بخلاف الحال فى دعوى التزوير ، فإن الأمر فيها ـ إذا ما قبلت أدلة التزوير ـ يكون متعلقا بجريمة أو غش مما يجوز قانونا إثباته بجميع الطرق ومنها قرائن الأحوال كعدم قيام الدين الذى حررت عنه الورقة . وذلك يستتبع أن يكون الخصم مدعى التزوير الحق فى أن يثبت بجميع الطرق أيضا عدم صحة الدعوى عملا بالمادة 281 مرافعات (192 جديد) . وإذن فإذا كان التحقيق فى دعوى التزوير قد تناول غير الكتابة أو التوقيع وقائع أخرى ، واعتمدت عليها المحكمة ، فلا تثريب عليها فى ذلك ( نقض مدنى 29 يناير سنة 1942 مجموع عمر 3 رقم 139 ص 410 ـ أنظر أيضا نقض مدنى 26 أبريل سنة 1934 مجموعة عمر 1 رقم 174 ص 346 ) .

([307]) أوبرى ورو 12 ص 756 ص 217 هامش رقم 90 ، والخطوط البارزة فى إجراءات تحقيق الخطوط ـ وهى من مباحث قانون المرافعات ـ تتحصل فى أنه إذا أنكر صاحب التوقيع توقيعه ، وكانت الورقة منتجة فى النزاع ، ولم تكف وقائع الدعوى ومستنداتها لتكوين عقيدة المحكمة ، ولم يكن فى الورقة كشط أو محو أو تحشير أو غير ذلك من العيوب المادية بحيث تقدر المحكمة إسقاط قيمتها فى الإثبات أو إنقاضها ، فإن المحكمة تأمر بتحقيق الورقة عن طريق المضاهاة أو بسماع الشهود أو بكلتا الطريقتين . ( أنظرفى جواز الإكتفاء بالبينة وعدم الالتجاء إلى المضاهاة : نقض مدنى 29 ديسمبر سنة 1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 38 ص 125 ـ وفى أن مجرد إعلان فقد الختم لا ينهض دليلا على صحة هذه الواقعة : نقض مدنى 19 يناير سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 57 ص 207 ) ويشتمل الحكم بإحالة الورقة إلى التحقيق على ندب أحد قضاة المحكمة لإجرائه وتعيين خبير للمضاهاة ، وتكون المضاهاة على ما هو ثبات صدوره ممن تشهد عليه الورقة من أوراق رسمية أو أوراق معترف بها منه أو على خطه أو إمضائه الذى يكتبه أما القاضى المنتدب للتحقيق ، أما الشهود فيسمعون فيما يتعلق بصدور الورقة من صاحب التوقيع وتراعى فى سماعهم القواعد المقررة فى سماع شهادة الشهود وإذا حكم بصحة كل الورقة فيحكم على من أنكرها بغرامة من أربعة نيهات إلى خمسة عشر جنيها . وعلى أية حال ، إذا قضت المحكمة بصحة الورقة أو بردها أو قضت بسقوط الحق فى إثبات صحتها ، أخذت فى نظر موضوع الدعوى فى الحال أو حددت لنظره أقرب جلسة ( أنظر المواد 260 ـ 276 مرافعات ) . وتنص المادة 277 مرافعات على أنه (( يجوز لمن بيده ورقة غير رسمية أن يختصم من تشهد عليه الورقة ليقر بأنها بخطه أو بإمضائه أو بختمه أو ببصمة أصبعه ، ولو كان الالتزام به غير مستحق الأداء ، ويكون ذلك بدعوى أصلية بالإجراءت المعتادة )) . ولا تخلو الحال عندئذ من أحد فروض ثلاثة : إما أن يحضر المدعى عليه ويقر فتثبت المحكمة إقراره ( م 278 مرافعات ) ، وإما ألا يضر فتحكم المحكمة فى غيبته بصحة صدور الورقة منه وتجوز المعارضة فى هذا الحكم فى جميع الأحوال ( م 279 مرافعات ) ، وإما أن يحضر وينكر فيجرى التحقيق وفقاً للإجراءات التى سبق بيانها ( م 280 مرافعات ) .

       وقد يعترف المدين ببصمة الختم ، ولكنه ينكر أنه وقع به على الورقة . وهذا يحدث كثيراً ، فأن الختم منفصل عن صاحبه ، ويقع أن يحصل شخص على ختم آخر فيوقع به ورقة دون علم صاحب الختم . وقد كانت الدوائر المجتمعة لمحكمة استئناف مصر ـ قبل إنشاء محكمة النقض ـ قد قضت بأن على المتمسك بالورقة الموقعة بختم ، اعترف صاحبه ببصمته دون التوقيع به ، أن يثبت أن صاحب الختم هو الذى وقع به على الورقة فلا يجوز ، فى هذه الحالة ، مطالبة صاحب الختم ، بالرغم من اعترافه بالبصمة ، ان يطعن فى الورقة بالتزوير ، بل ولا أن يثبت أنه لم يوقع الورقة بختمه من غير طعن بالتزوير ، والمتمسك بالورقة هو ، كما قدمنا ، الذى يقع عليه عبء إثبات أن صاحب الختم قد وقع الورقة بختمه حتى يستكمل بذلك دليله . وقد ورد فىحكم الدوائر المجتمعة فى هذا المعنى ما يأتى : (( أن إنكار التوقيع بالختم المعترف ببصمته يجعل الدليل القانونى المستفاد من الورقة ناقصاً يكاد يكون مطلقاً . وبما أن المتمسك بالورقة هو المكلف بتقديم الدليل كاملا على دعواه ، فعليه هو إثبات توقيع خصمه بالختم عند إنكاره كى ما يتم له الاستدلال . والقول بان الإقرار ببصمة الختم دون التوقيع به يعتبر قرينة على هذا التوقيع من شأنها إلزام المنكر بإثبات عدم توقيعه أو بالادعاء بالتزوير هو قول فيه مخالفة صريحة للقاعدة الأولية المنصوص عليها فى المادة 214 مدنى وهى جعل عبء الإثبات على المدعى . على أنه يلزم أن يكون إنكار التوقيع جدياً لا يكذبه الظاهر من وقائع الدعوى بحيث لو تراءى للمحكمة من تلك الوقائع وظروفها أن الورقة المتنازع عليها صحيحة ، وأن الإنكار لم يكن الغرض منه إلا المطل والمكيدة ، فلها مطلق السلطة فى الحكم بصحة الورقة دون الإحالة على التحقيق بشرط بيان أسباب ذلك الحكم )) ( استئناف مصر الدوائر المجتمعة 4 مايو سنة 1929 المجموعة الرسمية 30 رقم 106 ص 367 ) . وكان حكم الدوائر المجتمعة هذا عقب اختلاف واضطراب فى القضاء فى خصوص هذه المسألة . فمن المحاكم ما كان يقضى بالمعنى الذى أخذت به الدوائر المجتمعة : استئناف مصر 21 ديسمبر سنة 1926 المجموعة الرسمية 28 ص 75 ( الاعتراف بالختم لا يمنع دعوى الإنكار لأن الختم منفصل من صاحبه فيجوز التوقيع به دون علمه ، بخلاف الإمضاء فان الاعتراف بها مع إنكارها لا يتصور ) ـ استئناف مختلط 11 مايو سنة 1904 م 16 ص 248 ) ، أما الطعن بالتزوير فلا يجوز فيه توجيه اليمين الحاسمة ( استئناف مختلط 6 فبراير سنة 1917 م 29 ص 199 ـ 19 مايو سنة 1921 م 33 ص 351 ) ـ ومن المحاكم ما كان يقضى بأن صاحب الختم هو الذى يقع عليه عبء إثبات أنه لم يوقع الورقة بختمه ولكن دون حاجة لأن يسلك فى ذلك طريق الطعن بالتزوير : محكمة الاستئناف الأهليه فى 9 وفى 19 يناير سنة 1916 المجموعة الرسمية 17 رقم 100 ـ محكمة استوان 20 نوفمبر المجموعة الرسمية 6 رقم 56 ـ ومن المحاكم ما كان يقضى بأن صاحب الختم ما دام قد اعترف ببصمة ختمه لا يبقى أمامه إذا أراد عدم الاعتراف بالتوقيع إلا طريق الطعن بالتزوير : محكمة الاستئناف الأهلية 29 يناير سنة 1922 المجموعة الرسمية 24 ص 55 ـ 7 يناير سنة 1924 و28يناير سنة 1914 المجموعة 26 ص 20 ـ استئناف مختلط 22 نوفمبر سنة 1911 م 24 ص 12 ـ 10 يناير سنة 1917 م 29 ص 147 ـ 30 ديسمبر سنة 1929 م 42 ص 133 ـ 16 نوفمبر سنة 1932 م 45 ص 26 .

       وبعد إنشاء محكمة النقضى اضطردت أحكام هذه المحكمة على عكس ما قضت به محكمة استئناف مصر فى دوائرها المجتمعة ، ويمكن القول أن القضاء قد استقر الآن فى مصر على أن من يقر ببصمة ختمه لا يجوز له أن ينكر التوقيع بالختم إلا إذا سلك طريق الطعن التزوير . وقد قضت محكمةالنقض فى هذا المعنى بأن القانون المصرى أقام حجية الأوراق على شهادة ذات الإمضاء أو الختم الموقع به عليها ، فمتى اعترف الخصم الذى تشهد عليه الورقة بأن الإمضاء أو الختم الموقع به عليها هو إمضاؤه أو ختمه او متى ثبت ذلك بعد الإنكار بالدليل الذى يقدمه المتمسك بالورقة ، فلا يطلب من هذا المتمسك أى دليل آخر لاعتماد صحة الورقة وإمكان اعتبارها حجة بما فيها على خصمه صاحب الإمضاء أو الختم . ولا يستطيع هذا الخصم التنصل مما تثبته عليه الورقة إلا إذا بين كيف وصل إمضاؤه هذا الصحيح أو ختمه هذا الصحيح إلى الورقة التى عليها التوقيع وأقام الدليل على صحة ما يدعيه من ذلك ، فإن هذه هى منه دعوى تزوير بحتة يجب أن يسار فيها بطريقها القانونى ، ذلك بأن القانون لا يعرف إنكار التوقيع بالختم ، بل لا يعرف إلا إنكار بصمة الختم ( نقض مدنى 26 أبريل سنة1934 مجموعة عمر 1 رقم 174 ص 346 ) . وقضت بصمة الختم ( نقضىمدنى 26 أبريل سنة 1934 مجموعة عمر 1 رقم 174 ص 346 ) . وقضت أيضاً بأن القانون فى باب تحقيق الخطوط لا يعرف إلا إنكار الختم ذاته ، فمن يعترف بالختم ولكن ينكر التوقيع به لا يقبل منه هذا الإنكار ، بل عليه أن يدعى بالتزوير فى الورقة ويقيم هو الدليل عليه . فإذا دفع شخص بإنكار التوقيع ، فلا يصح النظر فى دفعه على اعتبار أنه إنكار للتوقيع ، بل المتعين على المحكمة أن تثبت اعتراف المتمسك بهذا الدفع بختمه ثم تقضى بعدم قبول هذا الدفع بالإنكار . وإن عدم قبول إنكار التوقيع بالختم المعترف به لا يسيغ الحكم بصحة الورقة المنكورة ولا بتوقيع الغرامة على الدافع بهذا الضرب من الإنكار ، لأن الحكم بصحة الورقة لا يكون كما هو صريح نص المادة 271 مرافعات ( 276 جديد ) إلا فى حق الدفع بالإنكار المنصب على ذات الختم أو ذات الكتابة أو ذات الإمضاء ، والذى يقبل وينظر موضوعاً ويجرى فيه التحقيق بالطريق المرسوم فى القانون أو بغييره من الطرق القانونية التى يراها القاضى ، ثم يتبين بعد التحقيق أن إنكار ذات الختم أو ذات الكتابة أو ذات الإمضاء هو إنكار غير صحيح . كما أن الحكم بالغرامة لا يوقع إلا إذا حكمت المحكمة بصحة الورقة ، والحكم بصحتها ممتنع فى صورة عدم قبول الدفاع بإنكار التوقيع بالختم مع الاعتراف به كما تقدم ، وإذن الغرامة لا يمكن توقيعها فى تلك الصورة لانتفاء شرط توقيعها ( نقضى مدنى 25 أبريل سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 254 ص 721 ) . وقضت أيضاً بأنه إذا اعترف شخص بختمه ولكنه أنكر التوقيع به ، وقبلت المحكمة الدفع بإنكار التوقيع ورأت بعد بحثه موضوعياً أنه دفع بهذا الضرب من الإنكار ، ونقضت محكمة النقض هذا الحكم فيما يتعلق بقبوله الدفع بإنكار التوقيع بالختم مع الاعتراف به ثم بفصله فى موضوعه مقررة أن هذا الإنكار غير مقبول ، وقضت تبعا لذلك بعدم صحة الحكم فيما قضى به من صحة الورقة ومن الغرامة ، فحكم محكمة النقض بعدم قبول إنكار التوقيع وبما يستتبعه من تلك النتيجة لا يمس ما للورقة من القيمة ، بل إنها تبقى حافظة لقوتها كورقة معترف بصحة الختم الموقع به عليها ولا تقبل مطلقاً سوى الطعن فيها بالتزوير ( نقض مدنى 25 أبريل سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 254 ص 721 وهو نفس الحكم السابق ) . وقضت كذلك بأنه إذا طعن أحد الخصوم بالتزوير فى ورقة على اعتبار أن مورثه المنسوب له التوقيع على عقد ما لا ختم له مطلقاً ، فلا مانع قانونا من أن يعيد طعنه علـى اعتبـار أنـه مـع تسليمـه بـأن بصمـة الختـم

                                                                                                       ( م 12 الوسيط ـ جـ  2 )

       الموقع به على ذلك العقد صحيحة ، فإن مورثه لم يوقع بنفسه بهذا الختم عليه أو أنه قد حصل تزير فى العقد بالمحو والكشط والتحشير فى جزء منه . وإذن فلا يقبل الطعن بطريق النقض المقدم منه متى ثبت أن الحكم المطعون فيه قد اقتصر على إثبات صحة بصمة الختم دون التعرض لمسألة التوقيع على العقد بمعرفة مورثه ، لأن حقه فى الطعن أمام محكمة الموضوع فى التوقيع على العقد بمعرفة مورثه وفى الطعون الأخرى التى لم تقدم لمحكمة الموضوع لا يزال محفوظاً فى هذه الحالة ، فلا مصلحة له فى الطعن أمام محكمة النقض ( نقض 13 فبراير سنة 1936 المجموعة الرسمية 37 رقم 7 ص 159 ) ـ أنظر أيضا نقض مدنى 24 مايو سنة 1934 مجموعة عمر 1 رقم 185 ص 409 .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  ([307]) وقد قضت محكمة الاستئناف الأهلية بأن عدم تمكن المدعى من إثبات صدور عقد ممن هون منسوب إليه لا يؤخذ منه حتما أن هذا العقد مزور ، وأن الحكم برد العقد وبطلانه لا يكون إلا بناء على دعوى تزوير يقيمها من نسب هذا العقد إليه ( استئناف 5 أبريلسنة 1909 المجموعة الرسمية 10 رقم 98 ) . وقضت محكمة استئناف مصر بأن مسألة قبول دعوى التزوير بعد الإنكار مسألة خلافية ، فإذا أخذت المحكمة بالرأى القائل بقبولها كان لها أن تحكم بما تراه وإن جاء مخالفاً لما حكمت به أولا ، وإلا لما كان هناك معنى للقول بجواز قبولها بعد الإنكار . وإذا حصل الإنكار وحكم بصحة الورقة المنكورة ، ثم طعن فيها بالتزوير وقبلت أدلته وحكم برد الورقة وبطلانها ، لم يبق فى القضية إلا الحكم الثانى الصادر فى دعوى التزوير وهو وحده الحكم المعتمد . فلا محل إذن للقول بوجود تناقض موجب لرفع التماس عن الحكم الثانى ( استئناف مصر 23 أبريل سنة 1931 المجموعة الرسمية 33 رقم 50 ص 115 ) .

       وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه من المسلم أن الخصم ،حتى بعد تمام إجراءات تحقيق الخطوط ، يستطيع أيضاً أن يطعن فى الورقة بالتزوير ، ولكن يجب أن تجتمع عنده أدلة منتجة مقبولة تكفى لهدم عناصر الإثبات التى سبق تقديمها فى إجراءات تحقيق الخطوط ( استئناف مختلط 25 أبريل سنة 1934 م 46 ص 266 ) . وقضت أيضاً بأنه يمكن الالتجاء إلى إجراءات الطعن بالتزوير فى أية حالة كانت عليها الدعوى ، حتى فى خلال إجراءات تحقيق الخطوط ، فتوقف هذه ، ويسار فى تلك ( استئناف مختلط 25 مايو سنة 1932 م 44 ص 343 ) . أنظر أيضاً استئناف مختلط 10 مايو سنة 1893 م 5 ص 283 ( يجوز الطعن بالتزوير فى ورقة عرفية بعد الاعتراف بالتوقيع أو الخط أو بعد تحقيق ذلك ) .

       أنظر فى هذه المسألة أوبرى ورو 12 فقرة 756 ص 219 ـ ص 220 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1480 ص 918 ـ ص 919 ) .

 

 

([309]) أما فى الورقة الرسمية فقد رأينا أن صحة البيانات فى ذاتها يجب التمييز فيها بين ما يعد إنكاره طعناً فى أمانة الموثق فيجب سلوك دعوى التزوير فى هذا الإنكار ، وبين البيانات التى لا يتضمن إنكارها طعناً فى أمانة الموثق والإنكار هنا يكتفى فيه بتحميل المنكر عبء إثبات العكس كما هى الحال فى جيمع البيانات الواردة فى الورقة العرفية ( بودرى وبارد 4 فقرة 2342 ) .

([310]) استئناف مختلط 18 مايو سنة 1892 م 4 ص 236 ـ 17 يناير سنة 1895 م 7 ص 91 ـ 27 فبراير سنة 1902 م 22 ص 297 ـ 6 مايو سنة 1915 م 27 ص 325 ـ 12 ديسمبر سنة 1918 م 31 ص 68 ـ 3 يونيه سنة 1922 م 34 ص 452 ـ 7 يونية سنة 1928 م 40 ص 411 .

       وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشورع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : (( إن تاريخ الورقة العرفية يعتبر حجة فيما بين المتعاقدين حتى يثبت العكس ، شأنه من هذا الوجه شأن سائر ما يدون فى هذه الورقة من البيانات . ويتعين على من يريد تحصيل الدليل العكسى فى هذه الحالة ، أن يلتزم أحكام القواعد العامة فى ذلك . ومؤدى هذا وجوب التقدم بدليل كتابى ، إذ لا يجوز نقض الثابت كتابة إلا بالكتابة )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 373 ) .

       هذا ولما كان الغالب أن صحة التاريخ فيما بين الطرفين لا تناقش إلا عند ادعاء تقديم التاريخ أو تأخيره بطريق الغش ، وكان الغش يبرر الإثبات بجميع الطرق ، فإنه يقع كثيراً أن يتمكن أحد الطرفين أن يثبت فى مواجهة الآخر عدم صحة التاريخ حتى بالبينة أو بالقرائن ( استئناف مصر 27 نوفمبر سنة 1928 المحاماة 9 رقم 47 ص 70 ـ 27 نوفمبر سنة 1928 المحاماة 9 رقم 48 ص 72 ـ ديمولومب 29 فقرة 508 ـ أوبرى ورو 12 فقرة 756 ص 220 هامش رقم 100 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1483 ص 920 ـ ص 922 ) .

([311]) (( والغير )) ـ كما هو معروف ـ يختلف تحديده تبعاً لأوضاعه المختلفة . فالغير فى حجية الورقة العرفية قد حددناه ، وسنحدده تحديداً آخر فى التاريخ الثابت ، وفى حجية الشئ المقضى ، وفى الصورية . وله تحديد خاص يختلف عما تقدم فى أثر العقد أو سريانه وفى التسجيل . وهو فى كل وضع من هذه الأوضاع يتحدد على نحو يتلاءم مع هذا الوضع . والفكرة المشتركة فى كل هذه الأوضاع أن أثراص قانونياً معيناً قد يمتد لشخص تقضى المبادئ العامة للقانون بحمايته من أن يمتد إليه ، فيعتبر من (( الغير )) بالنسبة إلى هذا الأثر .

([312]) ونص التقنين الجديد أدق فى هذا المعنى من نص التقنين القديم . فقد كان النص القديم يقضى بألا تكون الأوراق العرفية (( حجة على غير المتعاقدين بها إلا إذا كان تاريخها ثابتاً ثبوتاً رسمياً )) ، فكان النص يوهم أن الورقة العرفية لا تكون حجة فى جميع مشتملاتها على الغير إلا إذا كانت ثابتة التاريخ . أما نص التقنين الجديد فيقضى بألا تكون (( الورقة العرفية حجة على الغير فى تاريخها إلا منذ أن يكون لها تاريخ ثابت ))، فهى إذن فى غير التاريخ حجة على الغير دون حاجة لتاريخ ثابت . وقد كان المشروع الأولى الذى وضعه الاستاذ استنويت فى الإثبات يتضمن نصاً صريحاً فى هذا المعنى ، ولكن حذف هذا النص فى المشروع التمهدى اكتفاء باستنباط الحكم من مضمون نص المادة 395 ( أنظر الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 64 مكررة ص 90 وفقرة 63 ص 86 هامش رقم 1 ) .

([313]) أنظر مقالا للأستاذ سليمان مرقس فى قوة المحررات العرفية فى الإثبات منشوراً فى مجلة القانون والاقتصاد السنة 14 ص 259 . وسنعود للإشارة إلى هذا المقال القيم .

([314]) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : (( فليس فى الوسع ، إزاء ما يفرق هذين المركزين ، إلا ان يباح للوارث أو الخلف الاكتفاء بنفى علمه بأن الخط أو افمضاء أو الختم أو البصمة لمن تلقى عنه حقه ، دون أن يقف موقف الإنكار صراحة . على أنه رؤى من الأنسب اقتفاء أثر المادة 1223 من التقنين الكندى ، فنص على وجوب تعزيز إقرار الوراث أو الخلف بيمين يؤديها درءاً لما يحتمل من تعسف هذا أو ذاك فى استعمال الرخصة المخولة له . وقد آثر المشروع استعمال عبارة التقنين الهولندى ، فنص على أنه يكتفى من الوارث أو الخلف أن يقرر أنه لا يعلم أن الإمضاء لمورثه ، دون أن يجتزئ من الـوارث بنفى العلم بإمضاء مورثه . فإذا أنكرت نسبة الورقة العرفية صراحة ، أو نفى الوراث أو الخلف علمه بذلك ، زالت عنها مؤقتاً قوتها فى الإثبات ، وتعين على من يريد التمسك بها أن يقيم الدليل على صحتها باتباع الإجراءات الخاصة بتحقيق الخطوط . وقد جرى القضاء المصرى على ذلك رغم خلو التقنين الراهن من نص خاص فى هذا الشأن ( استئناف مختلط 7 يناير سنة 1936 م 48 ص 69 )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 369 ـ ص 370 )

([315]) أنظر الأستاذ سليمان مرقس فى مقاله فى قوة المحررات العرفية فى الإثبات ( مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 256 ـ ص 257 ) ، وقد جاء فيها ما يأتى : (( . . . حتى بالنسبة لهؤلاء الأشخاص المقصودين بالغير فى المادة 228 ( م 395 جديد ) يكون المحرر العرفى حجية بذاته ، ولا يحتاج إلى ثبوت تاريخه بوجه رسمى إلا لإمكان الاحتجاج بتاريخه فقط . فمثلا إذا صرفنا النظر عن أحكام قانون التسجيل يكون الدائن المرتهن من الغير الذين يجوز لهم التمسك بالمادة 228 بالسبة لعقد البيع العرفى الصادر من الراهن ، فلا يمكن الاحتجاج عليه بتاريخ البيع ، ولكن هذا لا يمنع المشترى من الاحتجاج عليه بحصول البيع ومن اعتبار نفسه حائزاً للعقار المرهون ، ومع ما يترتب على ذلك من ثبوت حق التطهير له ومن وجوب اتخاذ الإجراءات ضده )) ( مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 256 ـ ص 257 ) .

 

([316]) الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 63 ص 88 .

([317]) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 530 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : (( 1 ـ لا تكون الورقة العرفية حجة على الغير إلا إذا كان لها تاريخ ثابت . 2 ـ ويكون لها تاريخ ثابت : ( ا )من يوم أن تقيد بالسجل المعد لذلك ( ب ) من يوم أن يثبت مضمونها فى ورقة أخرى ثابتة التاريخ ( جـ ) من يوم أن يؤشر عليها موظف عام مختص أو عضو من أعضاء الهيئة القضائية ( د ) من يوم وفاة أحد ممن لهم على الورقة خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة يكون معترفاص بها ، أو من يوم أن يصبح مستحيلا على أحد من هؤلاء أن يكتب أو يبصم لعلة فى جسمه ( ﻫ ) من يوم وقوع أى حادث آخر يكون قاطعاً فى أن الورقة قد صدرت قبل وقوع هذا الحادث . 3 ـ ومع ذلك يجوز للقاضى ، تبعاً للظروف ، ألا يطبق حكم هذه المادة على المخالصات )) . وفى لجنة المراجعة أدمجت الفقرتان الأولى والثانية فى فقرة واحدة ، وعدل صدر المادة للوصول إلى المعنى المقصود فأصبح : (( لا تكون الورقة العرفية حجة على الغير فى تاريخها إلا منذ أن يكون لها تاريخ ثابت )) ، وأدمج البند ( ﻫ ) فى البند ( د ) مع إضافة عبارة تجعل البند ( ﻫ ) المدج حكماً عاماً بعد تخصيص . وأصبح النص بذلك مطابقاً لما استقر عليه نهائياً فى التقنين الجديد ، وأدمح فى المشروع النهائى تحت رقم 408 . ووافق عليه مجلس النواب ، ثم لجنة مجلس الشيوخ تحت رقم 395 ، ثم مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 372وص 375 ـ ص 376 ) .

([318]) كانت المادة 228/293 من التقنين المدنى القديم تنص على ما يأتى : (( لكنها ( المحررات الغير الرسمية ) لا تكون حجة على غير المتعاقدين إلا إذا كان تاريخها ثابتا ثبوتا رسميا )) . وكانت المادة 229/294 تنص على ما يأتى : (( ثبوت التاريخ يكون إما بقيد المحررات المذكورة فى سجل عمومى بتمامها أو ملخصها فقط إذا كانت مؤشراً عليها بما يفيد حصول التسجيل . وكذلك يكون التاريخ ثابتاً إذا كان فى المحررات خط أو إمضاء أو ختم لإنسان توفى أو كانت عليه إشارة من أحد المأمورين العموميين المختصين بذلك أو من أحد القضاة ونحوهم )) .

       ولم يستحدث التقنين الجديد شيئا . ولكن النص الجديد جاء أدق فى الصياغة ، فثبوت التاريخ لازم لحجية التاريخ وحده ، وسبل إثبات التاريخ أكثر تنوعاً وأوسع إحاطة . على أن التقنين الجديد لم يفعل إلا أنه قنن القضاء المصرى فى كل هذا .

([319]) التقنينات المدنية العربية : قانون البينات السورى م 11 . 1 ـ لا يكون السند العادي حجة على الغير إلا إذا كان له تاريخ ثابت 20 ـ ويكون له تاريخ ثابت : ا ) من يوم أن يصادق عليه الكاتب العدل . ب ) من يوم أن يثبت مضمونه فى ورقة أخرى ثابتة التاريخ . جـ ) من يوم أن يؤشر عليه حاكم أو موظف مختص . د ) من يوم وفاة أحد ممن لهم على السند أثر ثابت أو معترف به منخط أو توقيع أو ختم أو بصمة أصبع ، أو من يوم أن يصبح مستحيلا على أحد هؤلاء أن يكتب أويبصم لعلة فى جسمه . ﻫ ) من يوم وقوع أى حادث آخر يكون قاطعاً فى أن السند قد صدر قبل وقوعه . 3 ـ ومع ذلك يجوز للمحكمة تبعا للظروف ألا تطبق هذه المادة على الوصولات . 4 ـ لا تشمل أحكام هذه المادة الأسناد والأوراق التجارية ولو كانت موقعة أو مظهرة من غير التجار لسبب مدنى ، وكذلك أسناد الاستقراض الموقعة لمصلحة تاجر برهن أو بدون رهن مهما كانت صفة المقترض .

       وقد وقع القانون السورى فى عدم الدقة التى وقع فيها المشروع التمهيدى للتقنين المصرى : فالسند العرفى لا يكون حجة على الغير إلا إذا كان له تاريخ ثابت ، وذلك بالنسبة إلى تاريخه وحده لا بالنسبة إلى مشتملاته .

       التقنين المدنى العراقى م 456 ( مطابقة لنص التقنين المصرى فيما عدا فروقاً لفظية طفيفة ) .

       تقنين أصول المحاكمات المدينة اللبنانى م 152 ـ لا يعد السند ذو التوقيع الخاص صحيح التاريخ إلا بالنظر إلى المتعاقدين ، ولا يعد صحيح التاريخ بالنظر إلى الغير إلا من يوم إخضاعه لمعاملة التسجيل أو من يوم إثباته فى سند رسمى أو من يوم وفاة أحد الموقعين أو من يوم إدراج خلاصته فى سند رسمى ـ إن أحكام هذه المادة لا تشمل المواد التجارية ، فالرهونات التجارية والسفاتج والسندات المكتوبة لأمر والتحاويل ( الشكات ) تعد من المواد التجارية عند تطبيق الفقرة السابقة وإن تكن موقعة أو مظهرة من غير التجار لسبب مدنى ، وكذلك السندات ذات التوقيع الخاص المختصة بعمليات تسليف عملها التاجر إما على المكشوف أو مقابل رهن أية كانت صفة المقترض .

       التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 382 ( مطابقة لنص التقنين المصرى الجديد ) .

       ويتبين من استعراض هذه النصوص ألا فرق فى الأحكام فى هذه المسألة ما بين التقنينات المدنية العربية المختلفة ، وقد أحسن القانون السورى واللبنانى صنعاً فى النص صراحة على إخراج الأوراق والرهون التجارية من أحكام 

    هذه المادة .

([320]) وتنص المادة 1328 من التقنين المدنى الفرنسى على ما يأتى : (( السندات العرفية لا يكون لها تاريخ ثابت يحتج به على الغير إلا من يوم تسجيلها ، أو من يوم وفاة من وقعها أو وفاة أحد ممن وقعوها ، أو من يوم أن أدرج مضمونها فى أوراق رسمية حررها موظفون عامون وذلك كمحاضر وضع الأختام أو محاضر الجرد )) .

       (Les actes sous seing prive n'ont de date certaine contre les tiers que du jour ou ils ont ete enregistres, du jour de la mort de celui ou de l'un de ceux qui les ont souscrits, ou du jour ou leur substance est constatee dans des actes dresses par des officiers publics, tells que procesverbaux de scelles ou d'inventaire).                                             

([321]) ديمولومب 29 فقرة 512 ـ فقرة 513 ـ لوران 5 فقرة 320 ـ فقرة 322 و 19 فقرة 296 ـ بودرى وبارد 4 فقرة 2349 ـ فقرة 2350 ـ الأستاذ سليمان مرقس فى مقاله فى قوة المحررات العرفية فى الإثبات ـ مجلة القانون والاقتصاد 14 ص ص 266 ـ محكمة استئناف مصر فى 27 نوفمبر سنة 1928 المحاماة 9 رقم 47 ص 70 ـ 27 نوفمبر سنة 1928 المحاماة 9 رقم 48 ص 72 ( يجوز للقيم على المحجور عليه ، كما يجوز للمحجور عليه نفسه إذا زالت عنه أسباب الحجر ، أن يطعن فى صحة التواريخ الموضوعة على العقود العرفية التى لم يكن لها تاريخ ثابت سابق على الحجر ، إلا أن عبء الإثبات فى جميع ذلك يقع على عاتق القيم أو المحجور عليه ، فلهما إقامة الدليل بكافة الطرق القانونية بما فيها البينة والقرائن على وقوع الغش فى المحررات المشار إليها بتقديم أو تأخير التواريخ الموضوعة عليها ) .

       كذلك التاريخ العرفى لمخالصة تمت ما بين شخص قد بلغ سن الرشد ووصيه يكون حجة على الأول ، إلى أن يثبت عدم صحة التاريخ وأنه أخر حتى لا يقع فى مدة سابقة على الفصل نهائياً فى الحساب وفقاً للمادة 35 من قانون المحاكم الحسبية .

       أنظر مثلا آخر أورده بودرى وبارد لشخص رتب إيراداً لشخص آخر مدى حياة شخص ثالث ، بورقة تاريخها غير ثابت يسبق موت الشخص الثالث بأكثر من عشرين يوماً ، فيكون هذا التاريخ حجة على الدائن بالإيراد إلى أن يثبت أنه قدم ليكون سابقا على الموت بهده المدة تطبيقاً لأحكام المادة 1975 من التقنين المدنى الفرنسى ( بودرى وبارد 4 فقرة 2350 ـ ص 80 ) .

([322]) ديمولومب 29 فقرة 216 فقرة 216 ـ لوران 19 فقرة 301 ـ أوبرى ورو 12 ص 242 ـ بودرى وبارد 4 فقرة 2351 ـ بلانيول وريبير وجابولد 7 ص 1483 ـ بيدان ويرو 9 فقرة 1221 ص 300 ـ ص 301 ـ الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 96 ـ استئناف مختلط 6 مايو سنة 1915 م 27 ص 325 ـ 12 ديسمبر سنة 1918 م 31 ص 68 ـ 31 يونية سنة 1922 م 34 ص 452 ـ 7 يونية سنة 1928 م 40 ص 411 ـ 9 يناير سنة 1930 م 42 ص 165 .  

([323]) نقض مدنى 13 فبراير سنة 1941 مجلة القانون والاقتصاد 11 ـ 23 ـ 32 .

([324]) وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن التاريخ العرفى للسند الموقع عليه من المورث حجة على ورثته ، ما لم يطعنوا فى صحة التاريخ بحصوله خطأ سهواً أو عمداً أو ما لم يطعنوا بتزويره ( 10 أبريل سنة 1928 المحاماة 8 رقم 547  ص 907 ) . وقضت هذه المحكمة أيضاً بأنه وإن كان للوراث الصادر لمصلحته التصرف أن يتمسك فى وجه باقى الورثة بالتاريخ العرفى الذى وضعه المورث ، إلا أن لهؤلاء الورثة الحق فى أن يثبتوا بكافة الطرق القانونية ومنها قرائن الأحوال أن هذا التاريخ لا يتفق مع الحقيقة وأنه وضع بقصد الإبهام لجعل صدور التصرف وقت بعيد عن الشبهات ( 14 يناير سنة 1934 المحاماة 15 رقم 260/2 ص 550 ) . وقضت محكمة النقض بأن الموصى له بحصة فى التركة لا يعتبر (( غيراً )) فى معنى المادة 228 ( 395 جديد ) إذا هو ادعى أن العقد الصادر من الموصى إنما صدر بعد طلب الحجر عليه وبأن تاريخه مغاير للحقيقة ، إذ هو خلف عام يدعى ما كان يملك سلفه ممثلا فى شخص القيم عليه أن يدعيه . ولكن لما كان هذا الادعاء ادعاء بغش واحتيال على القانون ، كان إثباته بأى طريق من طرق الإثبات جائزاً له جوازه لسلفه ، وكان عليه عبء الإثبات لأنه مدع والبينة على من ادعى ، فان هو أثبته سقطت حجية التاريخ العرفى للعد ، وإن لم يثبته بقيت هذه الحجية ( نقض مدنى 25 ديسمبر سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 248 ص 507 ) . هذا ويلاحظ أن الموصى له بحصة من التركة إذا لم يستطع إثبات التاريخ الحقيقى ، فقامت حجية التاريخ العرفى فى حقه ، يستطيع ، مع التسليم بأن التصرف صدر قبل تسجيل قرار الحجر ، أن يتمسك بالمادة 115 فقرة 2 مدنى فيثبت أن التصرف كان نتيجة استغلال أو تواطؤ ( وفى حالة الحجر للجنون أو العته يتمسك بالمادة 114 فقرة 2 فيثبت أن حالة الجنون أو العته كانت شائعة وقت التعاقد أو كان الطرف الآخر على بينة منها ) .

       أنظر أيضاً بودرى وبارد 4 فقرة 2353 ـ فقرة 2354 ـ أوبرى ورو 12 فقرة 756 ص 325 ـ ص 226 وهامش رقم 106 .

([325]) وما نقرره فى هذه المسألة يخالف ما سبق أن قررناه فى الموجز ( فقرة 638 ص 669 ) ، ويخالف ما أجمع عليه الفقه فى مصر من أن الوراث يعتبر (( غيراً )) فى التصرفات الصادرة من مورثه فى مرض الموت : أنظر الأستاذ محمد كامل مرسى فى تصرفات المريض مرض الموت فقرة 23 ص 297 ـ الأستاذ حلمى بهجت بدوى فى أصول الالتزامات فقرة 200 ص 296 ـ الأستاذ شفيق شحاته فى الالتزامات ( بالفرنسية ) ص 109 ـ الأستاذ محمد على عرفة فى حجية المحررات العرفية بمجلة القانون والاقتصاد 10 ص 164 ـ الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 219 ص 224 ( وهو يعتبر الوارث من الغير ولكن يلقى عليه عبء إثبات التاريخ الصحيح ، وفى هذا القول تناقض يرجع إلى أن الوراث متى ألقى عليه عبء إثبات التاريخ الصحيح فقد صار التاريخ العرفى حجة عليه إلى أن يثبت عدم صحته ، وهذا معناه أنه لا يعتبر (( غيرا )) بالنسبة إلى هذا التاريخ العرفى ) .

       وقد أخذ الفقه المصرى يتحول عن هذا الرأى الخاطئ الذى يذهب إلى اعتبار الوارث من الغير فى التصرفات الصادرة من مورثه فى مرض الموت . ويرجع الفضل فى هذا التحول إلى الأستاذ سليمان مرقس ، فقد أثبت فى مقاله القيم : ( قوة المحررات العرفية فى الإثبات وحجية تاريخها على الوراث الذى يطعن بصدورها فى مرض الموت : مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 287 ـ ص 304 ) ، خطأ الرأى الشائع فى الفقه المصرى ، ثم خلص من ذلك إلى التنبيه لما لهذا الرأى الخاطئ من أثر عملى سئ ، فقال : (( إن الأخذ بهذه النظرية ( النظرية التى تعتبر الوارث فى تصرفات المريض مرض الموت من الغير ) يترتب عليه أن كل شخص يموت عقب مرض كان يخشى منه هلاكه ـ وهذا هو الغالب فى الموت ـ ولو لم يطل هذا المرض غير أيام قليلة ، لا يمكن الاحتجاج على ورثته بتاريخ الحررات العرفية التى صدرت منه طوال حياته إلا إذا كان هذا التاريخ ثابتا بوجه رسمى . ومعنى ذلك أنه يتعين على كل من يتعامل مع آخر بورقة عرفية أن يسجل تاريخها فى الحال ، خشية أن يمرض المتعامل معه قبل موته مباشرة ، ولو بعد عمر طويل ، فيتعذر الاحتجاج على ورثته بتاريخ هذه الورقة . وبتعبير آخر أن القول بأن وارث المريض مرض الموت يعتبر من الغير بالنسبة لتاريخ المحررات الصادرة من المورث يجعل من الناحية العملية تسجيل التاريخ ضرورة لازمة فى كافة المحررات العرفية وفى جميع الأحوال . فيصبح شرط تسجيل التاريخ قاعدة عامة ، خلافاً لما قصده المشرع من جعله حماية استثنائية . ولا يخفى ما ينطوى عليه هذا التعميم من إرهاق للمتعاملين ومن عرقلة للمعاملات )) ( مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 299 ـ ص 300 ) . أنظر أيضاً الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 97 هامش رقم 1 .

       وقد سار الدكتور عبد المنعم فرج الصدة فىكتابه الإثبات ( ص 139 ـ ص 143 ) على هذا الرأى الصحيح ، وختم بيانه فى هذه المسألة بالعبارة الآتية : (( يخلص من هذا أن الوراث يعتبر بحسب الأصل خلفاً عاماً لمورثه، يسرى فى حقه ما كان ساريا فى حق مورثه . ولكن الشارع جعل حق الوراث متعلقاً بالتركة من وقت مرض الموت . فخوله حق الطعن فى تصرفات مورثه أثناء هذا المرض . وبهذا يصبح الوراث من الغير بالنسبة إلى أثر هذه التصرفات ، فلا تنفذ فى حقه إلا بالقدر الذى تنفذ به الوصية . ولكن لا يعتبر من الغير بالمعنى المقصود فى المادة 395 مدنى ، فيكون تاريخ التصرف العرفى حجة عليه بوصفه خلفا عاما ، إلى أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ . ولما كان الغرض من تغيير التاريخ فى هذه الحالة هو الغش والاحتيال على القانون ، فانه يجوز للوارث أن يثبت هذا الاحتيال بجميع الطرق القانونية )) ( الإثبات ص 143 ) .

([326]) وسنرى أن هذا يصدق أيضاً على الدعوى البولصية . فالدائن ، فى طعنه بالدعوى البوليصية على التصرف الصادر من المدين ، يعتبر ( غيراً ) من ناحية سريان هذا التصرف فى حقه ، فلا يسـرى عليـه . ولا يعتبـر (( غيراً )) من ناحية ثبوت التاريخ ، فيحتج عليه بالتاريخ العرفى للتصرف الصادر من المدين إلى أن يثبت أن هذا التاريخ غير صحيح .

       ويتبن من ذلك أن الوارث ، بالنسبة إلى التصرفات الصادرة فى مرض الموت ، وللدائن ، بالنسبة إلى الدعوى البولصية ، إنم يعتبران من الغير فى خصوص سريان أثر العقد لا فى خصوص ثبوت التاريخ .

([327]) نقول إن القضاء المصرى فى هذه المسألة مر بمراحل ثلاث :

       ففى المرحلة الأولى كان يأخذ بالرأى الصحيح ، ويقرر أن الوراث فى تصرفات مورثه فى مرض الموت لا يعتبر من (( الغير )) من حيث تاريخ التصرف ، فيحتج عليه بهذا التاريخ إلى أن يثبت عدم صحته . فقضت محكمة مصر الكلية الوطنية بأن التاريخ العرفى لتصرف صدر من المورث فى مرض الموت حجة على ورثته لأنهم يمثلونه ( 24 مايو سنة 1922 المحاماة 4 رقم 635 ص 847 ) ـ وقضت محكمة استئناف مصر بأن التاريخ العرفى للعقد الصادر من المورث فى مرض موته حجة على الوراث باعتباره متلقياً حقه من المورث ( 19 مارس سنة 1922 المحاماة 3 رقم 5 ص 15 ) . وقضت هذه المحكمة أيضاً بأن الوراث يخلف المورث فى كل ماله وما عليه بالنسبة إلى الحق الموروث ، وبأن العقد العرفى الصادر من المورث فى مرض الموت حجة على الوراث ، وبأن للوراث ما كان لمورثه وعليه ما عليه فللوراث الطعن فى تاريخ هذا العقد باعتبار أنه وضع خطأ بطريق العمد أو السهو ، فإذا هو لم يطعن وجب الأخذ بالتاريخ العرفى ( 10 أبريل سنة 1928 المحاماة 8 رقم 457 ص 907 ) .

       وفى المرحلة الثانية رجع عن هذا الرأى الصحيح إلى الرأى الخاطئ الذى ساد بعد ذلك فى الفقه المصرى . وكان الحكم الصادر من محكمة استئناف مصر فى دوائرها المجتمعة هو المؤذن بهذا التحول ، مع أن هذا الحكم لا يعرض (( للغيرية )) من ناحية ثبوت التاريخ بل يعرض لها من ناحية سريان التصرف . فقد فصل فى مسألة اختصاص القضاء الشرعى أو القضاء الوطنى عند الطعن فى الوقف بوقوعه فى مرض الموت ، فجاء فى أسباب حكمه ما يأتى : (( ... أن الوقف ( فى مرض الموت ) فى ذاته صحيح ، وأن الواقف أهل للتصرف بالتبرع وغيره . ولكن لأمر خارج عنه وعن ذاتية عقده رتب الشارع ثم القانون حكما لنفاذ الوقف أراد به صيانة حق الوراث ، لا بصفته وارثاً يمثل مورثه فى كل حقوفه وعهوده ، بل بصفته أجنبياً (tiers)  تعلقت له فى ذمة الواقف حقوق ، شأنه فى ذلك شأن الدائن الذى سن القانون لحمايته دعوى إبطال التصرفات من وقف أو بيع أو غير ذلك ... )) . ( استئناف مصر الدوائر المجتمعة فى 5 أبريل سنة 1928 المحاماة 8 رقم 460 ص 755 ) . وظاهر أن الحكم عندما عرض لوارث الواقف فى مرض الموت بصفته أجنبياً (tiers) إنما يتحدث عنه فى معرض نفاذ الوقف فى حقه لا فى معرض ثبوت التاريخ . ومع ذلك توهمت بعض المحاكم أن الدوائر المجتمعة لمحكمة الاستئناف عنت أن يكون الوراث (( غيراً )) حتى فى تاريخ التصرف الصادر من المورث فى مرض موته. فقضت محكمة استئناف مصر بأن التاريخ العرفى للتصرف المطعون فيه لا عبرة به مطلقاً بعد أن صدر حكم الدوائر المجتمعة بتاريخ 5 أبريل سنة 1928 الذى قطع بأن الوراث الذى يطعن ضد سائر الورثة بمرض الموت يعتبر أجنبياً تعلقت له فى ذمة المورث حقوق ( 27 مايو سنة 1929 المحاماة 9 رقم 527 ص 976 ) . وكان قد صدر قبل ذلك ، بل وقبل حكم الدوائر المجتمعة ، حكم من محكمة مصر الكلية الوطنية فى هذا المعنى الخاطئ ، يقضى بأن الوارث الذى يعطيه القانون حق الطعن فى تصرفات مورثه بمرض الموت يكسب بذلك من جانب المشرع نفسه حقاً شرعياً يجعله ينقلب من طبقة الخلف إلى طبقة الغير ، فلا يحتج عليه إلا بالأوراق ثابتة التاريخ ( 29 مايو سنة 1927 المحاماة 9 رقم 539 ص 996 ) . وتوالت الأحكام ، بعد صدور حكم الدوائر المجتمعة ، تجعل الوراث (( غيرا )) فى التاريخ العرفى لتصرفات مورثه الصادرة فى مرض الموت ، فلا يكون هذا التاريخ حجة عليهم ، ولا يكلفون بإثبات عدم صحته . ولا يحتج عليهم إلا بالتاريخ الثابت : استئناف مصر 12 فبراير سنة 1930 المحاماة 10 رقم 340 ص 682 ـ 14 يونية سنة 1936 المحاماة 17 رقم 198 ص 415 ـ محكمة الاسكندرية الوطنية 16 نوفمبر سنة 1929 المحاماة 10 رقم 283 ص 568 ـ محكمة الجيزة الجزئية 23 مايو سنة 1939 المحاماة 20 رقم 239 ص 686 . وقد احتج بعض هذه الأحكام بأن الوراث ذا النصيب المضمون (heritier reservataire) فـى القانـون الفرنسـى يعتـبر (( غيرا )) فى التاريخ العرفى للهبات التى تصدر من مورثه ، ولكن الصحيح أن الوارث لا شأن له فى ذلك ، والموهوب لهم فيما بينهم هم الذين يعتبرون من (( الغير )) .

       وفى المرحلة الثالثة ـ وهى املرحلة الحالية ـ وقف القضاء المصرى موقفا صحيحا من الناحية العلمية ، ولكنه غير واضح من الناحية الفقهية . وقد بدأت محكمة استئناف مصر هذا الموقف بأن قضت بأن الوراث يعتبر فى حكم الغير بالنسبة إلى جميع التصرفات الصادرة من المورث إضراراً بحقوقه المكتسبة بحكم القانون ـ وهذا صحيح ، ومعناه أن الوارث يعتبر (( غيرا )) من حيث سريان هذه التصرفات لا من حيث عدم الاحتجاج بالتاريخ العرفى . ولكن المحكمة بنت على ما قدمته أن الوراث لا يصح ، والحالة هذه ، أن يحتج عليه بالتاريخ العرفى الموضوع على التصرفات الصادرة من المورث إضراراً بحقه ـ وهذا خطـأ ، لأن الـوارث لا يعتبـر (( غيرا )) من حيث التاريخ ، فيحتج عليه إذن بالتاريخ العرفى . ثم عقبت المحكمة بأ للوارث الحق فى أن يثبت بكافة الطرق ومنها قرائن الأحوال أن التاريخ لا يتفق مع الحقيقة وأنه وضع بقصد الإيهام بصدور التصرف فى وقت بعيد عن الشبهات ـ وهذا خطأ آخر منوجهة نظر المحكمة ، لأن الوارث ما دام قد اعتبر (( غيرا )) فى تاريخ التصرف فلا يصح الاحتجاج عليه بالتاريخ العرفى ولا يجوز تكليفه بإثبات عدم صحة هذا التاريخ إذ هو لا يحتج عليه إلا بالتاريخ الثابت . ولكن الصدفة أرادت أن يكون هذا الخطأ الثانى قد صحح الخطأ الأول من انلاحية العملية ، فصار التاريخ العرفى يحتج به على الوارث ثم أجيز للوارث أن يثبت عدم صحته . وكان الواجب حيئنذ أن يعتبر الوارث من الناحية الفقهية خلفاً لا غيراً من حيث التاريخ العرفى ، ولكن المحكمة سمته مع ذلك (( غيراً )) وإن كانت قد استبقت له خصائص الخلف ( أنظر محكمة استئناف مصر 14 يناير سنة 1934 المحاماة 15 رقم 260 ص 550 ) . وعلى هذه الوتيرة ـ وهذا التكييف الفقهى الخاطئ ـ توالت الأحكام بعد ذلك . تكون المحررات العرفية الصادرة من المورث حجة عليه . إلا أن هناك حالات يكون الوارث فيها من الغير بالنسبة للتصرفات الصادرة من مورثه . ففى هذه الحالات لأجل أن يستفيد الوارث ـ باعتباره من الغير ـ بالقرينة الواردة فى المادة 228 مدنى ( 395 جديد ) التى تمنع الاحتجاج بالمحررات غير الرسمية على غير المعاقدين إلا إذا كان تاريخها ثابتاً ثبوتاً رسمياً ، يجب عليه أن يثبت أنه من الأغيار الذين خول لهم القانون التمسك بهذه القرينة ، لا أن يفرض نفسه فرضا فى مركز الغير ويتمسك بهذه القرينة بغير إثبات ما يدعيه . فإذا طعن ورثة فى سند صادر من مورثهم لزوجته اعتماداً على أن السند تحرر فى مرض الموت ، فهم فى هذا الوضع وإن كانوا يعتبرون من الغير بالنسبة للتصرف الصادر من مورثهم فى مرض موته ، إلا أنهم فى طعنهم هذا يكونون فى مركز المدعـين ، ومن ثم فقد وجب عليهـم أن يثبتـوا أن التصـرف المطعـون فيـه قد وقـع فعـلا فـى مـرض الـموت )) ( 23 فـبرايـر سنـة 1936 المجموعـة الرسميـة 37 

                                                                                                       ( م 14 الوسيط ـ جـ  2 )

       ص 69 ) . ولم تفعل محكمة النقض إلا أن جارت هذا الاتجاه ، خلافا لما ظنه الأستاذ سليمان مرقس ( مقاله فى قوة المحررات العرفية فى الإثبات المنشور فى مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 302 ـ ص 304 وكتابه فى أصول الإثبات ص 97 هامش رقم 1 ) . فقضت بأن الوارث بعتبر فى حكم الغير فيما يختص بالتصرفات الصادرة من مورثه فى مرض الموت إضراراً بحقه المستمد من القانون ـ ونبادر إلى القول بأن هذه (( غيرية )) من حيث نفاذ التصرف ، ولكن محكمة النقض بنت عليها (( غيرية )) من حيث حجية التاريخ ، فعقبت على ما قدمته بأن للوارث أن يطعن على هذا التصرف ، وأن يثبت مطاعنه بجميع طرق الإثبات ، وإذا لم يكن التاريخ المدون بالتصرف ثابتا رسميا فان له ، مع تمسك الوارث الذى صدر لمحصلته هذا التصرف بتاريخه العرفى ، أن يثبت حقيقة هذا التاريخ بجميع طرق الإثبات أيضا ( نقض مدنى 23 يناير سنة 1941 المحاماة 21 رقم 371 ص 879 ) . ولم يتحرر هذا الموقف كثيراً فى الأحكام التالية . فقد عادت محكمة النقض تقول : (( إن الوارث لا يعتبر فى حكم الغير فيما يختص بالتصرف الصادر من مورثه إلا إذا كان هذا التصرف واقعا فى مرض الموت اضراراً بحقه الشرعى فى الميراث ، فإذا كان التاريخ المدون بالتصرف غير ثابت رسميا وكان سابقا على بدء هذا المرض ، فان كل ما للوارث هو أن يثبت بجميع الطرق أن التاريخ غير صحيح وأنإبرام العقد إنما كان فى مرض الموت ( نقضى مدنى 18 ديسمبر سنة 1941 المحاماة 22 رقم 227 ص 661 ) . والواقع أن محكمة النقض لا تزال فى موقف غير واضح من الناحية الفقهية . وهى ، وإن كانت من الناحية العملية قد عالجت الموقف بما عالجته محكمة استئناف مصر فجعلت التاريخ العرفى حجة على الوراث وأجازت له أن يثبت بجميع طرق الإثبات عدم صحته ، لم تجعله مع ذلك خلفا من حيث التاريخ العرفى . ومنعها من التصريح بهذا الأمر فى وضوح ما لمحته من الشبهة . ذلك أن الوراث (( غير )) من حيث سريان التصرف ، فهل يستتبع ذلك أن يكون (( غيراً )) من حيث حجية التاريخ العرفى ؟ وهل معنى (( الغيرية )) هنا يقتصر على أن التاريخ العرفى يكون حجة عليه إلا إذا تولى إثبات عدم صحته ؟ لا يبدو من أحكام محكمة النقض أنها تجبيب على هذين السؤالين بالنفى إجابة صريحة ، وكان هذا هو الواجب : أنظر محكمة النقض 13 فبراير سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 101 ص 322 ـ وقارن 15 أبريل سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 49 ص 132 ـ وانظر 30 فبراير سنة 1949 المحاماة 29 رقم 504 ص 1106 . ولذلك لم يدهشنا ـ كما أدهش الأستاذ سليمان مرقس وهو يعتقد كما قدمنا أن محكمة النقض تأخذ بالرأى الصحيح الذى يقول به ـ أن تعود المحكمة فتقرر أن الوراث لا يعتبر فى حكم الغير إلا إذا كان طعنه على التصرف الصادر من مورثه هو أنه ، وإن كان فى ظاهره بيعا منجزاً ، إلا أنه يخفى فى حقيقته وصية إضراراً بحقه فى الميراث ، أو أنه صدر فى مرض موت المورث فيعتبر إذ ذاك فى حكم الوصية ، لأنه فى هاتين الصورتين يستمد الوارث حقه من القانون مباشرة حماية له من تصرفات مورثه التى قصد بها الاحتيال على قواعد الإرث التى تعتبر من النظام العام ( نقض مدنى 21 ديسمبر سنة 1950 المحاماة 31 رقم 285 ص 984 ) . أنظر فى هذه المسألة مقال الأستاذ سليمان مرقس فى مجلة القانون والاقتصاد السنة الرابعة عشرة ، وكتابه فى أصول الإثبات ص 97 هامش رقم 1 ، والأستاذ عبد المنعم فرج الصدة ص 139 ـ ص 142 .

       على أننا ـ إنصافاً لمحكمتنا العليا ـ ننقل حكما واحد لها يبدو أنها فيه قررت الرأى الصحيح فى هذه المسألة . فقد قضت بأن الوارث ـ بحكم كونه خلفا عاما لمورثه ـ لا يمكن أن يعد من (( الغير )) فى معنى المادة 228 مدنى ( 395 جديد ) ، بل حكمه ـ بالنسبة إلى المحررات غير الرسمية التى يكون المورث طرفا فيها ـ حكم مورثه . فتاريخها يكون ـ بحسب الأصل ـ حجة عليه ولو لم يكن ثابتاً ثبوتا رسميا ، سواء كانت صادرة إلى وارث أو إلى غير وارث . ولكن إذا ادعى الوارث أن تصرف المورث كان غشا واحتيالا على القانون إضراراً بحقه الشرعى فى الميراث ، فطعن فثيه بأنه صدر فى مرض الموت وأن تاريخه غير صحيح ، فيجوز له أن يثبت مدعاه ن ويكون عليه عبء الإثبات إذ هو مدع والبينة على من ادعى ، وتطلق له كل طرق الإثبات إذ المضرور بالغش لم تكن له خبرة فيه فلا وجه للتضييق عليه فى ثباته بحصره فى طريق دون طريق . فإذا كانت المحكمة حين قضت ببطلان البيع الصادر من المورث إلى بعض ورثته قد أسست ذلك على أن المدعين الذين يطعنون فى العقد بصدوره فى مرض الموت ، وهم ورثة البائع ، ولا يحاجون بتاريخ عقد البيع غير المسجل بزعم أنهم من الغير ، وجعلت التحقق من قيام حالة مرض الموت منوطا بالتاريخ الثابت ثبوتا رسميا دون التاريخ الأول ( العرفى ) ، غير آبهة لدفاع من صدر لهم العقد بعدم قيام حالة مرض الموت فى ذلك التاريخ غير الثابت رسميا ، فإن حكمها بذلك يكون مخالفا للقانون ، إذ هذا التاريخ يكون حجة على هؤلاء الورثة إلى أن يثبتوا عدم صحته ( نقض مدنى 21 أكتوبر سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 329 ص 648 ) . ولكن لا مناص من الإشارة إلى أن هذا الحكم القيم سبقته وتلته الأحكام التى أسلفنا ذكرها .  

([328]) وقد ورد فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى خصوص هذه العبارة ما يأتى : (( ولا يحتج عليهم بتاريخ التصرف إلا إذا كان ثابتاً لأنهم يعتبرون من الغير بالنسبة له )) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 6 ص 298 ) .

أما الدائن المرتهن فهو من الغير بالنسبة إلى دائن مرتهن آخر ، إلا إذا كان التفاضل بينهما لا بثبوت التاريخ كما في المنقول ، بل بالقيد كما في العقار ، فعند لذك نخرج من منطقة ثبوت التاريخ إلى منطقة القيد كما سنرى ( أنظر في هذه المسألة بودري وبارد 4 فقرة 2361 – بيدان ويرو ) فقرة 1221 ص 302 ) – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1484 ص 926 – ص 927 )  .

( [329] )        أنظر في أن الدائن لا يكون طغيراً " في الدعوى غير المباشرة لا رومبير 6 م 1328 فقرة 35 ديمولومب 29 فقرة 542 – لوران 19 فقرة 326 وفقرة 328 – هيك 8 فقرة 250 – بودري وبارد 4 فقرة 2358 – بيدان وبرو ) فقرة 1221 ص 301 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فقرة 129 ص 139 – استئناف مختلط 3 يونية سنة 1926 م 38 ص 463  .

ويذهب الأستاذ سليمان مرقس إلى أن الدائن في الدعوى غير المباشرة يعتبر من " الغير "  ، لأن الدائن يرفع هذه الدعوى لمصلحة نفسه فيصبح له حق خاص على موضوعها ، واستعمال الدعوى غير المباشرة " يجعل حق الدائن يتعلق بالمال موضوع هذه الدعوى ، فيصبح هذا المال محبوسا عن المدين تحت يد القضاء ، فلا يجوز للمدين أن يتصرف فيه ولا أن يعمل بشأنه أي عمل يضر الدائن أو بعبارة أخرى كما يقول لابيه يترتب على رفع الدعوى غير المباشرة ما يترتب على الحجز من آثار  . وما دام الأمر كذلك فيكون مركز الدائن رافع الدعوى غير المباشرة كمركز الدائن الحاجز حجزاً تنفيذياً ، وبالتالي فإنه يشبه مركز الخلف الخاص من حيث إنه يعتبر في حكم خلف المدين على الحق موضوع الدعوى بالنسبة لتصرفات المدين السابقة على رفع الدعوى ، ويعتبر من الغير بالنسبة للتصرفات اللاحقة فيضره مجرد تقديم تاريخ هذه التصرفات  . وهو لذلك يجب أن يعتبر – خلافاً للرأي السائد – من الغير الذين لا تكون المحررات العرفية حجة عليهم بتاريخها إلا إذا كان هذا التاريخ ثابتاً بوجه رسمي " ( الأستاذ سليمان مرقس في مقاله قوة المحررات العرفية في الإثبات مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 277 – ص 278 – وانظر أيضاً كتابه في أصول الإثبات فقرة 67 ص 103 )  .

وسنرى أن الأستاذ سليمان مرقس لا يعتبر الدائن في الدعوى البولصية من الغير ، وهو على حق فيما ذهب إليه من ذلك  . ويتعذر التسليم بعد هذا بان يكون الدائن في الدعوى غير المباشرة من " الغير " بينما هو في الدعوى البولصية ، والدائن فيها لا يمثل المدين بتاتا ، يعتبر " خلفا "   . ويؤسس الأستاذ سليمان مرقس ما ذهب إليه من اعتبار الدائن في الدعوى غير المباشرة " غيرا " على أنه يكون بمثابة الدائن الحاجز  . ولسنا من هذا الرأي  . فالدائن في الدعوى غير المباشرة لا يزال كما قدمنا في المرحلة التمهيدية التي تسبق التنفيذ ، ولم يصل بعد إلى مرتبة الدائن الحاجز الذي بدأ التنفيذ فعلا  . والمدين في الدعوى غير المباشرة لم تغل يده من التصرف في ماله ، بخلاف المدين في الحجز فإن يده مغلولة عن التصرف منذ توقيع الحجز و تنتهي الدعوى غير المباشرة إلى دخول الحق في مال المدين فيبدأ عند ذلك الدائن في التنفيذ عليه بالحجز ، أما الحجز فيؤدي مباشرة إلى أن يستوفى الدائن حقه من المال المحجوز ( أنظر في هذا المعنى الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات ص 139 وخامش رقم 2 )  . ويخشى الأستاذ سليمان مرقس من القول بأن الدائن في الدعوى غير المباشرة لا يعتبر من الغير لأن " القول بهذا الرأي يسمح للمدين الذي رفع دائنه الدعوى باسمه أن يتواطأ مع مدينه ، فيعطيه محرراً عرفيا مثبتا لمخالصة أو لإبراء أو استبدال أو مقاسة ، فيحتج بها مدين المدين على الدائن ، ويفوت عليه بذلك المصلحة التي كان يسعى إليها من وراء استعمال الدعوى غير المباشرة " ( مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 276 )  . ويبدو أن هذه الخشية لا محل لها ، فإن المدين إذا تواطأ من مدينه على هذا النحو ، استطاع الدائن أن يطعن في التصرف بالدعوى البولصية وقد توافرت شروطها ، فالمدين معسر ، والتصرف مفقر وتال لحق الدائن ، والتواطؤ موجود  .

( [330] )        وهذا الرأي يخالف إجماعاً يكاد ينعقد عليه الفقه الفرنسي : ديمولومب 29 فقرة 550 – لوران 16 فقرة 461 – هيك 7 فقرة 219 – بودري وبارد 1 فقرة 691 و 4 فقرة 2360 – كولان وكابيتان ومورانديير 2 ص 749 – بلانيول وريبير ورادوان 7 فقرة 957 – بيدان وبرو 9 فقرة 1221 ص 302 – دي باج 3 فقرة 227 ( الفقه البلجيكي ) ، واجماعا مماثلا يكاد ينعقد عليه الفقه المصري : دي هلتس فقرة 68 – الأستاذ عبد السلام ذهني في الأدلة 1 ص 223 – ص 225 – الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 221 – الأستاذ محمد علي عرفة في مقاله في حجية المحررات العرفية مجلة القانون والاقتصاد 10 ص 167 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 125 – الموجز فقرة 638 ( وقد كنا في الموجز نساير هذا الاجماع )  . أنظر أيضاً محكمة الاستئناف المختلطة 13 فبراير سنة 1901 م 13 ص 198  .

ونحن هنا ، في مخالفتنا لهذا الاجماع ، نوافق الأستاذ سليمان مرقس فيما ذهب إليه من أين الدائن لا يعتبر " غيرا " في الدعوى البولصية ( أنظر مقاله المعروف في مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 297 – ص 283 وكتابه في الإثبات ص 104 هامش رقم 2 )  . وإليه يرجع الفضل ، هنا أيضاً ، في تحرير المسألة وتجليتها ، لا ضد إجماع الفقه المصري فحسب ، بل أيضاً ضد إجماع الفقه الفرنسي  . ومما يتقدم به لتأييد رأيه ما يأتي : " إن القول بأن الدائن في هذه الحالة ( حالة الدعوى البولصية ) يخاصم مدينه ويتهمه بالغش ويطلب اعتبار تصرفه غير نافذ في حقه لا يتعين أن يترتب عليه اعتبار الدائن من الغير بمعنى المادة 228 ( 395 جديد ) ، وذلك لأنه إذا كان يكفي لاعتبار الدائن من الغير في الصورية أن يخاصم مدينه ، فالأمر ليس كذلك في عرف المادة 228 ، ولان الدائن إذا اتهم المدين بالغش فما ذلك إلا للاستحصال على حكم باعتباره من الغير بالنسبة لنفاذ أثر التصرف المطعون فيه  . وأن مجرد طلبه ذلك يؤكد أنه ليس من الغير ما دام لم يحصل على هذا الحكم  . فهو عند رفع الدعوى لا يزال يعتبر في حكم الخلف ، ويكون تاريخ المحرر العرفي المثبت للتصرف المطعون فيه حجة عليه إلى أن يثبت عدم صحته " ( مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 281 )  .

والحجة الرئيسية التي يتقدم بها أصحاب الرأي القائل باعتبار الدائن من الغير في الدعوى البولصية هي أن الدائن يرفع هذه الدعوى بمقتضى حق له خاص استمده من القانون لا من مدينه ، وهو بهذا الحق يهاجم المدين لا يمثله  . وقد رأينا – عند الكلام في مرض الموت – أن هذا الحق الخاص لا يقلب الخلف فيكون " غيرا "  ، فهو لم يقلب الوارث " غيرا " إذ يهاجم التصرف الصادر من مورثه في مرض الموت  . وإنما يتقصر على أن يجعل للدائن " مصلحة " في الطعن  . ولولا وجود هذه المصلحة لما استطاع أن يهاجم تصرف مدينه في الدعوى البولصية ، ولا تصرف مورثه في مرض الموت  . وهذه المصلحة تارة يستمدها من شخصه بمقتضى الحق الخاص الذي منحه إياه القانون كما نرى الآن في الدعوى البولصية وكما رأينا في مرض الموت ، وطورا يستمدها من سلفه بعد أن يخلفه عليها كما رأينا من قبل في حالة الحجر وفي حالة الدعوى غير المباشرة  .

على أن انصار الرأي القائل بأن الدائن يعتبر من الغير في الدعوى البولصية مختلفون فيما بينهم  . فالأستاذ عبد المنعم فرج الصدة مثلا يذهب إلى أنه " إذا لم يكن تاريخ التصرف ثابتا وسابقا على الدين فلا يحتج به على الدائن ويعتبر لاحقا للدين " ( الإثبات ص 134 )  . وهو في هذا الرأي منطقي مع مذهبه ، فمقتضى القول بأن الدائن يعتبر من الغير هو ألا يكون تاريخ التصرف المطعون فيه حجة عليه إذا لم يكن ثابتا  . أما الأستاذ أحمد نشأت فلا يرى " القول بأن تصرف المدين لا يسري على الدائن العادي إلا إذا كان ثابت التاريخ قبل الدين ، لأن الأصل أن الدائن العادي مقيد بجميع تصرفات مدينه السابقة واللاحقة للدين ، وبالتالي ثابتة التاريخ وغير ثابتة التاريخ ، فلا يصح استثناء شيء منها إلا إذا ثبت أن هناك غشا " ( الإثبات 1 ص 226 )  . وهنا يجعل الأستاذ نشأت الدائن من " الغير " في الدعوى البولصية ، ولكنه في الوقت ذاته يبيح لمن تصرف له المدين أن يحتج عليه بالتاريخ العرفي إلى أن يثبت الدائن عدم صحة هذا التاريخ  . وفي هذا تناقض رأينا له نظيراً في الاحتجاج بالتاريخ العرفي للتصرف الصادر في مرض الموت ( أنظر في الرد على الأستاذ أحمد نشأت أصول الإثبات للأستاذ سليمان مرقس ص 104 هامش رقم 2 والإثبات للأستاذ عبد المنعم فرج الصدة ص 134 هامش رقم 2 )  .

( [331] )        ويتبين من ذلك أن الدائن في الدعوى البولصية إما أن يكون تاريخه ثابتا أو غير ثابت  . فإذا كان تاريخه ثابتا ، وكان تاريخ التصرف المطعون فيه ثابتا أيضاً ، فلا بد لنجاح الدعوى البولصية من أن يكون تاريخ الدائن هو الأسبق  . وإن كان تاريخ التصرف غير ثابت احتج به بالرغم من ذلك على الدائن ، إلا أن يثبت هذا أن التاريخ الصحيح متأخر عن تاريخه الثابت – وإذا كان تاريخ الدائن غير ثابت ، فإن كان تاريخ التصرف ثابتا ، جاز للمتصرف له أن يثبت بجميع الطرق أن التاريخ العرفي للدائن غير صحيح وأن التاريخ الحقيقي متأخر عن تاريخ التصرف  . أما إذا لم يكن هناك تاريخ ثابت لا للدائن ولا للمتصرف له ، فلكل منهما أن يثبت بجميع الطرق أن تاريخه هو الأسبق ، ولا تنجح الدعوى البولصية إلا إذا كان الدائن هو الذي يمكن من إثبات ذلك ( قارن الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 126 – وقارن أيضاً نظرية العقد للمؤلف ص 784 هامش رقم 2 )  .

( [332] )        الوسيط الجزء الأول فقرة 350 ص 548  .

( [333] )        ونحن نؤثر أن نقف عند هذا التحديد العملي للغير  . أما التحديدات الفقهية فكثيرة : أ ) من ذلك ما تقدم به أوبرى ورو من أنه يعتبر غيراً " كل من لم يكن طرفاً في الورقة العرفية التي يراد تقدير حجيتها في الإثبات ، ويكون له باسمه الخاص ، بمقتضى القانون أن بمقتضى اتفاق ابرم أو شرط وضعه أحد طرفي الورقة ، حقوق عينية أو شخصية يتعرض وجودها أو سلامتها للخطر لو سرى عليه ما تشهد به الورقة من تصرف قانونين أو واقعة قانونية " ( أوبري ورو 12 فقرة 756 ص 224 – ص 225 )  .

 " … tous ceux qui n'ont pas figure dans l'acte sous seing prive don’t il s'agit d'apprecier la force probante , et qui se trouvent, soit en vertu de la loi, soit en vertu d'une convention passee ou d'une disposition faite par l'une des parties signataires, investis, en leur proper nom, de droits reels ou personnels don’t l'existence ou l'efficacite serait compromise , si la monvention ou le fait juridique constate par cet acte pouvait leur etre oppose  .'

ب ) ومن ذلك أيضاً ما نراه في كولان وكابيتان ومورانديير من أن " الغير في معنى المادة 1328 هم الأشخاص الذين لم يكونوا اطرافا في التصرف ، وكسبوا من أحد المتعاقدين حقوقا يضرها هذا التصرف الذي تشهد به الورقة العرفية لو أن أسبقية التصرف قد ثبتت " ( كولان وكابيتان وموارنديير 2 فقرة 749 ص 501 – أنظر أيضاً جان ماري اسول ( Aussel ) رسالة في الغير في القانون المدني الفرنسي مونبلييه سنة 1952 ص 229 – ص 232 )  .

 " Les tiers de l'article 1328 , ce sont les personnes n'ayant pas figure dans l'acte et ayant acquis de l'un des contractants des droits auxquels porterait prejudice l'acte relate par l'ecrit prive , si l'anteriorite de cet acte etait etabli "  .

ج ) ومن ذلك أيضاً التحديد الذي يقول به الأستاذ سليمان مرقس من " أن الغير بالمعنى المقصود في المادة 228 ( 395 جديد ) يشمل كل شخص لم يكن طرفا في المحرر العرفي ولا ممثلا فيه ، وكان حاصلا بمقتضى عمل قانونين صادر لمصلحته من أحد موقعي المحرر أو بمقتضى نص القانون على حق خاص متعلق بمال معين من أموال الشخص الملتزم بهذا المحرر ، بحيث يؤثر في حقه هذا ، التصرف المدون في المحرر العرفي ، لو صح أن تاريخه سابق على تاريخ هذا الحق " ( المقال المنشور في مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 286 )  .

د ) هذا وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن الغير في حكم المادة 228 من القانون المدني ( 395 جديد ) التي لا تعتبر المحررات العرفية غير ثابتة التاريخ ثبوتاً رسمياً حجة عليه هو الشخص الذي ليس طرفا في المحرر العرفي ويعطيه القانون أو الاتفاق مع طرفي المحرر حقا ذاتياً عينيا أو شخصياً يصير في خطر من جهة قيامه أو التمتع به إن سرى عليه حكم ما يثبت بالمحرر العرفي ( استئناف مصر 26 أبريل سنة 1936 المحاماة 17 رقم 95 ص 210 – أنظر في هذا المعنى بودري وبارد 4 فقرة 2362 )  .

هـ ) ويذهب بيدان وبرو ( جزء 9 فقرة 1221 ) إلى أنه يشترط في الشخص ليكون " غيراً " شرطان : ( أولاً ) ألا يكون طرفا في الورقة العرفية أو ممثلا فيها ( ثانياً ) وأن يتمسك بحق يضره التصرف الذي تشهد به الورقة لو كان سابقاً عليه  .

وبعد فهذه جملة صالحة من خير ما قبل في تحديد " الغير "  ، ويمكن أن يضاف إليها غيرها مما قيل في ذلك  . ولكننا لا نزال نؤثر أن نقول : إن " الغير " في ثبوت التاريخ هو الخلف الخاص والدائن الحاجز على النحو الذي قدمناه  .

ومن الخير إلا نتوسع في رسم منطقة الغير في ثبوت التاريخ ، وألا نتشدد في هذه القاعدة  . فهي قاعدة كان يمكن الاستغناء عنها ، والاكتفاء بإلقاء عبء إثبات الأسبقية في التاريخ على المدعى  . على أن القاعدة ليست قديمة ، ولم تعرف في القانون الفرنسي القديم إلا في النصف الأول من القرن السابع عشر  . وحتى بعد أن عرفت لم يكن لها من الأهمية والشأن في القانون الفرنسي القديم ما أضفى عليها بعد ذلك في القانون الفرنسي الحديث ( أنظر في ذلك بودري وبارد 4 فقرة 2346 )  .

( [334] )        على أنه إذا كان تاريخ كل من المشتريين ثابتا في يوم واحد ، ولم يعرف أيهما اسبق ، فالمكلف منهما بإثبات اسبقيته يعتبر عاجزاً عن هذا الإثبات ، ويفضل عليه صاحب  . ويذهب الأستاذ أحمد نشأت أن لكل منهما أن يثبت أنه صاحب التاريخ الأسبق ، كما في حالة ما إذا لم يكن لأي منهما تاريخ ثابت ( الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 234 وفقرة 296 )  .

( [335] )        أما المستأجر فلا يعتبر خلفا خاصا للمؤجر ، إذ لم ينتقل إليه حق عيني على العين المؤجرة  . ومن ثم لا يكون " غيراً " بالنسبة إلى مستأجر آخر لنفس العين ، ولا تكون المفاضلة بين المستأجرين المتعددين لعين واحدة بالاسبقية في التاريخ الثابت كما تكون المفاضلة بين المشترين المتعددين لمنقول واحد فيما أسلفنا  .  .  . وقد وضعت المادة 573 من التقنين المدني قاعدة أخرى للمفاضلة ، فنصت على ما يأتي : " 1 – إذا تعدد المستأجرون لعين واحدة فضل من سبق منهم إلى وضع يده عليها دون غش ، فإذا كان مستأجر عقار قد سجل عقده وهو حسن النية قبل أن يضع مستأجر آخر يده على العقار المؤجر أو قبل أن يتجدد عقد إيجاره ، فإنه هو الذي فضل  . 2 - فإذا لم يوجد سبب لتفضيل أحد المستأجرين فليس لهم فيما تعارضت فيه حقوقهم إلا طلب التعويض "   . ( قارن الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 237 )  .

( [336] )        قارن ما يقول الأستاذان أوبرى ورو في معنى أن الدائن الحاجز يعتبر من " الغير "  : " إن الدائن الذي يحجز على أموال مدينه إنما يستعمل حقا يستمده من القانون لا من المدين  . فهو يعمل ضد المدين  . ومن الواضح أنه يكون من " الغير " من حيث أنه يدافع عن الحجز بما يجلب من نفع وبما ينتج من أثر ضد تصرفات المدين "   . ( أوبرى ورو 12 ص 237 هامش رقم 121 – أنظر أيضاً : لارومبيير 6 م 1328 فقرة 18 – ديمولومب 29 فقرة 548 – تولييه 8 فقرة 251 – فقرة 252 )  .

( [337] )        وقد انقسم الفقه الفرنسي في اعتبار الدائن " غيراً " في حجز ما للمدين ، فمن الفقهاء من يذهب إلى هذا الرأي : أوبري ورو 12 فقرة 756 وهامش رقم 122 – لارومبيير 6 م 1328 فقرة 22 – هيك 8 فقرة 251 – ديمولومب 29 فقرة 551 – لوران 19 فقرة 324 ( بلجيكي ) – بودري وبارد 4 فقرة 2360 ص 91 – بيدان وبرو 9 ص 302 هامش رقم 4 – دي باج 3 ص 743 ( بلجيكي )  . ومنهم من يذهب إلى عكس ذلك : تولييه 8 فقرة 251 – ديرانتون 13 فقرة 133 – ماركاديه 5 م 1328  . ونرى من ذلك أن الأغلبية في الفقه الفرنسي تعتبر الدائن " غيراً "   . وكذلك الحال في الفقه المصري : دي هلتس تحت لفظ actes فقرة 79 – الأستاذ سليمان مرقس في مقاله في مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 271 – ص 273 وفي كتابه أصول الإثبات ص 102 – 103 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 130 هامش رقم 1 – الأستاذ محمد حامد فهمي في التنفيذ فقرة 218 ، وانظر عكس ذلك الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 223 – فقرة 224  .

أما القضاء الفرنسي فيذهب إلى أن الدائن في حجز ما للمدين لا يعتبر " غيراً "  ، ودفعه إلى هذا الموقف رغبته في أن يجعل المخالصات الصادرة من المدين المحجوز عليه إلى المدين المحجوز لديه سارية في حق الدائن الحاجز ولو لم تكن ثابتة التاريخ  . ولكن المخالصات لها شأن آخر ، فسنرى إنها بمقتضى نص صريح تسري بتاريخها العرفي في حق " الغير " ولو لم يكن هو الدائن في حجز ما للمدين ، وذلك لاعتبارات عملية  . ويلجأ القضاء الفرنسي في تبرير موقفه إلى القول بأن مركز الدائن الحاجز في حجز ما للمدين يعدل مركز الدائن الذي يرفع الدعوى غير المباشرة على مدين مدينه  . والفرق واضح بين المركزين : فالدائن الذي يرفع الدعوى غير المباشرة إنما يعمل باعتباره نائباً عن المدين ، ورفع الدعوى ليس من شأنه أن يغل يد المدين عن التصرف في حقه ، وما ينتج من الدعوى لا يصل إليه الدائن مباشرة بل لا بد من الحجز عليه  . أما الدائن الحاجز فيحجز بمقتضى حق له خاص وهو في ذلك يهاجم المدين لا ينوب عنه ، ثم إن الحجز يغل يد المدين عن التصرف في حقه المحجوز عليه لدى مدين المدين ، وما ينتج من الحجز يصل إليه الدائن مباشرة دون حاجة إلى إجراء آخر  . ولا فرق ما بين الحجز التنفيذي وحجز العقار من جهة وحجز ما للمدين لدى الغير من جهة أخرى : كل هذه حجوز يدخل بها الدائن في مرحلة التنفيذ ، وما حجز ما للمدين لدى الغير من جهة أخرى : كل هذه حجوز يدخل بها الدائن في مرحلة التنفيذ ، وما حجز ما للمدين لدى الغير إلا ضرب من الحجز التنفيذي تكيف على نحو يتلاءم مع طبيعة الدين المحجوز عليه ( بودري وبارد 4 ص 91 ناقلا عن لارومبيير )  . قارن الأستاذ أحمد نشأت 1 في الإثبات فقرة 223 – فقرة 224  .

ومع ذلك فقد تأثرت محكمة الاستئناف المختلطة بالقضاء الفرنسي ، إذ قضت بأن الحاجز إنما يمثل مدينه في الدعوى التي يرفعها على المحجوز لديه بثبوت دين المدين في ذمته ، ولذلك لا يكون له إلا سلوك طرق الإثبات الجائزة للمدين ، كما يجوز للمحجوز لديه أن يحتج عليه بالأوراق العرفية الصادرة من المحجوز عليه ولو لم يكن تاريخها ثابتاً قبل الحجز ( استئناف مختلط 2 يناير سنة 1930 م 42 ص 140 – 31 يناير سنة 1934 م 46 ص 150 – أنظر الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات ص 130 هامش رقم 2 )  .

( [338] )        قضت محكمة النقض – قبل صدور تقنين المرافعات الجديد – بان تسجيل التنبيه بنزع الملكية لا ينشيء للدائن العادي نازع الملكية حقا عينيا على العقار يجيز له ( باعتباره غيرا ) أن يتمسك بعدم تسجيل التصرفات الصادرة من المدين قبل تسجيل التنبيه في صدد الاحتجاج بعدم نفاذ تلك التصرفات عليه ، بل كل ما في الأمر أن هذا الدائن يصبح بهذا التسجيل ممن يشملهم لفظ " الغير " الذين أشارت إليهم المادة 228 من القانون المدني ( 395 جديد ) ، فلا يصح الاحتجاج عليه بالعقود العرفية إلا إذا كان تاريخها ثابتا قبل تاريخ تسجيل التنبيه  . أما إذا كان التصرف موضوع النزاع له تاريخ ثابت سابق على تسجيل التنبيه ، فإنه يعتبر تصرفا نافذا بالنسبة للدائن العادي ومانعاً له من التنفيذ على العين المتصرف فيها ، ولا يجوز له طلب إبطاله إلا إذا اثبت حصوله تواطؤا بين المتصرف والمتصرف له إضراراً بحقوقه هو ، وهذا حتى على فرض أن تسجيل التنبيه يمنع المدين من التصرف في العقار الجاري نزع ملكيته ( نقض مدني 9 يناير سنة 1933 ملحق مجلة القانون والاقتصاد 3 ص 73 – مجموعة عمر 1 رقم 93 ص 165 )  . أما إذا كان المباشر للتنفيذ دائنا له حق مقيد ، فكانت محكمة النقض ( نقض مدني 19 ديسمبر سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 309 ص 988 ) تعتبره " غيرا " في معنى قانون الشهر ، فكل تصرف للمدين لم يشهر قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية لا يكون ساريا في حقه  . وقد قضى تقنين المرافعات الجديد ( م 616 ) على هذا الخلاف ، إذ جعل مناط سريان تصرف المدين في حق الدائن ذي الحق المقيد وفي حق الدائن العادي على السواء هو شهر التصرف قبل تسجيل التنبيه ( الأستاذ محمد حامد فهمي في التنفيذ فقرة 341 وما بعدها – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات ص 132 هامش رقم 1 )  .

( [339] )        ويلاحظ أن توقيع الدائن لأي حجز من هذه الحجوز الثلاثة – الحجز التنفيذي وحجز ما للمدين والحجز العقاري – لا يمنع سائر الدائنين من التدخل في إجراءات الحجز ، ومتى تدخلوا اصبحوا هم أيضاً من " الغير "  ، شأنهم في ذلك شأن الدائن الحاجز الأول ( مقال الأستاذ سليمان مرقس في مجلة القانون والاقتصاد 14 ص 273 – ص 274 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 123 – استئناف مختلط 7 يونية سنة 1938 م 50 ص 352 )  .

( [340] )        أما إذا تعارض حقه كدائن مرتهن مع حق شخص آخر ، كدائن مرتهن ثان أو مشتر أو نحو ذلك ، فإنه يصبح من الغير بالنسبة إليه  . ولكن لما كان القانون يستوجب هنا إجراء آخر غير ثبوت التاريخ ، القيد أو التسجيل ، فإن المفاضلة بينهما تكون ، لا بالأسبقية في التاريخ ، بل بالاسبقية في القيد أو التسجيل  . ولذلك يحسن إخراج هذه الحالة من منطقة الغير ، وقصر المنطقة على الحالات التي يستوجب فيها القانون ثبوت التاريخ دون أي إجراء آخر ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك  .

( [341] )        والدائن الحاجز يعتبر من " الغير " بالنسبة إلى الدائن ذي حق مقيد ، كدائن مرتهن ودائن له حق اختصاص  . فلا يسري في حق الدائن الحاجز هذا الحق المقيد إلا إذا كان شهره ( وهو طبقا ثابت التاريخ ) سابقا على توقيع الحجز  . وكل من يحل محل الدائن المرتهن يعتبر الدائن الحاجز بالنسبة إليه من " الغير "   . فإذا أدى كفيل للمدين ، في دين مضمون برهن ، الدين للدائن أن المرتهن وحل محله في رهنه ، فإن عقد الكفالة الذي يستند إليه في الحلول لا يحتج بتاريخه على الدائن الحاجز إلا إذا كان تاريخا ثابتا سابقا على وفائه للدين ( ديمولومب 29 فقرة 553 – بودري وبارد 4 فقرة 2361 – الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 232 – الأستاذ سليمان مرقس في مقاله المنشور بمجلة القانون والاقتصاد 14 ص 274 – ص 275 )  . كذلك الدائن صاحب حق الاختصاص إذا كان حقه ، في ظل التقنين المدني القديم حيث كان ذلك جائزا ، مبنيا على حكم غيابي قبله المحكوم عليه فامتنع سقوطه بانقضاء ستة شهور ، فإن هذا الدائن لا يحتج على الدائن الحاجز بتاريخ الورقة العرفية التي تثبت قبول المحكوم عليه الحكم الغيابي إلا إذا كان هذا التاريخ ثابتاً ( استئناف مختلط 6 مارس سنة 1934 م 46 ص 198 – 25 مارس سنة 1936 م 48 ص 199 – الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 231 – الأستاذ سليمان مرقس في مقاله المنشور بمجلة القانون والاقتصاد 14 ص 274 )  .

وهناك دائن اعتبره القانون في حكم الدائن الحاجز ، فيعتبر من الغير كالدائن الحاجز  . ذلك أن المادة 842 فقرة أولى من التقنين المدني الجديد نصت على ما يأتي : " لدائني كل شريك أن يعارضوا في أن تتم القسمة عينا أو أن يباع المال بالمزاد بغير تدخلهم  . وتوجه المعارضة إلى كل الشركاء ، ويترتب عليها الزامهم أن يدخلوا من عارض من الدائنين في جميع الإجراءات ، وإلا كانت القسمة غير نافذة في حقهم  . ويجب على كل حال إدخال الدائنين المقيدة حقوقهم قبل رفع دعوى القسمة "   . ويستفاد من هذا النص أن دائن الشريك إذا عارض في أن تتم إجراءات القسمة بغير تدخله ، فكل قسمة تتم بعد هذه المعارضة ولا يدخل فيها الدائن لا تكون نافذة في حقه  . لذلك يكون الدائن المعارض بمثابة الدائن الحاجز بالنسبة إلى تاريخ القسمة ، وهذا بحكم نص القانون  . فلا يحتج إذن بتاريخ القسمة على الدائن المعارض إلا إذا كان هذا التاريخ ثابتا وسابقا على معارضته  . أما إذا كان التاريخ غير ثابت فلا يحتج به على الدائن المعارض ولو كان سابقا على معارضته ، وتكون القسمة في هذه الحالة غير نافذة في حق هذا الدائن  .

وقد عالج الأستاذ سليمان مرقس في مقاله المنشور بمجلة القانون والاقتصاد ( 14 ص 275 ) ، هذه المسألة في ظل التقنين القديم  . ولاحظ أن الدائن ، إذا رفع دعوى القسمة باسم مدينه بدلا من أن يعارض طالبا التدخل ، فإنه لا يعتبر من " الغير " وفقا للراي السائد ( لا لرأيه هو )  . فيحتج عليه بالتاريخ غير الثابت لأن تصرف أجراه المدين في نصيبه الشائع ، ومن ذلك إجراء القسمة ذاتها  . ويستطيع المدين إذن أن يحتج بالتاريخ العرفي لقسمة انفرد بها دون تدخل دائنه بالرغم من رفع الدائن دعوى القسمة باسم مدينه ، ولا يستطيع ذلك إذا عارض الدائن  . ويعيب الأستاذ سليمان مرقس على هذه النتيجة إنها تجعل لمعارضة الدائن أثراً ابلغ من رفعه للدعوى غير المباشرة  . ولسنا نرى بأسا في ذلك ، فإن الدائن إذا اختار الدعوى غير المباشرة فقد اختار أن يعمل نائبا عن مدينه ، فعليه أن يحتمل أثر جميع تصرفات مدينه ومنها إجراء القسمة دون تدخله  . أما إذا اختار الدائن أن يتدخل في القسمة التي يجريها مدينه ، فهو لا يعمل في هذه الحالة باسم مدينه ، بل يعمل باسمه الشخصي ، وقد خوله القانون في هذه الحالة بنص صريح أن يتدخل في إجراءات القسمة وإلا كانت القسمة غير نافذة في حقه  .

( [342] )        والرأي الذي يذهب إلى أن الدائن للمدين المفلس لا يعتبر من " الغير " هو الرأي الراجح في الفقه والقضاء الفرنسيين : يونييه فقرة 697 – ابوري ورو 12 فقرة 756 فقرة 236 – لارومبيير 6 م 1328 فقرة 36 – ديمولومب 29 فقرة 543 – بلانيول وريبير وجابولود فقرة 1484 – بيدان وبرو 9 فقرة 1221 ص 301 – ليون كان ورينو 7 فقرة 477 – محكمة النقض الفرنسية 15 يونية سنة 1843 سيريه 43 – 1 – 467 – 4 يوليه سنة 1854 دالوز 54 – 1 – 223 – 28 يونية سنة 1875 داللوز 75 – 1 – 469 – محكمة استئناف الجزائر 18 فبراير سنة 1888 داللوز 88 – 1 – 473 – محكمة باستيا 26 أكتوبر سنة 1903 داللوز – 1905 – 20 – 361  . أنظر عكس ذلك : لوران 19 فقرة 330 – فقرة 331 – بودري وبارد 4 فقرة 2360 ص 92 – تالير فقرة 1679 – وقارن حكم محكمة النقض الفرنسية 27 يناير سنة 1886 المنشور في حوليات القانون التجاري سنة 1886 – 1887 2 ص 21 في الهامش  .

ويذهب جمهور الفقهاء في مصر إلى الرأي العكسي ، فيقولون بأن الدائن للمدين المفلس يعتبر من الغير : الأستاذ محمد صالح في الإفلاس والصلح الوافي فقرة 60 – الأستاذ سليمان مرقس في مقاله المنشور بمجلة القانون والاقتصاد 14 ص 278 ص 279 وفي كتابه أصول الإثبات فقرة 67 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 127  . ويميل الأستاذ أحمد نشأت ( الإثبات 1 فقرة 228 ) إلى عدم اعتبار دائن المدين المفلس من " الغير "   .

( [343] )        وهناك " غير " أجنبي أصلاً ( penitus extranei ) لا يعنيه في شيء تاريخ الورقة العرفية  . فلو أن عليا أجر داراً لمحمد ، فإن صاحب الدار المجاورة – إذا لم يكن وارثاً لأي من المتعاقدين ولا دائنا له ولا خلفاً خاصاً على الدار لعلي – يكون غيراً اجنبياً أصلاً عن عقد الإيجار  . فلا يعنيه تاريخ الورقة العرفية التي تشهد بالعقد ، اهو تاريخ ثابت أم غير ثابت ، وإذا كان غير ثابت فهل هو تاريخ صحيح أو تاريخ قدم أو آخر ، فعقد الإيجار لا يسري في حقه أصلاً ولم يتحقق أي احتمال في أن يسري في حقه  . لذلك إذا قلنا أن تاريخ الإيجار ولو كان غير ثابت حجة عليه 8 ، أو قلنا بل هو ليس حجة ، فالقولان سيان في حقه ، ولن يختلف مركزه في قول عنه في الآخر  . فلا جدوى إذن من اقحام هذا " الغير " في مسألة التاريخ الثابت للنظر فيما إذا كان يعد " غيراً " أو لا يعد ، فإنه خارج بتاتاً عن هذه الدائرة ( ديمولومب 29 فقرة 526 – بوتييه فقرة 699 – بودري وبارد 4 فقرة 2348 – الأستاذ سليمان مرقس في مقاله المنشور بمجلة القانون والاقتصاد 14 ص 268 – الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 217 )  .

على أنه قد يقع أن هذا " الغير " – وهو أجنبي أصلاً عن العقد كما رأينا – يرى نفسه في وضع يتأثر فيه بالعقد ، إذ يستطيع اتخاذه سبباً لكسب حق ، أو يصبح العقد بحكم ظروف لاحقة سبباً للانتقاص من حق له  . عند ذلك قد يعنيه تاريخ العقد ، اهو ثابت أم غير ثابت ، وهل قدم أو آخر  . وفي رأينا أنه يظل ، حتى في هذه الأحوال ، خارجاً عن نطاق " الغيرية " التي لا يحتج فيها إلا بالتاريخ الثابت  . ومن ثم يحتج عليه بالتاريخ العرفي للورقة ، وله أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ بجميع الطرق إذا كان هنا غش  . ونأتي بأمثلة توضح ذلك :

1 - هب أن علياً في المثل المتقدم باع داره من محمد بدلا من أن يؤجرها  . فصاحب الدار المجاورة يبقى اجنبياً أصلاً عن البيع كما هو أجنبي أصلاً عن الإيجار  . ولكنه سيري نفسه في وضع يتأثر فيه بهذا البيع ، إذ يستطيع اتخاذه سببا – وهو جار – لكسب حق وهو أخذ الدار المبيعة بالشفعة  . فهل يحتج عليه بالتاريخ العرفي للبيع في هذه الحالة ، ويفرض في هذا التاريخ أنه صحيح ، حتى يثبت بجميع الطرق أنه قدم ليقع البيع في وقت لم يكن هو فيه مالكا للدار المجاورة المشفوع بها ، بفرض أن طرفي الورقة قد تواطأ على تقديم التاريخ احتيالا منهما لمنعه من الأخذ بالشفعة ؟ أو يعتبر أن هذا التاريخ العرفي ليس حجة عليه ، فلا يكلف نفسه عبء إثبات عدم صحته ، ويفرض فرضا غير قابل لإثبات العكس أن البيع لاحق لتملكه للدار المجاورة ، ويتمسك بوجوب أن يكون التاريخ ثابتاً ليكون حجة عليه ؟ ظاهر أن الرأي الأول – يحتج عليه بالتاريخ العرفي إلى أن يثبت عدم صحته – هو الرأي الصحيح  .

2 - وهب أن علياً الذي باع الدار من محمد لم يكن يملكها  . فالمالك الحقيقي للدار يعتبر " غيرا " أجنبياً أصلاً عن هذا البيع ، لا يسري عليه ولا يتأثر به  . ولكن هذا البيع ، بحكم ظروف لاحقة ، أصبح سبباً للانتقاص من حقه ، بل لزواله  . فقد حاز محمد الدار ، وهو حسن النية ، وفي يده البيع ، وهو سبب صحيح ، وبقى حائزاً للدار خمس سنوات هي مدة التقادم القصير ، فملك الدار بهذا التقادم  . نعرف أن الفقرة الثالثة من المادة 969 من التقنين المدني الجديد تشترط أن يكون السبب الصحيح " مسجلا طبقا للقانون "   . ولكن هذا شرط حادث  . ففي القانون الفرنسي لا يشترط التسجيل ، وكان الأمر كذلك في عهد التقنين المدني المصري القديم لا سيما في العهد السابق على العمل بقانون التسجيل ( قبل أول يناير سنة 1924 )  . فنفرض إننا لا نزال في هذا العهد سابق حتى يستقيم لنا الفرض  . فهل يحتج على المالك الحقيقي بالتاريخ العرفي للبيع ، ويرجع إلى خمس سنوات مضين عند بدء الحيازة ، إلى أن يثبت بجميع الطرق أن هذا التاريخ قد قدم عمدا ليساير الحيازة في مبدئها وأن البيع لم يصدر في الحقيقة إلا بعد ذلك ؟ أو يعتبر أن هذا التاريخ العرفي ليس حجة عليه ، فلا يكلف نفس عبء إثبات عدم صحته ، ويفرض فرضا غير قابل لإثبات العكس أن البيع تال لبدء الحيازة ، ويتمسك بوجوب أن يكون تاريخ البيع ثابتا ليكون حجة عليه ؟ ظاهر هنا أيضاً أن الرأي الأول – يحتج عليه بالتاريخ العرفي للبيع إلى أن يثبت عدم صحته – هو الرأي الصحيح  . ومع ذلك فقد اجمع الفقه الفرنسي على الرأي العكسي ( أوبري ورو طبعة خامسة جزء 2 فقرة 218 ص 547 – جيلوار فقرة 567 – هيك 14 فقرة 451 – بودري وتيسييه 28 فقرة 677 – بلانيول وريبير وبولانجيه 1 فقرة 3166 – محكمة النقض الفرنسية 18 يناير سنة 1899 سيريه 1901 – 1 – 415 – أنظر مع ذلك بوتييه فقرة 99 )  . على أن الأمر ، إذا نظر إليه من الناحية العملية ، يبدو ميسور الحال  . فمحمد الذي يتمسك بالتقادم سيثبت أنه حاز الدار خمس سنوات وكان في يده سبب صحيح منذ البداية ، وفي هذا إثبات لتاريخ البيع  . فكيف يقال له بعد ذلك : لا يجوز لك أن تثبت صحة هذا التاريخ العرفي ، ولا يجوز أن تحتج على المالك الحقيقي إلا بالتاريخ الثابت ، وهو إنما يثبت واقعة مادية هي صدور البيع في تاريخ معين ! فليس المالك الحقيقي هو الذي يثبت عدم صحة التاريخ العرفي ، بل المتمسك بالتقادم هو الذي يثبت صحته ، وفي الفرضين لا يشترط أن يكون التاريخ ثابتا  . هذا ونلاحظ أن البيع في هذا المثل ، وفي المثل السابق أيضاً ، إنما ينتج اثراً ، بالنسبة إلى المالك الحقيقي أو بالنسبة إلى صاحب الدار المجاورة ، باعتباره واقعة مادية ( fait materiel ) لا باعتباره تصرفاً قانونياً ( acte juridique )  .

3 - وهب أن العقد الذي تم بين على ومحمد هو عقد قرض ، فاقترض على من محمد مبلغا من النقود بورقة عرفية تاريخها غير ثابت  . لا شك في أن زيداً – وهو شخص لا هو خلف عام ولا خلف خاص ولا دائن – يعتبر " غيرا " أجنبياً أصلاً عن القرض ، فلا يعنيه تاريخه في شيء  . ولكن قد يقع ، بحكم ظروف لاحقة ، أن زيداً يتأثر بهذا القرض انتقاصا من حقوقه ( وفي المثل السابق كان التأثر عن طريق زوال الحق إطلاقاً ) ، فيهب له على مالا ، ويشترط في الهبة أن يوفي زيد الموهوب له بديون الواهب الموجود وقت الهبة  . فهل يحتج على زيد في هذه الحالة بالتاريخ العرفي للقرض ، وهو سابق على الهبة ، فيلتزم زيد بوفاء هذا القرض ، إلا أن يثبت أن التاريخ العرفي للقرض قد قدم عمداً ليكون سابقاً على الهبة وأن التاريخ الحقيقي لا حق لا سابق ؟ أو يعتبر زيد أن هذا التاريخ العرفي ليس حجة عليه ، فلا يكلف نفسه عبء إثبات عدم صحته ، ويفرض فرضا غير قابل لإثبات العكس أن القرض تال للهبة ، ويتمسك بوجوب أن يكون تاريخ القرض ثابتا ليكون حجة عليه ؟ ظاهر هنا أيضاً أن الرأي الأول – يحتج عليه بالتاريخ العرفي للقرض إلى أن يثبت عدم صحته – هو الرأي الصحيح ( قارن في هذه المسألة أوبري ورو 12 ص 233 )  .

( [344] )        وقد أورد الأستاذ سليمان مرقس في مقاله المنشور بمجلة القانون والاقتصاد ( 14 ص 281 – ص 282 ) تطبيقاً حسناً لهذا الشرط  . فهو بعد أن قرر أن الدائن في الدعوى البولصية لا يعتبر " غيراً "  ، استثار اعتراضاً على هذا الرأي فقال : " وقد يعترض على هذا الرأي بأن الدائن يستطيع ، بدلا من الالتجاء إلى الدعوى البولصية حيث نكلفه بإثبات عدم صحة تاريخ المحرر المثبت للتصرف الذي اضر به ، أن يتجاهل حصول هذا التصرف ويوقع الحجز على المال المتصرف فيه باعتبار أنه لا يزال مملوكا لمدينه ، فيترتب له بالحجز حق خاص على المال المحجوز عليه يجعله في حكم الغير بمعنى المادة 228 ( م 395 جديد ) ، فيكفيه أن يتمسك بعدم ثبوت تاريخ المحرر المثبت للتصرف إذا أريد الاحتجاج به عليه  . فيكون هذا المذهب في تفسير القانون مشجعا للدائنين على أن يسلكوا الطريق المعوج الذي يفتحه لهم سوء النية  . ولكن يرد على ذلك  .  .  . بأنه إذا كان الدائن حاصلا على سند تنفيذي وأوقع الحجز بمقتضى هذا السند وتمسك بالمادة 228 بصفته حاجزاً حتى لا يكون تاريخ التصرف العرفي حجة عليه ، فأن المتصرف إليه بهذا المحرر يجوز له أن يثبت علم الدائن بهذا التصرف قبل توقيع الحجز ، فيثبت بذلك سوء نيته  . ومتى ثبت سوء نية الدائن فإنه لأي جوز له أن يستفيد من المادة 228 ، لأن المشرع لا يمكن إني حمي سوء النية ، ولا أن يكون قد أراد بالمادة 228 ( م 395 جديد ) حماية الأشخاص الذين يتخذون القانون ستاراً لارتكاب الغش "   .

أنظر في أن سوء النية هو مجرد علم " الغير " بسبق وجود الورقة التي يراد أن يحتج بها عليه " بودري وبارد 4 فقرة 2374 – الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 235 – الأستاذ سليمان مرقس في مقاله المنشور بمجلة القانون والاقتصاد 68 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 131  . وكثير من الفقهاء في فرنسا يذهبون إلى أنه لا يكفي مجرد العلم بسبق وجود الورقة ، بل يجب أيضاً أن يكون " الغير " قد ارتكب غشا كأن يكون قد تواطأ مع من صدرت منه الورقة إضراراً بحق من يحتج بها : أوبري ورو 12 فقرة 756 ص 245 – ص 246 وهامش رقم 137 – لامور مبيير 6 م 1328 فقرة 39 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1485  .

( [345] )        وهذا ما يبود أن الفقه الفرنسي يذهب إليه ويقرره دون مناقشة : أنظر أوبري ورو 12 فقرة 760 ( ثالثاً ) ص 297 – بودري وبارد 4 فقرة 2377 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1505 – دي باج ( بلجيكي ) 3 فقرة 792 – أنظر أيضاً في هذا المعنى الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 279 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 132 ص 145 – ص 146  .

ونحن نتردد في التسليم بهذا الاستثناء  . ذلك أن ثبوت التاريخ إنما اشترطه القانون في الأوراق العرفية حتى يتفادى بهذا الشرط تواطؤ أطراف الورقة على تقديم التاريخ الحقيقي أو تأخيره  . وهذا يقع أكثر ما يقع في الأوراق التي تعد مقدما للإثبات ، ففيها يتوجه الطرفان إلى هذه الحيلة وتتهيأ لهم الفرصة في تغيير التاريخ الحقيقي  . أما الورقة العرفية التي تستخدم للإثبات عرضا دون أن تكون قد أعدت في الأصل لهذا الغرض ، فقل أن يخطر في بال من حررها ، إذا عنى بكتابة تاريخها ، أن يقدم هذا التاريخ أو يؤخره  . وإذا وقع ذلك ، أو وقع أن محرر الورقة أخطأ غير عامد في التاريخ ، ففي هذه الأحوال النادرة لا يوجد مانع من القول بأن التاريخ العرفي للورقة – حتى لو كانت رسالة – يبقى حجة على الغير ، وللغير بطبيعة الحال أن يثبت بجميع الطرق أن التاريخ العرفي الذي تحمله الرسالة غير صحيح ( أنظر الأستاذ سليمان مرقس في مقاله المنشور بمجلة القانون والاقتصاد فقرة 66 ، وقارن بودري وبارد 4 فقرة 2379 )  .

( [346] )        ذلك أن مبدأ الثبوت بالكتابة يكون في الغالب ورقة لم تعد للإثبات مقدما ، وقد ذكرنا أن الأوراق التي لم تهيأ للإثبات لا يشترط فيها ثبوت التاريخ  . أما في فرنسا فيقع كثيراً أن ورقة عرفية تهيأ للإثبات دليلا كاملا ثم لا تصلح إلا مبدأ ثبوت بالكتابة ، وذلك كالورقة التي تشهد على عقد ملزم للجانبين ولا تحرر من نسخ تتعدد بتعدد ذوي المصالح المتميزة ، وكالورقة التي تشهد على عقد ملزم لجانب واحد ولا تحمل عبارة الاعتماد المعروفة ، فهذه وتلك يشترط فيهما ، حتى كمبدأ ثبوت بالكتابة ، ثبوت التاريخ ليكون هذا التاريخ حجة على الغير ، لا ،هما اعدتا مقدماً للإثبات  . فالعبرة إذن بالاعداد مقدماً للإثبات لا بأن الورقة دليل كامل أو مبدأ ثبوت بالكتابة ، فهناك دليل كامل لا يشترط فيه ثبوت التاريخ لأنه لم يعد مقدما للإثبات كالدفاتر والأوراق المنزلية ، وهناك على العكس من ذلك مبدأ ثبوت بالكتابة يشترط فيه ثبوت التاريخ لأنه كان قد اعد مقدماً للإثبات كالورقة العرفية التي لم تتعدد نسخها في القانون الفرنسي ( قارن أوبري ورو 12 فقرة 756 ص 223 هامش رقم 101 ( ثالثاً ) – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1486 – دي باج 3 فقرة 893 ثالثاً – قارن أيضاً الأستاذ سليمان مرقس في مقاله المنشور بمجلة القانون والاقتصاد 66 ص 93 – ص 94 و الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 132 ص 145 )  .

( [347] )        ويترك الأمر فيها لتقدير القاضي : أوبري ورو 12 فقرة 756 مكررة ص 247  . ويرجع في ذلك إلى الدفاتر التجارية والمراسلات وغيرها  . أما المسائل التجارية التي أوجب القانون فيها الإثبات بالكتابة ، كالرهن التجاري ( م 76 تجاري ) ، فيجب أن يكون التاريخ ثابتا ليكون حجة على الغير ( بودري وبارد 4 فقرة 2377 – الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 274 )  .

( [348] )        أنظر عكس ذلك جوسران 2 فقرة 191 – الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات فقرة 66 ص 94 هامش رقم 3 – وغني عن البيان أنه في الصور الأخرى التي لا يكون فيها الدليل الكتابي واجباً ولم توجد ورقة عرفية للإثبات – كما إذا وجد مانع من الحصول على الكتابة أو فقدت الكتابة بقوة قاهرة – لا محل لاشتراط التاريخ الثابت لأن الورقة العرفية ذاتها غير موجودة  . وهذا الفرض يرد إلى الحالة الأولى حين لا تكون هناك ورقة عرفية أصلاً لإثبات التصرف القانوني ، وقد سبق ذكرها  .

( [349] )        وذلك كالأمثلة التي أوردناها في حالة الغير الأجنبي أصلاً ( penitus extranei ) حين يحتج عليه بتصرف قانونين باعتباره واقعة مادية ( البيع باعتباره عنصرا من عناصر الأخذ بالشفعة أو باعتباره سببا صحيحا في التقادم القصير : أنظر ص 230 هامش رقم 1 )  .

( [350] )        استئناف مصر 22 يناير سنة 1936 المحاماة 17 رقم 57 ص 116 – استئناف مختلط 7 نوفمبر سنة 1901 م 14 ص 6 – محكمة الفشن 17 فبراير سنة 1915 المجموعة الرسمية 17 رقم 57  . ومع ذلك إذا عملت محاسبة بين الغير وصاحب الإيصالات غير ثابتة التاريخ ، فلا يجوز لصاحب الإيصالات الادعاء بإيصالات أخرى قد سها عليه ادخالها في الحساب ، إنما يجوز الأخذ بها إذا كانت ثابتة التاريخ وسابقة على تاريخ المحاسبة ( محكمة مصر الوطنية 24 ابريل سنة 1927 المحاماة 7 رقم 471 ص 821 )  .

( [351] )        ولأن المخالصات تعتبر عادة عملا من أعمال الإدارة ، وهذا بخلاف الوفاء مع الحلول أو الإبراء من الدين أو التجديد أو الصلح أو نحو ذلك فهذه أعمال تصرف : أنظر في هذا المعنى أوبرى ورو 12 فقرة 756 ص 233 – ص 235  .

( [352] )        بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1484 ص 926 – وانظر في أن المحجوز لديه لا تحوطه شبهة إذا قدم مخالصة حتى بعد توقيع الحجز ، وتحوط الشبهة المحال عليه في حوالة الحق إذا لم يقدم المخالصة عند إعلانه بالحوالة أو عقب هذا الإعلان ، إلى أوبرى ورو 12 فقرة 756 ص 237 – ص 238 وهامش رقم 122  .

( [353] )        أنظر الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 133 – هذا وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا المشروع في هذا الصدد ما يأتي : " وقد سبق أن أشار البعض بوجوب استثناء المخالصات من أحكام ثبوت التاريخ بمقتضى نص خاص استنادا إلى ما جرى عليه القضاء  . وقد اقر القضاء من عهد بعيد عرف التعامل في عدم اشتراط قيد المخالصات اقتصادا للنفقات – بيد أن نطاق هذا العرف يتناول المخالصات العادية فحسب دون المخالصات التي ترتب حقا في الحلول  . ولذلك احتاط المشروع الفرنسي الإيطالي ( م 283 ) فجعل للقاضي سلطة تقدير يعتد في أعمالها بما يعرض من ظروف ، وقد رؤى احتذاء هذا المشروع ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 3 ص 374 – ص 375 )  .

( [354] )        هذا وعدا هذه الأحوال الخمس هناك حالتان :

( في احداهما ) قد يوجد التاريخ الثابت ، ومع ذلك لا يكفي ليكون حجة على الغير  . وهي الحالة التي سبق أن ذكرناها عندما يتطلب القانون إجراء آخر للحجية على الغير ، كالتسجيل والقيد وإعلان الحوالة أو قبولها  . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا المشروع في هذا الصدد ما يأتي : " إن المادة 530 من المشروع لا تطبق إذا كان الغير قد كفلت له الحماية بمقتضى نصوص خاصة ، كالنصوص المتعلقة باشتراط التسجيل أو التسليم في تمليك المنقولات " ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 3 ص 373 )  .

( وفي الحالة الأخرى ) على العكس من الحالة الأولى قد لا يوجد التاريخ الثابت ، ومع ذلك يكفي التاريخ العرفي ليكون حجة على الغير  . ويتحقق ذلك إذا لم يتمسك الغير بوجوب أن يكون التاريخ ثابتا ونزل عن حقه في ذلك على نحو واضح لا لبس فيه  . وذلك أن قاعدة ثبوت التاريخ إنما وضعت لحماية الغير ، فهي ليست قاعدة من النظام العام  . ومن ثم يجوز للغير عدم التمسك بها والتسليم بالتاريخ العرفي الذي يحتج به عليه ( أوبري ورو 12 فقرة 756 ص 245 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1486 – بيدان وبرو 9 فقرة 1222 ص 304 )  . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا المشروع في هذا الصدد ما يأتي : " أن المادة 530 من المشروع لا تطبق  .  .  . إذا كان من يحتج عليه بالتاريخ قد اعترف بصحته صراحة أو ضمنا أو تنازل عن التمسك بعدم مطابقته للواقع " ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 3 ص 373 )  .

( [355] )        وهناك فرق بين طبيعة التاريخ العرفي الذي تحمله الورقة العرفية وطبيعة التاريخ الرسمي فالتاريخ الأول جزء من الاتفاق كما قدمنا ، فهو جزء من التصرف القانونين  . أما الثاني فواقعة مادية يشهد بها الموظف العام الذي تولى توثيق التاريخ : أنظر في هذا المعنى أوبري ورو 12 فقرة 56 ص 1270 هامش رقم 101  .

( [356] )        وفي فرنسا – حيث اقتصر النص على ذكر الورقة الرسمية لإثبات مضمون الورقة العرفية بها كطريق من طرق إثبات التاريخ ، ولم يذكر النص إلى جانب الورقة الرسمية الورقة العرفية ثابتة التاريخ كما ذكر نص التقنين المصري ذلك – غلب الرأي القائل بأن الموظف العام يجب أن يكون قد اطلع على الورقة العرفية عند إيراد مضمونها في الورقة الرسمية ( أنظر لوران 19 فقرة 285 – دي باج 3 فقرة 797 )  . أما في مصر – حيث يجوز إثبات تاريخ ورقة عرفية عن طريق ذكر مضمونها في ورقة عرفية أخرى تكون ثابتة التاريخ – فلا يشترط إذن الإطلاع على الورقة العرفية الأولى لا عند إيراد مضمونها في الورقة العرفية الثابتة التاريخ ولا عند إيراد مضمونها في الورقة الرسمية ( أنظر الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات فقرة 71 مكرر ص 110 – ص 111 )  . وإيراد مضمون ورقة عرفية في ورقة أخرى ثابتة التاريخ يجعل تاريخ الورقة الأولى ثابتا ، ولكن لا يعفي من تقديم الورقة ذاتها ولا يكتفي بمضمونها الوارد في الورقة الأخرى ، فالاتفاق الشفوي لا يكسب تاريخاً ثابتاً إذا ورد مضمونه في ورقة ثابتة التاريخ ( الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات ص 153 – ص 154 )  .

وقد قضت محكمة النقض بأن ورود المحرر العرفي في محرر آخر ثابت التاريخ من شأنه أن يجعله ثابت التاريخ من يوم ثبوت التاريخ الذي ورد فيه ( نقض مدني 6 ابريل سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 106 ص 414 )  .

( [357] )        ولكن التاريخ الثابت لتوكيل لا يكسب التصرفات ذات التاريخ اللاحق التي أبرمت بناء على هذا التوكيل تاريخا ثابتا ( استئناف مختلط 10 مايو سنة 1906 م 18 ص 249 )  . كذلك موت الموكل لا يجعل لتصرف أمضاه الوكيل نيابة عنه تاريخا ثابتا ( استئناف مختلط 23 يناير سنة 1912 م 25 ص 196 )  .

( [358] )        وقد قضت محكمة الاستئناف الأهلية بعدم اعتبار التاريخ الذي يضعه المحكمون في أحكامهم ثابتاً ثبوتاً رسميا ، فيجوز الطعن فيه بكل الطرق القانونية بما فيها قرائن الأحوال ( 8 نوفمبر سنة 1915 المجموعة الرسمية 17 رقم 28 )  .

( [359] )        الموجز للمؤلف ص 671 و ص 672  . أنظر عكس ذلك الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 288  .

( [360] )        بشرط أن يكون وقت الوفاة ثابتاً ، كأن تدل عليه شهادة مستخرجة من سجل اولفيات ( استئناف مختلط 15 ابريل سنة 1897 م 9 ص 272 )  .

( [361] )        استئناف مختلط 4 ديسمبر سنة 1889 م 2 ص 56 – 22 مايو سنة 1901 م 13 ص 325  .

( [362] )        وقد جرى القضاء المختلط على عدم الاعتراف بثبوت التاريخ عن طريق بصمة ختم لمتوفى ، ولو ثبت أن الختم قد اعدم بمجرد الوفاة ( استئناف مختلط 7 فبراير سنة 1935 م 47 ص 150 – 20 نوفمبر سنة 1945 م 58 ص 8 – أنظر أيضاً : 15 ابريل سنة 1897 م 9 ص 272 – أول ابريل سنة 1908 م 20 ص 158 – 16 يونية سنة 1931 م 43 ص 450 )  .

( [363] )        وهذه مسألة واقع تقدرها محكمة الموضوع ( نقض مدني 27 ابريل سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 120 ص 206 )  . ومما يدل على سهولة التحايل على إثبات التاريخ عن طريق بصمة ختم المتوفى أن قانون التسجيل الصادر في سنة 1923 – وقد نص على استثناء المحررات العرفية من أحكامه متى كان تاريخها ثابتاً قبل العمل به – لم يكد يصدر حتى بادرت الناس إلى إثبات تواريخ عقودها عن طريق تزوير بصمة ختم لشخص متوفى ، وظلوا على هذا النحو مدة طويلة  . فصدر القانون رقم 30 لسنة 1942 يقضي بأنه " لا يقبل بعد 31 ديسمبر سنة 1942 تسجيل المحررات المتقدم ذكرها والتي لا يستند في إثبات تاريخها إلا إلى وجود إمضاء أو اختم فيها لإنسان توفى "  . والظاهر من التسوية بين الإمضاء والختم في مظنة التزوير أن الناس لجأوا أيضاً إلى تزوير امضاءات المتوفين كما زوروا اختامهم  . وانتقلت أحكام هذا القانون الأخير إلى قانون الشهر العقاري الذي حل محل قانون التسجيل ( أنظر في هذه المسألة الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات ص 113 هامش رقم 1 )  .

( [364] )        الموجز للمؤلف ص 670 – ص 671  .

( [365] )        كما يكفي في ثبوت التاريخ تقديم الورقة في قضية بحيث تتناولها المرافعة ولو لم يؤشر عليها بما يفيد ذلك ( محكمة الإسكندرية الوطنية 21 يناير سنة 1931 المحاماة 11 رقم 489 ص 975 – أنظر أيضاً محكمة النقض الدائرة المدنية في 30 مايو سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 276 ص 831 )  . ويعتبر التاريخ الثابت للورقة في هذه الحالة وقت تقديمها إلى المحكمة ، ويثبت ذلك بشهادة من قلم الكتاب ( استئناف مختلط 28 نوفمبر سنة 1933 م 45 ص 55 )  . وقد قضت محكمة النقض أيضاً بأن العقد إذا ذكره الطرفان محدداً في إنذارات رسمية ، فإنه يكتب التاريخ الثابت لهذه الإنذارات ( نقض مدني 13 ابريل سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 119 ص 205 )  .

ويمكن القول أن ثبوت علم " الغير " بالورقة العرفية ، يجعل لها تاريخاً ثابتاً له حجيته على هذا الغير من وقت علمه بالورقة  . ومما يساعد على هذا القول ما قدمناه من أن قاعدة ثبوت التاريخ ليست من النظام العام ، فيجوز أن يعترف " الغير " بصحة التاريخ غير الثابت أو ينزل عن التمسك بوجوب أن يكون التاريخ ثابتاً  . أما في فرنسا فيصعب القول بذلك ، لأن طرق إثبات التاريخ هناك مذكورة على سبيل الحصر كما سنرى ( أنظر في هذا الطريق من إثبات التاريخ بلانيول ويبير وجابولد 7 فقرة 1845 – بيدان وبرو 9 فقرة 1222 ص 304 )  .

وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " وقد توسع التقنين الإيطالي في بيان الوسائل التي تقدمت الإشارة إليها  . وذكر من بينها بوجه خاص حالة طروء عجز جسماني يحول دون الكتابة ( كبتر الأعضاء أو الشلل الكلي )  . أما التقنين المراكشي ( م 425 ) والمشروع الفرنسي الإيطالي ( م 283 ) فقد أثراً سرد هذه الوسائل على سبيل المثال ، حتى يتيسر للقاضي أن يعتد بسائر ما لم يرد في النص من الإمارات البينة الدالة على اسبقية تاريخ الورقة العرفية  . بيد أن ينبغي التنويه بأن كفالة الغرض الذي كان يرمي إليه التقنين المصري والتقنين الفرنسي ، وسد ذرائع التحكم ، يوجبان على القاضي عدم الاجتزاء بتأسيس حكمه على وقائع يترجح معها مجرد احتمال مطابقة التاريخ للواقع ، ويقتضيانه تسبيب حكمه وإسناده إلى وقائع قاطعة  . ولذلك استظهر المشروع دلالة المقصود في هذا الشأن فنص على أن التاريخ يكون ثابتاً ( من يوم وقوع أي حادث مماثل من حيث الطبيعة يكون قاطعاً في أن الورقة قد صدرت قبل وقوع هذا الحادث ) ، محتذياً مثال المادة 425 من التقنين المركشي " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 374 )  .

( [366] )        وتأييداً لذلك قضت محكمة النقض بأن وسائل إثبات التاريخ الواردة بالمادة 229 مدني ( قديم ) ليست واردة بها على وجه الحصر  . فإذا قدمت ورقة ما في قضية ، وتناولتها المرافعة بالجلسة التي نظرت فيها تلك القضية ، فهذا يكفي لاعتبار تاريخ الورقة ثابتاً من يوم تلك الجلسة ( نقض مدني 30 مايو سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 276 ص 821 وهو الحكم الذي سبقت الإشارة إليه )  . وقضت محكمة الإسكندرية الكلية الوطنية بأن المادة 229 مدني ( قديم ) لم تذكر طرق إثبات التاريخ على سبيل الحصر ، وعلى ذلك يجوز أن يكسب المحرر تاريخاً ثابتاً إذا ورد ذكره في محرر رسمي ( 25 يونيه سنة 1929 المحاماة 9 رقم 607 ص 1122 )  . وقضت هذه المحكمة أيضاً بأن المشرع المصري ، على خلاف المشرع الفرنسي ، يعتبر وسائل إثبات التاريخ المنصوص عليها أمثلة يجوز القياس عليها ( 21 يناير سنة 1931 المحاماة 11 رقم 485 ص 975 )  . وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بثبوت التاريخ من ذكر أن الورقة قدمت لخزانة المحكمة لتحصيل الرسوم ( أول مارس سنة 1893 م 5 ص 138 ) وبثبوت تاريخ عملية ورد ذكرها في دفتر من دفاتر التجار المنتظمة ( 19 مايو سنة 1903 م 15 ص 101 )  . وقد ورد في الموجز للمؤلف ( ص 671 – ص 672 ) في هذا المعنى ما يأتي : " على أن الطرق الثلاثة المتقدمة لم تذكر على سبيل الحصر ، فكل طريق آخر يمكن التثبت به من تاريخ السند العرفي يصلح طريقاً لإثبات تاريخ هذا العقد "  .

ومع ذلك فقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة في بعض أحكامها بأن وسائل إثبات التاريخ ( في التقنين السابق ) قد وردت على سبيل الحصر : استئناف مختلط 6 مايو سنة 1914 م 26 ص 375 – 10 مايو سنة 1917 م 29 ص 458  . وقضت محكمة أبو حمص بأن النشر عن ضياع عقد في إحدى الصحف ليس من طرق إثبات التاريخ المنصوص عليها قانوناً ، وهي على الرأي الراجح واردة في المادة 229 مدني ( قديم ) على سبيل الحصر ( 30 يناير سنة 1934 المحاماة 15 رقم 28 / 2 ص 61 )  . ولعل هذا يفسر ما ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي من " وسائل إثبات التاريخ  .  .  . وردت في التقنين المصري ( م 294 مختلط ) والتقنين الفرنسي ( م 1328 ) على سبيل الحصر ، تيسيرا لتثبت الغير من ذلك ، ودفعا لتحكم القضاء  . بيد أن الفقه يعني على مذهب الحصر هذا جموده ، ولا سيما أنه يقتضى بطبيعة الحال عدم التوسع في تفسير النصوص " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 374 )  .

( [367] )        اوبرى ورو 12 ص 243 – ص 244 – بودري وبارو 4 فقرة 2369 – بلانيول ويبير وجابولد 7 فقرة 1485 ، وانظر أيضاً فقرة 1483 حيث ينتفدون السياسة التشريعية في حصر طرق إثبات التاريخ  .

( [368] )        اوبرى ورو 12 ص 246 – وانظر أيضاً الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات فقرة 75 ، والأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 140  .

( [369] )        استئناف مختلط 25 ديسمبر سنة 1895 م 8 ص 57 – 19 مارس سنة 1903 م 15 ص 211 – 29 مارس سنة 1905 م 17 ص 185 – 3 يونية سنة 1915 م 27 ص 383 – 9 ديسمبر سنة 1915 م 28 ص 54 – 16 نوفمبر سنة 1916 م 29 ص 55 – 5 ديسمبر سنة 1916 م 29 ص 85 – 16 ديسمبر سنة 1924 م 37 ص 66 – 17 يونية سنة 1924 م 36 ص 439 – 23 يونية سنة 1931 م 43 ص 461 – 14 يناير سنة 1 937 م 49 ص 71  . محكمة جرجا 16 يونية سنة 1904 المجموعة الرسمية 6 رقم 45  .

على أن محكمة الاستئناف المختلطة قد قضت بأنه إذا ثبت وجود مستند في ملف ا لدعوى بمحكمة أول درجة ، وقد اختفى هذا المستند من الملف فيما بعد ، فإن ترجمة هذا المستند ، المصدق عليها من السلطة المختصة والتي قدمت إلى محكمة أول درجة قبل المرافعة ، يصح أن يكون لها من قوة الإثبات أمام محكمة الاستئناف ما للأصل المفقود ( استئناف مختلط ) مايو سنة 1900 م 12 ص 238 )  .

هذا ويجب تقديم أصل الورقة كدليل للاثبات إلى محكمة الموضوع  . فإذا قدمت صورة فوتوغرافية لعقد عرفي لمي سجل ، واستبعدتها محكمة الموضوع ، لا تكون قد خالفت القانون  . وإذا أريد بعد ذلك تقديم الأصل لأول مرة أمام محكمة النقض ، فلا يصح ذلك لأنه لا يجوز قبول مستندات جديدة أمام محكمة النقض ( نقض مدني 29 ابريل سنة 1948 مجموعته عمر 5 رقم 307 ص 612 – المحاماة 29 رقم 210 ص 394 )  .

أنظر أيضاً في هذا الموضوع أوبري ورو 12 ص 280 – بونييه 2 فقرة 793 – ديمولومب 29 فقرة 677 – فقرة 680 – بلانيول وريبير وجاوبولد 7 فقرة 1407  .

( [370] )        وقد يقال إن الصورة الفوتوغرافية أدل على الأصل من الصورة المكتوبة  . وهذا صحيح ، ولكن التصوير الفوتوغرافي لا ينفي كل شبهة ، ولا يمكن حتى معه التحقق من أن الأصل غير مزور  . فالصورة الفوتوغرافية غير الورقة الأصلية التي تظهر في حالتها الطبيعية ، بما قد يشوبها من عيوب  . هذا إلى أن فن التصوير الشمسي ، وإن كان قد تقدم إلى حد تمكنه من نقل الأصل بأمانة كافية ، إلا أنه ، كما تقول محكمة استئناف مصر ( 18 ابريل سنة 1933 المحاماة 14 رقم 281 ص 548 ) ، قد تقدم أيضاً " إلى حد قد يجعل تلك الصور بعيدة كل البعد عن الدلالة على الحقيقة التي يراد اثباتها بهذه الصور "  . وقد قضت محكمة النقض بأنه لا تثريب على المحكمة إذا هي لم تر الأخذ بصورة شمسية لورقة أريد التدليل بها في الدعوى ( نقض مدني 29 ابريل سنة 1948 المحاماة 99 رقم 210 م 394 وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم )  .

( [371] )        ومهما يكن من قيمة للتسجيل ، فإن الخصم الذي ينكر صحة ورقة عرفية مسجلة أو ينكر صحة التوقيع الذي تحمله ليس في حاجة إلى الالتجاء لإجراءات الطعن بالتزوير ( استئناف مختلط 9 مارس سنة 1926 م 38 ص 278 )  . هذا وبعد أن أصبح ضروريا في التسجيل التصديق على التوقيع ، لم يعد في الإمكان إنكار التوقيع إلا عن طريق الطعن بالتزوير  .

( [372] )        استئناف مختلط 19 مارس سنة 1903 م 15 ص 203 – 9 ابريل سنة 1908 م 20 ص 171 – 30 ابريل سنة 1908 م 20 ص 195 – 11 مايو سنة 1911 م 23 ص 316 – 12 نوفمبر سنة 1918 م 31 ص 16  .

( [373] ) نقض مدنى أول ديسمبر سنة 1949 دار النشر لأحكام النقض المدنية 1 - 13 – 48 استئناف مختلط 14 فبراير سنة 1922 م 34 ص 177 – 4 أبريل سنة 1922 م 34 ص 293 – 9 مارس سنة 1926 م 38 ص 277  .

على أنه عند ما أخذت محكمة الاستئناف المختلطة تقضى بأن صورة الورقة المسجلة لا تصلح للإثبات حتى كمبدأ ثبوت بالكتابة ، قضت مع ذلك بأن الصورة الرسمية لورقة عرفية مسجلة تصلح لإثبات مبدأ الحيازة التى تؤدى إلى التملك بالتقادم ( استئناف مختلط 28 نوفمبر سنة 1916 م 29 ص 74 )  .

ويلاحظ أنه إذا فق الأصل بقوة قاهرة ، وأمكن الخصم إثبات ذلك ، جاز له الإثبات بالبينة دون حاجة لاستخدام صورة الورقة المسجلة حتى كمبدأ ثبوت بالكتابة  . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن صورة الورقة العرفية المسجلة وغير المصدق على التوقيع فيها لا قيمة لها فى إثبات صحة الورقة العرفية ذاتها ، ولا تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة إلا إذا كان عدم تقديم الأصل يرجع إلى أنه قد فقد أو إلى أى سبب آخر كاف لتبرير ذلك ( استئناف مختلط 9 مايو سنة 1944 م 56 ص 143 )  . ويؤخذ على هذا الحكم أنه جعل صورة الورقة العرفية المسجلة ، فى حالة فقد الأصل ، مبدأ ثبوت بالكتابة ، وهو فى غير حاجة إلى ذلك ، ويكفى أن يستأنس بالصورة باعتبارها مجرد قرينة تستكمل بالبينة أو بقرائن أخرى ، لأن الدليل الكتابى غير واجب فى هذه الحالة  .

( [374] ) استئناف مصر 18 أبريل سنة 1933 المحاماة 14 رقم 281 / 2 ص 548 – 21 أبريل سنة 1934 المحاماة 15 رقم 263 / 2 ص 556  .

( [375] ) الموجز للمؤلف فقرة 641 –الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 300 - الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 77  . الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات فقرة 142  .

ومع ذلك قضت محكمة استئناف مصر بأنه ليس بين الأدلة الكتابية التى نص عليها القانون المدنى الصورة الشمسية للأوراق  . والقانون المدنى لا يعترف إلا بالصورة الرسمية التى يحررها موظف يختص بتحريرها ، ولا يعترف بقيمة ما لصور العقود العرفية ، حتى لو كانت مسجلة وكانت صورها محررة بمعرفة موظف من موظفى قلم التسجيل  . ذلك لأن الدليل الكتابى العرفى لا ينهض حجة إلا إذا كان بذاته صادراً ممن نسب إليه  . فالصور الشمسية ، وهى ليست بكتابة مخطوطة باليد بل هى صورة آلية من وضع يد غير اليد التى يصح أن تكون كاتبة للأصل المأخوذة عنه تلك الصورة ، لا يصح مطلقاً أن تعتبر دليل إثبات ، لأنها ورقة وإن نقلت الكتابة بإثبات صورتها إلا أنها غير الورقة الأصلية التى تظهر فيها حالتها الطبيعية وما يشوبها من عيوب  . وأنه وإن كان قانون التسجيل رقم 18 لسنة 1923 قد جعل قيمة قانونية للصور الشمسية الصادرة من قلم التسجيل والمأخوذة من الأصل الموقع عليه من المتعاقدين والمحفوظ فى هذا القلم ، فذلك لأنه عند إنكار العقد المقدم صورته يمكن الرجوع حالا إلى الأصل المحفوظ فى هذا القلم ، فذلك لنه عند إنكار العقد المقدم صورته يمكن الرجوع حالا إلى الأصل المحفوظ بقلم التسجيل ويحقق إنكاره ، فالحجية لا تكون فى الحقيقة للصورة الشمسية بل للأصل المحفوظ فى قلم التسجيل ( 18 أبريل سنة 1933 المحاماة 14 رقم 281 / 2 ص 548 ، وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم )  .

ثم قضت بعد ذلك بأن الصورة المستخرجة من دفاتر التسجيل لعقد عرفى لا يصح أن تعتبر فى ذاتها دليلا كتابيا أو مبدأ ثبوت بالكتابة  . ويجعل للقاضى على أى حال حق النظر فى درجة اعتمادها ( م 231 مدنى )  . وإن كان هناك رأى يقول بجواز اعتبار صورة العقد العرفى المسجل كمبدأ ثبوت بالكتابة إذا كان مصدقا فى أصل العقد على إمضاء الصادر منه تصديقاً رسمياً ( 21 أبريل سنة 1934 المحاماة 15 رقم 263 / 2 ص 556 –وقد سبقت الإشارة أيضاً إلى هذا الحكم - ويبدو منذ ميل المحكمة إلى إعطاء صورة الورقة العرفية المسجلة إذا كان مصدقا على التوقيع فيها قيمة ما فى الإثبات  . وهذه بداية فى تطور القضاء يرجى أن نبلغ غايتها )  .

( [376] ) الموجز للمؤلف فقرة 641  .

( [377] ) استئناف مختلط 11 نوفمبر سنة 1937 م 50 ص 16 – أنظر أيضاً فى هذا المعنى بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1497 – محكمة النقض الفرنسية 16 يونيه سنة 1890 داللوز 91 – 1 – 97  .

( [378] ) وتعيين ما إذا كان السند مطلق إقرار أو هو سند مؤيد مسألة موضوعية لا تعقيب فيها لمحكمة النقض( نقض فرنسى 20 نوفمبر سنة 1899 سيريه 1903 – 1 – 462 – أول يونيه سنة 1908 – 1 - 328 – أوبرى ورو 12 ص 281 هامش رقم 1 )  .

( [379] ) وكان السند المؤيد واسع الانتشار فى القانون الفرنسى القديم ، حيث كانت الإيرادات والمرتبات المؤبدة مألوفة إلى حد كبير ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1501 ص 948 )  .

( [380] ) وهذا هو الأصل فى نصه الفرنسى  .

Art  . 1337 : Les Actes Recognitfs ne Dispensent Point de la representa - tion du titre Primordial, a Moins Que sa teneur n'y soit specialement relate  . Ce Qu'ils Contiennent de plus Que le titre Primordial, ou ce Qui s'y trouve de Different n'e aucun effet  . Neanmins, s'il y avait plusieurs reconnaissances conformes soutenues de la possession et don’t l'une eut trente ans de date, le creancier pourrait etre dispense de representer le titre primordial  .

( [381] ) إلا فى حقوق الارتفاق ، وإلا إذا كان السند المؤيد هو فى حقيقته تجديد للدين  .

( [382] ) أوبرى ورو 12 فقرة 760 مكررة ص 281 – ص 285 – بودرى وبارد 4 فقرة 2506 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1501 – فقرة 1503 ص 948 – ص 949  .

( [383] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 364 هامش رقم 1  . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى خصوص هذا النص ما يأتى : " السند المؤيد لسند سابق أو السند الجديد هو ما يتضمن إقراراً بحق سبق إثباته فى محرر يلقب اصطلاحاً بالسند الأصلى  . فالسند المؤيد لا يعتبر من قبيل الصور ، ولا يستحدث جديداً على وجه الإطلاق ، لأنه يحمل توقيع من يجوز الاحتجاج به قبله  . وتنحصر أهمية هذا السند عملا فى قطع التقادم وتوفير دليل توقيع من يجوز الاحتجاج به قبله  . وتنحصر أهمية هذا السند عملا فى قطع التقادم وتوفير دليل الإثبات عند فقد السند الأصلى وتعرضه لاحتمال الفقد  . ويفرق التقنين الفرنسى ، فيما يتعلق بحجية السند المؤيد ، بين حالة اشتمال هذا السند على صيغة السند الأصلى ، وبين حالة خلوه من هذه الصيغة  . ولا يحمل للسند الجديد حجية فى الحالة الثانية إلا إذا قدم السند الأصلى  . بيد أن السند المؤيد ينطوى فى هذه الحالة على إقرار كتابى موقع عليه ، فلا محل إذن لاشتراط تقديم السند الأصلى من الدائن  . ولذلك رأى المشروع إلزام المدين بتقديم السند الأصلى عند النزاع ، مقتدياً فى ذلك بالمادة 292 من المشروع الفرنسى الإيطالى " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 364 هامش رقم 1 )  . ويلاحظ أن القانون السورى استبقى هذا النص تحت رقم المادة 13 من قانون البينات  .

هذا ويستطيع المدين ، إذا لم يقدم السند الأصلى ، إثبات عكس ما جاء بالسند المؤيد ، ولكنه طبقاً للقواعد المقررة فى الإثبات ، فلا يجوز له أن يثبت ما يخالف الكتابة أو ما يجاوزها إلا بالكتابة  .

( [384] ) أنظر فى طريق خاص لإثبات التوريدات المنزلة بحفر علامات على شقى عصا مشطورة إلى قسمين ( Tailles ) ، وكان هذا الطريق معروفاً فى فرنسا عندما كانت الكتابة غير منتشرة ، أوبرى ورو 12 فقرة 759 ص 277 – ص 278 – بودرى وبارد 4 فقرة 2478 – فقرة 2485 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1558 ص 956 – ص 957 – بيدان وبرو 9 فقرة 1243 – فقرة 1244 – بلانيول وريبير وجابولد 2 فقرة 2241 – كولان وكابيتان لامورانديير 2 فقرة 765 – جوسران 2 فقرة 161 فقرة 86 هامش رقم 1  . والسبب فى بقاء هذا الطريق للإثبات مذكوراً فى الفقه الفرنسى بعد اندثاره فى العمل أن التقنين المدنى الفرنسى ، وقد وضع فى سنة 1904 ، أفرد له نصاً خاصاً هو المادة 1333  .

وإنما أشرنا إلى هذا الطريق الخاص للتدليل على أن للعرف دوره فى رسم طرق الإثبات  .

( [385] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 531 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " 1 - تكون للرسائل قيمة الورقة العرفية من حيث الإثبات  . 2 - وتكون للبرقيات هذه القيمة أيضاً إذا كان أصلها المودع فى مكتب التصدير موقعاً عليه من مرسلها  . وتعتبر البرقية مطابقة لأصلها حتى يقوم الدليل على عكس ذلك "  . وفى لجنة المراجعة أضيفت فى الفقرة الأولى بعد عبارة " تكون للرسائل " عبارة " الموقع عليها " ، ليخرج من نطاق النص الرسائل غير الموقع عليها  . ثم أضيفت فقرة ثالثة على الوجه الآتى : " وإذا أعدت أصل البرقية فلا يعتد بالبرقية إلا لمجرد الاستئناس "  . وصارت المادة رقمها 409  . ووافق عليها مجلس النواب ، ثم لجنة مجلس الشيوخ تحت رقم 396 ، ثم مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 376 – ص 380 )  .

( [386] ) نصوص التقنين المدنية العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 12  . 1 - تكون للرسائل قوة الإسناد العادية من حيث الإثبات ما لم يثبت موقعها أنه لم يرسلها ولم يكلف أحداً بإرسالها  . 2 - وتكون للبريات هذه القوة أيضاً إذا كان أصلها المودع فى دائرة البريد موقعاً عليه من مرسلها  . وتعتبر البرقية مطابقة لأصلها حتى يقوم الدليل على عكس ذلك  . 3 - يقبل من الذى أرسل كتاباً مضموناً وأثبت وصوله للمرسل إليه بوصل دائرة البريد أو بوصل من المرسل إليه إبراز النسخة المحفوظة لديه إذا رفض المرسل إليه إبراز الأصل  . وتعد هذه النسخة صحيحة ما لم يثبت العكس  .

التقنين المدنى العراقى م 457 : تطابق نص التقنين المصرى مع تحوير لفظى طفيف  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 162 : إن الكتاب البريدى يصلح حجة على موقعه لمصلحة المرسل إليه ، ما لم يثبت الأول أنه لم يرسله ولم يكلف أحداً إرساله – م 163 : إذا لم يكن الكتاب سرياً حق المرسل إليه أن يستعمله وأن يتنازل للغير عن هذا الحق  . وفى المواد التجارية لا تكون الكتب سرية على الإطلاق – م 164 : فى المواد المدنية لا يجوز إبراز الكتاب السرى إلا باتفاق المرسل والمرسل إليه ، وإلا كان إبرازه عملا غير مباح يستهدف فاعله للحكم ببدل العطل والضرر ، وعلاوة على ذلك فإن المحكمة لا تعتد بأى كتاب بريدى يبرز لديها خلافاً للأصول  . م 165 : إن مرسل الكتاب المضمون الذى يثبت وصوله بسند إيصال من دائرة البريد أو من المرسل إليه يقبل منه إبراز النسخة المحفوظة لديه إذا رفض المرسل إليه إبراز الأصل  . وتعد هذه النسخة صحيحة ما لم يقم البرهان على العكس – م 166 : من حصل ، طبقاً لأحكام المادة السابقة ، على حكم ملائم لمصلحته بناء على إبراز نسخة كتاب ، ثم ظهر الأصل فيما بعد فأتضح منه أن هذه النسخة المزعومة غير صحيحة ، يحكم عليه بضعفى قيمة الضرر الذى نتج عن عمله الاحتيالى  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 383 : تطابق نص التقنين المصرى  .

ويتبين من النصوص المتقدمة أنه فيما عدا نص المادة 166 من تقنين المحاكمات المدنية اللبنانى الذى يقضى بضعفى قيمة التعويض عن العمل الاحتيالى الذى يتضمنه النص –وفى هذا ضرب من العقوبة لم ير قانون البينات السورى أن يجارى فيه التقنين اللبنانى - لا تختلف أحكام القوانين المدنية العربية عن أحكام القانون المدنى المصرى ، إلا أن القانونين السورى واللبنانى أفاضا فى تفصيلات يمكن الوصول إليها عن طريق تطبيق القواعد العام’  .

( [387] ) هذا يصدق على التقنينات الغربية  . أما التقنينات العربية فقد رأيناها تحتوى نصوصاً تحدد قيمة الرسائل من حيث الإثبات  .

( [388] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 377  .

( [389] ) أنظر الموجز للمؤلف فقرة 651 – الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 355 – الأستاذ سليمان مرقص فى أصول الإثبات فقرة 88 الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فقرة 146 – نقض مدنى 12 نوفمبر سنة 1942 المحاماة 24 رقم 13 ص 28 – 18 نوفمبر سنة 1943 المحاماة 26 رقم 181 ص 469 – 27 يناير سنة 1944 المحاماة 26 رقم 196 ص 496 – استئناف مختلط 11 أبريل سنة 1934 م 46 ص 240  .

( [390] ) أوبرى ورو 12 ص 293 – ص 294 – بودرى وبارد 4 فقرة 2465 مكررة – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1504 – نقض فرنسى 19 يونيه سنة 1895 داللوز 96 – 1 – 20  .

( [391] ) وهذا هو أيضاً ما يذهب إليه الفقه الفرنسى ، فهو يعتبر ، دون نص على ذلك فى التقنين المدنى الفرنسى ، أن الرسالة قد تتكون ، تبعاً للظروف وحسب تقدير القاضى ، دليلا كاملا أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو تكون مجرد الاستئناس ( أوبرى ورو 12 ص 295 – ص 296 – لارومبيير 6 م 1331 فقرة 14 – ديمولومب 29 فقرة 663 – هيك 8 فقرة 256 )  . ويذهب الأساتذة بلانيول وريبير وجابولد إلى أن الرسالة ليست طريقاً خاصاً للإثبات ، بل هى تخضع للقواعد العامة ، فإن كانت موقعة كانت لها حجية الورقة العرفية المعدة للإثبات ، وإن لم تكن موقعة ولكنها بخط المرسل كانت مبدأ ثبوت بالكتابة ، وإلا كانت لمجرد الاستئناس  . ويقولون إنه يجب التمييز ما بين حجية الرسالة ومقدار ما تشتمل عليه من المعلومات  . فالرسالة لها الحجية الكاملة ، شأنها فى ذلك شأن أية ورقة عرفية أخرى ، ولا تخضع فى هذه الحجية لتقدير القاضى  . أما مشتملات الرسالة الموقعة فهى التى تخضع لتقدير القاضى  . فقد تكون وافية إلى حد يجعل الرسالة دليلا كاملا ، وقد تكون ناقصة إلى حد لا يجعل من الرسالة إلا مبدأ ثبوت بالكتابة ، وقد تكون مقتضبة إلى حد لا يجعل الرسالة صالحة إلا لمجرد الاستئناس ( أنظر بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1505 – بودرى وبارد 4 فقرة 2472 – بيدان وبرو 9 فقرة 1229 – ص 315 – أنظر أيضاً الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات فقرة 149 )  . ولكن مع القول بأن مشتملات الرسالة تخضع لتقدير القاضى ، فإنه يجب كذلك التسليم بأن حجية الرسالة ذاتها ، عند انعدام النص ، تخضع هى أيضاً لتقدير القاضى  . فقد تكون الرسالة موقعة ، وتكون مشتملاتها وافية ، ومع ذلك يرى القاضى أن الظروف التى كتبت فيها الرسالة لا تسمح بإعطائها حجية كاملة ، وهو فى ذلك لا يقدر مشتملات الرسالة إذ هى وافية كما قدمنا ، ولكنه يقدر الحجية ذاتها  .

( [392] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " وقد أقر القضاء والفقه ما تواضع عليه المتعاملون فى هذا الشأن ، وأنشآ طائفة من القواعد استلمها فيها المبادئ المتعلقة بالأوراق العرفية ، رغم خلو التشريع من النص  . وقد استندا فى ذلك إلى : ( أ ) أن القانون لم يشترط شكلا خاصاً فى المحررات العرفية ، إلا ما استثنى منها بالنص  . ( ب ) وأن الرسائل يتوافر فيها الشرطان الجوهريان اللذان تستمد منهما حجية الورقة العرفية وهما الخط والتوقيع  . فمن الأنسب ، والحال كذلك ، أن تدرج الرسائل بين طرق الإثبات بالكتابة ، وأن يعين مدى حجيتها ، وما ينبغى أن يتوافر فيها من الشرائط الشكلية ، نزولا على مقتضى القواعد العامة من ناحية ، وتمشياً مع نية المتعاقدين من ناحية أخرى – ويجب ، فيما يتعلق بالشكل ، أن يجتمع فى الرسالة الشرطان الجوهريان الواجب توافرهما فى الأوراق العرفية ، وهما الخط والتوقيع  . وغنى عن البيان أن توافر هذين الشرطين يكفى من هذه الناحية دون حاجة إلى أى شرط آخر؟ أما فيما يتعلق بحجية الرسائل ، فمن رأى فريق من الفقهاء أنها تترك لتقدير القاضى ، لأن مضمون الرسالة لا يعدو أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، قد يعتبر من قبيل الإقرار فى غير مجلس القضاء  . بيد أن مذهب القضاء قد تطور فى هذا الشأن ، فعمدت المحاكم إلى إقرار مبدأ التعاون فى تحصيل الأدلة ، وأجازت للقاضى أن يأمر بتقديم الأدلة التى تثبت حيازة الخصوم لها وإعراضهم عن استعمالها ، إذا اقتضى ذلك حسب سير العدالة ( استئناف مختلط 28 نوفمبر سنة 1929 م 42 ص 66 )  . وقد أقيم المبدأ الذى تقدمت الإشارة إليه على ما ينبغى أن يسود التعامل من حسن النية فى تحصيل الدليل  . فإذا تم التعاقد بالمراسلة كان من واجب كل من المتعاقدين أن يقدم إلى القاضى ما يكون لديه من الأدلة الكتابية ، لأن الإثبات فى هذه الحالة لا يتاح إلا بمقارنة الرسائل المتبادلة  . وليس ثمة ما يدعو إلى الإشفاق من إقرار حجية الرسائل  . فإذا امتنع أحد المتعاقدين عن تقديم الرسالة الموجهة إليه ، فللقاضى أن يلزمه بذلك  . ثم إن اشتراط ازدواج النسخ الأصلية فى بعض التقنينات يقصد منه إلى تحقيق المساواة بين طرفى التعاقد ، وهو غرض لا يفوت بداهة من جراء إقرار هذه الحجية  . ويراعى أخيراً أن العمل جرى على الاحتفاظ بصور الرسائل ، ولاسيما أنها غالباً ما تكتب بالآلة الكاتبة متى كانت متعلقة بمعاملة من المعاملات ولو كانت مدنية بطبيعتها  . وتفريعاً على ذلك عمد المشروع إلى إقرار حجية الرسائل والتسوية فى الحكم بينها وبين سائر الأوراق العرفية " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 377 – ص 379 )  .

( [393] ) وقد قدمنا ( أنظر فقرة 125 ) أن الرسالة يجب أن يكون تاريخها ثابتاً ليكون هذا التاريخ حجة على الغير ، وأن هذا هو ما أجمع عليه الفقه فى فرنسا  . ورأينا أنه قد يحسن التمييز ما بين الرسالة التى أعدت مقدماً للإثبات ، وهذه لا يحتج بتاريخها على الغير إلا إذا كان ثابتا ، وبين الرسالة التى لم تعد مقدماً للإثبات ، وهذه تكون ، كسائر الأوراق العرفية التى لم تعد مقدماً للإثبات ، حجة بتاريخها العرفى على الغير إلى أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ ، ونبرز فى هذه المناسبة ما نص عليه قانون البينات السورى ( م 12 فقرة 1 ) من أن الرسالة تكون لها قوة السند فى الإثبات ما لم يثبت موقعها أنه لم يرسلها ولم يكلف أحداً بإرسالها ( أنظر أيضاً المادة 162 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى وقد سبق إيرادها )  .

أما قيمة الرسالة المسجلة ( Lettre Recommandee ) فى الإثبات ، فالظاهر أن هذه الرسالة تكون حجة بما تحتويه على من أرسلت إليه ، ولا يملك المرسل إليه الانتقاص من هذه الحجية برفضه تسلم الرسالة  . ويجوز للمرسل إثبات مشتملات الرسالة بالقرائن ، أيا كان السبب فى ضياعها ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1507 – ص 955 – ص 956 )  . وقد رأينا أن الفقرة الثالثة من المادة 12 من قانون البينات السورى تنص على أن " يقبل من الذى أرسل كتاباً مضموناً وأثبت وصوله للمرسل إليه بوصل دائرة البريد أو يوصل من المرسل إليه إبراز النسخة المحفوظة لديه إذا رفض المرسل إليه إبراز الأصل  . وتعد هذه النسخة صحيحة ما لم يثبت العكس ( أنظر أيضاً المادة 166 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى وقد تقدم ذكرها )  .

( [394] ) استئناف مختلط 16 ديسمبر سنة 1924 م 37 ص 65 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1506 – بيدان وبرو 9 فقرة 1230  .

( [395] ) بيدان وبرو 9 فقرة 1228 – ص 310 ( وفى ص 339 هامش رقم 1 يحدد هذان الفقيهان تحديداً دقيقاً نطاق المسألة التى نحن بصددها )  .

( [396] ) وفى جريمة الزنا لا يتقيد الحق فى تقديم الرسالة دليلا على هذه الجريمة بأى قيد ، لا بإذن المرسل ، ولا بوجوب احترام سرية الرسالة ، ولا بوجوب الحصول على الرسالة بطريق مشروع  . على أن عدم التقيد بشرط مشروعية الحصول على الرسالة محل خلاف فى فرنسا ، والرأى الغالب هو وجوب التقيد بهذا الشرط  . وقد قضت محكمة النقض المصرية ، فى دعوى طلاق بين زوجين فرنسيين بسبب زنا الزوجة ، بوجوب أن تكون وسيلة الزوج فى الحصول على الرسائل المثبتة لجريمة الزنا على الزوجة وسيطة مشروعة ، فلا يجوز أن يحصل على هذه الرسائل من طريق غير مشروع ، وهو السرقة ، بأن يكسر فى غيبة الزوجة درجاً خاصاً بها توجد فيه هذه الرسائل  . ومما قالته محكمة النقض فى أسباب حكمها ما يأتى : " ولما كان طرفا الدعوى فرنسيين ، والقانون الواجب التطبيق فى هذا الخصوص هو القانون الفرنسى ، سواء فيما يتعلق بموضوع الدعوى أو الدليل المقبول فيها ، وكان ما قرره الحكم من قبول هذه الخطابات والمفكرات كدليل إثبات أياً كانت الوسيلة التى تحصل بها الزوج عليها ، مع تمسك الزوجة بأن حصوله عليها كان بطريق السرقة ، هو تقرير غير صحيح أنبنى عليه القضاء فى الدعوى  . وكان الواجب على المحكمة تمحيص دفاع الطاعنة لتقول ما إذا كانت وسيلة الزوج فى الحصول على هذه المحررات مشروعة فتقبلها كدليل فى الإثبات ، أم غير مشروعة فلا تقبلها "  . ( نقض مدنى 8 يناير سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 50 ص 349 )  . أنظر فى هذه المسألة الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات فقرة 148 ص 165 – ص 166 وهامش رقم 1 ص 166  . أنظر أيضاً الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 365  . وفى القانون الفرنسى بودرى وبارد 4 فقرة 2467 – بيدان وبرو 9 فقرة 1228 ص 311 – ص 312  .

( [397] ) أنظر المادتين 163 و 164 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى ، وقد سبق إيرادهما ( أنظر فقرة 131 فى الهامش )  . ويلاحظ أن المادة 164 من هذا التقنين نصت على أنه " فى المواد المدنية ، لا يجوز إبراز الكتاب السرى إلا باتفاق المرسل والمرسل إليه "  . ونصت المادة 163 على أنه وفى المواد التجارية لا تكون الكتب سرية على الإطلاق "  .

( [398] ) والفقه فى فرنسا يميز بين حق ملكية الرسالة وحقوق أخرى تنصب على الرسالة ولكنها لا تختلط بحق الملكية المادية ، وذلك كحق السرية ( le droit secret ) ، وحق تقديم الرسالة دليلا للإثبات ( le droit a la prevue ) ، وحق الملكية المعنوية فى الرسالة ( propriete litteraire ) ، ويغر ذلك من الحقوق المتنوعة ( أنظر فى هذه المسألة جنى : فى الحقوق المتعلقة بالرسائل – تعليق بارتان على أوبرى ورو 12 ص 289 هامش رقم 4 مكرر – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات فقرة 146 )  .

( [399] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1504 ص 950 هامش رقم 5  .

( [400] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " ولو فرض على نقيض ما تقدم أن رسالة وجهت إلى شخص ثالث ، وتمكن أحد الطرفين من تقديمها بعد الحصول عليها بطريق مشروع ليستخلص منها دليلا على ما يدعى قبل الطرف الآخر ، فحجية مثل هذه الرسالة تترك لتقدير القاضى ، وله أن يسترشد فى شأنها بالأحكام الخاصة بما يصدر من الإقرارات فى غير مجلس القضاء " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 379 )  . وتنصرف هذه العبارة إلى حجية الرسالة أى قيمتها فى الإثبات ، لا إلى الحق فى تقديمها إلى القضاء  .

( [401] ) قارن أوبرى ورو 12 ص 289 – ص 291  .

( [402] ) أوبرى ورو 12 ص 291 – ص 292 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1504 - ص 949 – ص 952  .

( [403] ) قارن أوبرى ورو 12 ص 292 – ص 293  .

( [404] ) بودرى وبارد 4 فقرة 2466  . والحق فى السرية لا يستند إلى حق ملكية الرسالة ولا إلى اتفاق بين المرسل والمرسل إليه ولا إلى لاحق فى الإثبات ، وإنما يستند إلى الحرمة الشخصية  . أنظر فى هذه المسألة تعليق بارتان على أوبرى ورو 12 ص 292 هامش رقم 15 والأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات فقرة 146  . وأنظر أيضاً بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1504 والموجز للمؤلف فقرة 652  .

( [405] ) أنظر المادة 76 من دليل التلغرافات  .

( [406] ) وكذلك صورة البرقية ، فإنها تختم أيضاً فى مكتب جهة الوصول بختم مؤرخ ( أنظر فى هذه المسألة الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 375 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات فقرة 150 ص 171 )  .

( [407] ) وإذا خشى المرسل إليه من إعدام الأصل قبل قيام النزاع المحتمل ، كان له أن يلجأ إلى دعوى تحقيق الخطوط الأصلية ، فيختصم مرسل البرقية ليقر بصدورها منه ، وفقاً للإجراءات التى قررها تقنين المرافعات وقد سبقت الإشارة إليها ( أنظر الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 733 – فقرة 374 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات فقرة 150 ص 171 )  .

( [408] ) الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 134 هامش رقم 5  .

( [409] ) قارن فى كل هذا فى الفقه الفرنسى بودرى وبارد 4 فقرة 2475 – قرة 2477 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1506 ص 955 – وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " أما البرقيات ، وهى التى تكفلت الفقرة الثانية ببيان حكمها ، فهى تختلف عن الرسائل من حيث إيجاز المضمون وسرعة الإبلاغ  . بيد أن ثمة فارقاً آخر يتصل بكيفية الإبلاغ  . فالمرسل إليه لا يتسلم أصل البرقية ، بل يتسلم صورة منها يتولى تحريرها موظف مصلحة التلغرافات فى المكتب المختص بتلقى مضمون الرسالة  . ومن المسلم أن صور الأوراق العرفية لا تتوافر لها أى حجية فى الإثبات  . بيد أنه رؤى من الأنسب أن يفترض القانون مطابقة الصورة المسلمة إلى المرسل إليه لأصلها ، إذ ليس لموظف مكتب التلغراف المختص مصلحة فى تغيير مضمون هذا الأصل  . وبهذا تنحصر احتمالات مغايرة الصورة للأصل ، بوجه عام ، فيما قد يقع من هذا الموظف من خطأ  . ولهذه العلة أجيز لذى الشأن أن يقيم الدليل على اختلاف الصورة عن أصلها ، وهو أمر يسير يكفى فيه تقديم الأصل المحفوظ فى مكتب الإرسال  . ولا يكون نصيب البرقية من الحجية معادلا لنصيب الأوراق العرفية منها إلا بتوافر شرط جوهرى هو توقيع المرسل على الأصل  . بيد أن تخويل مصلحة التلغرافات حق إعدام أصول البرقيات بعد انقضاء فترة قصيرة من الزمن يجعل حجية الرسائل البرقية أدنى إلى التوقيت وحظها من الاستقرار أقل مما يتوافر للرسائل البريدية  . وقد سوى التقنين المراكشى ( المواد 428 – 430 ) والمشروع الفرنسى الإيطالى ( المادة 248 ) بين البرقيات وبين سائر الأوراق العرفية من حيث الحجية " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 379 – ص 380 )  .

( [410] ) وقد جاء الموجز للمؤلف ( فقرة 651 شرحاً للقانون القديم ما يأتى : " ولا تعتبر البرقية دليلا إذا أمكن الرجوع إلى الأصل المكتوب بخط المدين أو الموقع عليه منه "  .

هذا وقد قضت محكمة الموسكى بأنه لا يجوز إعطاء صور التلغرافات للغير لأنها معتبرة من الأوراق الخصوصية التى قد تكون سرية ( 19 مايو سنة 1925 المحاماة 6 رقم 144 ص 164 )  .

أما إثبات التعاقد بالتليفون فتسرى عليه القواعد العامة ( أنظر فى هذه المسألة الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 376 )  .

( [411] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 532 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر فى التقنين الجديد مع عدم إيراد عبارة " وذلك فيما يجوز إثباته بالبينة " الواردة فى آخر الفقرة الأولى  . وفى لجنة المراجعة أضيفت هذه العبارة حتى يقتصر حكم النص على ما يجوز إثباته بالبينة : وأصبحت المادة رقمها 410 فى المشروع النهائى  . ووافق مجلس النواب عليها  . ثم لجنة مجلس الشيوخ بعد استبدال كلمة " المثبتة " بكلمة الواردة فى الفقرة الأولى ، وأصبح رقم المادة 397  . ثم وافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 381 وص 383 – ص 384 )  .

وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " جمع المشروع فى هذه المادة ما ورد من الأحكام فى المادتين 285 و 286 من المشروع الفرنسى الإيطالى  . ويراعى أن هذه الأحكام قد استقيت من المادتين 1329 و 1330 من التقنين الفرنسى ، والمادتين 1328 و 1329 من التقنين الإيطالى ، والمادة 1328 من التقنين الأسبانى ، والمادتين 433 و 438 من التقنين المراكشى  . وقد نصت المادة 1919 من التقنين الهولندى على أن الدفاتر التجارية تكون حجة على غير التجار بكمية ما تم توريده من البضائع ونوعها متى توافرت الشروط الثلاثة الآتية : ( 1 ) أن يكون التاجر قد اعتاد أن يبيع إلى غير التاجر نسيئة  . ( 2 ) أن تكون الدفاتر محررة وفقا لأحكام القانون  . ( 3 ) أن يؤكد الدائن صحة دعواه بأداء يمين على ذلك  . ويستخلص من هذه النصوص مع اختلافها فى التعبير أن حجية الدفاتر التجارية ليست بمجردها مطلقة بأى وجه من الوجوه ، ويراعى أن هذه الحجية لا تثبت إلا للدفاتر التى يتعين على التاجر إمساكها وفقاً لأحكام المواد 11 و 12 و 13 من تقنين التجارة المصرى ، وهو دفتر اليومية ودفتر صور الخطابات ( الكوبيا ) ودفتر الجرد  . وقد قصد من إلزام لتاجر بإمساك هذه الدفاتر ، واشتراط ترقيمها وتأشير الموظفين المختصين على أوراقها ، إلى رعاية مصلحة المشتغلين بالتجارة ، والأصل جواز التمسك بدفاتر التاجر قبله ، باعتبار أنها من قبيل الأوراق غير الموقع عليها التى تصدر من جانب واحد ، وأن وجوب إمساكها روعيت فيه مصلحة التاجر نفسه  . بيد أنه لا يجوز للتاجر أن يستند إلى هذه الدفاتر كدليل لإثبات الالتزام قبل من يتعاقد معه من غير التجار ، " إذ من الممتنع أن يصطنع الإنسان دليلا لنفسه " ( المادة 108 من التقنين السويسرى )  . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 382 )  .

( [412] ) نصوص التقنينات العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 14 : دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار  . إلا أن البيانات الواردة فيها عما ورده التجار تصلح أساساً يجيز للمحكمة أن توجه اليمين المتممة لأى من الطرفين – م 15 : دفاتر التجار الإجبارية تكون حجة : 1 - على صاحبها سواء أكانت منتظمة أم لم تكن ، ولكن لا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلا لنفسه أن يجزئ ما ورد فيها ويستبعد ما كان مناقضاً  . 2 - لصاحبها فى المعاملات المختصة بتجارته ، إذا كانت منتظمة وكان الخلاف بينه وبين تاجر – م 16 : إذا تباينت القيود بين دفاتر منتظمة لتاجرين ، جاز للقاضى أن يقرر إما تهاتر البينتين المتعارضتين وإما الأخذ بأحداهما دون الأخرى على ما يظهر له من ظروف القضية م 17 : يجوز للقاضى فى الدعوى للقائمة بين التجار أن يقبل أو أن يرد البينة التى تستخلص من الدفاتر التجارية غير الإجبارية أو من الدفاتر الإجبارية غير المنتظمة ، وذلك على ما يظهر له من ظروف القضية – هذه النصوص لا تختلف فى أحكامها عن أحكام القانون المصرى إلا فى بعض تفصيلات تظهر فى مواضعها ، على أن نصوص قانون البينات السورى أدق صياغة وأكثر تفصيلا من نص التقنين المصرى  .

التقنين المدنى العراقى م 458 : 1 - دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار  . غير أن البيانات الواردة فيها عما ورده التجار تصلح أساساً يجيز للمحكمة أن توجه اليمين المتممة لأى من الطرفين وذلك فيما يجوز إثباته بالبينة  . 2 - أما قوة هذه الدفاتر فيما بين التجار فتتبع فيه أحكام قانون التجارة – وتطابق الفقرة الأولى من هذا النص النص المصرى  . وينظر فى أحكام قانون التجارة العراقى فيما يتعلق بالفقرة الثانية  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 170 : أن الدفاتر التجارية الإجبارية تصلح حجة : ( أولا ) على منظمها لمصلحة أى شخص سواء كانت منتظمة حسب الأصول أم لا ، ولكن الفريق الذى يدلى بها لا يحق له أن يستفيد مناه إلا إذا قبل بجميع مندرجاتها  . ( ثانيا ) بين التجار لمصلحة منظمة حسب الأصول فى المعاملات المختصة بتجارته – م 171 : إذا تباينت القيود فى دفترى تاجرين كان كلاهما منظما حسب الأصول ، حق للقاضى أن يقرر ، حسب مقتضى الحال ، إما تهاتر البينتين المتعارضتين وإما الأخذ بواحدة دون الأخرى – م 172 : أن البينة التى تستمد فى الدعاوى القائمة بين التجار من دفاتر تجارية غير إجبارية أو من دفاتر تجارية إجبارية منظمة على خلاف الأصول يجوز للقاضى أن يقبلها أو أن يردها حسب مقتضى الحال  . وظاهر أن قانون البينات السورى قد استمد نصوصه من نصوص تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى ، فالقانون السورى والقانون اللبنانى متطابقان فى هذه المسألة ، فيما عدا المادة 14 من قانون البينات السورى فقد استمدت من الفقرة الأولى من المادة 397 من التقنين المدنى المصرى ولا نظير لها فى التقنين اللبنانى  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 384 : مطابقة للنص المصرى  .

( [413] ) التقنين المدنى الفرنسى م 1329 : دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار فى البيانات الواردة فيها بشأن التوريدات ، وذلك فيما عدا ما سينص عليه فى اليمين – م 1330 : دفاتر التجار حجة عليهم ، ولكن لا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلا لنفسه أن يجزئ ما ورد فيها ويستبعد منه ما كان مناقضاً لدعواه  .

وهذا هو النص فى أصله الفرنسى :

Art  . 1329 : Les registres des marchands ne font point, contre les per - sonnes non marchandes, prevue des fournitures qui y sont portees, sauf ce qui sera dit a l'egard du serment  .

Art  . 1330 : Les Livres de marchands font preuve contre eux; mais celui qui en veut tirer tirer avantage ne peut les diviser en ce qu'ils contiennent de contraire a sa pretention  .

( [414] ) رأينا أن نثبت نصوص المواد 11 - 14 من التقنين التجار بالرغم من أن القانون رقم 388 لسنة 1953 استبدال بها نصوصاً جديدة ، لأن الدفاتر التجارية التى نظمت فى ظل النصوص القديمة ستبقى إلى مدة طويلة تستخدم للإثبات ، وذلك لحداثة العهد بالتشريع الجديد  . ومن ثم وجب استعراض النظام السابق فى إيجاز  .

( [415] ) هذه كانت هى الدفاتر التجارية الإلزامية طبقاً للتقنين التجارى  . ويوجد إلى جانبها دفاتر اختيارية ( Facultatifs ) أو إضافية ( Auxiliaires ) درج كبار التجار على إمساكها  . أهمها : ( 1 ) دفتر الأستاذ ( Grand Livre ) ، وترحل إليه العمليات المدونة فى دفتر اليومية منظمة ، لا بحسب تاريخ وقوعها كما هى الحال فى دفتر اليومية ، ولكن بحسب أسماء العملاء أو نوع العمليات  . فيكون لكل عميل ، أو لكل نوع من العمليات  . حساب مستقل له رصيده  .

( ب ) دفتر المشتريات والمبيعات ( Livre de magasin ) ، لقيد السلع التى تدخل المخازن والتى تخرج منها و( جـ ) دفتر للخزانة ( livre de caisse ) ، لقيد المبالغ الداخلة والخارجة  . ( د ) دفتر للأوراق التجارية ( l'echeancier ) ، لقيد مواعيد استحقاق هذه الأوراق  .

( [416] ) وهذه هى أهم نصوص القانون رقم 388 لسنة 1953 :

م 1 : على كل تاجر أن يمسك الدفاتر التجارية التى تستلزمها طبيعة تجارته وأهميتها بطريقة تكفل بيان مركز المالى بالدقة وبيان ما له وما عليه من الديون المتعلقة بتجارته  . ويجب أن يمسك على الأقل الدفترين الآتيين : ( 1 ) دفتر اليومية الأصلى  . ( 2 ) دفتر الجرد  . ويعفى من هذا الالتزام التجار الذين لا يزيد رأس ما لهم على ثلثمائة جنيه  .

م 2 : تقيد فى دفتر اليومية الأصلى جميع العمليات المالية التى يقوم بها التاجر وكذلك مسحوباته الشخصية ، ويتم هذا القيد يوماً بيوم وبالتفصيل  . ويجوز للتاجر أن يستعمل دفاتر يومية مساعدة لإثبات تفاصيل الأنواع المختلفة من العمليات المالية – ويكتفى هذه الحالة بتقييد إجمالى لهذه العمليات فى دفتر اليومية الأصلى فترات منتظمة من واقع هذه الدفاتر  . فإذا لم يتبع هذا الإجراء وجب إخضاع هذه الدفاتر للأحكام الواردة فى المادتين الخامسة والسادسة من هذا القانون  .

م 3 : تقيد فى دفتر الجرد تفاصيل البضاعة لدى التاجر فى آخر سنته المالية أو بيان إجمالى عنها إذا كانت تفاصيلها واردة بدفاتر قوائم مستقلة  . وفى هذه الحالة تعتبر تلك الدفاتر أو القوائم جزءاً متمما للدفتر المذكور  . كما تقيد بالدفتر صورة من الميزانية العامة للتاجر فى كل سنة إذا لم تقيد فى أى دفتر آخر  .

م 4 : على التاجر أن يحتفظ بصورة طبق الأصل من جميع المراسلات والبرقيات التى يرسلها لأعمال تجارته وكذلك جميع ما يرد إليه من مراسلات وبرقيات وفواتير وغيرها من المستندات التى تتصل بأعمال تجارته  . ويكون الحفظ بطريقة منظمة تسهل معها مراجعة القيود الحسابية ، وتكفل عند اللزوم التحقق من الأرباح والخسائر  .

م 5 : يجب أن تكون الدفاتر المنصوص عليها فى هذا القانون خالية من أى فراغ أو كتابة فى الحواشى أو كشط أن تحشير فيها دون بها  . ويتعين قبل استعمال دفترى اليومية والجدر أن تنمر كل صفحة من صفحاتهما وأن يوقع على كل ورقة فيهما الموثق الواقع فى دائرة اختصاصه المحل التجارى  . ويجب على التاجر أن يقدم إلى الموثق هذين الدفترين فى خلال شهرين من آخر كل سنة مالية للتأشير عليهما بما يفيد انتهاءها وذلك بحضور التاجر ودون حجز هذين الدفترين لدى الموثق  . فإذا انتهت صفحات هذين الدفترين تعين على التاجر أن يقدمهما إلى الموثق للتأشير عليهما بما يفيد ذلك بعد آخر قيد  . كما يتعين على التاجر وورثته فى حالة وقف نشاط المحل التجارى تقديم الدفترين المشار إليهما إلى الموثق للتأشير عليهما بما يفيد ذلك  . ويكون التوقيع والتأشير فى الحالات المتقدمة بغير رسوم  .

م 6 : يعد فى كل مكتب توثيق وفروعه سجل يدون فيه الموثق ما قام به بالنسبة إلى كل دفتر من دفاتر التاجر من الإجراءات المنصوص عليها فى المادة الخامسة ، ويثبت فيه كذلك إقراراً من صاحب الشأن بأن هذه الدفاتر هى أول دفاتر له أو أن دفاترة السابقة قد أقفلت  .

م 7 : على التاجر وورثته الاحتفاظ بالدفاتر المنصوص عليها فى هذا القانون مدة عشر سنوات تبدأ من تاريخ إقفالها  . ويجب عليهم كذلك حفظ المراسلات والمستندات والصور المشار إليها فى المادة الرابعة مدة عشر سنوات  .

م 8 : كل مخالفة لأحكام هذا القانون أو القرارات الصادرة تنفيذاً له يعاقب مرتكبها بغرامة لا تقل عن عشرين جنيها ولا تزيد على مائتى جنيه  .

( [417] ) الموجز للمؤلف فقرة 646 ص 677  .

( [418] ) ويشمل ذلك الدفاتر الإلزامية والدفاتر الاختيارية  .

( [419] ) أنظر فى هذه المسألة : استئناف مختلط 9 مايو سنة 1912 م 24 ص 326  .

( [420] ) أنظر الأستاذ محسن شفيق فى القانون التجارى المصرى الإسكندرية 1949 ص 900 – ص 901  .

( [421] ) ويرى بعض فقهاء القانون التجارى تعميم النص ليشمل جميع الأموال الشائعة ( الأستاذ على الزينى فى القانون التجارى 1 فقرة 157 ص 177 )  .

( [422] ) الأستاذ محسن شفيق فى القانون التجارى المصرى 1 ص 903  .

( [423] ) أنظر فى كل هذا : استئناف مختلط 31 يناير سنة 1912 م 24 ص 111 – 2 يونيه سنة 1909 م 21 ص 385 – 9 يونيه سنة 1909 م 21 ص 387 – 30 أبريل سنة 1912 م 24 ص 252 – أول مارس سنة 1917 م 29 ص 267  . هذا والمحكمة غير ملزمة بإجابة الخصم إذا طلب الأمر بالإطلاع على دفاتر خصمه أو بتقديمها إذا رأت أن هناك من الأدلة ما يغنى عن هذه الدفاتر ( الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فقرة 155 ص 180 – قارن الأستاذ سليمان مرقس فقرة 95  . وأنظر حكم محكمة النقض الدائرة المدنية فى 11 ديسمبر سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 29 ص 183 )  .

( [424] ) الأستاذ محسن شفيق فى القانون التجارى المصرى 1 ص 897 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فقرة 155 ص 180  .

( [425] ) وقد قضت محكمة النقض بأن الاستدلال على التاجر بدفاتره ليس حقاً مقررا لخصم التاجر واجباً على المحكمة إنالته إياه متى طلبه ، بل إن الشأن فيه –بحسب نص المادة 17 من القانون التجارى - أنه أمر جوازى للمحكمة ، إن شاءت أجابته إليه ، وإن شاءت أطرحته  . وكل أمر يجعل القانون فيه للقاضى خيار الأخذ والترك فلا حرج عليه إن مال لجانب دون الآخر من جانبى الخبير ، ولا يمكن الادعاء عليه فى هذا بمخالفته للقانون ( نقض مدنى 16 مايو سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 264 ص 776 )  .

( [426] ) وقدس بق أن ذكرنا ما هى الدفاتر التجارية الاختيارية ، ومن أهمها دفتر الأستاذ ودفتر المشتريات والمبيعات ودفتر الخزانة ودفتر الأوراق التجارية  .

( [427] ) أنظر أيضاً المادة 17 من التقنين التجارى  .

( [428] ) نقض مدنى 8 أبريل سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 297 ص 588 – وقد رأينا أن المادة 17 من قانون البينات السورى تنص على هذا الحكم صراحة فى الدعاوى القائمة بين التجار ، فتقول : " يجوز للقاضى فى الدعوى القائمة بين التجار أن يقبل أو أن يرد البينة التى تستخلص من الدفاتر التجارية غير الإجبارية أو من الدفاتر التجارية الإجبارية غير المنتظمة ، وذلك على ما يظهر له من ظروف القضية "  . أنظر أيضاً المادة 172 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى وقد تقدم ذكرها  .

( [429] ) أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 383 فقرة 3 – ويجوز كذلك لمورد البضاعة أن يطرح البيان الوارد فى الدفتر بشقيه ، ويتولى إثبات أنه ورد البضاعة بدليل من عنده  . وحينئذ يكون على التاجر صاحب الدفتر إثبات أنه دفع الثمن  .

هذا ويختلف قانون البينات السورى فى حكمه فى هذه المسألة  . فقد رأينا أن المادة 15 من هذا القانون تقضى بأن دفاتر التجار الإجبارية تكون حجة على صاحبها ، سواء أكانت منتظمة أم لم تكن ، ولكن لا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلا لنفسه أن يجزئ ما ورد فيها ويستبعد ما كان مناقضاً لدعواه ( أنظر أيضاً فى هذا المعنى المادة 170 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى )  . ويفهم من ذلك أن حكم عدم جواز تجزئة البيان الوارد فى الدفتر يشمل الحالتين ، حالة انتظام الدفتر وحالة عدم انتظامه  . أما فى التقنين المصرى ، قد رأينا أن عدم جواز التجزئة لا يكون إلا فى حالة انتظام الدفتر  .

( [430] ) أوبرى ورو 12 ص 262  .

( [431] ) استئناف مختلط 30 مايو سنة 1917 م 29 ص 458 – 17 يونيه سنة 1942 م 54 ص 240 – فإذا كان النزاع واقعاً بين تاجرين ولكنه متعلق بعمل مدنى ، كشراء التاجر أثاثاً لمنزله الخاص ، فلا يجوز اعتبار دفاتر أى من التاجرين حجة له ( أوبرى ورو 12 ص 260 هامش رقم 9 – الأستاذ محسن شفيق فى القانون التجارى المصرى 1 ص 911 )  .

( [432] ) قارن أوبرى ورو 12 ص 261  . هذا وقد أورد قانون البينات السورى نصاً فى هذه المسألة يقرر هذا الحكم فيما يتعلق بالدفاتر المنتظمة لكل من التاجرين فنصت المادة 16 من هذا القانون –كما رأينا - على ما يأتى : " إذا تباينت القيود بين دفاتر منتظمة لتاجرين ، جاز للقاضى أن يقرر إما تهاتر البينتين المتعارضتين وإما الأخذ بإحداهما دون الأخرى على ما يظهر له من ظروف القضية " ( أنظر أيضاً فى هذا المعنى المادة 171 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى ، وقد تقدم ذكرها )  .

( [433] ) وهذا الأصل لا يتعلق بالنظام العام ، فيستطيع غير التاجر أن يقبل صراحة أو ضمناً ( بعدم الاعتراض ) الاحتجاج عليه بدفاتر التاجر ( الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة ص 178 )  .

( [434] ) فلا يجوز أن يكون دفتر التاجر حجة له على غير التاجر فى سداد قرض أو تنفيذ التزام غير توريد السلع ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1490 ص 936 )  . كذلك لا يحتج بدفاتر التاجر على مصلحة الضرائب ، وللمحكمة ألا تتخذ دفاتر الممول أساساً لتقدير الضريبة عليه إذا لم تطمئن إلى صحة البيانات الواردة فيها بناء على أسباب سائغة ذكرتها ( نقض مدنى 30 مايو سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 87 ص 181 – 16 ديسمبر سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 353 ص 684  .

( [435] ) أوبرى ورو 12 ص 258 هامش رقم 4 – هذا ويذهب الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة ( ص 177 – ص 178 ) إلى أن القاضى ، وهو فى نصاب البينة ، يستطيع أن يتخذ دفتر التاجر دليلا كاملا باعتباره قرينة كافية لا تحتاج إلى يمين متممة  . ونرى –أمام صراحة النص - أن القاضى إذا أخذ بدفتر التاجر لابد أن يوجه إليه اليمين المتممة ، وإلا أطرح الدفتر وأخذ بالبينة أو بقرائن أخرى  .

( [436] ) أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى : مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 383 فقرة 2  .

( [437] ) فقد كانت حجية دفاتر التجار فى ظل التقنين السابق على مقتضى الأحكام التى فصلناها ، إلا هذا الحكم : استئناف أهلى 24 نوفمبر سنة 1921 المجموعة الرسمية 23 رقم 77 – محكمة استئناف مصر 30 مايو سنة 1935 المجموعة الرسمية 37 رقم 10 ص 21 – استئناف مختلط 21 مارس سنة 1889 م 1 ص 74 – 14 مايو سنة 1890 م 2 ص 414 – 11 ديسمبر سنة 1890 م 2 ص 83 – 20 أبريل سنة 1892 م 4 ص 228 – 21 ديسمبر سنة 1893 م 6 ص 75 – 5 مايو سنة 1897 م 9 ص 318 – 27 نوفمبر سنة 1928 م 41 ص 42 – 28 نوفمبر سنة 1928 م 41 ص 59 – 13 فبراير سنة 1930 م 42 ص 278 – 21 ديسمبر سنة 1893 م 6 ص 75 – 5 مايو سنة 1897 م 9 ص 318 – 27 نوفمبر سنة 1928 م 41 ص 42 – 28 نوفمبر سنة 1928 م 41 ص 59 – 13 فبراير سنة 1930 م 42 ص 278 – 9 أبريل سنة 1930 م 42 ص 414 – 10 فبراير سنة 1931 م 43 ص 220 – 6 ديسمبر سنة 1932 م 45 ص 54 – 6 ديسمبر سنة 1933 م 46 ص 66 – 13 فبراير سنة 1934 م 46 ص 162 – 13 مارس سنة 1935 م 47 ص 196 – 14 يناير سنة 1936 م 48 ص 74 27 أبريل سنة 1938 م 50 ص 257  .

ومن ثم تكون العبرة فى سريان هذا الحكم الجديد بتاريخ ورود البيان فى الدفتر  . فإن كان تاريخه قبل يوم 15 أكتوبر سنة 1949 سرت أحكام التقنين السابق ولا يكون البيان حجة للتاجر ، وإلا سرت أحكام التقنين الجديد وكان البيان حجة للتاجر بالشروط التى بسطناها  .

( [438] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 533 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " 1 - لا تكون الدفاتر والأوراق المنزلية حجة لمن صدرت منه  . 2 - ولكنها تكون حجة عليه : ( أ ) إذا ذكر فيها صراحة أنه استوفى ديناً  . ( ب ) إذا ذكر صراحة أنه قصد بما دونه فى هذه الأوراق أن تقوم مقام السند لمن أثبتت الأوراق حقاً لمصلحته "  . وفى لجنة المراجعة حذفت الفقرة الأولى لأنها مجرد تقرير للقواعد العامة ، وعدل النص على الوجه الذى استقر فى التقنين الجديد تحت رقم المادة 411 من المشروع النهائى ، ووافق عليه مجلس النواب ، ثم لجنة مجلس الشيوخ تحت رقم المادة 398 ، ثم مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 385 – ص 387 )  .

( [439] ) التقنين المدنية العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 18 : " 1 - لا تكون الدفاتر والأوراق المنزلية حجة لمن صدرت عنه  . 2 - ولكنها تكون حجة عليه : ( أ ) إذا ذكر فيها صراحة أنه استوفى ديناً  . ( ب ) إذا ذكر صراحة أنه قصد بما دونه فى هذه الأوراق أن تقوم مقام السند لمن أثبتت الأوراق حقاً لمصلحته "  . ( وهذا النص يطابق نص المشروع التمهيدى للتقنين المدنى المصرى السابق ذكره )  .

التقنين المدنى العراقى م 459 : يطابق نص التقنين المدنى المصرى  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 169 : " أن السجلات والأوراق العملية تصلح حجة على منشئها وعلى خلفائه العموميين : 1 - عندما تفيد حصول إيفاء ما  . 2 - عندما تثبت ديناً للغير "  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 385 : يطابق نص التقنين المدنى المصرى  .

ويتبين من النصوص المتقدمة أنه لا يوجد خلاف فى هذه المسألة بين أحكام التقنين المدنى المصرى وأحكام التقنينات المدنية العربية الأخرى  .

( [440] ) التقنين المدنى الفرنسى م 1331 : " لا تكون الدفاتر والأوراق المنزلية حجة لمن كتبها  . ولكنها تكون حجة عليه : ( 1 ) فى جميع الأحوال التى تذكر فيها صراحة استيفاء دين  . ( 2 ) إذا ذكرت صراحة أنه قصد بما دون فيها أن تقوم مقام السند لمن أثبتت حقاً لمصلحته "  .

وهذا هو النص فى أصله الفرنسى : Art 1331 : Les registres et papiers domes - tiques ne font point un titre pour celui qui les a ecrits  . Lis font foi contre lui : 1 - dans tous les cas ou ils enoncent formellement un paiement recu; 2 - lorsqu'ils contienment la mention expresse que la note a ete faite pour suppleer le defaut du titre en faveur de celui au profit duquel ils enoncent une obligation  .

( [441] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى شأن النص الذى نحن بصدده ما يأتى : " صاغ المشروع هذه المادة على مثال المادة 1331 من التقنين الفرنسى والمادة 1330 من التقنين الإيطالى والمادة 2439 من التقنين البرتغالى والمادة 1228 من التقنين الأسبانى والمادة 438 من التقنين المراكشى والمادة 1918 من التقنين الهولندى والمادة 287 من المشروع الفرنسى الإيطالى  . وليس يقتصر نطاقها على الدفاتر ، بل يتناول كذلك الأوراق المنزلية ، أى المحررات الخاصة المتعلقة بغير التجار ، كدفاتر الحساب والأجندات والمذكرات "  . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 385 )  .

( [442] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " ولا يلزم آحاد الناس ، عرفاً أو قانوناً ، بتدوين حساباتهم فى دفاتر أو أوراق ، على نقيض ما تقدم بشأن التجار  . وبديهى أن انتفاء هذا الإلزام لا يتيح بوجه من الوجوه اعتبار هذه الأوراق وتلك الدفاتر طريقاً من طرق الإثبات  . بل ولا يتيح الاستعانة بها بوصفها مبدأ ثبوت بالكتابة لصالح من حررها  . ولذلك نصت الفقرة الأولى من المادة 533 من المشروع ( وقد رأينا أنها حذفت فى المشروع النهائى لأنها مجرد ترديد للقواعد العامة ) على أن الدفاتر والأوراق المنزلية لا تكون حجة لمن صدرت منه " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 385 – ص 386 )  .

( [443] ) وقد قضت محكمة النقض بأن من يدعى براءة الذمة فعلية إقامة دليلها  . والإنسان لا يستطيع أن يتخذ من علم نفسه دليلا لنفسه يحتج به على الغير  . فدفتر الناظر المثبت لحساب الوقف ومقدار ما يستحقه كل من المستحقين لا يعتبر دليلا لورثته على المستحقين بقبضهم قيم استحقاقهم ما دام لا توقيع لهم على هذا الدفتر يثبت هذا القبض ( نقض مدنى 20 يونيه سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 290 ص 883 ) – أنظر أيضاً أوبرى ورو 12 ص 268 – ص 269  .

( [444] ) الموجز للمؤلف فقرة 649 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فقرة 15 ص 184 – محكمة مصر المختلطة 23 نوفمبر سنة 1914 جازيت 5 رقم 14 ص 29 – كذلك قد يجد القاضى فى البيانات التى تحتويها الدفاتر والأوراق المنزلية سبيلا من سبل الاستئناس المتعددة التى لا تقيد القاضى فى شيء  . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " ومع ذلك فليس ثمة ما يحول دون اعتداد القاضى بالدفاتر والأوراق التى تقدمت الإشارة إليها ، باعتبارها قرائن تضاف إلى وثائق أخرى أو عناصر أدلة سبق تقديمها ، وفقاً للقواعد العامة بشأن الإثبات بالقرائن  . وقد عرضت الفقرة الثالثة من المادة 1918 – من التقنين الهولندى لهذا الوضع بالتحديد ، فقضت بأن للقاضى فيما عدا ذلك من الأحوال أن يحكم بما يقضى به القانون  . ولم ير وجه لإيراد نص مماثل ، لأنه لا يعدو أن يكون مجرد تطبيق للقواعد العامة " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 386 )  .

( [445] ) أوبرى ورو 12 ص 269 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1492 ص 941 – استئناف مختلط 27 يناير سنة 1920 م 32 ص 141  . ويجوز كذلك أن تكون حجة لصاحبها فى المسائل التجارية وفى كل ما يمكن إثباته بالقرائن القضائية إذا رأى فيها القاضى قرائن مقنعة ( بيدان وبرو 9 فقرة 1237 ص 323 – ص 324 )  .

( [446] ) وقد قدمنا أن المشروع التمهيدى كان يشتمل على نص حذف فى لجنة المراجعة لعدم الحاجة إليه  . وقد اشتمل التقنين الفرنسى ( م 1331 الفقرة الأولى ) على نص تقدم ذكره  .

( [447] ) أوبرى ورو 12 ص 272 – ص 273 والهامش رقم 16 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1494 ص 943 – وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه لا يمكن إجبار ديوان الأوقاف على تقديم دفاتره لكى يثبت المستأجر بمقتضاها أنه قد دفع الأجرة ( 11 ديسمبر سنة 1890 م 3 ص 4 ) ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدوائر الزراعية ( 25 أبريل سنة 1889 م 1 ص 310 ) ، وبالنسبة إلى دفاتر ناظر الوقف فلا يجبر على تقديمها ليثتب المستأجر من الوقف أنه وفى بالأجرة ( 11 ديسمبر سنة 1890 م 3 ص 83 )  . وقضت محكمة مصر الكلية الأهلية فى دائرتها الاستئنافية بأن الأوراق الخصوصية أو المنزلية هى ملك لصاحبها ، فلا يجوز إجباره على تقديمها والحكم عليه بذلك  . وتدخل فى عداد الأوراق الخصوصية دفاتر كل مصلحة من المصالح حتى العمومية منها إذا كانت متعلقة بحسابها الخاص من مصرف وإيراد والتى تسجل فيها أعمالها الخصوصية بصفتها شخصاً أدبياً ، وكذلك ما يكون بينها وبين فروعها من المخابرات والرسائل ( 2 ديسمبر سنة 1899 المجموعة الرسمية 1 ص 159 )  .

( [448] ) الموجز للمؤلف فقرة 650  .

( [449] ) استئناف مختلط 17 أبريل سنة 1900 م 12 ص 212  .

( [450] ) أنظر المادة 1331 من التقنين المدنى الفرنسى ، التى تقدم ذكرها ، ونص التقنين المصرى مأخوذ منها – ويلاحظ أن الدائن إذا كتب مخالصة ، ولكن استبقاها عنده ، فلا يكون لها دلالة الورقة المنزلية الخاصة التى يذكر فيها أنه استوفى الدين ، إذا استبقاؤه للمخالصة مع أنها أعدت لتسليمها للمدين قرينة على أن الوفاء لم يتم ( الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات فقرة 159 ص 185 )  .

( [451] ) والأعمال التحضيرية للتقنين الفرنسى صريحة فى هذا المعنى ( بودرى وبارد 4 فقرة 2440 )  .

( [452] ) أوبرى ورو 12 ص 270 – ص 271 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1492 ص 942  .

( [453] ) أوبرى ورو 12 ص 272  .

( [454] ) أوبرى ورو 12 ص 271 – ص 272 – هذا وسنرى فى الإقرار أن هذا لو كان إقراراً لتجزأ  .

( [455] ) أنظر فى هذا المعنى أوبرى ورو 12 ص 271 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1493 ص 942 – ص 943 – بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2235 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات فقرة 159 ص 187 – وأنظر عكس ذلك الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 145 هامش رقم 3  . وأنظر فى حجية الأوراق المنثورة واختلاف الفقه الفرنسى فى تقديرها بودرى وبارد 4 فقرة 2446  .

هذا وبعد أن بينا الاستثناء الذى استحدثه التقنين الجديد ، بقى أن نذكر أن ليس له من أثر رجعى  . فهو لا يسرى على البيان الذى يدون فى ورقة منزلية فى تاريخ سابق على يوم 15 أكتوبر سنة 1949  . فلو أن دائناً كتب فى مذكراته الخاصة ، قبل هذا التاريخ ، أنه استوفى دنيه ، لم يكن هذا البيان دليلا كاملا ضده ، بل هو لا يعتبر إلا مبدأ ثبوت بالكتابة إذا كتب بخطه  . أما إذا كتب الدائن البيان فى تاريخ غير سابق على 15 أكتوبر سنة 1949 ، سرت أحكام التقنين الجديد وكان البيان دليلا كاملا ضده على النحو الذى بيناه فيما تقدم  .

( [456] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 534 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " 1 - إذا كتب الدائن فى ذيل سند أو على هامشه أو فى ظهره ما يستفاد منه براءة ذمة المدين ، كانت هذه الكتابة حجة عليه إلى أن يثبت العكس ، ولو لم تكن الكتابة ممضاة منه ، ما دام السند لم يخرج قط من حيازته  . 2 - وكذلك يكون الحكم إذا أثبت الدائن هذه الكتابة على الوجه المبين بالفقرة السابقة ، فى نسخة أصلية أخرى للسند أو فى مخالصة ، وكانت النسخة أو الوجه المبين بالفقرة السابقة ، فى نسخة أصلية أخرى للسند أو فى مخالصة ، وكانت النسخة أو المخالصة فى يد المدين "  . وفى لجنة المراجعة عدلت الفقرة الأولى تعديلا يستفاد منه عدم ضرورة صدور الكتابة من يد الدائن نفسه ، وبهذا تكون العبرة بمجرد التأشير ، ويعتبر بقاء السند فى حيازة الدائن قرينة على أنه هو الذى كتب التأشير أو الذى أمر بكتابته فهو على كلا التقديرين صادر منه  . وأثيرت مسألة شطب التأشير سواء كان الدائن قد وقعه أو لم يوقعه ، وقد رؤى ترك الحكم للقواعد العامة  . ثم عدلت الفقرة الثانية تعديلا يجعل المعنى أوضح  . وأصبح النص النهائى للمادة هو النص الذى استقر في التقنين الجديد ، وأصبح رقم المادة 412 فى المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب ، ثم لجنة مجلس الشيوخ تحت رقم المادة 399 ، ثم وافق مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 387 – 288 و ص 390 – 391 )  .

وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " ليس فى هذه المادة من جديد إذا قورنت بما يقابلها فى التقنين الأجنبية  . فلأحكامها نظير فى المادة 1332 من التقنين الفرنسى والمادة 1331 من التقنين الإيطالى والمادة 2438 من التقنين البرتغالى والمادة 1920 من التقنين الهولندى والمادة 1228 من التقنين الكندى  . وقد نصت المادة 230 / 295 من التقنين المصرى والمادة 439 من التقنين المراكشى على هذه الأحكام ذاتها ، مع تحفظ قوامه إباحة إقامة الدليل العكسى " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 388 )  .

( [457] ) كانت المادة 230 / 295 من التقنين المدنى السابق تجرى على الوجه الآتى : " التأشير على سند الدين بما يفيد براءة المدين يكون حجة على الدائن ولو لم يكن ممضى منه ، إلا إذا أثبت الدائن خلاف ذلك "  .

( [458] ) نصوص التقنينات المدنية العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 19 : 1 - التأشير على سند بما يستفاد منه براءة ذمة المدين حجة على الدائن إلى أن يثبت العكس ، ولو لم يكن التأشير مؤرخا أن موقعا منه ، ما دام السند لم يخرج قط من حيازته  . 2 - وكذلك يكون الحكم إذا كتب الدائن بخطه دون توقيع ما يستفاد منه براءة ذمة المدين فى نسخة أصلية أخرى للسند أو فى الوصل وكانت النسخة أو الوصل فى يد المدين  . ( وهذا النص يتفق مع نص التقنين المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى م 460 : الفقرة الأولى من هذه المادة مطابقة للفقرة الأولى من المادة 399 من التقنين المدنى المصرى  . وكذلك الفقرة الثانية فى كل من التقنيني مطابقة للأخرى ، فيما عدا أن التقنين العراقى يغفل ذكر لفظ ( المخالصة )  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 167 : إن ما يكتبه الدائن من العبارات التى تفيد براءة الذمة على سند دين بقى فى حوزته ، أو على نسخة من هذا السند أو على سند إيصال فى حوزة المديون ، يثبت الإيفاء ، ما لم يقم البرهان على العكس  . وليس من الضرورى أن تكون تلك العبارات مؤرخة أو ممضاة ( وهذا النص يتفق مع نص التقنين الفرنسى ويكاد يتفق مع نص التقنين المصرى )  .

( ملاحظة : أما المادة 168 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى فتقابلها المادة 349 من التقنين المدنى المصرى ، ولها مكان آخر )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 386 : مطابقة لنص التقنين المدنى المصرى  .

( [459] ) التقنين المدنى الفرنسى م 1332 : " إذا كتب الدائن فى ذيل سند أو هامشه أو فى ظهره ما يستفاد منه براءة ذمة المدين ، كانت هذه الكتابة حجة عليه ، ولو كانت غير موقعة منه ولا مؤرخة ، ما دام السند لم يخرج قط من حيازته  . وكذلك يكون الحكم إذا اثبت الدائن هذه الكتابة فى ظهر نسخة أصلية أخرى من السند أو فى مخالصة أو على هامشها أو فى ذيلها ، ما دامت هذه النسخة فى يد المدين "  .

وهذا هو الأصل فى نصه الفرنسى :

Art 1332 : L'ecriture mise par le creancier a la suite, en marge ou au dos d'un titre, qui est toujours reste en sa possession, fait foi, quoique non signee par lui, lorsqu'elle tend a etablir la liberation du debiteur  . Li en est de meme de l'ecriture mise par le creancier, au dos, en marge ou a la suite du double d'un titre ou d'une quittance, pourvu que ce double soit entre les mains du debiteur  .

( [460] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " وقد جرت العادة بأن يؤشر الدائن بالوفاء الجزئى أو الكلى على سند الدين ويستبقيه فى حيازته ( الفقرة الأولى ) أو بأ ، يؤشر بذلك على نسخة أصلية أخرى من هذا السند أو على مخالصة تكون فى يد المدين ( الفقرة الثانية ) " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 388 )  .

( [461] ) ونطاق البحث هنا مقصور على تأشير الدائن ببراءة ذمة المدين  . أما التأشير بأى أمر آخر ، من الدائن أو من المدين ، فخارج عن نطاق هذا البحث  . غير أن الفقه الفرنسى يبحث عامة –مقتفياً فى ذلك أثر فقهاء القانون الفرنسى القديم مثل بواسو ( Boiceau ) وبوتييه ( Pothier ) - حالة تأشير المدين بالزيادة فى التزامه أو باستحداث دين جديد فى ذمته  . ثم يبحث حالة تأشير الدائن باستحداث دين فى ذمته هو  . والمفروض طبعاً أن كل هذه التأشيرات مكتوبة فى سند الدين ، وأنها غير موقعة وإلا كانت دليلا كاملا لا محل لأفراده بالذكر  .

أما حالة تأشير المدين بالزيادة فى التزامه أو باستحداث دين جديد فى ذمته ، فقد ميز فى صددها بواسو ، ومن بعده بوتييه ، بين فرضين : ( أولا ) إذا كان الالتزام الجديد ليس إلا ملحقاً بالالتزام الأصلى الثابت فى السند ، كأن كان إقراراً بفوائد للالتزام الأصلى أو تعهداً بدفع الالتزام الأصلى فى ميعاد معين أو على أقساط محددة أو قبولا لشرط فاسخ أو لشرط جزائى أو اعترافاً بغضافة إلى الالتزام الأصلى جدت بعد نشوء هذا الالتزام أو نحو ذلك ، فعندئذ يكون تأشير المدين حجة عليه ، وينسحب التوقيع الذى يحمله الالتزام الأصلى على هذا الالتزام الملحق  . ( ثانيا ) إذا كان الالتزام الجديد مستقلا كل الاستقلال عن الالتزام الأصلى ولا علاقة له به ، فعندئذ يكون تأشير المدين بهذا الالتزام الجديد ليس بحجة عليه لأنه غير موقع منه ، ويحتمل أن يكون مشروعاً لم يتم ، ويصح على كل حال أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة ما دام مكتوباً بخط المدين  . وغنى عن البيان أن التأشير ، فى الفرضين المتقدمين ، إذا كان مكتوباً بخط الدائن لا بخط المدين ، لا يكون حجة على المدين إطلاقاً  .

وأما حالة تأشير الدائن باستحداث دين فى ذمته هو فلا تقاس على حالة تأشيره ببراءة ذمة المدين ، لأن الحالة الأخيرة ورد فى شأنها نص خاص استثنائى فلا يجوز القياس عليها  . ومن ثم لا يكون التأشير فى الحالة الأولى إلا مبدأ ثبوت بالكتابة ، ما دام مكتوباً بخط الدائن ، وليس فى هذا إلا تطبيق للقواعد العامة  .

وفى مصر تطبق القواعد العامة فى هذه الحالات وغيرها مما لم يرد فيه نص خاص  . ولا يجوز القياس على الحكم المنصوص عليه فى المادة 399 من التقنين المدنى ، لأن هذه المادة نص استثنائى لا يجوز تطبيقه فى غير الحالتين اللتين ورد فيهما  . ومن ثم لا يكون التأشير غير الموقع حجة على من صدر منه هذا التأشير ، ويصح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة إذا كان بخطه  . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " ثم إن هذه الحجية لا تتوافر إلا إذا قصد من التأشير إلى إثبات براءة ذمة المدين ، أما ما عدا ذلك مما يؤشر به على سند الدين فلا تكون له حجية فى الإثبات إلا فى حدود القواعد العامة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 390 )  .

( أنظر فى هذه المسألة بودرى وبارد 4 فقرة 2457 – فقرة 2458 – بونييه فقرة 754 – ديمولومب 29 فقرة 660 – لارومبيير 6 م 1332 فقرة 2 – لوران 19 فقرة 362 – الموجز للمؤلف فقرة 645 – الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات فقرة 270 – الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 102 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات فقرة 166 )  .

هذا وإذا أشر الدائن بما يفيد براءة ذمة المدين ، ولكنه أضاف إلى ذلك أن المدين شغل ذمته بدين آخر له ، كان التأشير حجة عليه بالنسبة إلى براءة ذمة المدين ، ولا يكون حجة له بالنسبة إلى شغل ذمة المدين بدين آخر ، بل يجب على الدائن بالرغم من هذا التأشير أن يحمل عبء إثبات هذا الدين الجديد  . وإلى هذا المعنى تشير المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى حين تقول : " ويراعى أن التأشير تقتصر حجيته على الدائن وحده ، ولا يجوز أن ينهض دليلا لصالحه على وجه الإطلاق ، إذ من الممتنع أن يصطنع دليلا لنفسه " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 389 – ص 390 )  .

( [462] ) وقد جعل التقنين المدنى السابق فعلا من تسليم سند الدين إلى المدين قرينة على الوفاء تقبل إثبات العكس ( أنظر المادتين 219 – 220 / 284 - 285 من هذا التقنين )  . ولما كان تسليم سند الدين إلى المدين عملا مادياً لا يشتمل على ورقة مكتوبة ، فقد أغفلنا الكلام فى هذه القرينة هنا ونحن فى صدد بحث الأوراق المكتوبة ، وسنبحثها فى موضعها عند الكلام فى القرائن  .

( [463] ) وكان المشروع التمهيدى – كما رأينا – ينص على أن التأشير يكون فى الذيل أو على الهامش أو فى الظهر ، فحذفت هذه العبارة فى المشروع النهائى ، وأصبح النص مطلباً لا يتقيد بمكان دون آخر  . هذا وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ما يأتى : " ويراعى أن المشروع لا يتطلب توافر أى شرط شكلى فى مثل هذا التأشير ، فهو لا يشترط بيان تاريخ التحرير أو وضع توقيع الدائن  . وهو لا يشترط إيراده فى مكان معين من السند أو النسخة الأصلية أو المخالصة ، فقد يرد فى ذيل الورقة أو على هامشها أو فى ظهرها ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 389 )  .

( [464] ) الموجز للمؤلف فقرة 644  .

( [465] ) وهذا هو الرأى السائد فى الفقه الفرنسى  . وهناك من الفقهاء فى فرنسا من يكتفى بأحد الشرطين ، كتابة التأشير بخط الدائن أو حيازة الدائن للسند ، فإذا كان الدائن حائزاً للسند ولم يكن التأشير بخطه ، أو كان التأشير بخطه ولم يكن حائزاً للسند ، فإن هذا يكفى لقيام قرينة الوفاء ، وهذا ما كان بوتييه ( الالتزامات فقرة 761 ) يقول به ( تولييه 8 فقرة 353 - ديرانتون 13 فقرة 213 )  . ويعنى هذا الفريق من الفقهاء على نص التقنين المدنى الفرنسى عدم الدقة وأنه إنما أراد أن ينقل رأى بوتييه فأخطأه التوفيق  . بل هناك من يرى أحد الشرطين ضرورياً دون الاخر : إما أن حيازة الدائن للسند دون كتابة التأشير بخط الدائن هو الضرورى ( دلفنكور 2 ص 617 - ص 618 وهو فى هذا يتفق مع التقنين المصرى ) ، وإما أن الضرورى هو كتابة التأشير بخط الدائن دون حيازة الدائن للسند ( ماركاديه م 1332 فقرة 1 – فقرة 3 )  . والصحيح فى الفقه الفرنسى أن كلا من حيازة الدائن للسند وكتابة التأشير بخط الدائن ضرورى لقيام قرينة الوفاء ، كما هو صريح نص التقنين الفرنسى ( أوبرى ورو 12 فقرة 758 ص 274 هامش رقم 18 - لارومبيير 6 م 1332 فقرة 3 - ديمولومب 29 فقرة 645 - فقرة 647 - لوران 19 فقرة 358 - فقرة 359 - هيك 8 فقرة 253 - بونييه فقرة 749 - فقرة 750 - بودرى وبارد 4 فقرة 2450 - بلانيول وريبير وجابولك 7 فقرة 1495 ص 944 - بيدان وبرو 9 فقرة 1241 ص 327 هامش رقم 1 )  .

وقد رأينا أن المشروع التمهيدى للتقنين المدنى الجديد ( م 534 ) كان قد جارى التقنين المدنى الفرنسى فاشترط كتابة الدائن للتأشير بخطه وحيازته للسند فى وقت معاً ، ولكن لجنة المراجعة حذفت شرط كتابة الدائن للتأشير بخطه فى المشروع النهائى واستبقت شرط حيازة الدائن للسند ، مراعية فى ذلك أن شرط كتابة الدائن للتأشير بخطه إنما تتعين مراعاته إذا كان السند فى حيازة المدين ، أما إذا كان السند فى حيازة الدائن فتغنى هذه الحيازة عن هذا الشرط ، لا سيما فى بلد لا تزال الأمية فيه هى الغالبة  . على أن هناك من الفقهاء فى مصر من يرى ، من ناحية السياسة التشريعية ، أنه كان يجدر بالمشرع المصرى ، بعد أن استكثر الجمع بين الشرطين ، أن يكتفى بأيهما ، إذ أن التأشير بخط الدائن أهم من حيازة الدائن للسند ( الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 152 هامش رقم 1 - الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 303 ) - الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات ص 190 هامش رقم 1 )  .

( [466] ) وعبء إثبات المحو أو الشطب ، وبخاصة المحو ، يكون على المدين لأنه هو الذى يدعى المحو أو الشطب لمنعه من الانتفاع بقرينة الوفاء  .

( [467] ) ويذهب بوتييه ( فقرة 761 ) إلى أن المحو أو الشطب لا يزيل قوة التأشير فى الإثبات ، وإلا لكان من السهل على الدائن والسند فى حيازته أن يمحو التأشير أو يشطبه  . وتبع بوتييه فريق من الفقهاء ( ديرانتون 13 فقرة 221 - لارومبيير 6 م 1332 فقرة 10 - لوراءن 19 فقرة 361 )  . ويذهب فريق آخر إلى أنه لما كانت العادة أن الدائن يكتب التأشير ببراءة ذمة المدين على السند قبل استيفاء الدين ، فشطب هذا التأشير بعد كتابته يجدر أن يفترض فيه أن الدائن بعد أن كتب التأشير لم يستوف الدين من المدين فمحا التأشير تبعاً لذلك ، وعلى المدين إذا ادعى العكس أن يثبته  . وهذا بخلاف التأشير بالوفاء فى ورقة منزلية ، فإن العادة ألا يحصل هذا التأشير إلا بعد تمام الوفاء ، فيفترض وقوع الوفاء بالرغم من محو التأشير أو شطبه ( أوبرى ور 12 ص 276 هامش رقم 21 - تولييه 8 فقرة 356 - بوتييه فقرة 753 - ديمولومب 29 فقرة 651 - بودرى وبارد 4 فقرة 2455 )  .

( [468] ) هو هنا لا يدحض القرينة بالدليل العكسى بعد قيامها ، بل هو يثبت أن القرينة لم تقم أصلاً لعدم توافر شرط من شروط قيامها  .

( [469] ) انظر فى هذا المعنى الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 102 مكررة – الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 307 - ويذهب الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة إلى أنه " ليس من الصواب القطع بدلالة الشطب فى هذه الحالة ، فما دام المسألة يسيطر عليها اعتباران متعارضان ، لكل منهما ما يبرره ، فيجب أن يترك الأمر لتقدير القاضى " ( الإثبات فقرة 14 ص 192 )  .

( [470] ) ولا يعتبر السند قد خرج من حيازة الدائن إذا هو انتقل إلى وكيل له أو إلى مودع عنده أو إلى مدير لأعماله أو إلى دائن مرتهن أو إلى شخص عهد إليه فى تحصيل قيمته و فى تقديمه إلى القضاء  . أما إذا انتقل إلى المدين نفسه لسبب أو لآخر ، كأن سلم إليه ليكتب التأشير بنفسه قبل الوفاء فكتبه ولم يقم بالوفاء ، فإن حيازة السند فى هذه الحالة تكون قد انقطعت ، ولكن الدائن هو الذى يقع عليه عبء إثبات ذلك كما سنرى ( ديمولومب 29 فقرة 650 - لارومبيير 6 م 1332 ص 219 - ص 221 - بودرى وبارد 4 فقرة 2451 - الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات فقرة 164 ص 191 )  .

( [471] ) ونرى من ذلك أن التقنين المدنى الجديد هو وسط ما بين التقنين المدنى السابق والتقنين المدنى الفرنسى  . فالتقنين المدنى السابق كان لا يشترط لا حيازة السند ولا خط الدائن  . والتقنين المدنى الفرنسى يشترط الاثنين معاً  . والتقنين المدنى الجديد يشترط حيازة السند دون خط الدائن  .

( [472] ) وقد حاء فى الموجز للمؤلف فى هذا الصدد ما يأتى : " وهذان الشرطان ( أى التأشير بخط الدائن وبقاء السند فى حيازته )غير ضروريين فى مصر  . وقد يتوافر أحدهما دون الآخر ، فيكون التأشير بخط الدائن ولكن السند لم يخرج من حيازته ، وهنا أيضاً ما دام التأشير صادراً من الدائن ولو لم يكن بخطه ، فهو حجة عليه لأن السند لم يخرج من حيازته ، فمفروض أن التأشير الصادر منه تم بموافقته  . وقد لا يتوافر أى شرط من الشرطين المتقدمين ، فيكون التأشير بغير خط الدائن ويكون السند قد خرج من حيازته ، ولكن ما دام التأشير صادراً منه ولو لم يكن بخطه ، فهو حجة عليه حتى فى هذا الفرض  . له أن يدحض القرينة بإثبات العكس ، كما يملك هذا فى الفروض الأخرى المتقدمة ، وإن كان دحض القرينة فى الفرض الأخير أسهل "  . ثم جاء فى حاشية عن قرينة براءة ذمة المدين فى الفرض الأخير ما يأتى : " وقرينة براءة المدين فى هذا الفرض قائم على الوجه الآتى : المفروض أن الدائن يحتفظ بسند الدين فى حيازته ، فما دام قد تركه يخرج من حيازته وسمح للغير أن يؤشر عليه بما يفيد براءة المدين ، فالمفهوم أن هذا كله قد تم بموافقته  . ,إذا قيل يحتمل أن التأشير قد تم بغير علمه من شخص أراد أن يفقد السند قيمته ، أمكن الرد على ذلك بأنه كان من الأيسر على هذا الشخص أن يمزق السند أو أن يخفيه  . وإذا قيل يحتمل أن يكون السند قد خرج من حيازة الدائن دون رضاه ، فالرد أن مثل هذا الاحتمال هو الذى جعل القرينة قابلة لإثبات العكس " ( الموجز فقرة 644 ص 675 وهامش رقم 1 )  .

( [473] ) بودرى وبارد 4 فقرة 2451 - دى باج 3 فقرة 829 - الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 148 هامش رقم 1  .

( [474] ) وقد رأينا نظيراً لذلك فيما قدمناه فى شأن محو التأشير أو شطبه  .

( [475] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " على أن تخلف أحد الشرطين المتقدمين لا يجعل التأشير خلواً من كل فائدة  . فللمدين مثلاً أن ينتفع منه بوصفه مبدأ ثبوت بالكتابة متى كان محرراً بخط الدائن  . ولم ير وجه للنص صراحة على هذا الحكم ، لأنه لا يعدو أن يكون تطبيقاً للقواعد العامة " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 389 )  .

( [476] ) وهى بهذه المثابة دليل كامل ولو أنها غير موقعة  . فهى إذن بمنزلة الأوراق الموقعة من حيث إنها ليست فى حاجة إلى أن تستكمل  . وهى أيضاً كالأوراق الموقعة يجوز إثبات عكسها  . ولكنها تخالف الأوراق الموقعة فى أنه يجوز إثبات عكسها بجميع الطرق دون أن تشترط الكتابة فى هذا الإثبات وسنعود إلى هذه المسألة بعد قليل  .

( [477] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 388 - ص 389 )  .

( [478] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 389  .

( [479] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " وقد نهج المشروع فى إباحة إقامة الدليل العكسى نهج التقنين الراهن ( م 230 / 295 ) والتقنين المراكشى ( م 439 ) مراعياً فى ذلك أن تأشير الدائن لا يعتبر قرينة قاطعة على براءة الذمة ، بل يكون لهذا الدائن أن يثبت أن ما أشر به قد صرد عن غلط منه " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 390 )  .

أما التقنين المدنى الفرنسى ( م 1332 ) فلم يصرح بجواز إثبات العكس كما فعل التقنين المصرى  . لذلك يميز الفقه فى فرنسا بين الحالة التى نحن بصددها – حالة التأشير على سند الدين وهو فى حيازة الدائن – فيجيز إثبات عكس ما جاء فى التأشير بجميع الطرق لأن التأشير ورقة عرفية غير موقعة ( أوبرى ورو 12 ص 277 رقم 23 - لارومبيير 6 م 1332 فقرة 9 - ديمولومب 29 فقرة 657 - هيك 8 فقرة 264 - بودرى وبارد 4 فقرة 245+ - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1495 - بيدان وبرو 9 فقرة 1241 - دى باج 3 فقرة 875 ) - وحالة التأشير على نسخة أصلية لسند الدين أو على مخالصة وهى فى حيازة المدين ، فينقسم فى شأنها : فريق يقول بجواز إثبات عكس ما جاء فى التأشير بجميع الطرق كما فى الحالة السابقة لأن التأشير لا يزال ورقة عرفية غير موقعة ( ديمولومب 29 فقرة 657 - لارومبيير 6 م 1332 فقرة 9 - هيك 8 فقرة 264 - بودرى وبارد 4 فقرة 2456 ) ، وفريق آخر يذهب إلى أن التأشير فى هذه الحالة ، بحم أنه بخط الدائن وهو فى الوقت ذاته فى حيازة المدين ، يكسب طابعاً تعاقدياً إذ هو وضع اشترك فى إقامته كل من الدائن والمدين ، الأول بخطه والثانى بحيازته ، فأضفيا عليه صيغة السند الموقع كما يقول أوبرى ورو ( revet, en quelque sorte, le caractere d'un acte proprement ) ، ومن ثم لا يجوز إثبات ما يخالفه إلا بالكتابة ( أوبرى ورو وبارتان 12 فقرة 758 ص 277 هامش رقم 23 - بيدان برو 9 فقرة 1242 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1495 - دى باج 3 فقرة 875 )  .

( [480] ) الموجز للمؤلف فقرة 644 ص 675 - ويذهب الأستاذ سليمان مرقس ، فى كتابة " أصول الأثبات " ص 148 هامش رقم 2 ، " إلى أن النص الخاص بالتأشير على سند الدين لا يقتصر على إنشاء قرينة قانونية على البراءة ، وإنما هو يعطى هذه الكتابة غير الموقعة قيمة الكتابة الموقع’  . وإذن تسرى على التأشير قواعد حجية الورقة العرفية الموقعة ، فيجوز إثبات عكس ما تضمنه ، على أن يكون ذلك بالكتابة أو بما يقوم مقامها أو بالبينة والقرائن فى الأحوال التى يوجد فيما ما يسوغ الإثبات بها استثناء "  . انظر أيضاً فقرة 202 ص 375 - ص 386 من الكتاب ذاته  .

ولا ضير من القول بأن المشرع رفع التأشير ببراءة ذمة المدين ، وهو تأشير غير موقع ، إلى منزله الورقة الموقعة, ولكن يبقى التأشير مع هذا قابلاً لإثبات العكس بجميع الطرق  . ويرجع ذلك إلى تحديد ما هو المقصود بعبارة " الدليل الكتابى " الواردة فى المادة 410 من التقنين المدنى المصرى ، عندما يقرر هذا النص أنه لا يجوز الإثبات بالبينة " فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابى "  . وفى رأينا أن المقصود بالدليل الكتابى هنا هو ورقة عرفية موقعة ، لا ورقة غير موقعة ولو ارتفعت إلى منزلة الورقة العرفية الموقعة  . وهذا هو ما استقر عليه الفقه والقضاء فى مصر وفى فرنسا  . والسبب فى إجماع الفقه والقضاء فى فرنسا على هذا الرأى أن التقنين المدنى الفرنسى ( م 1341 ) قد أورد القاعدة التى تقضى بعدم جواز إثبات ما يخالف الكتابة إلى بالكتابة فى نفس النص الذى أوجب الكتابة فيما يزيد على النصاب المعين  . فالكتابة التى عناها فى الحالتين هى الكتابة الموقعة ، ما فى ذلك من شك  . فوضح من هذا أن الكتابة التى لا يسمح بإثبات ما يخالفها إلا بالكتابة إنما هى الكتابة الموقعة دون غيرها  . ولم يرد المشرع المصرى بتاتاً أن يحيد عن هذا المبدأ فهو عندما منع فى المادة 401 الإثبات بالبينة " فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابى " قد قصد دون ريب " بالدليل الكتابى " الورقة العرفية الموقعة المطلوبة فى إثبات ما تزيد قيمته على عشرة جنيهات ، كما يستخلص ذلك ضمناً من نص المادة 400  . ولا يمكن القول ، لمجرد تحوير لفظى ، أن المشرع المصرى قصد مغايرة القواعد الجوهرية فى الإثبات التى نقلها عن المشروع الفرنسى  .

( [481] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 388  .

( [482] ) ويلاحظ هنا أن التقنين المدنى العراقى ( م 460 ) يشترط أن يقع التأشير على النسخة الأصلية الأخرى لسند الدين ، فلا يجوز أن يقع على مخالصة أو على أية ورقة أخرى  . وفى هذا وحده ، كما قدمنا ، يختلف هذا التقنين عن التقنين المصرى  .

( [483] ) أما إذا أشر البائع ببراءة ذمة المشترى على نسخة أصلية لعقد البيع ليست فى يده ولا فى يد المشترى ، بأن تعدد المشترون وكان التأشير على نسخة ثالثة فى يد مشتر آخر ، فإن التأشير فى هذه الحالة لا يكون صحيحاً لوقوعه فى سند ليس فى حيازة الدائن ولا فى حيازة المدين  .  . ولكنه ما دام مكتوباً بخط الدائن يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة ( أوبرى ورو 12 ص 275 هامش رقم 19 )  .

( [484] ) ذلك أن إجراءات تحقيق الخطوط تقبل فى جميع الأوراق العرفية ، موقعة كانت أو غير موقعة  .

( [485] ) الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 147 هامش رقم 1 وص 153  .

( [486] ) ديرانتون 13 فقرة 656 - بودرى وبارد 4 فقرة 2455 - دى باج 3 فقرة 829 - بيدان وبرو 9 فقرة 1242 - الموجز للمؤلف فقرة 645 - الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 102 مكررة - الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 307 مكررة - الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات فقرة 165 ص 194  .

( [487] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 389 )  .

( [488] ) وقد كان المشروع الأول الذى سبق المشروع التمهيدى يميز بين حالة التأشير على سند فى حيازة الدائن فيجعل التأشير قابلاً لإثبات العكس ، وحالة التأشير على سند فى حيازة المدين فيجعل التأشير غير قابل لإثبات العكس ( م 19 من هذا المشروع )  . ولعل المشروع قد تأثر فى ذلك بأن فريقاً من الفقهاء الفرنسيين لا يسمحون ، فى إثبات عكس التأشير على سند فى حيازة المدين ، بأن يكون الإثبات بجميع الطرق ، بل يشترطون أن يكون الإثبات بالكتابة على النحو الذى بيناه فيما تقدم  . وواضح أن هذا أمر يختلف عن قابلية التأشير لإثبات العكس فى ذاته ، سواء كان إثبات العكس بجميع الطرق أو كان بطرق معينة  . وقد ورد فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ( المذكرة الإيضاحية 2 ص 690 )  . عبارة تردد هذا التمييز  . وهى عبارة خاطئة ، لن التقنين الجديد ( وكذلك المشروع التمهيدى ) لم يفرق بين حجية القرينة فى حالة التأشير على سند فى حيازة المدين وحجيتها فى حالة التأشير على سند فى حيازة الدائن ، فكلتا القرينتين قابلة لإثبات العكس  . ومن أجل ذلك لم تنقل هذه العبارة إلى مجموعة الأعمال التحضيرية ( انظر فى هذه المسألة الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 152 هامش رقم 3 والأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات ص 194 هامش رقم 2 )  .

( [489] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 39  .

( [490] ) انظر فى هذا المعنى الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات الطبعة الرابعة فقرة 266 والطبعة الخامسة فقرة 306  .

( [491] ) الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 101 ص 152 هامش رقم 2 – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات فقرة 165 ص 193  .

( [492] ) والفرق بين الشهادة والإقرار أ ، الشهادة هى أخبار الإنسان بحق لغيره على غيره ، أما الإقرار فأخبار الإنسان بحق لغيره على نفسه  . وتختلف الدعوى عنهما بأنها إخبار الإنسان بحق لنفسه على غيره ( طرق القضاء فى الشريعة الإسلامية للأستاذ أحمد إبراهيم ص 282 )  .

( [493] ) ومن ذلك أن يضم تحقيق جنائى إلى ملف قضية مدنية ، ويعتد بما ورد مكتوباً فى التحقيق الجنائى من شهادة الشهود ( بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2246 )  . أما نقل الكلام بآلة مسجلة ( dictaphone ) فقد رفض القضاء المصرى والفرنسى قبوله فى مقام الشهادة ( بيدان وبرو 9 ص 331 هامش رقم 1 - انسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ prevue فقرة 871 - فقرة 872 )  .

( [494] ) وتسمى فى القه الإسلامى بالشهادة على الشهادة  .

( [495] ) أو هى شهادة أصلية بشهادة أصلية  . ويصح أن تكون شهادة سماعية بشهادة أصلية ، فيقول الشاهد إنه سمع فلاناً يروى عن فلان واقعة معينة بالذات  . واقتناع القاضى بمثل هذه الشهادة أشق بكثير من اقتناعه بشهادة أصلية على شهادة أصلية  .

( [496] ) قارن الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 379 والأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فقرة 185 ص 230 - والشهادة على الشهادة فى الفقه الإسلامى لا تجوز إلا بالإنابة والتحميل  . جاء فى فتح القدير ( جزء 6 ص 18 ) : " فإذا سمع شاهداً يشهد بشئ لم يجز أن يشهد على شهادته ، إلا أن يشهده ذلك الشاهد على شهادة نفسه ، لأن الشهادة غير موجبة بنفسها بل بالنقل إلى مجلس القضاء ، فلا بد من الإنابة والتحميل  . ولهذا لو سمعه يشهد شاهداً على شهادته ، لم يسمع السامع أن يشهد ، لأنه ما حمله وإنما حمل غيره  . وهذا الإطلاق يقتضى أنه لو سمعه يشهد فى مجلس القاضى ، حل له أن يشهد على شهادته لأنها حينئذ ملزمة "  .

( [497] ) انظر فى هذا المعنى بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1509 ص 959  . ويجب على كل حال التحدى بعدم قبول الشهادة السماعية ، إن كان لذلك وجه ، أمام محكمة الموضوع ، فلا يجوز التمسك بذلك أمام محكمة النقض لأول مرة  . وقد قضت محكمة النقض بأن القول بأن شهادة شاهد سماعية فهى غير مقبولة رغم أخذ الحكم الابتدائى بها – هذا القول لا يصح التمسك بأنه أمام محكمة النقض ما لم يسبق التحدى به لدى محكمة الموضوع ( نقض مدنى 29 مارس سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 86 ص 471 )  .

( [498] ) بيدان وبرو 9 فقرة 1249 - فمحل الشهادة بالتسامع ليس فى الحقيقة الواقعة المراد إثباتها ، بل محلها رأى الناس فى هذه الواقعة وما شاع بين الجماهير فى شأنها  . ورأى الناس قد يكون له أثر فى موضوع الحق نفسه ، ومن ثم كان هو ذاته محلاً للإثبات لا طريقاً فى الإثبات  . فهناك إذن ضرب من التحويل ( deplacement ) فى محل الإثبات ، ينقل الإثبات من محله الأصلى إلى محل بديل عنه ( انظر فى هذا المعنى بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1514 ص 964 - انظر أيضاً أوبرى ورو 12 فقرة 761 هامش رقم 14 - بيدان وبرو 9 فقرة 1248 )  .

( [499] ) بارتان على أوبرى ورو 12 فقرة 762 هامش رقم 17 - لوران 5 فقرة 11 - بودرى وبارد 4 فقرة 2651 مكررة ص 402 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1514 ص 964 - ص 965  .

( [500] ) أوبرى ورو 12 فقرة 762 ص 303 - ص 304 - تولييه 2 فقرة 1197 - ماركاديه 2 فقرة 250 - بوتييه فقرة 242 - ديمولومب 7 فقرة 56 و 30 فقرة 225 - قارن بيدان وبرو 9 فقرة 1248  .

( [501] ) استئناف مختلط 21 أبريل سنة 1921 م 33 ص 281 - 8 يونيه سنة 1937 م 49 ص 253  .

( [502] ) استئناف مختلط 17 يونيه سنة 1925 م 37 ص 494 - 16 ديسمبر سنة 1931 م 44 ص 65 - 29 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 56 - 25 نوفمبر سنة 1936 م 49 ص 23  .

( [503] ) وقد جاء فى البدائع ( جزء 6 ص 266 - ص 267 ) فى صدد الشهادة بالتسامع ما يأتى : " الثالث ( من شروط تحمل الشهادة ) أن يكون التحمل بمعاينة المشهود به بنفسه لا بغيره ، إلا فى أشياء مخصوصة يصح التحمل فيها بالتسامع من الناس لقوله عليه الصلاة والسلام للشاهد إذا علمت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع ، ولا يعلم مثل الشمس إلا بالمعاينة بنفسه  . فلا تطلق الشهادة بالتسامع إلى فى أشياء مخصوصة  . وهى النكاح والنسب والموت  . فله تحمل الشهادة فيها بالتسامع من الناس وإن لم يعاين بنفسه ، لأن مبنى هذه الأشياء على الاشتهار فقامت الشهرة فيها مقام المعاينة  . وكذا إذا شهد العرس والزفاف يجوز له أن يشهد بالنكاح لأنه دليل النكاح  . وكذا فى الموت إذا شهد جنازة رجل أو دفته حل له أن يشهد بموته  . واختلفوا فى تفسير التسامع ، لعند محمد رحمه الله هو أن يشتهر ذلك ويستفيض وتتواتر به الأخبار عنده من غير تواطؤ ، لأن الثابت بالتواتر والمحسوس بحس البصر والسمع سواء ، فكانت الشهادة بالتسامع شهادة عن معاينة, فعلى هذا إذا أخبره بذلك رجلان أو رجل وامرأتان لا يحل له الشهادة ما لم يدخل فى حد التواتر  . وذكر أحمد بن عمرو بن مهران الخصاف أنه إذا أخبره رجلان عدلان أو رجل وامرأتان أن هذا ابن فلان أو امرأة فلان يحل له الشهادة بذلك ، استدلالاً بحكم الحاكم وشهادته ، فإنه يحكم بشهادة شاهدين من غير معاينة منه بل يخبرهما ويجوز له أن يشهد بذلك بعد العزل ، كذا هذا  . ولو أخبره رجل أو امرأة بموت إنسان حل للسامع أن يشهد بموته  . فعلى هذا يحتاج إلى الفرق بين الموت وبين النكاح والنسب  . ووجه الفرق أن مبنى هذا لأشياء وإن كان على الاشتهار إلا أن الشهرة فى الموت أسرع منه فى النكاح والنسب ، لذلك شرط العد فى النكاح والنسب لا فى الموت  . لكن ينبغى أن يشهد فى كل ذلك على الثبات والقطع دون التفصيل والتقييد بأن يقول إنى لم أعاين ذلك ولكن سمعت من فلان كذا وكذا ، حتى لو شهد كذلك لا تقبل  . وأما الولاء فالشهادة فيه بالتسامع غير مقبولة عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله ، وهو قول أبى يوسف رحمه الله الأول ثم رجع وقال تقبل  .  .  .  . وأما الشهادة بالتسامع فى الوقف فلم يذكره فى ظاهر الرواية ، إلا أن مشايخنا ألحقوه بالموت لأن مبنى الوقف على الاشتهار أيضاً كالموت فكان ملحقاً به  . وكذا يجوز الشهادة بالتسامع فى القضاء والولاية ، أن هذا قاضى بلد كذا ووالى بلد كذا وإن لم يعاين المنشور ، لأن مبنى القضاء والولاية على الشهرة فقامت الشهرة فيها مقام المعاينة "  .

وجاء فى فتح القدير ( جزء 6 ص 20 - ص 21 ) : " ولا يجوز للشاهد أن يشهد بشئ لم يعاينه أى لم يقطع به من جهة المعاينة بالعين أو السماع إلا فى النسب والموت والنكاح والدخول وولاية القاضى ، فإنه يسعه أن يشهد بهذه الأمور إذا أخبره بها من يثق به من رجلين عدلين أو رجل وامرأتين  . ويشترط كون الإخبار بلفظ الشهادة ، وفى الموت إذا قلنا يكفى الواحد لا يشترط لفظ الشهادة بالاتفاق ، أو بتواتر الخبر بذلك  .  .  . وجه الاستحسان أن العادة جارية بذلك ، وذلك بسبب أنه لا طريق إلى معرفة هذه الأشياء سوى الخبر ، إذ لم تجرى العادة بحضور الناس الولادة وإنما يرون الولد مع أمه أو مرضعته وينسبونه إلى الزوج فيقولون هو ابن فلان ، وكذا النكاح لا يحضره كل أحد وإنما يخبر بعضهم بعضاً أن فلاناً تزوج فلانة ، وكذا الدخول لا يعلم إلا بأمارات  .  .  . وكذا ولاية السلطان للقاضى لا يحضرها إلا الخواص وإنما يحضرون جلوسه وتصديه للأحكام  .  .  . وينبغى أن يطلق أداء الشهادة ، فيشهد أنه ابنه أو أمير أو قاض  . أما إذا فسر للقاضى أنه شهد عن تسامع بين الناس لم تقبل شهادته "  . ويقول الأستاذ أحمد إبراهيم فى " طرق القضاء فى الشريعة الإسلامية " ( ص 306 ) : " أقول والظاهر أنه حيث أجير للشاهد أن يشهد بالسماع فى المواضع التى بينوها وجب أن يقضى بشهادته إذا فسر ، وإلا كان فى المقام ما يشبه التناقض ، ولا معنى لبقاء القضاء فى مثل هذا على القياس والأخذ فى الشهادة بالاستحسان ، وكل ما فى الأمر أنهم يريدون تحميل الشاهد عبء ما شهد به ولا يحملون القاضى ذلك ، لكن ما أجازوه فيها كان ينبغى أن يجيزوه فيه منعاً للتدافع ، ولا معنى لهذا الهروب من أمر قرروه واعترفوا به "  .

وأوصل ابن جزى فى القوانين الفقهية ( ص 313 ) المسائل التى يجوز فيها قبول الشهادة بالتسامع إلى عشرين ، فقال : " تجوز الشهادة بالسماع الفاشى فى أبواب مخصوصة ، وهى عشرون : النكاح ، والرضاع ، والحمل ، والولادة ، والموت ، والنسب ، والولاء ، والحرية ، والأحباس ، والضرر ، وتولية القاضى ، وعزله ، وترشيد السفيه واليتيم ، والوصية وأن فلاناً وصى ، والصدقات المتقادمة ، والأشربة المتقادمة ، والقسامة ، والإسلام ، والعدالة ، والجرحة  . ولا تجوز الشهادة بالسماع الفاشى فى إثبات ملك لطالبه ، وإنما تجوز للذى هو فى يديه بشروط حوزه له سنين كثيرة الأربعين والخمسين "  .

هذا ويعرف الفقه الإسلامى ، إلى جانب الشهادة بالتسامع ، شهادة التواتر  . وهى " خبر جماعة يقع العلم بخبرهم  .  .  . لا يتصور اتفاقهم على الكذب  . وليس للتواتر عدد معين على الصحيح ، وإنما الشرط أن يكون المخبرون جمعاً لا يجوز العقل اتفاقهم على الكذب  . ولما كان التواتر يفيد عم اليقين ، فلا تقام بينة على خلافه ، لأن البينات ظنية يدخلها الشك بخلاف التواتر ، سواء أكان المستند إلى التواتر مدعياً أو مدعى عليه ، وسواء أكان مثبتاً أم نافياً ، وسواء أكان فى الموال أم الحدود أم القصاص ، وسواء أكان قبل الحكم أم بعده ، ذلك لأن التواتر حجة فى النفى والإثبات لإفادته القطع واليقين " ( الأستاذ أحمد إبراهيم فى طرق القضاة ص 29 )  .

( [504] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1514 ص 965 وهامش رقم 2  .

( [505] ) انظر المواد 115 - 119 من التقنين المدنى الفرنسى - وانظر فى مثل ثالث المادة 507 من هذا التقنين  .

( [506] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1513 ص 963 - ص 964 - بيدان وبرو 9 فقرة 1250

( [507] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1513 ص 963 - ص 964 - بيدان وبرو 9 فقرة 1250

( [508] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1513 ص 963 - ص 964 - بيدان وبرو 9 فقرة 1250

( [509] ) ودرج المثل ، فى القانون الفرنسى القديم ، أن الشهادة فوق الكتابة ( temoins passent lettre )  .

( [510] ) أوبى ورو 12 فقرة 761 ص 298 - على أن هناك اتجاهاً فى العصر الحاضر من شأنه أن يرد للبينه اعتبارها  . ففى التقنينات الجرمانية ( تقنين المرافعات الألمانى وتقنين المرافعات السويسرى ) وفى بعض التقنينات اللاتينية ( التقنين المدنى البرتغالى م 2506 - 2508 والتقنين المدنى الإسبانى م 1244 - 1248 يجوز ، فى المسائل المدنية على غرار المسائل التجارية ، الإثبات بالبينة حيث يجوز الإثبات بالكتابة  . ويذهب بعض كبار الفقهاء من أمثال تالير ( الإفلاس فى القانون المقارن 1 ص 160 ) إلى تحبيذ هذا الاتحاه ( انظر عكس ذلك كولان وكابيتنان ومورانديير 2 فقرة 776 ص 512 هامش رقم 2 - بيدان وبرو 9 فقرة 1252 )  . والقضاء الفرنسى ذاته ، فى خلال القرن الأخير ، يساير هذه النزعة ، فيتوسع فى قبول البينة عن طريق التوسع فى تفسير معنى " مبدأ الثبوت بالكتابة " ومعنى " تعذر الحصول على الكتابة " ( بيدان وبرو 9 فقرة 1150 ص 218 وهامش رقم 4 )  .

( [511] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا المعنى ما يأتى : " وتختلف حجية البينة اختلافاً جوهرياً عن حجية الكتابة  . فبينا يعتبر الدليل الكتابى ، تفريعاً على تهيئته ، حجة بذاته ، فيفرض سلطانه على القضاء ما لم يطعن فيه بالتزوير أو ينقض بإثبات العكس ، تترك البينة على نقيض ذلك لتقدير القاضى ، ويكون له كامل السلطة فى تقدير قيمتها ، أياً كان عدد الشهود وأياً كانت صفاتهم ، دون أن يخضع فى تقديره هذا لرقابة محكمة النقض ، بيد أن سلطة القاضى فى التقدير لا تتناول إلا تعلق البينة بالوقائع دون جواز قبول الإثبات بمقتضاها ، لأن تعيين حدود هذا الجواز من شأن القانون وحده " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 395 - ص 396 )  .

وفى صدد خفض شأن البينة يقول فتحى زغلول : " أبغض طرق الإثبات عند الشارع شهادة الشهود ( شرح القانون المدنى ص 418 )  .

( [512] ) وفى الفقه الإسلامى من شروط الشهادة عدم تكذيب الحس لها ، لأن الحس يفيد علماً قطعياً والشهادة تفيد خبراً ظنياً ، والظنى لا يعارض القطعى  . فلا تقبل البينة التى أقيمت على خلاف المحسوس  . كالبينة التى تقوم على موت شخص وحياته مشاهدة ، أو على خراب دار وهى قائمة يشهد العيان بعمارتها ( الأستاذ أحمد إبراهيم فى طرق القضاء فى الشريعة الإسلامية ص 317 )  . ونصت المجلة فى المادة 1697 على أنه " لا تقبل البينة التى أقيمت على خلاف المحسوس ، مثلاً إذا أقيمت البينة على موت رجل وحياته مشاهدة ، أو على خراب دار وعمارها مشاهدة ، فلا تقبل ولا تعتبر "  . ويقول الأستاذ سليم باز فى شرح هذا النص ( ص 1021 ) : وكذا إذا أقيمت البينة بأن هذا المرعى مخصص منذ القديم لمنافع القرية الفلانية وكانت هذه القرية حديثة العهد ، وبذلك قرار لمحكمة التمييز مؤرخ فى 28 أيول سنة 1309 ج  . م عدد 828 )  .

( [513] ) أوبى ورو 12 فقرة 761 ص 302 - ص 303 - وقد قضت محكمة النقض بأن لمحكمة الموضوع أن ترفض إجراء تحقيق يطلبه الخصوم متى رأت بما لها من سلطة التقدير أنه لا حاجة بها إليه أو أنه غير مجد بالنظر إلى ظروف الدعوى وما هو ثابت فيها من الأدلة والوقائع ، وإنما هى ملزمة إذا رفضت مثل هذا الطلب أن تبين فى حكمها لماذا رفضته وأن تكون الأسباب التى بنت عليها اقتناعها من شأنها أن تؤدى إلى ما قضت به ( نقض مدنى 24 فبراير سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 101 ص 265 )  . انظر أيضاً : نقض مدنى 30 أبريل سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 123 ص 334 ( تمسك خصم بعقد ، ثم عدل وتمسك بالتحقيق لإثبات التقادم وتقلب فى دفاعه ، فرفضت المحكمة التحقيق ) - 24 مارس سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 401 ص 742 ( قضت المحكمة بالقرائن مكتفية بها ، من غير حاجة إلى البينة )  . انظر كذلك : نقض مدنى 10 ديسمبر سنة 1931 مجموعة عمر 1 رقم 17 ص 29 - 10 نوفمبر سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 70 ص 140 - 17 نوفمبر سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 72 ص 142 - 6 يونيه سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 283 ص 863 - 16 أبريل سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 350 ص 1096 - 22 يونيه سنة 1939 مجموعة عمر 2 رقم 194 ص 607 - 14 نوفمبر سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 75 ص 272 - 18 مايو سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 138 ص 382 - 19 يناير سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 54 ص 189 - 30 مارس سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 96 ص 385  .

وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه لا يسوغ أن يثبت بالبينة أنه منذ عهد بعيد وفى أيام معينة تعذر إنزال البضاعة بسب رداءه الجو ( أول مارس سنة 1907 م 19 ص 229 ) ، أو العبارات التى استعملت فى حديث جرى منذ عهد بعيد ( 28 مايو سنة 1919 م 31 ص 316 ) ، أو وقائع حدثت منذ تسع سنوات ( 17 نوفمبر سنة 1937 م 50 ص 21 ) ، أو حادث وقع منذ ثمانى سنوات ( 10 مارس سنة 1938 م 50 ص 163 )  . ويجوز للقاضى أن يرفض الإحالة إلى التحقيق إذا وجد فى القضية عنا صر كافية للإثبات تجعل البينة تزيداً لا فائدة منه ( استئناف مختلط 29 يناير سنة 1924 م 36 ص 178 ) أو يرفض سماع شهود آخرين متى كون عقديته بعد سماع من سمعهم ( استئناف مختلط 29 يونيه سنة 1942 م 54 ص 257 )  .

( [514] ) ولكن يجب أن تكون هناك أسباب كافية لتبرير هذا التقدير ، ويكون التسبيب قاصراً إذا لم يواجه دفاع الخصم ولم يحققه مع حاجته إلى التحقيق ( نقض مدنى 28 يناير سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 32 ص 83 )  . ولا يجوز أن يكون مجرد التخوف من فساد ذمة الشهود سبباً فى حرمان مدعى الحق من إثبات دعواه بالبينة ( استئناف مصر 22 ديسمبر سنة 1938 المحاماة 20 رقم 169 ص 455 )  .

( [515] ) أوبرى ورو 12 فقرة 761 ص 301 - ص 302  .

( [516] ) ولم يكن الأمر على هذا النحو فى القانون الفرنسى القديم  . فقد كانت شهادة الواحد لا تكفى ، ويقول لوازيل Loisel فى هذا المعنى : Testis unus, testis nullux - Voix d'un, voix de nun ( Institutes coutumieres, liv  . V; tit, V; regl  . 10 )

انظر أوبرى ورو 12 فقرة 761 هامش رقم 8 )  .

( [517] ) ونرى ذلك واضحاً فى الفقه الإسلامى  . قال ابن جزى فى القوانين الفقهية فى مراتب الشهادات والشهود : " أما الشهادة فهى على ست مراتب : ( الأولى ) شهادة أربعة رجال وذلك فى الشهادة على الرؤية فى الزنا بإجماع  . ( والثانية ) شهادة رجلين وذلك فى جميع الأمور سوى الزنا  . و( الثالثة ) شهادة رجل وامرأتين وذلك فى الأموال خاصة دون حقوق الأبدان والنكاح والعتق والدماء والجراح  . وما يتصل بذلك كله  . واختلف فى الوكالة على المال ، وأجازها أبو حنيفة فى النكاح والطلاق والعتق ، وأجازها الظاهرية مطلقاً  . و( الرابعة ) شهادة امرأتين دون رجل وذلك فيما لا يطلع عليه الرجال كالحمل والولادة والاستهلال وزال البكارة وعيوب النساء ، وقيل إنما يعمل بها بشرط أن يفشو ما شهدتا به عند الجيران وينتشر ، وقال الشافعى لا بد من أربع نسوة ، وأجاز أبو حنيفة شهادة امرأة واحدة  . و( الخامسة ) رجل مع يمين وذلك فى الأموال الخاصة  . و( السادسة ) امرأتان مع يمين وذلك فى الأموال أيضاً  . فتلخص أن شهادة رجل وامرأتين أو رجل ويمين أو امرأتين ويمين مختصة بالأموال  . وأما مراتب الشهود فهى أيضاً ست : ( الأولى ) العدل المبرز فى العدالة فتقبل شهادته فى كل شئ ولا يقبل فيه التجريح إلا بالعداوة  . و( الثانية ) العدل غير المبرز فتقبل شهادته فى كل شئ ويقبل فيه التجريح بالعداوة وغيرها  . و( الثالثة ) الذى تتوسم فيه العدالة  . و( الرابعة ) الذى لا تتوسم فيه العدالة ولا الجرحة  . و( الخامسة ) الذى تتوسم فيه الجرحة  . فلا تقبل شهادة هؤلاء الشهود دون تزكية  . و( السادسة ) المعروف بالجرحة فلا تقبل شهادته حتى يزكى ، وإنما يزكيه من علم توبته ورجوعه عما جرح به ( القوانين الفقهية لابن حزى ص 309 - ص 310 )  .

( [518] ) انظر نقض مدنى 2 مارس سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 76 ص 289 ( الاطمئنان إلى صدق الشاهد مرده إلى وجدان القاضى ) - 10 يناير سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 64 ص 379 ( تقدير أقوال الشهود مرهون بوجدان القاضى ، إلا أن يخرج بهذه الأقوال إلى ما لا يؤدى إليه مدلولها ) - 19 فبراير سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 73 ص 500 ( تستطيع محكمة ثانى درجة أن تستخلص من أقوال الشهود ما يغاير ما استخلصته منها محكمة الدرجة الأولى ) - 23 أبريل سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 136 ص 916 ) ترجيح شاهد على شاهد من إطلاقات قاضى الموضوع )  .

( [519] ) أوبرى ورو 12 فقرة 761 ص 302 - بيدان وبرو 9 فقرة 1288 - وقد قضت محكمة النقض بأن للمحكمة كامل الحرية فى تقدير الدليل ، ومتى قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى التحقيق كان له اأن تعتمد فى استجلاء الحقيقة على أية قرينة تطرح أمامها ، على أن تورد من الأسباب ما من شأنه أن يؤدى إلى ما قضت به ( نقض مدنى 14 ديسمبر سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 169 ص 478 ) - انظر أيضاً : نقض مدنى 17 نوفمبر سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 72 ص 142 ( جواز الاعتماد على تحقيق إدارى فى دعوى إجارة بين الكومة والأفراد ) - 16 مارس سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 112 ص 200 ( جواز اعتماد على تحقيق أمام المحكمة الابتدائية بعد إلغاء حكمها استئنافياً ) - 29 يناير سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 138 ص 409 ( قصور فى استكمال التحقيق ) - 14 مايو سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 159 ص 445 ( قصور فى التسييب ) - 8 فبراير سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 205 ص 564 ( قصور فى التسييب : معاينة أجريت ولم تتكلم المحكمة عن نتيجتها )  . 16 مايو سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 75 ص 171 ( قصور التسييب فى إثبات مرض الموت ) - 27 أكتوبر سنة 1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 3 ص 7 ( الأخذ بشهادة شاهد فى طريقة العمل ولو لم تكن له علاقة بالحادث ) - 23 فبراير سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 71 ص 269 - 27 فبراير سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 117 ص 460 - 29 أكتوبر سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 13 ص 108 ( الأخذ بأقوال شهود سمعهم الخبير دون حلف يمين )  .

على أن القول بأن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة فى تقدير أقوال الشهود مشروط بألا يكون هذا التقدير مبيناً على سبب مخالف للثابت فى أوراق الدعوى  . وإذن فمتى كانت المحكمة ، إذ قضت برد وبطلان العقد المطعون فيه بالتزوير ، قد صرحت بأن سبب عدم اطمئنانها إلى أقوال شهود المدعى عليها فى دعوى التزوير هو أن هذه الأخيرة قد سكتت عن الرد على ما جرحت به شهادتهم واستنتجت المحكمة من هذا السكون صحة هذا التجريح ، وكان الثابت أن الطاعنة لم تسكت فى الرد على تجريح شهودها ، فإن الحكم يكون مبيناً على سبب لا سند له فى الأوراق ، مما يبطله ويستوجب نقضه فى هذا الخصوص ( نقض مدنى 24 يونيه 1954 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 151 ص 980 )  .

( [520] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن للقاضى أن يقضى من تلقاء نفسه بإحالة القضية إلى التحقيق للإثبات بالبينة إذا رأى وجهاً لذلك وكان الإثبات بالبينة جائزاً قانوناً  . وعليه فى هذه الحالة أن يبين فى دقة الوقائع المراد إثباتها ، والخصوم هم الذين يحضرون شهودهم ، إثباتاً ونفياً ( 14 مايو سنة 1919 م 31 ص 300 ) - وقضت أيضاً بأنه يجوز قبول طلب الخصم إحالة الدعوى إلى التحقيق دون أن يبين الوقائع المراد إثباتها ، ما دامت المحكمة تستطيع من تلقاء نفسها أن تفعل ذلك إذا رأت وجه المصلحة فيه ( 18 يناير سنة 1927 م 39 ص 171 - 31 مارس سنة 1937 م 49 ص 174 )  .

( [521] ) نقض مدنى 16 مايو سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 75 ص 171 : أن التحقيق ، وقد كان فى خصوص مرض الموت ، لم تتح فيه للمتمسكين بالتصرف فرصة نفى يد المدعى ، والمقرر فى الإثبات بالبينة أن يمكن الخصم من نفى الدليل الذى يقدمه خصمه نزولاً على حكم المادة 181 من قانون المرافعات ( م 192 جديد )  .

( [522] ) وقد أورد التقنين المدنى العراقى سلسلة من النصوص فى القواعد التى تتبع فى سماع البينة ، تضاف إلى الأحكام التى قررها قانون أصول المحاكمات الحقوقية  . وقد أريد بنصوص التقنين المدنى تقريب الشقة ما بين الغربية فى الشهادة ونظرية الفقه الإسلامى ( انظر المواد 492 - 501 من هذا التقنين )  .

( [523] ) استئناف مختلط 10 مايو سنة 1944 م 56 ص 175  .

( [524] ) انظر فى إجراءات التحقيق بصفة أصلية ( enquete principale ) المواد 222 - 224 من تقنين المرافعات  .

( [525] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 545 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد  . وأقرته لجنة المراجعة تحت رقم 420 فى المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب ، فلجنة مجلس الشيوخ تحت رقم 407 ، فمجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 428 - ص 430 )  .

وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى صدد هذا النص ما يأتى : " استلهم المشروع فى هذه المادة أحكام التقنين الفرنسى ( م 1353 ) والتقنين الإيطالى ( م 1354 ) والتقنين الهولندى ( م 1959 ) والتقنين الكندى ( م 1242 ) والتقنين التونسى المراكشى ( م 444 / م 400 ) والتقنين الأسبانى ( م 1253 ) والمشروع الفرنسى الإيطالى ( م 305 ) وبوجه خاص أحكام المادة 2519 من التقنين البرتغالى  . ويقوم الإثبات بالقرائن غير المقررة فى القانون على تفسير القاضى لما هو معلوم من الأمارات والوقائع تفسيراً عقلياً لتكوين اعتقاده ، من طريق استخلاص الواقعة المجهولة التى يراد إقامة الدليل عليها من مقدمات هذا المعلوم " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 428 - ص 459 )  .

( [526] ) نصوص التقنينات المدينة العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 92 : 1 - القرائن القضائية هى القرائن التى لم ينص عليها القانون وأمكن القاضى أن يستخلصها من ظروف الدعوى وأن يقتنع بأن لها دلالة معينة ، ويترك لتقدير القاضى استنباط هذه القرائن  . 2 - لا يجوز الإثبات بالقرائن القضائية إلا فى الأحوال التى يجوز فيها الإثبات بالشهادة  . ( ولا خلاف فى الحكم ما بين التقنين المصرى وقانون البينات السورى )  .

التقنين المدنى العراقى م 505 : 1 - يجوز الإثبات بالقرائن القضائية ، وهى القرائن التى لم ينص عليها القانون وأمكن للمحكمة أن تستخلصها من ظروف الدعوى ، وأن تقتنع بأن لها دلالة معينة  . ويترك لتقدير المحكمة استنباط هذه القرائن  . 2 - ولكن لا يجوز الإثبات بالقرائن القضائية إلى الأحوال التى يجوز الإثبات فيها بالشهادة "  . ( فحكم التقنين المدنى العراقى لا يختلف عن حكم التقنين المدنى المصرى )  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 310 : إن القرائن التى لم يقرها القانون تترك لبصيرة القاضى ولحكمته  . فيجب عليه ألا يقبل منها إلا القرائن الهامة الصريحة المتوافقة ، ولا يسعه قبولها إلى فى الأحوال التى يجيز فيها القانون البينة الشخصية ، ما لم يكن سبب الطعن فى العقد الاحتيال أو الخداع ، أو تكن القرينة مستندة إلى وقائع يمكن أن تعد تنفيذاً اختياراً كلياً أو جزئياً للموجب المدعى به  . ( وهذا النص يوافق نص التقنين اللبنانى أن التنفيذ الاختيارى قرينة على وجود الالتزام )  .

التقنين المدنى للملكة الليبية المتحدة م 395 : ( مطابق لنص التقنين المدنى المصرى )  .

( [527] ) التقنين المدنى الفرنسى م 1353 : القرائن التى لم ينص عليها القانون تترك لنظر القاضى وتقديره  . ولا يجوز أن يأخذ إلا بقرائن قوية الدلالة ، دقيقة التحديد ، ظاهرة التوافق ، ولا يأخذ بها إلى فى الأحوال التى تجيز فيها القانون الإثبات بالبينة ، ما لم يطعن فى التصرف بالغش أو التدليس  .

Art  . 1353 : Les presomptions qui ne sont point etablies par la loi, sont abandonees aux lumieres et a la prudence du magistrate, qui ne doit admettre que des presomptions graves, precises et concordantes, et dans les cas seulement ou la loi admet les preuves testimoniales, a moins que l'acte ne soit attaque puor cause de fraude ou de ???????  .

( [528] ) أوبرى ورو 12 فقرة 76 ص 386 - ص 388 بلاينول وريبير وجابولد 8 فقرة 1457 ص 1008 - ص 1009 - وبذلك يخفف الأخذ بالقرائن القضائية من حدة التنظيم القانونى للإثبات  . وإذا أعوز القاضى الدليل من ناحية الشكل لنقض فى شرعية ، تلمسه من ناحية الموضوع فاعتبره قرينة ( بيدان وبرو 9 فقرة 1297 - فقرة 1299 )  .

( [529] ) وقد قضت محكمة النقض بأن للمحكمة أن تستمد من واقع الدعوى ما تراه من القرائن القضائية المؤدية فعلاً إلى النتيجة التى تنتهى إليها ، فإذا كانت المحكمة قد حصلت من شهادة شهود المدعى عليه بأنهم لا يعرفون أنه مدين للمدعى إحدى القرائن على صورية الدين المدعى به ، فذلك فى حدود حقها الذى لا رقابة عليه لمحكمة النقض ( نقض مدنى 20 نوفمبر سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 232 ص 485 )  . وقضت أيضاً بأنه لا تثريب على المحكمة فى تكوين عقيدتها من أقوال شهود سمعوا فى قضية أخرى إن هى أخذت بهذه الأقوال كقرينة وكان الإثبات فى الدعوى مما يجوز فيه قبول القرائن ( نقض مدنى 29 أبريل سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 307 ص 612 )  . وقضت كذلك بأن للقاضى أن يستنبط القرينة التى يعتمد عليها من أى تحقيق قضائى أو إدارى ومن شهادة شاهد لم يؤد اليمين أمام النيابة فى التحقيق الذى أجرته ، فلا تثريب على المحكمة إن هى اتخذت من تجهيل المتمسك بالورقة شخصية محررها قرينة تضيفها إلى ما استندت إليه فى قضائها بتزوير هذه الورقة ( نقض مدنى 2 مارس سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 78 ص 297 )  .

( [530] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا أشار الحكم إلى كشوف التكليف وأوراد المال وإلى انتقال تكليف جزء من الأطيان لاسم مورثه المطعون عليهم وقت أن كان مورث الطاعنين عمدة البلدة الواقعة فيه الأطيان موضوع النزاع باعتبارها قرائن تعزز وضع يد المطعون عليهم بنية التملك ، فليس في هذا ما يخالف القانون ( نقض مدني 19 أبريل سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 119 ص 750 ) وقضت أيضا بأنه متي كانت المخالصة التي اعتمد عليها البائعان في إثبات الوفاء بالتزامهما ليست إلا أمراً صادراً إليهما من المشتري بتسليم البضاعة إلي أمين النقل ، فإن الحكم المطعون فيه إذ قرر أن هذه المخالصة ، وإن كانت قرينة علي حصول التسليم ، إلا أنه يصح دحضها بكافة القرائن الأخري ، فليس فيما قرره ما يخالف قواعد الإثبات ( نقض مدني 18 ديسمبر سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 33 ص 207 )  .

( [531] ) وقد قضت محكمة النقض بألا تثريب علي محكمة الموضوع إن هي استخلصت من نكول الطاعن عن اليمين لدي المحكم بألا حق للمطعون عليه في القناة موضوع النزاع ، قرينة علي عدم أحقية الطاعن في طلب منع تعرض المطعون عليه ، ومن ثم فإن الطعن علي الحكم استنادا إلي أنه أخطأ في تطبيق القانون ، إذا اعتر أن نكول الطاعن عن هذه اليمين موجب للحكم عليه في حين أنه لم توجه إليه يمين قضائية بالمعني القانوني هذا الطعن يكون علي غير أساس ( نقض مدني 4 يناير سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 42 ص 219 )  .          

( [532] ) وقد قضت محكمة النقض بألا تثريب علي محكمة الموضوع إن هي اتخذت من تراخي الطاعن في تسجيل عقد البيع الصادر له من مورثة قرينة ضمن قرائن أخري علي أن العقد صدر في فترة مرض موت البائع وأن تاريخه قدم لستر هذه الحقيقة ، إذا هي لم تجاوز سلطتها في تقدير الأدلة وفهم الواقع في الدعوي ( نقض مدني 3 مايو سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 127 ص 795 ) وظاهر أن تراخي الطاعن في تسجيل العقد أمر معترف به  .       

( [533] ) وقد قضت محكمة الاستئناف الوطنية بأنه يمكن اتخاذ القرائن القوية دليلا علي حصول المصالحة بني الخصوم حتي بعد صدور الأحكام النهائية لمصلحة فريق منهم ، كما لو قام في تنفيذ تلك الأحكام إشكالات معرقلة للتنفيذ أولا ، ثم مر علي تلك الأحكام مدة طويلة دون أن يتخذ المحكوم له الإجراءات القانونية لتنفيذها ، مما لا يتصور معه سكوته هذه المدة دون أن يكون هناك صلح ( 15 يونية سنة 1899 الحقوق 14 ص 297 ) فهنا استنبطت المحكمة ، أولا ، من قيام الإشكالات ومرور مدة طويلة دون أن يتخذ المحكوم له إجراءات التنفيذ ، أنه تنازل عن تنفيذ الحكم الصادر لمصلحته  . فتكون هذه الواقعة – التنازل عن تنفيذ الحكم - قد ثبتت عند المحكمة عن طريق قرائن قضائية  . ثم اتخذت المحكمة بعد ذلك من واقعة التنازل عن تنفيذ الحكم القرينة علي وقوع صلح بين المحكوم له والمحكوم عليه – كذلك قد يثبت عقد القرض عن طريق قرينة قضائية هي دفع الفوائد ، ثم يتخذ عقد القرض ذاته قرينة قضائية علي أن البيع الذي دفع بمقتضاه المقترض الثمن إلي المقرض - وسنري هذا المثل فيما يلي - إنما هو بيع صوري  .

( [534] ) وقد قضت محكمة النقض بأن قاضي الموضوع حر في استنباط القرائن التي يأخذ بها من وقائع الدعوي والأوراق المقدمة فيها ، وإذن فمتي كان الحكم إذا استند إلي شهادة الشهود الذين سمعهم خبير الدعوي إنما استند إليها كقرينة مضافة إلي قرائن أخري فصلها وهي في مجموعها تؤدي إلي ما انتهر إليه ، فلا تثريب عليه إذا هو استمد إحدي القرائن         من شهادة الشهود الذين سمعهم خبير الدعوي دون أن يؤدوا اليمين القانونية  . وإذا كان الحكم مقاما علي جملة قرائن فصلها ، يكمل بعضها بعضا ، وتؤدي في مجموعها إلي النتيجة التي انتهر إليها ، فإنه لا تجوز مناقشة كل قرينة علي حدة لإثبات عدم كفايتها في ذاتها ( نقض مدني 21 فبراير سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 93 ص 548 )  . وقضت أيضا بأنه متي كان الحكم قد أقام قضاءه علي عدة قرائن مجتمعة ، بحيث لا يعرف أيها كان أساسا جوهريا له ، ثم تبين فساد بعضها ، فإنه يكون باطلا بطلانا جوهريا( نقض مدني 2 يونية سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 427 ص 786 - وانظر أيضا : 20 أبريل سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 116 ص 458 - أول يونية سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 142 ص 572 - 28 مايو سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 172 ص 1095 ) وكذلك الحال فيما إذا قام الحكم علي أدلة متعددة دون أن يبين قيمة كل دليل منها ، فإذا تبين فساد أحد هذه الأدلة فسد معه الحكم ( نقض مدني 15 مايو سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 201 ص 437 ) أما إذا صرح الحكم بقيمة كل دليل ، فإن فساد دليل لا يعيب من الحكم إلا ما استند منه إلي هذا الدليل ( نقض مدني 3 يونية سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 320 ص 634 ) انظر في تعدد الأدلة وأثر فساد بعضها في صحة الحكم الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 222  .

( [535] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1545 ص 1007 - بلانيول وريبير وبلانجيه 2 فقرة 2251  .

( [536] ) أوبري ورو 12 فقرة 766 ص 386 وهامش رقم 6 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1547 ص 1008 - ص 1010 - بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2252 كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 781  . 

( [537] ) أوبري ورو 12 فقرة 766 ص 385 - 386 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1547 ص 1008 – ص 1010 وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " وللقاضي كل السلطة في تقدير حجية القرائن  . علي أن إجماع الفقه قد انعقد علي أن القاضي لا يتقيد بعدد القرائن ولا بتطابقها  . فقد تجزيء قرينة واحدة ، متي توافرت علي قوة الإقناع  . ولذلك لم ينقل المشروع عن التقنين الفرنسي والمشروع الفرنسي الإيطالي ما نصا عليه من إلزام القاضي " بالا يقبل إلا قرائن قوية محددة متطابقة "  . فالفقه والقضاء علي أن هذا النص ليس إلا مجرد توجيه ، مع أن ظاهرة قد يوحي خطأ بأنه يقيم شرطا لقبول الإثبات بالقرائن " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 429 - ص 430 ) - انظر أيضا بودري وبارد 4 فقرة 2698 - بيدان وبرو 9 فقرة 1302 - ديكوتيني فقرة 113 - الموجز للمؤلف ص 730  .        

( [538] ) أوبري ورو 12 فقرة 766 ص 385 - ص 386  .    

( [539] ) نقض مدني 12 مارس سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 98 ص 646 - وقد جاء في هذا الحكم ما يأتي : " لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أن محكمة الموضوع أسست قضاءها بثبوت الربا الفاحش علي أن القروض قد عقدت في ظروف أليمة ، خلال مدة الحرب ، في بلد يحتله العدو ، علي أن تسدد بالعملة المصرية ، ودونت في مستندات غير مؤرخة ولم يبين فيها مكان تحريرها ، وعلي أن ظروف الاستدانة تدل علي ان المقترضين كانوا في حالة ضيق شديد أثناء وجودهم بفرنسا إذ سببت لهم الحرب انقطاع سبل معاشهم فاضطروا للجوء إلي الطاعن الثاني وغيره للاقتراض منهم ، وكانت هذه الظروف التي اعتبرها الحكم دليلا علي ثبوت الربا الفاحش لا تؤدي عقلا إلي ثبوته - ذلك لأن كل مدين لا يلجا إلي الاقتراض عادة إلا إذا كان في ظروف تضطره إليه ، فليست هذه الضرورة في حد ذاتها دليلا علي ثبوت الربا الفاحش ، وكذلك لا يؤدي إلي إثباته خلو سندات الدين من بيان تاريخ ومكان تحريرها  . وكان للمحكمة متي رجح لديها من قرائن الحال في الدعوي احتمال مظنة الربا الفاحش أن تحيل الدعوي علي التحقيق ليثبت المدينون بمقتضي السندات دفاعهم بأنهم لم يستلموا في مقابلها سوي المبالغ التي أقروا بها  . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد نقل عبء الإثبات من عاتق المدينين بمقتضي السندات موضوع الدعوي إلي عاتق الدائن استناداً إلي قرائن غير مؤدية لإثبات الربا الفاحش ، فإن يكون قد خالف قواعد الإثبات ، فضلا عن قصوره في التسبيب مما يستوجب نقضه " ( نقض مدني 12 مارس 1952 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 98 ص 646 ) انظر أيضا في هذا المعني محكمة النقض الفرنسية 9 مايو سنة 1951 داللوز 1951 ص 473 - بيدان وبرو 9 فقرة 1302 ص 398  .

( [540] ) بيدان وبرو 9 فقرة 1300 - الموجز للمؤلف ص 725  .         

( [541] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر بأنه لما كان الإثبات بالقرائن جائزاً في جميع الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بالبينة لاتحاد الحكم في الحالتين ، جاز للمحكمة أن تستند في إثبات صحة التوقيع علي نفس الأوراق التي رفضت المضاهاة عليها ، إن لم يكن باعتبارها أوراقا للمضاهاة والقرائن التي قد تستنبطها المحكمة من هذه الأوراق ( 27 يناير سنة 1920 المحاماة 1 رقم 86 ص 449 )  . وقضت كذلك بأن عدم قبول الإثبات بشهادة الشهود ينبي عليه أيضا عدم جواز الأخذ فيها بالقرائن ( 25 مارس سنة 1923 المحاماة 4 رقم 90 ص 134 ) انظر أيضا في هذا المعني : استئناف مختلط 10 يناير سنة 1889 م 1 ص 361 - 17 ديسمبر سنة 1896 م 9 ص 60 - 13 ديسمبر سنة 1900 م 13 ص 47 - 11 فبراير سنة 1908 م 21 ص 228 - 9 ديسمبر سنة 1915 م 28 ص 53 - 13 أبريل سنة 1916 م 28 ص 254 - 15 ديسمبر سنة 1921 م 34 ص 56 - 2 فبراير سنة 1922 م 34 ص 144 – 6 يونية سنة 1922 م 34 ص 463 - 15 نوفمبر سنة 1922 م 35 ص 28 - 8 يونية سنة 1926 م 38 ص 466 - 18 يونية سنة 1930 م 42 ص 573  .

وجاء في الموجز للمؤلف : " وتقبل القرائن القضائية أيان تقبل البينة  . وقد رأينا أن البينة والقرائن أمران متلازمان ، فما يمكن إثباته بالقرائن ، والعكس صحيح وهذا بخلاف القرائن القانونية ، فإنها لا تقبل إلا في القروض التي نص عليها المشروع ( الموجز ص 730 ) – هذا ولو جاز أن يثبت بالقرائن القضائية ما لا يجوز إثباته بالبينة ، لأمكن دائما الاحتيال علي النصوص التي لا تجيز الإثبات بالبينة ، فحيث يجوز الإثبات بالقرائن القضائية ولا يجوز الإثبات بالبينة ، يمكن مع ذلك سماع البينة علي اعتبار أنها ليست إلا قرائن قضائية ( أنسيكلوبيدي داللوز 4 لفظ presumption فقرة 61 )  .

( [542] ) وقد قررت المادة 1353 من التقنين المدني الفرنسي هذا الحكم أيضا ، ولكنها استثنت التصرفات التي يطعن فيها بالغش أو بالتدليس ، فيجوز إثباتها بالقرائن القضائية  . وظاهر أن إيراد الحكم علي هذا النحو منتقد ، فإن التصرفات التي يطعن فيها بالغش يجوز إثباتها بالبينة بقدر ما يجوز ذلك بالقرائن القضائية ، وإنما يرد الاستثناء المتعلق بالغش علي الإثبات بالكتابة لا علي الإثبات بالبينة ( بوتييته فقرة 185 - ديمولومب 30 فقرة 185 - لوران 19 فقرة 633 - فقرة 634 - بودري وبارد 4 فقرة 2697 بيدان وبرو 9 فقرة 1300 ص 396  .

وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " ويرد الإثبات بالقرائم مع الإثبات بالبينة في المرتبة الثاني  . ولذلك نص علي أنه " لا يجوز الإثبات بهذه القرائن إلا في الأحوال التي يجيز فيها القانون الإثبات بالبينة "  . ويتفرع علي ذلك أن جميع القواعد الخاصة بقبول الإثبات بالبينة تسري علي القرائن دون أي استثناء وقد أخطأ التقنين الفرنسي ( م 1353 ) والتقنين الهولندي ( م 1959 ) والمشروع الفرنسي الإيطالي ( م 303 ) في النص علي عدم جواز الإثبات بالقرائن غير المقررة في القانون إلا في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بالبينة ما لم يطعن في الورقة بسبب غش أو تدليس  . ذلك أن سياق هذا الاستثناء قد يوحي بأن وقائع الغش والتدليس لا يجوز إثباتها بالبينة ، مع أنها من قبيل الوقائع القانونية التي يمتنع تحصيل دليل كتابي مهيأ بشأنها ومن المحقق أن إثبات هذه الوقائع بالبينة جائز ، وهو جائز بالقرائن تفريعا علي ذلك  . ولهذا يكون الاستدراك الذي تقدمت الإشارة إليه خلوا من معني الاستثناء ، ويكون إغفاله أكفل بدفع الشبه والتلبيس " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 429 )  .        

( [543] ) فعلاقة الزوجية أو القرابة قرينة علي صورية العقد إلي أن يثبت العكس ، ووجود أثاث بمنزل الزوجية لزوجين مسلمين قرينة علي أن الأثاث ملك الزوجة إلي أن يثبت العكس ( الموجز للمؤلف ص 730 ) انظر أيضا : استئناف مصر 7 يونية سنة 1932 المحاماة 13 رقم 279 ص 538 ( كشف المكلفة قرينة علي الملكية إلي أن يثبت العكس ) – استئناف مصر 18 يناير سنة 1938 المحاماة 19 رقم 163 ص 375 ( عدم دفع أمانة الخبير الذي طلبه المستأنف قرينة علي عدم وثوق المستأنف من صحة دفاعه )  . 

( [544] ) بارتان علي أوبري ورو 12 فقرة 749 هامش رقم 10 مكرر  .    

( [545] ) بارتان علي أوبري ورو 12 فقرة 749 هامش رقم 26 مكرر وفقرة 750 هامش رقم 1 مكرر  . 

( [546] ) بيدان وبرو 9 فقرة 1289  .         

( [547] ) بل يمكن دون نص قانوني - علي ما يقول بعض الفقهاء - أن يكون القضاء عزفا ثابتا يعتبر مصدراً منشئا لقرينة قانونية ، فالقرينة يكون مصدرها القانون والقانون هنا يكون مصدره العرف ( انظر ديكوتينيس Decottignies ) في القرائن في القانون الخاص رسالة من باريس سنة 1950 ص 297 )  . مثل ذلك مسئولية حارس البناء في ظل التقنين المدني السابق ، فقد كانت مسئوليته في هذا التقنين قائمة علي قرينة مبنية علي وجود عيب في البناء أو نقص في صيانته ، ولكنها قرينة لم يكن التقنين السابق ينص عليها ، ومع ذلك تواترت حتي ذهب بعض الأحكام إلي اعتبارها قرينة قانونية  . وتحولت فعلا إلي قرينة قانونية في التقنين المدني الجديد ( م 177 ) ( الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات ص 257 ) - أنظر أيضا بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2250  .  

( [548] ) استئناف مختلط 28 مايو سنة 1891 م 3 ص 360 - 23 ديسمبر سنة 1924 م 37 ص 90  . 

( [549] ) ونستطيع الآن ان نستخلص أهم الفروق ما بين القرائن القضائية والقرائن القانونية فيما يأتي : ( أ ) القرائن القضائية أدلة إيجابية ، أما القرائن القانونية فأدلة سلبية أي أنها تعفي من تقديم الدليل  . ( ب ) لما كانت القرائن القضائية يستنبطها القاضي والقرائن القانونية يستنبطها المشرع ، فإنه يترتب علي ذلك أن القرائن القضائية لا يمكن حصرها لأنها تستنبط من ظروف كل قضية ، أما القرائن القانونية فمذكورة علي سبيل الحصر في نصول التشريع  . ( جـ ) القرائن القضائية كلها غير قاطعة ، فهي قابلة دائما لإثبات العكس ، ويجوز دحضها بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن ، أما القرائن القانونية فبعضها يجوز نقضه بإثبات العكس وبعضها قاطع لا يقبل الدليل العكسي  . ( انظر الموجز للمؤلف فقرة 704 - وانظر في مقارنة شاملة ما بين القرائن القضائية والقرائن القانونية ديكوتينيس فقرة 114 - فقرة 115 )  .

وانظر في القرائن القضائية في الفقه الإسلامي ، الأستاذ أحمد إبراهيم في كتاب ( طرق القضاء في الشريعة الإسلامية " ص 430 - 433 ، وفي القرينة القضائية القاطعة ص 42 - ص 61 من الكتاب ذاته  . 

( [550] ) وضع القانون نظاما خاصا لإثبات المواليد والوفيات بقيدها في سجلات خاصة يجوز الحصول علي مستخرجات منها ( القانون رقم 130 لسنة 1946 ) وكذلك نصت لائحة المحاكم الشرعية علي طرق معينة تثبت بها الوفاة والوراثة أمام تلك المحاكم ( م 355 - 361 )  .

وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه لا يمكن إثبات الوفاة إلا بمستخرج من سجل الوفيات ( 15 أبريل سنة 1897 م 9 ص 272 ) ونصت المادة 30 من التقنين المدني علي أنه " 1 - تثبت الولادة والوفاة بالسجلات الرسمية المعدة لذلك  . 2 - فإذا لم يوجد هذا الدليل ، أو تبين عدم صحة ما أدرج بالسجلات ، جاز الإثبات طريقة أخري "  .

( [551] ) استئناف مختلط 23 فبراير سنة 1899 م 11 ص 33( خدمات أديت هي السبب في الالتزام ) - 25 مايو سنة 1899 م 11 ص 239 - 9 أبريل سنة 1902 م 14 ص 224 - 15 مايو سنة 1947 م 59 ص 198 - والمعاينة لها صور متنوعة ، فقد تكون ثابتة في محضر انتقال المحكمة للمعاينة ، أو في تقرير الخبير الذي انتدبته المحكمة في دعوي إثبات الحالة ، أو في محضر تحقيق جنائي أو إداري ، أو غير ذلك  .      

( [552] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن اختلاس الورثة بعض أعيان التركة يثبت بجميع الطرق ( 16 سنة 1930 م 42 ص 200 )  . وقضت أيضا بأنه يمكن إثبات العمل غير المشروع والإثراء بلا سبب بجميع الطرق( 4 فبراير سنة 1892 م 4 ص 165 - 5 يناير سنة 1893 م 5 ص 161 - 9 ديسمبر سنة 1946 م 59 ص 37 )  .

( [553] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه يجوز إثبات التصرف القانوني بالقرائن إذا كان قد بديء في تنفيهذ بعمل مادي ، وذلك دون نظر لقيمة ما تم من أعمال التنفيذ المادية ( 10 فبراير سنة 1944 م 56 ص 58 ) - وقضت محكمة الإسكندرية الكلية الوطنية بأن البدء في التنفيذ إذا كان ماديا ، كالبدء في البناء جاز إثباته بجميع الطرق ، وإن كان تصرفا قانونيا كالوفاء فلا يثبت بالبينة إذا زاد علي عشرة جنيهات ( 7 مارس سنة 1926 المحاماة 7 رقم 18 ص 34 )  .

ويقرب من ذلك أن يكون مظهر التعبير عن الإرادة ، لا عمل تنفيذا ماديا ، بل وضعا ماديا يستخلص منه الرضاء  . ويبدو أنه يجب التمييز ، في هذا الوضع المادي ، بين التعبير عن الإرادة في ذاته ويكفي فيه الوضع المادية ، وبين إثبات هذا التعبير ولا يجوز إلا بالكتابة إذا زادت قيمة التصرف علي عشرة جنيهات ( قارن الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات ص 395 - 396 والأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات وفقرة 170 وفقرة 190 )  . فالقسمة مثلا عقد لا يجوز إثباته إلا بالكتابة فيما جاوز النصاب ( استئناف مختلط 28 ديسمبر سنة 1905 م 18 ص 56 ) ، حتي لو استخلصت القسمة ضمنا من أعمال مادية تدل عليها ، ما لم تكن هذه الأعمال المادية هي تنفيذ فعلي للقسمة ( قارن محكمة الاستئناف المختلطة في 10 يونية سنة 1947 م 59 ص 246 - 20 مايو سنة 1948 م 60 ص 121 ) - وانظر أيضا التجديد الضمني للإيجار ، إذ البقاء في العين المؤجرة يعتبر عملا ماديا تنفيذيا للإيجار الجديد  .

( [554] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأن العلم بقيام حالة السفه والإقدام علي التعامل مع السفيه وقت قيامها للاستفادة منها والرغبة في الهروب من أحكام القانون ، كل هؤلاء من الوقائع التي يصح إثباتها بكافة الطرق القانونية ومنها البينة والقرائن ( 7 نوفمبر سنة 1937 المحاماة 18 رقم 244 ص 461 )  . 

( [555] ) استئناف مختلط أول مايو سنة 1902 م 14 ص 275 - 6 أبريل سنة 1904 م 16 ص 182 - 5 مارس سنة 1940 م 52 ص 174  .  

( [556] ) وقد قضت محكمة مصر الكلية الوطنية بأنه يجوز إثبات واقعة انتشار الاختراع بكافة الطرق القانونية لأنها من الوقائع المادية ، والأدوات المطبوعة والكتولوجات يجوز أن يستنتج منها القرائن التي تشير إلي انتشار الاختراع ( 15 يناير سنة 1935 المحاماة 15 رقم 329 / 2 ص 396 )  .     

( [557] ) ويجوز إثبات التدليس بجميع الطرق حتي فيما بين المتعاقدين ( نقض مدني 18 أبريل سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 252 ص 708 - 18 نوفمبر سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 73 ص 199 - 18 نوفمبر سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 74 ص 200 - استئناف مختلط 4 فبراير سنة 1891 م 3 ص 172 - 21 ديسمبر سنة 1893 م 6 ص 64 - 4 يناير سنة 1900 م 12 ص 68 - 13 نوفمبر سنة 1924 م 37 ص 9 - محكمة أسيوط الكلية 12 يونية سنة 1937 المحاماة 18 رقم 132 ص 261 ) - ومما يدخل في إثبات التدليس إثبات الفوائد الربوية ، فيجوز إثباتها بجميع الطرق بشرط أن تكون هناك قرائن قوية علي وجودها ( استئناف أهلي 29 مارس سنة 1917 المجموعة الرسمية 18 رقم 69 - استئناف مختلط 11 ديسمبر سنة 1889 م 2 ص 97 - 25 نوفمبر سنة 1896 م 9 ص 37 - 22 ديسمبر سنة 1897 م 10 ص 48 - أول فبراير سنة 1899 م 11 ص 111 - 8 فبراير سنة 1900 م 12 ص 108 - 29 مارس سنة 1900 م 12 ص 183 - 13 أبريل سنة 1905 م 17 ص 207 - 9 ديسمبر سنة 1930 م 43 ص 69 25 مايو سنة 1932 م 44 ص 338 )  .       

( [558] ) وقد قضت محكمة النقض بأن وضع اليد واقعة مادية العبرة فيه بما يثبت قيامه فعلا فإذا كان الواقع يخالف ما هو ثابت من الأوراق ، فيجب الأخذ بهذا الواقع واطراح ما هو غير حاصل وإذن فلا علي المحكمة إذا هي أحالت دعوي منع التعرض علي التحقيق ، وكلفت المدعي فيها إثبات وضع يده الذي ينكره عليه خصمه ، ولو كان بيده محضر تسليم رسمي في تاريخ سابق ( نقض مدني 15 يونية سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 152 ص 611 ) - وقضت أيضا بأنه لما كان وضع اليد واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات ، وكان القانون لا يشترط مصدراً معينا يستقي منه القاضي الدليل ، فإنه لا حرج علي المحكمة إذا هي أقامت قضاءها في هذا الخصوص علي ما استخلصته من أوراق أو مستندات تمليك أو حتي من أقوال وردت في شكوت إدارية( نقض مدني 19 فبراية سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 73 ص 500 ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن تملك حق ارتفاق مستمر ظاهر بالتقادم يجوز إثباته بجميع الطرق ( 15 مايو سنة 1939 م 42 ص 500 ) ، وقضت أيضا بأن البقاء في العين المؤجرة أو إخلاءها واقعة مادية تثبت بجميع الطرق ( 23 أبريل سنة 1896 م 8 ص 249 )  .

( [559] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كانت المحكمة بعد أن نفت صفة الظهور عن وضع يد المدعي ، وبعد أن قررت أن شهوده لم يبينوا صفة وضع يده ، فأثبتت بذلك عجزه عن إثبات ظهوره ، مظهر المالك ، قد استطردت فقالت إن المدعي عليه يقول إن المدعي إنما وضع يده بصفته مستأجراً وإن ظروف الدعوي وملابساتها وأوراقها تدل علي صدق قوله ، فذلك من المحكمة ليس حكما بقيام عقد الإيجار بين طرفي الدعوي حتي كان يصح النعي عليها أنها خالفت فيه قواعد إثبات عقد الإيجار ، بل هو استكمال لما ساقته نفيا لما ادعاه المدعي من أنه في وضع يده علي المنزل كان ظاهراً بمظهر المالك ( نقض مدني 16 يناير سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 140 ص 303 )  . ولكن إذا أريد إثبات الحيازة ذاتها عن طريق تصرفات قانونية لا عن طريق أعمال مادية ، كما إذا تمسك الخصم لإثبات حيازته بعقد مقايضة وقع علي الأرض المتنازع عليها ، فإنه لا يجوز إثبات عقد المقايضة إلا بالكتابة ( استئناف مختلط 22 مايو سنة 1902 م 14 ص 319 )  . انظر في هذه المسألة أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 312 والهامش رقم 9 - هيك 8 فقرة 280 - لوران 19 فقرة 432 - ديمولومب 30 فقرة 20 - بودري وبارد 3 فقرة 2521  .  

( [560] ) وفي رأينا ان هذه القاعدة ليست تطبيقا للقاعدة التي تقضي بأنه يجوز الإثبات بجميع الطرق عند قيام مانع من الحصول علي الكتابة  . فالمانع من الحصول علي الكتابة الذي يبرر الإثبات بغيرها يجب أن يكون كما سنري مانعا ذاتيا ، أي في قضية بذاتها ، لا مانعا موضوعيا عاما يتحقق في جميع الأقضية  . وهنا المانع موضوعي عام لا ذاتي خاص ، إذ أن كل " غير " ليس طرفا في العقد يتعذر عليه الحصول علي دليل كتابي ، ومن ثم تكون هذه القاعدة مستقلة عن قاعدة قيام المانع ، وتتلخص في أن الغير يجوز له إثبات التصرف القانوني بجميع الطرق إذا كان هذا التصرف يعتبر النسبة إليه واقعة مادية ( قارن استئناف مختلط 22 يناير سنة 1890 م 2 ص 386 - 16 مارس سنة 1916 م 28 ص 207 - 8 فبراير سنة 1917 م 29 ص 206 )  . ويترتب علي ذلك أنه يجوز للشفيع - وبيع العقار المشفوع فيه يعتبر بالنسبة إليه واقعة مادية - أن يثبت بالبينة أن الثمن الوارد في هذا العقد أعلي من الثمن الحقيق بقصد منعه من استعمال حقه في الأخذ بالشفعة ، وللمحكمة أن تقضي عليه بدفع الثمن الذي ثبت من شهادة الشهود ومن تقدير الخبراء أنه هو الثمن الحقيقي ( استئناف أهلي 23 فبراير سنة 1909 المجموعة الرسمية 10 رقم 87 )  . ويترتب علي ذلك أيضا أن المنتفع في الاشتراط لمصلحة الغير - وعقد الاشتراط يعتبر بالنسبة إليه تصرفا قانونيا لا واقعة مادية - لا يجوز له أن يثبت هذا العقد إذا زادت قيمته علي عشرة جنيهات إلا بالكتابة  . وكذلك يفعل الدائن إذا كان المدين قد التزم نحوه بإرادته المنفردة ، لأن هذه الإرادة تعتبر تصرفا قانونيا بالنسبة إلي الدائن ، وسيأتي بيان ذلك  .

( [561] ) وعلي القاضي أن يتبين ما إذا كان المطلوب إثباته تصرفا قانونيا أو واقعة مادية ، ثم يجري بعد ذلك حكم القانون  . وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كان الحكم الابتدائي قد قضي بإلزام المدعي عليه بمبلغ معين علي أنه ثمن بضاعة ، مقيما هذا القضاء علي ثبوت حصول اتفاق شفوي بين المدعي والمدعي عليه لا حق للعقد المكتوب بينهما في شأن توريد هذه البضاعة ، وأن المدعي عليه قد تخلف عن تسلمها برغم دعوته إلي ذلك بإنذار وجهه إليه المدعي ، ثم جاءت محكمة الاستئناف فاستظهرت من صحيفة الدعوي وأوراقها ودفاع طرفيها أنها مؤسسة علي هذا الاتفاق المدعي لا علي العقد المكتوب بين طرفيها ، وقضت برفضها بناء علي أن المدعي قد عجز عن إثبات حصول هذا الاتفاق ، فإنها لا تكون قد أخطأت  . ولا يقبل من المدعي أن ينعي عليها أنها قد مسخت دعواه إذا اعتبرتها مؤسسة علي الاتفاق المذكور في حين أنها دعوي بتعويض عن عدم تنفيذ العقد المكتوب ، ما دام المبلغ الذي طلبه إنما كان بناء علي الاتفاق الخاص الذي زعم أنه تم بينه وبين المدعي عليه بعد العقد المكتوب بينهما  . لا علي أساس هذا العقد ( نقض دني 16 يناير سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 137 ص 298 )  .

وقضت محكمة النقض أيضا بأن ما يخلفه مورث ما لورثته مما كان في حيازته ماديا من عقار أو منقول أو نقد ، وكذلك استيلاء وارث ما علي شيء من مال التركة ، عقاراً كان أو منقولا أو نقداً – كل ذلك من قبيل الوقائع التي لا سبيل لإثباتها إلا بالبينة  . وإنما الذي يطلب فيه الدليل الكتابي هو العمل القانوني التعاقدي الذي يراد أن يكون حجة علي شخص ليس عليه أو علي من هو مسئول قانونا عنهم دليل قانوني يدل عليه  . وإذن فلا يصح الطعن في الحكم بمقوله إنه أخطأ في قبول شهادة الشهود علي وجود المبلغ المتروك وتحديده مع أنه ليس في الدعوي دليل يفيد أن المورث ترك مالا نقداً أو يفيد أن المبلغ المتروك عن هذا الوارث هو كذا غير إقرار الطاعن نفسه ( نقض مدني 23 مايو سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 267 ص 792 )  .

وقضت أيضا بأنه إذا كان من أدلة تزوير العقد أن المنسوب إليها صدوره منها كانت قد تصرفت في بعض الأطيان التي وردت في العقد ، فإنه يجوز إثبات هذا التصرف بالبينة والقرائن مهما كانت قيمته ، لأنه يعتبر – بالنسبة إلي أدلة التزوير - واقعة مادية ( نقض مدني 31 ديسمبر سنة 1942 مجموعة عمر 4 رقم 15 ص 36 )  .

وقضت أيضا بأن القانون لم يحرم علي المحكمة إثبات صحة الختم الموقع به علي بشهادة الشهود ، وإنما هو حرم عليها إثبات المشارطة المتعلقة بها الورقة بهذا الوسيلة  . فمن حق المحكمة أن تستنتج صحة الختم في ذاته متي ثبت لديها أن صاحبه قد وقع به الورقة المطعون فيها بشخصه ( نقص مدني 8 مارس سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 219 ص 584 )  . ولكن توقيع صاحب الختم بختمه علي الورقة ينطوي علي تصرف قانوني يثبت بالكتابة ( نقض فرنسي 18 يوليه سنة 1906 سيريه 1906 - 1 - 488 - بودري وبارد 4 فقرة 2522 ص 219 )  .

وقضت أيضا بأنه إذا قضت المحكمة لبعض الملاك المشتاعين بملكية بعض الأعيان المشتركة مفرزة ، وبنت حكمها علي أن كلا منهم قد استقل بوضع يده علي جزء معين من الملك الشائع حتي تملكه بمضي المدة ، مستدلة علي ذلك بالبينة والقرائن ، فهذا الحكم لا يعتبر مؤسسا علي التقرير بوقوع تعاقد علي قسمة بين الشركاء ، ولذلك لا يصح النعي عليه أنه قد خالف القانون إذ هو لم يستند إلي دليل كتابي علي القسمة ( نقض مدني 4 أبريل سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 59 ص 147 )  .

وقضت أيضا بأن الدعوي المرفوعة علي سيد وخادمه بطلب الحكم عليهما متضامنين بتعويض عن سرقة الخادم استودعت السيد هي دعويان : دعوي الجريمة المنسوبة إلي الخادم وإثباتها جائز بكل طرق الإثبات إذ هي واقعة مادية وغير متوقفة علي عقد الوديعة ، ودعوي موجهة إلي اليد بمسئوليته عن الخارج إذ هو تابع له وهذه ليس مطلوبا فيها إثبات عقد الوديعة علي السيد ، ومن ثم يجوز إثبات محتويات العلبة بالبينة والقرائن ( نقض مدني أول مايو سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 198 ص 432 )  .

أما الوعد بالزواج ( promesse de marriage ) فرأي يذهب فيه إلي أنه واقعة مختلطة يمتزج فيها العمل المادي بالتصرف القانوني  . ورأي آخر يذهب إلي أنه لما كان الوعد بالزواج غير ملزم فهو لا يعدو أن يكون واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق ( أنظر في هذه المسألة juris - classeur 151 - م 1341 - 1344 فقرة 36 - فقرة 42 )  .

( [562] ) أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 313 - ص 314 - ديمولومب 30 فقرة 17 - لوران 19 فقرة 433 - هيك 8 فقرة 480 - بودري وبارد 4 فقرة 2521 - كذلك يمك إثبات مدي الضرر الذي ترتب علي الإخلال بالالتزام الطرق لأنه واقعة مادية  . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن إثبات الأشياء الضائعة وقيمتها في حادث سكة حديدية جائز بجميع الطرق ( 11 مارس سنة 1897 م 9 ص 196 )  . 

( [563] ) وقد قضت محكمة النقض بأن الدليل لا ارتباط له بالمسئولية في حد ذاتها ، وإنما يتعلق بذات الأمر المطلوب إثباته  . فقد تكون المسئولية تعاقدية ومع ذلك يكون الإثبات فيها بالبينة والقرائن في حالة التعهد بعدم فعل شيء عندما يرغب المتعهد له إثبات مخالفة المتعهد لتعهده ، وقد تكون المسئولية جنائية أو تقصيرية ومع ذلك يكون الإثبات فيها بالكتابة حتما بالنسبة للعقد المرتبط بها إذا كانت قيمته تزيد علي ألف قرش في غير المواد التجارية والأحوال الأخري المستثناة كما هي الحال في جريمة خيانة الأمان ( نقض مدني 29 فبراير سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 34 ص 75 )  . انظر أيضا : استئناف أهلي أول مارس سنة 1900 المجموعة الرسمية 2 رقم 47 - استئناف مختلط 10 ديسمبر سنة 1918 م 31 ص 50  .

وقد قضت محكمة النقض ( الدائرة الجنائية ) بأن المحاكم وهي تفصل في الدعاوي الجنائية لا تتقيد بقواعد الإثبات الواردة في القانون المدني إلا إذا كان قضاؤها في الواقعة الجنائية يتوقف علي وجوب الفصل في مسألة مدنية تكون عنصراً من عناصر الجريمة المطلوب منها الفصل فيها  . فإذا هي في واقعة سرقة قد عولت في إدانة المتهم علي شهادة الشهود بأنه هو الذي باع المسروق لمن ضبط عنده ، فلا تثريب عليها في ذلك ولو كانت قيمة المبيع تزيد علي العشرة الجنيهات ، وذلك لأن سماعها الشهود لم يكن في مقام إثبات تعاقد المتهم مع المشتري ، وإنما كان في خصوص واقعة مادية بحتة جائز إثباتها بالبينة والقرائن وغير ذلك من طريق الإثبات المختلفة ، وهي مجرد اتصال المتهم بالأشياء المسروقة قبل انتقالها من يده إلي يد من ضبطت عنده بغض النظر عن حقيقة سند هذا الانتقال الذي لم يكن يدور حوله الإثبات ، لأنه مهما كان لا يؤثر في الدعوي ( نقض جنائي 27 يناير سنة 1941 المحاماة 21 رقم 362 ص 759 )  .

( [564] ) أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 314 وهامش رقم 11 وهامش رقم 12  .    

( [565] ) استئناف مختلط 14 مايو سنة 1902 م 14 ص 297  .         

( [566] ) فإذ 1 ا أعدم الدائن الذي قبض غير المستحق سند الدين وهو حسن النية ، فلمن دفع غير المستحق أن يرجع علي المدين الحقيقي بدعوي الإثراء ( م 184 مدني ) وفي هذه الحالة يعتبر انشغال ذمة المدين الحقيقي بالدين واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق ( الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فقرة 192 ص 239 )  . 

( [567] ) انظر الجزء الأول من هذا الوسيط فقرة 861 - فقرة 862  .      

( [568] ) أما المعاملات المدنية فتستغرق عادة طويل في التنفيذ ، ومن ثم الحاجة إلي الكتابة ( بيدان وبرو 9 فقرة 1269 )  .    

( [569] ) وقد قضت محكمة الاستئناف الوطنية بأنه يجوز للمحكمة رفض الإثبات بالبينة في دعوي تجارية تزيد قيمتها علي عشرة جنيهات ( استئناف أهلي 21 فبراير سنة 1912 المجموعة الرسمية 13 رقم 51 ) - وقضت محكمة الزقازيق الوطنية بأن إباحة الإثبات بجميع الطرق في المسائل التجارية أمر جوازي ، ولا يقبل إلا إذا أدلي بوقائع من شأنها التدليل علي احتمال انعقاد عقد تجاري ( 2 أبريل سنة 1929 المحاماة 9 رقم 419 ص 668 ) - وقضت محكمة الاستئناف المختلطة أبان إباحة الإثبات بجميع الطرق في المسائل التجارية أمر جوازي ( استئناف مختلط 29 يناير سنة 1890 م 2 ص 360 - 5 نوفمبر سنة 1890 م 3 ص 17 - 8 مارس سنة 1917 أم 29 ص 284 ) ، وبأنه يجب وجود قرائن قوية لإثبات الفوائد الربوية بالبينة حتي في المسائل التجارية ( استئناف مختلط 5 ديسمبر سنة 1901 م 14 ص 34 )  .

وقضت محكمة النقض بأنه إذا لم تأخذ المحكمة في نزاع بين تاجر ومصلحة الضرائب بالبيانات الواردة في دفاتره ، محتجة بأنه لم يثبت فيها جميع مشترياته ، فإنها بذلك لا تكون قد خالفت القانون بتحتيم إثبات العقود التجارية بالكتابة ، ولا يصح من الممول طعنه في الحكم محتجا بالمادتين 215 و 234 من القانون المدني ( م 400 فقرة 1 جديد ) اللتين تجيزان إثبات العقود التجارية بجميع الطرق القانونية ، سواء بالنسبة إلي المتعاقدين أو غيرهم ، فإن محل الاحتجاج بهما أن يكون التاجر قد طلب إلي المحكمة الترخيص له في أن يثبت بالبينة صحة البيانات الواردة بدفتره فقضتا بعدم جواز هذا الإثبات ( نقض مدني 16 ديسمبر سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 353 ص 684 ) وانظر في هذه المسألة بودري وبارد 4 فقرة 2579  .

( [570] ) الأستاذ محسن شفيق في القانون التجاري المصري فقرة 153 - فقرة 158  .

( [571] ) أوبري ورو 12 فقرة 763 ص 341 - الموجز للمؤلف ص 708 - انظر مع ذلك بونيلال وريبير وجابولد وتعليقه علي القضاء الفرنسي 7 فقرة 1519 ص 974 - وقد قضت محكمة الاستئناف الوطنية بأن إذا كان المدعي عليه تاجراً ، فالقواعد التجارية تتبع في دعواه ، خصوصا فيما يتعلق بقبول الإثبات بالبينة ( استئناف أهلي 13 يناير سنة 1903 المجموعة الرسمية 4 رقم 73 )  . وقضت محكمة الإسكندرية الوطنية بأنه إذا كان العقد مدنيا بالنسبة إلي أحد المتعاقدين وتجاريا بالنسبة إلي ثانيهما ، جاز للأول أن يثبت براءة ذمته من المدين بطرق الإثبات المقبولة في المواد التجارية ( 11 أبريل سنة 1907 المجموعة الرسمية 8 رقم 78 ) وقضت محكمة الاستئناف الوطنية بأنه إذا كانت المعاملة تجارية لأحد المتعاملين ومدنية بالنسبة إلي الآخر ، فلا يجوز الإثبات في حق الآخر إلا طبقا لأحكام القانون المدني ، فلا يقبل الإثبات بالبينة إذا زادت قيمة المدعي به علي ألف قرش  . فإذا ادعي تاجر شراء قطن رجل من ذوي الأملاك ، وقدم دليلا علي دعواه " علم القباني " الذي يبين وزن القطن المبيع ، فإن هذه الورقة لا تصلح مبدأ ثبوت بالكتابة علي البائع لأنها ليست صادرة منه ، ومن ثم ترفض دعوي التاجر ( استئناف مصر 13 ديسمبر سنة 1920 المحاماة 2 رقم 54 ص 179 - انظر أيضا استئناف مصر 27 مارس سنة 1923 المحاماة 3 رقم 6 ص 18 )  .

وصفة التاجر أمر يصح إثباته بالبينة لأنه واقعة مادية( طهطا 25 يولية سنة 1904 المجموعة الرسمية 6 رقم 47 / 2 ) ويعتبر مدنيا التزام الوكيل بالعمولة إذا لم يعلن اسم موكله ( استئناف مختلط 10 مارس سنة 1926 م 38 ص 280 ) ولا يجوز طلب الإحالة علي التحقيق لإثبات وساطة السمسار في الصفقة إذا كانت المعاملة بالنسبة إلي المدعي عليه بالجر مدنية ويزيد فيها المبلغ المطلوب إثباته علي النصاب الجائز إثباته بالبينة ( استئناف مصر 6 فبراير سنة 1938 المحاماة 19 رقم 170 ص 386 - انظر أيضا في هذا المعني محكمة السنبلاوين 4 ديسمبر سنة 1938 المحاماة 19 رقم 242 ص 595 ، وانظر عكس ذلك محكمة الإسكندرية الوطنية 3 أبريل سنة 1918 المجموعة الرسمية 19 رقم 116 فقد قضت بأن أعمال السمسرة تعتبر في نظر القانون أعمالا تجارية ، سواء كان القائم بها محترفا السمسرة أولا ، وسواء كان الغرض منها إبرام عقد تجاري أو مدني ، وعلي ذلك يجوز لمن كان وسيطا في عقد بيع وليست لديه كتابة مثبتة لحقه في السمسرة ان يلجأ إلي الإثبات بالبينة ولو تجاوزت السمسرة عشرة جنيها )  .

وقضت محكمة الاستئناف المختلطة - بأن إثبات الالتزام المدني يكون بالكتابة ، حتي لو كان هذا الالتزام مرتبطا بالتزام تجاري ، فإن هذا الارتباط لا يرفع عن كل العمليتين صفتها المتميزة ، ولا يستوجب استثناء من أحكام القانون المتعلقة بطرق الإثبات ( استئناف مختلط 6 يونية سنة 1922 م 34 ص 463 )  .

وقضت محكمة النقض بأنه متي كان طرفا النزاع تاجرين ، فلا جناح علي المحكمة إن هي أحالت الدعوي علي التحقيق ليثبت المدعي صدور بيع منه إلي المدعي عليه وقيمة الأشياء المبيعة ، لأن الإثبات في المواد التجارية جائز بكافة طرق الإثبات  . وقد اعتبر القانون التجارية في الفقرة التاسعة من المادة الثانية منه عملا تجاريا جميع العقود والتعهدات الحاصلة بين التجار والمتسببين والسماسرة والصيارف ما لم تكن العقود والتعهدات المذكورة مدنية بحسب نوعها أو بناء علي نص العقد  . ولا يخرج تصرف التاجر عن هذا الاعتبار إنكاره للتصرف أو ادعاؤه أنه لا يتجر في البضاعة المدعي بشرائها ، إذ ليس من شأن هذا الإدعاء لو صح أن يجعل التصرف مدنيا ( نقض مدني 28 يناير سنة 1954 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 68 ص 458 )  .

( [572] ) أوبري ورو 12 فقرة 763 مكررة ص 340 - 341 وهامش رقم 6 مكرر الموجز للمؤلف ص 709 - وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا كان النزاع من اختصاص المحاكم التجارية وكان الالتزام غير تجاري من جانب المدين ، فلا يجوز الإثبات ضده بالبينة والقرائن ( استئناف مختلط 20 ديسمبر سنة 1905 م 18 ص 46 - انظر أيضا : استئناف مختلط 11 فبراير سنة 1926 م 38 ص 242 – 18 يونية سنة 1942 م 54 ص 427 )  .

والقاعدة في الاختصاص - بالنسبة إلي التصرف القانوني المختلط - أن التصرف إذا كان تجاريا بالنسبة إلي المدعي عليه ، جاز رفع الدعوي أمام المحكمة التجارية أم المحكمة المدنية  . أما إذا كان التصرف بالنسبة إلي المدعي عليه مدني ، فلا يجوز رفع الدعوي إلا أمام المحكمة المدنية  .   

( [573] ) أوبري ورو 12 فقرة 763 مكررة ص 337 - ص 338  .        

( [574] ) فيجوز إثبات أن سبب الالتزام المكتوب غير صحيح ، أو أن هناك تعديلا شفويا أجري فيه ، أو انه قد انقضي ، وذلك كله بالبينة أو بالقرائن ( أوبري ورو 12 فقرو 763 مكررة ص 338 - ص 339 ) بودري وبارد 4 فقرة 2576 - بيدان وبرو 9 فقرة 1270 لكن إذا كانت الكتابة رسمية ، ويراد إثبات ما يخالف جزاءً منها لا يجوز إنكاره إلا عن طريق الطعن بالتزوير ، فإنه يجب الالتجاء إلي إجراءات هذا الطعن ( أوبري ورو 12 فقرة 763 مكررة هامش رقم 2 )  .

وقد كان القضاء المختلط يجري في العهد الأول علي تحتيم الكتابة لإثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها في المسائل التجارية : استئناف مختلط 18 فبراير سنة 1892 م 4 ص 111 - 7 مايو سنة 1902 م 14 ص 280 - 3 فبراير سنة 1904 م 16 ص 123 - 21 مارس سنة 1906 م 18 ص 165 - 25 ابريل سنة 1906 م 18 ص 211 - 16 مايو سنة 1906 م 18 ص 254 - 15 أبريل سنة 1915 م 27 ص 282 ثم عدل عن هذا الخطأ ، ورجع إلي المبدأ الصحيح ، فأجاز إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها في المسائل التجارية بالبينة بالقرائن : استئناف مختلط 29 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 56 - 2 يناير سنة 1935 م 47 ص 81 - 25 مارس سنة 1937 م 49 ص 168 - 7 أبريل سنة 1943 م 55 ص 130  .

وغني عن البيان أن إثبات المواد التجارية بالبينة وبالقرائن ليس فحسب جائزا فيما بين المتعاقدين ، بل هو أيضا جائز بالنسبة إلي الغير  . وقد قضي ، تطبيقا لذلك ، بأن عقد الإيجار الذي يتم بين تاجر السيارات وأحد عملائه ، وبمقتضاه يؤجر التاجر للعميل سيارة تصبح ملك العميل بعد الوفاء بالأقساط ، يجوز لتاجر السيارات أن يثبته بالبينة في مواجهة الغير ( استئناف مختلط 29 أبريل سنة 1930 م 42 ص 459 ) انظر في هذه المسألة الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات فقرة 216 ص 402  .

أما إذا اتفق تاجران علي أن يكون الإثبات بينهما بالكتابة ، فإنه لا يجوز لأي منهما أن يثبت ما يخالف هذه الكتابة أو يجاوزها إلا بالكتابة ( انظر الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 194 ص 242 والأحكام التي أشار إليها )  .

 

( [575] ) والقاعدة بشقيها والاستثناء بشقيه تعتبر جميعا من مسائل القانون ، فيخضع تطبيقها لرقابة محكمة النقض ( أوبري ورو 12 فقرة 766 ص 385 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1546 ص 558 - دي باج 3 فقرة 932 ) علي أنه لا تجوز إثارة هذه المسائل لأول مرة أمام محكمة النقض ، لأنها ليست من مسائل النظام العام كما سنري  .     

( [576] ) فالفقه الإسلامي لا يعتد باكتابة اعتداده بالشهادة  . فالشهادة عنده هي البينة التي لها المقام الأول في الإثبات  . أما الكتابة فيحذر منها كل الحذر ، لأن الخطوط - كما يقول الفقهاء - قابلة للمشابهة والمحاكاة  .

والواقع من الأمر أن الكتابة لم تكن في العصور الأولي التي ترعرع فيها الفقه الإسلامي منتشرة بين الناس ، ولم يكن فن الخط قد تقدم تقدمه في العصور التي تلت ، فكان من الصعب الاعتماد علي الكتابة في الإثبات ( انظر في هذا المعني موران Morand : دراسات في الفقه الإسلامي الجزائري ص 313 - ص 318 )  .

وقد آتي القرآن الكريم في أية المداينة بأرقي مباديء الإثبات في العصر الحديث  . قال الله تعالي : " يأيها الذين أمنوا إذا تداينتم بدين إلي أجل مسمي فاكتبوه ، وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله ، فليكتب ، وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا " فالأولوية في الإثبات إذن للكتابة  . ولكن لما كانت حضارة العصر تقصر دون ذلك ، وتقف عن مجاراة هذا التقدم ، لم يستطع الفقهاء إلا أن يسايروا حضارة عصرهم ، فإذا بالفقه الإسلامي يرتفع بالشهادة إلي مقام تنزل عنه الكتابة نزولا بينا  . ومن العجيب أن عصر التقليد في الفقه الإسلامي لم يدرك العوامل التي كانت وراء تقديم الشهادة علي الكتابة ، فظل يردد ما قاله الفقهاء الأولون في تقديم الشهادة ، وذلك بالرغم من أنهم كانوا يستطيعون أن يقلبوا الوضع فيقدموا الكتابة ، بؤازرهم في ذلك انتشار الكتابة ، وتظاهرهم آيات القرآن الكريم  .

( [577] ) وقد رأينا أن المثل كان قد درج في القانون الفرنسي القديم علي أن " الشهادة فوق الكتابة " أو كما يقول لوازيل Loisel :

( Temoins passent letters Institutes Coutumieres liv V tit V regl  . 5 )

( [578] ) ونثبت هنا الأصل الفرنسي لهذا النص الهام ، فهو المصدر التاريخي المباشر لقاعدة من أهم قواعد الإثبات وهو في الوقت ذاته يقرب كثيراً من نص المادة 1341 من التقنين المدني الفرنسي :

        Art 1341 : Il doit etre passé acte devant notaire ou sous signatures privees de toutes choses excedant la some ou la valeur de cent cinquante france, meme pour depots volontyaires, et il n'est recu aucune prevue par temoins contre et outré le contenu aux actes, ni sur ce qui serait allegue avoir et edit avant, lors ou depuis les actes, encore qu'il s'agisse d'une somme ou valeur moindre de cent cinquante francs  . Le tout sans prejudice de ce qui est prescrit dans le lois relatives au commerce  .

( [579] ) وهذا هو الأصل الفرنسي لنص المادة 1341 ، لمقارنته بمصدره التاريخي المتقدم الذكر :

Seront passes actes par devant notaries ou sous signature privèe, de touted choses excèdant la somme ou valeur de cent livers, meme pour dèpots volontaires, et ne sera recu aucune preuve par tèmoins contre et anvant, lors, ou depuis les actes, encor pu'il s'agisse d'une somme ou valeur moindre de cent livers, sans toutefois rien innover pour ce regard, en ce quis'observe en la justice des juges et consuls marchands  .

( Art  . 2  . Titre XX, Ordonnance de 1667 )  .

انظر في هذه المسألة أوبري ورو 12 فقرة 761 هامش رقم 1  .   

( [580] ) فينيه ( Fenet ) 13 ص 396 - لوكريه ( Locre ) 12 ص 527  .  

( [581] ) بارتان علي أوبري ورو 12 فقرة 762 هامش رقم 3 مكرر يضاف إلي هذه الأسباب   الثلاثة أن التصرف القانوني هو الذي تستطاع تهيئة الدليل الكتابي له عند وقوعه ، فهو وحده الواقعة القانونية التي تقبل عادة الدليل المهيأ ( prevue preconstituee ) هذا إلي أن الإرادة في القديم كانت الشكلية تحوطها فتجعلها بمنجاة من الغلط والسهو والتدليس والإكراه وغير ذلك من الشوائب فلما زالت الشكلية في انعقاد التصرف القانوني ، حلت الكتابة محلها في إثباته  . وما الكتابة إلا ضرب من ضروب الشكلية ، أكثر مرونة وأقل تعقيداً وأيسر كلفة  .

وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " ويرجع ما أصاب قيمة حجية البينة من تطور إلي عدم التيقن من سلامتها  . وقديما كان الإثبات بالبينة جائزاً في الشرائع اللاتينية دون قيد ، بسبب شكلية التصرفات القانونية بوجه خاص  . وكانت القاعدة السائدة إذ ذاك تقديم البينة علي الكتابة  . وقد أبقي تقنينا المرافعات الألماني والنمساوي علي هذه القاعدة  . ولكن سلطانها تزعزع في فرنسا من جراء التطور الذي بدأ بصدور أوامر مولان في سنة 1566  . وقد عرض واضعو المشروع الفرنسي الإيطالي لمسألة الإثبات بالبينة ، وجعلوا منها محلا لنقاشهم ( أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع الفرنسي الإيطالي ) ، وانتهوا من ذلك إلي أن العدول عن نظام تقييد الإثبات ، وعن إيثار الدليل الكتابي بالصدارة ، إن هو إلا نكوص عن المضي في سبيل التقدم  . وليس يقتصر الأمر في توجيه تقييد الإثبات بالبينة علي خطر إغراء الشهود والإدلاء بالشهادة زوراً ، بل هو يجاوز ذلك بوجه خاص إلي ما يقع من أخطاء الشهود بسبب ما قد يعوزهم من دقة الملاحظة ، أو قوة الذاكرة ، فضلا عن ندرة احتمال وجودهم إذا كان العقد قد تقادم علي الوقائع  . والواقع أن تحريف الشهادة أو تلفيقها لا يعتبر أهم خطر يعرض بشأن الإثبات بالبينة  . وإنما يتمثل هذا الخطر في انتفاء ضمانات فعلية لا حيلة للقانون فيها  . فقد أسفرت أحدث الدراسات النفسية ، كما أسفرت تجارب القضاء ، عن تناقض أقوال من يسمعون من الشهود في يوم وقوع الحادث ، مع القطاع بتوافر حسن النية فيهم  . فأي ضمان يكفل صحة الشهادة ودقتها إذا سمع الشهود بعد ذلك بعشر سنوات أو أكثر ، وأني لذي الشأن ببقاء الشهود علي قيد الحياة وإلمامه بمصائرها إذا قدر إجراء التحقيق بعد زمن طويل؟ والحق إن ما يعد ذوو الشأن من المحررات عند إنشاء التصرف القانوني كفيل بتحامي هذه الأخطار جميعا  . فإذا قرن ذلك بشيوع انعقاد التصرفات بالكتابة ، وتأصل الاطمئنان إليها في تقاليد العمل والتشريع ، ظهر وجه الإبقاء علي قاعدة تقييد الإثبات بالبينة وإيثار الكتابة " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 394 - ص 395 )  .

( [582] ) تولييه 9 فقرة 36 – فقرة 41 - ماركادية م 1348 فقرة 8 - لارومبيير 5 م 1347 فقرة 1 - فقرة 2 - ديمولومب 30 فقرة 213 - لوران 19 فقرة 397 - أوبري ورو 12 فقرة 761 ص 299 وهامش رقم 5 - بودري وبارد 4 فقرة 2517 - بيدان وبرو 9 فقرة 1154 وقارن فقرة 1287 - كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 773 - جوسران 2 فقرة 203 - ليبال ( Le Balle ) في الاتفاقات الخاصة بطرق الإثبات في القانون المدني رسالة من باريس سنة 1923 - سيسيوريانو ( Sescioreano ) في الاتفاقات الخاصة بإثبات براءة ذمة المدين رسالة من باريس سنة 1920 - قارن بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1428  . 

( [583] ) ذلك أن هناك من الفقهاء الفرنسيين من يذهب مع القضاء الفرنسي إلي أن هذه القاعدة لا تعتبر من النظام العام : ديرانتون 13 فقرة 308 وفقرة 329 - بونييه 1 فقرة 177 - هيك 8 فقرة 290 - بارتان علي أوبري ورو 12 فقرة 762 هامش 3 مكرر – هيمار 2 فقرة 1808  .    

( [584] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1428 - ويقول بيدان وبرو في هذا المعني أن القضاء بعد أن كان في القديم ذا صبغة تعاقدية فيما بين الخصوم ، أصبح الآن من شئون الدولة ومنذ رأي المشرع من المناسب أن يتدخل ليحد من تحكم القاضي وليمنعه من أن يكل نفسه إلي محض اقتناعه ، فقد قدر أن حسن تنظيم القضاء يجب حتما أن يعلو علي المصالح الخاصة للخصوم ، مهما كانت هذه المصالح مشروعة ، وإلا كان من الأيسر أن تترك للقاضي حريتة كاملة في الإثبات ( بيدان وبرو 9 فقرة 1154 )  .       

( [585] ) وجاء في الموجز لمؤلف ، في هذا الصدد ما يأتي : " عندما يتطلب القانون دليلا كتابيا ، يبرر الفقهاء ذلك عادة باعتبارات ثلاثة :    ( أولها ) حرص القانون علي التقليل من المنازعات والخصومات ، لأن الدائن إذا علم أن الدليل الكتابي واجب حرص علي الوصول إليه ، فلا يصير للمدين مجال كبير لإنكار الدين ومنازعة الدائن  . وكذلك الأمر من جهة الدائن الذي لم يصل إلي الدليل الكتابي المطلوب ، فإن أمله في كسب الدعوي يكون ضعيفا فيبعد عن التفكير في الالتجاء إلي التقاضي  . ( ثانيا ) عدم الطمأنينة إلي شهادة الشهود ، فإن الذاكرة البشرية يتطرق إليها من عوامل الضعف ما لا يعتري الورق المكتوب ، ولا يمكن الاحتراز من السهو والنسيان ( ثالثا ) عدم الثقة بالشهادة في جميع الأحوال ، فاحتمال شراء الشهود أو التأثير فيهم ليقرروا غير الواقع احتمال يتحقق كل يوم  . والاعتباران الأولان من شأنهما أن يجعلا القاعدة التي تتطلب الدليل الكتابي من النظام العام ، بعكس الاعتبار الثالث ( الموجز ص 700 هامش قم 7 )  .

( [586] ) وهناك من يذهب إلي التمييز بين الاتفاق علي الإثبات بالبيت حيث يجب ألإثبات بالكتابة - وهذا لا يجوز لأن الأصل في إثبات التصرفات المدنية هي الكتابة فلا يجوز الاتفاق علي الإثبات بغيرها - وبين الاتفاق علي الإثبات بالكتابة حيث يجوز الإثبات بالبينة ، وهذا يجوز لأن الإثبات بالبينة في التصرفات المدنية استثناء فالاتفاق علي الرجوع إلي الأصل جائز ( Juris - classeur 151 م 1341 - 1344 فقرة 9 - فقرة 17 )  .        

( [587] ) ويميز بعض بين الاتفاق مقدما علي طريق للإثبات غير الذي عينه القانون كتابة أو بينة - وهذا لا يجوز ، لأن النزاع لم يتحدد فلا يجوز تقييد الخصم مقدما فيل معرفة حدود النزاع ، بطريق للإثبات لم يعينه القانون - وبين الاتفاق علي طريق الإثبات الذي سلكه خصمه - وهذا جائز لأن النزاع قد تحدد والخصم قد قبل هذا الطريق للإثبات وهو عالم بمدي النزاع وأهميته فلا غرر في ذلك ( Juris - classeur 151 م 1341 - 1344 فقرة 9 - فقرة 17 )  .

بل هناك من يميز بين سكوت الخصم وعدم اعتراضه علي طريق الإثبات الذي سلكه خصمه وهذا السكوت لا يعتد به ويحتم القاضي أن يكون طريق الإثبات هو الطريق الذي عينه القانون - وبين رضاء الخصم بطريق الإثبات الذي سلكه خصمه رضاء صريحا - وهذا الرضاء الصريح يعتد به فيقر القاضي طريق الإثبات الذي ارتضاه الخصم  . ولا مبرر للتفريق ما بين الرضاء الصريح والرضاء الضمني ، فإذا جاز الرضاء الصريح وجب أن يجوز الرضاء الضمني ، وإذا لم يجز الرضاء الضمني وجب ألا يجوز الرضاء الصريح ( انظر في هذه المسألة أوبري ورو 12 فقرة 761 هامش رقم 5 )  .  

( [588] ) ويقول القضاء الفرنسي في هذا المعني :

L art  . 1341 est bien d interet general mais non d ordre public        

        ( نقض فرنسي 24 أغسطس سنة 1880 داللوز 80 - 1 - 477 - 21 أبريل سنة 1886 داللوز 86 - 1 - 393 - 17 ديسمبر سنة 1900 داللوز 1903 - 1 - 76 - أول أغسطس سنة 1906 داللوز 1909 - 1 - 398 ) وهكذا من يحسب أن القاعدة قد استلهمت في المكان الأول اعتبار تقليل المنازعات ، بعدم الالتجاء إلي الشهادة بقدر الإمكان ، يعتبرها من النظام العام  . ومن يحسبها قد استلهمت كأساس لها عدم الثقة في أمانة الشهود ، لإمكان التأثير فيهم ، لا يعتبرها من النظام العام ( Juris - classeur 151 م 1341 - 1344 فقرة 9 - فقرة 17 - أنظر أيضا الموجز للمؤلف ص 700 هامش رقم 7 )  .

( [589] ) ويقال في هذا المعني إن الاتفاق علي طريق للإثبات يمكن أن يكون عند تحليله بمثابة نزول عن الحق ، إما نزولا غير مقيد أو نزولا معلقا علي شرط  . فالاتفاق علي إثبات حق هو اتفاق علي الحق ذاته  . فإذا كا صاحب الحق يمكنه أن يتصرف في حقه ، فإنه يستطيع كذلك أن ينظم بالاتفاق طرقا لمنحه أو منعه ، ومن ثم يستطيع أن يخضعه لطريق معينة للإثبات           ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1428 )  .

( [590] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1428  .       

( [591] ) محكمة قارن الاستئنافية 25 فبراير سنة 1841 سيريه 41 - 2 - 427 - قارن : نقض فرنسي 6 يناير سنة 1936 داللوز الأسبوعي 1936 - 116 - 24 مارس سنة 1942 داللوز 1942 - 64 - 3 أغسطس سنة 1949 جازيت دي باليه 1949 - 2 - 106 بل ويجوز الاتفاق علي إعطاء القاضي حرية كاملة في الحكم بمقتضي اقتناعه الشخصي ( نقض فرنسي 13 ديسمبر سنة 1911 داللوز 1912 - 1 - 158 )  .        

( [592] ) بل يجوز الاتفاق علي أن يقصر الإثبات علي طريق محدد في طبيعته وفي شكله ( نقض فرنسي 8 أغسطس 1901 سيريه 1904 - 1 - 48 مع تعليق شوفجران ( Chauvehrin ) - 10 مارس سنة 1867 سيريه 77 - 1 - 338 - 23 نوفمبر سنة 1891 سيريه 95 - 1 - 402 - 30 يوليه 1884 داللوز 85 - 1 - 439 - 6 أغسطس 1901 داللوز 1901 - 1 - 472 )  .        

( [593] ) Juris - classeur 151 م 1341 - 1344 فقرة 9 - فقرة 17  .      

( [594] ) نقض فرنسي أول أغسطس 1906 داللوز 1909 - 1 - 398 - 6 يناير سنة 1936 جازيت دي باليه 1936 - 1 - 576 ( يعتبر الخصم متنازلا عن حقه في التمسك بالإثبات بالكتابة إذا اشترك في التحقيق الذي أمرت به المحكمة أو طلب إجراء تحقيق مضاد لنفي التحقيق الأول ) - نقض فرنسي 5 مايو سنة 1941 سيريه 1941 - 1 - 174 ( وكذلك إذا حضر أمام الخبير ) - محكمة كولمار 4 نوفمبر سنة 1932 جازيت دي باليه 1933 - 1 - 232 - ( بل إذا هو لم يعارض في إجراء التحقيق )  .       

( [595] ) نقض فرنسي 26 يونية سنة 1882 داللوز - 183 - 78 - 8 يونية سنة 1896 داللوز 1897 - 1 - 464 - 15 ديسمبر سنة 1903 سيريه 1907 - 1 - 369 - 22 فبراير 1911 داللوز 1913 - 1 - 360 - 26 مارس سنة 1935 سيريه 1936 - 1 - 181 - 6 يناير سنة 1936 داللوز الأسبوعي 1936 - 115 - 12 مايو سنة 1936 داللوز الأسبوعي 1936 - 410 - 24 مارس سنة 1942 داللوز 1942 - 64 - 19 يونية سنة 1947 جازيت دي باليه 1947 - 2 - 84 ، محكمة النقض البلجيكية 30 يناير سنة 1947 باسيكريزي 1947 - 1 - 29  .

انظر في أحكام القضاء الفرنسي في هذه المسائل بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1520 - بديان وبرو 9 فقرة 1155  . 

( [596] ) والتون 1 ص 319 - الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 93 - وقد قضت محكمة استئناف مصر بأنه يجوز الاتفاق علي الإثبات بالكتابة فيما لا يزيد علي عشرة جنيهات ، كما إذا اتفق علي ألا يعتبر السداد إلا بإيصال أو استلام سند الدين مؤشراً عليه بالسداد ( استئناف مصر 16 نوفمبر سنة 1927 المحاماة 8 رقم 133 ص 180 - انظر أيضا : استئناف أهلي 16 فبراير سنة 1904 المجموعة الرسمية 6 رقم 7 ص 13 - 25 فبراير سنة 1906 الاستقلال 5 ص 170 - 18 يناير سنة 1909 الحقوق 24 ص 267 - الأقصر 14 أبريل سنة 1920 المحاماة 1 رقم 34 ص 207 )  . وقضت محكمة الاستئناف الوطنية بأنه متي نص في عقد ولو في مسائل التجارة علي أن براءة الذمة لا تثبت إلا بتسليم السند أو بمخالصة بالكتابة ، فالإثبات لا يمكن حصوله بالبينة ( استئناف أهلي 16 فبراير سنة 1904 المجموعة الرسمية 6 رقم 7 )  . وقضت محكمة جرجا بأن اشتراط المدين علي نفسه في سند دين قيمته أربعمائة قرش الإدعاء ببراءة ذمته إلا باستلام السند نفسه أو مخالصة ممضاة من الدائن ، وألا عبرة بالإثبات بالبينة ، هو شرط يجب اعتباره صحيحا ، فإن الشارع وضع حداً للشهادة الشفوية تخوفا منها واحترازاً ، وإنما أجازها القانون في الأحوال التي أجازها لفائدة المتعاقدين الذين لهم التنازل عنها ( جرجا 13 أكتوبر سنة 1902 المجموعة الرسمية 6 رقم 10 )  . وقضت محكمة الأقصر بأن الشرط الذي يذكر في سند دين بخمسمائة قرش علي أن الدفع لا يثبت إلا بالكتابة ، وأن الإثبات بالبينة لا يقبل ، هو شرط صحيح لأنه لا يخالف النظام العام ( الأقصر 16 ديسمبر سنة 1903 المجموعة الرسمية 6 رقم 11 )  . وقضت محكمة عابدين بأنه إذا نص في السند علي أنه لا تبرأ ذمة المدين من المبلغ المبين به إلا باستلامه مؤشراً عليه بالسداد ، وأنه لا تجوز الشهادة في ذلك ، كان طلب المدين الإحالة علي التحقيق لإثبات براءة ذمته من جزء من المبلغ غير مقبول ( عابدين 14 يونيه سنة 1938 المحاماة 20 رقم 515 ص 1240 ) وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الاتفاق في سند الدين علي أن الوفاء يجب إثباته بالكتابة ، ولا يجوز إثباته بالبينة حتي فيما يجوز قانونا إثباته بالبينة ، هو اتفاق صحيح ويجب إعماله ( استئناف مختلط 19 يناير سنة 1916 م 28 ص 115 - انظر أيضا : استئناف مختلط 23 يناير سنة 1895 م 7 ص 96 - 5 أبريل سنة 1916 م 28 ص 234 - 31 مايو سنة 1922 م 34 ص 440 )  .

( [597] ) الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 92 - وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن الإثبات بالكتابة فيما زاد علي ألف قرش هو أمر من النظام العام ، وبأن للمحكمة أن تحكم بعدم جواز الإثبات بالبينة في هذه الأحوال حتي لو قبل الخصوم الإثبات ، كما أن لها ان تحكم بذلك في أية حالة كانت عليها الدعوي ( استئناف مصر 19 يناير سنة 1937 المحاماة 17 رقم 535 ص 1053 )  . وقضت محكمة بني سويف الكلية بأنه لا يجوز للخصوم الاتفاق علي ما يخالف القاعدة المقررة في المادة 215 مدني ( م 400 جديد ) التي تقضي بعدم جواز الإثبات بالبينة فيما يزيد علي عشرة جنيهات ، إذ أن الشارع في تقريره هذه القاعدة لم يتوخ إلا مصلحة النظام العام ( بني سويف الكلية 30 ديسمبر سنة 1922 المجموعة الرسمية 24 رقم 88 )  .     

( [598] ) والتون 1 ص 318 - ص 319 - وهذا هو الرأي الذي كان القضاء يسير عليه في الكثرة الغالبة من أحكامه  . والأحكام التي نذكرها فيما يلي تشير إلي جواز تراضي الخصمين أثناء الدعوي علي قبول البينة في الإثبات ، ولم يعرض أي من هذه الأحكام إلي جواز الاتفاق مقدما علي جواز الإثبات بالبينة :

قضت محكمة النقض بأن الإثبات بالبينة في الأحوال التي لا يجوز فيها ذلك ليس من النظام العام  . فإذا طالب شخص بمبلغ يزيد علي الحد الجائز فيه الإثبات بالبينة والقرائن ، مستنداً في ذلك إلي عقد رهن قال إنه سرق منه في حادثة جنائية ، وطلب الإثبات بالبينة ، ولم يدفع المدعي عليه بعدم جواز ذلك ، كما أنه لم يبد اعتراضا منذ تنفيذ الحكم الصادر بإحالة الدعوي إلي التحقيق ، فهذا يعتبر قبولا من للإثبات بالبينة يمتنع معه علي المحكمة الاستئنافية أن تتعرض من تلقاء نفسها لهذا الأمر ( نقض مدني 7 أبريل سنة 1938 مجموعة عمر 2 رقم 107 ص 316 ) وقضت محكمة النقض في دائرتها الجنائية بأن السكوت عن التمسك بالدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة قبل البدء في سماع الشهادة مسقط له ، إذ الأصل أن الذي يدعي عليه بحق كما يملك الاعتراف به لصاحبه ، بطريق خاص قانعا منه بغيره ، لأن مراعاة قواعد الإثبات لا تتعلق بالنظام العام ( نقض جنائي 8 نوفمبر سنة 1928 المحاماة 9 رقم 1 ص 10 ) وقضت أيضا بأن الدفع بأن المحكمة أخطأت إذا أخذت بشهادة الشهود في إثبات ما تزيد قيمته علي ألف قرش ليس من النظام العام ، فلا يجوز التمسك به لأول مرة لدي محكمة النقض ( نقض جنائي 2 ديسمبر سنة 1940 المحاماة 21 رقم 294 ص 678 ) وقضت أيضا بأن سكوت المتهم بالتبديد عن التمسك قبل البدء في سماع شهادة الشهود بعدم جواز إثبات تسلمه المال المدعي تبديده بالبينة مسقط لحقه في الدفع بذلك  . إذ الأصل أن المدعي عليه بحق ما دام له أن يعترف بالحق المدعي به فيعفي المدعي من أن يقدم أي دليل عليه ، فأنه يكون له أن يتنازل ولو ضمنا عن حقه في مطالبة المدعي من أن يقدم أي دليل عليه ، فأنه يكون له أن يتنازل ولو ضمنا عن حقه في مطالبة المدعي بالإثبات بالطريق المعين في القانون اكتفاء بغيره ، ومراعاة قواعد الإثبات في المواد المدنية لا شأن لها بالنظام العام  . وإذن فإذا كان المتهم لم يوجه أي اعتراض علي سماع شهادة الشهود قبل البدء في إدلائهم بالشهادة ، حتي ولا بعد الانتهاء من سماعهم ، فإن ذلك منه يعد تنازلا عن حقه في مطالبة المجني عليه بالإثبات بالكتابة إذا كان الحق المطالب به مما يجب إثباته بالكتابة ، ويمنعه من أن يتمسك بهذا الدفع أمام المحكمة الاستئنافية فيما بعد ( نقض جنائي 5 يناير سنة 1942 المحاماة 22 رقم 215 ص 638 )  . وقضت أيضا بأن القيود التي جاء بها القانون المدني في مواد الإثبات لم توضع للمصلحة العامة وإنما وضعت لمصلحة الأفراد ، فالدفع بعدم جواز إثبات الحق المدعي به بالبينة يجب علي من يريد التمسك به أن يتقدم به إلي محكمة الموضوع  . فإذا هو لم يثر شيئا من ذلك ، بل ناقش أقوال الشهود الذين سمعوا في مواجهته ، فإنه يعتبر متنازلا عن حقه في الإثبات بالطريق الذي رسمه القانون ، ولا يكون له من بعد أن يتمسك بهذا الدفع أمام محكمة النقض ( نقض جنائي 26 أكتوبر سنة 1942 المحاماة 23 رقم 160 ص 375 )  . وقضت أيضا بأن قواعد الإثبات في المواد المدنية ليست متعلقة بالنظام العام ، فيجب علي من يدعي عدم جواز إثبات الحق المدعي عليه به بالبينة أن يدفع بذلك لدي محكمة الموضوع قبل سماع الشهود  . فإذا هو لم يتقدم بهذا الدفع إلا بعد سماع الشهود ، فلا يكون له أن يرجع عما سبق أن قبله ضمنا من جواز الإثبات بالبينة ( نقض جنائي 3 نوفمبر سنة 1943 المحاماة 22 رقم 150 ص 456 )  . انظر أيضا في هذا المعني : نقض جنائي 27 أبريل سنة 1942 المحاماة 23 رقم 81 ص 197 - 19 أبريل سنة 1943 المحاماة 25 رقم 101 ص 534 - 5 فبراير سنة 1945 المحاماة 27 رقم 128 ص 312 - 18 ديسمبر سنة 1950 المحاماة 32 رقم 465 ص 1423 - 22 يناير سنة 1951 المحاماة 33 رقم 81 ص 177 - 4 فبراير سنة 1952 المحاماة 34 رقم 481 ص 1154 )  .

ويجوز للخصوم ، بعد أن تراضوا علي أن يشهدوا شخصا معينا ، أن يشهدوا شاهدا غيره ( نقض مدني 4 نوفمبر سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 335 ص 657 )  . ولا يعتبر الاتفاق علي إثبات الحالة بمعرفة خبير معين مانعا من رفع دعوي إثبات الحالة بخبير يعينه قاضي الأمور المستعجلة ( مصر الكلية مستعجل 10 أغسطس سنة 1932 المحاماة 13 رقم 372 ص 755 )  .

( [599] ) وكان هذا هو رأينا في عهد التقنين المدني السابق  . وكتبنا في الموجز في هذا المعني ما يأتي : " ويمكن القول بشيء من التعميم أن عدم اعتبار قواعد الإثبات من النظام العام هو الرأي الذي يذهب إليه القضاء في فرنسا ، ويقول به الفقه في مصر ، ويجنح إليه القضاء المصري في بعض تطبيقاته  .  .  .  ولا يخالفه إلا الفقه الفرنسي دون أن تصل هذه المخالفة إلي حد الإجماع  . ونحن نؤيد هذا الرأي ، لأن قواعد الإثبات إذا كانت في الأصل موضوعة لضمان حسن سير العدالة والتقاضي ، إلا أن هذا لا يمنع الخصوم إذا رأوا ، فيما يتعلق بمصالحهم الشخصية ، إلا بأس عليهم من اتباع قاعدة دون أخري ، أن يتفقوا علي ذلك  . فهم أحرار في تقدير ما يرونه صالحا ، ما دام الحق المتنازع عليه لا يمس النظام العام  . وهم قادرون علي التنازل عن هذا الحق ، فيستطيعون ، من باب أولي ، رسم طريق خاص لإثباته  . لاسيما ان القاعدة الأساسية في النظام القضائي هي حياد القاضي ،وتركه الخصوم يديرون دفة الدعوي كما يريدون في الحدود المشروعة ومن رأينا أنه يجوز الاتفاق علي الإثبات بالكتابة حيث يجوز الإثبات بالبينة ، ويجوز الاتفاق علي الإثبات بالبينة حيث يجب الإثبات بالكتابة سواء كان هذا الاتفاق وقت رفع الدعوي ، أو من طريق تنازل أحد الخصوم عن حقه في الاستمساك بالإثبات بالكتابة ، أو كان الاتفاق مقدما قبل قيام النزاع  . ولا نستثني إلا فرضا واحدا : حيث يكون الحق المتنازع عليه معتبراً من النظام العام ، كما إذا وقع نزاع علي الزوجية أو البنوة أو نحو ذلك ، وكان القانون يتطلب طريقا معينا للإثبات ، فلا يجوز للخصوم أن يتفقوا علي طريق آخر ، لأن الحق المدني الذي يراد إثباته من النظام العام ، فيمتنع علي الخصوم أن يحيدوا عن طريق الذي رسمه المشرع لإثبات هذا الحق ، مراعاة للاعتبارات التي لوحظت في جعل الحق من النظام العام  . فالعبرة إذن ليست بقاعدة الإثبات نفسها ، بل بالحق الذي يراد إثباته " ( الموجز فقرة 670 ص 700 – ص 701 )  .

( [600] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذه المسألة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 397 - ص 399 ) وأخص ما ورد في هذه المذكرة صريحا في المعني الذي نقول به ، من أن التقنين الجديد يجيز الاتفاق علي الإثبات بالبينة فيما كان يجب إثباته بالكتابة ، هو ما يأتي : " وقد كان المشرع بين أن يرفع قيمة نصاب البينة وبين أن يجيز الاتفاق علي مخالفة وجوب الإثبات بالكتابة ، ولاسيما بعد أن قضت محكمة النقض بجواز هذه الاتفاق ( نقض مدني 7 أبريل سنة 1938 المجموعة الرسمية 39 ص 481 رقم 188 - ومجموعة أحكام النقض 2 ص 316 رقم 107 )  . وقد رؤي التمشي مع مذهب هذا القضاء  . علي أن أمر الخيار في هذا الشأن لا يزال موكولا للاستحسان ، فليس ثمة ما يحول دون العدول عن هذا المذهب والنص علي رفع نصاب الشهادة ، مع حظر الاتفاق علي خلاف القواعد المتعلقة بالإثبات " وظاهر أن التقنين الجديد اختار الرأي الأول ، فلم يرفع نصاب الشهادة وأباح الاتفاق علي خلاف القواعد المتعلقة بالإثبات  .

( [601] ) وتقع هذه التعديلات الاتفاقية في طرق الإثبات أكثر ما تقع في العقود مع الملتزمين بالمرافق العامة ، من ماء ونور ونقل وتأمين وغير ذلك  . ويلاحظ عند ذلك ذلك أنها تقع في الغالب في عقود إذعان ، فيكون تفسيرها لمصلحة المذعن ، ويجوز أن تكون تعسفية فيبطلها القاضي أو ينتقص منها  .    

( [602] ) ويقول بهذا الرأي الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات ص 20 - ص 22 - انظر أيضا من هذا الرأي الأستاذ حسين المؤمن في نظرية الإثبات جزء 2 في الشهادة ص 674 - ويذهب الأستاذ سليمان مرقس إلي أن المقصود بإمكان الاتفاق علي جواز الإثبات بالبينة وفقا لنص الفقرة الأولي من المادة 400 هو أن يكون هذا الاتفاق بعد قيام النزاع ، حيث يكون الخصم في موقف يسمح له بتقدير ما يتعرض له بقبول الإثبات بالبينة ، أما الاتفاق سلفا علي التحلل من وجوب الإثبات بالكتابة فإن فيه نوعا من المضاربة ، هذا إلي أنه من الصعب تصوره ، وإلي ان التقنين الجديد أشار إلي حكم لمحكمة النقض لم يعرض إلا للاتفاق بعد قيام النزاع ( أصول الإثبات ص 370 ص 373 انظر أيضا الأستاذ عبد الباسط جميعي في نظام الإثبات ص 158 - ص 160 ) ونأخذ علي هذا الرأي أنه يواجه في التقنين الجديد نصا مطلقا لا يميز بين اتفاق تم بعد قيام النزاع واتفاق تم قبل ذلك ، فكلاهما جائز بصريح النص  . أما الغرر الذي يحتج به في حالة الاتفاق قبل قيام النزاع فلم يبلغ من الشأن ما يعيب الاتفاق إلي حد أن يجعله باطلا ، وما أيسر علي الخصم أن يتجنبه إذا خشيه بأن ينبذ أي اتفاق من هذا القبيل  . وليس من الصعب تصور اتفاق علي جواز الإثبات بالبينة قبل قيام النزاع ، ويكفي لتصوره أن نفرض سند الدين مكتوبا وقد نص فيه علي جواز إثبات وفاء الدين بالبينة  . وإذا كانت المذكرة الإيضاحية قد استشهدت بحكم ورد في حالة الاتفاق بعد قيام النزاع ، فذلك لأن واضع هذه المذكرة لم يكن أمامه حكم ورد في الحالة الأخري ، فلم يسعه إلا الاستشهاد بذلك الحكم  . علي أن محكمة النقض ، كما أريناها ، تطلق القول في أن قواعد الإثبات ليست من النظام العام ، ولا تقصر قولها هذا علي حالة دون حالة  .

ويري الأستاذ أحمد نشأت أن المادة 400 من التقنين الجديد جاءت مطلقة ، فسوت بين الاتفاق السابق علي رفع الدعوي والاتفاق اللاحق ، وكلاهما جائز  . ولكنه يري أنه " كان يحسن بالشارع في القانون المدني الجديد أن يفرق بين حالة الرضا صراحة أو دلالة أثناء سير الدعوي وبين حالة الاتفاق مقدما عند التعاقد أو قبل رفع أي دعوي حيث يخشي أن يقصد المتعاقدان المضاربة بالشهود " ( الإثبات 1 ص 99 – ص 100 ) واحتمال المضاربة بالشهود أضعف من أن يقوم مبرراً للخروج علي أصل ثابت في القانون ، هو أن صاحب الحق إذا استطاع التصرف فيه ، فأولي به أن يستطيع تنظيم طريق لإثباته  .   

( [603] ) تاريخ النص : ورد نص المادة 400 من التقنين المدني الجديد في المادة 538 من المشروع التمهيدي علي الوجه الآتي : " 1 - إذا كان الالتزام التعاقدي ، في غير المواد التجارية ، تزيد قيمته علي عشرة جنيهات ، أو كان غير محدد القيمة ، فلا تجوز البينة في إثبات وجود الالتزام أو التخلص منه ، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك  . 2 - ويقدر الالتزام باعتبار قيمته وقت تمام العقد  . ويجوز الإثبات بالبينة إذا كانت زيادة الالتزام علي عشرة جنيهات لم تأت إلا من ضمن الفوائد والملحقات إلي الأصل  . 3 - وإذا اشتملت الدعوي علي طلبات متعددة ، لم يقم علي أيها دليل كتابي ، جاز الإثبات بالبينة في طلب لا تزيد قيمته علي عشرة جنيهات ، حتي لو كانت هذه الطلبات في مجموعها تزيد علي هذه القيمة ، وحتي لو كان منشؤها علاقات بين نفس الخصوم أو عقوداً من طبيعة واحدة  . وكذلك الحكم في كل وفاء تزيد قيمته علي عشرة جنيهات " وفي لجنة المراجعة غيرت عبارة " الالتزام التعاقدي " بعبارة " التصرف القانوني " في الفقرة الأولي ليكون الحكم أكثر دقة ، فلا يتناول العقود فحسب ، بل ينسحب علي سائر التصرفات القانونية ، ولا يخرج من نطاقه إلا الوقائع المادية والتصرفات التجارية  . وأضيفت عبارة " ناشئة عن مصادر متعددة " بعد عبارة " طلبات متعددة فقرة الفقرة الثالثة لتزيد الحكم الوارد فيها وضحا ، كما أدخلت بعض تعديلات لفظية أخري ومنها حذف عبارة " لم يقم علي أيها دليل كتابي " لعدم الحاجة إليها ، فأصبح نص المادة مطابقا تقريبا لما استقر عليه النص في التقنين الجديد ، وأصبح رقمها 413 في المشروع النهائي  . ووافق مجلس النواب علي النص بعد استبدال كلمة " انقضائه " بعبارة " التخلص منه " الواردة في الفقرة الأولي  . ووافقت لجنة مجلس الشيوخ علي المادة دون تعديل ، وأصبح رقمها 400 ووافق عليها مجلس الشيوخ ( مجموع الأعمال التحضيرية 3 ص 393 و ص 400 - ص 401 )  .

( [604] ) تاريخ النص : ورد نص المادة 401 من التقنين المدني الجديد في المادة 539 من المشروع التمهيدي علي وجه مطابق تقريبا  . ,أضافت لجنة المراجعة عبارة " ولو لم تزد القيمة علي عشرة جنيها " في صدور المادة ، فأصبحت مطابقة لما استقر عليه النص ، وأصبح رقم المادة 414 في المشروع النهائي  . ووافق عليها مجلس النواب ، ثم لجنة مجلس الشيوخ تحت رقم 401 ، ثم مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 402 و ص 404 )  .        

( [605] ) وكانت المادة 215 / 280 من التقنين المدني السابق تنص علي ما يأتي : " في جميع المواد ، ما عدا التجارية ، إذا كان المدعي به عبارة عن نقود أو أوراق تزيد قيمتها عن ألف قرش ديواني أو غير مقدرة ، فالأخصام الذين لم يكن لهم مانع منعهم من الاستحصال علي كتابة مثبتة للمدين أو للبراءة لا يقبل منهم الإثبات بالبينة ولا بقرائن الأحوال  .

وكانت المادة       216 / 281 تنص علي ما يأتي : " إنما لهم استجواب الخصم علي حسب القواعد المقررة في قانون المرافعات للاستحصال علي إقراره أو تكليفه باليمين "  .

ولا فرق في الأحكام ما بين نصوص التقنين الجديد ونصوص التقنين القديم ، غير أن النصوص الأولي أدق صياغة وأكثر تفصيلا ، لاسيما في تحديد أن المراد هو التصرف القانوني دون الواقعة المادية ، وفي عدم قصر محل التصرف علي النقود والأوراق ، وفي كيفية تقدير قيمة التصرف القانوني في الصور المختلفة التي يغلب وقوعها في العمل علي وجه يخالف في بعض هذه الصور التقنين المدني الفرنسي كما سنري  .

( [606] ) نصوص التقنينات المدنية العربية الأخري : قانون البينات السوري م 52 : يجوز الإثبات بالشهادة في الالتزامات غير التعاقدية  . م 53 : في الالتزامات التعاقدية يراعي في جواز الإثبات بالشهادة وعدم جوازه الأحكام الآتية  . م 54 : 1 - إذا كان الالتزام التعاقدي في غير المواد التجارية تزيد قيمته علي مائة ليرة أو كان غير محدد القيمة ، فلا تجوز الشهادة في إثبات وجود الالتزام أو البراءة منه ، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك  . أما في الالتزامات التجارية إطلاقا وفي الالتزامات المدنية التي لا تزيد قيمتها علي مائة ليرة فيجوز الإثبات بالشهادة  . والباقي من النص يطابق تقريبا الفقرتين 2 و 3 من المادة 400 من التقنين المدني المصري م 55 : تطابق تقريبا نص المادة 401 من التقنين المدني المصري  . ونري من ذلك ألا خلاف في الأحكام ما بين القانون السوري والتقنين المصري ، حتي في نصاب البينة ، فهو مائة ليرة في القانون السوري ، ويعادل تقريبا عشرة جنيهات مصرية  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبناني م 241 : إن العقود أو غيرها من الأعمال القانونية التي يقصد بها إنشاء موجبات وحقوق أو انتقالها أو إسقاطها لا يجوز إثباتها بالبينة الشخصية إذا كانت قيمتها تتجاوز خمسا وخمسين ليرة لبنانية سورية ، بل يجب أن ينشأ لها سند لدي الكاتب العدل أو سند ذو توقيع خاص م 242 : تقبل البينة الشخصية : ( 1 ) في المواد التجارية  . ( 2 ) إذا كان ما يراد إثباته ليس عملا قانونيا بل مجرد فعل مادي كالجرم أو شبه الجرم أو شبه العقد  . وليس العمل القانوني الذي يعقد بين شخصين أو عدة أشخاص إلا فعلا ماديا بالنظر إلي الأشخاص الآخرين الذين لا علاقة لهم به ، فيجوز لهؤلاء أن يثبتوه علي هذا الوجه  . ( 3 )  .  .  . م 243 : في الدعاوي التي تزيد قيمتها عن خمس وخمسين ليرة لبنانية سورية  . تبقي البينة الشخصية غير مقبولة فيها وإن تكن قيمة المطلوب تقل عن هذا المبلغ  . وعليه فإن طلب مبلغ يقل عن خمس وخمسين ليرة لبنانية سورية لا يجوز إثباته بالبينة الشخصية إذا كان هذا المبلغ بقية أو جزءاً من دين تزيد قيمته علي خمس وخمسين ليرة لبنانية سورية ولم يثبت بسند خطي م 244 : يجب أن تقدر قيمة الدعوي بالنظر إلي الزمان والمكان اللذين تم فيهما العمل القانوني م 245 : إذا كانت القيمة المتنازع عليها تزيد عل خمس وخمسين ليرة لبنانية سورية ، فلا يجوز للمدعي أن يجزيء طلبه ، ولا أن يتنازل عن قسم من دينه ، ليجعل قيمته أقل من خمس وخمسين ليرة لبنانية سورية ، إذ أن العبرة لقيمة الحق المتنازع عليه لا لقيمة الطلب - م 246 : إذا كان للمدعي علي المدعي عليه عدة حقوق متميزة أصلا وسببا ، وكانت قيمة كل منها تنقص عن خمس وخمسين ليرة لبنانية سورية مع أن قيمة المجموع تزيد علي هذا المبلغ ، فإن البينة الشخصية تقبل من المدعي ولو أقام دعوي واحدة للمطالبة بحقوقه المتعددة  . ( وأحكام التقنين اللبناني تتفق مع أحكام التقنين المصري ، بالرغم مما بينهما من اختلاف في الصياغة والأسلوب والألفاظ  . غير أن نصاب البينة في التقنين اللبناني     هو خمس وخمسون ليرة لبنانية سورية ، وقيمتها أقل من عشرة جنيهات مصرية )  .

التقنين المدني العراقي : المواد 486 إلي 496 تطابق تقريبا نصوص قانون البينات السوري ، وتقرب كثيراً من نصوص التقنين المدني المصري  . ولا تختلف أحكام هذه المواد عن أحكام التقنين المصري ، حتي في نصاب البينة ، فهو عشرة دنانير في التقنين العراقي ، وهي قيمة تساوي تقريبا عشرة جنيهات مصرية  .

التقنين المدني للمملكة المتحدة الليبية م 387 : مطابقة للمادة 400 من التقنين المدني المصري - م 388 : مطابقة للمادة 401 من التقنين المدني المصري  . فالأحكام في التقنينين إذن واحدة ونصاب البينة هو عشرة جنيهات ليبية وتساوي تقريبا عشرة جنيهات مصرية  .

( [607] ) التقنين المدني الفرنسي : م 1341 سبق إيرادها - م 1342 : تسري القاعدة المتقدمة ( ضرورة الإثبات بالكتابة ) في حالة ما إذا اشتملت الدعوي ، فوق المطالبة بالأصل ، علي المطالبة بالفوائد ، وكان الأصل مضموما إليه الفوائد يزيد علي خمس آلاف فرنك ( يخالف هذا الحكم الفقرة 2 من المادة 400 من التقنين المدني المصري ) - م 134 : إذا طالب شخص بما يزيد علي خمس آلاف فرنك ، فلا يجوز له الإثبات بالبينة حتي لو أنقص طلبه الأصلي ( يوافق هذا الحكم حرف ( جـ )  من المادة 401 من التقنين المدني المصري ) - م 1344 : لا يجوز الإثبات بالبينة في طلب ولو قل عن خمسة آلاف فرنك ، إذا ظهر أن هذا الطلب هو الباقي أو هو جزء من حق أكبر لم يثبت بالكتابة ( يوافق هذا الحكم حرف ( ب ) من المادة 401 من التقنين المدني المصري ) - م 1345 : إذا اشتملت الدعوي علي طلبات متعددة ، لم يقم علي أيها دليل كتابي ، وكان مجموع هذه الطلبات يزيد علي خمسة آلاف فرنك ، فلا يجوز الإثبات بالبينة ، حتي لو قرر المدعي أن هذه الطلبات تولدت من مصادر متنوعة ونشأت في أوقات مختلفة ، إلا أن تكون حقوقا انتقلت إليه بطريق الميراث أو الهبة أو غير ذلك من أشخاص متعددين( يخالف هذا الحكم حكم الفقرة 3 من المادة 400 من التقنين المدني المصري ) - م 1346 : جميع الطلبات التي ليس عليها دليل كتابي كامل ، أيا كان مصدرها ، يجب ضمها في دعوي واحدة  . ولا يقبل بعد ذلك أي طلب لا يكون عليه دليل كتابي( يخالف هذا الحكم أحكام القانون المصري )  .

( [608] ) وكان التقنين المدني السابق ( م 363 / 446 ) يوجب أن يكون إثبات عقد الإيجار بالكتابة ولو لم تجاوز قيمته عشرة جنيهات  . هذا أما الهبة والرهن الرسمي والوقف وبيع السفينة فتصرفات شكلية ، الكتابة فيها لانعقاد التصرف لا لمجرد إثباته  .

( [609] ) وغني عن البيان ان التصرف القانوني ، إذا كانت الكتابة واجبة في إثباته ، يثبت أيضا في هذه الحالة بالإقرار وباليمين ( استئناف مختلط 6 يونية 1889 م 1 ص 168 - 13 فبراير سنة 1890 م 2 ص 231 - 7 يناير سنة 1891 م 3 ص 106 - 2 يناير سنة 1896 م 8 ص 67 - 6 فبراير سنة 1896 م 8 ص 215 - أول أبريل سنة 1897 م 9 ص 255 - 19 ديسمبر سنة 1922 م 35 ص 111 - 29 ديسمبر سنة 1923 م 36 ص 109 - 27 مايو سنة 1924 م 36 ص 387 - 8 مايو سنة 1930 م 42 ص 485 - 13 ديسمبر سنة 1939 م 52 ص 47  .       

( [610] ) أما التصرف المدني ، ولو كان بين تاجرين ، فيدخل في القاعدة ( استئناف مختلط 13 مايو سنة 1930 م 42 ص 493 - 14 مارس سنة 1934 م 46 ص 212 )  .

( [611] ) أما الوديعة الاضطرارية فتثبت بجميع الطرق لوجود المانع من الكتابة ، وسيأتي بيان ذلك  . وفي خصوص الوديعة الاختيارية ، يلاحظ أن المادة 1341 من التقنين المدني الفرنسي ذكرتها صراحة  . والسبب في ذلك أن أمر مولان ( Moulin ) الذي سبقت الإشارة إليه كان عاما يشمل الوديعة وغيرها من التصرفات ، ولكن لما كان المودع عنده شخصا متفضلا يتبرع عادة بحفظ الوديعة ، فيتحرج المودع أن يطالبه بوثيقة مكتوبة لإثبات الوديعة ، فقد قيل في ذلك الوقت إن الوديعة لا يلزم في إثباتها الكتابة ، فجاء أمر سنة 1667 يذكرها صراحة علي أنها داخلة في القاعدة وأن الكتابة لإثباتها واجبة ، حتي يزيل هذا اللبس  . وانتقل هذا النص الصريح إلي المادة 1341 ( بوتييه في الالتزامات فقرة 787 - بودري وبارد 4 فقرة 2523 )  .

( [612] ) وقد قضت محكمة النقض بأن الاستبدال ( التجديد ) حقيقة قانونية إن صح القول فيها بأنها لا تفترض كما نص علي ذلك في المادة 1273 من القانون الفرنسي ، فهي من الحقائق المركبة التي كما يمكن إثباتها بالكتابة الصريحة يصح إثباتها بطريق الاستنتاج كمبدأ الإثبات بالكتابة تعززه القرائن وظروف الأحوال  المؤيدة له ( نقض مدني 27 مايو سنة 1937 المجموعة الرسمية 38 رقم 10 ص 12 )  .

( [613] ) وكذلك الإبراء في التقنين المدني السابق ، إذ كان يتم بالاتفاق ، لا بالإرادة المنفردة كما هو الأمر في التقنين المدني الجديد  .       

( [614] ) وقد قدمنا أنه إذا كان التعبير عن الإرادة في العقد يستخلص من وضع مادي ، وجب التمييز بين التعبير عن الإرادة في ذاته ، ويكفي فيه هذا الوضع المادي ، وبين إثبات هذا التعبير ، ولا يجوز إلا بالكتابة فيما يجاوز النصاب  . ومن ذلك القسمة ، والهبة اليدوية والوكالة الضمنية ( بيدان وبرو 9 فقرة 1259 ص 340 - ص 341 وأحكام القضاء الفرنسي التي أشير إليها في هذا المرجع - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1517 )  .    

( [615] ) لا رومبيير 6 م 1341 فقرة 6 - ديمولومب 30 فقرة 14 - لوران 19 فقرة 406 - هيك 8 فقرة 28 - أوبري ورو 12 فقرة 762 هامش رقم 1 - بودري وبارد 4 فقرة 2522 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1517 - بيدان وبرو 9 فقرة 1259 ص 340 - وقد ورد عكس ذلك خطأ في الموجز ص 698  .

هذا وقد قدمنا ، في تاريخ نص المادة 400 ، أن المشروع التمهيدي كان يتضمن عبارة " الالتزام التعاقدي " ، فغيرت هذه العبارة في لجنة المراجعة بعبارة " التصرف القانوني " حتي يتناول الحكم ، لا العقود فحسب بل ينسحب أيضا علي سائر التصرفات القانونية ، ولا يخرج من نطاقه إلا الوقائع المادية والتصرفات التجارية  . وكان المشروع الأولي للإثبات ( م 23 ) يذكر عبارة " التصرف القانوني " ، التي عدل عنها إلي عبارة " الالتزام التعاقدي " في المشروع التمهيدي ، ثم صححت العبارة في المشروع النهائي كما تقدم القول ( انظر في هذه المسألة الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات ص 352 هامش رقم 2 )  .

وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " ويشترط لتطبيق الحكم الوارد في المادة 538 من المشروع توافر شرطين " يتعلق أولهما بطبيعة التصرف الذي يجري إثباته ، ويتصل الثاني بقيمة هذا التصرف  . ويراعي بالنسبة للشرط الأول ، وهو الخاص بطبيعة التصرف ، أن التقنين الفرنسي ( م 1341 ) قد استعمل في معرض بيان هذه الطبيعة عبارة " كل شيء " وأن التقنين المصري ( السابق ) قد جعل من اصطلاح " جميع المواد " بديلا من هذه العبارة ، في حين اقتصر المشروع الفرنسي الإيطالي علي ذلك " العقود "  .وقد آثر المشروع الإفصاح عن مراده ، فصرف النص إلي " جميع الالتزامات التعاقدية " ( ثم عدلت بعد ذلك في لجنة المراجعة فصارت " التصرف القانوني " )  .علي أن الفقه والقضاء في مصر متفقان علي أن عبارة النص لا تتناول العقود فحسب ، بل ينسحب حكمها علي سائر التصرفات القانونية ، فلا يخرج من نطاقها إلا الوقائع القانونية  . وغني عن البيان أن التصرف القانوني ينصرف إلي كل تعبير عن الإرادة يقصد منه إلي ترتيب أثر قانوني  . وهو بهذه المثابة لا يقتصر علي العقود فحسب ، بل يشمل الإرادة المنفردة كالإيجاب والقبول والتنازل عن حق الوفاء والإجازة وبديهي أن صاحب القح لا يعني بتهيئة الدليل وقت انعقاد التصرف القانوني ما لم يكن قد قصد منه إلي ترتيب آثار قانونية لصالحه  . أما الوقائع القانونية ، وهي التي يستقل القانون بترتيب آثارها ويلتزم محدثها دون أن يسعي إلي ذلك ، فمن المستحيل في الأصل أن يهيأ دليل كتابي بشأنها ولذلك أبيح إثبات هذه الوقائع بالبينة ، سواء أكانت منشئة لأشباه عقود أو جنح  . وتستخلص من ذلك نتيجتان : أ - ( أولاهما ) أن الوقائع المادية لا ينبغي أن تذكر بين الاستثناءات التي ترد علي الحكم المتقدم ذكره ، لأن هذا الحكم لا يسري بشأنها  . وقد حاد التقنين الفرنسي والتقنين الإيطالي ( م 1384 ) عن جادة المنطق بإزاء الالتزامات الناشئة عن أشباه العقود والجنح وأشباه الجنح ، بوصفها أمثلة لهذه الاستثناءات  . ب - ( والثانية ) يدخل في الاستثناء التصرفات القانونية غير المعينة القيمة ( انظر المادة 215 / 280 من التقنين المصري ) والتصرفات القانونية التي أوجب القانون بالنص إثباتها بالكتابة " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 396 - 397 )  .

( [616] ) محكمة أسيوط الكلية ( دائرة استئنافية ) 17 ديسمبر سنة 1901 المجموعة الرسمية 4 رقم 8 - محكمة ملوي 6 فبراير سنة 1905 المجموعة الرسمية 6 رقم 119  .        

( [617] ) ويميز القضاء الفرنسي بين التصرف القانوني في ذاته وبين مشتملاته  . فمتي ثبت التصرف القانوني بالدليل الواجب قانونا ، أمكن إثبات مشتملاتة بالبينة وبالقرائن  . ويقول بيدان وبرو ( 9 فقرة 1264 ) أن الأمر واضح إذا ثبت التصرف بإقرار المدين أو إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة فإن يمكن حينئذ تكملة الدليل – بإثبات المشتملات - بالبينة وبالقرائن أما إذا ثبت التصرف بالدليل الكتابي الكامل ، فكيف يمكن إثبات المشتملات المادية ( contrnu materiel ) للورقة المكتوبة ، وهذه لا يجوز إثبات ما يخالفها أو يجاوزها إلا بالكتابة ، والمشتملات المعنوية ( contenu intellectual ) أي تفسير المشتملات المادية وتحديد مداها ، فهذه يمكن إجراؤها بالبينة وبالقرائن ( بيدان وبرو 9 فقرة 1264 ص 347 )  .  

( [618] ) ورفع النصاب أيضا ،بقانون 23 فبراير سنة 1949 إلي عشرة آلاف من الفرنكات فيما يتعلق بالمدفوعات التي تقوم بها الدولة والأشخاص المعنوية العامة  . هذا وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ، استعراضا للقيم المتفاوتة للنصاب في التشريعات المختلفة ، ما يأتي : " أما الشرط الثاني فهو يتعلق بالقيمة التي تعتبر نصابا للشهادة  . وقد حدد التقنين الفرنسي والتقنين البلجيكي هذه القيمة بمائة وخمسين فرنكا ، وحددها التقنين الإيطالي بخمسمائة ليرة  . ثم زيدت إلي خمسمائة فرنك بمقتضي القانون الصادر في سنة 1928 في فرنسا ، وإلي ألفين من الفرنكات بمقتضي القانون الصادر في سنة 1938 في لبجيكا ، وإلي ألفي ليرة بمقتضي المرسوم الصادر في 20 سبتمبر سنة 1922 في إيطاليا  . وجعلها المشروع الفرنسي الإيطالي ( م 293 ) ألفي ليرة أو فرنك  . والواقع أن هبوط قيمة النقد أفضي في الدول التي حددت نصاب الشهادة بمبلغ مائة وخمسين فرنكا إلي الحيلولة دون تطبيق الأحكام المتعلقة     بالإثبات بالبينة عملا  . ولم يبلغ ما طرأ علي قيمة النقد المصري من التغيير مبلغ ما أصاب النقد في أوروبا ، ولهذا لم ير المشرع وجهما لرفع نصاب الإثبات بالبينة " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 397 ) وقد رأينا أن لجنة المراجعة ، بالرغم مما جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ، قد فكرت في رفع نصاب البينة إلي عشرين جنيها ، ولكنها عدلت عن ذلك للاعتبارات التي قدمناها  .

( [619] ) كذلك إذا تمسك أحد المتعاقدين بفسخ العقد مطالبا بتعويض لا يجاوز النصاب وطلب الإثبات بالبينة ، جاز للمتعاقد الآخر أن يعارض في تقدير التعويض ، وأن يتمسك بأنه حتي لو ثبت وجود العقد ، فإن التعويض يجاوز النصاب فلا يجوز إثباته إلا بالكتابة  . أما إذا طالب المدعي بقيمة شرط جزائي يقول إنه لا يجاوز النصاب ، فلا يجوز للمدعي عليه أن يعارض في صحة هذه القيمة وإلا كان مسلما بوجود العقد  . فلا مناص إذن من التسليم مؤقتا بقول المدعي وإحالة الدعوي علي التحقيق لإثبات قيمة الشرط الجزائي ، فإن تبين من التحقيق أن القيمة تزيد علي النصاب لم تقبل البينة في إثباته ( أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 626 وهامش رقم 33 )  .

والعبرة بقيمة ما يبقي في ذمة المتعهد وقت التزامه  . فإذا تم البيع بثمن قدرة عشرون جنيها دفع نصفه فوراً ، فالعبرة بالنصف      الذي يبقي في ذمة المشتري وقت العقد لا بكل الثمن ، لأن هذا النصف فقط هو الذي كان يخشي إنكاره وكان ينبغي الاحتياط لإعداد الدليل عليه ( بودري وبارد 4 فقرة 2532 - الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات ص 355 )  .

وفي إثبات عقد الرهن تكون العبرة بقيمة الشيء المرهون لا بقيمه القرض ( جنح مصر المختلطة 2 أغسطس سنة 1938 المحاماة 20 رقم 148 ص 397 - الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة ص 204 هامش رقم 1 - عكس ذلك : محكمة الإسكندرية الوطنية 26 يونية سنة 1929 المحاماة 10 رقم 96 ص 186 )  .

وفي إثبات عقد الكفالة تكون العبرة بالمبلغ المكفول  . وقد قضت محكمة تمييز العراق بأن الكفالة تتبع في أمر إثباتها أصل المبلغ المكفول به ، فإن كان مما تجوز الشهادة فيه قبلت ، وإلا فلا ( القرار المرقم 1010 / ص / 1948 مجلة القضاء 6 عدد 1 و 2 ص 105 - الأستاذ حسين المؤمن في نظرية الإثبات جزء 2 في الشهادة ص 399 )  .

( [620] ) الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات ص 355 - ص 356  .         

( [621] ) ومثل ذلك أيضا إيداع مستندات غير محددة القيمة ، كشهادة طبية أو دبلومات علمية ( الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات ص 354 وهامش رقم 3 - قارن استئناف أهلي 27 يناير سنة 1914 الشرائع 1 رقم 185 ص 332 )  . ومثل ذلك أخيراً حق الشخص في البناء علي أرض ، فهو غير محدد القيمة ، ولو كانت الأرض لا تزيد قيمتها علي عشرة جنيهات ( قارن بودري وبارد 4 فقرة 2526 ص 221 هامش رقم 4 )  .

( [622] ) انظر في الدفاع عن هذا المبدأ في القانون الفرنسي أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 319 هامش رقم 24  .     

( [623] ) وكانت المادة 215 / 280 من التقنين المدني السابق تنص علي أنه " إذا كان المدعي به " وهذه العبارة توهم أن العبرة بالقيمة وقت المطالبة  . ولكن النص كان يفسر ، مع ذلك ، بأن العبرة بالقيمة وقت صدور التصرف  . وقد تجنب النص الفرنسي لهذه المادة اللبس الذي وقع فيه النص العربي ، فقد كان يجري علي الوجه الآتي :

Quand il s agira de sommes ou valeurs superieures a 1000 P  .T…

( [624] ) قارن الموجز للمؤلف ص 699 ولم يكن في التقنين المدني السابق نص يماثل الفقرة الثانية من المادة 400 من التقنين المدني الجديد ، فكان الفقه يميل إلي الأخذ بحكم القانون الفرنسي ، وسنري أن هذا الحكم يقضي بضم الملحقات والفوائد لحساب نصاب البينة فإذا اعتبرنا أن التقنين الجديد قد استحدث الحكم القاضي بعدم الضم ، فإن هذا الحكم الجديد لا يسري إلا علي التصرفات التي نشأت منذ 15 من أكتوبر سنة 1949 تاريخ سريان التقنين الجديد  .        

( [625] ) ديرانتون 8 فقرة 319 - لارومبيير 5 م 1342 فقرة 1 - أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 321 وهامش رقم 27 - بودري وبارد 4 فقرة 2543  .

وفي القانون المدني الفرنسي ، إذا كان هناك شرط جزائي عن التأخير ، ضم إلي الأصل في حساب النصاب لأنه كان معروفا منذ صدور التصرف  . أما التعويض عن التأخير الذي يقدره القاضي فلا يضم إلي الأصل ، لأنه لا يكون معروفا وقت صدور التصرف ( أوبري ور 12 فقرة 762 ص 322 هامش رقم 30 - بودري وبارد 4 فقرة 2544 )  .

( [626] ) قارن الأستاذ أحمد نشأت 1 فقرة 59 - وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " وتعرض الفقرة الثانية لتقدير قيمة الالتزام عند الإثبات  . ويراعي أن التقنين الفرنسي ( الماود 1342 - 1345 ) والتقنين الإيطالي ( المواد 1342 - 1346 ) والمشروع الفرنسي الإيطالي تناولت جميعا بيان الأحكام التي تتبع في تقدير قيمة الالتزام الذي يراد إقامة الدليل بشأنه  . بيد أن التقنين الفرنسي والتقنين الإيطالية والتقنين الهولندي تقرر جميعا إضافة الفوائد إلي أصل الدين عند تقدير قيمة النزاع ، بينما ينص المشروع الفرنسي الإيطالي علي جواز الإثبات بالبينة حيث لا تجاوز هذه القيمة نصاب الشهادة إلا من جراء إضافة الفوائد إلي أصل الدين  . وغني عن البيان أن النص الوارد في هذا المشروع يعتبر أدني إلي العقل والمنطق ، لأن تقدير وجوب الحصول علي دليل كتابي مهيأ ينبغي أن يناط بقيمة التصرف عند انعقاده  . ولذلك نصت الفقرة الثانية من المادة 538 من المشروع علي قاعدة وجوب الرجوع إلي قيمة الالتزام وقت تمام التعاقد ، فجعلت بذلك أصل الدين دون الملحقات مناطا للتقدير  . ويلاحظ أن هذه الفقرة تتمشي مع نصوص المادة 30 / 28 من تقنين المرافعات المصري الخاصة بتقدير قيم الدعاوي لتعيين الاختصاص النوعي " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 399 )  . هذا ويلاحظ أن المادة 30 من تقنين المرافعات الجديد تقضي بأنه " في الأحوال التي يبين فيها القانون اختصاص المحكمة علي أساس قيمة موضوع الدعوي ، تقدر هذه القيمة باعتبارها يوم رفع الدعوي ، ويدخل في التقدير ما يكون مستحقا يومئذ من الفوائد والتضمينات والمصاريف وغيرها من الملحقات المقدرة القيمة "  . وضم الملحقات إلي الأصل في تقدير قيمة الدعوي يوم رفعها أمر معقول ما دامت الملحقات مقدرة القيمة ، ففي يوم رفع الدعوي يقدر المدعي قيمة ما يدعيه  . أما في الإثبات ، فالدائن يقدر قيمة ما يدعيه يوم صدور التصرف القانوني لا يوم رفع الدعوي ، فينبغي الوقوف عند التاريخ الأول دون الثاني في معرفة ما إذا كان الدليل الكتابي لازما أو غير لازم  .

هذا ولا يعيب القاعدة التي رسمها التقنين المدني الفرنسي من ضم الملحقات إلي الأصل في حساب النصاب أنها عسيرة التطبيق ، فتطبيقها غير عسير ، كما رأينا ، ما دامت الملحقات التي تضم إلي الأصل معلومة المقدار وقت صدور التصرف  . ولكن الأيسر عدم الضم ، فتتقي صعوبات من نحو حساب الشرط الجزائي وعدم حساب التعويض القضائي في النصاب  . ثم إن قاعدة عدم الضم ، كما بينا ، تعالج بعض الشيء انخفاض المستوي في نصاب البينة ( انظر في هذه المسألة الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات ص 359 هامش رقم 1 - وقارن الأستاذ أحمد نشأت في لإثبات فقرة 59 ص 59 )  .      

( [627] ) أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 319 - ص 320 أما إذا كانت الشركة غير متنازع في وجودها ، فالعبرة بالمبلغ المطلوب  . وقد قضت محكمة بني سويف الجزئية بأنه إذا طالب الشريك شريكه بمبلغ لا يزيد علي ألف قرش باق من حساب شركة ، جاز له إثباته بالبينة ، ولو كان رأس مالها يزيد علي ذلك ، متي كانت الشركة غير متنازع في وجودها ، لأن الإثبات بالبينة في هذه الحالة تنحصر فائدته في مبلغ لا يزيد علي الألف قرش ( 17 أبريل سنة 1900 المجموعة الرسمية 1 ص 296 )  .

ويقع أن يشترك عدد من الأشخاص في شراء " أوراق النصيب " ، والثمن لا يجاوز النصاب عادة ، ولكن الربح المأمول من الورقة يزيد كثيراً علي النصاب  . فهل العبرة في إثبات الشركة بثمن الورقة فيجوز الإثبات بالبينة وبالقرائن ، أو بالربح المأمول فلا يجوز الإثبات إلا بالكتابة؟ يذهب الستاذ بلانيول ( 2 فقرة 1127 ) إلي أن العبرة بثمن الورقة  . وانظر في هذا المعني : نقض فرنسي جنائي 2 أغسطس سنة 1937 سيريه 1941 - 1 - 161 - مونبيلييه 25 أبريل سنة 1937 داللوز الأسبوعي 1937 - 414 - محكمة سيدان الابتدائية 10 يولية سنة 1934 سيريه 1945 - 2 - 24 بيدان وبرو 9 فقرة 1262 - والصحيح في رأينا أن ثمن الورقة ليس هو محل الشركة ، بل محل الشركة هو الربح المأمول ، فالعبرة به في الإثبات ، ولا يجوز إذن إثبات الشركة في ورقة النصيب إلا بالكتابة  . وقد قضت محكمة استئناف مصر بجواز إثبات الشركة بالبينة وجعلت العبرة بثمن الورقة – في قضية الشركة في ورقة النصيب التي ربحت عمارة المواسة المشهورة - ولكن محكمة النقض نقضت هذا الحكم ، وقضت بأن العبرة تكون بالربح المأمول لا بثمن الورقة ، فإثبات الشركة في الورقة يكون بالكتابة وجاء في أسباب حكمها ما يأتي : " إذا كان المتعاقدون قد رموا باتفاقهم إلي غرض معين وتحقق لهم لهذا الغرض بالفعل ، ثم تنازعوا بعد ذلك علي الاتفاق ذاته من حيث وجوده ، فإن العبرة في تقدير قيمة النزاع في صدد تطبيق قواعد الإثبات تكون بقيمة ذلك الغرض ولو كانت قيمة ما ساهم فيه المتعاقدون جميعهم مما يجوز الإثبات فيه بالبينة  . ولما كان الغرض من أوراق النصيب التي تصدرها الجمعيات الخيرية هو استفادة هذه الجمعيات بجزء من المبالغ التي تجمع لتنفقها في الوجه النافعة ، ثم فوز مشتري تلك الأوراق بالجوائز المسماة فيها ، كان كل من يشتري ورقة مساهما في الأعمال الخيرية وفي الجوائز التي تربحها الأوراق المسحوبة بنسبة ما دفعه من ثمن  . وبهذا تعتبر الجائزة مساهمة من صاحب الورقة ببعض ما دفعه ومن المشترين ببعض ما دفعوه ، وهم جميعا راضون من باديء الأمر بأن يجعلوا هذه المساهمة عرضة للتضحية مقابل الأمل في الربح  . وهذا يترتب عليه أن الورقة الرابحة بمجرد إعلان نتيجة السحب تنقلب صكا بالجائزة التي ربحتها ، ويكون من حق حاملها أن يطالب بالجائزة نقوداً كانت أو عينا معينه  . وإذن فالجائزة في الواقع هي موضوع التعاقد والغرض الملحوظ فيه عند مشتري الورقة وعند الهيئة التي أصدرت ورق النصيب علي السواء  . أما الورقة الرابحة فهي سند الجائزة ومظهرها الوحيد ، فلا تكون الجائزة مستحقة إلا بها  . والقيمة المدفوعة ثمنا لها لا يكون لها عندئذ وجود ، إذ هي قد صارت مستهلكة في الجوائز وفي الأغراض التي من أجلها أصدرت أوراق النصيب  . ولما كانت أوراق النصيب غير اسمية ، فإن الورقة الرابحة تكون سنداً لحامله بالجائزة وإذ كانت العبرة في ملكية السندات التي من هذا النوع هي الحيازة ، فإن صاحب الحق في المطالبة بالجائزة هو من تكون بيده الورقة الرابحة  . فإذا ما ادعي غيره استحقاق الجائزة كلها أو بعضها فإنه ، في غير حالتي السرقة والضياع ، يتعين اعتبار القيمة المطلوبة ، لا بالنسبة للمحكمة المختصة فقط ، بل بالنسبة إلي قواعد الإثبات أيضا ، بحيث إذا كانت قيمة المدعي به تزيد علي ألف قرش كان الإثبات بالكتابة عملا بالمادة 215 مدني ( م 400 جديد ) ( نقض مدني 14 نوفمبر سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 303 ص 954 )  . انظر في هذه القضية الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 61 - والأستاذ سليمان مرقس في أصولل الإثبات ص 359 هامش رقم 1  . وانظر عكس هذا الرأي الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة ص 206 هامش رقم 1  .       

( [628] ) ديمولومب 30 فقرة 35 - لوران 19 فقرة 452 - أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 320 - بودري وبارد 4 فقرة 2531 وإذا وقع دائن المستخدم حجزاً علي ما يستحقه المستخدم من الأجر تحت يد رب العمل ، جاز إثبات المستخدم اليومي بالبينة ما دام لا يجاوز نصابها ، وما دام عقد الاستخدام ذاته غير متنازع فيه ، حتي لو كان المبلغ المحجوز عليه يزيد علي نصاب البينة ( بارتان علي أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 320 )  .

( [629] ) وهذا الحكم يتفق مع حكم التقنين المدني الفرنسي في المادة 1344 - وكان الفقه الفرنسي يجيز الإثبات بالبينة إذا كان الجزء من الحق هو الباقي من هذا الحق ، وكان لا يجاوز نصاب البينة ، لأن الدائن لم يعتمد علي البينة في أكثر من هذا النصاب ( بودري وبارد 4 فقرة 2532 - انظر أيضا الموجز للمؤلف ص 699 ) - ولو كان مبلغ القرض عشرين جنيها ، ومات المقترض عن أربعة من الورثة ، فانقسم الدين عليهم ( في القانون الفرنسي ) وصار نصيب كل منهم فيه لا يزيد علي نصاب البينة ، فإن الإثبات في هذه الحالة لا يجوز أن يكون بالبينة أو بالقرائن ( ديمولومب 30 فقرة 46 - لوران 19 فقرة 445 - هيك 8 فقرة 284 - أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 317 هامش رقم 17 - بودري وبارد 4 فقرة 2533 )  . ولو أن قرضا مقداره عشرون جنيها ، سدد المقترض منه عشرة ، ثم تعهد تعهداً جديداً بدفع العشرة الباقية ، فإن هذا التعقد الجديد - ولا تزيد قيمته علي عشرة جنيهات – يجوز إثباته بالبينة وبالقرائن ( أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 317 هامش رقم 19 )  .

هذا وتقضي المادة 43 من تقنين المرافعات الجديدة بأنه " إذا كان المطلوب جزاء من حق ، قدرت الدعوي بقيمة هذا الجزء ، إلا إذا كان الحق كله متنازعا فيه ولم يكن الجزء المطلوب باقيا منه فيكون التقدير باعتبار قيمة الحق بأكمله "  . وغني عن البيان أن طريقة تقدير قيمة الدعوي بالنسبة إلي الاختصاص النوعي تختلف عن طريقة تقديرها بالنسبة إلي الإثبات ، إذ أن الغاية من كل من التقديرين مختلفة  . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " أما الحالتان الأخريان اللتان تكفل النص ببيانهما فيقتضيان شيئا من التفصيل : فالتقنين الفرنسي ( م 1342 - 1345 ) والمشروع الفرنسي الإيطالي ( م 294 - 297 ) عينا طريقة تقدير الالتزام ، حتي تتيسر مراعاة النصاب الذي لا يجوز قبول الإثبات بالبينة في حدوده  . ولم ينص التقنين المدني المصري علي هذه الطريقة ، ولكن تقنين المرافعات ( م 30 / 28 ) عين طريقة تقدير الدعاوي بالنسبة للاختصاص  . وليس يجوز الاعتماد علي تلك الطريقة في هذا الصدد لأن الغاية من التقدير مختلفة ، ولا أدل علي ذلك من مقارنة أحكام التقدير الخاصة بالإثبات بنظيرها فيما يتعلق بالاختصاص : ( أ ) فأحكام الإثبات تختلف عن أحكام الاختصاص فيما يتعلق بالاجتزاء  . فإذا اجتزأ المدعي من دعواه بالمطالبة بعشرة جنيهات امتنع الإثبات بالبينة ، وثبت الاختصاص للقاضي الجزئي  . علي أن هذا الاختصاص لا يجعل الإثبات بالبينة جائزاً أمام القاضي الجزئي ، لأن مناط التقدير في الإثبات هو قيمة الالتزام بأكمله وقت نشوئه ( ب ) ثم إن أحكام الإثبات تختلف عن أحكام الاختصاص فيما يتعلق بالبقية الباقية  . فالأصل ، سواء فيما يتعلق بالاختصاص أو فيما يتعلق بالإثبات أن تقدير الطلب يناط بقيمة الالتزام بأسره دون تجزئة أو تبعيض  . ولكن الاختصاص يثبت للقاضي الجزئي إذا كان المطالب به هو البقية الباقية من دين متي كانت هذه البقية داخلة في حدود اختصاص ، رغم أن الدين بتمامه يجاوز هذه الحدود - أما الإثبات بالبينة فلا يجوز علي نقيض ذلك ، ولو كانت البقية الباقية من الدين أقل من عشرة جنيهات ، متي كان أصل الدين بأسره يجاوز هذا القدر " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 403 - ص 404 )  .

( [630] ) ولو أن جملة الفوائد المستحقة عن مبلغ مقترض تزيد علي عشرة جنيهات ، ولم يطالب المقترض إلا بجزء من هذه الفوائد لا يزيد علي عشرة جنيهات ، لم يجز له في القانون الفرنسي الإثبات بالبينة أو بالقرائن ، لأنه يستند في طلبه إلي تصرف تزيد قيمته علي عشرة جنيهات ، وذلك حتي لو لم يطالب بأصل المبلغ المقترض ، ما دام مجموع الفوائد يزيد علي نصاب الشهادة ( أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 318   هامش رقم 22 ) أما في القانون المصري فالعبرة بأصل المبلغ المقترض دون أن تضم إليه الفوائد كما قدمنا  .

( [631] ) وهذا الحكم يتفق مع حكم التقنين المدني الفرنسي في المادة 1343 ( ديمولومب 30 فقرة 45 - لوران 19 فقرة 451 - أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 317 - ص 318 وهامش رقم 20 - بودري وبارد 4 فقرة 2536 - فقرة 2539 - بيدان وبرو 9 به ، نزل عن دعواه أصلا ، ورفع دعوي جديدة علي أساس نفس التصرف ، وقدره بمبلغ لا يزيد علي عشرة جنيهات ، جاز له الإثبات بالبينة وبالقرائن ( أوبري ورو 12 فقرة 762 هامش رقم 21 )  .      

( [632] ) أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 318 وهامش رقم 23  . 

( [633] ) فإذا اشتري شخص من متجر ساعة بثمانية جنيهات وسلسلة بثلاثة ، فإن كانت الصفقة واحدة وجب الإثبات بالكتابة ، وإن كانتا صفقتين متفرقتين جازت البينة في كل منهما  . أما إذا كان الطلب مكونا من عدة أجزاء ، كل جزء منها أقل من عشرة جنيهات ، ولكن المجموع يزيد علي هذه القيمة ، لم تجز البينة ( محكمة المنصورة 18 يناير سنة 1925 المحاماة 5 رقم 621 ص 757 - استئناف مختلط 30 يناير سنة 1890 م 2 ص 340 - 13 يونية سنة 1894 م 6 ص 319 )  .      

( [634] ) وقد كان القضاء المصري في عقد التقنين المدني السابق وهو لا يشتمل علي نص صريح في جواز إثبات الوفاء الجزئي بالبينة إذا كان لا يزيد علي عشرة جنيهات ، غير مستقر في هذه المسألة  . فقضت محكمة مص الكلية الوطنية بأنه يجوز لناظر الوقف أن يثبت بالبينة أنه دفع شهريا ما يستحقه المستحق ما دام هذا الدفع لا يزيد علي عشرة جنيهات ، ولو كان المبلغ المدعي به مبلغا متجمداً عن عدة شهور ويزيد علي عشرة جنيهات ( 23 يولية سنة 1904 الاستقلال 3 ص 327 )  . ولكن قضي بعد ذلك بأنه إذا كان الدين الذي تزيد قيمته علي عشرة جنيهات ثابتا بالكتابة ، فلا يسوغ للمدين أن يثبت بالبينة براءة ذمته من جزء منه لا يزيد علي عشرة جنيهات إلا إذا بني ذلك علي حالة استثنائية تعفيه من الكتابة كضياع سند البراءة بحادث قهري ( منيا القمح 23 ديسمبر سنة 1906 المجموعة الرسمية 8 رقم 22 ) وقضي أيضا بأنه يجب فيما يتعلق بإثبات الديون وإثبات التخلص منها أن يكون أساس جواز الإثبات بالبينة مبلغ الدين الأصلي لا ما يدعي أنه باق منه أو ما يدعي حصول تسديده ، وإلا لو أبيح جواز الإثبات بالبينة في ذلك لأمكن كل مدين ودائن ليس بيده كتابة أن يتخلص من أحكام المادة 215 مدني بواسطة تجزئته للدين ( أشمون الجزئية 14 يونية سنة 1923 المجموعة الرسمية 26 رقم 69 - استئناف أهلي 4 أبريل سنة 1905 الاستقلال 4 ص 528 ) - لذلك أحسن التقنين الجديد صنعا بالنص صراحة علي جواز إثبات الوفاء الجزئي فيما لا يزيد علي عشرة جنيهات بالبينة ( قارن الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات فقرة 198 ) ، فإن القضاء المصري في عهد التقنين السابق كان يميل كما نري إلي الأخذ بعكس هذه القاعدة ، بل إن الحكم الذي أصدرته محكمة مصر بالسماح لناظر الوقف أن يثبت بالبينة الوفاء بالاستحقاق الشهري للمستحق إذا لم يزد علي عشرة جنيهات ، وهو الحكم المشار إليها فيما تقدم ، قد لا يستطاع القول بأنه يخالف الأحكام الأخري التي تقدم ذكرها ، إذ يمكن أن يقال انه هو أيضا أخذ بقيمة الدين الأصلي ، والدين الأصلي هنا هو الاستحقاق الشهري الذي لا يزيد علي عشرة جنيهات ، وإن كانت الاستحقاقات قد تجمدت فزاد مجموعها علي هذه القيمة  .

ويترتب علي جواز إثبات الوفاء الجزئي بالبينة إذا كان لا يزيد علي عشرة جنيهات أنه إذا كانت جملة الفوائد المستحقة عن مبلغ مقترض لا يزيد علي عشرة جنيهات ، وقام المقترض بسدادها ، فأنه يجوز له أن يثبت هذا الوفاء بالبينة وبالقرائن  . ولكن إذا كان الدائن هو الذي يريد أن يثبت هذا الوفاء ، أو أي وفاء جزئي آخر للدين لا يزيد علي عشرة جنيهات ، حتي يتخذ من ذلك ذريعة لقطع التقادم أو لإجازة عقد الدين القابل للإبطال وذلك بالنسبة إلي أصل الدين الذي يزيد علي عشرة جنيهات ، لم يجز للدائن في هذه الحالة إثبات الوفاء الجزئية بالبينة أو بالقرائن ولو أن الوفاء ينصب علي مبلغ لا يزيد علي عشرة جنيهات ذلك أن هذا الوفاء لا تقدر قيمته بالمبلغ الموفي به ، بل بقيمة عقد القرض الذي يراد قطع التقادم أو إجازته ، وعقد القرض تزيد قيمته كما قدمنا علي عشرة جنيهات  . وقد قضت محكمة استئناف مصر في هذا المعني بأنه إذا أراد الدائن قطع التقادم بإثبات دفع المدين لمبلغ في خلال مدة التقادم ، فإن العبرة في تعيين طريقة الإثبات تكون بقيمة ذلك الدين بصرف النظر عن قيمة المبلغ المدفوع ، لأن أثر قيمة المبلغ المدفوع يتعداه إلي الإقرار بقيمة الدين كله ( استئناف مصر 19 يناير سنة 1938 المجموعة الرسمية 39 رقم 3 ص 67 - المحاماة 18 رقم 307 ص 628 - انظر أيضا : إيتاي البارود 12 يونية سنة 1938 المحاماة 19 رقم 194 ص 437 - الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات فقرة 198 ص 367 )  . وانظر أيضا في هذه المسألة في الفقه الفرنسي : ديمولومب 30 فقرة 19 - لوران 19 فقرة 457 - هيك 8 فقرة 283 - أوبري ور 12 فقرة 762 هامش رقم 13 - بودري وبارد 4 فقرة 254 - بيدان وبرو 9 فقرة 1264 ص 344  .

( [635] ) وقد جاز في الموجز للمؤلف ، شرحا للتقنين المدني السابق ، ما يأتي : " وإذا تعددت الالتزامات التعاقدية ما بين شخصين ، وكان كل منها مستقلا عن الآخر ولا تزيد قيمته علي عشرة جنيهات ، جاز إثبات العقود فيها جميعا بالبينة أو بالقرائن ، حتي لو زاد مجموعها علي عشرة جنيهات "  . ثم جاء في الهامش رقم 7 من نفس الصفحة : " ومع ذلك انظر المادة 1345 من القانون الفرنسي ، ولا يوجد نص مقابل لها في القانون المصري "  . ( الموجز ص 699 ) - قارن في هذه المسألة الأستاذ أحمد نشأت 1 فقرة 71  . 

( [636] ) أما إذا قام علي دين منها دليل كتابي ، ولو مبدأ ثبوت بالكتابة ، أو قام مانع من الحصول علي الكتابة أو تقديمها ، فإنه لا يحسب في مجموع الديون ( أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 342 - ص 325 وهامش رقم 36 ورقم 37 )  .         

( [637] ) انظر في هذا المعني أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 324 هامش رقم 34  .

( [638] ) ويقرر الفقهاء في فرنسا أن المادة 1346 لا تقوم علي أساس عدم الثقة بشهادة الشهود ، بل تقوم علي أساس آخر هو منع تعدد القضايا الصغيرة التي يجوز الإثبات فيها بالبينة ، وازدحام المحاكم بها وما يستتبع ذلك من تعقيد في الإجراءات وإطالة فيها بسبب الإحالة علي التحقيق ، فاقتضي المشرع من المدعي أن يجمع كل قضاياه التي من هذا القبيل في قضية واحدة للحد من كثرة مثل هذه القضايا الصغيرة ( أوبري ورو 12 فقرة 762 ص 325 وهامش رقم 39 - بودري وبارد 4 فقرة 2548 وفقرة 2553 )  .

هذا وتسري المادة 1346 فرنسي سواء كانت الطلبات التي لم يقم علي أيها دليل كتابي كامل يزيد مجموعها علي نصاب البينة أو لا يزيد ، وسواء كان الدين معفي من الدليل الكتابي الكامل لوجود مبدأ ثبوت بالكتابة أو لوجود مانع من الحصول علي الدليل الكتابي أو من تقديمه ، أو كان الدين غير معفي لسبب من هذه الأسباب  . ولكنها لا تسري علي الديون التي لم تنشأ إلا بعد رفع الدعوي  . وجزاء المادة 1346 ليس رفض الإثبات بالبينة ، بل هو عدم قبول الدعوي أصلا ، وللقاضي أن يحكم بعدم قبول الدعوي 762 ص 325 - ص 329 وهوامش رقم 40 إلي رقم 48 - بودري وبارد 4 فقرة 2552 – فقرة 2562 - بيدان وبرو 9 فقرة 1263 ص 345 - ص 346 )  .

وقد جاء في المادة 81 من قانون أصول المحاكمات الحقوقية العراقي أن قاعدة عدم جواز الإثبات بالبينة فيما يجاوز عشرة دنانير " تكون جارية ومرعية إذا كانت المبالغ المدعي بها في الأصل مكونة من عدة أقلام يبلغ مجموعها القدر المذكور "  . وظاهر ان هذا النص منقول - منذ عهد التشريعات العثمانية - من نص المادة 1345 من التقنين الفرنسي  . ولما كان التقنين المدني العراقي الجديد قد نص صراحة في الفقرة الثانية من المادة 1381 علي إلغاء المادة 81 من قانون أصول المحاكات الحقوقية من بين المواد التي ألغاها في هذا القانون ، فإنه يجب الرجوع في هذه المسألة إلي الفقرة الثالثة من المادة 488 من التقنين المدني العراقي ، وهي تقرر نفس الحكم الذي يقرره نص التقنين المصري  . فيجوز إذن الإثبات بالبينة ، وفي التقنين المدني العراقي ، في كل طلب لا تزيد قيمته علي عشرة دنانير ، حتي لو اشتملت الدعوي علي طلبات متعددة ناشئة عن مصادر متعددة وزادت هذه الطلبات في مجموعها علي هذه القيمة ( انظر في هذا الموضوع الأستاذ حسين المؤمن في نظرية الإثبات الجزء الثاني في الشهادة ص 415 - ص 422 )  .

( [639] ) وكان المشروع الأولي الذي سبق المشروع التمهيدي يورد نصا مماثلا لنص المادة 1345 من التقنين المدني الفرنسي  . غير أنه عدل في المشروع التمهيدي عن هذا النص ، واستبدال به نص يقرر تطبيق القواعد العامة كما رأينا ، وذلك توسعة في الإثبات بالبينة في مقابل ترك نصاب البينة في مستواه المنخفض ، وقد تقدمت الإشارة إلي ذلك ( انظر الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات ص 363 - وانظر أثر اشتمال المشروع الأولي علي النص المماثل لنص المادة 1345 في أصل المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي جزء 2 ص 704 ، حيث جاء ما يأتي : " بيد أن الإفلات من قواعد الإثبات بالبينة يصبح جد يسير عند ما يرد النزاع علي التزامات ترتبت بين الخصوم أنفسهم في وقت واحد ، أو التزامات ناشئة عن سبب واحد  . وقد عمدت التقنينات التي تقدمت الإشارة إليها أحوال تعدد الالتزامات بين الخصوم أنفسهم ، أو نشوئها عن سبب واحد عند انتفاء الدليل الكتابي ، أفلا يكون من الأنسب إقرار هذا كفالة لاحترام القاعدة نفسها "  . 

( [640] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " أما الفقرة الثالثة من هذه المادة فأحكامها تخالف أحكام المواد 1345 من التقنين الفرنسي والتقنين الإيطالي و 1237 من التقنين الكندي و 297 من المشروع الفرنسي الإيطالي و 30 / 28 فقرة 3 من تقنين المرافعات المصري  . وليس شك في أن حكم هذه الفقرة يتفق مع قاعدة تقدير الالتزام باعتبار قيمته وقت تمام انعقاده ، كلما اتحد الخصوم وكان النزاع متعلقا بالتزامات من طبيعة واحدة تمت في أوقات مختلفة لا في وقت واحد ، علي حد تعبير التقنين الفرنسي  . فكل التزام من هذه الالتزامات يجوز إثباته بالبينة متي كانت قيمته لا تجاوز عشرة جنيهات  . وقد أخذ المشروع ، تمشيا مع جواز تفريق الطلبات المتعددة ، بجواز تفريق إثبات وفاء الدين دفعا متعددة ، فأجاز إثبات كل وفاء لا تجاوز قيمته عشرة جنيهات بالبينة ولو كان أصل الدين يجاوز هذه القيمة " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 399 - ص 400 )  .

( [641] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 359 ( بند 1 ) من المشروع التمهيدي علي الوجه الآتي : " لا يجوز الإثبات بالبينة ( أ ) فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي حتي لو لم تزد القيمة علي عشرة جنيهات "  . وفي لجنة المراجعة حور النص تحويراً لفظيا ، فأصبح مطابقا لما استقر عليه في النهاية ، وأصبح رقم المادة 414 في المشروع النهائي  . ووافق عليه مجلس النواب  . فلجنة مجلس الشيوخ تحت رقم 401 ، فمجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 402 و ص 404 )  .   

( [642] ) وقد جاء في الموجز للمؤلف في هذا الصدد ما يأتي : " ولم يرد في القانون المصري نص يقابل هذا النص ( أي نص المادة 1341 فرنسي ) ، ولكن القضاء والفقه في مصر يأخذان بالقاعدة دون نص ، إذ هي تتفق مع الحكمة التي اقتضت جعل الكتابة مقدمة علي البينة ، فإذا كان الالتزام ثابتا بالكتابة ، فقد أراد المتعاقدان بذلك أن يستبعدا البينة حتي فيما لا يزيد علي عشرة جنيهات ، وإلا انتقض عليهما ما قصدا إليه من غرض ، وأمكن هدم الكتابة بالبينة ، أي هدم الدليل الأقوي بالدليل الأضعف ، وهذا لا يجوز " ( الموجز ص 702 - ص 703 ) ومهما يكن من أمر فقد أحسن التقنين المدني الجديد صنعا بإباده نصا صريحا في هذا الحكم  . وقد كان القضاء يطبقه في اطراد : استئناف أهلي 2 أبريل سنة 1913 المجموعة الرسمية 14 رقم 89 - 20 يناير سنة 1914 المجموعة الرسمية 15 رقم 119 - 25 مارس سنة 1923 المجموعة الرسمية 25 رقم 85 - استئناف مصر 7 ديسمبر سنة 1938 المحاماة 19 رقم 286 ص 690 - استئناف مختلط 2 يناير سنة 1908 م 20 ص 46 - 15 أبريل سنة 1909 م 21 ص 307 - 15 أبريل سنة 1909 م 21 ص 383 - 27 مايو سنة 1909 م 21 ص 364 - 3 أبريل سنة 1912 م 24 ص 252 - 12 ديسمبر سنة 1912 م 25 ص 63 - 15 مايو سنة 1913 م 25 ص 379 - 24 ديسمبر سنة 1914 م 27 ص 79 - 4 يونية سنة 1918 م 30 ص 468 - 10 مارس سنة 1931 م 43 ص 279 ( يجوز الإثبات بالبينة إذا خولفت قاعدة من النظام العام ) – 23 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 51 - 22 نوفمبر سنة 1934 م 47 ص 36  .      

( [643] ) نصوص التقنينات المدنية العربية الأخري : قانون البينان السوري م 55 : مطابق تقريبا لنص التقنين المصري - التقنين المدني العراقي م 489 : مطابق تقريبا لنص التقنين المصري - تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبناني م 153 : لا تقبل بينة الشهود ولا القرائن علي ما يتجاوز أو يناقض مضمون السند ذي التوقيع الخاص ، ولا علي ما يزعم حصوله قبل هذا السند أو بعده أو في أثناء إنشائه  . ( وهذا نص يتفق في حكمه مع نص التقنين المصري ، وفي عبارته مع نص التقنين الفرنسي ) - التقنين المدني للمملكة الليبية المتحدة م 388 : مطابق لنص التقنين المصري  . ويتبين من استعراض هذه النصوص أنها جميعا تتفق في الحكم مع نص التقنين المصري  .

( [644] ) التقنين المدني الفرنسي م 1341 :  .  .  . لا تقبل البينة فيما يخالف الكتابة أو فيما تجاوزها  . ولا فيما يدعي صدوره من قول قبل الكتابة أو في أثنائها أو بعد الفراغ منها ، حتي لو كانت القيمة أقل من خمس آلاف فرنك ، كل هذا دون إخلال بما تقرره القوانين المتعلقة بالتجارة  .

et il n est recu aucune prevue par temoins contre et outré le contenu aux actes ni sur ce qui serait allegue avoir et edit avant lors ou depuis les actes encore qu il s agisse d une somme ou valeur moindre de cinq mille francs  . Le tout sans prejudice de ce qui est prescrit dans les lois relatives au commerce  .

ويقول الفقيهان أوبري ورو : إن النص الفرنسي ينهي عن أمرين متميزين لا يختلط أحدهما بالآخر  . فهو من جهة ينهي عن قبول البينة في إثبات ما يدعي من عدم الصحة ( inexactitudes ) أو الإغفال ( omissions ) فيما تضمنته الكتابة ، سواء كان ذلك عن غير قصد ، أو عن قصد من أحد الطرفين ، أو عن تواطؤ بينهما – وهذا هو ما يخالف الكتابة أو يجاوزها  . وهو من جهة أخري ينهي عن قبول البينة في إثبات التعديلات الشفوية التي يدعي أحد الطرفين أنها تم الاتفاق عليها قبل الكتابة أو في أثنائها أو بعد الفراغ منها  . ويقيم الفقيهان هذه الأحكام علي اعتبارين : أولهما أن الكتابة لا تؤدي الغرض المقصود منها إذا أجيز هدمها عن طريق البينة  . والثاني أن التعديلات الشفوية التي سبقت الكتابة أو عاصرتها أو تلتها ، ما دامت لم تدمج في الكتابة ذاتها ، فذلك لأنها بقيت مشروعا وقف عند مرحلة التفاوض ، ولم يصل إلي مرحلة الاتفاق النهائي ( أوبري ورو 12 فقرة 763 ص 322 هامش رقم 2 )  .        

( [645] ) انظر في هذا المعني بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1527 وفقرة 1528 ص 982 - وانظر تفصيلا لهذه المسألة في بيدان وبرو 9 فقرة 1266  .    

( [646] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1528 ص 982 لو المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 402 ويقول الأستاذ حسين المؤمن في كتابه في نظرية الإثبات في هذا الصدد ما يأتي : " ولذلك فلا يكفي أن تكون هناك دفاتر تجارية أو أوراق منزلية أو مذكرات أو أوراق خاصة أو غيرها من المحررات التي لا تحمل توقيعا للمدين ولا تدل علي ارتباط قانوني ، إذ أن أوراقا كهذه بدون توقيع لا تعتبر دليلا للإثبات  . وهي وإن كانت تعتبر حجة ضد صاحبها ، إلا أن له إثبات ما يخالفها بالشهادة والقرينة  .  .  . كذلك سندات الطابور المنظمة بطريقتي المجدد والتفتيش ( اليوقلمة ) يجوز استماع الشهادة ضدها  . وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز : محكمة التمييز رقم 24 / س / 1937 وتاريخ 25 / 11 / 1937 ( القضاء س 3 ع 3 ص 309 ) ورقم 293 / ب / 1945 وتاريخ 16 / 3 / 1946 ( المجموعة الرسمية س 1 ع 2 ص 36 رقم 43 ) ورقم 24 / س / 1946 وتاريخ 12 / 3 / 1946 ( المجموعة الرسمية س 1 ع 1 ص 72 رقم 65 ) ورقم 358 / ب / 1945 وتاريخ 27 / 3 / 1946 ( المجموعة الرسمية س 1 ع 3 ص 32 رقم 50 ) ( جزء 2 في الشهادة ص 445 ) قارن الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات فقرة 202 ص 375 هامش رقم 23 وهو يعتبر التأشير علي السند بما يفيد براءة ذمة المدين دليلا كتابيا كاملا لا يجوز إثبات ما يخالفه إلا بالكتابة  . وقد قدمنا أن هذا التأشير قرينة علي الوفاء يجوز دحضها بالدليل العكسي بجميع الطرق لأن الدليل الكتابي هنا ليس دليلا كتابيا كاملا  . 

( [647] ) الأستاذ حسين المؤمن في نظرية الإثبات جزء 2 في الشهادة ص 446  .   

( [648] ) وإذا كانت المادة 401 ، وهي تمنع الإثبات بالبينة فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي ولو لم تزد القيمة علي عشرة جنيهات ، لم تستثن صراحة المواد التجارية كما فعلت المادة 400 وهي تمنع البينة في إثبات وجود التصرف القانوني الذي تزيد قيمته علي عشرة جنيهات ، فذلك لأن المادة 401 جاءت عقب المادة 400 لتكملة أحكامها  . فهي عندما تقول : لا يجوز الإثبات بالبينة ولو لم تزد القيمة علي عشرة جنيهات ، إنما تتمم ما أوردته المادة 400 من أن التصرف القانوني في غير المواد التجارية لا يجوز إثباته بالبينة إذا زادت قيمته علي عشرة جنيهات  . فتقول المادة 401 عقب ذلك أن هذا التصرف القانوني ذاته – أي في غير المواد التجارية - إذا كان مكتوبا لا يجوز إثبات ما يخالفه أو يجاوزه ولو لم تزد القيمة علي عشرة جنيهات ( قارن الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات ص 216 )  .

وتستخلص الأساتذة بلانيول وريبير وجابولد من جواز إثبات عكس المكتوب في التصرفات التجارية بالبينة أن الكتابة في مسائل التجارة إنما تنقل عبء الإثبات عن عاتق صاحبها إلي خصمه ، والقاضي حر بعد ذلك في تكوين اعتقاده طبقا لما بين يديه من مستندات وما يري سماعه من بينة ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1529 ص 984 ) - انظر أيضا الأستاذ حسين المؤمن في نظرية الإثبات جزء 2 في الشهادة ص 646 - ص 662 - وقارن الأستاذ عبد السلام ذهني في الأدلة جزء أول ص 430  .

( [649] ) قارن استئناف مختلط 12 يونية سنة 1889 م 1 ص 253 - 10 ديسمبر سنة 1891 م 4 ص 48  . 

( [650] ) الموجز للمؤلف فقرة 673 ص 703 - 704 - وانظر أيضا المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 402  .     

( [651] ) الموجز للمؤلف فقرة 674 ص 704  .        

( [652] ) انظر ما قدمنا عن أوبري ورو من أن التعديلات الشفوية التي سبقت الكتابة أو عاصرتها أو تلتها ، ما دامت لم تدمج في الكتابة ذاتها ، فذلك لأنها بقيت مشروعا وقف عند مرحلة التفاوض ، ولم يصل إلي مرحلة الاتفاق النهائي ( أوبري ورو 12 فقرة 763 ص 322 هامش رقم 2 ) وانظر أيضا بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1528 ص 982 - ص 983  .

وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " ويقصد بالدليل الكتابي المحررات الرسمية والعرفية والرسائل  . فهذه المحررات –وحدها هي التي لا يقبل الإثبات بالبينة لنقض الثابت فيها أو الإضافة إليها  . وقد يكون قوام الإضافة الإدعاء بصدور تعديلات شفوية قبل انعقاد الالتزام ، أو بعده ، أو في وقت معاصر له  . ومهما يكن من أمر هذه الإضافة ، فلا يجوز إثباتها بالبينة أيا كانت صورتها  . فمن ذلك الإدعاء بإضافة وصف من الأوصاف المعدلة لحكم الالتزام ، كشرط أو أجل ، أو اشتراط خاص بأداء فوائد أو بالتجديد ( الاستبدال )  . ولا يجوز كذلك نقض الثابت بالكتابة من طريق البينة ، فلا يجوز الإدعاء مثلا بعدم مطابقة شرط من شروط المحرر للحقيقة وإقامة الدليل علي ذلك بالبينة ، كما ول أريد إثبات أن حقيقة المبلغ المقترض ليست مائة جنيه علي ما هو ثابت بالكتابة بل أكثر " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 402 - ص 403 )  .

( [653] ) أوبري ورو 12 فقرة 763 هامش رقم 8 – قارن الموجز للمؤلف ص 704 ص 705 وقد قدمنا ، في وفاء دين قيمته تزيد علي عشرة جنيهات ، أنه يجوز إثبات أي وفاء جزئي لا تزيد قيمته علي عشرة جنيهات بالبينة وبالقرائن  .

وقد جاء في كتاب نظرية الإثبات للأستاذ حسين المؤمن ما يأتي : " أما في العراق فالإجماع حاصل  .  .  . علي أنه لا يجوز إثبات الوفاء مهما كان مقداره بشهادة الشهود ما دام أصل الالتزام موثقا بسند  .  .  . بل إن محكمة التمييز قد تطرفت في هذا الباب إلي حد بعيد ، فقد اشترطت الدليل الكتابي علي إدعاء الوكيل بتسليمه لموكله المبالغ التي قبضها من مديني الموكل حسب التفويض المعطي للوكيل في صك الوكالة ، بداعي ان التفويض بالقبض قد جري بالكتابة فلا يثبت دفع المبلغ إلي الموكل إلا بالكتابة أيضا : القرار المرقم 55 / 1929 والمؤرخ 2 / 4 / 1929 ( القضاء سنة 1934 س 1 القسم الرسمي ص 166 - حسين جميل بند 170 ص 122 ) ومما جاء فيه : إن قول المحكمة أن المدعي أمين مصدق بيمينه في براءة ذمته ، ولا حاجة إلي سند تحريري ، غير وارد ، إذ ان التفويض بقبض المبلغ قد جري بسند فيجب أن يكون الإيصال بسند أيضا وهاذ تخريج غريب لهذه النظرية لا نقر محكمة التمييز عليه ، ذلك ان التفويض المعطي للوكيل في صك الوكالة لا يتضمن معني القبض ، وإنما هو ترخيص به  . هذا من جهة ومن جهة أخري أن الدليل الكتابي علي استلام الوكيل المبالغ المقبوضة لم يكن بين الوكيل والموكل ، وإنما بين الوكيل ومدين الموكل  .  .  . يضاف إلي ذلك أن هذا الذهاب تجاوز علي قاعدة الأمين مصدق بيمينه في براءة ذمته المقررة في المادة 1174 من المجلة " ( الأستاذ حسين المؤمن في نظرية الإثبات جزء 2 في الشهادة ص 454 - ص 455 ) وظاهر أن تفويض الوكيل بقبض الدين يجعله ملتزما بتقديم حسبا للموكل عما قبضه ، وفي تسليم الوكيل للوكل ما قبضه من الدين تنفيذ لهذا التفويض ، أي تنفيذ لعقد الوكالة  . وإثبات تنفيذ الوكالة مستقل عن إثبات وجودها فإذا كان وجود الوكالة ثابتا بالكتابة ، فإن ذلك لا يستلزم حتما أن يثبت تنفيذها بالكتابة  . ويلاحظ أن التقنين المدني العراقي الجديد قد حسم الخلاف فيما يتعلق بالوفاء ، فجعله مستقلا عن أصل الالتزام من حيث الإثبات  .       

( [654] ) الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات ص 221 - وقد قضت محكمة الإسكندرية الكلية الوطنية بأنه يجوز إثبات جميع الوقائع اللاحقة لعقد مكتوب بجميع طرق الإثبات القانونية إذا كانت قيمتها عشرة جنيهات أو أقل ، مثل الإبراء أو الوفاء أو التخالص أو الاستبدال أو الصلح ( 26 يناير سنة 1937 المحاماة 18 رقم 463 ص 1058 ) قارن في الصلح الأستاذ حسين المؤمن في نظرية الإثبات جزء 2 في الشهادة ص 449 ( وهو يذهب إلي أن الصلح لا يجوز إثباته بالبينة إذا كان العقد محل الصلح ثابتا بالكتابة ، ويشير إلي قرار لمحكمة تمييز الإستانة جاء فيه أن دعوي الصلح المقامة ضد سند يجب إثباتها بالبينة الخطية : 20 / 10 / 1308 سليم باز المرافعات ص 289 )  . ويلاحظ أن الصلح في التقنين المدني المصري الجديد يجب إثباته بالكتابة ( م 552 مدني ) ، وكذلك الأمر في التقنين المدني العراقي الجديدة ( م 711 )  .

 ( [655] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1528 ص 984 - نقض فرنسي 23 نوفمبر سنة 1938 جازيت دي باليه 1939 - 1 - 85  .   

( [656] ) فيجوز إثبات ما يحصر أجزاء العقار المبيع أو المؤجر بالبينة وبالقرائن ، إذا كان هذا العقار قد ذكر في عقد البيع أو الإيجار المكتوب بطريقة مجملة دون تفصيل لأجزائه ( أوبري ورو 12 فقرة 763 ص 335 - ص 336 - قارن بودري وبارد 4 فقرة 2570 ) - وقارن استئناف مختلط 30 يناير سنة 1902 م 14 ص 106 - أما إذا رفع المشتري دعوي استحقاق علي بائع العقار ، بسبب وجود عقد إيجار صادر من البائع بالنسبة إلي العقار المبيع دون أن يرد ذكره في عقد البيع المكتوب ، فلا يجوز للبائع أن يثبت علم المشتري بهذا الإيجار ، ورضاءه به في مقابل خصم جزء من الثمن ، بالبينة أو بالقرائن ( أوبري ورو 12 فقرة 763 ص 336 )  . 

( [657] ) فيجوز إثبات أن الذي حرر عقد التأمين هو عامل شركة التأمين ، بالبينة وبالقرائن ( بارتان علي أوبري ورو 12 فقرة 763 ص 334 وهامش رقم 5 مكرر ) أما الغلط المادي والغلط في الحساب ، فإن كان ظاهراً أمكن القاضي تصحيحه من تلقاء نفسه  . لكن إذا ادعي الخصم أن هناك غلطا ماديا أو غلطا في الحساب ، ولم يكن هذا الغلط ظاهراً بحيث يمكن القاضي تصحيحه من تلقاء نفسه ، فلا يجوز إثباته بالبينة أو بالقرائن ( نقض مدني 9 ديسمبر سنة 1934 المحاماة 15 رقم 275 ص 580 بودري وبارد 4 فقرة 2571 - قارن الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 186 ص 218 - ص 219 )  .  

( [658] ) دي باج 3 فقرة 870 مكرر - الأستاذ عبد السلام ذهني في الأدلة 1 ص 392 - الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات ص 380  . 

( [659] ) الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات ص 380 - ص 381 - الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات ص 219 - ص 220 - الأستاذ حسين المؤمن في نظرية الإثبات جزء 2 في الشهادة ص 457 - قارن الأستاذ عبد السلام ذهني في الأدلة 1 ص 198 - ص 199 و ص 394 - ص 395 - أنظر أوبري ورو 12 فقرة 763 ص 336 - ص 337 وهامش رقم 12 وهامش رقم 13  .

ويذهب بعض الفقهاء إلي أن تاريخ التصرف القانوني يعتبر من محدداته ، فهو جزء منه ، فلا يجوز إثباته ، إذا لم يكن مكتوبا بالبينة أو بالقرائن في تصرف لا يجوز إثباته إلا بالكتابة ( لوران 19 فقرة 477 - فقرة 478 - بودري وبارد 4 فقرة 2572 - دي باج 3 فقرة 868 )  .

 

( [660] ) ونجيزيء هنا بذكر بعض أحكام القضاء المصري في هذه المسألة ، مرجئين تفصيل ما نجمله منها إلي الكلام في دعوي الصورية في المكان الخاص بآثار الالتزام : لا تثبت الصورية فيما بين المتعاقدين وبالنسبة إلي الخلف العام إلا بالكتابة : استئناف مصر 14 ديسمبر سنة 1922 المحاماة 5 رقم 358 ص 415 - 25 مارس سنة 1923 المحاماة 4 رقم 90 ص 134 - 29 مارس سنة 1923 المحاماة 3 رقم 344 ص 411 - 30 أبريل سنة 1923 المحاماة 4 رقم 181 ص 251 - 30 نوفمبر سنة 1927 المحاماة 8 رقم 310 ص 477 - 29 ديسمبر سنة 1927 المحاماة 8 رقم 462 ص 761 – 25 أبريل سنة 1940 المحاماة 21 رقم 254 ص 564 - نقض جنائي 4 يناير سنة 1924 المحاماة 7 رقم 142 ص 200 - استئناف مختلط 14 ديسمبر سنة 1927 م 39 ص 80 - 28 مايو سنة 1930 م 42 ص 528 - 6 مايو سنة 1931 م 43 ص 375 - 11 يناير سنة 1938 م 50 ص 90 - 9 نوفمبر سنة 1944 م 57 ص 7 - 7 فبراير سنة 1946 م 58 ص 40 - وقد قضت محكمة النقض بأن عقد القرض يجوز إثبات صورية سببه بالأوراق الصادرة من المتمسك به ، فإذا ذكر في سندات الدين أن قيمتها دفعت نقداً ، ثم اتضح من فحوي الرسائل الصادرة من الدائنة إلي مدينها في أوقات مختلفة - بعضها سابق علي تاريخ السندات وبعضها معاصر له أولا حق به - أنها كانت تستجديه وتشكر له إحسانه عليها ، جاز اعتبار هذه الرسائل دليلا كتابيا كافيا في نفي وجود قرض حقيقي ( نقض مدني 3 نوفمبر سنة 1932 المجموعة الرسمية 34 رقم 1 ص 12 ) - وقضت أيضا بأنه إذا كان المستأجر يطعن في عقد الإيجار بالصورية ، والمؤجر يدفع بعدم جواز الإثبات ، فلا يجوز للمحكمة – مادام الإيجار ثابتا بالكتابة ولا يوجد لدي المستأجر دليل كتابي علي دعواه - أن تقضي بصورة العقد بناء علي مجرد القرائن ، وإلا كان قضاؤها باطلا( نقض مدني 18 يونية سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 177 ص 485 ) - وقضت أيضا بأن الحكم الذي يقرر أنه لا يجوز لوارث الراهن أن يثبت بكل طرق الإثبات ، في مواجهة المرتهن ، صورية عقد الرهن ، بحجة أن الصورية لا تثبت بين العاقدين إلا بالكتابة ، لا يكون مخطئا في تطبيق القانون ( نقض مدني 24 مارس سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 399 ص 740 ) - وقضت أيضا بأنه متي كان الواقع هو أن المطعون عليهم رفعوا الدعوي يطلبن الحكم بتثبيت ملكيتهم إلي حصتهم الشرعية في تركة مورثهم ، فتمسك الطاعن بأنه اشتري من والده المورث جزءاً من الأطيان  . فطعن بعض الورثة في عقد البيع بالصورية استناداً إلي أن الطاعن كان قد استصدر من والده لمناسبة مصاهرته أسرة طلبت إليه أن يقدم الدليل علي كفايته المالية ، وطلبوا إحالة الدعوي علي التحقيق لإثبات ذلك بأي طريق من طرق الإثبات بما فيها البينة ، فنازع الطاعن في جواز الإثبات بهذا الطريق ، وكان الحكم إذ قضي بإحالة الدعوي علي التحقيق لإثبات مانعاه المطعون عليهم علي العقد بأي طريق من طرق الإثبات قد أقام قضاءه علي أنهم يعتبرون من الأغيار أيا كان الطعن الذي يأخذونه علي التصرف الصادر من مورثهم للطاعن ، فإن الحكم ، إذ أطلق للمطعون عليهم حق إثبات مطاعنهم علي هذا التصرف في حين أن علة الصورية إنما كانت إعطاء الطاعن مظاهر الثراء لتيسر زواجه بإحدي العقيلات ، يكون قد خالف قواعد الإثبات ( نقض مدني 21 ديسمبر سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 38 ص 195 )  .

ومع ذلك يجوز إثبات الصورية فيما بين المتعاقدين بالبينة وبالقرائن إذا كان هناك غش أو تحايل علي القانون : استئناف أهلي أول مارس سنة 1900 المجموعة الرسمية 2 ص 47 - 9 يونية سنة 1904 الاستقلال 3 ص 262 - نقض مدني 20 مارس سنة 1952 مجموعة أحكام النص 3 رقم 114 ص 665  . وانظر أيضا الأحكام التي سنوردها عند الكلام في التحايل علي القانون ( fraude a la loi ) ، والتحايل علي القانون هو نفس الحالة التي نحن بصددها  .

ويجوز للغير إثبات الصورية بجميع الطرق ، ومنها البينة والقرائن : استئناف مصر أول يناير سنة 1907 المجموعة الرسمية 8 ص 213 - 10 أبريل سنة 1907 المجموعة الرسمية 9 ص 102 – 20 يناير سنة 1914 المجموعة الرسمية 15 ص 240 - 29 مارس سنة 1923 المحاماة 3 ص 411 - 12 يناير سنة 1925 المحاماة 5 رقم 289 ص 325 - 17 مارس سنة 1926 المحاماة 8 رقم 461 ص 759 - أول مايو سنة 1928 المحاماة 9 رقم 123 ص 216 - 24 يناير سنة 1929 المحاماة 9 رقم 209 ص 377 - 18 مارس سنة 1929 المحاماة 9 رقم 391 ص 627 - 21 مايو سنة 1935 المحاماة 16 رقم 127 ص 300 - 4 ديسمبر سنة 1935 المحاماة 16 رقم 220 ص 504 - نقض جنائي 3 نوفمبر سنة 1938 المحاماة 19 رقم 275 ص 669 - نقض مدني 29 ديسمبر سنة 1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 39 ص 133 - استئناف مختلط أول أبريل سنة 1920 م 32 ص 248 - 10 فبراير سنة 1931 م 43 ص 220 - 8 يونية سنة 1932 م 44 ص 360 - 26 مايو سنة 1936 م 48 ص 281 - 2 مارس سنة 1937 م 49 ص 119 - 6 يناير سنة 1942 م 54 ص 32 - هذا ومع ذلك فقد قضت محكمة النقض بأن الخلف الخاص لا يعتبر من الغير ، فلا يجوز له إثبات الصورية إلا بالكتابة ، فإذا كان بائع العقار قد صدر منه عقد بيع ثان لمشتر آخر ، فإنه لا يصح والمشتري الثاني خلف للبائع أن تستدل المحكمة له بشهادة الشهود والقرائن علي صورية عقد البيع الصادر من سلفه إلي المشتري الأول قبل البيع الصادر منه اليه هو ( نقض مدني 27 مارس سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 179 ص 387 - وتعليق الأستاذ محمد حامد فهمي بهامش ص 338 - 389 ) ولكنها رجعت بعد ذلك عن هذا الخطأ ، وقضت بأن المشتري يعتبر من الغير في أحكام الصورية بالنسبة لمشتر آخر من نفس البائع له يزاحمه في الملكية ، فإذا أقام الحكم قضاءه بصورية عقد المشتري الآخر علي القرائن وحدها ، فإنه لا يكون قد خالف قواعد الإثبات ( نقض مدني 26 أكتوبر سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 4 ص 26 ) - انظر أيضا : استئناف مختلط 15 أبريل سنة 1909 م 21 ص 307 - 12 ديسمبر سنة 1912 م 25 ص 63 - 15 مايو سنة 1913 م 25 ص 379 - 4 يونية سنة 1918 م 30 ص 468  .

واعتبرت محكمة الاستئناف المختلطة الشفيع من الغير ، خطأ ، في عقد بيع صوري طلب الأخذ فيه بالشفعة  . فقضت بأنه لا يجوز الاحتجاج علي الشفيع بورقة ضد مؤداها أن البيع لم يقع إلا لضمان دين للمشتري علي البائع وأنه يفسخ بمجرد وفاء هذا الدين ( استئناف مختلط 27 مارس سنة 1902 م 14 ص 232 ) وسنعود إلي هذه المسألة عند الكلام في دعوي الصورية  .

( [661] ) كان المشروع التمهيدي ( م 541 ) يتضمن نصا لو بقي لأصبح الآن البند ( جـ ) في المادة 403 ، ونصه كالآتي : "    يجوز أيضا الإثبات بالبين فيما كان يجب إثباته بالكتابة  .  . ( جـ ) إذا طعن في العقد بأن له سببا غير مشروع "  . وقد ورد في شأنه في المذكرة الإيضاحية ما يأتي : " أما الاستثناء الثالث فقد نص عليه المشروع الفرنسي الإيطالي ، وهو يفترض توافر ضرب من ضروب الغش ، ومن المعلوم أن الغش يجوز إثباته علي وجه الدوام بالبينة  . وإزاء ذلك قد يكون إفراد هذا الاستثناء بحكم خاص محلا للنظر "  . وفي لجنة المراجعة نقل هذا البند إلي المادة 192 في السبب غير المشروع وكان يقصد به إباحة الإثبات بالبينة وبالقرائن إذا كان هناك احتيال علي القانون ( fraude a la loi ) ، فيقابل العبارة الأخيرة من المادة 1353 من التقنين الفرنسي التي لم تبح الإثبات بالقرائن إلا في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بالبينة ، ما لم يكن العقد مطعونا فيه بسبب الغش أو التدليس ، وقد مرت الإشارة إلي هذا النص وإلي ما وجه إليه من انتقاد  . وقد استبقي المشروع الفرنسي الإيطالي مقابلا للنص الفرنسي في المادة 305 منه ، ونص أيضا في المادة 299 علي استثناء الطعن بعدم مشروعية من وجوب الإثبات بالكتابة  . والذي يعنينا هنا هو تقرير الحكم في ذاته ، فيجوز دائما الإثبات بالبينة وبالقرائن إذا كان هناك احتيال علي القانون  . وقد وضع المشروع الفرنسي الإيطالي هذا الحكم في مكان الاستثناء من قاعدة وجوب الدليل الكتابي بشقيها ، وهو الاستثناء الثالث ويأتي بعد الاستثناء الخاص بمبدأ الثبوت بالكتابة والاستثناء الخاص بالمانع من الحصول علي الكتابة أو من تقديمها  .وساير المشروع الفرنسي الإيطالي في ذلك المشروع التمهيدي للتقنين المصري الجديد ، ثم عدل المشروع النهائي عن هذه المسايرة  . وفي رأينا أن جعل هذا الحكم استثناء من قاعدة وجوب الدليل الكتابي بشقيها محل للنظر  . لأن الحكم إنما يرد في الكثرة الغالبة من الأحوال استثناء من الشق الثاني وحده  . وذلك ان المحل الغالب لتطبيقه هو أن يواجه الخصم خصمه بدليل علي تصرف قانوني صادر منه ، فيطعن هذا في التصرف بأن فيه احتيالا علي القانون ويريد إثبات هذا الاحتيال بجميع الطرق  . فإن كان الدليل الذي ووجه به دليلا غير مكتوب ، فهو في حل من أن يعارضه بدليل غير مكتوب دون حاجة إلي التذرع بهذا الحكم  . أما إذا كان الدليل الذي ووجه به دليلا مكتوبا ، ففي هذه الحالة وحدها - حيث تقضي القاعدة بعدم جواز إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة - يحتاج الخصم إلي هذا الحكم ليتمكن من إثبات الاحتيال علي القانون بالبينة وبالقرائن معارضا بذلك دليلا مكتوبا  . ومن أجل ذلك آثرنا ، من الناحية العملية ، أن نعالج هذه المسألة في صدد القاعدة التي تقضي بعدم جواز إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة ، علي أن نعالجها بإيجاز من ناحية الإثبات فحسب ، وإلا فهي قاعدة شاملة تتناول جميع نواحي القانون ( قارن الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات ص 446 - ص 451 - الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات ص 217 )  .

 ( [662] ) وهناك رأي يذهب إلي أن الاحتيال علي القانون كالتدليس واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق ( بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2166 وهامش رقم 2 - ديكوتيني في القرائن في القانون الخاص فقرة 109 ص 272 و ص 273 - الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة في الإثبات فقرة 217 ص 281 - ص 282 - ولكن قارن كولان وكابيتان وموانديير 2 فقرة 778 - الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات ص 447 هامش رقم 1 ) ويبدو أن هناك فرقا بين أعمال التدليس والاحتيال علي القانون  . فأعمال التدليس الواقعة علي أحد المتعاقدين وقائع مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق أما الاحتيال علي القانون فتواطؤ ما بين المتعاقدين ، وتوافق ما بين إرادتيهما ، علي مخالفة قاعدة قانونية من النظام العام ثم إخفاء هذه المخالفة تحت ستار تصرف مشروع فهو إذن عنصر من عناصر التصرف القانوني – يتعلق بالمحل أو بالسبب - كان الواجب في الأصل أن يثبت بنفس الطريقة التي يثبت بها التصرف القانوني ، لولا أن فيه خروجا علي النظام العام ، فوجب تيسير كشفه كما قدمنا  .      

( [663] ) ومن المفيد في هذه المناسبة أن نشير إلي أنه يجوز إثبات التصرف القانوني ، ولو زاد علي النصاب ، بجميع الطرق في حالتين : ( أولا ) عندما يكون التصرف القانوني معتبراً واقعة مادية  . ويكون ذلك : 1 - إذا كان من يريد إثبات التصرف هو من الغير ، كالشفيع يريد إثبات البيع الذي يأخذ فيه بالشفعة فيجوز له إثباته بجميع الطرق  . 2 - إذا كان العقد صوريا ويريد الغير إثبات هذه الصورية ، فيجوز له إثباتها بجميع الطرق  . ويلاحظ أننا لا نحتاج هنا إلي القول ، في تبرير إباحة جميع الطرق في الإثبات ، أن الغير كان لا يستطيع الحصول علي الكتابة - إذ أن المانع من الحصول علي الكتابة يجب أن يكون مانعا قد قام في حالة بالذات كما سنري - بل يكفي أن نقول ان التصرف   القانوني يعتبر واقعة مادية بالنسبة إلي من يريد إثباته بجميع الطرق ، أي بالنسبة إلي الشفيع في الصورة الأولي وبالنسبة إلي الغير في الصورية في الصورة الثانية ، وقد تقدمت الإشارة إلي ذلك  . ( ثانيا ) عندما يكون التصرف القانوني قد داخله احتيال بجميع الطرق ، مع أن العقد بالنسبة إليه يعتبر تصرفا قانونيا لا واقعة مادية ، ولكنه يتذرع بأن هناك احتيالا علي القانون ( fraude a la loi ) وهذه هي الحالة التي نحن الآن بصددها  . وسنعود إلي هذه المسألة في موضع آخر  .

( [664] ) انظر الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات فقرة 243 ص 448 - ويشير الأستاذ مع ذلك إلي نص المادة 739 من التقنين المدني ، وهي تقرر بطلان كل اتفاق خاص بمقامرة أو رهان ، ولمن خسر أن يسترد ما دفعه ، ولو أن يثبت ما أداه بجميع الطرق  .      

( [665] ) استئناف مختلط 25 فبراير سنة 1897 م 9 ص 194 - 13 فبراير سنة 1902 م 14 ص 134 - 22 يناير سنة 1919 م 31 ص 136  .

وقد قضت محكمة النقض ، بوجه عام ، أن الصورية التدليسيه لا يقتضي لتحقيقها وجود ثبوت بالكتابة ، وإنما هي تثبت بالقرائن في حق كل من مسه هذا التدليس ، سواء أكان طرفا في العقد أم لم يكن ( نقض مدني 18 نوفمبر سنة 1937 المحاماة 18 رقم 238 ص 453 - وانظر أيضا الموجز للمؤلف فقرة 676 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1528 ص 984 - ومحكمة النقض الفرنسية 6 مارس سنة 1950 جازيت دي باليه 1950 – 1 - 307 )  .

( [666] ) نقض مدني 25 مايو سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 142 ص 390 - والقضاء مضطرد في هذا المعني  . وقد قضت محكمة استئناف مصر بأنه إذا ثبت أن عقدين حررا في صورتي عقد بيع ، وكان الغرض من تحريرهما هو إخفاء قرض بربا فاحش ، فلا محل للقول بأنه لا يجوز الطعن في العقدين ولا إثبات ما يخالفهما بالبينة ، لأن جعل عملية تشتمل علي ربا فاحش في صورة عقد بيع فيه مخالفة للنظام العام ، ويجوز إثباتها بالبينة حتي فيما بين المتعاقدين ( 12 مارس سنة 1930 المجموعة الرسمية 31 ص 324 )  . وقضت أيضا بأن دعاوي الربا الفاحش ليست من الدعاوي التي يلزمها الدليل الكتابي علي قيامها  . بل تكفي فيها القرائن كما أنها ليست مقيدة بنصاب معين لقبول التحقيق فيها أو عدم قبوله ( 31 مارس سنة 1931 المجموعة الرسمية 33 ص 70 )  . وقضت محكمة طنطا أنه لما كان الربا الفاحش مخالفا للنظام العام ، جاز أن يثبت بكافة الطرق ان مبالغ متفقا عليها في عقد إيجار هي في الحقيقة ربا فاحش ، ولو كان هذا الإثبات مؤديا إلي ما يخالف مضمون العقد أو متناولا مبلغا تزيد قيمته علي الألف قرش ( 26 فبراير سنة 1903 الحقوق 18 ص 231 )  .

( [667] ) نقض مدني 11 مايو سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 124 ص 494 - انظر أيضا حكما آخر في هذا المعني لمحكمة النقض في دائرتها المدنية في 24 ديسمبر سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 46 ص 297  .       

( [668] ) محكمة استئناف الإسكندرية 28 يناير سنة 1947 المحاماة 28 رقم 427 ص 1047  .       

( [669] ) محكمة استئناف مصر 23 يناير سنة 1932 المحاماة 13 رقم 24 ص 69  .

( [670] ) الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 1 فقرة 414 مكرر ص 390  .  

( [671] ) استئناف مختلط 21 مارس سنة 1931 م 43 ص 314  .       

( [672] ) الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات فقرة 242 ص 451  . 

( [673] ) استئناف أهلي 14 ديسمبر سنة 1922 المحاماة 5 رقم 358 ص 415  .  

( [674] ) استئناف مختلط 20 ديسمبر سنة 1923 م 36 ص 103 ( الاتفاق علي أن شخصا لا يزايد علي الآخر ) - استئناف مختلط 10 مارس سنة 1931 م 43 ص 279 ( اشتراط مقابل مبالغ فيه من المدين المنزوعة ملكيته في نظير التدخل في المزايدة ) - الزقازيق الكلية 22 مايو سنة 1928 المحاماة 9 رقم 234 ص 412 ( الحصول علي اعتراف بالزوجية ) - جرجا الجزئية 14 يونية سنة 1927 المحاماة 8 رقم 49 ص 87 ( إخفاء معاملة تجارية تحت صورة وديعة مكان اتخاذ الإجراءات الجنائية )  .   

( [675] ) استئناف أهلي 12 مايو سنة 1904 الاستقلال 3 ص 162 - 2 أبريل سنة 1913 المجموعة الرسمية 14 ص 172 - 24 مارس سنة 1914 الشرائع 1 ص 147 - 20 أكتوبر سنة 1914 الشرائع 2 ص 46 - 27 يناير سنة 1915 الشرائع 2 ص 179 - 29 مارس سنة 1917 المجموعة الرسمية 18 ص 119 - استئناف مختلط 7 مارس سنة 1901 م 13 ص 196 - 25 أبريل سنة 1906 م 18 ص 214  .   

( [676] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر بأنه لا يجوز إثباته الصورية بالقرائن إلا إذا كان العقد يخفي سببا غير مشروع ، أما الإدعاء بأن عقد البيع حرر لتكملة النصاب المقرر للعمدية أو للمشيخة فليس من هذا القبيل ، والوصرية المدعي بها يجب إثباتها بالكتابة ( 21 مايو سنة 1931 المجموعة الرسمية 32 رقم 9 ص 170 ) - وانظر أيضا حكم محكمة النقض ( دائرة مدنية ) في 21 ديسمبر سنة 1950 ( مجموعة أحكام النقض 2 رقم 38 ص 195 ) وهو الحكم الذي سبقت الإشارة إليه ويقضي بعدم جواز إثبات الصورية بالبينة أو بالقرائن إذا كان سببها هو إعطاء الشخص مظاهر الثراء ليتيسر زواجه بأحدي العقيلات  .

 ( [677] ) مثل ذلك ما قضت به المادة 739 من التقنين المدني من جواز استرداد من خسر في المقامرة ما أداه للكاسب ، وله أن يثبت ما أدي بجميع الطرق  . ومثل ذلك أيضا ما قضت به دائرة النقض من أنه يجوز بوجه عام إثبات ما داخله الغش بالبينة مهما كانت قيمة الالتزام ، فيجوز الإثبات بالبينة فيما يشبه النصب وفيما قام علي الغش ، كحالة ما إذا حصل شخص علي نقود يزيد مقدارها عما تجوز البينة فيه من امرأة في سبيل إحضار زوجها الغائب غيبة مريبة ( 8 مارس سنة 1929 المحاماة 9 ص 820 )      

( [678] ) وكل نوع من هذين النوعين من الاستثناءات مستقل عن الآخر  . فقد يوجدان معا ، ويختار عندئذ التمسك بأيهما  . مثل ذلك أن يكون الخصم قد اجتمع عنده دليل كتابي كامل ، ثم فقده بسبب أجنبي ، وفي الوقت ذاته عثر علي مبدأ ثبوت بالكتابة  . فله إما أن يتمسك بمبدأ الثبوت بالكتابة ويعززه بالبينة أو بالقرائن ، وإما أن يتقدم لإثبات دعواه بالبينة أو بالقرائن دون أن يقدم مبدأ الثبوت بالكتابة وذلك بعد أن يثبت فقده الدليل الكتابي الكامل بسبب أجنبي  . وقد يوجد أحد الاستثنائين دون الآخر ، فيتمسك به الخصم ويتحقق ذلك في المثل المتقدم إذا ضاع الدليل الكتابي الكامل بإهمال من الخصم ، فليس أمامه في هذه الحالة إلا أن يتمسك بمبدأ الثبوت بالكتابة بالبينة أو بالقرائن ( أوبري ورو 12 فقرة 763 مكرر 3 ص 342 - بارتان علي أوبري ورو 12 فقر 764 هامش رقم 1 مكرر 3 - بودري وبارد 4 فقرة 2616 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1543 ص 1004 )  .

هذا ويلاحظ أن البينة والقرائن في حالة فقد الدليل الكتابي الكامل تكون دليلا بدليا ، وليست دليلا أصليا كما هي في حالة إثبات التصرف الذي لا تزيد قيمته علي عشرة جنيهات  . وهي في حالة مبدأ الثبوت بالكتابة دليل تكميلي ، وليست دليلا أصليا ولا دليلا بدليا  . وقد تقدمت الإشارة إلي ذلك ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1530 ص 985 )  .

( [679] ) انظر في هذا الموضوع : هنري مازو ( H  . Mazeaud ) في الفكرة القانونية من مبدأ الثبوت بالكتابة المنصوص عليه في المادة 1347 من التقنين المدني الفرنسي ، رسالة من ليون سنة 1921 - مانويل ( Manuel ) في مبدأ الثبوت بالكتابة ، رسالة من جرينوبل سنة 1937 – روجيه برو ( Roger parrot ) في مبدأ الثبوت بالكتابة في موسوعة داللوز في القانون المدني 1 ص 697 ( Encyclopedie Dakkoz Droit Civil )  .

( [680] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 540 من المشروع التمهيدي علي الوجه الآتي : " 1 - يجوز الإثبات بالبينة إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة  . 2 - وكل كتابة تصدر من الخصم ، ويكون من شأنها أن تجعل وجود العقد المدعي به قريب الاحتمال ، تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة " وفي لجنة المراجعة أضيفت عبارة : " فيما كان يجب إثباته بالكتابة " في الفقرة الأولي ليكون المعني أدق ، وأصبح رقم المادة 415 في المشروع النهائي  . ووافق عليها مجلس النواب بعد استبدال كلمة " التصرف " بكلمة " العقد " في الفقرة الثانية منها  . ووافقت عليها لجنة مجلس الشيوخ تحت رقم 402 ثم مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 405 و ص 408 - ص 409 )  .    

( [681] ) وكانت المادة 217 / 282 من التقنين المدني السابق تجري علي الوجه الآتي : " ومع ذلك فالإثبات بالبينة أو بقرائن الأحوال يجوز قبول إذا كان الدين أو التخلص منه صار قريب الاحتمال بورقة صادرة من الخصم المطلوب الإثبات عليه "  . ونري من ذلك ألا فرق في الحكم ما بين التقنين المدني الجديد والتقنين المدني القديم في هذا الموضوع ، رغم الاختلاف في العبارة  .

( [682] )نصوص التقنينات المدنية العربية الأخري : قانون البينات السوري م 56 : 1 - يجوز الإثبات بالشهادة في الالتزامات القانونية حتي لو كان المطلوب تزيد قيمته علي مائة ليرة إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة  . 2 - ومبدأ الثبوت بالكتابة هو كل كتابة تصدر عن الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود العقد المدعي به قريب الاحتمال( ويلاحظ أن الفقرة الأولي من هذا النص قاصرة ، حيث تقول : حتي لو كان المطلوب تزيد قيمته علي مائة ليرة  . وكان الأولي أن يقال بدلا من ذلك : فيما كان يجب إثباته بالكتابة ، حتي يرد الاستثناء علي قاعدة وجوب الدليل الكتابي بشقيها ، فيشمل ما إذا كان المطلوب تزيد قيمته علي مائة ليرة وما إذا كان المراد إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها  . كذلك كان الأفضل استعمال عبارة " التصرف القانوني " بدلا من عبارة " الالتزامات التعاقدية " ، إذ العبارة الأولي أعم من العبارة الثانية وفيما عدا ذلك يتفق نص التقنين السوري مع نص التقنين المصري )  .    

التقنين المدني العراقي م 490 : تطابق نص المادة 56 من قانون البينات السوري ، ويرد عليها نفس الاعتراضات  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبناني م 242 : تقبل البينة الشخصية :  .  .  .  .3 ) إذا وجدت بداءة بينة خطية ، أي مخطوطة ولو خالية من التوقيع ، صادرة عن المدعي عليه أو عمن يمثله ، يجعل الواقعة المزعومة قابلة للتصديق  . ( وهذا النص يتفق في حكمه مع نص التقنين المصري )  .

التقنين المدني للمملكة الليبية المتحدة م 389 : تطابق المادة 402 من التقنين المدني المصري  .

( [683] ) التقنين المدني الفرنسي م 1347 : 1 - ويستثني من القواعد المتقدم ذكرها ( أي من وجوب الدليل الكتابي في إثبات تصرف تزيد قيمته علي 5000 فرنك وفي إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها ) الأحوال التي يوجد فيها مبدأ ثبوت بالكتابة  . 2 - ويقصد بمبدأ الثبوت بالكتابة كل ورقة مكتوبة صادرة من الخصم الموجه إليه الطلب أو من شخص يمثله هذا الخصم ، ويكون من شأنها ان تجعل الورقة المدعي بها قريبة الاحتمال  . ( هذا ومبدأ الثبوت بالكتابة عرف في القانون الفرنسي القديم عقب صدور أمر مولان عن طريق القضاء ، واستقر في نصوص الأمر الصادر في سنة 1667 ، وانتقل إلي بوتييه ، ومنه إلي التقنين المدني الفرنسي علي الوجه الذي نراه : بودري وبادر 4 فقرة 2580 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1531 - بيدان وبرو 9 فقرة 1272 )  .

Art  . 1347 : Les regles ci - dessus recoivent exception lorsqu il existe un commencement de prevue par ecrit  . On appelle ainsi tout acte par ecrit qui est emane de celui contre lequel la demande est formee ou de celui qu il represente et qui rend vraisemblable le fait allegue  .       

( [684] ) ذلك أن البينة والقرائن تستند في هذه الحالة إلي ورقة مكتوبة ، فيمكن أن يضفي عليها من الثقة ما يعوزها لو لم تستند إلي الورقة المكتوبة ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1531 )  . وقد قدمنا أن البينة والقرائن تعتبر في هذه الحالة دليلا تكميليا لا دليلا أصليا ، ولكنها دليل ضروري وبغيره يكون الإثبات ناقصا ( استئناف مختلط 9 مايو سنة 1944 م 56 ص 143 )  . وسنري أنه يجوز أن يكون الدليل التكميلي لمبدأ الثبوت بالكتابة هي اليمين المتممة ، لا البينة ولا القرائن  .

وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا المعني ما يأتي : " وينبغي التنويه بما لتعيين السمة الخاصة التي يمتاز بها هذا الاستثناء من بالغ الأهمية ، ذلك أنه يجعل الإثبات بالبينة جائزا إذا جاوزت القيمة مبلغ عشرة جنيهات من ناحية ، ويجعله جائزاً كذلك لنقص الثابت كتابة وإقامة الدليل علي الإضافة إليه من ناحية أخري  . فمتي وجد مبدأ ثبوت بالكتابة بشأن الالتزام المدعي به جاز الإثبات بالبينة ، فهي بهذا الوصف تكمل ما يعتور الدليل المستخلص من هذا المبدأ من نقص وقصور  . وينهض لتوجيه هذا الحكم ما هو ملحوظ من أن مبدأ الثبوت بالكتابة يجعل الواقعة المدعي بها قريبة الاحتمال  . ويعتبر هذا الوجه ضماناً كافيا للحد من الأخطار التي تكتنف الإثبات بالبينة  . ثم إن البينة لا تكون في هذه الحالة إلا دليلا مكملا أو متمما " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 406 ) - هذا ويفسر عادة مبدأ الثبوت بالكتابة في كثير من التوسع حتي تنكسر حدة التنظيم القانوني للإثبات  . فتقبل البينة والقرائن في مواضع تقضي العدالة بقبولها فيها ، وما كانت لتقبل لولا فكرة مبدأ الثبوت بالكتابة  . فهذه الفكرة إذن تتدارك كثيراً مما تفوته الصرامة التي تنطوي عليها دقة تنظيم الإثبات ، وهي صمام الأمان الذي يكفل لقواعد الإثبات أن تسري في رفق ويسر ( بيدان وبرو 9 فقرة 1272 )  .  

( [685] ) ومع ذلك تقول المذكرة الإيضاحية     للمشروع التمهيدي في هذه المسألة ما يأتي : " أما فيما يتعلق بنطاق تطبيق هذا النص فليس شك في أنه لا يسري حيث تكون الكتابة شرطا من شروط صحة الالتزام يترتب البطلان علي تخلفه ولو كانت القيمة أقل من عشرة جنيهات ، كما هو الشأن في المحررات الرسمية  . ذلك أن الكتابة أو الأوضاع الشكلية لا تكون في هذه الحالة مجرد دليل فحسب ، بل تعتبر ركنا أو شرطا من شروط الصحة الموضوعية  . علي أن الخلاف قد أثير في الفقه بصدد الالتزامات التي يشترط فيها القانون الكتابة دون أن ينص علي البطلان ، ولاسيما بالنسبة للإيجار ( وكان التقني المدني السابق يشترط في إثباته الكتابة )  . والرأي أن الالتزام يترتب صحيحا في هذه الحالة ، ولكن لا يمكن إثباته إلا بالإقرار أو اليمين ، لأن البينة قد استبعدت صراحة بالنص ، فليس يجوز العود إليها من طريق غير مباشر بالالتجاء إلي مبدأ الثبوت بالكتابة " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 406 )  . هذا وكانت المادة 363 / 446 من التقنين المدني السابق تنص علي أن " عقد الإيجار الحاصل بغير كتابة لا يجوز إثباته إلا بإقرار المدعي عليه أو امتناعه عن اليمين إذا لم يبدأ في تنفيذ العقد المذكور "  . وكان القضاء في ظل التقنين السابق ( قبل أن يخضع التقنين الجديد عقد الإيجار لقواعد الإثبات العامة ) يقضي بأنه لا يجوز إثبات عقد الإيجار بمبدأ ثبوت بالكتابة ولو عززته البينة والقرائن  . وقد دافع الفقيهان أوبري ورو باسهاب عن جواز إثبات عقد الإيجار في القانون الفرنسي بمبدأ ثبوت بالكتابة معززاً بالبينة أو بالقرائن ( أوبري ورو 12 فقرة 763 مكرر 3 هامش رقم 5 - وانظر أيضا في هذا المعني بودري وبارد 4 فقرة 2617 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1543 ص 1005 )  .

ويبدو أن محكمة النقض في مصر تظاهر هذا الرأي فيما يتعلق بعقد شركة التضامن  . فقد قضت بأن عقد شركة التضامن ليس من العقود الشكلية حتي يبطل إذا لم تحرر به كتابة ، بل حكمه حكم سائر التعهدات التي يشترط فيها الإثبات بالكتابة ، إذ أن المادة 46 من قانون التجارة لم تنص علي وجوب الكتابة إلا طبيان نوع الدليل الذي يقبل في إثبات شركة التضامن ، كما نصت المادة 215 مدني علي وجوب الإثبات بالكتابة إذا زادت قيمة المتعهد علي ألف قرش  . ولما كان مبدأ الثبوت بالكتابة يقوم في التعهدات المدنية مقام الإثبات بالكتابة إذا أيدته الشهود والقرائن ، فمن باب أولي في مسألة تجارية ، لأن القاعدة في المواد التجارية أنه يجوز الإثبات بغير الكتابة طبقا للمادة 115 المذكورة ( نقض مدني 28 أبريل سنة 1944 المحاماة 26 رقم 297 ص 869 )  . والأولوية التي تشير إليها محكمة النقض للمسائل التجارية في الإثبات بغير الكتابة ليس من شأنها أن تمنع قيام مبدأ الثبوت بالكتابة معززاً بالبينة أو بالقرائن مقام الدليل الكتابي الكامل في التصرفات التجارية والتصرفات المدنية علي السواء  .

( [686] ) وتقول الأساتذة بلانيول وريبير وجابولد أن القضاء الفرنسي يتوسع في تفسير الركن الأول من مبدأ الثبوت بالكتابة المتعلق بمادته ( substance ) ، ويضيق من تفسير الركن الثاني المتعلق بمصدره ( origine ) ، ويستبقي لقاضي الموضوع سلطانه في تقدير الركن الثالث المتعلق بدلالته ( pertinence )  . ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1531 ص 986 )  .

( [687] ) بل قد بلغ الأمر حد الاستغناء عن إبراز الورقة المكتوبة ذاتها ، إذا ثبت وجودها وكذلك مشتملاتها عن طريق الإقرار أو اليمين ، لا عن طرق البينة أو القرائن ( بودري وبارد 4 فقرة 2585 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1532 ص 989 - دي باج 3 فقرة 893 - الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات فقرة 223 ص 407 ويجب أن يذكر الإقرار ما هي الورقة المكتوبة وما الذي تشتمل عليه من بيانات ( نقض مدني 27 مارس سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 179 ص 387  . ويتبين من ذلك أن الورقة لم تعد هي ذاتها مبدأ الثبوت بالكتابة ، بل هي ليست إلا مجرد دليل عليه ، وهي دليل يمكن الاستغناء عنه بالإقرار وباليمين ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1532 ص 989 - بيدان وبرو 9 فقرة 1274 ص 357 )  .

( [688] ) فإذا كان الشروع في التنفيذ المادي قد ثبت ، ولو بالبينة أو بالقرائن ، أنه وقع قبل 15 من شهر أكتوبر سنة 1949 ، جاز أن يكون سببا لإثبات الالتزام الذي تزيد قيمته علي عشرة جنيهات بالبينة أو بالقرائن وفقا لأحكام التقنين المدني السابق أما منذ 15 من شهر أكتوبر سنة 1949 فلم يعد هذا الشروع المادي صالحا إلا أن يكون مجرد قرينة قضائية ، لا يجوز قبولها إذا زادت قيمة الالتزام علي عشرة جنيهات أو كان المراد إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها  . 

( [689] ) وعند ذلك فقط - أي في حالة الشروع في الوفاء إذا انطوي علي تصرف قانوني لا في حالة الشروع في الوفاء المادي - يصدق ما جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد علي الوجه الآتي : " ومن أمثله الأوراق التي تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة المحررات المثبتة لبدء التنفيذ أو للوفاء بالفوائد أو الإيرادات ، وقد أفرد لها التقنين المصري ( السابق ) المادتين 221 - 322 / 286 - 287 ولما كان الملحوظ في أحكام هاتين المادتين أنها ليست سوي تطبيق للقاعدة العامة ، لذلك لم تر ضرورة للنص عليها ، إذ في تعريف مبدأ الثبوت بالكتابة ما يعني عنها ، ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 407 )  .

وقد كان التقنين المدني السابق يشتمل علي نص آخر ، لم يستبقه التقنين المدني الجديد ، هو المادة 222 / 287 ، وكان هذا النص يقضي بأن " دفع الفوائد يكون سببا لجواز إثبات أصل الدين بغير الكتابة "  . ولما كان دفع الفوائد  ليس إلا شروعا في الوفاء بالدين عن طريق تصرف قانوني لا عن طريق عمل مادي ، فإن مبدأ الثبوت بالكتابة يعني عن استبقاء المادة 222 / 287 ، كما بينا فيما قدمناه  . ( انظر في هذه المسألة الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات فقرة 230 الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة ص 207 )  .

( [690] ) وهذا ما جعل التقنين المدني الإيطالي السابق الصادر في سنة 1865 يورد هذا النص في المادة 1354 منه  . وقد نقل عنه التقنين المدني المصري السابق نص المادة 221 / 286 ، واستبقي المشروع الفرنسي الإيطالي نص التقنين الإيطالي في المادة 305 منه  . وكان من الخير استبقاء نص المادة 221 / 286 فإنه يسد فراغا ، ولا يمكن أن يستغني عنه في جميع صوره بمبدأ الثبوت بالكتابة كما رأينا ( انظر في هذه المسألة الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات فقرة 229 )  .     

( [691] ) وقد قضت محكمة النقض بأن الإيصال المعطي من البائع لمن استرد منه عقد البيع الذي كان قد أودعه إياه يجوز للمشتري أن يعتمد عليه في إثبات حصول البيع له ، متي كان قد حصل عليه برضا المودع لديه ( نقض مدني 5 ديسمبر سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 78 ص 279 )  . وقضت دائرة النقض الجنائية بأنه إذا أخذ أحد ضباط القرعة قيمة البدل العسكري من والد أحد المقترعين وبددها ، وزور شهادة معافاة باسم المقترع المذكور ، فإن هذه الشهادة المزورة تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة بالنسبة إلي تسلم المبلغ ( 7 يناير سنة 1915 المجموعة الرسمية 17 رقم 3 ص 4 )  . وقضت محكمة استئناف مصر بأن الإيصال المحرر من أحد شخصين بقبض مبلغ من الآخر علي ذمة المزايدة يعد مبدأ ثبوت بالكتابة ( 21 فبراير سنة 1923 المحاماة 3 رقم 209 ص 276 )  . وقضت محكمة جرجا بأنه إذا قدم المدين ورقة تفيد بأنه بعد تاريخ استحقاق الدين داين هو الدائن بدين آخر ، اعتبرت هذه الورقة مبدأ ثبوت بالكتابة علي المخالصة من الدين الأول ( 27 فبراير سنة 1926 المحاماة 8 رقم 382 ص 585 )  .

( [692] ) وقد تقدم بيان أن الصورة الفوتوغرافية للعقد المسجل تعتبر علي الأقل مبدأ ثبوت بالكتابة  . وكذلك الشهادة التي تستخرج من دفتر التصديقات علي الإمضاءات والأختام الموقع بها علي المحررات العرفية هي صورة رسمية لما يدون في هذا الدفتر من ملخص للمحرر ، وليست صورة للورقة العرفية ، ولذلك فإنه يجوز الاستناد إليها كمبدأ ثبوت بالكتابة في إثبات هذا العقد ( نقض مدني 5 ديسمبر سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 78 ص 279 )  . ولكن محكمة النقض قضت ، لإثبات صورية العقد ، بأنه إذا كان الحكم لم يعتمد في صورية عقد البيع علي شهادة من واقع دفتر التصديق علي التوقيعات ، بل اطلعت المحكمة علي كتابة مدونة في الدفتر المذكور بها إمضاء للمقر وقع به أمام الكاتب المختص ، فإنه يكون قد اعتمد علي سند كتابي صالح للاحتجاج به علي الموقع وعلي خلفائه لا علي صورة لمحرر عرفي مجرد من أية قيمة في الإثبات ( نقض مدني أول ديسمبر سنة 1949 مجوعة أحكام النقض 1 رقم 13 ص 48 )  . ويبدو أن المحكمة اعتبرت الشهادة التي تستخرج من دفتر التصديقات مبدأ ثبوت بالكتابة ، أما الكتابة المدونة في دفتر التصديقات فاعتبرتها دليلا كتابيا كاملا  .

( [693] ) استئناف مختلط 9 أبريل سنة 1908 م 20 ص 167  .

( [694] ) وقد قضت دائرة النقض الجنائية بأن أقول المتهم في أثناء التحقيق يمكن أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة إذا احتوت علي تناقض أو تباين يدل علي سوء نية ، ولم تكن هذه الأقوال ظاهرة بحيث تكون اعترافا صريحا ( 15 نوفمبر سنة 1919 المجموعة الرسمية 21 رقم 28 - استئناف مصر 7 أبريل سنة 1931 المجموعة الرسمية 33 رقم 1 ص 22 - الإسكندرية 17 فبراير سنة 1908 المجموعة الرسمية 9 رقم 105 ) - وقضت محكمة استئناف مصر أيضا بأن المحضر الذي يحرره      قمص بدار البطريركية بأن زوجة المورث اشترت من مال زوجها المنزل موضوع النزاع رغم إنكارها بصمتها علي هذا المحضر يعد مبدأ ثبوت بالكتابة ( 22 أبريل سنة 1929 المحاماة 9 رقم 532 ص 987 )  .

( [695] ) استئناف مصر 8 نوفمبر سنة 1925 المحاماة 7 رقم 10 ص 17  .       

( [696] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي : " فالشرط الأول وهو وجود كتابة أو محرر عام الدلالة – فلفظ الكتابة يصرف إلي أوسع معانيه - فهو يشمل كل ما يحرر دون اشتراط شكل ما أو وجود توقيع  . ولذلك استعمل لنص عبارة " فكل كتابة " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 407 )  .

( [697] ) بارتان علي أوبري ورو 12 فقرة 764 ص 347 و ص 348 وهامش رقم 6 مكرر 3 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1532 ص 988 - ومن باب أولي إذا قدمت في الدعوي قصاصات ورق مجموعة بعضها إلي بعض بطريق اللصق ، فاستدلت المحكمة منها علي أنها أجزاء الأصل واحد ، واعتبرتها ، لا ورقة ضد كاملة ، بل مبدأ ثبوت بالكتابة ، فذلك ليس فيه خطأ في تطبيق القانون ( نقض مدني 22 نوفمبر سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 17 ص 87 )  .

( [698] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1532 ص 987  .      

( [699] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1532 ص 987  .      

( [700] ) أما في فرنسا فالسند العرفي قد يكون باطلا أيضا لعدم تعدد النسخ في العقود الملزمة للجانبين ، أو لعدم ذرك عبارة الاعتماد في العقود الملزمة لجانب واحد ، والسند العرفي الباطل لسبب من هذين يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة ( محكمة النقض الفرنسية 25 يناير سنة 1946 سيرية 1946 - 1 - 29 بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1532 ص 988 )  .      

( [701] ) استئناف أسيوط 17 أبريل سنة 1929 المحاماة 10 رقم 78 ص 156  .  

( [702] ) استئناف مصر 8 يونية سنة 1937 المحاماة 18 رقم 120 ص 228  .   

( [703] ) نقض فرنسي 19 يناير سنة 1904 داللوز 1904 - 1 - 295  .

( [704] ) وكان تقنين المرافعات السابق ( م 161 - 162 / 181 - 182 ) يجري علي الوجه الآتي : " إذا قررت المحكمة استجواب شخص عن وقائع متعلقة بالدعوي وجائزة القبول ، وامتنع عن الإجابة أو لم يحضر في اليوم المحدد لذلك ، فإن للمحكمة النظر فيما يحتمله ذلك ويسوغ لها أن تحكم بأن هذا الامتناع مما يؤذن بإثبات الوقائع المبينة عليها الأسئلة بالبينة ، ولو كانت الحالة مما لا تجيز القوانين الإثبات فيها بذلط "  . ويبدو أن سلطة القاضي ، في تقنين المرافعات السابق ، كانت أوسع منها في التقنين الجديد ، فقد كان القاضي يستطيع ، بما له من حق النظر فيما يحتمله امتناع الخصم عن الحضور أو عن الإجابة ، أن يعتبر هذا الامتناع إقراراً كاملا ، كما أن له أن يعتبره مبدأ ثبوت بالكتابة ، أو قرينة قضائية بسيطة تنقل عبء الإثبات إلي الخصم الممتنع عن الحضور أو عن الإجابة  .أما في تقنين المرافعات الجديد ، فأوسع سلطة للقاضي هي أن يعتبر الامتناع عن الحضور أو عن الإجابة مبدأ ثبوت بالكتابة  .

وقد قضت محكمة النقض ، في عهد تقنين المرافعات السابق ، بأنه إذا كانت المحكمة قد استجوبت طرفي الخصوم فيما تقدم به المدين من القرائن للتدليل علي كذب الإيصال الصادر منه ، فإن محضر هذا الاستجواب لا يمكن اعتباره لذاته مبدأ ثبوت بالكتابة ، لأنه يجب لاعتباره كذلك أن يكون قد تضمن قولا صادراً عمن يراد الإثبات ضده يجعل الحق المراد إثباته بالبينة قريب الاحتمال  . فإذا كان الثابت في المحضر أن كلا من الطرفين قد أصر إصراراً تاما علي وجهة نظره : الدائن ينكر إنكاراً مطلقا كل ما يدعيه المدين والمدين مصر علي دعواه ، فإنه لا يمكن اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة ( نقض مدني 3 فبراير سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 99 ص 256 )  . أما إذا تضمن محضر الاستجواب ما يجعل الواقعة المدعاة قريبة الاحتمال ، صح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة ( استئناف مصر 7 أبريل سنة 1931 المحاماة 12 رقم 40 ص 61 - استئناف مختلط 27 فبراير سنة 1890 م 2 ص 394 )  . ولا يترتب علي امتناع المدعي المدني عن المجاوبة علي الأسئلة الموجهة إليه من النيابة أثناء التحقيق جواز قبول الإثبات بالبينة في غير الأحوال التي أجاز فيها القانون الإثبات بهذه الطريقة ، فإن امتناعه في هذه الحالة لا يمكن أن يقاس بامتناع أحد الخصوم في دعوي مدنية عن المجاوبة عل الأسئلة التي وجهت إليه أثناء استجوابه عن وقائع معينة ( استئناف أهلي أول مارس سنة 1900 المجموعة الرسمية 2 ص 47 )  . هذا وقد جاء في قرار لمحكمة تمييز لبنان " ان تناقض المدعي عليه في أقواله يعد مبدأ ثبوت بالكتابة ، مما يجوز معه الإثبات بالشهادة والقرينة " ( محكمة التمييز اللبنانية رقم 900 تاريخ 25 / 4 / 1940 مجلة المحامي سنة 1941 قسم 4 ص 7 - انظر الأستاذ حسين المؤمن في نظرية الإثبات جزء 2 في الشهادة ص 616 )  .

( [705] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1532 ص 989  .

( [706] ) بارتان علي أوبري ورو 12 فقرة 756 ص 221 - ص 223 وهامش رقم 101 مكرر 3 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1486 ص 930  .       

( [707] ) الموجز للمؤلف فقرة 682 - وقد قضي بأن الإمضاء الموقع بها علي سند ما يجب أن تشمل اسم الملتزم ، ولا تغني عنها علامة يضعها المدين ، كما لا يصح اعتبار هذه العلامة مبدأ ثبوت بالكتابة إذ لا قيمة لها قانونا ، ويسري هذا الحكم أيضا علي الختم المطموس الذي لا يقرأ ( دمياط 24 مايو سنة 1934 المحاماة 15 رقم 29 ص 62 - محكمة النقض الفرنسية 15 مايو سنة 1934 داللوز 1934 - 1 - 1 - 113 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1532 ص 988 ) ومع ذلك فقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي " وقد تكون هذه الكتابة سنداً أو مذكرة شخصية أو مجرد علامة ترمز للاسم أو توقيعا أو غير ذلك " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 407 ) - والورقة التي تشير إلي ورقة أخري هي التي تجعل الواقعة المراد إثباتها قريبة الاحتمال تعتبر هي والورقة الأخري معا مبدأ ثبوت بالكتابة ، ما دامت الورقة الأخري موجودة ، كما سبق القول  . أما إذا لم يوجد أثر لهذه الورقة الأخري ، فالورقة الأولي وحدها لا تكفي لتكون مبدأ ثبوت بالكتابة ( حكم محكمة باريس الاستئنافية 13 ديسمبر سنة 1930 جازيت دي تيبينو 29 أبريل سنة 1931 ويشير إليه بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1532 ص 988 - ص 989 )  .

ومع ذلك فقد قضت محكمة طنطا بأن بقاء أصل عقد البيع الموقع عليه من المتعاقدين تحت يد البائع قرينة يصح التمسك بها ليثبت البائع بالبينة أن العقد صوري ولو لم تؤخذ علي المشتري ورقة ضد ( 21 فبراير سنة 1922 المحاماة 3 رقم 117 ص 167 ) وكان من الممكن أن يقال إن بقاء أصل عقد البيع تحت يد البائع قرينة علي أن العقد لا يزال مشروعا لم يتم ألا علي أنه عقد صوري ، لولا أن هذا لا يعتبر إثباتا بالقرائن لما يخالف عقد بيع مكتوب  .

( [708] ) بارتان علي أوبري ورو 12 فقرة 764 ص 348 - ديرانتون 13 فقرة 331= بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1532 ص 986 و ص 988 - نقض فرنسي 13 يونيه سنة 1883 داللوز 84 - 1 - 38 - 10 مارس 1896 داللوز 96 - 1 - 201 ولكن الورقة التي أسيء توقيعها علي بياض تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة لإثبات إساءة هذا التوقيع ( بارتان علي أوبري ورو 12 فقرة 764 ص 384 هامش رقم 3 مكرر 3 )  .        

( [709] ) أوبري ورو 12 فقرة 765 ص 364 وهامش رقم 8 والمراجع والأحكام المشار إليها في هذا الهامش  . 

( [710] ) استئناف مختلط 23 يناير سنة 1895 م 7 ص 96 - 3 ديسمبر سنة 1896 م 9 ص 49 - 26 يناير سنة 1937 م 49 ص 79  .    

( [711] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا وقع شخص بإمضائه التزاما عقده الغير لحسابه ، دون أن يبين ما إذا كان قد أراد بإمضائه الالتزام أن يقره أو أن يكون مجرد شاهد في الورقة  . فإن هذا السند لا يكون دليلا كاملا علي التزامه ، ولا يصلح إلا مبدأ ثبوت بالكتابة يرخص في تقديم البينة لإثبات أنه إنما وقع بإمضائه كطرف في الالتزام كمجرد شاهد ( استئناف مختلط 14 يونيه سنة 1900 م 12 ص 347 )  .

( [712] ) ويتساءل أوبري ورو عما إذا كان يكفي التوقيع الذي بدأه الخصم فأدركه الموت قبل أن يتمه ، ويجيب أن محكمة باريس الاستئنافية ( 27 مارس سنة 1841 سيريه 42 - 2 - 10 ) قد قضت بأنه يكفي ( أوبري ورو 12 فقرة 764 هامش رقم 15 )  .    

( [713] ) وقد قضت محكمة الاستئناف الأهلية بأن الورقة الصادرة من الخصم المطلوب الإثبات ضده يجوز قبولها كمبدأ ثبوت بالكتابة ولو لم تكن ممضاة منه ( 3 مارس سنة 1913 المجموعة الرسمية 14 رقم 60 ) وقضت محكمة استئناف مصر بأن مبدأ الثبوت بالكتابة لا يشترط فيه أن تكون الورقة مكتوبة وموقعا عليها من الخصم ، لأنها في هذه الحالة تكون دليلا تاما ، وإنما يكفي أن تكون الورقة مكتوبة بخط الخصم وإن كان موقعا عليها من غيره ، كما يجوز أن يكون كتبها غيره وهو وقع عليها ( 10 أبريل سنة 1924 المجموعة الرسمية 26 رقم 98 )  . بل أن الإقرار يمكن اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة باعتباره صادراً من الخصم ، وقد قضت محكمة النقض بأنه يمكن اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة الإقرار المركب إذا أريدت تجزئته والأخذ ببعضه دون البعض الآخر ، لأن عدم تجزئة الإقرار محله ألا يكون في الدعوي دليل آخر غيره  . أما إذا وجدت بينة ، فتمكن تجزئة الإقرار ، علي أن يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة تكلمه البينة ( نقض مدني 21 يونيه سنة 1943 المحاماة 26 رقم 76 ص 210 ، وحكم آخر في نفس التاريخ المحاماة 26 رقم 83 ص 220 )  . وقضت محكمة منوف بأن إقرار البائع المدون في مذكرات مقدمة منه في دعاوي سابقة بشأن البيع الصادر منه المشتري يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة ( 18 فبراير سنة 1915 المجموعة الرسمية 16 رقم 79 / 1 )  .

أما المنشور المطبوع غير الممضي فلا يمكن اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة لأنه يتعذر التحقق من مصدره ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1533 ص 992 - ص 993 )  . 

( [714] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1533 ص 993  .      

( [715] ) نقض فرنسي 6 ديسمبر سنة 1933 داللوز 1935 - 1 - 61  .

( [716] )وقد قضت محكمة النقض بأن محاضر الحجوز الإدارية التي توقع بناء علي طلب المؤجر علي زراعة المستأجر تعتبر قانونا أنها صادرة من المؤجر ، وهي بذلك تصلح للاحتجاج بها عليه كمبدأ ثبوت بالكتابة في شأن بيع الأشياء المحجوزة بالقدر وبالثمن الوارد بها ، فإذا استكملتها محكمة الموضوع بما تذكره في حكمها من القرائن ، واستنتجت منها وجوب خصم قيمة الحاصلات حسبما جاء بمحاضر الحجز ، فهذا الاستخلاص مما يدخل في حاصل فهم الواقع في الدعوي ، ولا رقابة فيه لمحكمة النقض علي محكمة الموضوع ( نقض مدني 19 مارس سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 339 ص 1076 )  . وقضت محكمة النقض الفرنسية بأن ما يكتبه المستخدم في البنك بإملاء مدير البنك ، وما يكتبه الكاتب بإملاء موثق العقود ، يعتبر صادراً من مدير البنك ومن الموثق ( نقض فرنسي 11 يونية سنة 1872 سيريه 72 - 1 - 261 - أوبري ورو 12 فقرة 764 هامش رقم 33 )  .      

( [717] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا قدم شخص ضمن مستنداته مستنداً صادراً له من آخر يقر فيه أنه كانت بيده ورقه ضد صادرة له من هذا الشخص خاصة ببيع قدر من الأرض وأنه وقد أصبح هذا البيع نهائيا فإن ورقة الضد التي ضاعت منه تعتبر لاغية ولا يعمل بها إذا ظهرت ، فأجازت المحكمة لهذا الأخر أن يثبت ما احتوته هذه الورقة بقرائن الأحوال ، بإنها لا تكون خالفت القانون ، إذ أن تمسك ذلك الشخص بالمستند الذي قدمه يفيد تسليمه بسبق وجود ورقة الضد وبضياعها وبأن موضوعها خاص بالبيع الذي هو محل الدعوي( نقض مدني 5 يناير سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 47 ص 162 )  . وقضت أيضا بأنه إذا كان الطاعن قد قدم إلي المحكمة ضمن مستنداته خطابا مرسلا له من المطعون عليه ، فإنها لا تكون قد أخطأت إذا استخلصت من هذا الخطاب دليلا فبل الطاعن ( مبدأ ثبوت بالكتابة ) ، ذلك أن تقديم الطاعن مستندا له في الدعوي يفيد تمسكه بما ورد فيه ، فيصح الاحتجاج عليه بمضمونه ( نقض مدني 16 أبريل سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 134 ص 904 )  .

( [718] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1533 ص 993  .      

( [719] ) نقض فرنسي 17 يوليه سنة 1934 داللوز الأسبوعي 1934 - 475  .    

( [720] ) نقص فرنسى 27 ديسمبر سنة 1938 جازيت دى باليه 1939 - 1 - 347  .

( [721] ) بل إن البيانات التى يذكرها عامل مصلحة البريد فى حوالة بريدية تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة ( نقص فرنسى أول مارس سنة 1926 سيريه 1926 – 1 - 105 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1533 ص 994 )  . وقضت محكمة النقض بأن تمسك الصادر له الورقة المطعون فيها بالتزوير بهذه الورقة وثبوت تزويره لتاريخها ، أى أن أصل تاريخها الصحيح هو ما يقرره مدعى التزوير ، ذلك يعتبر حتما مبدأ ثبوت بالكتابة ( نقص مدنى 16 مايو سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 260 ص 751 ) – انظر أيضا : استئناف مصر 10 أبريل سنة 1924 المجموعة الرسمية 26 ص 173 – 8 نوفمبر سنة 1925 المجموعة الرسمية 27 ص 185 - 7 أبريل سنة 1931 المحاماة 12 ص 61 – استئناف أسيوط 17 أبريل سنة 1929 المحاماة 10 ص 156  .

وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " على أن الفقه والقضاء فى فرنسا وبلجيكا ومصر استقرا على أن إقرارات الخصوم التى يدلون بها وتدون تحت إشراف موظف مختص أو قاض يأمر بإثباتها يكون حكمها حكم المحررات الصادرة منهم ولو لم تكن مدون بخطهم أو موقعاً عليها منهم  . ويتعين بداهة فى هذه الحالة أن يكون الموظف العام مختصاً يتلقى مثل هذه الإقرارات ، وأن يكون للقاضى ولاية الأمر بإثباتها  . وغنى عن البيان أن ما يصدر من الخصوم من إقرارات على هذا الوجه يكون بمنزلة مبدأ ثبوت بالكتابة ، إذا كان من شأنه أن يجعل الالتزام المدعى به قريب الاحتمال  . وقد حفلت أحكام القضاء بكثير من التطبيقات فى هذا الصدد  . فمن ذلك مثلا الإقرارات التى يدلى بها فى محضر جرد أو حصر تركة أو مناقصة أو قسمة ( استئناف مختلط 9 يناير سنة 1879 مج ر م 4 ص 91 ) ، والبيانات التى تدون فى ورقة من أوراق المحضرين ( استئناف مختلط 5 يناير سنة 1879 مج رم 4 ص 388 ) ، والإقرارات التى تصدر فى استجواب عن وقائع ( استئناف مختلط 27 فبراير سنة 1890 ب 2 ص 394 – 21 فبراير سنة 1918 ب 30 ص 243 ) ، والإقرارات أو الشهادة التى يدلى بها ذوو الشأن أمام قاضى التحقيق أو القاضى المدنى أو الجنائى ( استئناف مختلط 9 أبريل سنة 1908 ب 20 ص 167 ) ، وما يثبت من أقوال أو إقرارات فى حكم من الأحكام ( استئناف مختلط 26 أبريل سنة 1877 مج ر م 2 ص 309 )  . وقد أشارت المادة 445 فقرة 3 من التقنين المراكشى إلى هذه التطبيقات فى بعض إيراد الأحكام الخاصة بمبدأ الثبوت بالكتابة ، فنصت على أن الإقرارات التى يتلقها أحد الموظفين العموميين المختصين أو القضاة فى حدود ولايته تعتبر صادرة من الخصم ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 408 )  .

( [722] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1533 ص 944 – أما صور الأوراق الرسمية وصور الأوراق العرفية ، فقد بيننا فيما تقدم متى تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة  . أنظر أيضا فى هذه المسألة الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الأثبات ص 409 – ص 411  .

( [723] ) محكمة باريس الاستئنافية 26 يناير سنة 1952 جازيت دى باليه 12 - 14 مارس سنة 1952 – وهذا ليس إلا تطبيقا للقواعد العامة ، ولذلك لم ينص عليه صراحة التقنين المدنى الجديد  . أما التقنين المدنى الفرنسى ( م 1347 ) فقد ذكر : " كل ورقة مكتوبة صادرة من الخصم الموجه إليه الطلب أو من شخص يمثله هذا الخصم "  .

 " tout acte par ecrit qui est emane de - celui contre liquel la demande est formee, ou de celui quil represente "

وقد أخذ على هذا النص : ( أ ) أنه يقتصر ، فى عبارته الأولى ، على المدعى ( الخصم الموجه إليه الطلب ) ، والواجب إطلاق العبارة حتى تشمل المدعى عليه فى الدفع أذ يصبح عند ذلك مدعيا وكان الأولى أن يقال : " الخصم الذى يحتج عليه به " ، ليشمل المدعى فى الدعوى والمدعى عليه فى الدفع  . ( ب ) أنه يقتصر ، فى عبارته الثانية ، على ذكر من يكون الخصم ممثلا له ( celui quil represente ) كالمورث ، ولم يذكر من يكون ممثلا للخصم كالوكيل ( أوبرى ورو 12 فقرة 764 هامش 7 وهامش 8 )  .

وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى للتقنين المدنى المصرى فى هذا الصدد ما يأتى : " والشرط الثانى هو صدور المحرر من الخصم الذي يحتج عليه به ، لا من أحد الأغيار  . بيد أن المحرر يعتبر صادرا من مثل هذا الخصم ولو كان صادرا من غيره ، متى كان هذا الغير مستخلفا تسرى التزاماته على من يحلفونه خلافة عامة ( كالورثة ) وفقاً للقواعد العامة ، أو نائبا قانونياً أو اتفاقيا يعمل فى حدود نيابته لأن كتابة الموكل تكون حجة على الوكيل وبالعكس  . ولذلك استعمل النص عبارة " الخصم أو نائبه " وفقا لما جرى عليه القضاءا لمصرى ( استئناف مختلط 9 أبريل سنة 1908 ب 20 ص 167 ) ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 407 ) – ويلاحظ أن المشروع التمهيدى لم يرد فيه إلا لفظ " الخصم " دون " نائبة " ، وإنما وردت عبارة " الخصم أو نائبه " فى المشروع الأولى للإثبات الذي سبقت الإشارة إليه  .

( [724] ) أوبرى ورو 12 فقرة 764 ص 355  .

( [725] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا رفعت دعوى بموجب سند أقر فيه المدعى عليه بقبضه مبلغا على سبيل الأمانة ، ورفع المدعى عليه الدعوى بصورية هذا السند قائلا أن قيمته هى مجموع مبالغ دفعتها له المدعية عن استحقاقه فى وقف هى ناظرة عليه ، وأن زوج المدعية ووكيلها طلب إليه أن يحرر ذلك السند لمصلحة زوجته فى دعوى مرفوعة عليها من بعض أخواتها ، وأنه فى نظير هذا يرد له إيصالات المبالغ المذكورة ، واستند المدعى عليه فى دفعه هذا إلى تلك الإيصالات المعترف بها من المدعية والمؤشر عليها من زوجها وكيلها بما يفيد سبق وجودها لديها واستردادها منها ، واعتبرت المحكمة هذه الإيصالات مبدأ ثبوت بالكتابة يجيز تكملة الدليل على الصورية بالبينة والقرائن فيما بين العاقدين ، فهذا صحيح لا مخالفة فيه للقانون ، لأن هذه الإيصالات وإن كانت صادرة من المدعى عليه ، إلا أنها معترف بها من المدعية ومؤشر عليها من وكيلها بما جعل ثبوت المدعى به قريب الاحتمال فى نظر المحكمة ( نقض مدنى 28 مارس سنة 1935 مجموعة عمر رقم 241 ص 660 )  . وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن المخالصة الصادرة من صراف مالك الأرض والمذكرة بتحديد الأرض الصادرة من مهندس المالك ، هذان يعتبران مبدأ ثبوت بالكتابة لإثبات بيع الأرض ( استئناف مختلط 21 نوفمبر سنة 1918 م 21 ص 28 ) وقضت كذلك بأن ناظر الزراعة لا يعتبر وكيلا عن المالك ، فالورقة الصادرة منه لا تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة ضد المالك ( استئناف مختلط 22 يناير سنة 1931 المحاماة 11 رقم 529 ص 1041 ) انظر أيضا : استئناف مختلط 9 أبريل سنة 1908 م 20 ص 167 – 7 فبراير سنة 1946 م 58 ص 40  . وقضت محكمة النقض الفرنسية بأن علاقة التبعية القائمة بين رب العمل والمستخدم تجعل الورقة الصادرة من الثانى مبدأ ثبوت بالكتابة بالنسبة إلى الأولى ( نقض فرنسى 13 يونيه سنة 1936 داللوز الأسبوعى 1936 - 393 )  . والورقة الصادرة من الفضولى تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة ضد رب العمل إذا أقر هذا أعمال الفضالة صراحة أو دلالة ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1533 ص 991 - ص 992 ) – والخطاب الصادر من المهندس المعمارى لصاحب الأرض إلى مهندس الجار ، فى شأن تعدى الجار على هذه الأرض ، بعد مبدأ ثبوت بالكتابة ضد صاحب الأرض ( نقض فرنسى 19 ديسمبر سنة 1904 سيريه 1907 - 1 - 21 ) كذلك دفاتر المصرف أو موثق العقود تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة ضد موكليهما ( أوبرى ورو 12 فقرة 764 ص 356 )  .

وقضت أخيرا محكمة النقض فى مصر بأنه يجب ، لكى يعتبر المحرر الصادر ممن ينوب عن الخصم المطلوب الإثبات عليه ، كوكيل أو ولى أو وصى ، مبدأ ثبوت بالكتابة ، أن يكون قد صدر منه فى حدود نيابته ، فإذ كان الحكم قد اقتصر فى اعتباره الإقرار السالف الذكر مبدأ ثبوت بالكتابة مع كونه صادرا من جد القصر والوكيل عن الوصية ، دون أن يبين ما إذا كان هذا الإقرار قد صدر فى حدود وكالة الجد عن الوصية من ناحية – وفى حدود سلطتها كوصية على القصر من ناحية أخرى ، فإنه يكون قاصر البيان قصورا يستوجب نقضه ( نقض مدنى أول ديسمبر سنة 1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 17 ص 62 )  .

( [726] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1533 ص 991  .

( [727] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كان الحكم المطعون فيه قد استند فى قضائه برفض الدعوى المقامة من الطاعن ضد مجلس محلى الجيزة بالمطالبة بمبلغ تعويضا عما لقحه من خسارة بسبب امتناع المجلس عن تنفيذ ما التزم به له مقابل استيلائه على جزء من ملكه وملك الوقف للانتفاع به فى عمل شارعين أو مقابل ما ضاع عليه من الكسب بسبب تصرف المجلس معه – إذا كان استند فى قضائه بذلك إلى أن الطاعن كان ، بعد أن قرر المجلس – تنفيذا لما ارتأته الوزارة – أن يكون التنازل بلا شرط ، قد سكت زمنا ولم يطالب بأى تعويض ، بل هو بعد ذلك تنازل للمجلس عن أرض شارع آخر بدون تعويض رغبة منه فى تصقيع أرض الوقف ، ثم إنه قبض ثمن النخيل الذى وافقت الوزارة على دفعه له بكتابها الذى قالت فيه إن التنازل عن أرض الشارعين لا يكون معلقا على شرط ، فإن كل هذا الذى استند إليه الحكم لا يخرج عن كونه قرائن أحوال لا تصلح قانونا لإثبات التنازل المذكور عن أرض الشارعين التى تزيد قيمتها على عشرة جنيهات ( نقض مدنى 8 يونيه سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 146 ص 398 9  . ولم تعتبر محكمة النقض الكتابة الصادرة من مجلس محلى الجيزة بتنازل المدعى عن أرض الشارعين مبدأ ثبوت بالكتابة ضد المدعى ، لأنها كتابة صادرة من الخصم الآخر  .

( [728] ) استئناف مختلط 10 نوفمبر سنة 1920 م 23 ص 11  .

( [729] ) أوبرى ورو 12 فقرة 764 هامش 34 وص 357  .

( [730] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كان الثابت أن المشترية لم توقع الورقة المتضمنة إقرارها أن عقد شرائها صورى ، بل كان الذى وقعها هو والدها الذى لم يكن نائبا عنها ، فإنه لا يصح أن تتخذ المحكمة من تلك الورقة دليلا كاملا على صورية ذلك العقد فى حالة ما يكون إثبات الصورية غير جائز إلا بالدليل الكتابى ( نقض مدنى 27 مارس سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 179 ص 387 )  . ولم تصرح المحكمة بعدم جواز اتخاذ الورقة مبدأ ثبوت بالكتابة ، بل اقتصرت على ذكر أنه لا يصح اتخاذها دليلا كاملا  .

( [731] ) نقض فرنسى 22 مايو سنة 1935 سيريه 1935 - 1 - 307  .

( [732] ) أوبرى ورو 12 فقرة 764 ص 350 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1533 ص 990 – وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا صدر حكم ابتدائى بناء على طلب أحد الدائنين بصورية عقد أبرمه مدينه ، ثم قضت محكمة الاستئناف بإلغائه وعدم قبول دعوى المدعى ، فهذا الحكم لا يصلح مبدأ ثبوت بالكتابة فى دعوى صورية العقد التى يرفعها المدين فيما بعد على من أصدر له التصرف ( نقض مدنى 24 مارس سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 399 ص 740 )  .

( [733] ) أوبرى ورو 12 فقرة 764 ص 364 وهامش رقم 58 – بودرى وبارد 4 فقرة 2614 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1534 ص 994 - ص 995  .

( [734] ) قارن دى باج 3 فقرة 895 – ويتبين من ذلك أن الورقة المثبتة لوجود اتفاق لا تصلح مبدأ ثبوت بالكتابة على تنفيذ هذا الاتفاق  . ومن ثم لا تصلح الورقة المثبتة للدين مبدأ ثبوت بالكتابة لمصلحة الدائن لإثبات قطع التقادم عن طريق دفع الأقساط المستحقة والفوائد ( أوبرى ورو 12 فقرة 761 وهامش رقم 47 )  .

( [735] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1534 ص 995 – على أن القاضى لا يكون مخطئا إذا هو لم يحل الدعوى إلى التحقيق لاستكمال الدليل بالبنية ما دام الخصم لم يطلب منه ذلك  . وقد قضت محكمة النقض بأن حكم محكمة الموضوع يكون على صواب إذا اعتبر أن الإيصالات ليست دليلا كاملا على التعاقد وأنها لا تعدو أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، وإذ قضى برفض دعوى الطاعن بناء على أنه لم يطلب إحالة الدعوى على التحقيق استكمالا للإثبات ( نقض مدنى 16 يناير سنة 1947 المحاماة 28 رقم 20 ص 26 )  .

( [736] ) تولييه 9 فقرة 133 – ديرانتون 13 فقرة 344 - بونييه 1 فقرة 170 – لارومبيير 5 م 1347 فقرة 27 – أوبرى ورو 12 فقرة 764 ص 364 – ص 365 – بودرى وبارد 4 ص 292 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1534 ص 994 – ص 995 - نقض فرنسى 20 يونيه سنة 1900 داللوز 1900 - 1 - 451 - 24 أبريل سنة 1901 سيريه 1904 - 1 - 229 - 21 ديسمبر سنة 1903 داللوز 1904 - 1 - 94 - 14 مارس سنة 1906 سيريه 1906 - 1 - 317 – دى هلتس 3 الإثبات ( preuve ) فقرة 67 - الأستاذ عبد السلام ذهنى 1 ص 467 – ص 468 - الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 454 – الموجز للمؤلف ص 711 وص 713 هامش رقم 1 – الأستاذان حامد فهمى ومحمد حمد فهمى فى النقض فى المواد المدنية والتجارية ص 213 - ص 215 - وقد جاء فيه ما يأتى : " وإذا قلنا إن قاضى الدعوى حر فى تقدير الورقة التى يراد اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة من ناحية كونها تجعل الأمر المطلوب إثباته قريب الاحتمال والتصديق ، فإننا نوج عليه أن يورد فى أسباب حكمه الواقعة المراد إثباتها ونص جزء الورقة التى يراد الاعتماد عليه فى القول بأنها صارت قريبة الاحتمال والتصديق ، ثم يبين كيف أفادت هذا المعنى أو لم تفده ، فإن أتى فى ذلك بما يكون معقولا مقبولا حمل التكييف على الصحة ، وإلا صار ما ادعى إفادته من الورقة كأنه منتزع من غير دليل قائم "  .

نقض مدنى 7 ديسمبر سنة 1933 مجموعة عمر 1 ص 284 – 13 فبراير سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 99 ص 317 - 22 مايو سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 206 ص 445 - 18 مارس سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 288 ص 566 - 9 يونيه سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 433 ص 797 – 30 مارس سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 96 ص 385 – 24 ديسمبر سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 46 ص 297 – استئناف مصر 8 يونيه سنة 1937 المحاماة 18 رقم 120 ص 228  .

أنظر أيضا المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 407  .

( [737] ) حتى لو كان القانون هوا لذى نص على جواز اعتبار ورقة معينة مبدأ ثبوت بالكتابة ، ففى هذه الحالة أيضا يكون لقاضى الموضوع سلطة تقديرية ، لا معقب عليها من محكمة النقض ، فى اعتبار الورقة أو فى عدم اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة ( أوبرى ورو 12 فقرة 764 ص 365 )  .

( [738] ) قارن أوبرى ورو 12 فقرة 764 ص 360 وهامش رقم 45  .

( [739] ) انظر فى القانون الفرنسى أوبرى ورو 12 فقرة 764 ص 360  .

( [740] ) الموجز للمؤلف ص 712  .

( [741] ) وقد قضت محكمة النقض بأن الشهادة الرسمية المستخرجة من قلم العقود بالمحكمة المختلطة الدالة دلالة صريحة على أن هناك عقد بيع صدر من زيد لعمرو وأن البيع هو بثمن قدره كذا وأن زيدا الصادر منه البيع هو الذى قدم العقد بنفسه لإثبات تاريخه فأثبتت بتاريخ كذا تحت رقم كذا وأن زيدا هذا هو هو بنفسه الذى تسلمه من قلم التاريخ بتاريخ كذا - هذه الشهادة مفادها أن بقلم العقود إيصالا موقعا عليه من زيد يفيد تسلمه لذلك العقد وأن هذا العقد صادر منه بالبيع لعمرو بمبلغ كذا  . ولا شك فى أن ذلك الإيصال المستفاد حتما من عبارة الشهادة الرسمية التى هى فى ذاتها حجة لم يطعن فيها بأى مطعن ، هو ورقة صادرة من زيد دالة على ما كان منه من البيع لعمرو بالثمن المذكور  . وهذا الإيصال وإن كان لا يفيد قطعا أن الثمن الوارد بعقد البيع الذى تسلمه زيد قد دفعه عمرو له فعلا أو أنه كان ثمناً مؤجلا ، إلا أن جريان العادة الغالبة بأن المشترى يدفع الثمن ، ذلك يقرب الاحتمال بان هذا الثمن دفع فعلا  . وإذن فهذا الإيصال المدلول عليه حتما بتلك الشهادة الرسمية هو مبدأ ثبوت بالكتابة يقرب احتمال صحة تسلم زيد لمبلغ الثمن ، ويجيز بحسب القانون تكميل الاستدلال بالبينة والقرائن ( نقض مدنى 28 مارس سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 240 ص 653 – قارن استئناف مختلط 10 فبراير سنة 1931 م 43 ص 217 )  .

وقضت محكمة النقض أيضا بأنه لا محل للنعى على المحكمة أنها خالفت القانون فى تكييف العقد ، وأثبتت الصورية بين المتعاقدين بالقرائن ، إذ هى فى تكييفه قد اعتمدت على عقد التنازل عن حق المنفعة والتعهد بعدم التصرف فى العين طول حياة البائعة ، مما مفاده أنها اعتمدت على مبدأ ثبوت بالكتابة استكملته بالقرائن التى ساقتها والتى من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التى انتهت إليها ( نقض مدنى 3 فبراير سنة 1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 5 ص 17 )  . وقضت أيضا بأنه إذا قدرت نفقة زوجة على زوجها بمبلغ معين ( عشرين جنيهاً ) بمقتضى محضر صلح حرر بينهما ، ثم استظهرت المحكمة من وقائع الدعوى المرفوعة من الزوجة فى شأن هذه النفقة أن الزوجة قبلت أن تقبض من زوجها مبلغ ستة جنيهات شهريا ، وأنها كانت تقبض هذا المبلغ كل شهر حوالى خمس سنوات بمقتضى شيكات محولة لأمرها وإذنها ، وأنها لم تعترض بأى اعتراض خلال هذه المدة ، وإنما كان اعتراضها بعد وفاة الزوج ، وبناء على ذلك قضت المحكمة برفض طلب ما تجمد من النفقة ، فإنها لا تكون اعتمدت على القرائن فحسب بل أيضا على الشيكات التى وقعتها الزوجة حين قبضت قيمتها ، مما مفاده أن المحكمة اعتمدت على مبدأ ثبوت بالكتابة استكملته بتلك القرائن ( نقض مدنى 21 نوفمبر سنة 1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 6 ص 21 )  . وقضت أيضا بأنه متى كان الحكم التمهيدى لم يفصل إلا فى جواز إثبات الشركة التى كان الطاعن يدعى وجودها استنادا إلى أن الإنذارات المتبادلة بينه وبين المطعون عليه تدل على وجود علاقة بينهما اعتبرتها المحكمة مبدأ ثبوت بالكتابة يجيز سماع البينة المتممة له ، ولم تقطع فى ماهية هذه العلاقة ، وكان الحكم القطعى قد فصل فى أمرها بعد مناقشته شهادة الشهود وتقديرها ، إذ نفى ما يدعيه الطاعن عن وجود الشركة المزعومة بينه وبين المطعون عليه ، فإن الطعن فى هذا الحكم الأخير استنادا إلى وجود تناقض بين أسبابه ومنطوقه فضلا عن مخالفته لقضاء الحكم التمهيدى – هذا الطعن يكون غير صحيح ( نقض مدنى 8 فبراير سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 64 ص 336 ) – وقضت كذلك بأنه لا تثريب على المحكمة إن هى اتخذت من الخطابات الصادرة من مورثة الخصوم إلى مستأجر أطيان الروكية التى كانت تقوم بإدارتها ، لا سيما الخطاب الذى تطالب فيه المستأجر المذكور بمبلغ سبق أن طلبته به فى خطاب سابق لحاجتها الشديدة إليه فى العمارة – لا تثريب على المحكمة إن هى اتخذت منها مبدأ ثبوت بالكتابة يقرب احتمال أن المال الذى انفق فى شراء الأرض وبناء العمارة التى يدعى الطاعن أنها كانت مملوكة للمورثة إنما كان من مال الروكية ولحسابها  . ومتى كانت المحكمة قد استكملت مبدأ الثبوت هذا بقرائن عديدة ساقتها ومن شأنها أن تؤدى إلى ما استخلصته منها ، فإن حكمها يكون مطابقا للقانون ( نقض مدنى 15 فبراير سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 66 ص 346 )  .

وقضت محكمة استئناف مصر بأنه إذا أقر وكيل الخصوم فى مذكرة تقدمت أثناء نظر الدعوى بوجود علاقة خطبة بين موكله وبين كريمة خصمه وأنه دفع لها مهراً ، فإن هذا الإقرار الذى تضمنته المذكرة التى تعتبر قانوناً كأنها صادرة منه ، وإن لم يثبت دعوى الخصم بملكيته للجهاز موضوع النزاع ، إلا أن يتم عن صحة الإدعاء ويجعله قريب الاحتمال ، فتكون المذكرة بمثابة مبدأ ثبوت بالكتابة يسمح بتكملة الإثبات بالبينة وقرائن الأحوال ( استئناف مصر 8 نوفمبر سنة 1925 المجموعة الرسمية 27 رقم 115 ) – وقضت أيضا بأنه إذا رفع أخ ضد أخيه دعوى بمطالبته بمصروفات دعوى كانت مرفوعة منه لصالحهما معاً وبناء على عقد اتفاق محرر بينهما ، فأبرز المدعى عليه جملة خطابات صادرة من أخيه المدعى يفيد بعضها قيامه بدفع بعض هذه المصروفات والبعض الآخر بمطالبته بكمالة رسوم استئناف وخلافه ، اعتبرت هذه الأوراق مبدأ ثبوت بالكتابة للتخلص من الدين ( استئناف مصر 25 مايو سنة 1937 المحاماة 18 رقم 119 ص 227 )  .

وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الإيصال الذى يصدر من البائع يبين فيه اتفاق الطرفين على موقع العقار وعلى الثمن ، دون أن يذكر حدود العقار ومساحته ، يصلح مبدأ ثبوت بالكتابة على حصول البيع ، ويجوز إثبات الحدود والمساحة بالبينة والقرائن ( استئناف مختلط 15 يناير سنة 1903 م 15 ص 89 )  . وقضت أيضا بأن الكتاب المرسل من المؤجر إلى المستأجر يجعل له فيه حق شراء العين المؤجرة ، بشرط الاتفاق على شروط البيع فى ميعاد معين ، يصلح مبدأ ثبوت بالكتابة على وقوع البيع شفويا فى هذا الميعاد بثمن يدفع عند توقيع العقد ( استئناف مختلط 24 مايو سنة 1927 م 39 ص 509 )  . وقضت أيضا بأن الورقة التى تثبت بيعا يختلف كل الاختلاف عن البيع المدعى به لا تصلح مبدأ ثبوت بالكتابة على هذا البيع ، لا سيما أنه لا يمكن إثبات ما يخالف البيع المكتوب بالبينة أو بالقرائن ( استئناف مختلط 11 نوفمبر سنة 1930 م 43 ص 18 )  .

أنظر أيضا : الموجز للمؤلف ص 712 هامش رقم 1 فى الأحكام المشار إليها – بودرى وبارد 4 ص 288 - أوبرى ورو 12 فقرة 764 ص 362 – ص 363  .

( [742] ) الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الأدلة 1 ص 473  .

( [743] ) نقض مدنى 16 مايو سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 260 ص 751 – كذلك قيام تعارض بين ورقة عرفية وورقة رسمية يصلح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة ( استئناف مختلط 4 فبراير سنة 1891 م 3 ص 173 )  .

( [744] ) الموجز للمؤلف ص 713  .

( [745] ) نقض فرنسى 18 يناير سنة 1904 داللوز 1904 – 1 - 1295 - أوبرى ورو 12 فقرة 764 ص 364 – الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الأدلة 1 ص 472 – الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 456  .

وقد قضت محكمة النقض فى مصر بأنه متى كان الحكم الابتدائى قد قضى بإلزام الطاعن بمبلغ مقابل ثمن أطيان كلف ببيعها من مورث المطعون عليهم ، وكان الطاعن قد تمسك فى دفاعه لدى محكمة الاستئناف بأنه أوفى ثمن هذه الأطيان للمورث المذكور ، مستندا إلى محضرى صلح موقع عليهما من المورث باعتبارهما ورقتين صادرتين من خصمه فى تاريخ لاحق لتاريخ بيع الأطيان لم ينص فيهما على مديونيته بأى التزام ، لا بصفته الشخصية ولا بصفته وكيلاً عنه ، وأنهما يصلحان لأن يكونا مبدأ ثبوت بالكتابة يجعلان دفاعه بعدم مديونيته فى ثمن الأطيان قريب الاحتمال وطلب إحالة الدعوى على التحقيق لإثبات هذا الدفاع ، فإن الحكم المطعون فيه إذ أغفل الرد على هذا الطلب يكون قد عاره قصور مبطل له بما يستوجب نقضه فى هذا الخصوص ( نقض مدنى 9 أبريل سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 121 ص 848 ) – وقضت محكمة استئناف مصر بأنه إذا لم تذكر الورثة فى محضر جرد أموال مورثهم دينا من الديون ، فإن هذا يصح اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة للتخلص من هذا الدين ( استئناف مصر 8 يونيه سنة 1937 المجموعة الرسمية 38 رقم 9 ص 195 )  .

( [746] ) محكمة كان الاستئنافية ( فرنسا ) 30 أبريل سنة 1860 داللوز 61 - 2 - 36 - داللوز براتيك 9 لفظ إثبات ( Preuve ) فقرة 1210 – وقد قضت محكمة النقض بمصر بأنه ليس لمن يدعى صورية الشركة التى بين شخص وآخرين أن يتخذ هذه الصورية مبدأ ثبوت بالكتابة يجيز له أن يثبت بالبينة والقرائن الشركة التى يدعى قيامها بينه هو وبين هذا الشخص ، لأن تلك الصورية ليس من شأنها – حتى لو صحت – أن تجعل الشركة التى يدعيها قريبة الاحتمال ( نقض مدنى 5 أبريل سنة 1945 مجموعة عمر رقم 231 ص 614 )  .

( [747] ) جرجا 27 فبراير سنة 1926 المحاماة 8 رقم 382 ص 585  . وقد رأينا أن محكمة النقض قد قضت بأن الرسائل الصادرة من الدائنة إلى مدينها تستجديه فيها وتشكر له إحسانه عليها دليل كتابى كاف فى نفى وجود قرض حقيقى ( نقض مدنى 3 نوفمبر سنة 1932 المجموعة الرسمية 34 رقم 1 ص 12 )  .

ويقرب من هذا ، قبل التقنين المدنى الجديد ، الإيصال بالقسط الأخير من الإيجار ، فقد كان يمكن اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة على دفع الاقساط السابقة ، لأن المؤجر لا يعطى عادة مخالصة من القسط الأخير إلا بعد أن يكون قد استوفى الأقساط السابقة ، فواقعة دفع القسط الأخير التى يثبتها الإيصال تجعل واقعة دفع الأقساط السابقة قريبة الاحتمال ( نقض مدنى 25 أبريل سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 254 ص 721 )  . ولكن التقنين الجديد ( م 587 ) جعل الوفاء بالقسط الأخير قرينة قانونية على الوفاء بالأقساط السابقة ، وهى قرينة تقبل إثبات العكس  .

( [748] ) 7 يناير سنة 1915 المجموعة الرسمية 17 رقم 3 ص 4  .      

( [749] ) أراد المتهم أن يخفى اختلاسه لمبلغ عشرين جنيهاً سلمه إليه أحد المقترعين قيمة البدل العسكرى ، فزور شهادة معافاة من الخدمة العسكرية لهذا المقترع  . وقد قضت المحكمة بأنه يجوز إثبات دفع المبلغ للمتهم بالبينة ، لأن شهادة المعافاة المزورة تصلح أن تكون مبدأ ثبوت الكتابة ضده  .

وقضت محكمة النقض بأنه متى كان الواقع هو أن الطاعن أقام الدعوى على المطعون عليهم ، وطلب الحكم بإلزامهم بمبلغ معين بموجب سند ذكر فيه أن هذا المبلغ سلم لهم على سبيل القرض ، فدفع المطعون عليهم الدعوى بأن المبلغ المطالب به ليس قرضاً ، وإنما هو ثمن حصة فى ( ماكينة ) اشتروها من الطاعن بموجب عقد بيع محرر فى تاريخ تحرير السند ، وكان الحكم المطعون فيه إذ اعتبر عقد البيع مبدأ ثبوت بالكتابة يجيز للمطعون عليهم تكملة إثبات دفاعهم بالبينة قد قرر أن هذا العقد هو ورقة صادرة من الطاعن ومحررة مع السند موضوع الدعوى فى مجلس واحد ، علاوة على اتحادهما فى خط الكاتب لهما والشهود الموقعين عليهما والمداد المحررين به ، كما أنه يستبعد أن يشترى المطعون عليهم حصة الطاعن فى الماكينة وأن يدفعوا إليه الثمن ويقترضوا فى نفس مجلس العقد المبلغ المحرر به السند ، إذ قرر الحكم ذلك فإنه لا يخالف القانون ( نقض مدنى 5 مارس سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 87 ص 570 ) – وقضت محكمة الاستئناف الأهلية بأنه إذا ذكر فى عقد بيع عقار أن البائع يملكه بناء على عقد آخر تاريخه كذا صادر من زيد من الناس ، وكان على العقار حقوق ارتفاق أو قيود للملك مبينة فى هذا العقد ، عد هذا الذكر مبدأ ثبوت بالكتابة لإثبات علم المشترى بوجود حقوق الارتفاق المذكورة فى عقد شراء بائعه ، وحينئذ يسوغ للمحكمة قبول الإثبات بالقرائن ، ويمكنها بما لها من السلطة المطلقة فى هذه الحالة أن توجه اليمين المتممة للمشترى بأنه لم يطلع على عقد شراء بائعه المذكور فى عقده ولا علم له بحقوق الإرتفاق والقيود الموجودة فى العقد الأول ( استئناف أهل 8 ديسمبر سنة 1909 الحقوق 24 ص 237 – قارن : استئناف أهلى 8 مارس سنة 1910 المجموعة الرسمية 12 ص 6 ) – وقضت محكمة استئناف مصر بأنه إذا رفع امرأة دعوى ضد شخص تطالب بمبالغ بدعوى انه اقترضها منها ، وظهر من مجموعة المراسلات المتبادلة بينهما وبينه فى وقت معاصر لتاريخ تحرير السندات أو لاحق أن هناك ما يحمل على الظن بوجود علاقات غير شريفة بينهما حررت من أجلها السندات ، وبأن الدائنة كانت تعيش هى وابنتها فى كنف المدين الذى كان يعطيهما من وقت لآخر ما تجود به نفسه ، حتى أنهما كانا يستجديان جنيهاً واحدا فى بعض الأحوال ، مما يدل على أنها كانت فى حالة فقر لا تسمح لها بأن تفرضه نحو ثلثمائة جنيه ، كان هذا قاطعا فى نفى وجود علاقة قرض حقيقى ، وتكون السندات خالية من السبب القانونى وباطلة ( استئناف مصر 23 يناير سنة 1932 المحاماة رقم 24 ص 69 )  .

وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا كفل شخص مفلسا فى الصلح الذى عقده مع دائنيهن ثم فتح له حسابا جاريا كما تفتح الحسابات الجارية ما بين بيتين من بيوت التجارة مستقلين تمام الاستقلال كل منهما عن الآخر ، فإن فتح هذه الحساب يصلح مبدأ ثبوت بالكتابة ، يجوز استكماله بالبينة والقرائن ، على أنه – خلافاً لما جاء فى شروط الصلح من أن المفلس قد نزل لكفيله عما له من الحقوق – قد تم اتفاق بينهما على ترك المفلس على رأس عمله يباشر تجارته ( استئناف مختلط 22 أبريل سنة 1931 م 43 ص 363 )  .

( [750] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 541 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " ويجوز أيضاً الإثبات بالبينة : ( أ ) إذا وجد مانع مادى أو أدبى يحول دون الحصول على دليل كتابى ( ب ) إذا فقد الدائن سنده الكتابى لسبب أجنبى لايد له فيه ( جـ ) إذا طعن فى العقد بأن له سبباً غير مشروع "  . وفى لجنة المراجعة أضيفت عبارة " وفيما كان يجب إثباته بالكتابة " فى صدر المادة لتجعل المعنى أدق ، ونقل البند ( جـ ) : " إذا طعن فى العقد بأن له سبباً غير مشروع " إلى مكان آخر ( السبب غير المشروع ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك )  . وأصبح النص هو المادة 416 فى المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب ، فلجنة مجلس الشيوخ تحت رقم 403 ، فمجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 410 وص 414 – ص 415 )  .

( [751] ) كانت المادة 215 / 280 من التقنين المدنى السابق تجرى على الوجه الآتى : " فى جميع المواد ما عدا التجارية إذا كان المدعى به عبارة عن نقود أو أوراق تزيد قيمتها عن ألف قرش ديوانى أو غير مقدره ، فالأخصام الذين لم يكن لهم مانع من الاستحصال على كتابة مثبتة للدين أو للبراءة لا يقبل منهم الإثبات بالبينة ولا بقرائن الأحوال "  . وكانت المادة 218 / 283 تنص على ما يأتى : " وكذلك يجوز الإثبات بما ذكر إذا وجد دليل قطعى على ضياع السند بسبب قهرى "  . ونرى من ذلك أن الحكم واحد فى المسألتين فى التقنينين الجديد والقديم  .

( [752] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 57 : يجوز الإثبات بالشهادة فى الالتزامات التعاقدية حتى لو كان المطلوب تزيد قيمته على مائة ليرة : ( أ ) إذا وجد مانع مادى أو أدبى يحول دون الحصول على دليل كتابى – يعتبر مانعاً ماديا ألا يوجد من يستطيع كتابة السند أو أن يكون طالب الإثبات شخصاً ثالثاً لم يكن طرفا فى العقد  . يعتبر مانعاً أدبيا القرابة بين الزوجين أو ما بين الأصول والفروع أو ما بين الحواشى إلى الدرجة الثالثة أو ما بين أحد الزوجين وأبوى الزوج الآخر  . ( ب ) إذا فقد الدائن سنده المكتوب لسبب لا يد له فيه  . ( جـ ) إذا طعن فى العقد بأنه ممنوع بالقانون أو مخالف للنظام العام أو الآداب  .

( وهذه الأحكام تتفق مع أحكام التقنين المصرى ، غير أن قانون البينات السورى حدد بعض أحوال المانع المادى والمانع الأدبى ، وأضاف النص على جواز الإثبات بالبينة وبالقرائن فى حالة الاحتيال على القانون ، وقد تقدم بيان حكمها )  .

التقنين المدنى العراقى م 491 : يجوز أيضا الإثبات بالشهادة فيما كان يجب إثباته بالكتابة :

( أ ) إذا وجد مانع مادى يحول دون الحصول على دليل كتابى  . ويعتبر مانعاً مادياً ألا يوجد من لا يستطيع كتابة السند  . ( ب ) إذا كان العقد مبرماً ما بين الزوجين أو ما بين الأصول والفروع أو ما بين الحواشى إلى الدرجة الرابعة أو ما بين أحد الزوجين وأبوى الزوج الآخر  . ( جـ ) إذا فقد الدائن مستنده الكتابى لسبب أجنبى لايد له فيه  . ( والأحكام تكاد تكون واحدة فى التقنين العراقى والتقنين المصرى ، غير أن التقنين العراقى حدد أحد الموانع المادية ، وحصر الموانع الأدبية فى الزوجية والقرابة )  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 242 : تقبل البينة الشخصية  .  .  . ( 4 ) إذا استحال على الدائن الحصول على بينه خطية  . ويكتفى بمجرد الاستحالة المعنوية ، وهى تنشأ خصوصاً عن العرف المتبع فى بعض المهن ، أو علاقات القربى بين الأصول والفروع أو عن الروابط الزوجية ( 5 ) إذا أثبت الدائن فقدان السند بطارئ ما  . ( والأحكام واحدة فى التقنينين المصرى واللبنانى ، إلا أن التقنين اللبنانى حدد أهم أحوال المانع الأدبى )

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 391 : مطابق لنص التقنين المدنى المصرى  .

( [753] ) التقنين المدنى الفرنسى م 1348 : ويستثنى من القاعدتين ( ضرورة الدليل الكتابى ) أيضا جميع الحالات التى لم يكن الدائن يستطيع فيها الحصول على دليل كتابى للالتزام المعقود له  . وهذا الاستثناء الثانى يسرى : ( 1 ) على الالتزامات التى تنشأ من شبه عقد أو من جريمة أو من شبه جريمة  . ( 2 ) على الودائع الاضطرارية التى تقع فى حالات الحريق والتهدم والاضطرابات والغرق ، وفى الودائع الاضطرارية للنزلاء فى الفنادق التى ينزلون فيها ، وهذا كله وفقا لصفة الشخص ولظروف الواقع  . ( 3 ) فى الالتزامات المعقودة عند نزول أحداث غير منظورة لم يكن يستطاع معها كتابة ورقة  . ( 4 ) فى حالة ما إذا فقد الدائن السند الذى كان يستخدمه دليلا كتابياً بسبب حادث فجائى لم يكن منظوراً وترتب على قوة قاهرة  .

Art  . 1348 : Elles recoivent encore exception toutes les fois quil napas ete possible au creancier de se procurer une preuve litterale de lobligation qui a e ete contractee envers lui  . Cette seconde exception sapplique : l Aux obligation qui naissent des quasi - contrats et des delits ou quasidelits  . 2 Aux depots necessaries faits en cas dincendie, ruine, tumulte ou naufrage, et a ceux faits par les voyageurs en logant dans une hotel lerie, le tout suivant la qualite des personnes et les circontances du fait  . 3 Aux obligation contractees en cas daccidents imprvus, ou lon ne pourrait pas avoir fait des actes par ecrit  . 4 Au cas ou le creancier a perdu le titre qui lui servait de preuve litterale, par suite dun cas fortuit  . Imprevu et resultant dune force majeure  .

 

( [754] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " والبينة فى هذه الأحوال لا تكمل الدليل الكتابى ، بل تحل محله بعد أن فقد واستحال تحصيله  . والواقع أن وجوب الإثبات بالكتابة يفترض إمكان الحصول على الدليل الكتابى ، فإذا حالت ظروف خاصة دون ذلك تحم الاستثناء إذ لا قبل لأحد بالمستحيل  . ويراعى من ناحية أخرى أن هذا النص يرمى إلى استبدال البينة بالدليل الكتابى ، فهو والحال هذه لا يطبق حيث تكون الكتابة شرطاً يترتب على تخلفه بطلان التصرف ، بل يطبق فى الأحوال الخاصة التى يتطلب فيها القانون الدليل الكتابى للإثبات ولو كانت القيمة أقل من عشرة جنيهات " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 411 )  .

( [755] ) استئناف مختلط 2 أبريل سنة 1891 م 3 ص 280 - 12 يناير سنة 1899 م 11 ص 93 – 13 يناير سنة 1943 م 55 ص 26  .

( [756] ) نقض مدنى 25 يناير سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 196 ص 550 – 6 يناير سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 364 ص 697 – استئناف مصر 21 ديسمبر سنة 1926 المجموعة الرسمية 28 رقم 76  . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " وإذا كان القاضى هو المرجع فى تقدير الظروف المانعة ، إلا أن من واجبه أن يبين هذه الظروف عند تسبيب الاستحالة المادية  . أما الاستحالة المعنوية التى تحول دون الحصول على كتابة فلا ترجع إلى ظروف مادية ، بل ترجع إلى ظروف نفسية ، وهى تعقد بعلاقات الخصوم وقت انعقاد التصرف  . ومرجع الأمر فى تقدير هذه الاستحالة ، مع ما ينطوى فى هذا التقدير من دقة ، هو القاضى ، ولكن يتعين عليه أن يسبب تقديره ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 413 )  .

( [757] ) قارن أوبرى ورو 12 فقرة 765 ص 366 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1539 ص 988 – ومما يؤيد النظر الذى تذهب إليه ما جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى : " أما فيما يتعلق بخصائص الاستحالة ، فيراعى ان الاستثناء يرد على قاعدة حظر الإثبات بالبنية  . وهذه القاعدة تطبق بشأن التصرفات القانونية دون الوقائع القانونية  . ويستخلص من ذلك أن هذا الاستثناء لا يطبق إلا على التصرفات القانونية ، وهى التى تنفرد بوجوب استعمال الكتابة فى إثباتها  . ويتفرع على هذا ما يأتى : " ( 1 ) أن استحالة الحصول على دليل كتابى فى هذه الحالة ليست مطلقة ، بل هى نسبية عارضة  . ( ب ) أن الاستحالة لا ترجع إلى طبيعة الواقع خلافاً لما نصت عليه المادة 1940 من التقنين الهولندى ، بل ترجع على وجه الأفراد إلى الظروف الخاصة التى انعقد فيها التصرف  . ( جـ ) أن الاستثناء لا يتعلق بالوقائع القانونية التى يمتنع فيها على وجه الاطلاق الحصول على دليل كتابى  . وقد أخطأ التقنين الفرنسى والتقنين الإيطالى ( م 1348 ) فى إيراد " الالتزامات الناشئة عن أشياء العقود والجنح وأشياء الجنح " فى معرض التمثيل للاستحالة النسبية التى تحول دون الحصول على دليل كتابى  . لأن أشياء العقود والجنح وأشياء الجنح تدخل فى عداد الوقائع القانونية التى لا يسرى بشأنها تقييد الإثبات بالبنية ، بل البينة بالنسبة لها جائزة على وجه الدوام ، شأنها من هذا الوجه شأن وقائع التدليس والغش والصورية والربا  .  .  . قد أحسن التقنين المصرى ( م 215 / 280 ) والمشروع الفرنسى الإيطالى بإغفال الأمثلة التى تضمنتها التقنينات المختلفة فى هذا الشان ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 411 – ص 412 ) – أنظر أيضا الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فقرة 210  .

( [758] ) وتقول الأساتذة بلانيول وريبير وجابولد فى هذا المعنى : " تذكر المادة 1348 من التقنين المدنى ، كأول تطبيق ، الالتزامات التى تنشأ من شبه العقد والجريمة وشبه الجريمة  . ولكن لا يوجد هنا إلا وقائع لا تسرى فى شأنها القواعد الخاصة بتقييد الإثبات بالبنية ، إذ المطلوب إثباته إنما هو واقعة مادية  . فالاستثناء إذن ليس إلا استثناء ظاهرياً محضاً  . وهو خطأ حقيقى فى الصياغة " ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1535 ص 996 ) – قارن اوبرى ورو 12 فقرة 765 ص 367 – ص 370  .

( [759] ) أوبرى ورو 12 فقرة 765 ص 368 – ص 370  .

( [760] ) أوبرى ورو 12 فقرة 765 ص 367  .

( [761] ) أوبرى ورو 12 فقرة 765 ص 638 وهامش رقم 6  .

( [762] ) أوبرى ورو 12 فقرة 765 ص 372 – ص 373 وهامش رقم 18 وهامش رقـــم 19  .

( [763] ) انظر أوبرى ورو 22 فقرة 765 ص 273 – ص 375  .

( [764] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1538 ص 998  .

( [765] ) أما إيداع الأمتعة عند عامل النقل لنقلها من مكان إلى آخر فلا يعد وديعة اضطرارية ، ويجب لإثباتها الكتابة فيما يزيد على النصاب إلا إذا كان عقد النقل تجاريا فيثبت بجميع الطرق ( أوبرى ورو 12 فقرة 76 ص 371 - بلانيول وريبير وجابولد فقرة 1536 )  .

( [766] ) انظر الأستاذ حسين المؤمن جزء 2 ص 549 – ص 550  .

( [767] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1537  .

( [768] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1539 ص 1001  .

( [769] ) دائرة النقض الجنائى 6 يونيه سنة 1928 المجموعة الرسمية 29 رقم 93  .

( [770] ) أسيوط الكلية 10 نوفمبر سنة 1925 المجموعة الرسمية 27 رقم 20  .

( [771] ) الموجز للمؤلف فقرة 694 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1540 ص 1002 – الأستاذ حسين المؤمن 2 ص 566 – ص 575 – وفى التبايع بالمواشى فى الأسواق والمواسم أنظر الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الأدلة 1 ص 408 – ص 409  .

انظر أيضا المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 413  .

( [772] ) أنظر الأستاذ سليمان مرقص فى أصول الإثبات فقرة 236 ص 438  .

( [773] ) وقد قضت محكمة النقض بأن مسألة قيام المانع الأدبى من أخذ الكتابة عند لزومها هى مسألة لقاضى الموضوع الفصل فيها ( نقض مدنى 14 نوفمبر سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 303 ص 954 9  . وقضت أيضا بأنه متى كانت المحكمة ، إذ قررت أنه لا يجوز لأحد المتعاقدين إثبات صورية العقد الثابتة كتابة إلا بالكتابة ، قد استخلصت فى حدود سلطتها الموضوعية بالأدلة السائغة التى أوردتها انتقاء المانع الادبى ، فإن الذى قررته هو صحيح فى القانون ( نقض مدنى 24 ديسمبر سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 48 ص 314 )  .

( [774] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1539 ص 998 هامش رقم 7  .

( [775] ) وتثبت وفقا لقواعدها الخاصة : الزوجية بعقد الزواج والقرابة بشهادة الميلاد ولكن الغالب أن هذه العلاقة يكون معترفاً بها ، فتثبت بالإقرار  .

( [776] ) وقد قضت محكمة النقض بأن مسألة اعتبار الزوجية مانعة أو غير مانعة من الحصول على دليل كتابى بين الزوجين هى مسألة موضوعية ، لمحكمة الموضوع وحدها السلطة فى تقديرها ( نقض مدنى 19 مايو سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 48 ص 107 ) – وقضت محكمة الاستئناف الأهلية بان رابطة الزوجية عائق أدبى ( استئناف أهلى 11 مارس سنة 1919 المجموعة الرسمية 20 رقم 99 )  .

( [777] ) استئناف مصر 26 أكتوبر سنة 1946 المحاماة 22 رقم 127 ص 371 – ولكنها قضت فى دعوى أخرى بأن كون الخصم زوجة عم خصمها وكانت تعتبره كابنها الوحيد وتقيم معه فى دار عمه لا يكفى فى قيام المانع الأدبى ( استئناف مصر 15 يناير سنة 1923 المحاماة 3 رقم 71 - ص 126 )  .

( [778] ) استئناف مصر 8 نوفمبر سنة 1925 المجموعة الرسمية 27 رقم 115 – المحاماة رقم 10 ص 17 – انظر أيضا : استئناف مصر 21 ديسمبر سنة 1925 المحاماة 5 رقم 621 ص 757 – 17 أبريل سنة 1928 المحاماة 9 رقم 33 ص 53  . ولكن محكمة استئناف مصر قضت كذلك بأن مجرد خطبة أحد المتقاضيين لأبنه الآخر ليست بالعلاقة التى تمنع من حصول كل منهما على الدليل قبل الآخر ( استئناف مصر 22 ديسمبر سنة 1938 المحاماة 20 رقم 114 ص 306 )  .

( [779] ) استئناف مصر 7 يونية سنة 1923 المحاماة 4 رقم 94 ص 197  . انظر أيضاً : ملوى 29 مايو سنة 1905 المجموعة الرسمية 7 رقم 32  .

( [780] ) نقض جنائى 3 يونية سنة 1935 المحاماة 16 رقم 61 ص 137  . وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن علاقة البنوة والأخوة يجوز معها أن يثبت بالبينة أن بعض الخصوم إذن لبعض فى إجراء عقد بدل مع آخرين ( استئناف مصر 13 ديسمبر سنة 1938 المحاماة 20 رقم 41 ص 93 )  .

( [781] ) نقض جنائى 22 ديسمبر سنة 1900 المجموعة الرسمية 2 ص 208  .

( [782] ) طنطا الابتدائية أول ديسمبر سنة 1930 المجموعة الرسمية 32 رقم 6 ص 98  .

( [783] ) استئناف مصر 21 ديسمبر سنة 1926 المجموعة الرسمية 28 رقم 76  .

( [784] ) نقض مدنى 11 يناير سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 47 ص 240

انظر أيضا : نقض مدنى 3 يناير سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 219 ص 536 – أول يونيه سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 144 ص 396 – وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا اعتمدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائى الذى قرر بأن المبلغ المسلم للمدعى عليه هو أمانة أختلسها ، وأن سكوت المدعية على المدعى عليه وعدم إدراجها المبلغ بمحضر حصر التركة عند الحجر على المورث او وفاته هو لأسباب بررت بها هذا السكوت ، وأنها أسباب تجوز على مثل المدعية لبساطتها ولصلة قرابتها بالمدعى عليه الذى كان قيما على مورثها ، فقول المحكمة الابتدائية هذا الذى اعتمدته محكمة الاستئناف يفيد أنه كانت هناك أسباب شخصية وأدبية مانعة للمدعية من أخذ كتابة عليه باستلامه المبلغ ومن أدراجها إياه فى محضرى الجرد الذين حصل أحدهما بعد الحجر وثانيهما بعد الوفاة  . ومسألة قيام المانع الأدبى من أخذ الكتابة عند لزومها هى مسألة لقاضى الموضوع القول الفصل فيها ( نقض مدنى 14 نوفمبر سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 303 ص 954 وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم )  .

( [785] ) وقد قضت محكمة أسيوط الجزئية بأن العادات المبنية على كرم الطبع ، كإعارة الأوانى والحلى بين الجيران وإعارة المواشى وآلات الزراعة والدواب فى القرى ، موانع أدبية ( 16 فبراير سنة 1924 المحاماة 4 رقم 719 ص 941 )  .

( [786] ) وقد قضت دائرة النقض الجنائية بأنه إذا بدد الوكيل بلا أجر أشياء سلمها إليه الموكل ، وكانت قيمتها أزيد من عشر جنيهات ، جاز للموكل أن يثبت تسليمها إليه بالبينة ، لأن مجانية الوكالة قد تكون مانعاً أدبياً يحول دون الحصول على دليل كتابى ( نقض جنائى 23 ديسمبر سنة 1917 المجموعة الرسمية 19 رقم 15 )  .

( [787] ) وقد قضت محكمة المنصورة بأن الاعتياد على توريد أشياء منزلية يعتبر مانعاً أدبيا ( 18 يناير سنة 1925 المحاماة 5 رقم 621 ص 757 )  .

( [788] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن مركز الشخص الاجتماعى قد يكون مانعاً أدبيا لمحل صنع أثاث منزلى من الحصول على سند مكتوب ( استئناف مختلط 22 نوفمبر سنة 1923 م 36 ص 44 )  .

( [789] ) أنظر فى هذه المسألة الأستاذ حسين المؤمن فى الإثبات جزء 2 من الشهادة ص 555 وما بعدها  .

( [790] ) نقض فرنسى 17 مارس سنة 1938 سيريه 1938 – 1 - 115 ، وإذا ثبت مقدار أجر الخادم ، فلهذا أن يطالب بمجموع أجوره منذ دخوله فى خدمة سيده ، وللسيد أن يثبت بجميع الطرق أنه وفى له هذه الأجور ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1539 ص 1000 )  .

( [791] ) محكمة باريس الاستئنافية 9 ديسمبر سنة 1924 داللوز 1925 – 62  .

( [792] ) استئناف مصر 15 فبراير سنة 1928 المحاماة 9 رقم 27 ص 48  .

( [793] ) نقض فرنسى 17 مارس سنة 1938 داللوز 1938 – 1 - 115  .

( [794] ) محكمة كان الفرنسية 23 مارس سنة 1914 مجلة القانون المدنى الفصلية 1915 ص 514  .

( [795] ) نقض فرنسى 26 يونيه سنة 1929 داللوز الأسبوعى 1929 ص 460  .

( [796] ) نقض فرنسى 7 ديسمبر سنة 1931 جازيت دى باليه أول فبراير سنة 1932  .

( [797] ) استئناف مختلط 28 مارس سنة 1929 م 41 ص 326 – 28 أبريل سنة 1932 م 44 ص 299 – نقض فرنسى 13 أبريل سنة 1910 سيريه 1911 – 1 – 501 – 31 مايو سنة 1932 سيريه 1933 – 1 – 134 – بل إن الطبيب ليس فى حاجة إلى كتابه مذكرات منتظمة ( Carnet de Visites Regulierement Tenu ) بزياراته لمرضاه ( محكمة باريس الاستئنافية 5 مارس سنة 1903 سيريه 19004 – ص – 32 )  .

( [798] ) استئناف مختلط 3 يناير سنة 1925 م 37 ص 138  .

( [799] ) ويجب أن يثبت المدعى أن السند المكتوب ، الذى كان موجوداً ثم فقد بسبب أجنبى ، هو سند كتابى كامل ، لا مجرد مبدأ ثبوت بالكتابة  . فإذا كان مجرد مبدأ ثبوت بالكتابة ، فلا يسمح للمدعى أن يثبت سبق وجوده بالبينة أو بالقرائن  . لكن إذا أقر الخصم بسبق وجوده كان للقاضى حرية التقدير لتعرف ما إذا كان السند المفقود تتوافر فيه أركان مبدأ الثبوت بالكتابة حتى يمكن تعزيزه بالبينة أو بالقرائن ( الموجز للمؤلف ص 724 )  .

( [800] ) وليس من الضرورى أن تكون الشهود قد رأت السند المكتوب وقرأته  . ولكن لا يكفى من جهة أخرى أن تشهد الشهود بقيام التصرف القانونى ( أوبرى ورو 12 فقرة 765 هامش رقم 35 )  .

وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " أما فيما يتعلق بالدليل على الفقد فيقع عبء إقامته على المدعى مبدئياً  . فمن واجبه ، فضلا عن إثبات الحادث الجبرى أو القوة القاهرة ، أن يقيم الدليل على سبق وجود المحرر ومضمونه وعلى مراعاة شروط الصحة التى يتطلب القانون توافرها فيه إن كان هذا المحرر من قبيل المحررات الشكلية  . فإذا تم ذلك للمدعى ، كان له أن يثبت ما يدعى بالبينة " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 414 )  .

ويطلب من المدعى ، كما قدمنا ، أن يثبت بجميع الطرق سبق وجود سند مكتوب ، وأن هذا السند كان مستوفياً لجميع الشروط القانونية ، وأنه كان يحمل توقيع الخصم  . فلو اعترف الخصم بسبق وجود السند ، ولكنه أنكر توقيعه عليه ، سمح للمدعى أن يثبت صحة التوقيع بجميع الطرق ( الموجز للمؤلف ص 724 ) – ويجب أن يكون السند المفقود دليلا كتابياً كاملا  . فإذا كان مجرد مبدأ ثبوت بالكتابة ، فلا يجوز إثبات فقده بالبينة أو بالقرائن ، ولكن يجوز إثبات ذلك بالإقرار أو اليمين كما مر القول ( أنظر الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فقرة 215 )  .

( [801] ) وإذا ادعى المدعى أن السند كان مودعاً عند شخص آخر ، وجب عليه إثبات الوديعة ، إذا كانت قيمة السند تزيد على عشرة جنيهات ، بدليل كتابى ( الموجز للمؤلف ص 724 ) – أنظر أيضاً : أوبرى ورو 12 فقرة 765 ص 382 – ص 384  .

( [802] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر بأنه وإن كان القانون لم يشر فى المادة 218 مدنى ( 403 جديد ) إلا إلى حالة ضياع السند بسبب قهرى كحصول حريق أو إتلاف ، إلا أنه مما يجب أن يعتبر فى حكم السبب القهرى حصول سرقة السند أو تبديده ( استئناف مصر 21 أبريل سنة 1934 المحاماة 15 رقم 263 / 2 ص 556 )  . وقد يكون السند المكتوب قد ضاع من ملف القضية المرفوعة بهذا السند ، دون أن يكون ذلك بتقصير من صاحبه ( محكمة باريس 26 أكتوبر سنة 1938 داللوز الأسبوعى 1939 ص 11 )  .

( [803] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كانت المحكمة قد اقتنعت من التحقيقات الحاصلة عن الحادث ، وعلى الأخص مما أدلى به المدعى عليه نفسه فيها ، أن السند كان موجوداً وسرق ، وأن ذمة المدعى عليه مازالت مشغولة بالدين ، فذلك من شأنها وحدها  . ولا يصح أن ينعى عليها أنها لم تأخذ فيما انتهت إليه بدليل بعينه ، إذ الإثبات فى هذه الحالة يجوز بجميع الطرق ( نقض مدنى 18 يونيه سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 176 ص 485 )  . وقضت أيضاً بأنه إذا رفضت المحكمة طلب الإحالة على التحقيق لإثبات وجود سند كتابى ضاع بسبب قهرى ، مقيمة قضاءها بذلك على عدم جدية هذا الادعاء لما أوردته من أسباب مبررة لوجهة نظرها ، فلا مخالفة فى ذلك لحكم المادة 218 من القانون المدنى ( 403 جديد ) ( نقض مدنى 24 مارس سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 399 ص 740 )  .

أنظر أيضاً : نجع حمادى 30 ديسمبر سنة 1905 المجموعة الرسمية 7 رقم 34 – ملوى 9 يونيه سنة 1906 المجموعة الرسمية 7 رقم 116  .

( [804] ) وقد جاء فى الموجز للمؤلف ما يأتى : " ويكفى فوجود القوة القاهرة ألا يكون الحادث الذى ضاع فيه السند منسوباً إلى إهمال المدعى ، ولو كان هذا الحادث قد وقع بإهمال الغير ، لا قضاء وقدراً  . أما إذا ضاع السند بإهمال المدعى ، بأن كان قد مزقه خطأ أو أهمل فى حفظه حتى ضاع أو سرق أو نحو ذلك مما يعتبر خطأ منسوباً إليه ، فلا يكون فى هذه الحالة معذوراً ، ولا يسمح له أن يثبت دعواه بالبينة أو بالقرائن ( الموجز فقرة 697 ص 725 )  . أنظر أيضاً : استئناف مختلط 18 مارس سنة 1920 م 32 ص 207 – والمذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 413 – ص 414  .

( [805] ) استئناف مختلط 22 مارس سنة 1939 م 51 ص 214 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1541 ص 1003 وهامش رقم 1  .

( [806] ) استئناف مختلط 26 مارس سنة 1890 م 2 ص 199 – 20 مايو سنة 1891 م 3 ص 343 – 22 مارس سنة 1893 م 5 ص 171 – 24 مايو سنة 1893 م 5 ص 251 – 17 فبراير سنة 1920 م 32 ص 375  .

( [807] ) وبفرض أن السند قد استوفى الشكل الذى يتطلبه القانون إذا كان المدين هو الذى أتلفه ( أوبرى ورو 12 فقرة 765 ص 384 – ص 385 ) – هذا والسند فى حالة التصرف الشكلى لابد أن يكون سنداً رسمياً  . فإذا فقد ، فإن الصور الرسمية قد تقوم مقامه ، أو تكون مبدأ ثبوت بالكتابة على النحو الذى قدمناه عند الكلام فى حجية الصور الرسمية للسند الرسمى ، وفى هذه الحالة لا نكون فى حاجة إلى القاعدة التى نحن بصددها ، فإن قبول البينة والقرائن جائز بدونها  . أما إذا لم توجد صور رسمية أصلا ، أو وجدت ولكنها لا تصلح أن تكون على الأقل مبدأ ثبوت بالكتابة ، فعندئذ يكون للخصم فائدة من التمسك بقاعدة فقد السند المكتوب بسبب أجنبى ليتمكن من إثبات التصرف بالبينة والقرائن ( أنظر فى هذه المسألة الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 232 ص هامش رقم 2 – وفقرة 241 )  .

( [808] ) أنظر بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1541 ص 1004 – وأنظر أيضاً المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 414  .

( [809] ) نقض فرنسى 30 يوليه سنة 1884 داللوز 85 – 1 – 439 – سيريه 85 – 1 – 374  . بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 7 فقرة 1542 – ويحتفظ بارتان فى التسليم بصحة هذا الحكم ( أوبرى ورو 12 فقرة 765 هامش رقم 33 مكرر )  .

وقد قضت محكمة النقض البلجيكية ، هى أيضاً ، بأن قواعد الإثبات ليست من النظام العام ، وأنه يجوز الاتفاق على ما يخالف قاعدة فقد السند المكتوب بسبب أجنبى ، كما لا يجوز التمسك بهذه القاعدة وغيرها من قواعد الإثبات لأول مرة أمام محكمة النقض ( 28 ديسمبر سنة 1944 باسيكريزى 1145 – 1 – 76 – 30 يناير سنة 1947 باسيكريزى 1947 – 1 – 29 )  .

( [810] ) أنظر آنفاً فقرة 65  .

( [811] ) أنظر آنفاً فقرة 61  .

( [812] ) أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 431 – ص 432  .

( [813] ) أنظر بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1563 – دى باج 3 ص 1025 – ص 1028 – وأنظر : استئناف مختلط 14 يناير سنة 1930 م 42 ص 186  .

( [814] ) أوبرى ورو 12 ص 108  .

( [815] ) أوبرى ورو 12 ص 107 – ص 108  .

( [816] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه لكى ينتج الإقرار أثره القانونى يجب أن يكون متعلقاً بواقعة لا بالتطبيق القانونى ، لأن تفسير القانون وتطبيقه على واقعة الدعوى هو من شأن المحكمة وحدها لا من شأن الخصوم ، وإذن فإن إقرار المطعون عليهما بانطباق المادة 37 من القانون رقم 71 لسنة 1946 على الوصية موضوع النزاع لا يقيد المحكمة بشيء ( نقض مدنى 22 أكتوبر سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 5 ص 62 ) – وأنظر أيضاً أوبرى ورو 12 ص 108 وهامش رقم 4 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1561 ص 1034 – بودرى وبارد 4 فقرة 2701 ص 376 – بيدان وبرو 9 فقرة 1309  .

( [817] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1561 ص 1034  .

( [818] ) نقض فرنسى 23 يولية سنة 1902 داللوز 1903 – 1 - 274 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1561 ص 1034 – ولا يعد إقراراً بالمسئولية ما يقوم به رب العمل من إسعاف العامل بدافع الشفقة والإحسان ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1561 ص 1034 هامش رقم 3 )  .

( [819] ) نقض مدنى 19 مايو سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 48 ص 107 – نقض فرنسى 15 أبريل سنة 1899 داللوز 99 – 1 – 521 – 12 يونيه سنة 1899 سيريه 1900 – 1 – 136 – بارتان على أوبرى ورو 12 ص 107 – دى باج 3 ص 1028 – ص 1032 بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1561 ص 1034 – ص 1035 – بيدان وبور 9 فقرة 1304 – قارن ( عكس ذلك ) : ديمولومب 30 فقرة 450 – هيك 8 فقرة 346 – لوران 20 فقرة 159 – بودرى وبارد 4 فقرة 2701 – المؤجز للمؤلف فقرة 654 – الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 489 – المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 432 – ص 433 – نقض مدنى 30 مارس سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 117 ص 203  . والمسألة على كل حال محل للنظر  . وسنرى أن الإقرار القضائى ينطوى على نزول من جانب المقر عن حقه فى مطالبة خصمه بالإثبات ، والنزول يتضمن القصد ، لذلك كان الأولى اشتراط القصد فى الإقرار القضائى على الأقل  .

( [820] ) استئناف مختلط 21 فبراير سنة 1918 م 30 ص 243  .

( [821] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه وإن كان من حق الخصم أن يطلب استجواب خصمه ، إلا أن المحكمة ليست ملزمة بإجابة هذا الطلب ، بل الأمر متروك لسلطتها المطلقة فى التقدير ، فإذا رفض الحكم إجابة هذا الطلب لعدم تعلق الوقائع المطلوب الاستجواب عنها بالدعوى ، كان تسبيبه كافياً ولا تجوز إثارته الجدل بشأنه ( نقض مدنى 3 مايو سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 250 ص 668 ) – وأنظر المادة 168 من تقنين المرافعات الجديد ، وهى تقضى بأنه إذا رأت المحكمة أن الدعوى ليست فى حاجة إلى استجواب رفضت طلب الاستجواب  . وأنظر : نقض مدنى 11 ديسمبر سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 29 ص 183  . وكان تقنين المرافعات السابق يجيز اعتبار تخلف الخصم عن الحضور أو امتناعه عن الإجابة بمثابة إقرار ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك ( أنظر فى هذا المعنى أيضاً المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 434 )  . – أنظر : بيدان وبرو 9 فقرة 1305  .

( [822] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1563 – وقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأن من يواجه بواقعتين ، فينكر إحداهما إنكاراً صريحاً ويسكت عن الثانية ، يعتبر سكوته إقراراً بالواقعة التى سكت عن إنكارها ( نقض فرنسى 14 مايو سنة 1902 داللوز 1902 – 1 - 224 – بودرى وبارد 4 ص 276 هامش رقم 1 )  .

( [823] ) أنظر فى أن تنفيذ العقد يعتبر بمثابة إقرار ضمنى بوجوده : دى باج 3 ص 1059 – ص 1061 ) – وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى صدد الإقرار الضمنى ما يأتى : " وليس شك فى أن الأصل فى الإقرار أن يكون صريحاً ، وأن الاقتضاء فيه استثناء من حكم هذا الأصل ، فلا يجوز قبول الإقرار الضمنى ، والحالة هذه ، ما لم يقم دليل يقينى على وجوده ومرماه  . وهذا هو المعنى الذى استظهره تقنين المرافعات البلجيكى فى المادة 330 إذ فرع على توافر هذه العناصر جواز اعتبار الوقائع ثابتة " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 433 )  .

( [824] ) وهذا هو النص فى أصله الفرنسى :

L'allegation d'un aveu extrajudicaire purement verbal est inutile toutes les fois qu'il s'agit deune demande don’t la prevue testimonials ne serait point admissible  .

( [825] ) وستتحدد دائرة الإقرار غير القضائى ضمناً عندما نحدد منطقة الإقرار القضائى فيما يلى ، فما يخرج عن هذه المنطقة يكون إقراراً غير قضائى  . وبحسبنا الآن أن نذكر أن الإقرار غير القضائى يصدر خارج القضاء أو أمامه ولكن فى غير إجراءات الدعوى التى رفعت بالواقعة المقر بها  . وقد نصت المادة 95 من قانون البينات السورى على أن " الإقرار غير القضائى هو الذى يقع فى غير مجلس الحكم أو يقع فى مجلس الحكم فى غير الدعوى التى أقيمت بالواقعة المقر بها "  .

( [826] ) أوبرى ورو 12 ص 132 – ص 133 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1568 ص 1403 – وأنظر فى أن الإقرار غير القضائى ليس كما يعتبره الفقه التقليدى صورى غير كاملة من الإقرار القضائى ، بل هو الأصل الذى نسج على منواله الإقرار القضائى : بارتان فى تعليقاته على أوبرى ورو 12 ص 132 هامش رقم 40 مكرر 4  . وقارن بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2282  .

( [827] ) بور سعيد 5 سبتمبر 1932 المحاماة 13 رقم 226 ص 453  .

( [828] ) ومن ثم يكون هناك إقراران : إقرار قضائى ثبت به الإقرار غير القضائى وتراعى فيه أحكام الإقرارات القضائية ، وإقرار غير قضائى هو الذى ثبت بالإقرار القضائى وتراعى فيه أحكام الإقرارات غير القضائية  . وهذا بخلاف ما إذا كان هناك إقرار غير قضائى ، ثم يجدده المقر أمام القضاء ، ولا يكتفى بمجرد الإقرار بصدوره منه خارج القضاء  . فكلا الإقرارين هنا –القضائى وغير القضائى - ينصب على واقعة واحدة ، ويؤخذ بالإقرار القضائى فى هذه الحالة كطريق لإثبات الدعوى ذاتها لا لمجرد إثبات الإقرار غير القضائى  . ( أوبرى ورو 12 ص 113 – بيدان وبرو 9 فقرة 1306 ص 403 ، قارن بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1568 ص 1043 )  . أنظر : طنطا الكلية أول مايو سنة 1935 المحاماة 16 رقم 439 ص 948  .

( [829] ) استئناف مختلط 10 مايو سنة 1906 م 18 ص 249 – قارن : استئناف مختلط 7 ديسمبر سنة 1899 م 12 ص 37  .

والظاهر فى الفقه الإسلامى أن العبرة فى الإقرار المكتوب بالأشهاد عليه ، فإن لم يستشهد المقر على كتابه بشهود فالكتاب لا يصلح إقراراً  . جاء فى الفتاوى الهندية : " رجل كتب على نفسه صكاً عند قوم ، ثم قال اختموا عليه ولم يقل اشهدوا عليه ، لم يكن ذلك إقراراً ، ولا يحل لهم أن يشهدوا عليه بذلك المال ، وكذا لو قال الشهود أنشهد عليك بهذا فقال اختموا عليه  . ولو قالوا أتختم هذا الصك ، فقال اشهدوا عليه ، كان إقراراً وحل لهم أن يشهدوا عليه ، كذا فى فتاوى قاضيخان  . ولو قال للصكاك أكتب لفلان خط إقرار بألف درهم على ، يكون إقراراً ويحل للصكاك أن يشهد بالمال  . وكذا لو قال للصكاك أكتب له خط بيع هذا الدار بكذا ، وكتب الصكاك أو لم يكتب ، فهو إقرار بالبيع  .  .  . رجل قرأ على رجل صكاً بمال ، وقال له الآخر أشهد عليك بهذا المال الذى فى الصك ، فقال نعم ، كان ذلك إقراراً وحل له أن يشهد عليه ، كذا فى فتاوى قاضيخان  . ومنها كتاب حسابه ، وهو ما يكتبه التجار فى صحائفهم ودفاتر حسابهم ، كذا فى المحيط  . لو كتب فى صحيفة حسابه أن لفلان على ألف درهم ، وشهد شاهدان حضرا ذلك أو أقر هو عند الحاكم به ، لم يلزمه إلا أن يقول اشهدوا على به ، كذا فى المبسوط "  . ( الفتاوى الهندية 4 ص 167 )  .

( [830] ) قارن بودرى وبارد 4 فقرة 2725 – الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 119  .

( [831] ) الموجز للمؤلف ص 661 – استئناف مصر 24 يناير سنة 1928 المحاماة 9 رقم 209 ص 377 – ملوى 3 سبتمبر سنة 1932 المحاماة 14 رقم 231 / 2 ص 446  .

( [832] ) وقد نصت المادة 102 من قانون البينات السورى على أن " الإقرار غير القضائى واقعة يعود تقديرها القاضى ، ويجب إثباتها وفاقاً للقواعد العامة المختصة بالإثبات " – وقضت محكمة النقض بأن الإقرار الوارد فى صحيفة دعوى غير دعوى النزاع ، وإن كان لا يعد إقراراً قضائيا ملزماً حتما ، هو إقرار مكتوب صدر فى مجلس القضاء  . ومثل هذا الإقرار يترك تقديره لمحكمة الموضوع  . فلها مع تقدير الظروف التى صدر فيها والأغراض التى حصل من أجلها أن تعتبره دليلا مكتوباً أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة ، كما لها ألا تأخذ به أصلا  . فإذا هى اعتبرته دليلا كتابياً ، كان ذلك فى حدود سلطتها التقديرية التى لا معقب عليها من محكمة النقض ( نقض مدنى 27 ديسمبر سنة 1945 مجموعة عمر 5 رقم 14 ص 30 – 8 أبريل سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 300 ص 600 )  . أنظر أيضاً : الزقازيق استئنافى 19 مايو سنة 1908 المجموعة الرسمية 10 رقم 10 / 2 – ملوى 15 أكتوبر سنة 1916 المجموعة الرسمية 18 رقم 37 – منوف 25 ديسمبر سنة 1928 المحاماة 9 رقم 496 ص 904 – المنيا الكلية 20 يناير سنة 1930 المجموعة الرسمية 31 رقم 2 ص 29 – قنا استئنافى 17 نوفمبر سنة 1931 المجموعة الرسمية 32 رقم 1 ص 197 – ديرانتون 13 فقرة 540 – ديمولومب 30 فقرة 544 بيدان وبرو 9 فقرة 1306 وفقرة 1313  .

( [833] ) فهناك أحكام كثيرة لا تجزئ الإقرار غير القضائى : استئناف مختلط 31 أكتوبر سنة 1888 م 1 ص 372 – 3 أبريل سنة 1890 م 27 ص 337 – وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الإقرارات التى تصدر من الشخص فى تحقيق البوليس لا تعتبر إقراراً واحداً لا يتجزأ ، بل هى جملة من الإقرارات مستقلة بعضها عن بعض ، ويجوز الأخذ ببعضها دون البعض الآخر ، فإذا أخذ بإقرار منها فلا يجوز تجزئته ( 21 فبراير سنة 1945 م 57 ص 76 )  . على أن الإقرار غير القضائى قابل للتجزئة إذا رأى القاضى ذلك ، وقد قضت محكمة النقض بأن الأقوال الصادرة من أحد الخصوم أمام الخبير المنتدب فى دعوى غير الدعوى المنظورة هى من قبيل الإقرار غير القضائى ، فتجوز تجزئتها والأخذ ببعضها دون بعض ( نقض مدنى 15 أبريل سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 301 ص 601 ) ( أنظر أيضاً فى معنى جواز التجزئة : استئناف مختلط 30 مايو سنة 1894 م 6 ص 309 – منوف 18 فبراير سنة 1915 المجموعة الرسمية 16 رقم 79 / 2 – تولييه 10 فقرة 340 – ديمولومب 30 فقرة 554  . عكس ذلك بودرى وبارد 4 فقرة 2725  .

( [834] ) وسنرى أن الإقرار القضائى نفسه يتأثر بالغلط فى القانون – ويجوز ، تبعاً للظروف وحسب تقدير القاضى ، الرجوع فى الإقرار غير القضائى حتى لو لم يوجد غلط أو تدليس أو إكراه ( لارومبيير 7 م 1356 فقرة 31 – ديمولومب 30 فقرة 555 – عكس ذلك بودرى وبارد 4 فقرة 2725 )  . ولا رقابة لمحكمة النقض على تقدير قاضى الموضع فى كل ذلك ( أنظر فى هذا المعنى بيدان وبرو 9 فقرة 1318 – فقرة 1319 – وأنظر عكس ذلك بودرى وبارد 4 فقرة 2725 )  .

( [835] ) يميز التقنين المدنى الليبى ، فى الإقرار خارج مجلس القضاء ، بين الإقرار الذى يفضى به المقر مباشرة لخصمه أو نائب عنه ، وهذا يجعل له حجية الإقرار القضائى لأن الخصم فى العادة لا يقر لخصمه مباشرة بحق عليه إلا إذا كان هذا الحق فى ذمته ، وبين الإقرار الذى يفضى به المقر لشخص ثالث ، والإقرار الموجود فى وصية للمقر  . فالإقرار لشخص ثالث –دون الخصم مباشرة - لا تلابسه الحيطة التى تلابس الإقرار للخصم  . والإقرار فى وصية تدخله مظنة أن يكون الإقرار جزءاً من هذه الوصية أضفى عليه الموصى صورة الإقرار  . ومن ثم ترك التقنين الليبى للقاضى سلطة البت فى تقدير حجية الإقرار فى هاتين الحالتين  . وهذا هو نص المادة 398 من التقنين المدنى الليبى الذى وردت فيه هذه الأحكام : " الإقرار الذى يفضى به للخصم أو لمن يمثله خارج مجلس القضاء يعد إقراراً قضائياً فى نفس الدرجة والمفعول  . وإذا أفضى بالإقرار لشخص ثالث ، أو وجد الإقرار فى وصية ، فتترك حرية البت فيه لتقدير القاضى  . ولا يجوز إثبات الإقرار المدلى به خارج مجلس القضاء عن طريق شهود إذا كان منصبا على موضوع لا يسمح القانون إثباته بشهود "  .

( [836] ) ويحسن التمييز بين مسائل ثلاث : ( أ ) العبارة المنسوب صدورها إلى الخصم ، وهل صدرت منه فعلا : وهذه مسألة موضوعية  . ( ب ) وبفرض ثبوت صدورها ، هل يمكن تفسيرها على أنها إقرار : وهذه أيضاً مسألة موضوعية  . ( جـ ) وبفرض أنها إقرار ، فهل هذا الإقرار قضائى أو غير قضائى : وهذه مسألة قانون ( أنظر أنسيكلوبيدى داللوز فى القانون المدنى Preuve فقرة 934 )  .

( [837] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 546 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " الإقرار هو اعتراف الخصم أو من ينوب عنه نيابة خاصة بواقعة قانونية مدعى بها عليه  . ويكون صدوره أمام القضاء أثناء السير فى الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة "  . وفى لجنة المراجعة حول النص تحويراً لفظيا طفيفا وحذفت عبارة " أو من ينوب عن نيابة خاصة " لأن محلها باب الوكالة ( م 702 فقرة 1 مدنى ) ، فأصبح النص هو ما استقر عليه فى التقنين الجديد ، وأصبح رقم المادة 421 فى المشروع النهائى  . ووافق على النص مجلس النواب ، فلجنة مجلس الشيوخ تحت رقم 408 ، فمجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 431 – ص 434 )  .

( [838] ) نصوص التقنينات المدنية العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 93 : الإقرار هو إخبار الخصم أمام المحكمة بحق عليه الآخر  . م 94 : الإقرار القضائى هو اعتراف الخصم أو من ينوب عنه نيابة خاصة بواقعة قانونية مدعى بها عليه ، وذلك أمام القضاء ، أثناء السير فى الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة  . ( والحكم واحد فى القانون السورى والتقنين المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى م 461 : الإقرار هو إخبار الخصم أمام المحكمة بحق عليه لآخر  . ( والحكم واحد فى التقنينيين العراقى والمصرى )  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 210 : الإقرار هو اعتراف فريق بأمر ادعى به عليه  . والإقرار يكون قضائياً وغير قضائى  . ( ولا يوجد فى التقنين اللبنانى تعريف خاص بالإقرار القضائى ، ولكن يفهم من مجموع نصوصه أن حدود الإقرار القضائى هى نفس الحدود المقررة فى التقنين المصرى )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 396 : مطابقة لنص التقنين المصرى  .

( [839] ) التقنين المدنى الفرنسى م 1354 : الإقرار الذى يحتج به على الخصم يكون إما إقراراً غير قضائى وإما إقراراً قضائياً – م 1356 فقرة أولى : الإقرار القضائى هو اعتراف الخصم أمام القضاء بنفسه أو بمن فوضه فى ذلك تفويضاً خاصاً  .

Art  . 1354 : L'aveu qui est oppose a une partie, est ou extrajudiciare ou judiciaire  .

Art  . 1356 el  . 1  . : L'aveu judiciaire est la declaration que fait en justice la partie ou son fonde de pouvoir special  .

( [840] ) أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 432 – ص 423 – وكون الأقوال المنسوبة إلى الخصم تعتبر إقراراً منه لتوافر هذه الأربكان الأربعة ، أو لا تعتبر لعدم توافرها ، مسألة من مسائل القانون ، وقد قضت محكمة النقض بأن الإقرار القضائى هو اعتراف خصم بالحق المدعى به فى مجلس القضاء قاصداً بذلك إعفاءه من إقامة الدليل عليه ، وكون الأقوال المنسوبة إلى الخصم تعتبر إقراراً منه أو لا تعتبر مسألة قانونية تدخل تحت رقابة محكمة النقض ( نقض مدنى 30 مارس سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 117 ص 203 ) – أما ثبوت وقوع هذه الأركان مادياً فهى مسألة موضوعية متروك تقديرها لمحكمة الموضوع ، ولا رقابة لمحكمة النقض عليها فيها ( نقض مدنى 19 مايو سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 48 ص 107 – 23 مايو سنة 1935 المجموعة الرسمية 36 رقم 10 ص 234 )  .

( [841] ) قارب بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2288 ص 721 هامش رقم 1  .

( [842] ) قارب أوبرى ورو 12 ص 113 – ص 114 – دى باج 3 ص 1028 - ص 1032 – وقارن الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 104 – فقرة 105 – وفى الفقه الإسلامى الإقرار إخبار الإنسان عن ثبوت حق لغيره على نفسه ، وهو إخبار لا إنشاء ، ولذلك لا يحتمل التعليق بالشرط ولا اشتراط الخيار ، ولا يتوقف على القبول وما فيه تمليك مال من وجه يرتد بالرد وإلا فلا كأبطال شفعة وطلاق وعتاق ( الأستاذ أحمد إبراهيم فى طرق القضاء فى الشريعة الإسلامية ص 118 – ص 130 )  .

( [843] ) وسنرى أن كلا من توجيه اليمين الحاسمة وردها تصرف قانونى  . أما الحلف نفسه فواقعة مادية  . والنكول عن اليمين ، كالإقرار ، واقعة مادية تنطوى على تصرف قانونى  .

( [844] ) أوبرى ورو 12 ص 117  .

( [845] ) أوبرى ورو 12 ص 117 هامش رقم 19 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1566 - استئناف مختلط 2 أبريل سنة 1902 م 14 ص 214 - ومن ثم يجوز الإقرار للصبى غير المميز وللمجنون ( نقض مدنى 23 مايو سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 269 ص 798 - وانظر م 463 فقرة 2 مدنى عراقى )  .

قارب المادة 466 من التقنين المدنى العراقى ونصها : " 1 - لا يتوقف الإقرار على قبول المقر له ، ولكن يرتد برده  . 2 - وإذا رد المقر له مقداراً من المقر به ، فلا يبقى حكم الإقرار فى المقدار المردود ، ويصح الإقرار فى المقدار الباقى "  . والمادة 468 من نفس التقنين : " 1 - يلزم المرء بإقراره إلا إذا كذب بحكم  . 2 - ولا يصح الرجوع عن الإقرار "  . وانظر أيضاً المادتين 98 و 99 من قانون البينات السورى ، وقد نقلتا عن المادتين 466 و 468 من التقنين المدنى العراقى  . وانظر فى تكذيب الحاكم للإقرار المادة 1587 من المجل وشرح سليم باز ص 875 - ص 876  .

( [846] ) وقد قضت محكمة النقض بأن الأهلية التى تشترط لصحة الأقارير هى أهلية المقر للتصرف فيما أقر به ، أما المقر له فلا يشترط فيه أهلية ما بل يجوز الإقرار للصبى غير المميز والمجنون ( نقض مدنى 23 مايو سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 269 ص 798 وقد بقت الإشارة إلى هذا الحكم )  .

( [847] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر بأنه وإن كان القانون المصرى ( القديم – وكذا الحديث ) لم يأت بنص صريح كالذى جاء فى الفقرة الأخيرة من المادة 1356 مدنى فرنسى التى تقرر أنه لا يجوز الرجع فى الإقرار إلا إذا ثبت أنه ناشئ عن خطأ فى الأمر الواقع ، إلا أن القواعد القانونية العامة توجب العمل بهذا المبدأ ، فهى لا تسمح لأى إنسان بأن يثرى على حساب غيره بدون وجه حق ، وتسمح فضلاً عن ذلك بتصحيح الأخطاء المادية فى الحساب الناشئة عن السهو والنسيان ( 3 فبراير سنة 1935 المحاماة 15 رقم 323 / 2 ص 384 )  . وقضت محكمة دمياط بأنه إذا بنى الإقرار على غلط فى الواقع كأن يقر بدين على مورثه ثم عثر بعد ذلك على مخالصة بين أوراق المورث ، ففى هذه الحالة يجوز للمقر العدول لأن اعترافه بأمر لم يكن موجوداً فى الواقع ( 23 أكتوبر سنة 1930 المحاماة 12 رقم 447 ص 901 )  .

هذا ويلاحظ أن التقنين المدنى الفرنسى ( م 1356 ) لا يجعل الإقرار معيباً إلا إذا كان الغلط فى الواقع ، أما الغلط فى القانون فلا يعتد به ( انظر أيضاً المادة 225 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى )  . ولكن المقصود بالغلط فى القانون الذى لا يعتد به هو الغلط فى النتائج القانونية التى تترتب على الإقرار ( أوبرى ورو 12 ص 119 - بلانيول وريبير وجابولد 7 ص 910 - كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 812 - بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2289 - وانظر أيضاً المادة 224 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى وتقضى بأنه لا يجوز للمقر الرجوع عن إقراره بحجة أنه لم يفقه نتائجه القانونية )  . وعلى هذا المعنى يمكن القول أيضاً بأن الغلط فى القانون لا يؤثر فى الإقرار فى القانون المصرى ، فإقرار الوارث بوصية صدرت لوارث آخر لا يعيبه أن يكون الوارث المقر قد صدر منه الإقرار وهو يعتقد خطأ أن الوصية لوارث لا تزال غير جائزة ، فإذا تمسك المقر بهذا الغلط فى القانون لا يجاب إلى طلبه فى الرجوع عن إقراره ( قارن الموجز للمؤلف ص 685 هامش رقم 2 - والمذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 440 - وقارن أيضاً الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 498 - الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 114 )  . أما الغلط فى القانون الذى يعتد به فى الإقرار فى القانون المصرى – وكذلك فى القانون الفرنسى إذا أخذنا بالتفسير الذى سبقت الإشارة إليه – فهو الغلط الذى يقع ، لا فى النتائج القانونية للإقرار ، بل فى العناصر القانونية التى يقوم عليها ، وذلك كالغلط فى حكم من أحكام القانون انبنى عليه صدور الإقرار  . فإذا أقر وارث بملكية الموصى له للعين الموصى بها وهى تزيد على ثلث التركة ، وكان يعتقد وقت صدور الإقرار أن الوصية تجوز حتى لو جاوز الموصى به ثلث التركة ، فإن له الرجوع فى إقراره إذا أثبت هذا الغلط فى القانون الذى وقع فيه  .

( [848] ) وقد جاء فى الموجز للمؤلف فى هذا الصدد ما يأتى : " لكن يجوز الطعن فى الإقرار لغلط أو تدلي أو إكراه ، وهذه هى عيوب الرضاء ، فإذا كان المقر قد صدر منه الإقرار على أساس غلط وقع فيه ، كما إذا أقر وارث بدين فى ذمة مورثه وهو يجهل أن هناك مخالصة بالدين ، فله أن يطعن فى هذا الإقرار بالغلط إذا ما علم بعد ذلك بأمر هذه المخالصة  . وإذا كان الإقرار قد صدر على أثر تدليس ، ولو من غير الخصم المقر له ، أو كان نتيجة إكراه ، فللمقر أن يطعن فيه كذلك " ( الموجز ص 685 )  . هذا والتدليس والإكراه يمكن تصورهما فى الإقرار إذا وقعا خارج المحكمة ( قارن دى باج 3 ص 1028 - 1032 )  .

( [849] ) استئناف مختلط 23 يناير سنة 1907 م 19 ص 96 - 7 مارس سنة 1907 م 19 ص 140 - 24 مارس سنة 1931 م 43 ص 309 - 17 مارس سنة 1938 م 50 ص 174  .

( [850] ) وفى الفقه الإسلامى يبطل الإقرار بعد وجوده بتكذيب المقر له للمقر فى حقوق العباد ، وبرجوع المقر عن الإقرار فى حقوق الله تعالى  . جاء فى البدائع : " الإقرار بعد وجوده يبطل بشيئين  . أحدهما تكذيب المقر له فى أحد نوعى الإقرار ، وهو الإقرار بحقوق العباد ، لأن إقرار المقر دليل لزوم المقر به ، وتكذيب المقر له دليل عدم اللزوم ، واللزوم لم يعرف ثبوته ، فلا يثبت مع الشك  . والثانى رجوع المقر عن إقراره فيما يحتمل الرجوع فى أحد نوعى الإقرار بحقوق الله تبارك وتعالى خالصاً كحد الزنا ، لأنه يحتمل أن يكون صادقاً فى الإنكار ، فيكون كاذباً فى الإقرار ضرورة ، فيورث شبة فى وجوب الحد " ( البدائع 7 ص 232 - ص 233 )  . ولا يسمع من المقعر أنه كاذب فى إقراره  . ولكن للمقر أن يرجع فى إقراره للإكراه لا للغلط : جاء فى الأشباه والنظائر لابن نجيم ( ص 137 و 140 ) " إقرار المكره باطل "  .  .  . ثم قال غلطت إنها خمسمائة ، لم يصدق وهو ضامن لما أقر به "  .

( [851] ) ما لم يكن الإقرار منصباً على عمل شخصى للوكيل يدخل فى حدود وكالته العامة ( أنسيكلوبيدى داللوز فى القانون المدنى Preuve فقرة 959 )  .

( [852] ) وقد رأينا عند استعراض تاريخ نص المادة 408 أن المشروع التمهيدى لهذا النص ( م 546 ) كان يقضى بأن " الإقرار هو اعتراف الخصم أو من ينوب عنه نيابة خاصة بواقعة قانونية  .  .  .  . " ، وأن لجنة المراجعة حذفت عبارة " أو من ينوب عنه نيابة خاصة " لأن محلها باب الوكالة ( م 702 فقرة 1 مدنى )  .

( [853] ) فإذا صدر منه إقرار مبتدر ( spontane ) ، فإن هذا لا يكون حجة على الموكل : استئناف مختلط 28 يناير سنة 1947 م 59 ص 67  .

( [854] ) فإذا فوض المحامى فى الإقرار ، وصدر منه إقرار من مذكرة قدمها للمحكمة ولم يسحبها الخصم ، أوخذ بهذا الإقرار ( استئناف مختلط 20 مارس سنة 1947 م 59 ص 50 )  . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " ويجب أن يصدر الإقرار من الخصم أو ممن يفوض فى ذلك بتوكيل خاص  . فلا يجوز للوكيل أن يقر عن الموكل ، إلا أن يكون قد خول ولاية خاصة ، لأن الإقرار فى حقيقته عل تصرف لا عمل إدارة ، فهو يخرج بذلك عن نطاق الوكالة العامة  . ولهذه العلة يشترط توقيع الموكلين أنفسهم على المذكرات التى تقدم من محاميهم إذا كانت تتضمن إقراراً ، إلا أن يكون المحامون مفوضين فى الإقرار بتوكيل خاص ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 433 )  .

وقضت محكمة النقض بأنه متى كان الحكم المطعون فيه إذ نفى صدور إقرار من البائعتين قد استند إلى أن الإقرار الصادر من وكيليهما والمثبت بمحضر انتقال القاضى المنتدب للمعاينة لا يصلح للاحتجاج به على الموكلتين لأنه لم يصدر بتوكيل خاص أو ضمن توكيل عام يبيح الإقرار بالملكية ، فإن هذا القول لا مخالفة فيه للقانون ( نقض مدنى 14 فبراير سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 81 ص 474 )  . وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه لابد من توكيل خاص فى الإقرار : استئناف مختلط 30 أبريل سنة 1896 م 8 ص 267 - 4 يونيه سنة 1896 م 8 ص 324 - 9 يونيه سنة 1898 م 10 ص 322  .

( [855] ) وقد نصت المادة 20 من قانون المحاكم الحسبية على تصرفات معينة لا يجوز للوصى مباشرتها إلا بإذن من المحكمة ، فالإقرار بأى تصرف منها باسم القاصر لابد فيه من إذن المحكمة الحسبية  . وهذا هو نص المادة 20 المشار إليها : " لا يجوز للوصى مباشرة التصرفات الآتية إلا بإذن من المحكمة : ( أولاً ) التصرف فى أموال القاصر بالبيع أو الشراء أو المقايضة أو الشركة أو الإقراض أو الرهن أو أى نوع آخر من أنواع التصرفات الناقلة للملكية أو المرتبة لحق عينى  .( ثانياً ) تحويل الديون التى تكون للقاصر وقبول الحوالة عليه  . ( ثالثاً ) استثمار الأموال وتصفيتها واقتراض المال القاصر  . ( رابعاً ) إيجار عقار القاصر لمدة أكثر من ثلاث سنوات فى الأراضى الزراعية ولمدة أكثر من سنة فى المبانى  . ( خامساً ) إيجار عقار القاصر لمدة تمتد إلى ما بعد بلوغه سن الرشد لأكثر من سنة  . ( سادساً ) قبول التبرعات المقترنة بشرط أو رفضها  . ( سابعاً ) الإنفاق من مال القاصر على من تجب عليه نفقتهم إلا إذا كانت النفقة مقضياً بها من جهة مختصة  . ( ثامناً ) الصلح والتحكيم  . ( تاسعاً ) الوفاء بالالتزامات التى تكون على التركة أو على القاصر ما لم يكن قد صر دبها حكم واجب التنفيذ  . ( عاشراً ) رفع الدعاوى إلا ما يكون فى تأخير رفعها ضرر بالقاصر أو ضياع حق له  . ( حادى عشر ) التنازل عن الدعاوى وقبول الأحكام القابلة للطعون العادية والتنازل عن هذه الطعون بعد رفعها ورفع الطعون غير العادية فى الأحكام  . ( ثانى عشر ) التنازل عن التأمينات أو إضافتها  . ( ثالث عشر ) إيجار الوصى أموال القاصر لنفسه أو لأحد أقاربه أو أصهاره أن لمن يكون الوصى نائباً عنه  . ( رابع عشر ) ما يصرف فى تزويج القاصر  .

وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن إقرار الوصى لا يسرى فى حق القاصر عن وقائع سابقة على الوصاية ( 30 أبريل سنة 1896 م 8 ص 267 )  . وقضى المجلس الحسبى العالى بأن الوصى لا يملك الإقرار بالدين ، فلا يجوز له أن يسدد ديوناً على القاصر لم تكن ثابتة ( 27 يونية سنة 1916 المحاماة 1 رقم 40 ص 249 )  . وقضت محكمة استئناف مصر بأنه لا يجوز للواقف أن يقر بدين على الوقف بعد إنشائه ( 3 ديسمبر سنة 1931 المحاماة 12 رقم 372 ص 756 )  . هذا وتنص المادة 462 من التقنين المدنى العراقى على أنه " يشترط أن يكون المقر عاقلاً بالغاً غير محجور عليه ، فلا يصح إقرار الصغير والمجنون والمعتوه والسفيه  . ولا يصح على هؤلاء إقرار أوليائهم وأوصيائهم والقوام عليهم ، ولكن الصغير المأذون يكون لإقراره حكم إقرار البالغ فى الأمور المأذون فيها "  . وتنص الفقرة الثانية من المادة 463 من هذا التقنين على أنه " لا يشترط أن يكون المقر له عاقلاً ، فلو أقر أحد بمال للصغير غير المميز صح إقراره " - انظر أيضاً المادة 96 من قانون البينات السورى ، وهى منقولة عن المادة 462 من التقنين المدنى العراقى  . وقد نصت المادة 223 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى على أن " يكون الإقرار باطلاً إذا لم يكن المقر حائزاً للأهلية أو الصلاحية الكافية "  .

( [856] ) انظر فى هذا المعنى أوبرى ورو 12 ص 115 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1565 ص 1040 - والإقرار الصادر من ممثلى الشخص المعنوى ( شركة أو جمعية أو نحو ذلك ) يعتبر إقراراً صادراً من الشخص المعنوى نفسه ( بلانيول وريبير وبولانجيه : فقرة 2285 )  .

( [857] ) استئناف مختلط 14 يناير سنة 1930 م 42 ص 186 - وقد جاء فى الموجز للمؤلف فى هذا الصدد ما يأتى : " وكما يجوز الطعن فى الإقرار بعيب من عيوب الرضا ، يجوز الطعن فيها أيضاً بالتواطؤ فيما بين المقر والمقر له ، غير أن الطعن فى الحالة الأولى يكون من المقر نفسه ، وفى الحالة الثانية يكون من الغير الذى أضر به هذا التواطؤ  . فقد يتواطأ شخص مع آخر على أن يقر له بحق إضراراً بدائنه ، فيجوز للدائن أن يطعن فى الإقرار بالدعوى البولصية أو بالصورية على حسب الأحوال " ( الموجز ص 685 والأحكام المشار إليها فى الهامش )  .

( [858] ) أوبرى ورو 12 ص 110  .

( [859] ) انظر فى إقرار المريض مرض الموت فى الفقه الإسلامى : " طرق القضاء فى الشريعة الإسلامية " للأستاذ أحمد إبراهيم ص 185 - ص 225 - البدائع 7 ص 224 - ص 228 - الفتاوى الهندية 4 4176 - ص 185  . وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن إقرار الإنسان فى مرض موته يدين لأحد ورثته يكون موقوفاً على إجازة باقيهم ، فإن أجازوه كان معتبراً ، وإلا فلا ( 29 أكتوبر سنة 1925 المحاماة 6 رقم 534 ص 856 - على أنه بعد إباحة الوصية للوارث فى ثلث التركة يكون الإقرار لوارثه نافذاً فى هذا القدر ولو من غير إجازة باقى الورثة )  . أما إذا صدر الإقرار فى حال الصحة فإنه يكون نافذاً دون تقييد بثلث التركة ، وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن الإقرار بالدين يكن صحيحاً ولو ستر تبرعاً متى كان منجزاً وصادراً فى حال الصحة ، سواء كان لوارث أو لغير وارث ( 19 مارس سنة 1929 المحاماة 9 رقم 395 ص 631 )  .

( [860] ) وقد قضت محكمة النقض بأن الإقرار يعتبر دليلاً تقديم الاستحقاق عليه فى زمن سابق ، فيكون صحيحاً ولو كان خالياً من ذكر سببه السابق عليه  . فإذا أقر المشترى على نفسه بأن الأرض التى اشتراها والمكلفة باسمه هى ملك لوالده ، واعتبرت محكمة الاستئناف أن عقود شراء تلك الأطيان جدية ، كما اعتبرت فى الوقت ذاته أن الإقرار اللاحق لها صحيح وحجة على المقر ولو لم يذكر سببه ، فلا محل للطعن فى حكمها بالتناقض ، لأنه يبين من هذا أن الحكم لم تعتبر الإقرار المذكور سبباً من الأسباب الناقلة للملك ، بل اعتبرته – كما ينبغى أن يعتبر قانوناً – دليلاً تقدم الاستحقاق عليه فى زمن سابق ، وهذا حق ، لأن الإقرار ليس سبباً لمدلوله ، ولذا كان حكمه ظهور ما أقر به المقر لا ثبوته ابتداء ( نقض مدنى 6 فبراير سنة 1936 المجموعة الرسمية 37 رقم 7 ص 158 )  . وتميز محكمة النقض بين سبب الإقرار بالدين وعلة الاستدانة ، فقد يقر المدين بالدين ويذكر أن السبب هو استيلاؤه على ريع أموال الدائن ، ثم يذكر أن علة هذه الاستدانة هى إنفاق المال فى وجه معين ، فسواء صدقت العلة أو لم تصدق ، فالإقرار صحيح ما دام سببه صحيحاً ( نقض مدنى 19 أبريل سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 113 ص 693 )  .

وفى الفقه الإسلامى الإقرار كاشف لا منشئ  . جاء فى الفتاوى الهندية : " الإقرار أخبار عن ثبوت الحق للغير على نفسه ، كذا فى الكافى  . وأما ركنه فقوله لفلان على كذا أو ما يشبه ، لأنه يقوم به ظهور الحق وانكشافه ، حتى لا يصح شرط الخيار فيه ، بأن أقر بدين أو بعين على أنه بالخيار ثلاثة أيام ، فالخيار باطل وإن صدقه المقر له والمال اللازم ، كذا فى محيط السرخى " ( الفتاوى الهندية 4 ص 156 )  . وفى الدر المختار الإقرار إخبار من وجه وإنشاء من وجه ، وقد جاء فيه ما يأتى : " فالوجه الأول وهو الأخبار : صح إقراراه بمال مملوك للغير ، ومتى أقر بملك الغير يلزمه تسليمه إلى المقر له إذا ملكه برهة من الزمن لنفاذه على نفسه ، ولو كان إنشاء لما صح لعدم وجود الملك  .  .  . ولا يصح إقراره بطلاق وعتاق مكرها ، ولو كان إنشاء لصح لعدم التخلف  . وصح إقرار العبد المأذون بعين فى يده والمسلم بخمر وبنصف دار مشاعاً والمرأة بالزوجية من غير شهود ، ولو كان إنشاء لما صح  .  .  .  . والوجه الثانى وهو الإنشاء : لو رد المقر له إقراره ثم قبل لا يصح ، ولو كان إخباراً لصح  .  .  .  . والملك الثابت بالإقرار لا يظهر فى حق الزوائد المستهلكة فلا يملكها المقر له ، ولو إخباراً لملكها "  . ( تكملة ابن عابدين 2 ص 78 - ص 82 )  .

وجاء فى " طرق القضاء " : " أما الإقرار فإن الحق يثبت به بدون حكم ، وإنما يأمره القاضى بدفع ما لزمه بإقراره ، وليس لزوم الحق بالقضاء ، فجعل الإقرار من طرق القضاء إنما هو بحسب الظاهر ، وإلا فالحق يثبت به لا بالقضاء - والبينة طريق للقضاء بالإجماع ، والمدعى لا يثبت بها حتى يتصل بها القضاء  . واليمين ليست طريقاً للقضاء ، لأن المنكر إذا حلف وعجز المدعى عن البينة يترك المدعى فى يده لعدم قدرة المدعى على إثباته لا قضاء له بيمينه  .  .  . والنكول طريق القضاء عند أصحابها ، والفرق بينه وبين الإقرار أن الإقرار موجب للحق بنفسه ، وأما النكول فلا يوجب الحق إلا إذا اتصل به القضاء ( طرق القضاء فى الشريعة الإسلامية للأستاذ أحمد إبراهيم ص 7 - ص 8 )  .

( [861] ) وتنص المادة 464 من التقنين المدنى العراقى على ما يأتى : " 1 - كما يصح الإقرار بالمعلوم يصح الإقرار بالمجهول ، إلا فى العقود التى لا تصح مع الجهالة ، 2 - فلو أقر أحد بأمانة أو سرقة أو غصب صح إقراره ، ويطلب منه تعيين الأمانة المجهولة أو المال المسروق أو المغصوب  . أما إذا أقر ببيع أو استئجار شئ غير معلوم ، فلا يصح إقراره "  .

( [862] ) انظر أيضاً المادة 97 من قانون البينات السورى ، وهى منقولة عن المادة 465 من التقنين المدنى العراقى  . وانظر المادة 1577 من المجلة وشرح سليم باز ص 863 - ص 864  .

( [863] ) الموجز للمؤلف ص 685 - وقد قضت محكمة طنطا الكلية بأن الشريعة الإسلامية اشترطت لصحة الإقرار فيما يتعلق المقر به ألا يكون محالاً شرعياً أى لا يعده الشرع باطلاً ، فإن كان باطلاً شرعاً لم يعامل المقر بمقتضاه ، والإقرار به يكون باطلاً غير معتبر شرعاً ، حتى إذا أخد المقر له من المقر به كان للمقر أن يسترد منه ثانية لأنه أخذه منه بغير وجه شرعى  . ومثال الإقرار بالمحال الشرعى أن يقر إنسان بقدر من السهام لوارث أكثر مما هو مقدر له شرعاً ، ومثل هذا الإقرار باطل فى نظر الشرع ، وإقرار المورث لأحد الورثة بدين إياراً له على بقية الورثة ولو كتبت به وثيقة لأنه إقرارا بشئ محال شرعاً ، ومن قبيله إقرار الرجل لزوجته بمهرها بعد أن تبرئه منه أو بعد أن تهبه له أو إقراره لها بنفقة مدة ماضية هى فيها ناشز من غير سبق قضاء أو رضاء مع اعترافها بذلك  . فهذه الإقرارات جميعها باطلة شرعاً لأنها إقرارات بأشياء يحكم الشرع ببطلانها بطلاناً كلياً ( 3 يوليه سنة 1935 المحاماة 17 رقم 207 ص 443 )  .

هذا وقد قدمنا أن الإقرار لا يرد إلا على مسألة من مسائل الواقع ، فلا يرد على مسألة من مسائل القانون  . فالإقرار الصادر من أحد المتعاقدين بوصف عقد بأنه بيع وفاء لا رهن لا يعتبر حجة على المقر لأنه ليس إقراراً بذمة ، وإنما هو إقرارا بوصف عقد من الوجهة القانونية ، وهذا الوصف لم يغير شيئاً من حقيقته ، ولا يقيد المحكمة ما دام أنه غير مطابق للأركان التى اشترط القانون وجوب توافرها ( استئناف مصر 30 أبريل سنة 1934 المحاماة 15 رقم 150 / 2 ص 314 - وانظر أيضاً : استئناف مصر 28 يونيه سنة 1933 المحاماة 14 رقم 132 / 2 ص 248 )  .

ويورد دى باج المسائل التى لا يصح فيها الإقرار على النحو الآتى : ( 1 ) لا يصح الإقرار فيما يحرم القانون الإقرار به لاعتبارات ترجع إلى الخشية من الاحتيال والتواطؤ ، وذلك كما فى فصلى الأموال ( separation de viens ) والطلاق ونحو ذلك  . ( 2 ) لا يصح الإقرار بعكس ما تقضى به قرينة قانونية قاطعة تعتبر من النظام العام  . ( 3 ) لا يصح الإقرار فيما يجب الإنكار صحته من الطعن بالتزوير  . ( 4 ) لا يصح الإقرار لإثبات وجود عقد شكلى  . ( 5 ) لا يصح الإقرار فى مسائل الحالة المدنية ( etat ) والنسب  . ( دى باج 3 فقرة 1015 ص 1038 - ص 1031 )  . وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا المعنى ما يأتى : " ويقبل الإقرار ، كقاعدة عامة ، فى جميع المواد ولو كانت قيمة المدعى به تجاوز عشرة جنيهات ، ما لم يقض القانون بغير ذلك : كما لو كان الإثبات متعلقاً بالبيانات التى يحلق بها وصف الرسمية فى محرر رسمى ، أو بالتصرفات التى يشترط لانعقادها شكل خاص ، أو بالمسائل المتصلة بالنظام العام " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 432 )  .

( [864] ) هيك 8 فقرة 349 - بودرى وبارد 4 فقرة 2702  .

( [865] ) استئناف مختلط أول أبريل سنة 1948 م 60 ص 99  .

( [866] ) نقض فرنسى 20 مارس سنة 1860 سيريه 61 - 1 - 61 - أوبرى ورو 12 ص 113 - بودرى وبارد 4 فقرة 2704 ص 380 - بيدان وبرو 9 فقرة 1306  .

( [867] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر بأنه لكى يكون الإقرار قانونياً ودليلاً قاطعاً يجب أن يصدر فى أثناء سير الدعوى وأمام المحكمة التى تنظر النزاع ، فلا يكفى صدروه أثناء التحقيقات الجنائية التى تجريها النيابة ما دام المقر لم يصر على إقراره ويردده أمام المحكمة ، خصوصاً إذا سحبه بصريح العبارة مدعياً أنه صدر منه بسب الاضطراب الذى كان وقاعاً فيه وقت اتهامه جنائياً – والاعتراف الذى يصدر فى المسائل الجنائية لا يعتبر فيها إثباتاً تاماً ما لم تعززه ظروف أخرى ، فلا يمكن أن تكون له أمام المحكمة المدنية أهمية أكثر من اعتباره مجرد قرينة تتعلق بالوقائع ( استئناف مصر 26 فبراير سنة 1923 المحاماة 3 رقم 255 ص 337 )  .

( [868] ) أما الأقوال التى يبديها الخصم تأييداً لطلباته ، والعبارات التى تصدر منه تعزيزاً لدفاعه فإنها لا تعتبر إقراراً قضائياً ( بنى سويف 14 أكتوبر سنة 1899 الحقوق 15 ص 27 )  . وقد قضت محكمة مصر الكلية بأن مجرد المناقشات التى تأتى على لسان الخصم فى المرافعة لتأييد الوسائل التى يبنى عليها دفاعه لا تعتبر إقراراً قضائياً ( قضاء مستعجل 21 أكتوبر سنة 1934 المحاماة 15 رقم 166 / 2 ص 365 )  .

( [869] ) أوبرى ورو 12 ص 112 - بودرى وبارد 4 فقرة 2705 - انظر عكس ذلك وأن الإقرار القضائى فى دعوى يعد إقراراً قضائياً أيضاً فى دعوى أخرى ماركاديه م 1356 فقرة 2 وبونييه 1 فقرة 350 ، وانظر فى مناقشة هذا الرأى وتفنيده أوبرى ورو 12 ص 111 هامش رقم 7 : والإقرار القضائى الصادر فى الدعوى المستعجلة لا يصلح إلا إقراراً غير قضائى فى دعوى الموضوع ( نقض فرنسى 11 مارس سنة 1950 البلتان المدنية 1950 - 1 - 52 فقرة 71 - أنسيكلوبيدى داللوز فى القانون المدنى Preuve فقرة 928 )  .

( [870] ) قارن بارتان فى تعليقه على أوبرى ورو 12 ص 111 هامش رقم 7 – انظر الموجز للمؤلف ص 684 هامش رقم 3 والأحكام المشار إليها فى هذا الهامش – وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن إقرار خصم فى قضية وضع اليد لا يعتبر إقراراً قضائياً فى قضية الملك ( 7 يونيه سنة 1932 المحاماة 13 رقم 279 ص 538 ) - وقضت محكمة قنا الكلية بأنه إذا أقر شخص بأمر فى دعوى تعزيزاً لحجته فلا يصح التمسك بإقراره فى دعوى أخرى متعلقة بذلك الأمر ، ولا يمكن اعتبار إقراره أكثر من قرينة غير قاطعة تقبل إثبات ما ينقضها ( 17 نوفمبر سنة 1931 المحاماة 13 رقم 88 ص 200 )  . وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا احتج فى الدعوى بإقرار صدر فى دعوى أخرى من أحد الخصمين فى خصوص الحق المدعى به فلم تأخذ المحكمة به ، فلا يصح أن ينعى عليها أنها لم تعتبره إقراراً قضائياً ما دام هو – فضلاً عن صدوره فى دعوى أخرى – قد صدر من طرف واحد ولم يصادف قبولاً ( كذا ) من الطرف الآخر ( نقض مدنى 5 نوفمبر سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 81 ص 221 )  . وقد رأينا أن القول – خلافاً لما ذهبت إليه محكمة النقض – ليس ضرورياً لقيام الإقرار  . وقد قضت محكمة المنيا الكلية بأن مجرد إعلان المذكرة من خصم لآخر يكسب هذا الآخر حقاً ، والقول بأن هذا الخصم لا يتمسك بالاعتراف الوارد بها مردود بأنه لا يشترط قبول الخصم للاعتراف حتى تكون له قوة قانونية إذ له قوة فى الإثبات بمجرد حصوله ( المنيا الكلية 20 يناير سنة 1930 المحاماة 10 رقم 371 ص 747 ) - أما إذا كان الإقرار الصادر فى إحدى الدعاوى هو فى حقيقته قبول لإيجاب ، فإن هذا القبول يسرى فى أية دوى أخرى  . وقد قضت محكمة النقض فى هذا المعنى بأنه متى كان يبين من الصور الرسمية لمحضر جلسة دعوى الطرد المقامة من الطاعن قبل المطعون عليه أن ما صدر من هذا الأخير لم يكن إقراراً عن وقاعة متنازع فيها ، بل كان قبولاً منه لإيجاب من الطاعن انعقد به الاتفاق فعلاً بين الطرفين على تحديد إيجار الفدان بمبلغ معين فنزل الطاعن عن دعوى الطرد ، وكانت المحكمة إذ لم تعمل أثر هذا الاتفاق فى دعوى المطالبة بالأجرة أقامت قضاءها على أنه إقرار صادر فى دعوى أخرى ولا يصح التمسك به فى الدعوى الحالية ، فإنها تكون قد خالفت القانون ( نقض مدنى 21 نوفمبر سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 22 ص 170 )  .

( [871] ) وقد أصبحت قواعد الاختصاص الموضوعى فى تقنين المرافعات المختلط ولم تكن من النظام العام فى تقنين المرافعات الأهلى السابق ( انظر الموجز للمؤلف ص 684 )  .

( [872] ) أوبرى ورو 12 ص 11  .

( [873] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 547 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد ، عدا الفقرة الأولى فقد كانت فى المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " الإقرار حجة قاطعة على من صدر منه " ، فحورت فى لجنة المراجعة تحويراً لفظياً وأصبحت : " الإقرار حجة قاطعة على المقر "  . وأصبح رقم المادة 422 من المشروع النهائى  . وأقرها مجلس النواب ، ثم لجنة مجلس الشيوخ تحت رقم 409 ، ثم مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 435 وص 441 )  .

( [874] ) كانت المادة 233 / 298 من التقنين المدنى السابق تجرى على الوجه الآتى : " لا يتجزأ الإقرار الحاصل من الخصم بالمحكمة ، سواء كان من تلقاء نفسه أو بعد استجوابه ، بمعنى أنه لا يؤخذ الضار منه بالمقر ويترك الصالح له "  . والتقنين الجديد ، كما نرى ، أدق صياغة وأشمل حكماً  . ولكن لا فرق فى الأحكام ما بين التقنينين الجديد والقديم  .

( [875] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 100 : الإقرار حجة قاصرة على المقر – م 101 : مطابقة للفقرة الثالثة من المادة 409 من التقنين المصرى  . ( وقد عرض القانون السورى فى حجية الإقرار إلى قصروها على المقر لا إلى قطعيتها ، وكل من القصور والقطعية من خصائص الإقرار )  .

التقنين المدنى العراقى م 469 : الإقرار حجة قاصرة على المقر - م 470 : مطابقة للفقرة الثانية من المادة 409 من التقنين المصرى ، ( والتقنين العراقى مطابق لقانون البينات السورى )  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 226 : يسمى الإقرار موصوفاً عندما يقتصر على الفعل الذى صرح به الفريق الآخر إلا أنه يفسد نتائجه القانونية بما يشتمل عليه من البيانات الإضافية  . وهذا الإقرار يفيد الثبوت التام فيما يختص بالفعل الأصلى ، أما البيانات الإضافية فتعد ثابتة إلى أن يثبت عكسها - م 227 : يسمى الإقرار مركباً عندما يكون واقعاً على الفعل الأصلى وعلى فعل آخر معاً ، ويكون غير قابل للتجزئة فى حالة واحدة وهى إذا كان الفعل الجديد يقدر معه وجود الفعل الأصلى كأن يعترف المديون الذى أقيمت عليه دعوى الإيفاء بأنه اقترض المبلغ المدعى به ولكنه يزيد على اعترافه أنه أوفاه فيما بعد ، فالقاضى يعد فعل الاقتراض ثابتاً على وجه نهائى ، أما الإيفاء فيعد ثابتاً إلى أن يثبت عكسه  . ( وهذه الأحكام تتفق مع أحكام القانون المصرى ، وإن كانت أكثر تفصيلاً ولها صبغة فقهية واضحة )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 397 : 1 - الإقرار حجة قاطعة على المقر 2 - وإذا اقترن الإقرار الصادر من أحد الطرفين عن وقائع ليست لصالحه بالتصريح بوقائع أخرى أو بظروف يراد منها الحد من أثر الواقعة المقر بها أو تغييرها أو إزالة آثارها ، فلكامل الإقرار وما اقترن به قوة البينة الكاملة إذا لم يطعن الطرف الآخر فى صحة ما أضيف من وقائع أو ظروف  . ويترك للقاضى عند الاختلاف ، تقدير قوة الإقرار كبينة  . ( ومن ذلك نرى أن التقنين الليبى ترك للقاضى تقدير ما إذا كان الإقرار يتجزأ على صاحبه أو لا يجزأ ، ولم يضع لذلك معيراً تشريعياً كما فعل التقنين المصرى )  .

( [876] ) التقنين المدنى الفرنسى م 1356 : وهو ( الإقرار ) حجة قاطعة على من صدر منه  . ولا يجزأ عليه  . ولا يجوز له الرجوع فيه إلا إذا ثبت أنه صدر عن غلط فى الواقع ، أما الغلط فى القانون فلا يصلح حجة للرجوع  .

Art  . 1356 el  . 2 et 3 : Il fait pleine foi contre celui qui l'a fait  . Il ne peut etre divise contre lui  . Il ne peut etre revoque, a moins qu'on ne prouve qu'il a ete la suite d'une erreur de fait  . Il pourrait etre revoque sous pretext d'une erreur de droit  .

( [877] ) والقاضى قد يأخذ بالإقرار فيما يكون من غير اختصاصه  . وقد قضت محكمة النقض بأنه وإن كان القاضى المدنى ممنوعاً من أن يضع نفسه موضع القاضى الشرعى فى تحقيق الوفاة والوراثة بطريق التحريات وسماع الشهود واستدعاء الورثة لسماع أقوالهم ثم التقرير بالوراثة بناء على ما يثبت له – أنه وإن كان ممنوعاً من ذلك ، له ، ابتغاء التحقيق من صفة الخصوم فى الدعوى المطروحة أمامه ، أن يأخذ فى إثبات الوراثة بإقرار أحد الخصمين فى مجلس القضاء ، سواء أكان ذلك الإقرار حصل أمامه أم أمام غيره ودون فى ورقة رسمية ، وذلك دون أن يرسل أولئك الخصوم أمام المحكمة الشرعية للفصل فى أمر الوراثة  . وأخذه بهذا الإقرار لا افتيات فيه على اختصاص القاضى الشرعى لدخوله فيما له من الحق فى تقدير الدليل المقدم فى الدعوى التى تحت نظره ( نقض مدنى 26 مايو سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 49 ص 108 )  .

( [878] ) انظر الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 113  .

( [879] ) نقض مدنى 6 فبراير سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 323 ص 1046 - وقضت أيضاً بأنه متى أثبتت محكمة الموضوع فى حكمها أن الإقرار المسند للمقر هو إخبار صادق عن حقيقة واقعية لا شبه فيها ولا شك ، فلا يضير هذا الإخبار الصحيح أن يكون قد أعطى شكل عقد بيع ( نقض مدنى 23 مايو سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 269 ص 798 )  .

( [880] ) ويبدو أن محكمة النقض تذهب هذا المذهب ، فقد قضت بأن القانون يكلف المدعى إقامة الدليل على دعواه ، إلا إذا سلم له خصمه بها أو ببعضها ، فإنه يعفيه من إقامة الدليل على ما اعترف به  . فإذا اعترف شخص بأن الأرض موضوع النزاع أصلها من أملاك الحكومة الخاصة ولكنه تملكها بالتقادم ، ثم بحثت المحكمة مع ذلك مستندات ملكية أصلها من أملاك الحكومة الخاصة ولكنه تملكها بالتقادم ، ثم بحثت المحكمة مع ذلك مستندات ملكية الحكومة لها وقضت بعدم كفايتها لإثبات الملكية ، فإنها تكون قد خالفت القانون باقتضائها دليلاً على أمر معترف به ( نقض مدنى 23 نوفمبر سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 143 ص 260 )  .

( [881] ) بارتان فى تعليقاته على أوبرى ورو 12 فقرة 751 ص 116 هامش رقم 18 مكرر  .

( [882] ) غير أن بارتان لا يكتفى بهذا التأصيل حتى مع هذه الإضافة ، فإن الإقرار إذا اعتبر نزولاً عن حق المطالبة بالإثبات يكون عندئذ دليلاً سلبيا  . ويقول بارتان ( أوبرى ورو 12 فقرة 751 ص 116 هامش رقم 18 مكرر ) : ولكن الواقع هو أن الإثبات دليل إيجابى ، فإن المقر لا يقتصر على النزول عن حقه فى مطالبة المدعى بالإثبات ، بل هو أيضاً يقدم دليلاً إيجابياً على صحة الواقعة المدعى بها ، وذلك عن طريق الإقرار – إذ الإقرار يتضمن واقعتين : واقعة الإقرار ذاتها ( le fait de l'aveu ) ، والواقعة المعترف بها ( le fait avoue )  . فواقعة الإقرار ذاتها هى الثابتة بقول المقر  . ولا يمكن تعليلها بأفضل من أنها مطابقة للواقعة المعترف بها ، وإلا لما اعترف بها المقر وهى ضد مصلحته  . ومن ثم تكون واقعة الإقرار ( le fait de l'aveu ) قرينة قانونية قاطعة على صحة الواقعة المعترف بها ( le fait avoue )  . ( انظر أيضاً فى هذا المعنى بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1562 ص 1035 - ص 1036 دى باج 3 ص 1037 - ص 1038 )  . ولهذا عد التقنين المدنى الفرنسى فى المادة 1350 الإقرار ضمن القرائن القانونية  .

وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذه المسألة ما يأتى : " والأصل وجوب إقامة الدليل على كل واقعة قانونية إذا نوزعت أو أنكرت  . ولما كان الإقرار اعترافاً بواقعة قانونية ، فهذه الواقعة لا يجب بعد ذلك إثباتها ، لأنها ليست متنازعة أو مجحودة ، بل هى مسلمة معترف بها ، فالإقرار ليس دليلاً بمعنى الكلمة ، بل هو وسيلة تقيل من الالتجاء إلى طرق الإثبات التى شرعها القانون " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 432 )  .

( [883] ) أوبرى ورو 12 ص 128 هامش رقم 35  .

( [884] ) نقض مدنى 9 يونيه سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 433 ص 797 - أوبرى ورو 12 ص 128  .

( [885] ) وقد نصت المادة 469 من التقنين المدنى العراقى على أن " الإقرار حجة قاصرة على المقر " ( انظر أيضاً المادة 100 من قانون البينات السورى ) وقد قدمنا أن كلا من الإقرار واليمين حجيته قاصرة ، أما الكتابة والبينة والقرائن فحجيتها متعدية  .

( [886] ) نقض مدنى 20 أبريل سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 113 ص 440 - على أنا لوارث يستطيع أن يثبت عدم صحة إقرار مورثه بجميع الطرق إذا كان فى هذا الإقرار احتيال على القانون ، كما إذا قصد المورث بإقراره إيثار بعض الورثة على بعض بأكثر من النصاب الذى يجوز فيه الإيصاء  . وقد قضت محكمة النقض بأن الأصل فى إقرارات المورث أنها تعتبر صحيحة وملزمة لورثته حتى يقيموا الدليل على عدم صحتها ، وإذا كان القانون قد أعفى من يضار من الورثة بهذه الإقرارات من الإثبات الكتابى فى حالة ما إذا طعنوا فيها بأنها فى حقيقتها وصية قصد بها إيثار بعض الورثة ، فليس معنى هذا أن مجرد طعنهم فيها يكفى لإهدار حجية هذه الإقرارات ، بل يجب لذلك أن يقيموا الدليل على عدم صحتها بأى طريق من طرق الإثبات ( نقض مدنى 18 يناير سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 49 ص 249 )  . وقضت أيضاً بأن الوارث لا يعتبر من طبقة الغير بالنسبة إلى الإقرارات الصادرة من المورث ، ومن ثم فإنها تسرى عليه ، غير أن له أن يثبت بأى طريق من طرق الإثبات أن حقيقتها وصية قصد بها إيثار أحد الورثة إضراراً به ( نقض مدنى 19 أبريل سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 113 ص 693 )  .

( [887] ) وقد قضت محكمة النقض بأن الإقرار حجة قاصر على المقر وورثته من بعده  . فلا يجوز إعمال أثره على من عداهم ( نقض مدنى 3 يناير سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 55 ص 317 )  .

( [888] ) فللدائن أن يثبت بجميع الطرق صورية الإقرار الصادر من المدين إضراراً بحقه  . أما إذا لم يثبت الدائن عدم صحة إقرار المدين ، فإن الإقرار يسرى فى حقه كما يسرى فى حق الورثة ( استئناف مختلط 8 مايو سنة 1890 م 2 ص 313 )  .

( [889] ) الموجز للمؤلف ص 685 والأحكام المشار إليها فى هامش رقم 3 من الصفحة ذاتها  .

( [890] ) وفى الفقه الإسلامى الإقرار حجة قاصرة على المقر  . جاء فى البدائع : "  .  .  . لأن إقرار الإنسان حجة على نفسه لا على غيره لأنه على غيره شهادة أو دعوى " ( البدائع 7 ص 228 )  . ولذلك أجاز الفقهاء سماع البينة بعد الإقرار ، لأن الإقرار قاصر والبينة متعدية  . جاء فى كتاب طرق القضاء للأستاذ أحمد إبراهيم فى هذا الصدد : " ومن أمثلة ذلك : ( أ ) إذا أقر أحد الورثة بالدين على الميت ، فأراد الدائن إقامة البينة ليتعدى الحكم إلى بقية الورثة ، كان له ذلك  . وكذا إذا أقر جميع الورثة بالدين على الميت ، تقبل أيضاً بينة الدائن ، لأنه كما يتحاج إلى إثبات الدين فى حقهم يحتاج أيضاً إلى إثباته فى حق دائن آخر  . ( ب ) إذا ادعى أنه وكيل فلان بقبض دينه من فلان ، فصدقه المدين ، ثم أراد الوكيل إقامة البينة على الوكالة ، كان له ذلك ، إذا لو دفع المدين الدين إلى الوكيل بلا بينة على الوكالة يتضرر لأنه لا تبرأ ذمته إذا أنكر الموكل الوكالة ، أى لا تبرأ ذمة المدين  . فالفائدة من البينة عائدة على المدين ، وكذا على الوكيل أيضاً لأنها تثبت أن يده يد أمانه على ما قبضه حتى إذا هلك كان هلاكه هلاك الأمانة  .  . ( ج ) فى الاستحقاق تقبل البينة مع إقرار المشترى ، ليتمكن من الرجوع على بائعه ، لأنه إذا أقر بالملك المستحق لا يتمكن من الرجوع بالثمن على البائع ، لكن لو أقيمت عليه البينة أمكنه ذلك لأنها حجة متعدية  . ( د ) لو أقر الوارث للموصى له تسمع عليه البينة مع إقراره ، كى يتعدى الحكم إلى غيره  . ( هـ ) لو أقر المدين المحجور عليه بدين لإنسان آخر لا ينفذ إقراره ، لكن أو أقام الدائن المقر له بنية على دينة سمعت  . ( و ) إذا ادعى عقاراً فى يد غيره ملكاً مطلقاً وذو اليد مقر بوضع يده ، فإنه مع هذا يجب على المدعى أن يقيم البينة على وضع يد المدعى عليه على ذلك العقار ، منعاً للتواطؤ والاحتيال على أخذ أموال الناس بالباطل " ( طرق القضاء فى الشريعة الإسلامية للأستاذ أحمد إبراهيم ص 224 - ص 225 )  .

( [891] ) بيدان وبرو 9 فقرة 1315 - كذلك إذا أقر المدين بالدين دون فوائد ودعوى للدائن أن الدين بفائدة ، فهذا أيضاً إقرار موصوف ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقفرة 1570 )  .

( [892] ) أوبرى ورو 12 ص 131  . وقد قضى بأنه لا يجوز التمسك بعدم تجزئة الإقرار إذا قام على الواقعة المراد إثباتها دليل آخر : استئناف مختلط 30 يناير 1890 م 2 ص 261 - 16 نوفمبر سنة 1910 م 22 ص 9 - 30 مايو سنة 1912 م 24 ص 373 - 29 يونيه سنة 1915 م 27 ص 444 - 17 نوفمبر سنة 1926 م 39 ص 16 - 18 يونيه سنة 1930 م 42 ص 573 - أول فبراير سنة 1933 م 45 ص 150 - 26 مايو سنة 1936 م 48 ص 281 - 31 مارس سنة 1938 م 50 ص 202 - استئناف مصر 24 مايو سنة 1924 المجموعة الرسمية 27 رقم  . وقضت أيضاً محكمة النقض بأنه لا يصح الاعتراض بمخالفة قاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار إذا كانت الدعوى قد ثبتت من طريق آخر غير الإقرار ( نقض مدنى 5 ديسمبر سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 78 ص 279 )  . كذلك قضت محكمة النقض بأنه إذا كان مفهوم الإقرار الصادر من المدعى عليه ( صاحب البناء ) أنه اشترط عدم دفع الأجر عن الرسوم التى يقوم بها المدعى ( مهندس ) إلا إذا قبلها هو وأجرى البناء على أساسها ، فإنه يكون من الإقرارات الموصوفة التى لا تقبل التجزئة ، متعيناً الأخذ به كله أو تركه كله  . فإذا كان المدعى لا يسلم بالقيد الوارد فى الإقرار ، فلا يقبل منه أن يستند إلى الإقرار فيما عدا هذا القيد ، بل يكون عليه أن يثبت دعواه من طريق آخر ، فإن تجزئة الإقرار والأخذ بشق منه وإلزام المدعى عليه بدفع الأجر من إطراح القيد الوارد فيه ، ذلك مخالف لقواعد الإثبات ( نقض مدنى 30 مايو سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 64 ص 227 )  . وانظر أيضاً : نقض مدنى 15 أبريل سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 52 ص 150 )  .

ويلاحظ أن الدائن إذا أطرح الإقرار كله ، وأراد أن يثبت الدين بطريق آخر ، فإن له أن يتخذ الإقرار المطرح مبدأ ثبوت بالكتابة ، كما له أن يفعل ذلك عند إطراح الإقرار المركب غير قابل للتجزئة على ما سنرى  .

( [893] ) أوبرى ورو 12 ص 121 هامش رقم 25 مكرر 3 وص 125  .

( [894] ) ذلك أن الأصل فى الإقرار بوجه عام عدم التجزئة : استئناف مختلط 22 يناير سنة 1890 م 2 ص 386 - 27 فبراير سنة 1890 م 2 ص 394 - 14 مايو سنة 1890 م 2 ص 265 - 10 ديسمبر سنة 1891 م 4 ص 48 - 9 نوفمبر سنة 1893 م 6 ص 11 - 14 يناير سنة 1897 م 9 ص 119 - 23 أبريل سنة 1903 م 15 ص 259 - 28 ديسمبر سنة 1926 م 39 ص 106 - 18 يناير سنة 1927 م 39 ص 171 - 9 أبريل سنة 1927 م 39 ص 380 - 5 مارس سنة 1935 م 47 ص 182  .

( [895] ) استئناف مختلط أول يونيه سنة 1897 م 9 ص 363  .

( [896] ) انظر عكس ذلك الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 179  .

( [897] ) استئناف مختلط 12 ديسمبر سنة 1912 م 25 ص 60 - 4 مايو سنة 1916 م 28 ص 300  .

( [898] ) وقد قضت محكمة النقض بأن عدم تجزئة الإقرار لا تحول دون اعتباره مقدمة إثبات بالكتابة ( نقض مدنى 9 يونيه سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 433 ص 797 )  .

( [899] ) ويمثل الفقيهان أوبرىورو لعدم جواز إثبات الواقعة المرتبطة إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها بالوديعة الاختيارية فيما تزيد قيمته على نصاب البينة ، فإذا أقر حافظ الوديعة بأنه تسلم الوديعة ولكنه ردها ، لم يجز للمودع أن يثبت عدم الرد إلا بالكتابة أو بما يقوم مقامها  . فإذا كانت الوديعة اضطرارية ، وأقر حافظ الوديعة بأنه تسلمها ولكنه سلمها للشخص الذى عينه المودع ، جاز للمودع أن يثبت بجميع الطرق أن حافظ الوديعة لم يسلمها إلى هذا الشخص ( أوبرى ورو 12 ص 130 هامش رقم 38 - وانظر أيضاً تعليق بارتان فى انطباق هذه الأحكام على التفسير الذى يقول به من أن الإقرار قرينة قانونية على صحة المقر به فى ص 129 هامش رقم 36 )  .

( [900] ) استئناف مختلط 29 مايو سنة 1890 م 2 ص 270 - منوف 25 ديسمبر سنة 1928 المحاماة 9 رقم 496 ص 904  .

( [901] ) ومثل ذلك أيضاً أن يقر المدعى عليه بالعمل غير المشروع الذى صدر منه ، ولكنه يقول أنه صدر دفاعاً عن النفس  . فيتجزأ إقراره ، وعليه أن يثبت هو أنه كان فى حالة دفاع شرعى تعفيه من المسئولية المدنية  .

هذا ويجوز للقاضى تفسير الإقرار الغامض ، ولا يعد هذا تجزئه له ( أوبرى ورو 12 ص 130 - ص 131 - بودرى وبارد 4 فقرة 2721 ) - كذلك تصح تجزئة الإقرار إذا كانت الواقعة المرتبطة غير محتملة التصديق أو كانت متعارض مع الواقعة الأصلية ( استئناف مختلط 22 مايو سنة 1901 م 13 ص 323 - بودرى وبارد 4 فقرة 2720 - بيدان وبرو 9 فقرة 1316 ص 412 - قارن أوبرى ورو 12 ص 128 - وقارن أيضاً دى باج 3 ص 1047 - ص 1057 )  .

ويلاحظ أن ما قدمناه من الأحكام فى تجزئة الإقرار إنما يكون فى المسائل المدنية  . أما فى المسائل الجنائية فالإقرار تجوز تجزئته دائماً ، ويأخذ منه القاضى ما يقتنع بصدقه ويطرح ما لا يرى صحته  . وهذا ما لم تكن الجريمة قائمة على أساس عقد مدنى – كالتبديد – فإثبات هذا العقد عن طريق الإقرار يخضع للقواعد المدنية فى تجزئة الإقرار على النحو الذى قدمناه ( أوبرى ورو 12 ص 122 هامش رقم 25 مكرر 4 - نقض جنائى 23 أبريل سنة 1910 المجموعة الرسمية 11 رقم 90 / 2 - 21 ديسمبر سنة 1918 المجموعة الرسمية 20 رقم 59 - 4 مايو سنة 1926 المجموعة الرسمية 28 رقم 69 - استئناف مختلط 14 يناير سنة 1946 م 58 ص 69 - 24 فبراير سنة 1947 م 59 ص 132 )  .

( [902] ) ولم يكن المشروع الأولى للإثبات الذى سبق المشروع التمهيدى يفسح مجالاً لتجزئة الإقرار ، بل كان يقضى بأن الإقرار لا يتجزأ  . فكانت المادة 38 من هذا المشروع تنص على أن " الإقرار لا يتجزأ على صاحبه "  . وكانت المادة 39 من المشروع تنص على أنه " لا محل لعدم التجزئة " ( 1 ) إذا ثبتت الواقعة المتنازع فيها عن طريق آخر مستقل عن الإقرار  . ( 2 ) إذا كان هناك إقراران متميزان ينصبان على واقعتين مختلفتين ( 3 ) إذا تقدم ، وفقاً للقواعد العامة ، دليل لإثبات عكس أحد العناصر التى يتكون منها الإقرار "  . لذلك جاءت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى وهى تشرح فى الواقع المشروع الأولى ، دون نظر إلى ما أدخل على هذا المشروع من تعديل  . فورد فيها ما يأتى : " وتعرض مسألة عدم التجزئة بالنسبة للإقرار المركب ، أى مسألة معرفة ما إذا كان يجوز لمن وجه الإقرار إليه أن يأخذ منه ما يرى فيه مصلحة له وأن يهمل الشق المضاف  . إلا أن من المقرر أن الشق المضاف يعتبر غير منفك عن جملة الإقرار ، موصوفاً كان الإقرار أو غير موصوف ، إذ لولاه لما صدر الاعتراف  . ثم إن الإقرار بأسره هو الذى يعتبر حجة ، لا جزء منه فحسب  . ويترتب على ذلك أن الإقرار المركب لا يتجزأ ، موصوفاً كان أو غير موصوف ، بل يتعين على من يتمسك به بصفته هذه أن يعتد به بأسره  . وقد نصت بعض التقنينات على استثناءات من حكم القاعدة العامة فى عدم تجزئة الإقرار  . بيد أن إمعان النظر فى هذه الاستثناءات يكشف عن خلوها عن معنى الشذوذ عن حكم الأصل لأنها لا تتعلق بإقرارات مركبة ، ومسألة التجزئة لا تعرض إلا عند التراكيب  . فقاعدة عدم تجزئة الإقرار قاعدة عامة لا يرد على إطلاقها قيد أو حد "  . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 437 ص 438 )  . وواضح أن هذا إنما يصلح تقريراً لأحكام المشروع الأولى قبل أن يعدل فى المشروع التمهيدى بإدخال التعديل الخاص بجواز تجزئة الإقرار إذا انصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى ( انظر الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 179 هامش رقم 1 )  . أما ما أوردته المادة 39 من المشروع الأولى من أحكام ، فهى نفس الأحكام التى أوردناها فى خصوص عدم تجزئة الإقرار ، لا فى خصوص تجزئته  . فأن الإقرار يبقى غير قابل للتجزئة حتى إذا ثبتت الواقعة المتنازع فيها عن طريق آخر غير الإقرار ، وحتى لو ثبت عكس أحد العناصر الذى يتكون منها الإقرار  . أما إذا كان هناك إقراران متميزان ينصبان على واقعتين مختلفتين ، فالأخذ بإقرار دون آخر ليس تجزئة لإقرار واحد ، بل هو فصل ما بين إقرارين متميزين  .

( [903] ) والكثرة من الفقهاء الفرنسيين يذهبون إلى أنه إذا كانت الواقعة المرتبطة ليست إلى النتيجة العادية ( ordinaire ) أو العرضية ( accidentel ) للواقعة الأصلية ، بحيث يكون حصول الواقعة المرتبطة يستلزم حتماً ( auppose necessairement ) سبق حصول الواقعة الأصلية ، كان الإقرار غير قابل للتجزئة ، وذلك كما إذا أقر المدين بالدين ولكنه قال إنه انقضى بالوفاء أو بالتجديد أو بالإبراء  . فإذا كانت الواقعة المرتبطة مستقلة كل الاستقلال عن الواقعة الأصلية ، فإن الإقرار يتجزأ ، كما إذا أقر المدين بالدين ولكنه قال إنه سقط بالمقاصة  . وهذا هو المعيار الذى أخذ به التقنين المدنى المصرى الجديد كما رأينا ( انظر فى هذا المعنى أوبرى ورو 12 ص 123 - ص 125 - تولييه 5 فقرة 339 - لارومبيير م 1356 فقرة 15 -

ديمولومب 30 فقرة 511 وفقرة 513 - لوران 20 فقرة 193 - ماركاديه م 1354 وم 1356 / 2 - بودرى وبارد 4 فقرة 2716 - بيدان وبرو 9 فقرة 1316 )  .

وهناك فريق من الفقهاء يذهبون إلى أن الإقرار إنما يكون غير قابل للتجزئة إذا كانت الواقعة المرتبطة تقابل تماماً ( correspond exactement ) الواقعة الأصلية ، كالوفاء يقابل وجود الدين  . فإذا لم يكن هناك تقابل تام ما بين الواقعتين ، تجزأ الإقرار  . فيتجزأ إذن ، ليس فحسب فى حالة ما إذا كانت الواقعة المرتبطة هى المقاصة ، بل أيضاً إذا كانت هى التجديد أو الإبراء  . أما فى حالة الوفاء فلا يتجزأ الإقرار لأن التقابل تام ما بين الواقعة الأصلية والواقعة المرتبطة ( تعليقات بارتان على أوبرى ورو 12 ص 124 هامش رقم 26 مكرر ، بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1575 ص 1045 - ص 1046 - قارن بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2291  . ويشير بارتان إلى أن نظرية أوبرى ورو فى تجزئة الإقرار هى أكثر اتفاقاً مع ما ذهب هو إليه من أن الإقرار قرينة قانونية على صحة المقر به : أوبرى ورو 12 ص 120 هامش رقم 25 مكرر )  .

ويذهب دى باج إلى العكس من لك فيجعل الإقرار غير قابل للتجزئة ، لا فى حالات الوفاء والتجديد والإبراء فحسب ، بل أيضاً فى حالة المقاصة ذاتها  . فعنده أن الإقرار ، بسيطاً كان أو موصوفاً أو مركباً ، لا يتجزأ ، دون أى استثناء ( دى باج 3 ص 1047 - ص 1057 ) وهذا هو الرأى الذى كان المشروع الأولى للإثبات قد أخذ به كما قدمنا ، والظاهر أنه كان منقولاً عن دى باج  .

( [904] ) الموجز للمؤلف فقرة 159  . وقد قضت محكمة مصر الكلية بأن الإقرار إما أن يكون بسيطاً ، أو تاماً ، وإما أن يكون موصوفاً أو معدلاً ، وإما أن يكون مركباً  . فالبسيط هو الاعتراف بالحق كاملا  . والإقرار الموصوف هو عدم الاعتراف بالأمر المدعى به كما هو ، كما إذا ادعى شخص على آخر بدين فاعترف به الأخير ، إنا قال إنه دين قمار ، ومثل هذا الإقرار غير قابل للتجزئة – أما الإقرار المركب فهو الإقرار بالواقعة الأصلية غير معدلة ولا موصوفة ، وإنما هى مصحوبة بواقعة أخرى منفصلة عنها يصح أن تعتبر نفياً لها  . فإذا كانت الواقعة الأخرى غير مرتبطة بالواقعة الأصلية ، بحيث أن حصولها لا يتحتم معه وجود الأولى ، فليس هنا ما يمنع من تجزئة الاعتراف ، كما إذا ادعى شخص على آخر ديناً فاعترف الآخر به ، وإنما أدعى بالمقاصة فيه ، فإنه فى هذه الحالة يلزم المقر بإثبات الدين الذى له بالطرق المعتادة ( مصر الكلية 7 يناير سنة 1933 المحاماة 16 رقم 433 ص 937 )  . وقضت محكمة ملوى بأن تجزئة الإقرار جائزة فى أحوال معينة منها : ( أولاً ) إذا كانت الواقعة الأخرى غير مرتبطة بالواقعة الأصلية بحيث أن حصولها لا يؤثر على كيان الأولى ووجودها لاختلاف موضوعهما أو طبيعتهما أو الأشخاص الذين تعلقت بهم كل واقعة  . فالقرار أحد الورثة باستلام مبلغ مخلف عن المورث ضمن التركة المورثة ، وادعاؤه فى وجه الورثة الذين لهم نصيب فيه بأنه دفعه فى ديون كانت على المورث هو إقرار مركب قابل للتجزئة ، لأن ادعاء السداد لدائنى التركة هى واقعة غير مرتبطة بالواقعة الأصلية ارتباطاً لا يقبل التجزئة لاختلاف موضوع كل وقاعة من الواقعتين لتباين الأشخاص فى كليهما ، ولما تستلزمه الواقعة التى أردف بها الإقرار من تحقيق ديون الدائنين وسببها ومقدارها وترتبها فى الذمة  . ( ثانياً ) وقوع تناقض فى أقوال المقر ، أو إذا كانت الواقعة التى أضافها لإقراره ظاهرها الغش أو الكذب ( 3 سبتمبر سنة 1932 المحاماة 14 رقم 231 / 2 ص 446 )  . وقضت محكمة طنطا الكلية بأنه من المقرر قانوناً أن الإقرار إذا كان جنائياً ، فإنه يقبل التجزئة  . والعلة التى أجاز المشرع من أجلها تجزئة الإقرار الجنائى هى أنه ليس حجة فى ذاته ، بل هو خاضع لتقدير القاضى واقتناعه ، فله أن يفصح كافة أجزائه ولا يأخذ منها إلا بما يقنعه ، وله أن يرفضه بأكمله أو يرفض بعضه فقط ويقتنع بالبعض الآخر  . ومع ذلك يكون الاعتراف الجنائى غير قابل للتجزئة إذا كان موضوعه عقداً من العقود المدنية وتتوقف عليه الجريمة وكان الاعتراف الجنائى غير قابل للتجزئة إذا كان موضوعه عقداً من العقود المدنية وتتوقف عليه الجريمة وكان الاعتراف هو الطريق الوحيد لإثباتها طبقا ًلأحكام القانون المدنى  . وإنما أجاز المشرع تجزئة الإقرار الجنائى غير قابل للتجزئة إذا كان موضوعه عقداً من العقود المدنية وتتوقف عليه الجريمة وكان الاعتراف هو الطريق الوحيد لإثباتها طبقاً لأحكام القانون المدنى  . وإنما أجاز المشرع تجزئة الإقرار الجنائى لكى يترك للقاضى الجنائى الحرية فى تكوين عقيدته للحكم فى الدعوى الجنائية وفى سبيل الحكم فيها ، ولا يمكن أن يؤخذ بهذه التجزئة للفصل فى دعوى مدنية تكون مرتبطة بها ( أول مايو سنة 1935 المحاماة 16 رقم 439 ص 948 )  .

وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الإقرار المركب لا يتجزأ إذا كانت الواقعة الأصلية المرتبطة هى النتيجة العادية ( ) أو العرضية ( ) للواقعة الأصلية  . أما إذا كانت الواقعتان مستقلتين كل منها عن الأخرى بحيث لا يستلزم وجود إحدى الواقعتين وجود الواقعة الثانية ، فإن الإقرار تصح تجزئته : استئناف مختلط 23 مايو سنة 1914 م 26 ص 392 - أول مارس سنة 1917 م 29 ص 267 - 20 مارس سنة 1930 م 42 ص 375 - 22 مارس سنة 1933 م 45 ص 209 - 5 مارس سنة 1935 م 47 ص 142 - وانظر عدم تجزئة الإقرار الموصوف : استئناف مختلط 12 ديسمبر سنة 1912 م 25 ص 60 - 17 يونيه سنة 1915 م 27 ص 412  .

( [905] ) انظر فى أن الإقرار يتجزأ فى الفقه الإسلامى : طريق القضاء فى الشريعة الإسلامية للأستاذ أحمد إبراهيم ص 135 - ص 137  .

( [906] ) أوبرى ورو 12 ص 131 - دى باج 3 ص 1058 - 1059 - بيدان وبرو 9 فقرة 1316 ص 413 - نقض فرنسى 28 نوفمبر سنة 1900 سيريه 1903 - 1 - 79 - 4 يوليه سنة 1905 سيريه 1906 - 1 - 88  .

( [907] ) انظر فى اليمين على الماضى أو على الحال أو على الآتى فى الفقه الإسلامى : طرق القضاء فى الشرعية الإسلامية للأستاذ أحمد إبراهيم ص 299 - ص 230  .

( [908] ) انظر فى اليمين غير القضائية بودرى وبارد 4 فقرة 2728 - فقرة 2728 مكررة – الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الأدلة 2 ص 67 - ص 73  .

( [909] ) على أنه يجوز الاتفاق مقدماً ما بين الطرفين على عدم جواز توجيه اليمين الحاسمة من أحدهما إلى الآخر فى خصومة معينة  . فليس فى هذا الاتفاق ما يخالف النظام العام أو الآداب ، ويسوغه أن بعض الناس تمنعه عقيدته الدينية من الحلف ، أو هو يرى فى الحلف إحراجاً له وإيذاء لضميره ، هذا إلى أن طرق الإثبات كما قدمنا يجوز الاتفاق على تعديلها والاقتصار على طريق منها دون طريق ( انظر فى هذا المعنى : أسيوط الكلية 14 أبريل سنة 1941 المحاماة 21 رقم 437 ص 1042 - بنى مزار 23 فبراير سنة 1939 المحاماة 19 رقم 359 ص 882 - الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 2 فقرة 585 - الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 134 )  . ولكن محكمة الاستئناف المختلطة قضت بأن الاتفاق قبل قيام الخصومة على عدم جواز توجيه اليمين الحاسمة اتفاق باطل لا ينتج أثره ، لأن الطرفين لا يستطيعان ، والخصومة لما تقم ، أن يدركا مدى ما تعهدا به ( استئناف مختلط 23 أبريل سنة 1931 م 43 ص 366 )  . وهذا قريب مما كان يجرى عليه القضاء ، قبل صدور التقنين المدنى الجديد ، من التمييز ، فى الاتفاق على طرق الإثبات ، ما بين اتفاق يعقد قبل قيام الخصومة فيكون باطلاً ، واتفاق يم بعد قيام الخصومة فيكون صحيحاً  .

( [910] ) انظر الأستاذ سليمان مرقص فى أصول الإثبات ص 197 هامش رقم 1  .

( [911] ) وقد جاء فى الموجز للمؤلف فى هذا المعنى ما يأتى : " فاليمين الحاسمة نوع من الصلح أو التحكيم يقصد به حسم النزاع  . والخصم الذى يوجهها يصطلح مع خصمه أو يتحاكم إلى ذمته ، والخصم الذى توجه إليه بالخيار بين الحلف والرد  . فإذا رد كان هذا صلحاً جديداً أو تحاكماً إلى ذمة الخصم الأول " ( الموجز فقرة 663 )  . وانظر فى أن توجيه اليمين ضرب من الصلح أوبرى ور 12 ص 137 - هيك 8 فقرة 357 - ديمولومب 30 فقرة 580 - بودرى وبارد 4 فقرة 2730 بيدان – وبروى 9 فقرة 1323 ، وفى أنه مبدأ اتفاق أو مبدأ صلح على الإثبات ( commencement d'une convention, d'une transaction sur la peruve ) لا ينطوى على تضحية من الجانبين : بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1573 - ص 1049 - ويؤخذ على هذا الرأى أن توجيه اليمين ليس باتفاق بل هو تصرف بإرادة منفردة كما قدمنا ، وأن الصلح لا يمكن إلا أن ينطوى على تضحية من الجانبين  . ويقول دى باج أن توجيه اليمين اتفاق من نوع خاص يقوم على أساس من العدالة ( دى باج 3 ص 1073 - ص 1077 ) - ويقول الأستاذ أحمد نشأت فى كتابه فى الإثبات الجزء الثانى أن اليمين الحاسمة قريبة من عقد التحكيم ( فقرة 537 ) ، وأن توجييها تنازل عن الحق المدعى به معلق على شرط تأديتها ( فقرة 538 ) ، وأنها نوع من الصلح بين الطرفين ( فقرة 539 ) ، وأنها نوع خاص من التصرفات ( فقرة 541 ) - ويذهب الأستاذ سليمان مرقس إلى أن توجيه اليمين تصرف قانونى من التصرفات التى يسميها ديجيه بالتصرفات الشرطية ( actes - condition ) وهذا رأى صحيح  . ( أصول الإثبات ص 197 هامش رقم 1 )  .

( [912] ) وهذا ما جاء فيها : " أما فيما يتعلق بطبيعة اليمين الحاسمة ، فالرأى فى الفقه على أن اليمين تعاقد ، أو صلح بعبارة أخرى  . وقد جرى القضاء المصرى على هذا الرأى ( استئناف مختلط 27 مايو سنة 1903 م 15 ص 319 - و 19 مايو سنة 1921 م 33 ص 351 )  . بيد أن مذهب الفقه والقضاء فى هذا الشأن قد استهدف لنقد فريق من الفقهاء  . وقد ذكر هذا الفريق أن الأعمال التحضيرية للقانون الفرنسى قد جاء بها ما يؤخذ منه أن اليمين ليست سوى احتكام إلى الذمة  . ويراعى أولاً أن كل تعاقد يفترض إيجاباً وقبولاً ، الملحوظ فى القبول هو ثبوت الخيار لا التسليم على سبيل الإلزام ، فإن انتفى هذا الخيار فليس ثمة تراض أو تعاقد  . بيد أن من توجه اليمين إليه لا يستطيع أن يرفض مشيئة من وجهها ، وأن يطلب إقامة الدليل على الدعوى أو الدفع بطرق الإثبات الأخرى ، بل يتعين عليه بحكم القانون أن يعمل الرخصة التى يثبتها له على وجه من وجوهها الثلاثة : فإما أن يؤدى اليمين ، وأما أن ينكل عنها ، وإما أن يردها  . ومؤدى هذا أن اليمين ليست تعاقداً ، وهى ليست كذلك من الصلح فى شئ لأن الصلح يفترض تنازل كل المتعاقدين عن جانب من مزاعمه  . أما من يوجه اليمين فهو لا يملك طريقاً من طرق الإثبات بل هو يوقن ابتداء بخسارة دعواه ، وهو بالالتجاء إلى اليمين لا يتنازل عن شئ ما ، لأن توجيه هذه اليمين يتمحض لمنفعة, والواقع أن اليمين ليست إلا تأكيد واقعة أمام القاضى ، فى ظل ضمانة من الذمة أو العقدية الدينية  . وهى بهذا الوصف ليست إلا علاجاً يحد من مساوئ نظام تقييد الدليل ، باعتبار هذا النظام ضرورة لا معدى عنها لتأمين استقرار المعاملات ، وإن كان تطبيقه فى نطاق العمل قد يسفر عن نتائج تناقض العدالة  . فادعاء من فاته تحصيل الدليل المقرر من جراء إهمال أو إسراف فى الثقة قد يكون صحيحاً ، رغم انتفاء هذا الدليل  . ولو التزمت الأحكام العامة فى القانون لترتب عليها إخفاقه ، لكن العدالة تقتضى الترخيص له بالاحتكام إلى ذمة خصمه  .  .  . الواقع أن حق الخصم فى الاحتكام يقابله التزام الخصم الآخر بالاستجابة لتلك الدعوى ، وإلا أصبح هذا الحق مجرداً من الأثر والجدوى  . فالخصم يلتزم بحكم القانون بالتخلى عن التقيد بقواعد القانون والاحتكام إلى العدالة  . بيد أن حق الاحتكام إلى الذمة قد أثبته القانون للخصم الآخر أيضاً ، واحتفظ له به ، إذ جعل به أن يرد اليمين ويحتكم بذلك إلى ذمة من وجهها إليه  .  .  . ثم إن القول بأن فكرة التصرف المنعقد بإرادته واحدة هى أساس النتيجة التى تسفر عنها اليمين ، وأن اليمين تكون حجة قاطعة لأن من يوجهها يلتزم بإرادته المنفردة بالاحتكام إلى ذمة خصمه ، يجافى المنطق كذلك  . والواقع أن القانون هو الذى يخول من يعوزه الدليل حق الاحتكام إلى ذمة خصمه ، ولكنه عندما يمنحه هذا الحق يعين آثاره ، وهى تنحصر فى قبول الطلب أو الدفع أو رفضه ، بحسب ما إذا كانت اليمين التى توجه أو ترد تؤدى أو ينكل عنها " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 445 - ص 447 )  .

( [913] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى الفقرة الأولى من المادة 548 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " يجوز لكل من الخصمين أن يوجه اليمين الحاسمة إلى الخصم الآخر ، ولكن لا يكون ذلك إلا بإذن من القاضى "  . وأقرت لجنة المراجعة الفقرة كما هى ، وأصبحت الفقرة الأولى من المادة 423 فى المشروع النهائى  . وفى اللجنة التشريعية لمجلس النواب استبدلت بعبارة " ولكن لا يكون ذلك إلا بإذن من القاضى " عبارة " على أنه يجوز للقاضى أن يمنع توجيه اليمين إذا كان الخصم متعسفاً فى توجيهها " ، لأن العبارة الواردة فى النص الأصلى تفيد أن توجيه اليمين الحاسمة معلق دائماً على إذن القاضى  . ولما كان ما قصده واضعو المشروع هو أن يستبقوا للمتقاضين الحرية فى توجيه اليمين الحاسمة ، على أن يكون للقاضى حق منع توجيهها إذا رأى أنها كيدية وأن الخصم متعسف فى توجيهها ، لذلك كان التعديل الذى أدخلته اللجنة على المادة أكفل بأداء هذا المعنى  . وقد وافق مجلس النواب على الفقرة كما عدلتها لجنته التشريعية ، وأقرت لجنة مجلس الشيوخ الفقرة على الوجه الذى عدلت به وأصبحت الفقرة الأولى من المادة 410  . ووافق عليها مجلس الشيوخ كما أقرتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 442 - ص 443 وص 447 - ص 448 )  .

( [914] ) كانت المادة 224 / 289 من التقنين المدنى السابق تجرى على الوجه الآتى : " يجوز لكل من الأخصام أن يكلف الآخر باليمين الحاسمة للنزاع  . وفى هذه الحالة يجوز للمطلوب منه اليمين أن يردها على الطالب "  . ولم يتضمن هذا النص العبارة التى تقضى بأنه يجوز للقاضى أن يمنع توجيه اليمين إذا كان الخصم متعسفاً فى توجيهها  . ولكن القضاء كان يطبق هذا الحكم دون نص كما سنرى  . ومن ذلك يتبين أن الحكم واحد فى التقنينين الجديد والقديم فيما يتعلق بالفقرة الأولى من المادة 410 من التقنين المدنى الجديد  .

( [915] ) التقنينات المدنية العربية الأخرىقانون البينات السورى م 112 : اليمين الحاسمة هى التى يوجهها أحد المتداعين لخصمه ليحسم بها النزاع – م 113 : يجوز لكل من الخصمين أن يوجه اليمين الحاسمة إلى الخصم الآخر ، ولكن لا يكون ذلك إذا بإذن المحكمة  . ( يلاحظ أن ضرورة استئذان المحكمة هى لمنع التعسف فى توجيه اليمين  . فالحكم إذن واحد فى القانونين المصرى والسورى )  .

التقنين المدنى العراقى م 471 : يجوز لكل من الخصمين أن يوجه اليمين الحاسمة إلى الخصم الآخر ، ولكن لا يجوز ذلك إلا بإذن المحكمة ( ويلاحظ هنا أيضاً أن ضرورة استئذان المحكمة هى لمنع التعسف فى توجيه اليمين  . فالحكم إذن واحد فى التقنين المصرى العراقى )  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 228 : اليمين القضائية نوعان : ( أولاً ) اليمين الحاسمة وهى التى يكلف أحد المتداعين خصمه أن يحلفها ليجعل الحكم فى القضية موقوفاً عليها - ( ثانياً ) اليمين التكميلية وهى التى يكلف القاضى من تلقاء نفسه أحد المتداعين أن يحلفها - م 229 فقرة 1 : لا يجوز طلب اليمين الحاسمة إلا بإذن من القاضى  . ( ونلاحظ فيما يتعلق بإذن القاضى ما سبق أن لاحظناه فى القانون السورى والتقنين العراقى )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة – م 399 فقرة 1 : لا يجوز توجيه اليمين ولا ردها لحسم قضية تتعلق بحقوق ليس للخصوم حق التصرف فيها ، ولا بواقعة غير مشروعة ، ولا بعقد يتطلب القانون إثبات صحته كتابة ، ولا بإنكار واقعة يتبين من ورقة رسمية أنها جرت بحضور موظف عمومى حرر الورق نفسها  . ( ويلاحظ أنه يستفاد من مفهوم المخالفة أنه يجوز توجيه اليمين وردها فيما عدا ذلك  . ولم ينص التقنين الليبى على جواز منع القاضى توجيه اليمين إذا كان فى توجيهها تعسف )  .

( [916] ) التقنين المدنى الفرنسى م 1357 : اليمين القضائية نوعان ، يمين يوجهها الخصم إلى خصم ليجعل الحكم فى القضية موقوفاً عليها وهذه هى اليمين الحاسمة ، ويمين يوجهها القاضى من تلقاء نفسه إلى أى من الخصمين – م 1358 : توجه اليمين الحاسمة فى كل خصومة ، أياً كان نوعها  .

Art  . 1357 : Le serment judiciaire est de deux especes; 1 o Celui qu'une partie defere a l'autre pour en faire dependre le jugement de la cause; il est appele decisoire; 2 o Celui qui est defere d'office par le juge a l'une ou a l'autre des parties  .

Art  . 1358 : Le serment decisoire peut etre defere sur quelque espece de contestation que ce soit  .

( [917] ) انظر الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 127 ص 198 هامش رقم 1 – ومن الفقهاء من يشترط أهلية التبرع : الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 2 فقرة 544  . وقد كنا ممن يشترطون أهلية التبرع ( انظر الموجز ص 690 ) ، ولكن يؤخذ على ذلك أن التحكيم فى الحق تصرف فيه لا تبرع به  . والذى يكل حقه إلى التحكيم - حتى لو كان الحكم هو الخصم كما فى توجيه اليمين – لا يزال يطالع فى نفسه بقية من الأمل فى يقظة ضمير الخصم وتحرجه من أن يحلف حانثاً ، فمن يوجه اليمين لا يتبرع بحقه تبرعاً محضاً  . ولو اشترطنا أهلية التبرع لما جاز للولى والوصى والقيم توجيه اليمين ولو بإذن من المحكمة الحسبية ، لأن أحداً منهم ولو مع هذا الإذن لا يملك أهلية التبرع  .

ويترتب على ذلك أن القاصر الذى بلغ الثمانى عشرة سنة يستطيع توجيه اليمين فيما يملكه من أعمال الإدارة كالتأجير مدة سنة واحدة ( انظر الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 127 ص 198 هامش رقم 1 )  .

( [918] ) وقد قضت محكمة استئناف أسيوط بأن اليمين الحاسمة نوع من أنواع الصلح ( ! ) إذ يترك طالبها أمر الفصل فى حقه إلى ذمة خصمه ، وعلى ذلك فالوصى أو القيم لا يملك توجيهها ، لأن الصلح من التصرفات الممنوعة عنهما إلا بإذن من المجلس الحسبى ( استئناف أسيوط 6 نوفمبر سنة 1929 المجموعة الرسمية 30 رقم 144 ) - انظر أيضاً : استئناف مختلط 6 يونيه سنة 1912 م 24 ص 397 - 24 فبراير سنة 1925 م 37 ص 249  .

ولا يجوز للسنديك توجيه اليمين إلا بالقيود المنصوص عليها فى المادتين 279 - 280 / 287 - 288 تجارى ( الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 2 فقرة 547 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1575 ص 1050 - ص 1051 )  .

( [919] ) استئناف مختلط 19 مارس سنة 1890 م 2 ص 379 ( إقرار الموكل لتوجيه اليمين بعد توجيهها من الوكيل )  .

( [920] ) استئناف مختلط 29 نوفمبر سنة 1893 م 6 ص 84 - 3 أبريل سنة 1895 م 7 ص 208 - أول أبريل سنة 1897 م 9 ص 258 - 21 أبريل سنة 1897 م 9 ص 282 - 22 مايون سنة 1902 م 14 ص 316 - 2 مايو سنة 1907 م 19 ص 235 - 24 ديسمبر سنة 1908 م 21 ص 88 - 15 يونيه سنة 1922 م 34 ص 484 - 12 مارس سنة 1930 م 42 ص 352 - انظر فى تعديل صيغة اليمين أنسيكلوبيدى داللوز فى القانون المدنى Preuve فقرة 1160 - فقرة 1168  .

( [921] ) استئناف أهلى أول مايو سنة 1900 المجموعة الرسمية 2 ص 118 - 31 ديسمبر سنة 1917 المجموعة الرسمية 19 رقم 29 - 8 أبريل سنة 1920 المجموعة الرسمية 22 رقم 52 - استئناف مصر 11 أبريل سنة 1922 المحاماة 3 رقم 7 ص 19 - 5 ديسمبر سنة 1925 المحاماة 6 رقم 345 ص 511 - 26 فبراير سنة 1927 المحاماة 7 رقم 428 ص 684 - 6 نوفمبر سنة 1927 المجموعة الرسمية 28 رقم 34 - 11 مارس سنة 1947 المحاماة 28 رقم 36 ص 57 - 11 مارس سنة 1947 المحاماة 28 رقم 176 ص 571 - استئناف أسيوط 13 فبراير سنة 1929 المحاماة 9 رقم 223 ص 397 - 16 نوفمبر سنة 1931 المحاماة 12 رقم 275 ص 555 - وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن تشدد نساء الهوارة فى الحجاب يمنعهن من حلف اليمين ، فلا يصح أن يتخذ من هذه المبالغة سلاح للحكم عليهن ( 17 يناير سنة 1921 المحاماة 2 رقم 10 ص 20 )  . وقضت محكمة قنا الكلية بأنه إذا تبين للمحكمة أن المدعى لم يطلب توجيه اليمين الحاسمة إلى خصمه إلا لعلمه بأنها لن تحلفها لتمسكها الشديد بعادة من عادات عشيرتها تحول دون إسماعها صوتها لأى غريب ، كان توجيه اليمين فى هذه الحالة طلباً كيدياً ( 7 أبريل سنة 1920 المجموعة الرسمية 21 رقم 97 - وقد أيد الحكم محكمة استئناف مصر فى الحكم السابق )  .

وانظر أيضاً فى القضاء المختلط : استئناف مختلط 14 فبراير سنة 1895 م 7 ص 138 - 22 يناير سنة 1896 م 8 ص 87 - 19 فبراير سنة 1896 م 8 ص 121 - 23 أبريل سنة 1896 م 8 ص 250 - 18 فبراير سنة 1897 م 9 ص 194 - 27 أبريل سنة 1898 م 10 ص 256 - 29 مايو سنة 1901 م 13 ص 337 - 10 يناير سنة 1906 م 18 ص 94 - 16 مايو سنة 1906 م 18 ص؟؟؟؟؟ - 17 ديسمبر سنة 1908 م 21 ص 77 - 18 فبراير سنة 1909 م 21 ص 191 - 9 يونيه سنة 1913 م 25 ص 379 - 19 يونيه سنة 1913 م 25 ص 359 - 14 مايو سنة 1913 م 25 ص 379 - 19 يونيه سنة 1913 م 25 ص 461 - 26 نوفمبر سنة 1913 م 26 ص 50 - 4 فبراير سنة 1914 م 26 ص 206 - 11 مارس سنة 1914 م 26 ص 275 - 8 مارس سنة 1916 م 28 ص 188 - 15 مارس سنة 1916 م 28 ص 206 - 3 يونيه سنة 1916 م 28 ص 403 - 6 يونيه سنة 1917 م 29 ص 486 - 21 ديسمبر سنة 1921 م 34 ص 69 - 29 مارس سنة 1922 م 34 ص 267 - 6 نوفمبر سنة 1923 م 36 ص 7 - 24 فبراير سنة 1926 م 38 ص 262 - 19 فبراير سنة 1930 م 42 ص 302 - 10 فبراير سنة 1931 م 43 ص 220 - أول مايو سنة 1935 م 47 ص 285 - 9 يونيه سنة 1936 م 48 ص 306 - 7 أبريل سنة 1937 م 49 ص 180 - 3 ديسمبر سنة 1941 م 54 ص 20 - 29 مارس سنة 1944 م 56 ص 96 - 29 مايو سنة 1945 م 54 ص 20 - 29 مارس سنة 1944 م 56 ص 96 - 29 مايو سنة 1945 م 57 ص 137 - 12 يونيه سنة 1945 م 57 ص 179 - وقارنك استئناف مختلط 12 مارس سنة 1890 م 2 ص 220 - 17 أبريل سنة 1895 م 7 ص 275 - 16 نوفمبر سنة 1904 م 17 ص 8 - 6 مايو سنة 1908 م 20 ص 221 - فبراير سنة 1911 م 23 ص 152 - 19 مايو سنة 1921 م 33 ص 351 - 17 مايو سنة 1922 م 34 ص 408 - 16 مايو سنة 1928 م 40 ص 362  .

وجاء فى طرق القضاء فى الشريعة الإسلامية للأستاذ أحمد إبراهيم ( ص 236 ) : واشترط المالكية لتوجيه اليمين أن يكون بين المدعى والمدعى عليه اختلاط فى المعاملة ، لئلا يبتذل أهل السفه أهل الفضل بتحليفهم مراراً ( انظر تبصرة بن فرحون والطرق الحكمية )  . وقريب من مذهب مالك قول الاصطخرى من الشافعية  . أن قرائن الحال إذا شهت بكذب المدعى لم يلتفت إليه  .

( [922] ) الموجز للمؤلف فقرة 664 ص 690 - وقارن مع ذلك الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الأدلة 2 ص 27 - ص 32 والأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 2 فقرة 582 - فقرة 574  .

( [923] ) انظر : استئناف مختلط 14 مايو سنة 1919 م 31 ص 300  .

( [924] ) على أنه يلاحظ أن قضاء محكمة النقض كان لا يتوسع كثيراً فى تفسير التعسف فى توجيه اليمين فى عهد التقنين المدنى السابق  . وهذه بعض أمثلة من هذا القضاء : ( 1 ) إذا كان الحكم قد رفض توجيه اليمين بمقولة إن المعاملة بين الطرفين بالكتابة وطالب اليمين رجل قانونى يقدر المستندات فى مسائل الحساب ، فإنه يكون قد خالف القانون ، إذ هذا الذى قاله ليس فيه ما يفيد أن طالب اليمين كان متعسفاً فى طلب توجيهها ( نقض مدنى 7 مارس سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 45 ص 122 )  . ( 2 ) جرى قضاء محكمة النقض على أن اليمين الحاسمة ملك للخصم لا للقاضى ، وأن على القاضى أن يجيب طلب توجيهها متى توافرت شروطها ، إلا إذا بان له أن طالبها يتعسف فى هذا الطلب  . ومحكمة الموضوع وإن كان لها كامل السلطة فى استخلاص كيدية اليمين ، فإنه يتعين عليها أن تقيم استخلاصها على اعتبارات من شأنها أن تؤدى إليه  . فإذا أقامت المحكمة حكمها بكيدية اليمين على مجرد أن الوقائع المراد إثباتها منتفية بمحررات صادرة من طالب توجيه اليمين ، فهذا منها قصور فى التسيب ، فإن كون الواقعة المراد إثباتها باليمين تتعارض مع الكتابة لا يفيد بذاته أن اليمين كيدية ( نقض مدنى 30 مايو سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 88 ص 186 )  . ( 3 ) الحكم الذى يؤسس قضاءه برفض طلب توجيه اليمين على أن الطرفين اعتادا التعامل بالكتابة ، وأن طالب توجيهها قال إن خصمه أخذ المبالغ المراد الحلف عليها فى غضون سنين طوال مما يجعل طلب اليمين غير جدى ، يكون مخالفاً للقانون لتأسيسه قضاءه على غير العسف فى طلبها ( نقض مدنى 10 أكتوبر سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 96 ص 192 )  . ( 4 ) اليمين الحاسمة ملك الخصم ، له أن يوجهها متى توافرت شروطها مهما كانت قيمة النزاع ، ولو كان الغرض منها إثبات ما يخالف عقداً مكتوباً ولو رسمياً إلا فيما لا يجوز الطعن فيه من العقد الرسمى إلا بالتزوير ومن ثم يكون متعيناً على القاضى أن يجيب طلب توجيهها إلا إذا بان له أن طالبها متعسف فى طلبه  . والقول بأن طلب توجيه اليمين غير جدى لتناقض طالبه فى دفاعه ليس من شأنه أن يفيد أنه كان متعسفاً فى توجيهها ، ومن ثم لا يصح أن يكون ذاك سبباً للحكم برفض توجيه اليمين ( نقض مدنى 7 أبريل سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 405 ص 750 )  .

( [925] ) انظر ما قدمنا فى تاريخ النص - وعلى هذا النحو ينبغى أن يفهم نص المادة 471 من التقنين المدنى العراقى الذى سبق إيراده وكذلك النصوص المماثلة فى التقنينات العربية الأخرى ، إلا أن التعسف يكون من القاضى فى منع توجيه اليمين ، لا من الخصم فى توجيهها ( قارن الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 210 هامش رقم 1 )  .

( [926] ) ولا تكون اليمين منتجة فى دعوى مرفوعة على ناظر الوقف ، إذا كانت الواقعة المراد التحليف عليها إنما تحقق – إذا صحت – مسئوليته الشخصية لا مسئوليته كناظر للوقف ( نقض مدنى 24 أبريل سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 145 ص 982 )  .

( [927] ) لكن إذا كان عند المدعى – على العكس مما تقدم – دليل على دعواه ، ولم ير أن يقدمه مكتفياً بتوجيه اليمين إلى المدعى عليه ، جاز له ذلك  . ويعتبر فى هذه الحالة متنازلاً عن دليله ، مجتزئاً بالاحتكام إلى ذمة خصمه  .

وفى هذه المسألة خلاف فى الفقه الإسلامى بين أبى حنيفة وصاحبيه  . فعند أبى حنيفة لا يجوز للمدعى توجيه اليمين إلى المدعى عليه إذا كانت عنده بينة حاضرة ، وعند الصاحبين يجوز  . جاء فى البدائع : " وأما شرائط الوجوب ( أى وجوب توجيه اليمين ) فأنواع  . منها الإنكار  .  .  . ومنها الطلب من المدعى لأنها وجبت على المدعى عليه حقاً للمدعى ، وحق الإنسان قبل غيره واجب الإيفاء عند طلبه  . ومنها عدم البينة الحاضرة عند أبى حنيفة ، وعندهما ليس بشرط ، حتى لو قال المدعى لى بينة حاضرة ، ثم أراد أن يحلف المدعى عليه ، ليس له ذلك عنده  . وعندهما له ذلك  . وجه قولهما أن اليمين حجة المدعى كالبينة ، ولهذا لا تجب إلا عند طلبه ، فكان له ولاية استيفاء أيهما شاء  . ولأبى حنيفة أن البينة فى كونها حجة المدعى كالأصل لكونها كلام غير الخصم ، واليمين كالحلف عليها لكونها كلام الخصم ، فلهذا لو أقام البينة ثم أراد استحلاف المدعى عليه ليس له ذلك ، والقدرة على الأصل تمنع المصير إلى الحلف " ( البدائع 6 ص 225 - ص 226 )  .

والظاهر من نصوص الفقه الإسلامى أن اليمين هى ملك المدعى ، يوجهها أن أراد إلى المدعى عليه المنكر ، ولا يجوز للقاضى منعه من ذلك  . ويقول مارسل موران ( Marcel Morand ) أن اليمين – وصبغتها الدينية بارزة – من أهم طرق الإثبات فى الفقه الإسلامى ، لاتصاله بالدين اتصالاً وثيقاً ( مارسل موران : دراسات فى الفقه الإسلامى بالجزائر - الجزائر سنة 1910 ص 325 - ص 327 )  .

( [928] ) انظر فى هذه المسألة فى الفقه الفرنسى أوبرى ورو 12 ص 147 - ص 148 - بلانيويل وريبير وجابود 7 فقرة 1579 ص 1053 - بيدان وبرو 9 فقرة 132 ص 423 - انسيكلوبيدى داللوز فى القانون المدنى Preuve فقرة 1138  . على أن أوبرى ورو يذهبان إلى أن بسط رقابة القاضى على الخصم فى توجيهه اليمين إلى خصمه يتعارض ، من الناحية النظرية ، مع ما للخصم من حق استمده من القانون مباشرة فى توجيه اليمين ( أوبرى ورو 12 ص 147 - هامش رقم 34 )  . وانظر عكس ذلك ، وفى أن توجيه اليمين من حق الخصم وحده دون رقابة عليه من القاضى : بودرى وبارد 3 فقرة 2747 - فقرة 2747 مكررة  .

( [929] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ( وقد كانت الفقرة الأولى من المادة 548 من هذا المشروع تقضى بأن توجيه اليمين يكون بإذن القاضى كما رأينا ) فى هذا الصدد ما يأتى : " ويكاد ينعقد إجماع القضاء فى فرنسا وبلجيكا على أن للقاضى أن يقدر : ( أ ) ملائمة توجيه اليمين وأن يرفض توجيهها إذا قصد منها الكيد ( ب ) وأن له أن يقدر ضرورة توجيه اليمين وأن يرفض توجيهها إذا كانت الوقائع التى توجه بشأنها غير قريبة الاحتمال ، أو سبق أن قام الدليل عليها بطرق أخرى من طرق الإثبات  .  .  . والواقع أن من المروءات والذمم والعقائد الدينية ما قد يتيح لسيئ النية استغلال حرص خصمه على قضاء واجب أخلاقى أو دينى ، ولذلك رؤى تضمين النص حكماً يعين على تحامى مثل هذا الاستغلال  . ويراعى من ناحية أخرى أن اليمين قد تقررت بوصفها طريقاً من طرق الإثبات لإسعاف المدعى بالدليل عند تخلفه ، لا لنقض دليل ثم تحصيله بطريق من سائر الطرق  . ولهذا يجب أن يتاح للقاضى أن يرفض توجيه اليمين إذا لم تكن مجدية  . ويقع ذلك حيث يقام الدليل على الواقعة التى يراد الاستحلاف عليها بطريق آخر  .  .  . ولذلك اقتفى المشروع أثر المشروع الفرنسى الإيطالى وأثبت القاضى حق الترخيص ، كتدبير وقائى ، ولو أنه حرمه من كل سلطة فى الرقابة متى حلفت اليمين الحاسمة ، حتى تكون حجة قاطعة فى الإثبات  . فللقاضى أن يقدر ما إذا كان ثمة محل للترخيص بتوجيه اليمين ، وفقاً للأحوال من ناحية ، ووفقاً لصفات الأشخاص من ناحية أخرى  . وهذا الترخيص مستقل عن التثبيت من توافر شروط قبول توجيه اليمين "  . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 444 - ص 445 )  .

([930]) اوبرى ورو 12 ص 137 ( ويقرران كذلك أن اليمين لا توجه ، في القانون الفرنسي ، إلى الزوج الذي لم يدخل في الدعوى إلا ليأذن لزوجته في الخصومة )  .

([931]) استئناف مختلط 7 ابريل سنة 1937 م 49 ص 180  .

([932]) استئناف مختلط 12 ديسمبر سنة 1945 م 58 ص 16  .

([933]) استئناف مختلط 29 مارس سنة 1944 م 56 ص 96  .

([934]) استئناف مختلط 22 يناير سنة 1914 م 26 ص 174  .

([935]) استئناف مختلط 4 ديسمبر سنة 1919 م 32 ص 52 – 27 يناير سنة 1942 م 54 ص 53  .

([936]) استئناف مختلط 17 مارس سنة 1925 م 37 ص 280 – 11 يونيه سنة 1940 م 52 ص 298 – ومن باب أولى لا توجه إلى غير خصم الدعوى دون إدخاله ( استئناف مختلط 9 يناير سنة 1913 م 25 ص 126 )  . ولا توجه اليمين إلى أحد الورثة مع حفظ الحق بالنسبة إلى الباقي ( استئناف مختلط 28 نوفمبر سنة 1895 م 8 ص 15 ) ، وإذا وجهت إلى جميع الورثة وحلف بعض دون بعض ، فلا يفيد حلف البعض أمام نكول الآخرين ( استئناف مختلط أول ديسمبر سنة 1948 م 61 ص 24 )  . وإذا ادعى المشتري أن الشفيع إنما يستعمل الشفعة لرد العين المبيعة إلى البائع ، فاليمين توجه الشفيع لا إلى البائع ، لأن الحكم لن يقضي للبائع ولن يقضي إلا للمشتري أو للشفيع ( استئناف مختلط 31 يناير سنة 1 907 م 19 ص 103 )  . وإذا ادعى الشفيع صورية سالثمن ، فلا يجوز له توجيه اليمين الحاسمة في ذلك إلى البائع والمشتري معاً ، بل يجب أن يوجهها أولاً إلى المشتري ، فإن حلفها كان هذا كافياً لرفض الادعاء بالصورية دون حاجة إلى تحليف البائع ، وإذا نكل المشتري وجب توجيهها للبائع ، فإن نكل هذا ثبتت الصورية كاملة ، أما إذا حلف البائع وحده فلا تثبت الصورية لأنها لم تثبت من الجانبين ( جرجا 12 يناير سنة 1929 المحاماة 9 رقم 256 ص 449 – أنظر الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فقرة السلام ذهني في الأدلة 2 ص 49 – ص 50 – وقارن الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات 2 فقرة 543 )  . ولا يجوز أن يتقدم الخصم بنفسه ليعرض أن يحلف اليمين ( استئناف مختلط 6 يونيه سنة 1894 م 6 ص 326 )  .

( [937] ) استئناف مختلط 3 أبريل سنة 1895 م 7 ص 208  .

( [938] ) استئناف مختلط 27 مايو سنة 1903 م 15 ص 319 - أول يونيه سنة 1910 م 22 ص 345 - 24 فبراير سنة 1925 م 27 ص 249 - قارن الموجز للمؤلف وقد ورد فيه اشتراط أهلية التبرع ( الموجز ص 690 )  .

( [939] ) كما إذا وجهت إليه اليمين فى قبض الدين الذى لمحجوره ، وكان قد أدخل فى الدعوى بصفته الشخصية أيضاً ، فإن حلف كسب الدعوى ، وإن نكل لم يضر نكوله بالمحجور ، ويصبح ملتزماً نحوه بالدين ( أوبرى ورو 12 ص 139 )  .

( [940] ) استئناف مصر 6 نوفمبر سنة 1929 المحاماة 10 رقم 79 ص 158 - استئناف أسيوط 16 نوفمبر سنة 1931 المحاماة 12 رقم 275 ص 555 - المحكمة العليا الشرعية 5 سبتمبر سنة 1918 المحاماة 8 رقم 201 ص 247  .

( [941] ) أو أفلس : استئناف مختلط 9 يناير سنة 1929 م 41 ص 156  .

( [942] ) أوبرى ورو 12 ص 140  .

( [943] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى الفقرة الثانية من المادة 549 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " ويجوز أن توجه اليمين الحاسمة إلى أية حالة كانت عليها الدعوى ، وفى كل نزاع مدنى ، إلا أنه لا يجوز توجيهها فى واقعة مخالفة للنظام العام ( وعن هذا النص فى المشروع التمهيدى نقلت المادة 472 من التقنين المدنى العراقى )  . وفى لجنة المراجعة نقت العبارة الأخيرة من هذه الفقرة " لا يجوز توجيهها فى واقعة مخالفة للنظام العام " مع تحويها إلى صدر الفقرة الأولى من المادة لتكون أدق فى الدلالة على الحكم المقصود ، وحذفت عبارة " فى كل نزاع مدنى " لعدم الحاجة إليها ، وأصبح رقم المادة 242 فى المشروع النهائى  . ووافق عليها مجلس النواب ، فلجنة مجلس الشيوخ تحت رقم 411 ، فمجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 449 وص 452 )  .

( [944] ) الموجز للمؤلف ص 691  .

( [945] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 114 فقرة 2 : يجوز أن توجه اليمين الحاسمة فى أية حالة كانت عليها الدعوى فى كل نزاع ، إلا أنه لا يجوز توجيهها فى واقعة ممنوعة بالقانون أو مخالفة للنظام العام وللآداب  . ( ولا فرق فى الحكم بين القانون السورى والتقنين المصرى ، والنص السورى يتفق مع نص المشروع التمهيدى للتقنين المصرى وقد تقدم ذكره )  .

التقنين المدنى العراقى م 472 : يجوز أن توجه اليمين الحاسمة فى أية حالة كانت عليها الدعوى وفى كل نزاع مدنى  . إلا أنه لا يجوز توجيهها فى واقعة مخالفة للنظام العام أو الآداب  . ( فالحكم واحد فى التقنين المصرى والعراقى ، والنص يتفق مع نص قانون البينات السورى )  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 231 : يجوز الاستحلاف فى أى حال من أحوال الدعوى ، وإن لم يكن هناك بداءة إثبات للطلب أو للدفع المستلف عليه  . ( والحكم واحد فى التقنين اللبنانى والتقنين المصرى )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 400 فقرة 2 : مطابقة لنص التقنين المصرى  .

( [946] ) التقنين المدنى الفرنسى م 1360 : يجوز توجيه اليمين الحاسمة فى أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لم يوجد أى مبدأ ثبوت للطلب أو للدفع المطلوب التحليف عليه  .

Art  . 1360 : Il peut etre defere en tout etat de cause, et encore qu'il n'existe aucun commencement de prevue de la demande ou de l'exception sur laquelle il est provoque  .

( [947] ) استئناف مختلط 27 ديسمبر سنة 1896 م 8 ص 87 - 25 يناير سنة 1900 م 12 ص 98 - 27 مايو سنة 1947 م 59 ص 230  .

( [948] ) أوبرى ورو 12 ص 145 وهامش رقم 30  .

( [949] ) الموجز للمؤلف ص 691 - الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 2 فقرة 579  . قارن بودرى وبارد 4 فقرة 2746  .

( [950] ) استئناف مختلط 5 فبراير سنة 1890 م 2 ص 278  .

( [951] ) وقد قضت محكمة الاستئناف الأهلية بأن اليمين الحاسمة هى من أوجه الدفاع التى يجوز طلبها فى أية حالة كانت عليها الدعوى ، سواء كانت فى الدرجة الأولى أو فى الدرجة الثانية ، وسواء طلبت اليمين قبل كل دفاع أو بعده ( 13 ديسمبر سنة 1894 الحقوق 10 ص 1 ) - انظر أيضاً : استئناف مختلط 28 فبراير سنة 1906 م 18 ص 133 - 31 يناير سنة 1907 م 19 ص 103 - 12 ديسمبر سنة 1945 م 58 ص 16 - وانظر بودرى ورو 12 ص 145  .

( [952] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 450 - ص 451  . أنسيكلوبديى داللوز فى القانون المدنى 4 Preuve فقرة 1141  .

( [953] ) الموجز للمؤلف ص 691 - وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه يجوز بعد أن يقضى للخصم بالإثبات بالبينة أن ينزل عن هذا الحكم ويوجه اليمين الحاسمة ( 7 يناير سنة 1897 م 9 ص 108 ) - انظر أيضاً استئناف مختلط 21 مارس سنة 1902 م 13 ص 206 - 21 مايو سنة 1901 م 13 ص 311 - 11 ديسمبر سنة 1902 م 15 ص 43 - 9 مارس سنة 1910 م 22 ص 195 - 12 مايو سنة 1915 م 27 ص 32 - 6 يناير سنة 1919 م 31 ص 102 - 21 فبرا ير سنة 1922 م 34 ص 195 - 17 فبراير سنة 1925 م 37 ص 233 - 9 أبريل سنة 1935 م 47 ص 229 - 12 فبراير سنة 1936 م 48 ص 122  .

( [954] ) فالخصم بعد توجيه اليمين إلى خصمه لا يجوز له أن يعود ويطلب الإثبات بالبينة ( استئناف مختلط 12 فبراير سنة 1903 م 15 ص 145 )  . وإذا حلف خصمه ، فلا يجوز له أن يعود ويطعن فى الالتزام بأنه يتضمن فوائد ربوية ( استئناف مختلط 4 أبريل سنة 1900 م 12 ص 198 ) ، أو يعود بعد حلف اليمين فى محكمة أول درجة إلى طرق إثبات أخرى لنف الواقعة أمام محكمة الاستئناف ( استئناف مختلط 28 نوفمبر سنة 1900 م 13 ص 24 - 18 مايو سنة 1921 م 33 ص 348 ) ، ولكن يصح أن ينازع فى واقعة أخرى غير الواقعة التى حلف خصمه فيها اليمين ، كما إذا حلف الشفيع على عدم العلم فيعود المشترى إلى مناقشة أوجه أخرى لسقوط حق الشفعة ( استئناف مختلط 4 يناير سنة 1906 م 18 ص 87 )  . انظر آنفاً فى عدم جواز تقديم أدلة أخرى بعد توجيه اليمين : استئناف مختلط 9 يناير سنة 1932 م 35 ص 142 - 26 يناير سنة 1926 م 38 ص 193 - 23 أبريل سنة 1931 م 43 ص 366  .

( [955] ) استئناف أهلى 25 فبراير سنة 1902 الاستقلال 5 ص 170 - استئناف مختلط 5 فبراير سنة 1890 م 2 ص 278 - 18 فبراير سنة 1891 م 3 ص 197 - أول ديسمبر سنة 1892 م 5 ص 43 - 6 مايو سنة 1897 م 9 ص 334 - 16 ديسمبر سنة 1897 م 10 ص 52 - 16 مايو سنة 1907 م 19 ص 265 - 21 مارس سنة 1934 م 46 ص 219 - 16 مايو سنة 1934 م 46 ص 290  .

وهناك من الأحكام ما قضى بأنه إذا وجه الخصم اليمين الحاسمة على سبيل الاحتياط مع أدلة أخرى ، فإن توجيه اليمين الحاسمة لا يقبل ، ولا يعتد إلا بالأدلة الأخرى المقدمة : استئناف مختلط 9 فبراير سنة 1910 م 22 ص 139 - 20 مايو سنة 1939 م 51 ص 339  .

وهناك أحكام قضت ، على العكس من ذلك ، بأنه لا يعتد بالأدلة الأخرى ، وتقبل اليمين الحاسمة دون غيرها : استئناف مختلط أول أبريل سنة 1903 م 15 ص 225 - انظر أيضاً : استئناف مختلط 27 مارس سنة 1889 م 1 ص 113 و 18 فبراير سنة 1891 م 3 ص 197 - 10 يناير سنة 1894 م 6 ص 96 - من وجه اليمين الحاسمة فقد نزل عما سواها من طرق الإثبات إلا الدفع بعدم الاختصاص الموضوعى : استئناف مختلط 19 ديسمبر سنة 1895 م 8 ص 50  .

وهناك أحكام قضت بقبول توجيه اليمين الحاسمة قيما يتعلق بنشوء الدين مع جواز تقديم الدليل على انقضاء الدين بالتقادم فيما إذا ثبت نشوءه بحلف اليمين ، لأن انقضاء الدين بالتقادم لا يتعارض مع نشوئه ، بل يؤكده : استئناف مختلط 4 مارس سنة 1891 م 3 ص 218 - أول مايو سنة 1895 م 7 ص 236  .

هذا والقضاء الفرنسى يعتبر أن توجيه اليمين الحاسمة على سبيل الاحتياط مع تقديم أدلة أخرى يكون من شأنه أن يجعل اليمين الحاسمة يميناً متممة للقاضى حرية التقدير فى توجيهها أو عدم توجيهها لاستكمال الأدلة المقدمة ( أوبرى ورو 12 ص 146 - ص 147 - قارن فى ذلك بودرى وبارد 4 فقرة 2748 )  .

( [956] ) وقد أحال التقنين المدنى الجديد بدوره على تقنين المرافعات عندما أغفل نص المادة 225 / 290 ، وسيأتى بيان ذلك  .

( [957] ) انظر بودرى وبارد 4 فقرة 2748 - الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الأدلة 2 ص 32 - ص 39 وبخاصة القضاء المختلط والقضاء الإيطالى فى ص 34 هامش رقم 3 - الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 2 فقرة 581 - الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 133 - الأستاذ أبو هيف فى المرافعات فقرة 911 - وقد قضى التقنين الألمانى ( م 418 ) بأن اليمين الحاسمة إذا وجهت على سبيل الاحتياط مع أدلة أخرى لا يكلف الخصم بحلفها إلا عند عدم نجاح هذه الأدلة  .

وقضت محكمة الأقصر – فى عهد تقنين المرافعات السابق ومع وجود المادة 166 / 187 من هذا التقنين – بأنه لا مانع يمنع الخصوم من توجيه اليمين الحاسمة بعد تقديم طرق إثبات أخرى أو حتى عند عدم نجاح هذه الطرق الأخرى ( 17 ديسمبر سنة 1919 المحاماة 1 رقم 44 ص 256 )  .

( [958] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 549 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " 1 - يجب أن تنصب اليمين الحاسمة على واقعة متعلقة بشخص من وجهت له اليمين ، أو على أية واقعة أخرى إذا انصبت اليمين على مجرد العلم بهذه الواقعة  . 2 - ويجوز أن توجه اليمين الحاسمة فى أية حالة كانت عليها الدعوى ، وفى كل نزاع مدنى ، إلا أنه لا يجوز توجيهها فى واقعة مخالفة للنظام العام "  . وفى لجنة المراجعة نقلت العبارة الأخيرة من الفقرة الثانية إلى صدر الفقرة الأولى لتكون أدق فى الدلالة على الحكم المقصود ، وقد تقدم ذكر ذلك ، وأصبح نص المادة على الوجه الآتى : " 1 - لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة فى واقعة مخالفة للنظام العام ، ويجب أن تكون الواقعة التى تنصب عليها اليمين متعلقة بشخص من وجهت إليه اليمين ، فإن كانت غير شخصية له انصبت اليمين على مجرد علمه بها  . 2 - ويجوز أن توجه اليمين فى أية حالة كانت عليها الدعوى " ، وأصبحت المادة 424 من المشروع النهائى  . ووافق عليها مجلس النواب ، فلجنة مجلس الشيوخ تحت رقم 411 ، فمجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 449 وص 452 )  .

( [959] ) الموجز للمؤلف ص 691 - 692  .

( [960] ) التقنينات المدينة العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 144 : 1 - يجب أن تكون الواقعة التى تنصب عليها اليمين متعلقة بشخص من وجهت إليه اليمين ، فإن كانت غير شخصية له انصبت اليمين على مجرد علمه بها  . 2 - يجوز أن توجه اليمين الحاسمة فى أية حالة كانت عليها الدعوى فى كل نزاع ، إلا أنه لا يجوز توجيهها فى واقعة ممنوعة بالقانون أو مخالفة للنظام العام أو للآداب  . ( الحكم واحد فى القانون السورى والتقنين المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى م 472 : يجوز أن توجه اليمين الحاسمة فى أية حالة كانت عليها الدعوى وفى كل نزاع مدنى  . إلا أنه يجوز توجيهها فى واقعة مخالفة للنظام العام أو للآداب – م 479  . 1 - إذا حلف شخص على فعله يحلف على البتات ، وإذا حل على فعل غيره يحلف على عدم العلم  . 2 - واليمين إما بالسبب فيما لا يرتفع سببه ، أو بالحاصل فيما يرتفع سببه – ( ويلاحظ أن الحكم واحد فى التقنين المصرى والعراقى ، ولو أن بعض نصوص التقنين العراقى مستمد من الفقه الإسلامى )  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 229 فقرة 2 : ولا يجوز الاستحلاف على فعل جرمى أو مناف للنظام العام ، ولا على عقد يوجب القانون لصحته سنداً خطياً ، ولا على إنكار واقعة يفيد صك رسمى حصولها بحضور المأمور الرسمى الذى قبل العقد – م 230 : لا يجوز الاستحلاف إلى على واقعة شخصية مختصة بالفريق الذى يكلف اليمين ، أو علمه بأية واقعة أخرى  . ( والحكم واحد فى التقنين اللبنانى والتقنين المصرى )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 400 فقرة أولى : مطابقة لنص التقنين المصرى  .

( [961] ) التقنين المدنى الفرنسى م 1359 : ولا يجوز توجيهها ( اليمين الحاسمة ) إلا على واقعة تتعلق بشخص من وجهت إليه اليمين  .

Art  . 1359 : Il ne peut etre defere que sur un fait personnel a la personne a laquelle on le defere  .

( [962] ) وقد أورد قانون البينات السورى فى المادة 118 منه نص هاتين المادتين من تقنين المرافعات المصرى  .

( [963] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " يتعين أن ترد اليمين على واقعة قانونية ، لا على مسألة من مسائل القانون  . فحكمها من هذا الوجه حكم الإقرار  . ذلك أن استخلاص الآثار القانونية التى ترتب على الواقع من شأن القاضى " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 449 )  .

( [964] ) الموجز للمؤلف ص 690  .

( [965] ) أوبرى ورو 12 فقرة 753 ص 149  .

( [966] ) والقضاء مستفيض فى هذا الموضوع : والمبدأ الأساسى هو أن اليمين توجه فى أية واقعة منتجة جائزة الإثبات ( استئناف مختلط 26 يونيه سنة 1889 م 1 ص 272 - 12 مارس سنة 1890 م 2 ص 220 ) - ويجوز توجيهها حتى بعد الدفع بالتقادم ( استئناف مختلط 4 مارس سنة 1891 م 3 ص 218 - أول مايو سنة 1895 م 7 ص 236 ) - كما يجوز توجيهها لإثبات عكس الثابت بالكتابة : استئناف مختلط 16 يناير سنة 1896 م 8 ص 76 - 24 مارس سنة 1891 م 3 ص 218 - ( لإثبات التخلص من دين ثابت بالكتابة ) - 22 مايو سنة 1902 م 14 ص 316 ( المقترض يتمسك بأن فى ذمته مبلغاً أقل ، فاليمين يجب أن تفسح المحال لحلول ثلاثة : الحلف على المبلغ الأكثر الذى يتمسك به المقرض ، النكول إطلاقاً ، الحلف على المبلغ الأقل الذى يتمسك به المقترض ) - 7 يونيه سنة 1900 م م 12 ص 318 ( لإثبات ما يجاوز الكتابة أو يعارضها ) - 2 يناير سنة 1902 م 14 ص 73 ( على صحة حساب حتى لو كان هذا الحساب قد صدق عليه ) - 2 مايو سنة 1906 م 18 ص 222 لا توجه اليمين لمعارضة واقعة ثابتة بمستند صادر من وجهها ) – 16 فبراير سنة 1904 م 17 ص 8 ( ولو لم يوجد مبدأ ثبوت بالكتابة ) - 15 يونيه سنة 1916 م 28 ص 34 و 14 نوفمبر سنة 1916 م 29 ص 46 و 23 أبريل سنة 1918 م 30 ص 381 ( لإثبات عكس الثابت بالكتابة ) - انظر أيضاً : استئناف مختلط 20 نوفمبر سنة 1919 م 32 ص 23 - 15 يونيه سنة 1922 م 24 ص 484 - 21 يونيه سنة 1928 م 40 ص 454 - وانظر : استئناف مختلط 16 مايو سنة 1928 م 40 ص 362 ( الإثبات بعض الوقائع المتنازع عليها دون البعض الآخر )  .

انظر فى هذه المسألة المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 451 ) - وانظر أيضاً : أوبرى ورو 12 ص 144 )  .

( [967] ) والصورة هنا أن يندفع المدعى عليه بتقادم الدين ، فيوجه إليه الدائن اليمين الحاسمة ليحلف على أن لدين غير موجود فى ذمته  . ولكن يجوز للمدعى عليه ، إذا لم يستطع إثبات التقادم ، أن يوجه اليمين الحاسمة إلى المدعى ليحلف على أن الدين موجود فى ذمة المدعى عليه  .

( [968] ) استئناف مختلط 29 مايو سنة 1890 م 2 ص 223 - وقد قضت محكمة استئناف مصر بأنه لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة على واقعة لو صحت كانت جريمة ، لأنه لا يصح أن يكون النكول عن اليمين دليلاً على ارتكاب الجريمة ( 17 يناير سنة 1921 المحاماة 2 رقم 10 ص 20 )  . كذلك لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة ولا اليمين المتممة فى دعوى جنائية أو فى دعوى مدنية مرفوعة أمام محكمة جنائية ( بوردى وبارد 4 فقرة 2745 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 576 - الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الأدلة 2 ص 25 - ص 26 - وقارن جارسون فى تعليقاته على قانون العقوبات الفرنسى 2 فقرة 627 )  .

وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : "  .  .  . نص ( المشروع ) على عدم جواز توجيه اليمين بشأن واقعة تخالف النظام العام ، فلا يجوز توجيه اليمين مثلاً بشأن واقعة جنائية ، فاليمين قاصرة على المنازعات المدنية ، ولا تقبل قط فى المسائل الجنائية ولو فيما يتعلق بالدعوى المدينة  . وقد أقر الفقه والقضاء الاستثناءات الآتية ولم يجز توجيه اليمين : ( أ ) لإقامة الدليل على تصرف يشترط لوجوده شكل خاص ، لأن الكتابة لا تكون فى هذه الحالة دليلاً فحسب ، بل تكون شرطاً من شروط الصحة  . ( ب ) للمنازعة فى البيانات التى يلحق بها وصف الرسمية فى محرر رسمى ، لأن الدليل العكسى لا يقام إلا من طريق الطعن بالتزوير ( استئناف مختلط 18 ديسمبر سنة 1895 م 8 ص 44 ) " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 451 - ص 452  .

( [969] ) وقد قضت محكمة أسيوط الجزئية بأنه يجوز توجيه اليمين الحاسمة على واقعة مخلة بالشرف أو مخالفة للقانون كواقعة رباً فردية ، لأن توجيه اليمين فى مثل هذه الحالة لا ينافى النظام العام أو الآداب ( 25 مارس سنة 1915 المجموعة الرسمية 17 رقم 33 ) - وقضت محكمة الإسكندرية الكلية الوطنية بأنه يجوز توجيه اليمين الحاسمة لإثبات الربا الفاحش ( أى واقعة فردية ) لأن ذلك وإن كان يؤدى إلى إثبات ركن من أركان جريمة الفاحش إلا أنه لا يمس النظام العام فى شئ ( 18 ديسمبر سنة 1920 المحاماة 2 رقم 88 ص 279 ، قارن الأقصر 14 فبراير سنة 1920 المحاماة 1 ص 259 )  . أما إذا كانت الوقائع المراد التحليف عليها تكون عادة الإقراض بالربا الفاحش ، فلا يجوز توجيه اليمين الحاسمة فيها ، لأنه لا يجوز التحليف على واقعة لو صحت كانت جريمة كما قدمنا ( انظر الحاشية السابقة )  . ومع ذلك فقد جاء فى حكم لمحكمة أسيوط الكلية : اختلف الفقهاء فى جواز تحليف اليمين على واقعة معاقب عليها جنائياً ، فقال البعض بجوازه استناداً إلى أن المطلوب تحليفه إذا كان بريئاً حلف اليمين ، وإلا فهو ليس أهلا للرعاية ، وقال البعض الآخر إنه لا يجوز إحراج مركز الخصم وتحليفه مدنياً على ما لا يجوز التحليف عليه جنائياً  . غير أنه مجمع على جواز التحليف على واقعة ولو كانت ماسة بالشرف ، وكذا على واقعة واحدة لربا فاحش غذ هى وحدها لا تكون جريمة الاعتياد على الربا الفاحش ( 2 مايو سنة 1928 المحاماة 9 رقم 338 ص 556 )  .

ونرى مما قدمناه من القضاء المصرى أن الرأى الراجع هو جواز التحليف على واقعة ماسة بالشرف وعدم جواز التحليف على واقعة تكون جريمة جنائية  . ومع ذلك فقد أورد الأستاذ عبد السلام ذهنى خلافاً فى هاتين المسألتين ( انظر الأدلة 2 ص 18 - ص 20 )  .

انظر فى الفقه الفرنسى ، أوبرى ورو 12 ص 144 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1576 ص 1051 وفقرة 1579 ص 1053 - ص 1054  .

( [970] ) استئناف مصر 28 أكتوبر سنة 1929 المحاماة 10 رقم 74 ص 153 - 4 أبريل سنة 1930 المحاماة 11 رقم 21 ص 39 - استئناف مختلط أول أبريل سنة 1897 م 9 ص 258 - 26 نوفمبر سنة 1902 م 15 ص 12 - أل أبريل سنة 1903 م 15 ص 225 - 2 مارس سنة 1904 م 16 ص 147 - 2 فبراير سنة 1911 م 23 ص 151 - 17 ديسمبر سنة 1914 م 27 ص 68 - 8 ماس سنة 1916 م 27 ص 188 - 17 أبريل سنة 1917 م 29 ص 373 - 26 يونيه سنة 1917 م 29 ص 515 - 6 مايو سنة 1931 م 43 ص 375 - 9 ديسمبر سنة 1937 م 50 ص 41 - 20 يونيه سنة 1945 م 57 183  .

( [971] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1578  .

( [972] ) ولا يجوز توجيهها مع حفظ الحق ، فى حالة الخلف ، فى رفع دعوى مستقلة ( استئناف مختلط 11 فبراير سنة 1909 م 21 ص 181 ) - ولا فى وقوع اتفاق مع محام على الأتعاب التى يتقاضها ، ما دام هذا الاتفاق ، بفرض وقوعه ، يجوز للقاضى تعديله ( استئناف مختلط 31 مايو سنة 1933 م 45 ص 300 ) - ولا يجوز توجيهها إلى مدير مصرف فى تعليمات يقول أحد العملاء إنه أعطاها لأحد الموظفين فى غياب المدير ، ما دامت هذه التعليمات ، بفرض صحة صدورها من العميل ، لا ترتب مسئولية المدير ( استئناف مختلط 4 مايو سنة 1933 م 45 ص 296 )  . ولكن يجوز توجيهها فى واقعة حاسمة ، حتى لو اضطر القاضى ، بعد حلفها ، إلى عم حساب ليتبين المبلغ الذى يقضى به على وجه الدقة ( استئناف مختلط 16 مايو سنة 1928 م 40 ص 362 )  .

( [973] ) جارسونيه وسيزار برى فى المرافعات 8 فقرة 208 ص 28 - سيزار برى وهبرو فى القضاء المستعجل 1 فقرة 55 ص 113 - أنسيكلوبيدى داللوز فى القانون المدنى ( Preuve ) فقرة 1140  .

( [974] ) أوبرى ورو 12 ص 142 - وانظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 449  .

( [975] ) استئناف مصر 29 يناير سنة 1924 المجموعة الرسمية 62 رقم 32 - استئناف مختلط 25 يناير سنة 1900 م 12 ص 98 - 10 أبريل سنة 1901 م 13 ص 237 - 2 مايو سنة 1907 م 19 ص 235 - 19 يونيه سنة 1913 م 25 ص 464 - 30 ديسمبر سنة 1936 م 49 ص 54  .

( [976] ) ولو تعلقت بأعمال صدرت من متبوعه وكان هو مسئولاً عن هذه الأعمال ( أوبرى ورو 12 ص 143 هامش رقم 21 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1580 )  .

( [977] ) استئناف مختلط 4 مارس سنة 1891 م 3 ص 218 - 30 نوفمبر سنة 1899 م 12 ص 31 - 13 يناير سنة 1902 م 14 ص 127 - 17 يناير سنة 1917 م 29 ص 153 - 17 أبريل سنة 1917 م 29 ص 373 - 5 أبريل سنة 1921 م 33 ص 251 - 10 فبراير سنة 1931 م 43 ص 220 - 31 أكتوبر سنة 1933 م 46 ص 40  .

( [978] ) وقد رأينا أن المادة 479 من التقنين المدنى العراقى تنص على ما يأتى : " 1 - إذ حلف شخص على فعله يحلف على البتات ، وإذا حلف على فعل غيره يحلف على عدم العلم  . 2 - واليمين إما بالسبب فيما لا يرتفع سببه ، أو بالحاصل فيما يرتفع سببه "  . ومثل من يحلف على البتات لأنه يحلف على فعل نفسه من ادعى عليه على مورثه بدين فيحلف أنه لا يعلم أن على مورثه الدين المدعى به  . أما اليمين بالسبب أو بالحاصل ، فينظر فيها إلى دعوى المدعى وإنكار المدعى عليه  . فإن كان المدعى يطلب حقاً لم يبين سببه ، وأنكر المدعى عليه هذا الحق ، فاليمين تكون بالحاصل ، ويحلف أن هذا الحق ليس فى ذمته  . وأن طلب المدعى حقًا وبين سببه ، وأنكر المدعى عليه حاصل دعواه ، فاليمين تكون أيضاً بالحاصل ،كما إذا قال المدعى أن له ديناً فى ذمة المدعى عليه سببه القرض ، فينكر المدعى عليه المديونية ذاتها دون أن يتعرض للقرض ، فيحلف أنه ليس مديناً للمدعى  . وإن طلب المدعى حقاً وبين سببه ، وأنكر المدعى عليه هذا السبب ، فاليمين تكون بالسبب ، ففى المثل المتقدم ينكر الدعى عليه القرض ، ويحلف أنه ما وقع ( انظر شرح المجلة للأستاذ سليم باز المادة 1749 ص 1102 - ص 1105 - طرق القضاء للأستاذ أحمد إبراهيم ص 253 - ص 257 )  .

( [979] ) ويلاحظ أن يمين عدم العلم قد عممت فى التقنين المدنى الجديد ، فأية واقعة لا تكون قضية شخصية للخصم يحلف على عدم علمه بها ، دون نظر إلى ما إذا كان هذا الخصم هو الوارث أو غيره  . وسنرى فى يمين الاستيثاق أن اليمين على عدم العلم فى المواضع التى تطلب فيها هذه اليمين إنما يحلفها الورثة والأوصياء  . أما فى القانون الفرنسى فيمن عدم العلم تحلفها الورثة دون غيرهم ، لأن نص التقنين الفرنسى ( م 1359 ) لم يرد فيه من التعميم ما ورد فى نص المادة 411 فقرة أولى من التقنين المدنى المصرى الجديد ( انظر فى هذه المسألة أوبرى ورو 12 فقرة 753 هامش رقم 11 وهامش رقم 22 - بودرى وبارد 4 فقرة 2738 مكرر 1 - فقرة 2738 مكرر 2  .

( [980] ) وسبب هذا الخلط أن يمين الاستيثاق المنصوص عليها فى المادة 378 مدنى وفى المادة 194 تجارى - وسيرد بيان ذلك تفصيلاً - اعتبرت خطأ هى يمين عدم العلم  . ثم وسع نطاقها ، فلم تصبح مقصورة على الحالتين المنصوص عليها فى المادتين السالفتى الذكر ، بل عمت فأصبحت تشمل جميع الحالات التى يمكن أن تحلف فيها الورثة على عدم علمهم واقعة متصلة بشخص المورث  . وبقيت اليمين على اسمها - يمين الاستيثاق - بعد هذا التعميم  . فاختلطت يمين الاستيثاق المحدودة فى نطاق معين وفى نصوص معينة - وهذه هى وحدها التى يصح أن يطلق عليها يمين الاستيثاق - بيمين عدم العلم التى لا شأن لها بالنطاق المرسوم ليمين الاستيثاق  . ونلمح اثر هذا الخلط فى الأحكام والمؤلفات الفقهية ( انظر مثلاً : نقض مدنى أول يونيه سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 143 ص 395 - استئناف أسيوط 13 فبراير سنة 1929 المحاماة 9 رقم 233 ص 397 - الموجز للمؤلف فقرة 610 - نظرية الالتزام للأستاذ أحمد حشمت أبو ستيت الطبعة الأولى فقرة 840 - فقرة 841 - وانظر أيضاً المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 450 )  . وانظر فى وجوب التمييز بين يمين عدم العلم ويمين الاستيثاق الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 144  .

ونورد حكمين لمحكمة استئناف أسيوط ، أحدهما يخلط بين يمين عدم العلم ويمين الاستيثاق ، والحكم الثانى على النقيض من ذلك يميز بين اليمينين  . جاء فى الحم الأول : يجوز توجيه يمين عدم العلم أو يمين الاستيثاق ، تطبيقاً للقواعد العامة المتعلقة بتحليف اليمين ، إذا توافرت شروطها القانونية  . وليس من الصواب الأخذ بالرأى المرجوح القائل بأن يمين الاستيثاق لا يصح توجيهها إلا فى الحالات الاستثنائية الواردة بالمادتين 212 و 213 من القانون المدنى ( القديم ) والمادة 194 من القانون التجارى ، لأن القول بهذا الرأى ينافى العدل ، إذ ينقطع سبيل الدائن على الوارث الذى يعلم تمام العلم بأن مورثه مات وذمته مشغولة بالدين ( 13 فبراير سنة 1929 المحاماة 9 رقم 233 ص 397 ) - وجاء فى الحكم الثانى : إذا كان الأصل فى اليمين الحاسمة إلا توجه إلا لنفس الخصم عن واقعة متعلقة بشخصه ، إلا أن هذا لا يمنع من توجيه اليمين للورثة على أن تكون صيغتها قاصرة على علمهم أو عدم علمهم بمديونية مورثهم لحين وفاته  . وهذا العلم أو عدم العلم بالمديونية مسألة شخصية بالنسبة للوارث ، فقد يكون الدين صحيحاً ومع ذلك لا يعلم به الوارث فيحلف صادقاً بعدم العلم  . وليست هذه اليمين يمين استيثاق ، بل هى حاسمة يلتزم من وجهها بنتيجة توجيهها ( 10 مارس سنة 1949 المحاماة 29 رقم 302 ص 625 )  . انظر أيضاً : بنى سويف الجزئية 29 نوفمبر سنة 1931 المجموعة الرسمية 32 رقم 10 ص 200  .

ويمين عدم العلم – ككل يمين حاسمة - لا يجوز أن توجه إلى قاصر ولا يملك وصية الحف عنه  . وقد قضت محكمة استئناف أسيوط ، فى هذا المعنى ، بأنه إذا وجعت اليمين الحاسمة ثم توفى من وجهها ، فرد الموجه إليه تلك اليمين على الورثة ومنهم البلغ والقصر ، فيعتبر أنه قد ارتضى هذه اليمين من البلغ دون القصر ، لأنه لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة للقصر لعدم أهليتهم ، ولا يملك وصيهم الحلف عنهم  . واليمين الحاسمة التى يوجهها الخصم إلى خصمه فى الدعوى إنما يوجهها عند عجزه عن الإثبات ، فإذا كان من وجهت إليه اليمين قاصراً بقيت حالة العجز عن الإثبات كما هى ، فلا يصح أن يلزم القاصر بشئ إذ لا يمكن اعتباره ناكلاً ( 16 مايو سنة 1935 المجموعة الرسمية 36 رقم 9 ص 215 )  .

( [981] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 550 من المشروع التمهيدى على الوجه الذى استقر عليه فى التقنين الجديد  . وأقرته لجنة المراجعة تحت رقم 425 ، ثم مجلس النواب ، ثم لجنة مجلس الشيوخ تحت رقم 412 ، ثم مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 453 - ص 454 )  .

( [982] ) الموجز للمؤلف ص 690 - ص 691  .

( [983] ) التقنينات المدنية العربية الأخرىقانون البينات السورى م 166 فقرة 2 : مطابقة لنص التقنين المصرى  .

التقنين المدنى العراقى م 476 : مطابقة لنص التقنين المصرى  .

تقنين اصول المحاكمات المدنية اللبنانين م 235 ك إن الفريق الذي كلف خصمه حلف اليمين او ردها عليه لا يجوز له الرجوع إذا صرح الخصم باستعداده لحلف اليمين  . ( وهذا النص يطابق في الحكم نص التقنين المصري )  .

التقنين المدني للمملكة الليبية المتحدة م 401 : مطابقة لنص التقنين المصري  .

([984]) التقنين المدني الفرنسي م 1364 : الخصم الذي وجه اليمين أو ردها لا يجوز له أن يرجع في ذلك متى أعلن خصمه أنه مستعد لحلف هذه اليمين  .

Art . 1364 ; La partie qui a defere ou refere le serment, ne peut plus se retracter lorsque l'adversaire a declare qu'il est prêt a faire ce serment .

( [985] ) استئناف مختلط 26 مارس سنة 1914 م 26 ص 298  .

( [986] ) وهذا ما جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد : " استقى نص هذه المادة من التقنين الفرنسى ( م 1364 ) والتقنين الإيطالى ( م 1372 ) والتقنين الهولندى ( م 1972 ) والتقنين البرتغالى ( م 2528 )  . وليس هذا النص سوى نتيجة لطبيعة اليمين من الناحية القانونية  . فاليمين ، كما تقدم ، نظام استلهمت فيه مقتضيات العدالة ، وهو يبيح لمن يعوزه الدليل أن يركن إلى ذمة خصمه  .  .  . ويبيح لمن توجه إليه أن يردها بدلاً من أدائها أو النكول عنها  . ويقابل كلا من هين الحقين التزام الطرف الآخر بالاستجابة لتلك الدعوة ، وإلا كان هذا الحق خلواً من الفائدة  . ويتفرع على ذلك أنه إذا احتكم شخص إلى ذمة خصمه ، فليس له أن يعدل فى موقفه إذا استجاب الآخر لهذا الاحتكام بالإعراب عن استعداده لأداء اليمين أو ردها ، لأن النزاع فى هذه الحالة ينتقل من نطاق القانون إلى نطاق العدالة  . ويتضح من ذلك أن الأمر لا يمكن أن يتعلق بتعاقد أو صلح تؤسس عليه اليمين ، لأن مجرد توجيه اليمين إلى أحد الخصوم لا يترك له حرية رفضها  . بل القانون يفرض على توجه إليه التزاماً تخييرياً بأدائها أو النكول عنها أو بردها ، متى قضى بقبولها " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 453 - ص 454 )  .

فالمذكرة الإيضاحية تذكر أولاً أنه ليس لمن وجه اليمين ، وقد احتكم إلى ذمة خصمه ، أن يعدل فى موقفه إذا استجاب الخصم لهذا الاحتكام بالإعراب عن استعداده لأداء اليمين أو ردها  . وهذا صريح فى أن الخصم الذى وجه اليمين لا يمتنع عليه حق الرجوع إلا من وقت قبول خصمه للحلف أو الرد  . ولكن المذكرة تعود ثانياً إلى القول بأن مجرد توجيه اليمين إلى أحد الخصوم لا يترك له حرية رفضها  . فقبول هذا الخصم ليس إذن ضرورياً  . ففيم إذن جعلنا هذا القبول هو الذى يمنع من الرجوع فى توجيه اليمين! وهما يكن من أمر ، فالأفضل أن يعتبر ، كما قدمنا ، قبول الخصم الذى وجعت إليه اليمين بمثابة قبول المنتفع فى الاشتراط لمصلحة الغير يمنع رجوع المشترط عن اشتراطه ، وإن كان المنتفع حراً فى القبول أو الرفض وليس الخصم الذى وجهت إليه اليمين حراً فى قبول هذا التوجيه أو رفضه  . ( قارن الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 215 - ص 216 )  .

( [987] ) أوبرى ورو 12 فقرة 753 ص 149 وهامش رقم 40 - ويقول بلانيول وريبير وجابولد أن قبول الخصم الذى وجهت إليه اليمين يعتبر قبولاً لإيجاب ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1577 ص 1051 )  . وانظر فى هذا المعنى وفى أن هناك عقداً قضائياً ( contrat judiciaire ) يتولد من اقتران هذا الإيجاب بالقبول : استئناف مختلط 5 مارس سنة 1890 م 2 ص 217 - 28 مارس سنة 1894 م 6 ص 265  .

( [988] ) ولا يعتبر قبولاً أن يرضى بالحلف على بعض الوقائع دون بعض ( استئناف مختلط 4 مارس سنة 1931 م 43 ص 264 )  .

( [989] ) استئناف مختلط 14 يناير سنة 1930 م 42 ص 190  .

( [990] ) استئناف أهلى 16 يونيه سنة 1914 المجموعة الرسمية 16 رقم 24  . وامتنع عليه كذلك أن يطلب تعديل اليمين ( استئناف مختلط 19 مايو سنة 1920 م 32 ص 321 )  .

( [991] ) أوبرى ورو 12 فقرة 753 ص 149 - كذلك إذا صدر إقرار من الخصم الذى وجهت إليه اليمين فهذا أقولى من النول ، ولم يعد لليمين محل وجاز الرجوع فيها ( استئناف مختلط 5 مارس سنة 1947 م 59 ص 136 )  .

( [992] ) كفر صقر 8 يوليه 1917 المجموعة الرسمية 19 رقم 21  .

( [993] ) أبورى ورو 12 فقرة 753 ص 149 - نقض فرنسى 3 مايو سنة 1876 سيريه 76 - 1 - 216  .

( [994] ) أوبرى ورو 12 فقرة 753 ص 149 - ص 150 وهامش رقم 40 - الموجز للمؤلف ص 691 - عكس ذلك ديرانتون 13 فقرة 579 - لارومبيير م 1364 فقرة 3  .

( [995] ) ويبدو أنه لا يوجد ما يمنع الخصم ، بعد أن رجع فى رد اليمين ، أن يعود ثانية إلى ردها ، وذلك قياساً على أن من يرجع فى توجيه اليمين يستطيع أن يعود ثانية إلى توجيهها  . هذا ما لم يكن قد فهم ضمناً من رجوعه فى رد اليمين أنه عدل نهائياً عن ردها ، فعندئذ يتعين عليه أن يحلف وإلا عد ناكلاً  .

( [996] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الحكم الذى يوجه اليمين يجب أن يقضى بقبول أو رفض الدعوى فى حالة الحلف أو عدم الحلف ، فهو حكم معلق على شرط فى كل من الشقين ( 17 ديسمبر سنة 1930 م 43 ص 90 - 6 فبراير سنة 1936 م 48 ص 113 )  .

( [997] ) ولا يجوز التحليف بصيغة الطلاق ، فإن الحلف بهذه الصيغة يتعدى أثره إلى الزوجة والأولاد  . وقد قضت محكمة طنطا الكلية بأن توجيه اليمين بصيغة الطلاق يخالف القانون ، وذلك لأن قانون المرافعات لم يسمح للخصم الذى يكلف خصمه باليمين إلا أن يقدم صيغة الواقعة التى يريد الاستحلاف عليها ، وقد جرى العرف فى القضاء الأهلى بأن تكون اليمين بصيغة " أقسم أو أحلف بالله العظيم " ، وحكمة هذا هو الشعور بجلال المحلوف به وبرهبته وخشية العقاب  . واليمين بصيغة الطلاق ليس فيها شئ من حكمة اليمين ، ويتعدى أثرها إلى الغير ( الزوجة والأولاد ) ، فى أضعف من اليمين بالله قوة ، وهى تضر الغير إذا كان الحالف حانثاً ( 10 سبتمبر سنة 1919 المحاماة 1 رقم 31 ص 196 )  .

( [998] ) كذلك يجوز للخصم الذى وجه اليمين أن يطلب من خصمه أن يضع يده على ما يعتبر فى دينه الكتاب المقدس ، إمعاناً فى إشعاره بجلالة الموقف وبخطر اليمين  . وقد قضت محكمة بنى سويف الجزئية بأنه لا مانع يمنع الخصم عند توجيه اليمين الحاسمة لخصمه من أن يطلب منه أن يضع يده على المصحف أو الإنجيل أو التوراة وقت الحلف ، فإذا قبل الخصم حلف اليمين ورفض وضع يديه على الكتاب عد ناكلاً عن اليمين ( 30 نوفمبر سنة 1920 المحاماة 1 رقم 100 ص 490 )  . ومع ذلك فقد قضت محكمة الإسكندرية الكلية بأن وضع اليد على مصحف خاص معروف بالبتوكية ، وعليه فمن يرفض حلف اليمين على هذه الصورة لا يعد ناكلاً عن اليمين ، ( 14 يونيه سنة 1921 المحاماة 2 رقم 71 ص 227 - قارن محكمة النقض الفرنسية فى قضايا الحالف فيها مسلم من الجزائر : 6 نوفمبر سنة 1934 داللوز الأسبوعى 1934 - 585 - 4 مايو سنة 1936 - داللوز الأسبوعى 1936 332 - 20 أكتوبر سنة 1940 سيريه فهرست 1940 لفظ الجزائر Algerie فقرة 3 - أنسيكلوبيدى داللوز فى القانون المدنى 4 Preuve فقرة 1061 )  .

وكان تقنين المرافعات المختلط ( م 190 ) يوجب رفع اليد اليمنى عند القسم  . أما التقنين الوطنى فلم يكن يوجب ذلك ، وجرى العمل فى المحاكم الوطنية على أن يقسم الحالف " بالله العظيم "  .

وقد رأينا أنه إذا كان دين من يحلف يفرض عليه ألا يقسم باسم الله ، بل يقتصر على التأكيد باسم الذمة والضمير ، جاز له أن يكتفى بذلك ما دام مثل هذا التأكيد يعتبر يميناً فى دينه  . ولكن لا يلزم الخصم باتباع أوضاع دينه فى الحلف إذا عرض أن يحلف وفقاً للأوضاع المدنية  . ( انظر أنسيكلوبيدى داللوز فى القانون المدنى 4 لفظ Preuve فقرة 1062 وفقرة 1065 )  .

أما كيفية الحلف فى الفقه الإسلامى فقد جاء فى شأنه فى البدائع ما يأتى : " وقال مشايخنا ينظر إلى حال الحالف ، إن كان ممن لا يخاف منه الاجتراء على الله تعالى باليمين الكاذبة ، يكتفى فيه بالله عز وجل من غير تغليط  . وإن كان ممن يحلف ذلك تغلظ ، لأن من العوام من لا يبالى عن الحلف بالله عز وجل كاذباً فإذا غلظ عليه اليمين يمتنع  . وقال بعضهم إن كان المال المدعى يسيراً يكتفى فيه بالله عز وجل ، وإن كان كثيراً يغلظ  . وصفة التغليظ أن يقول : والله الذى لا إله إلا الله هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذى يعلم من السر ما يعلم من العلانية ، ونحو ذلك مما يعد تغليظاً فى اليمين  . وإن كان الحالف كافراً ، فإنه يحلف كافراً ، فإنه يحلف بالله عز وجل أيضاً ، ذمياً كان أو مشركاً ، لأن المشركين لا ينكروه الصانع ، قال الله تبارك وتعالى جل شأنه : " ولئن سألتم من خلق السموات والأرض ليقولن الله " ، فيعظمون اسم الله تعالى عز شأنه ويعتقدون حرمة الإله  .  .  . وإن رأى القاضى ما يكون تغليظاً فى دينه فعل ، لما روينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غلظ على ابن صوريا ، دل أن كل ذلك سائغ ، فيغلظ على اليهودى بلله تعالى عز وجل الذى أنزل التوراة على سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام ، وعلى النصرانى بالله الذى أنزل الإنجيل على سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام ، وعلى المجوسى الله الذى خلق النار  .  .  . وكذلك لا يجب تغليط اليمين على المسلم بزمان ولا مكان عندنا  . وقال الشافعى رحمه الله : إن كان بالمدينة يحلف عند المنبر ، وإن كان بمكة يحلف عند الميزاب ، ويحلف بعد العصر  . والصحيح قولنا ، لما روينا من الحديث المشهور وهو قوله عليه الصلاة والسلام : البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه  . مطلقاً عن الزمان والمكان  . وروى أنه اختصم زيد بن ثابت وابن مطيع فى دار إلى مروان بن الحكم ، فضى على زيد بن ثابت باليمين عند المنبر ، فقال له زيد أحلف له مكانى ، فقال له مروان لا والله إلا عند مقاطع الحقوق ، فجعل زيد يحلف إن حقه لحق وأبى أن يحلف عند المنبر ، فجعل مروان يعجب من ذلك ، ولو كان ذلك لازماً لما احتمل أن يأباه زيد بن ثابت  . ولأن تخصيص التحليف بمكان وزمان تعظيم غير اسم الله تبارك وتعالى ، وفيه معنى الإشراك فى التعظيم "  . ( البدائع 6 ص 227 - ص 228 )  . وجاء فى البحر الرائق فى صدد الحليف بالطلاق ما يأتى : " وفى الحانية وإن أرد المدعى تحليفه بالطلاق والعتاق فى ظاهر الرواية لا يجيبه القاضى إلى ذلك ، لأن التحليف بالطلاق والعتاق حرام ، ومنهم ن جوزه فى زماننا ، والصحيح ما فى ظاهر الرواية اهـ  . وفى كتاب الحظر والإباحة من التتارخانية والفتوى على عدم التحليف بالطلاق والعتاق اهـ  . وفى منية المفتى لم يحزه أكثر مشايخنا ، وإن مست إليه الضرورة يفتى أن الرأى فيه للقاضى اتباعاً للبعض اهـ  . وفى خزانة المفتين كما فى منية المفتى ، وزاد فلو حلفه القاضى بالطلاق فنكل ، وقضى بالمال ، لا ينفذ قضاؤه على قول الأكثر "  . ( البحر الرائق 7 ص 213 )  .

( [999] ) ونصت المادة 474 من التقنين المدنى العراقى على أنه " إذا اجتمعت طلبات مختلفة فى دعوى واحدة ، يكفى فيها يمين واحدة ، ولا يلزم التحليف لكل منها على حدة " ( انظر أيضاً المادة 115 من قانون البينات السورى )  . وهذا أحكام تسرى فى القانون المصرى دون نص ، لأنها تتفق مع القواعد العامة  .

( [1000] ) ويجب أداء اليمين بنفس الصيغة التى طلبت بها ، وكل تعديل فى هذه الصيغة يمكن اعتباره نكولاً ، وعلى ذلك إذا طلب من الخصم اليمين على أنه دفع مائة وعشرين ، ولكنه عند أدائها حلف بأنه دفع خمسة وسبعين فقط ، اعتبر هذا التعديل نكولاً عن اليمين ( الأقصر 25 مارس سنة 1907 المجموعة الرسمية 8 رقم 71 )  . كذلك لا يجوز التحفظ فى الحلف ، كأن يضيف الحالف عبارة تفيد أنه يقرر الواقع بقدر ما تعيه ذاكرته أو بقدر ما يعلم ( استئناف مختلط 16 يونيه سنة 1915 م 27 ص 405 - أوبرى ورو 12 فقرة 753 ص 151 وهامش رقم 44 )  . ولا يجوز الامتناع عن الحلف حتى لو دفع من وجهت غليه اليمين بعدم اختصاص المحكمة ، فما عليه إلا أن يستأنف حكم الاختصاص حتى لا يعتبر حلفه بعد ذلك رضاء ضمنياً باختصاص المحكمة ( استئناف مختلط 6 يونيه سنة 1917 م 29 ص 485 )  . ولا يمنع حلف اليمين حالفها من أن يستأنف الحكم بتوجهها ( استئناف مختلط 25 فبراير سنة 1930 م 42 ص 318 )  .

( [1001] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 511 من المشروع التمهيدى على الوجه الذى استقر عليه فى التقنين الجديد ، فيما عدا تحويراً لفظياً  . وزال كل فرق لفظى فى لجنة المراجعة ، وأصبح رقم المادة 426 من المشروع النهائى  . ووافق عليها مجلس النواب ، فلجنة مجلس الشيوخ تحت رقم 413 ، فمجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 455 وص 457 )  .

( [1002] ) وكانت المادة 225 / 290 من التقنين المدنى السابق تجرى على الوجه الآتى : " التكليف باليمين يؤخذ منه أن طالبها ترك حقه فيما عداها من جميع أوجه الثبوت "  .

( [1003] ) التقننيات المدنية العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 120 : " 1 - توجيه اليمين يتضمن التنازل عما عداها من البينات بالنسبة إلى الواقعة التى ترد عليها ، فلا يجوز للخصم أن يثبت كذب اليمين بعد أن يؤديها الخصم الذى وجهت إليه أو ردت عليه  . 2 - على أنه إذا ثبت كذب اليمين بحكم جزائى ، فإن للخصم الذى أصابه ضرر منها أن يطالب بالتعويض ، دون إخلال بما قد يكون له من حق فى الطعن على الحكم الذى صد ضده بسبب اليمين الكاذبة "  . وهذا النص يتفق فى أحكامه مع التقنين المصرى  .

التقنين المدى العراقى م 481 : تكاد تكون مطابقة لنص التقنين المصرى ، وهى مطابقة فى الحكم  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 234 : إذا حلف الفريق الذى كلف اليمين أو الذى ردت عليه ، فلا تقبل من خصمه إقامة البرهان على كذب يمينه  . على أنه إذا ثبت كذب اليمين بمقتضى قرار جزائى ، حق للفريق المتضرر أن يطالب ببدل العطل والضرر ، وهذا لا يحول دون الطعن فى الحكم بطرق المراجعة القانونية الممكنة  . ( وهذا النص يطابق فى حكمه نص التقنين المصرى )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 402 : مطابقة لنص التقنين المصرى  .

( [1004] ) التقنين المدنى الفرنسى م 1363 : إذا أديت اليمين الموجهة أو المردودة ، فلا يقبل من الخصم الآخر أن يثبت كذب هذه اليمين  .

Art  . 1363 : Lorsque le serment defere ou refere a ete fait, l'adversaire n'est point receivable a en prouver la faussete  .

( [1005] ) ولكن هذا لا يمنع من الطعن فى الحكم الذى صدر بالتحليف بوجوه تتعلق بصحة توجيه اليمين وبصحة الحلف وبغير ذلك مما يتعلق باليمين ذاتها وما يسرى عليها من أحكام  . مثل ذلك أن يتمسك بنقص أهليته وقت حلف اليمين أو بعيب من عيوب الإرادة  . وفى هذه الأحوال يلغى الحكم بتوجيه اليمين ، ويترتب على ذلك بطلان الحلف ( الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 220 هامش رقم 1 )  .

( [1006] ) وفى الفقه الإسلامى لا تجوز البينة بعد حلف اليمين إلا لعذر على قول خليل فى المذهب المالكى  . جاء فى الشرح الكبير للدردير على مختصر خليل : " وإن أنكر المدعى عليه أى أجاب بالإنكار ، قال القاضى للمدعى ألك بينة ، فإن قال نعم أمره بإحضارها وأعذر للمدعى عليه فيها كما يأتى  . فإن نفاها بأن قال لا بينة لى ، واستحلفه أى طلب المدعى تحليفه ، وحلفن فلا بينة تقبل للمدعى بعد ذلك ، إلا لعذر كنسيان حين تحليفه خصمه وحلف أنه نسيها ، وأدخلت الكاف عدم علمه بها ثم علم ، كذا إذا ظن أنها لا تشهد له ، أو أنها ماتت ، فله القيام بها إن حلف على ذلك  . فلو شرط المدعى عليه على المدعى عدم القيام ببينة يدعى نسيانها أو عدم علمه بها وفى له بشرطه "  . ( حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 4 ص 146 )  . ولكن جمهور الفقهاء على أن البينة تجوز بعد حلف اليمين ، وقد جاء فى البدائع فى هذا المعنى : " وأما حكم أدائه فهو انقطاع الخصومة للحال لا مطلقاٌ ، بل مؤقتاً إلى غاية إحضار البينة عند عامة العلماء  . وقال بعضهم حكمه انقطاع الخصومة على الإطلاق ، حتى لو أقام المدعى البينة بعد يمين المدعى عليه قبلت بينته عند العامة ، وعند بعضهم لا تقبل لأنه لو أقام البينة لا تبقى له ولاية الاستحلاف فكذا إذا استحلف لا يبقى له ولاية إقامة البينة والجامع أن حقه فى أحدهما فلا يملك الجمع بينهما  . والصحيح قول العامة ، لأن البينة هى الأصل فى الحجة لأنها كلام الأجنبى ، فأما اليمين فكالخلف عن البينة لأنها كلام الخصم صير إليها للضرورة ، فإذا جاء الأصل انتهى حكم الخلف فكأنه لم يوجد أصلاً "  . ( البدائع 6 ص 229 )  .

ويستخلص من ذلك ، كما يقول الأستاذ أحمد إبراهيم ، أن اليمين فى الفقه الإسلامى كالإقرار " ليست طريقاً للقضاء ، لأن المنكر إذا حلف وعجز المدعى عن البينة ، يترك المدعى فى يديه لعدم قدرة المدعى على إثباته ، لا قضاء بيمينه  . ولذا لو جاء المدعى بعد ذلك بالبينة يقضى له بها ولو كان ترك المال فى يد قضاء له به لم ينقض "  . ( طرق القضاء فى الشريعة الإسلامية ص 7 )  .

( [1007] ) وقد قدمنا أن المادة 166 / 187 من تقنين المرافعات القديم كانت أيضاً تنص على أنه : " لا يكون التحليف من باب الاحتياط باليمين الحاسمة ، لأن التكليف بتلك اليمين يفيد ترك ما عداها من أوجه الثبوت للمادة المراد الاستحلاف عليها "  .

( [1008] ) وقد كان هذا هو الرأى السائد فى الفقه والقضاء فى عهد التقنين المدنى السابق : الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الأدلة 2 ص 41 - ص 43 - الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات جزء 2 فقرة 557 - دى هلتس 4 ص 178 فقرة 43 - الأستاذ أحمد أمين فى شرح قانون العقوبات ص 515  . وقد قضت دائرة النقض الجنائية بأن الخصم الذى يوجه إلى خصمه اليمين الحاسمة فى دعوى مدنية يعتبر أنه تنازل عن كل حقوقه إذا حلف خصمه اليمين ، سواء أكان كاذباً أم صادقاً ، ولا يجوز حينئذ لمن وجه اليمين أن يرفع مباشرة دعوى اليمين الكاذبة على خصمه ، والنيابة التى لها وحدها الحق فى رفع الدعوى فى هذه الحالة لا يمكنها أن تبدى طلبات البتة فى الدعوى المرفوعة مباشرة بغير حق ، وإنما لها فقط أن ترفع دعوى خاصة ( 13 أبريل سنة 1912 المجموعة الرسمية 13 رقم 69 )  . وقضت أيضاً بأنه إذا وجه أحد الخصوم اليمين الحاسمة إلى خصمه فحلفها حانثاً فيها ، ثم رفعت النيابة الدعوى العمومية على الحالف ، فليس لمن وجه اليمين أن يعيد دعواه المدنية بأى حال من الأحوال ، ولو من طريق المطالبة بتعويض كمدع بحق مدنى ( 6 نوفمبر سنة 1924 المجموعة الرسمية 27 رقم 26 ) - انظر أيضاً : نقض جنائى 3 مايو سنة 1949 المحاماة 30 رقم 144 ص 115 - استئناف أهلى 2 مايو سنة 1903 الحقوق 28 ص 212 - أسيوط استئنافى 28 يوليه سنة 1915 المجموعة الرسمية 17 رقم 54 - ملوى 30 مايو سنة 1905 المجموعة الرسمية 6 رقم 106 الأقصر 6 مارس سنة 1909 المجموعة الرسمية 11 رقم 9 - 16 مارس سنة 1916 المجموعة الرسمية 18 رقم 11 - قنا الجزئية 6 يوليه سنة 1918 المجموعة الرسمية 20 رقم 35 - 5 يوليه سنة 1920 المجموعة الرسمية 22 ص 155 - استئناف مختلط 30 مارس سنة 1916 م 28 ص 221 - 8 فبراير سنة 1940 م 52 ص 125 - انظر أيضاً فى الفقه الفرنسى : أوبرى ورو 12 فقرة 753 ص 153 - ص 154 ورده على ديرانتون ( وهو يقول برأى عكسى : ديرانتون 13 فقرة 600 )  . فى فقرة 753 هامش رقم 45  .

وقد كنا ، فى عهد التقنين المدنى السابق ، من المعترضين على هذا الرأى ، وكتبنا فى الموجز فى هذا الصدد ما يأتى : " على أنه من السهل أن يؤخذ على هذا الرأى أنه يخلط بين حق المدعى الأصلى الذى تنازل عنه فلا يجوز أن يعود إلى المطالبة به ، وبين حق المدعى فى التعويض عن جريمة ارتكبها خصمه بحلفه كذباً ، وهذا حق له مصدر مستقل عن مصدر الحق الأصلى ولم يتنازل عنه المدعى حتى يمتنع من المطالبة به " ( الموجز فقرة 665 ص 693 )  . وقال أيضاً فتحى زغلول فى شرح القانون المدنى ( ص 421 ) : " وعلى ذلك يجوز الطعن على الحالف بأنه حلف كذباً ، فإذا ثبت عليه كذبه ، عوقب ، ولزمه الحق الذى حلف على إنكاره على سبيل التعويض "  . وقضى بهذا الرأى حكم صدر من محكمة أسيوط الكلية يقرر أنه يجوز لمن وجه اليمين الحاسمة لخصمه أن يثبت كذبها بدخوله مدعياً بحق مدنى فى دعوى اليمين الكاذبة التى تقيمها النيابة العامة على من أداها ( 28 يونيه سنة 1915 المجموعة الرسمية 18 ص 87 )  .

( [1009] ) " وهذا الحكم – كما تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى – ليس إلا نتيجة لازمة لضرورة الترخيص بتوجيه اليمين من القاضى  . وليس الإثبات باليمين من طرق الإثبات العادية ، بل هو طريق اضطرارى تملى العدالة وجوب الركون إليه ، ويخول من يعوزه الدليل المقرر وسيلة لإثبات ادعائه  . والواقع أن اليمين تنصب على ادعاء الخصم ، وهو إنكار ادعاء من يوجه اليمين ، وذلك بسبب صيغتها الشخصية  . ولإثبات كذب اليمين يتعين على من وجهها أن يقيم الدليل بالطرق المقررة على ادعائه ، والمفروض أنها لا تقبل إلا عند انتفاء كل دليل مقرر " ص ( مجموعة الأعمال التحضيرية 4553 - ص 456 )  .

( [1010] ) انظر فى هذا المعنى الأستاذ على زكى العرابى فى الإجراءات الجنائية جزء أول فقرة 243 ( وإن كان يورد قضاء صدر فى عهد التقنين المدنى السابق ) - وانظر محكمة الزقازيق 10 نوفمبر سنة 1952 المحاماة 34 رقم 44 ص 56  . على أن عبارة المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى قد يفهم منها عكس هذا الرأى ، وأنها تؤيد جواز " المطالبة بالتعويض فى خلال دعوى جنائية بشأن كذب اليمين " ، وكذلك " جواز ادعاء المضرور مدنياً فى حالة اليمين الكاذبة " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 456 - وانظر النص الفرنسى للمذكرة الإيضاحية جزء 2 ص 722 )  . ويمكن القول ، لتوجيه هذا الرأى ، أن النص يجيز للخصم أن يطالب بالتعويض عند ثبوت كذب اليمين بحكم جنائى : فعلى أية صورة تكون المطالبة بالتعويض – دعوى مدنية مستقلة أو ادعاء مدنى فى خلال دعوى جنائية أو دعوى جنحة مباشرة – تكون الدعوى مقبولة بشرط أن يثبت كذب اليمين بحكم جنائى ، ولا يحكم بالتعويض فيه إلا عند تحقق هذا الثبوت  .

( [1011] ) والشق الثنى من المادة 413 من التقنين المدنى – وهو القاضى بأنه إذا ثبت كذب اليمين بحكم جنائى فإن للخصم الذى أصبه اضرر منها أن يطالبه بالتعويض دون إخلال بما قد يكون له من حق فى الطعن على الحكم الذى صدر ضده – مأخوذ من المشروع الفرنسى الإيطالى ( م 316 - وانظر أيضاً التقنين المدنى البرتغالى م 2527 فقرة 2 )  . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى خصوص هذا الشق الثانى ما يأتى : : " أما الشق الثانى فهو نتيجة لطبيعة اليمين ، لأنها ليست تعاقداً أو صلحاً ، بل نظاماً من نظم العدالة  . وقد استقر الفقه والقضاء على اعتبار اليمين الحاسمة صلحاً ، وفرعاً على عدم شل الآثار التى تترتب على توجيهها وأدائها من طرق الادعاء مدنياً والمطالبة بتعويض فى خلال دعوى جنائية بشأن كذب اليمين ، أو من طريق الطعن فى الحكم بالطرق المقررة لهذا الغرض  . ولما كانت اليمين ليست من التعاقد أو الصلح فى شئ فيجب عدم إقرار النتائج التى تقدمت الإشارة إليها  . ولذلك نص فى الشق الثانى  .  .  . وهو مطابق للمادة 316 من المشروع الفرنسى الإيطالى ، على جواز ادعاء المضرور مدنياً فى حالة اليمين الكاذبة دون إخلال بما قد يكون من الحق فى الطعن فى الحكم  . ويراعى أن الضرر الحادث من جراء رفض الدعوى ليس سببه توجيه اليمين ، كما ذهب إلى ذلك بعض البارزين من الفقهاء ( بارتان على أوبرى ورو ) ما دام أن من وجه اليمين قد استعمل حقاً أثبته له القانون  . بيد أنه لا يجوز لمن وجه اليمين طبقاً للشق الأول أن يقيم نفسه مدعياً بالحق المدنى وأن يطالب بالتعويضات من حلف أو أن يستعمل طرق الطعن فى الحكم المدنى إذا ثبت كذب اليمين بمقتضى حكم جنائى إلا فى حالة ما إذا ثبت كذب اليمين بكشف أوراق أو ضبط مستندات كانت فى حيازة المتهم وحده أى فى حيازة من أدى اليمين  . أما فيما يتعلق بطرق الطعن فى الحكم ، فإثبات كذب اليمين التى ثبت بمقتضاها ادعاء من وجهها أوردها ميسور له مادامت المواعيد المقررة لم تنقض ، فله أن يطعن بالاستئناف أو بطريق الالتماس عند الاقتضاء " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 456 )  . والظاهر من عبارة المذكرة الإيضاحية أنه لا توجد إلا حالة واحدة يستطيع فيها من وجه اليمين أن يطالب بتعويض وأن يطعن فى الوقت ذاته فى الحكم المدنى ، وتلك الحالة فى حالة كشف أوراق أو ضبط مستندات كانت فى حيازة الخصم الذى أدى اليمين كذباً  . ولكن هذا يتعارض مع إطلاق النص وعدم تقييده بهذه الحالة وحدها ( انظر الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 2 فقرة 588 ص 20 ) - قارن فى هذه المسألة الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 140 ص 222 - ص 224  . وانظر بيدان وبرو 9 فقرة 1328  .

( [1012] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى الفقرة الثانية من المادة 548 من المشروع التمهيدى على الوجه الذى استقر به فى التقنين المدنى الجديد بتحوير لفظى طفيف  . وفى لجنة المراجعة أصبح النص مطابقاً لنص التقنين الجديد ، وأصبح رقم المادة 423 فى المشروع النهائى  . وأقره مجل النواب ، فلجنة الشيوخ تحت رقم 410 ، فمجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 443 ص 447 - ص 448 )  .

( [1013] ) كانت المادة 224 / 289 من التقنين المدنى السابق تجرى على الوجه الآتى : " يجوز لكل من الأخصام أن يكلف الآخر باليمين الحاسمة للنزاع ، وفى هذه الحالة يجوز للمطلوب منه اليمين أن يردها على الطالب "  . ولا فرق فى الحكم بين النصين الجديد والقديم  .

( [1014] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 116 فقرة أولى : يجوز لمن وجهت إليه اليمين أو يردها على خصمه  . على أنه لا يجوز الرد إذا انصبت اليمين على واقعة لا يشترك فيها الخصمان ، بل يستقل بها شخص من وجهت له اليمين  . ( والحكم واحد فى القانون السورى والتقنين المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى م 475 : مطابقة للنص المصرى  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 233 : لا يجوز رد اليمين على الخصم إذا كانت الواقعة المستحلف عليها لا تختص بالفريقين ، بل هى شخصية محضة للفريق الذى طلبت منه اليمين  . ( والحكم واحد فى التقنين اللبنانى والتقنين المصرى )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 399 فقرة 2 : مطابقة للنص المصرى  .

( [1015] ) التقنين المدنى الفرنسى م 1362 : لا يجوز رد اليمين إذا كانت الواقعة المستحلف عليها لا تتعلق بالخصمين معاً ، بل كانت لا تتعلق إلا بشخص من وجهت إليه اليمين  .

Art  . 1362 : Le serment ne peut etre refere quand le fait qui en est l'objet n'est point celui des deux parties, mais est purement personnel a celui auquel le serment avait ete defer  .

( [1016] ) وقد ورد فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 454 ) خطأ أن الالتزام تخييرى  .

( [1017] ) أوبرى ورو 12 فقرة 753 ص 151  .

( [1018] ) الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 2 فقرة 463 - الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 218 هامش رقم 4 - استئناف مختلط 9 يناير سنة 1929 م 41 ص 156 - ويقال أيضاً فى تكييف هذا الوضع أن الطالب فى عرضه اليمين لا يعتبر أنه تنازل فحسب عن جميع أوجه الإثبات الأخرى التى كان يمكنه أن يدلى بها ، بل تنازل أيضاً عن مدعاه إذا حلف خصمه  . وتنازله هذا معلق على شرط  . وعلى ذلك إذا مات المطلوب تحليفه قبل الحلف تخلف الشرط ، وعاد حق طالب اليمين إليه ، أى تنظر الدعوى بالحالة التى هى عليها  . وما على طالب اليمين إلا أن يقدم أدلة الإثبات الأخرى التى يكون قد تنازل عنها عند توجيهه اليمين ( بيدان وبرو 9 فقرة 1323 - بودرى وبارد 4 فقرة 2731 مكررة - الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الأدلة جزء 2 ص 8 )  .

( [1019] ) هذا إلا إذا حلف الأب على مجرد عدم العلم بأن ابنه تزوج  . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذه المسألة ما يأتى : " والواقع أن اليمين التى توجه من أحد الخصم تنصب على ادعاء الخصم الآخر ، ويقضى المنطق بعدم جواز الاستحلاف على صحة واقعة إلا إذا كانت متعلقة بشخص الحالف  . فإذا لم يكن الخصمان مشتركين فى الواقعة ، بل كانت يستقل بها من وجهت إليه اليمين فحسب ، فلا يجوز لهذا الأخير أن يرد هذه اليمين على خصمه  . ذلك أن اليمين تكون غير جائزة القبول فى هذه الحالة ، لتعلقها بواقعة ليست خاصة بشخص من يطلب استحلافه " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 445 )  .

( [1020] ) محكمة جرجا فى 12 يناير سنة 1929 المحاماة 9 رقم 256 ص 449  .

وفى الفقه الإسلامى خلاف فى جواز رد اليمين : الحنفية لا يجيزون الرد ، والمالكية والشافعية يوجبونه إذا نكل المدعى ، وابن تيمية لا يجيز الرد إلا فيما يقع تحت علم المدعى ( طرق القضاء للأستاذ أحمد إبراهيم ص 263 - ص 269 )  . وجاء فى البدائع ، فى الخلاف ما بين الحنفية والشافعية فى هذه المسألة ، ما يأتى : " فإن نكل عن اليمين بعد العرض عليه ثلاثاً فإن القاضى يقضى عليه عندنا ، وعند الشافعى رحمه الله لا يقضى بالنكول ولكن يرد اليمين إلى المدعى فيحلف فيأخذ حقه  . احتج الشافعى رحمه الله بقول النبى عليه الصلاة والسلام البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه ، جعل البينة حجة المدعى عليه ولم يذكر عليه الصلاة والسلام النكول ، فلو كان حجة المدعى لذكره  . والمعقول أنه يحتمل أنه نكل لكونه كاذباً فى الإنكار فاحترز عن اليمين الكاذبة ، ويحتمل أنه نكل مع كونه صادقاً فى الإنكار تورعاً عن اليمين الصادقة ، فلا يكون حجة القضاء مع الشك والاحتمال ، كن يرد اليمين إلى المدعى ليحلف فيقضى له ، لأنه ترجح جنبه الصدق فى دعواه بيمينه  .  .  . ولنا  .  .  . أنه ظهر صدق المدعى فى دعواه عند نكول المدعى عليه ، فيقضى له كما لو أقام البينة  . ودلالة الوصف أن المانع من ظهور الصدق فى خبره إنكار المدعى عليه ، وقد عارضه النكول  .  .  . فزال المانع للتعارض ، فظهر صدقه فى دعواه  . وقوله يحتمل أنه نكل تورعاً عن اليمين الصادقة ، قلنا هذا احتمال نادر ، لأن اليمين الصادقة مشروعة ، فالظاهر أن الإنسان لا يرضى بفوات حقه تحرزاً عن مباشرة أمر مشروع ، ومثل هذا الاحتمال ساقط الاعتبار شرعاً  . ألا ترى أن البينة حجة القضاء بالإجماع وإن كانت محتملة فى الجملة ، لأنها خبر من ليس بمعصوم عن الكذب ، لكن لما كان الظاهر هو النص أن الرد فى الفقه الإسلامى لا يكون بناء على طلب من وجهت إليه اليمين ، بل إن هذا ليس أمامه إلا أن يحلف أو ينكل ، فإن نكل وجب على القاضى – عند غير الحنفية – أن يرد اليمين على المدعى  .

([1021])         الموجز للمؤلف ص 693 – ص 694  .

([1022])         تاريخ النص : ورد هذا النصف في المادة 552 من المشروع التمهيدي على الوجه الذي استقر به في التقنين المدني الجديد  . وأقرته لجنة المراجعة تحت رقم المادة 427 في المشروع النهائي  . ثم وافق عليه مجلس النواب ، فلجنة مجلس الشيوخ تحت رقم 414 ، فمجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 458 – ص 459 )  .

([1023])         التقنينات المدنية العربية الأخرى : قانون البيانات السوري م 119 : مطابقة لنص التقنين المصري  .

التقنين المدني العراقي م 480 : تكاد تكون مطابقة لنص التقنين المصري ، وهي مطابقة في الحكم  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبناني م 232 : من كلف حلف اليمين وتمنع عنها أو عن ردها على خصمه ، أو ردت عليه اليمين وتمنع عنها ، كان خاسراً في طلبه أو في دفعه  . ( والحكم واحد في التقنينين اللبناني والمصري )  .

التقنين المدني للمملكة الليبية المتحدة م 403 : مطابقة لنص التقنين المصري  .

( [1024] ) التقنين المدنى الفرنسى م 1361 : من وجهت إليه اليمين فنكل عنها دون أن يرضى بدرها على خصمه ، ومن ردت عليه اليمين فنكل عنها ، خسر دعواه أو دفعه  .

Art  . 1361 : Celui auquel le serment est defere, qui le refuse ou ne conset pas a le refere a son afversaire, ou l'adversaire a qui il a ete refere et qui le refuse, doit succomber dans sa demande ou dans son exception  .

( [1025] ) المادة 177 مرافعات : إذا لم ينازع من وجهت إليه اليمين لا فى جوازها ولا فى تعلقها بالدعوى ، وجب عليه إن كان حاضراً بنفسه أن يحلفها فوراً أو يردها على خصمه ، وإلا اعتبر ناكلاً  . ويجوز للمحكمة أن تعطيه ميعاداً للحلف إذا رأت لذلك وجهاً  . فإن لم يكن حاضراً وجب تكليفه على يد محضر بالحضور لحلفها بالصيغة التى أقرتها المحكمة وفى اليوم الذى حددته ، فإن حضر وامتنع دون أن ينازع ، أو تخلف بغير عذر ، اعتبر ناكلاً كذلك  .

المادة 178 مرافعات : إذا نازع من وجه إليه اليمين فى جوازها أو فى تعقها بالدعوى ، ورفضت المحكمة منازعته وحكمت بتحليفه ، بينت فى منطوق حكمها صدق اليمين ، ويعلن هذا المطوق للخصم إن لم يكن حاضراً بنفسه ، ويتبع ما نص عليه فى المادة السابقة  .

( [1026] ) وقد قضت محكمة النقض - فى عهد تقنين المرافعات السابق - بأن المادة 170 مرافعات ( 177 جديد ) تنص على أن " من يطلب التعجيل من الأخصام يعلن حكم اليمين لخصمه ، ويكلفه بالحضور لأدائه ، مع مراعاة الأصول والمواعيد المقررة للطلب أمام المحكمة "  . وفى مجيئ المادة بهذا ما يدل على أن أصل مراد الشارع بالمادة 169 التى قبلها ( 178 جديد ) هو أن المحكمة إذ حكمت بتحليف اليمين فهى تقتصر على مجرد الحكم بذلك مع بيان صيغة السؤال المراد التحليف عليه ، ثم تترك لمن يهمه من الأخصام أن يسعى فى تنفيذ هاذ الحكم بإعلانه لخصمه وتحديد الجلسة لذلك  . إما أن تحدد المحكمة من تلقاء نفسها ميعاداً لحلف اليمين أمامها ، أو أن تعتبر نطقها بالحكم إعلاناً للخصوم بالجلسة التى تحددها للحلف ، فهذا خارج عما هو مفهوم من مجموع المادتين ومن نظام الإجراءات التى يريد الشارع بحسب الأصل ابتاعه فى مسألة اليمين وفى تنفيذ هذا الحكم  . على أن ذلك ليس معناه أن المحكمة ممنوعة من أن تحدد من تلقاء نفسها جلسة لحلف اليمين ، أو أن تعتبر النطق بحكمها إعلاناً للخصوم ، وبحيث يمكنها عند عدم حضور من عليه اليمين فى الميعاد المحدد أن تعتبره ناكلاً  . كلا ، بل إن لها أن تحدد جلسة للحلف ، ولكن على شرط أن تكون بعيدة بعداً يمسح بإعلان حكمها للخصم فى محل إقامته الأصلى مع مراعاة مواعيد التكليف بالحضور ومواعيد المسافة ، وأن تتأكد المحكمة فى اليوم المحدد للحلف أن الإعلان قد حصل صحيحاً وروعيت فيه تلك المواعيد ، كما لها عند تحديد الجلسة أن تعتبر حكمها إعلاناً للخصوم ، وذلك فى صورة ما إذا كان ثباتاً بمحضر الجلسة أو بالحكم أن المكلف باليمين حاضر شخصياً وقت النطق به وفى هذه الحالة تكون الجلسة التى تحددها وتعلنها إليه فى حكمها مستوفية لميعاد التكليف بالحضور ، ما لم يقبل المكلف الحلف فى ميعاد أقصر ، ويكون قوله هذا مدوناً بمحضر الجلسة  . وإذن فإذا كانت المحكمة قد حكمت بالتحليف ، وحددت لذلك جلسة لميعاد أقصر من الميعاد القانونى المعتاد ، ثم هى من جهة أخرى اعتبرت النطق بالحكم إعلاناً للخصوم ، ولم يثبت بمحضر الجلسة ولا بالحكم أن المكلف باليمين كان حاضراً ولا أنه قبل تقصير الميعاد ، فقضاؤها بعد فى موضوع الدعوى على اعتبار أن الطاعن ممتنع عن اليمين وناكل عنه لمجرد عدم حضوره فى اليوم التالى هو قضاء مؤسس على إجراء مخالف للقانون ، ويتعين نقضه ( نقض مدنى 28 فبراير سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 233 ص 622 )  .

انظر أيضاً : استئناف مختلط 13 أبريل سنة 1898 م 10 ص 247 - 27 أبريل سنة 1898 م 10 ص 261 ( انتداب قاض التحليف اليمين لا يكون إلا عند وجود عذر دائم ، وللقاضى المنتدب سلطات المحكمة المنتدبة فى كل ما يتعلق بتحليف اليمين ) - 13 نوفمبر سنة 1889 م 2 ص 8 ( تحليف الوصية على واقعة شخصية ) - 21 فبراير سنة 1906 م 18 ص 125 ( إعلان صيغة اليمين ) - 26 يناير سنة 1926 م 38 ص 192 ( طلب تعديل صيغة اليمين لا يعتبر نوكلاً )  .

( [1027] ) الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 2 فقرة 565  .

( [1028] ) فإذا صدر على الخصم حكم غيابى بالنكول ، جاز له أن يعارض فيه ، وأن يبدى فى المعارضة العذر الشرعى الذى منعه من الحضور  . فإن قبلت المحكمة العذر ، ألغت الحكم المعارض فيه ، وحلف المعارض  .

( [1029] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 458 - ص 459 )  .

( [1030] ) استئناف مختلط 19 مايو سنة 1920 م 32 ص 321 - وقد ينكل الخصم فى بعض الوقائع المطلوب تحليفه عليها ويحلف على بعض ، فما نكل عنه يكون قد اعترف به ، وما حلف عليه ينحسم النزاع فيه ( استئناف مختلط 22 مايو سنة 1907 م 19 ص 272 ) - ويعتبر نكولاً تأخير الخصم المكلف بالحلف أداء اليمين من يوم إلى يوم بتأجيلات متعاقبة حتى تشطب الدعوى ، ثم يأتى بعد ثمانى سنوات يعرض أن يؤدى اليمين ( استئناف مختلط 4 يونيه سنة 1929 م 41 ص 430 )  . والخصم الذى امتنع فى محكمة أول درجة عن حلف اليمين الحاسمة للنزاع ، مع عدم المعارضة فى تعلق الواقعة المقصود الاستحلاف عليها بأصل الدعوى ، ولا فى جواز قبولها ، ولم يردها على خصمه ، لا يقبل منه فى محكمة الاستئناف العدول عن ذلك الامتناع ( قنا استئنافى 4 فبراير سنة 1903 المجموعة الرسمية 4 رقم 92 )  .

هذا وقد ينكل الخصم عن الحلف ، ولكنه يضيف إلى هذا النكول واقعة من شأنها أن تعطل من أثر هذا النكول  . مثل ذلك أن يوجه الخصم إلى خصمه اليمين أنه ما اقترض منه المبلغ المدعى به ، فينكل من وجهت إليه اليمين  . ولكنه يضيف أن دين القرض هذا قد انقضى بالتجديد  . فهنا يعتبر النكول إقراراً بواقعة القرض ، ولكنه إقرار مركب ، إذ أضيفت إليه واقعة أخرى لاصقة هى واقعة التجديد  . ويكون حكم النكول فى هذه الحالة هو حكم الإقرار المركب ، وهو هنا إقرار غير قابل للتجزئة كما رأينا فيما قدمناه عن عدم تجزئة الإقرار  . ويترتب على ذلك أن الخصم الذى وجه اليمين إما أن يطرح النكول بشقيه ويقوم بإثبات القرض بطريق آخر غير اليمين ، فعلى خصمه عندئذ يقع عبء إثبات وقوع التجديد ، وإما أن يستبقى الشق الأولى من النكول وهو الإقرار بالقرض على أن يثبت هو عدم وقوع التجديد ( انظر فى هذه المسألة بيدان وبرو 9 فقرة 1326 ص 424 )  .

( [1031] ) اعتبر أوب حنيفة النكول بذلاً – أى تركاً للمنازعة – وعند الصاحبين النكول إقرار  . جاء فى تكملة فتح القدير : " لهما – أى لأبى يوسف ومحمد رحمهما الله – أن النكول إقرار ، لأنه يدل على كونه كاذباً فى الإنكار  .  .  . إذ لولا ذلك لأقدم على اليين إقامة للواجب ودفعاً للضر عن نفسه ، وفيها تحصيل الثواب بإجراء اسم الله تعالى على لسانه تعظيماً له ، ودفع تهمة الكذب عن نفسه ، وإبقاء ماله على ملكه  . فلولا هو كاذب فى يمينه لما ترك هذه الفوائد الثلاث ، كذا فى العناية وغيرها  . فكان – أى النكول – إقراراً أو بدلاً عنه ، بفتح الدال ، أى خلفاً عن الإقرار ، يعنى أنه قائم مقام الإقرار  .  .  . ولأبى حنيفة أنه – أى النكول – بذل  . وتفسير البذل عنده ترك المنازعة والإعراض عنها ، لا الهبة والتملك  .  .  . وأما العلة المرجحة لكونه بذلاً على كونه إقراراً  .  .  . لو حملناه على الإقرار لكذبناه فى إنكاره السابق ، ولو جعلناه بذلاً لقطعنا الخصومة بلا تكذيب ، فكان هذا أولى ، صيانة للمسلم عن أن يظن به الكذب  .  .  . وقيل عليه إن الحكم واجب على الحاكم بالنكول ، والبذل لا يجب به الحكم عليه ، فلم يكن النكول بذلاً  . وأجيب عنه بأن الحكم لا يجب بالبذل الصريح ، وأما ما كان بذلاً بحكم الشرع كالنكول فلا نسلم أنه لا يجب به ، بل هو موجب له قطعاً للمنازعة "  . ( تكملة فتح القدير 6 ص 163 - ص 165 )  .

( [1032] ) الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الأدلة 2 ص 44 - ص 45 - ويستطيع الخصم أن يوجه اليمين إلى خصمه حتى لو انتقل الحق المدعى به من هذا الأخير إلى خلف له ، وبذلك يتيسر توجيه اليمين فى واقعة شخصية لمن توجه إليه ، وإذا نكل هذا ، وكان نكوله بعد انتقال الحق إلى الخلف ، لم يسر النكول فى حق الخلف ( أنسيكوبيدى داللوز فى القانون المدنى 4 Preuve فقرة 1125 )  .

( [1033] ) أما القاعدة التى تقضى بأنه لا يجوز لأحد الدائنين المتضامنين أن يأتى عملاً من شأنه الإضرار بالدائنين الآخرين ( م 282 فقرة 2 مدنى ) فتتمشى مع قصور حجية اليمين ولا تعطلها فيما إذا وجه أحد الدائنين المتضامنين اليمين إلى المدين فحلفها ، فإن ذمة المدين لا تبرأ إلا بالنسبة إلى الدائن الذى وجه اليمين دون غيره من الدائنين  . وبذلك تكون حجية اليمين قاصرة على هذا الدائن وحده  .

( [1034] ) وقد نص ت المادة 1365 من التقنين المدنى الفرنسى ، تطبيقاً لهذه القواعد ، على ما يأتى : " اليمين لا تكون إلا حجة لمن وجهها أو حجة عليه ، هو وورثته وخلفائه  . ومع ذلك إذا وجه أحد الدائنين المتضامنين اليمين إلى المدين ، لم تبرئ اليمين ذمة المدين إلا بمقدار حصة هذا الدائن  . واليمين الموجهة إلى المدين الأصلى تبرئ ذمة الكفيل  . واليمين الموجهة إلى أحد المدينين المتضامنين تفيد الباقين  . واليمين الموجهة إلى الكفيل تفيد المدين الأصلى  . وفى الحالتين الأخيرتين لا تفيد اليمين الموجهة إلى المدين المتضامن أو إلى الكفيل سائر المدينين المتضامنين أو المدين الأصلى إلا إذا انصبت على أصل الدين لا على واقعة التضامن أو الكفالة " ( قارن كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 818 فيما يتعلق باليمين الموجهة إلى الكفيل )  . ونصت المادة 236 من تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى على " أن حلف اليمين لا يصلح حجة إلا تجاه طالب التحليف وورثته وخلفائه فى الحقوق إما لهم وإما عليهم "  .

وهذا هو الأصل الفرنسى لنص المادة 1365 :

Le serment fait ne forme prevue qu'ua profit de celui qui l'a defere ou contre lui, et au profit de ses heritiers et ayants cause ou contre eux  . Neanmoisd le serment degree par l'un des creanciers solidaires au debiteur ne libre celui - ce que pour la part de ce creancier  . Le serment defere au debiteur principal libere egalement les cautions  . Celui defere a l'un des debiteur solidaires progite aux codebiteurs  . Et celui defere a la caution profite au debiteur principal  . Dans ces deux derniers cas  . Le serment du codebiteur solidaire ou de la caution ne profite aux autres codebiteurs ou au debiteur principal que lorsqu'il a ete defere sur la dette, et non sur le fait de la solidarite ou du cautionnement  .

( [1035] ) ويذهب الفقيهان أوبرى ورو إلى أنه كان الأولى بواضعى التقنين المدنى الفرنسى عدم الاحتفاظ باليمين المتممة ، ويقولان فى هذا الصدد ما يأتى : " قد يكون من الخطأ أن واضعى التقنين المدنى استبقوا اليمين المتممة  . فإن فيها عيباً خطيراً ، إذ هى تجعل للقاضى سلطة فى أن ينقل من تلقاء نفسه ، وبإرادته وحده ، البت فى الدعوى من منطقة القانون إلى منطقة الضمير ( conscience ) "  . ( أوبرى ورو 12 فقرة 767 هامش رقم 1 )  .

وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ، فى صدد الدفاع عن استبقاء اليمين المتممة ، ما يأتى : " نص التقنين الفرنسى ( م 1366 ) على اليمين المتممة ، وتبعه فى ذلك التقنين الإيطالى ( م 1374 ) والتقنين الهولندى ( م 1977 ) والتقنين المصرى ( م 223 / 288 ) والتقنين البرتغالى ( م 2533 )  . ثم أبقى واضعو المشروع الفرنسى والإيطالى ( م 319 ) على هذه اليمين رغم ما وجه إليها من نقد - وقد أشار بعض الفقهاء بوجوب حذف اليمين المتممة لأن المروءة متى توافرت ، فلا حاجة لليمين لصد الخصم عن المطالبة بغير المستحق ، وهى إذا انتفت لم يستشعر الخصم حرجاً من الحنث فيها  . ثم إن القاضى لا يحتاج إلى اليمين لتمكين الاطمئنان من نفسه ، لأن من يخفق فى إثبات دعواه يبوء بالخسارة ، ولا يستشعر القاضى حرجاً فى القضاء لخصمه عليه ، لأنه ينزل فى ذلك على حكم القانون – بيد أن هذا النظر يغفل خصائص اليمين بوصفها طريقاً للإثبات وطبيعة هذه اليمين والغاية منها  . لأن اليمين طريق اضطرارية ، فمن يقول أن يمكن القاضى من الالتجاء إليها فى ظل الضمانات التى يقررها القانون ، أى حيث لا يكون الطلب أو الدفع مجرداً من كل دليل وحيث يكون هذا الدليل غير كاف فى ذاته  . ويراعى أن اليمين نظام تقتضيه العدالة ، فهى والحال هذه عامل يعين على سير العدالة ، فضلا عن أن القانون يترك للقاضى حرية التقدير بشأن ضرورة توجيهها وتعيين من توجه إليه من الخصوم  . وغنى عن البيان أن هذا التقدير ينبغى أن ينط بوجه خاص بما يتوافر فى الخصم من بواعث الثقة ، ولهذا لم ير وجه للتنويه بعدم جواز توجيه اليمين المتممة إذا كان من توجه إليه غير أهل لأى ثقة كما يفهم ذلك من عبارة المادة 2533 فقرة 3 من التقنين البرتغالى  . ويلاحظ أن اليمين شرعت لعلاج مساوئ نظام تقييد الدليل ونظام حيدة القاضى إزاء دعاوى الخصوم ، فيجب والحال هذه أن تؤدى وظيفتها كاملة  . هذا ويلاحظ من الناحية العملية أن القاضى لا يلجأ إلى اليمين المتممة إلا فى كثير من الحيطة والاعتدال ، بعد تقدير جدوى هذه اليمين تقديراً يعتد فيه بشخصية الخصم  . إزاء كل أولئك رؤى الإبقاء على اليمين المتممة فى نصوص المشروع "  . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 460 - ص 461 )  .

ولعل خير دفاع عن اليمين المتممة هى أنها وسيلة للتخفف من حدة التنظيم القانونى للإثبات فهى توسع أمام القاضى بمرونتها ما ضاق بسبب جمود هذا التنظيم  .

( [1036] ) استئناف مختلط 25 فبراير سنة 1930 م 42 ص 318 - أوبرى ورو 12 فقرة 767 ص 931  .

( [1037] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 533 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق  . وأقرته لجنة المراجعة تحت رقم المادة 428 من المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب ، فلجنة مجلس الشيوخ تحت رقم المادة 415 ، فمجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 460 وص 462 - ص 463 )  .

( [1038] ) وكانت المادة 223 / 288 من التقنين المدنى السابق تجرى على الوجه الآتى : " إذا تبين أن الأوراق المقدمة للإثبات غير كافية له ، فللقاضى أن يكلف الدائن باليمين لتأييد دينه ، أو يكلف المدين بها لإثبات براءة ذمته من الدين "  . ونص التقنين المدنى الجديد أدق من حيث إنه لا يشترط ، لتوجيه اليمين المتممة ، وجود أوراق للإثبات غير كافية  . فقد تكون الدعوى تجارية أو لا تزيد على نصاب البينة ، فيكفى فى هذه الحالة أن يقدم الخصم بينه أو قرائن - لا أوراقاً - تستكمل بعد ذلك باليمين المتممة  . ومهما يكن من أمر ، فالحكم واحد فى التقنين الجديد والقديم ، رغماً عن الخلاف فى النص  .

( [1039] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 121 : مطابقة تقريباً لنص التقنين المصرى ومتفقة معه فى الحكم  .

التقنين المدنى العراقى م 482 : مطابقة لنص التقنين المصرى  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 237 : يحق للقاضى أن يكلف أحد الفريقين حلف اليمين ، إما لجعل الحكم موقوفاً عليها ، وإما لتعيين المبلغ الذى سيحكم به - م 238 : لا يجوز للقاضى أن يطلب من تلقاء نفسه تحليف اليمين على الطب ولا على الدفع الذى يقابله إلا إذا توافر الشرطان الآتيان : ( أولاً ) يجب إلا يكون الطلب أو الدفع ثابتين كل الثبوت  . ( ثانياً ) يجب ألا يكونا مجردين تماماً عن الإثبات  . وفيما عدا هاتين الحالتين يجب على القاضى أن يكتفى بقبول الطلب أو برده  . ( والحكم واحد فى التقنين اللبنانى والمصرى )  .

( [1040] ) التقنين المدنى الفرنسى م 1366 : يجوز للقاضى أن يوجه اليمين لأى من الخصمين ، إما ليجعل الحكم فى القضية موقوفاً عليها ، وإما ليعين المبلغ الذى يحكم به – م 1367 : لا يجوز للقاضى أن يوجه اليمين من تلقاء نفسه ، سواء فى الدعوى أو فى الدفع المقابل لها ، إلا بالشرطين الآتيين : ( أولاً ) يجب ألا يكون هناك دليل كامل على الدعوى أو الدفع  . ( ثانياً ) يجب ألا يكونا خاليين من أى دليل – وفيما عدا هاتين الحالتين يجب على القاضى أن يكتفى بقبول الدعوى أو برفضها  .

Art  . 1366  . Le juge peut deferer a l'une des parties le serment, ou pour en faire dependre la decision de la cause, ou seulement pour determiner le montant de la condemnation  . Art  . 1367  . Le juge ne peut deferer d'office le serment, soit sur la demande soit sur l'exception qui y est oppose, que sous les, deux conditions suivantes : il faut, 1 - Que la demande ou l'exception ne soit pas p;einement justifiee; 2 - Qu'elle ne soit pas totalement denuee de preuves  . Hors ces deux cas, le juge doit ou adjuger ou rejecter purement et simplement la demande  .

( [1041] ) استئناف مختلط 6 مارس سنة 1890 م 2 ص 220  .

( [1042] ) استئناف مختلط 22 يونيه سنة 1916 م 28 ص 443  .

( [1043] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن القاضى بالخيار فى توجيه اليمين المتممة لأحد الخصمين الذى يرى كفته أرجح فى الأدلة ، وإذا تساوت الأدلة ، على الأقل فى نظره ، فلا مانع من أن يوجهها للمدعى عليه ، لأن الأصل فيه عدم تعهده ( 24 نوفمبر سنة 1949 المحاماة 30 رقم 460 ص 1026 - انظر مع ذلك أوبرى ورو 12 ص 390 - وانظر فى هذا المعنى : ديمولومب 30 فقرة 709 - بودرى وبارد 4 فقرة 2772  . ولا يجوز للقاضى أن يوجه اليمين المتممة لكلا الخصمين ، على أن ينظر فيما بعد لمن يحكم له منهما ، حلفاً أو نكلاً أو حلف أحدهما ونكل الآخر : أنسيكوبيدى داللوز فى القانون 4 لفظ Preuve فقرة 1224 )  .

( [1044] ) أوبرى ورو 12 فقرة 767 هامش رقم 10 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1583 ص 1057 - ص 1058 - الموجز للمؤلف ص 695  .

( [1045] ) أوبرى ورو 12 فقرة 767 هامش رقم 8  .

( [1046] ) وقد قضت محكمة النقض بأن شرط توجيه اليمين المتممة هو أن يكون لدى كل من الطرفين مبدأ ثبوت لا يرقى إلى مرتبة الدليل الكامل ، فإذا ما وجهت المحكمة اليمين إلى أحد الخصمين وحلفها ، وقدرت من ذلك أن الدليل الكامل قد توافر على صحة ما يدعيه ، فليس فى ذلك ما يناقض ما سبق أن قررته فى حكمها الصادر بتوجيه اليمين من أن كلا من الطرفين يستند فى دعواه إلى دليل له قيمته ( نقض مدنى 5 أبريل سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 103 ص 622 )  . وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن اليمين المتممة لا يجوز توجيهها إذا كانت الدعوى خالية من أى دليل ( 28 يناير سنة 1903 م 15 ص 106 )  . وقضت أيضاً بأنه لا يجوز توجيه اليمين المتممة إذا كان هناك دليل كامل أو لم يكن هناك أى دليل ( 22 يونيه سنة 1916 م 28 ص 443 )  .

( [1047] ) على أنه إذا وجه القاضى إليه اليمين المتممة بالرغم من تقديمه دليلاً كاملاً ، فحلفها ، لم يكن هذا موجباً لبطلان الحكم ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1582 - بيدان وبرو 9 فقرة 1331 ) - وإن نكل عنها ، فالقاضى يقضى بالرغم من ذلك لمصلحته إذ قدم دليلاً كاملاً على صحة ادعائه  . فإن قضى ضده بسبب النكول ، كان هذا خطأ فى القانون يخضع لرقابة محكمة النقض  .

( [1048] ) وقد رأينا أن نص التقنين المدنى السابق ( م 223 / 288 ) معيب من هذه الناحية ، فهو يشترط لتوجيه اليمين المتممة أن تكون فى الدعوى أوراق مكتوبة  . ولم يأخذ القضاء بظاهر النص ، بل مال إلى عدم اشتراط أن يكون مبدأ الثبوت حاصلاً بالكتابة فى الأحوال التى يجوز فيها الإثبات بالبينة والقرائن  . فقضت محكمة استئناف مصر بأنه لا يشترط أن يكون مبدأ الثبوت حاصلاً بالكتابة ( 16 ديسمبر سنة 1945 المحاماة 30 رقم 155 ص 162 )  . وذكرت فى حكم آخر بأن القضاء اختلف فى توجيه اليمين المتممة فى الأحوال التى تثبت بشهادة الشهود اعتماداً على أنا المادة 223 مجنى تنص على أنه إذا تبين أن الأوراق المقدمة للإثبات غير كافية  .  .  . والراجع أنه يجوز توجيهها حتى فى الحالات التى تثبت بشهادة الشهود بصفة عامة وفى المسائل التجارية وهى منها  .  .  . والقاضى بالخيار يوجهها فى طلب أصلى فى الدعوى أو دفع متفرع عنها لأحد الخصمين الذى يرى كفته أرجح فى الأدلة ، وإذا تساوت على الأقل فى نظره فلا مانع من أن يوجهها للمدعى عليه لأن الأصل فيه عدم تعهده – وعلى كل فالقاضى له أن يعدل بعد توجيهها إذا وجد ما يغنيه عن ذلك ، بل له ألا يأخذ بها بعد تأديتها ، وإذا رفضها من وجهت له فليس من المحتم أن يحكم عليه ( 24 نوفمبر سنة 1949 المحاماة 30 رقم 460 ص 1026 )  .

( [1049] ) استئناف مختلط 13 أبريل سنة 1892 م 4 ص 192 - 3 ديسمبر سنة 1896 م 9 ص 49 - 5 مايو سنة 1898 م 13 ص 264 - 14 أبريل سنة 1921 م 33 ص 270 - 17 يناير سنة 1922 م 34 ص 122 - 6 يونيه سنة 1922 م 34 ص 463 - 17 نوفمبر سنة 1926 م 39 ص 16  .

وانظر : أوبرى ورو 12 فقرة 767 ص 388 - ص 389 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1582 ص 1056 - ص 1057 - بلانيول وبولانجيه 2 فقرة 2293 ص 723  .

( [1050] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " وقد عرضت هذه الفقرة لشروط جواز قبول اليمين المتممة وحجيتها  . فهى تختلف عن اليمين الحاسمة فى أنها لا تكون جائزة القبول إلا حيث لا يكون الدليل كاملاً وحيث لا تكون الدعوى خالية من كل دليل  . فإعمال هذه اليمين يفترض أن الادعاء قريب الاحتمال ، فينبغى أن يكون ثمة مبدأ ثبوت ، لا يكفى بمجرده لتكوين دليل كامل ، وإن انطوى فيه معنى تعزيز هذا الاحتمال  . فإذا توافر فى الدعوى دليل كامل انتفت جدوى اليمين المتممة وامتنع قبولها ، لأن القاضى يلزم بالتقيد بهذا الدليل والقضاء للمدعى على أساسه  . وينبغى كذلك ألا تكون الدعوى خالية من كل دليل ، لأنها تكون فى هذه الحالة غير قريبة الاحتمال لأن توافر مبدأ الثبوت القانونى هو الذى أسبغ عليها هذا الوصف - ويعتبر مبدأ ثبوت فى رأى الفقه والقضاء : ( أ ) الإقرار الجنائى ( ب ) والبينة والقرائن إذا كانت القيمة أقل من عشرة جنيهات ، لأن هذه أو تلك قد تعتبر غير كافية في ذاتها ( ج ) ومبدأ الثبوت بالكتابة إذا زادت القيمة على عشرة جنيهات أو كان الإثبات بالبينة عسيراً أو مستحيلاً ( د ) ودفاتر التجار بشأن ما يوردون متى كانت منتظمة " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 461 - ص 462 )  .

( [1051] ) انظر فى اليمين المتممة لتكملة دليل ناقص : استئناف مختلط 31 أكتوبر سنة 1888 م 1 ص 372 - 11 ديسمبر سنة 1890 م 3 ص 84 - 13 أبريل سنة 1892 م 4 ص 192 - 21 أبريل سنة 1898 م 10 ص 255 - مصر الكلية 12 يونيه سنة 1932 المحاماة 13 رقم 367 ص 744  . هذا وقد رأينا عند الكلام فى دفاتر التجار أن البيانات المثبتة فيها لما ورده التجار لغير التجار تصلح أساساً يجيز للقاضى أن يوجه اليمين المتممة إلى أى من الطرفين وذلك فيما يجوز إثباته بالبينة ( م 397 فقرة أولى مدنى )  .

ويقرر الأستاذ عبد السلام ذهنى أن اليمين المتممة لا يمكن توجيهها إلى المتهم فى الدعوى المدنية المرتبطة بالدعوى الجنائية ، شأنها فى ذلك شأن اليمين الحاسمة ( الأدلة 2 ص 53 - ص 60 - انظر أيضاً فى هذا المعنى بودرى وبارد 4 فقرة 2777 )  .

( [1052] ) أوبرى ورو 12 فقرة 767 ص 391 وهامش رقم 14 - بيدان وبرو 9 فقرة 1333 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1584 ص 1058  .

( [1053] ) استئناف مختلط 15 مارس سنة 1900 م 12 ص 165 - أوبرى ورو 12 فقرة 767 ص 390 - ص 319 - بيدان وبرو 9 فقرة 1333 - قارن بودرى وبارد 4 فقرة 2775  .

( [1054] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 544 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق  . وأقرته لجنة المراجعة تحت رقم 429 فى المشروع النهائى ، فمجلس النواب ، فلجنة مجلس الشيوخ تحت رقم 416 ، فمجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 363 - ص 364 )  .

( [1055] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 124 : مطابقة للتقنين المصرى  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 239 : أن اليمين التى يطلبها القاضى مباشرة من أحد الفريقين لا يمكن ردها على الخصم  . ( والحكم واحد فى التقنين اللبنانى والمصرى )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 405 : مطابقة للتقنين المصرى  .

( [1056] ) التقنين المدنى الفرنسى م 1368 : اليمين التى يوجهها القاضى من تلقاء نفسه إلى أحد الخصمين لا يجوز ردها من هذا الخص على الخصم الآخر  .

Art  . 1368 : Le serment defere d'office par le juge a l'une des parties, ne peut etre par elle refere a l'autre  .

( [1057] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " اقتفى المشروع أثر التقنين الفرنسى ( م 1368 ) والتقنين الإيطالى ( م 1376 ) والتقنين الهولندى ( م 1980 ) والتقنين البرتغالى( م 2534 ) والمشروع الفرنسى الإيطالى ( م 321 ) فى استظهار هذا الفرق الجوهرى بين اليمين المتممة واليمين الحاسمة  . ويراعى أن التفريق بين اليمينين من هذا الوجه حتم تقتضيه طبيعة اليمين المتممة ، لأنه إعمالها من شأن القاضى فهو الذى يرجع إليه أمر توجيهها ، وهو الذى يعين من توجه إليه من الخصمين " ( مجموعة العمال التحضيرية 3 ص 363 - ص 364 )  .

( [1058] ) وإذا مات من وجه إليه القاضى اليمين المتممة قبل أن يحلفها ، اعتبر الحكم بتوجيهها كأن لم يكن  . وللقاضى أن يفصل فى النزاع دون يمين متممة ، أو أن يوجه هذه اليمين إلى الخصم الآخر ، أو أن يوجه يميناً متممة بعدم العلم إلى ورثة الخصم الذى مات ( أوبرى ورو 12 فقرة 767 ص 394 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1583 )  .

وقد رأينا أنه إذا مات من وجهت إليه اليمين الحاسمة قبل أن يحلفها ، لم تعتبر اليمين مردودة على الخصم الآخر لأن رد اليمين ليس بالتزام تخييرى بل هو التزام بدلى ، ومن ثم يرجع الأمر إلى ما كان عليه قبل توجيه اليمين  . فيتفق الحكم إذن فى أن اليمين لا تعتبر مردودة إلى الخصم الآخر ، فى كل من اليمين الحاسمة واليمين المتممة ، ولكن لسببين مختلفين : فى اليمين الحاسمة الالتزام برد اليمين ليس إلا التزاماً بدلياً ، وفى اليمين المتممة الالتزام برد اليمين لا وجود له أصلاً  .

( [1059] ) انظر فى هذا المعنى حتى فى عهد التقنين المدنى السابق : ( ملوى 30 مايو سنة 1905 المجموعة الرسمية 6 رقم 106 - وانظر عكس ذلك وعدم قبول دعوى التعويض أمام محكمة الجنح أو أمام المحكمة المدنية ، أسوة باليمين الحاسمة ، وذلك فى عهد التقنين المدنى السابق : أسوان 14 يوليه سنة 1913 المجموعة الرسمية 14 رقم 97 ) - وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " ومع ذلك فاليمين المتممة طريق من طرق الإثبات ، فيجوز نقض دلالتها بإثبات العكس ، ويجوز للمضرور فى هذه الحالة أن يدعى مدنياً للمطالبة بالتعويضات أمام المحاكم الجنائية ، ويجوز له أيضاً أن يطعن فى الحكم بالطرق المقررة " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 462 )  .

أما الفقه الفرنسى ، فقد ذهب الفقيهان أوبرى ورو ( 12 فقرة 767 ص 393 ) إلى أن التعويض ، ومن ثم الادعاء مدنياً فى الدعوى الجنائية ورفع الجنحة المباشرة ، غير جائز فى اليمين المتممة ، شأن هذه اليمين فى ذلك شأن اليمين الحاسمة  . ويوافقهما فى هذا الرأى : لارومبير 5 م 1367 - 1368 فقرة 25 - بلانويل وريبير وجابولد 7 فقرة 1585 - جارسون فى القانون الجنائى م 366 فقرة 17  . ويذهب إلى عكس هذا الرأى : ماركاديه م 1368 فقرة 3 - بودرى وبارد 4 فقرة 2779  . ولم يحسم القضاء الفرنسى هذا الخلاف ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1585 )  .

( [1060] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " وتعتبر اليمين المتممة دليلاً تكميلياً إضافياً كما هو ظاهر من اسمها  . ويجوز أن يرتب عليها الفصل فى النزاع ولكن قد لا يكون توجيهها ضرورياً لهذا الفصل  . وتعتبر هذه اليمين إجراء من إجراءات التحقيق التى تيسر للقاضى تحصيل دليل خاص تقتضيه العدالة ويكون له ما لغيره من قوة الالتزام ، لأنها تقترض توافر عناصر إثبات لها مكانتها وإن كانت أدنى من مرتبة الدليل  . وهى تختلف كذلك عن اليمين الحاسمة ، لأنها لا تنقل مصير النزاع إلى نطاق الذمة على وجه التخصيص والإفراد ، بل يظل النزاع محصوراً فى حدود أحكام القانون ، وإن جاوز هذه الحدود إلى ذلك النطاق استكمالاً للدليل  . ولهذه العلة لا تعتبر اليمين المتممة حجة قاطعة ملزمة ، بل يكون للقاضى مطلق الخيار فى الاعتداد بها أو التجاوز عنها  . فله أن يقضى على أساس اليمين التى أديت ، أو على أساس عناصر إثبات أخرى ، اجتمعت له قبل أداء هذه اليمين أو بعد أدائها "  . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 462 )  .

قارن مع ذلك : استئناف مصر 24 يونيه سنة 1929 المجموعة الرسمية 30 رقم 141  .

( [1061] ) أوبى ورو 12 فقرة 767 ص 392 - ص 393 - ومن باب أولى يجوز للخصم الآخر أن يثبت أمام محكمة الاستئناف كذب اليمين المتممة التى حلفها خصمه أمام المحكمة الابتدائية  . ويذهب الفقيهان أوبرى ورو إلى أنه لا يجوز للخصم الآخر إثبات ذلك إذا كان قد وافق فى المحكمة الابتدائية على توجيه هذه اليمين إلى خصمه ، ويعتبر أنه قد وافق على توجيهها إذا حضر فى جلسة الحلف ( أوبرى ورو 12 فقرة 767 ص 392 - ص 393 - وانظر أيضاً بيدان وبرو 9 فقرة 1334 ص 43 )  . هذا فى القانون الفرنسى ، أما فى القانون المصرى فيبدوا أنه يجوز للخصم إثبات كذب اليمين المتممة التى حلفها خصمه ، حتى لو كان قد وافق على تحليفه ، فليس لليمين المتممة عندنا من الأثر الحاسم ما يمنع من ذلك  .

( [1062] ) ونرى أنه يجوز للقاضى ، بعد أن نكل الخصم الذى وجه إليه اليمين المتممة ، أن يوجه هذه اليمين إلى الخصم الآخر ، لا سيما بعد أن تعززت أدلة هذا الخصم الآخر بنكول خصمه  .

( [1063] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1585 ص 1058 - ص 1059 - الموجز للمؤلف ص 696  .

( [1064] ) ويعتبر الأستاذ سليمان مرقس يمين الاستيثاق يميناً حاسمة ( أصول الإثبات فقرة 144 )  .

( [1065] ) وهنا كفى الفقه الإسلامى يمين متممة أخرى هى يمين الدعى إذا لم يكن عنده إلا شاهد واحد ، فيقضى له بشاهده ويمينه ، فتكون اليمين متممة للشهادة  . وهذا ما ذهب إليه مالك والشافعى وأحمد ، لما روى أنه عليه الصلاة والسلام قضى بشاهد ويمين  . وخالف أبو حنيفة فلم يجز القضاء بشاهد يمين ( انظر فى هذه المسألة البدائع 6 ص 225 )  . واليمين ، عند القائلين بالجواز ، تكمل شهادة الشاهد ، والقضاء إنما يكون بالشاهد واليمين معاً  . وقد جاء فى هذا المعنى فى حاشية الشرقاوى على شرح التحرير : " وهل القضاء بالشاهد واليمين معاً ، أو الشاهد فقط واليمين مؤكدة ، أو بالعكس : أقوال أصحها أولها  . وتظهر فائدة الخلاف فيما لو رجع الشاهد : فعلى الأول يغرم النصف ، وعلى الثانى الكل ، وعلى الثالث لا شئ "  . ( حاشية الشرقاوى على شرح التحرير 2 ص 502 )  .

( [1066] ) والحقوق التى تتقادم بسنة هى التى ذكرت فى الفقرة الأولى من المادة 378 ، وهذا نصها : تتقادم بسنة واحدة الحقوق الآتية : ( أ ) حقوق التجار والصناع عن أشياء وردوها لأشخاص لا يتجرون فى هذه الأشياء ، وحقوق أصحاب الفنادق والمطاعم عن أجر الإقامة وثمن الطعام ولكل ما صرفوه لحساب عملائهم ( ب ) حقوق العمال والخدم والأجراء من أجور يومية وغير يومية ومن ثمن ما قاموا به من توريدات "  .

( [1067] ) ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق المادتين 212 - 213 / 176 - 277  . وتنص المادة الأولى منهما ( 212 / 276 ) على أنه : " فى حالة ما إذا كانت المدة المقررة لسقوط الحق 360 يوماً فأقل = ، لا تبرأ ذمة من يدعى التخلص بمضى المدة إلا بعد حلفه اليمين على أنه أدنى حقيقة ما كان فى ذمته "  . وتنص المادة الثانية ( 213 / 277 ) على ما يأتى : " وأما الأرامل والورثة والأوصياء فيتخلصون بحلفهم أنهم لا يعلمون أن المدعى به مستحق "  .

( [1068] )         فالدائن وحده هو الذى يطلب توجيهها إذا أراد ذلك ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف ولا تملك المحكمة أن توجهها من تلقاء نفسها ، فإذا نكل المدين عنها خسر دعواه حتما ، وإذا حلفها تعين قبول دعواه  . ومن ثم ورد فى كثير من الأحكام أنها يمين حاسمة  . وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن اليمين المبينة فى المادة 194 من القانون التجارى هى يمين حاسمة يجب أن توجه من الخصم إلى الدائن لتأييد القرينة القانونية وهى حصول الوفاء المستمد من مضى خمس سنين على اليوم التالى لحلول ميعاد دفع الأوراق التجارية الموضحة بها ، فإذا نكل المدين عن الحلف سقطت هذه القرينة ، إذ معنى النكول فى هذه الحالة عدم قيام المدين بالوفاء ( 4 فبراير سنة 1930 المحاماة 10 رقم 338 ص 676 )  . وقضت أيضاً إذا تمسك المدين بالتقادم ، فللدائن أن يوجه له يمين الاستيثاق ليحلف أنه لم يكن فى ذمته شيء من الدين ، ولو كان ذلك أمام محكمة الاستئناف لأول مرة ، وليس على المحكمة أن تنبه الدائن إلى ذلك بحال من الأحوال ( 30 نوفمبر سنة 1925 المجموعة الرسمية 27 رقم 67 )  . وقضت محكمة مصر الكلية الوطنية بأن ليس للمحكمة أن تكلف المدين من تلقاء نفسها حلف يمين الاستيثاق المشار غليها فى المادة 194 من القانون التجارى ، بل يجب أن يكون ذلك بناء على طلب الدائن ، لأن هذه اليمين يمين حاسمة ( 15 أبريل سنة 1940 المحاماة 21 رقم 50 ص 76  . أنظر أيضاً : أطسا 7 أبريل سنة 1927 المحاماة 7 رقم 452 ص 748 )  .

( [1069] )         قارن حكماً لمحكمة النقض ذكر أن هذه اليمين إنما شرعت لتكملة القرينة القانونية على حصول الوفاء ، ولكنه أضفى عليها بعد ذلك خصائص اليمين الحاسمة  . وهذا ما قرره الحكم المشار إليها : إن حلف اليمين بالتخالص تطبيقاً للمادة 194 من القانون التجارى إنما شرع لمصلحة الدائن فى الورقة لتكملة القرينة القانونية على حصول الوفاء المستمدة من مضى خمس سنوات على اليوم التالى لحلول ميعاد دفع الأوراق التجارية  . فإذا نكل المدين عن الحلف ، سقطت هذه القرينة  . وإذن فالدائن هو الذى يوجه هذه اليمين أو لا يوجهها حسب مشيئته ، وليس للمحكمة من تلقاء نفسها أن توجهها  . فإذا وجهها وركن بذلك إلى ذمة مدينه ، فقبل هذا العرض وحلف ، فإن المحكمة تكون ملزمة بأن تقضى فى الدعوى على مقتضى الحلف  . ولا يجوز للدائن بعد ذلك أن يجدد النزاع ارتكاناً على أدلة أخرى لإثبات حقه أو لإثبات كذب اليمين ، لأن سلوكه هذا الطريق الذى اختاره من طرق الإثبات وقبول خصمه على اليمين المعروضة على المدين وذلك فى مقابل تنازله عن كل دليل آخر يكون لديه  . ومن ثم فلا يقبل من الدائن دعواه التى يرفعها سواء لإثبات كذب اليمين أو للمطالبة بتعويض عن الحنث فيها ، ولو كانت الدعوى العمومية لا ترفع من المدعى المدنى إلا إذا كانت دعواه المدنية مقبولة فإن الدعوى المباشرة التى يرفعها الدائن للمطالبة بتعويض عن الكذب فى اليمين المذكورة لا تكون مقبولة ( نقض جنائى 17 نوفمبر سنة 1941 المحاماة 22 رقم 161 ص 476 )  .

( [1070] )         قارن الأستاذ سليمان مرقس فى أصول فى الإثبات فقرة 144 ص 233 – ص 234  .

( [1071] )         جاء فى شرح التحرير لشيخ الإسلام زكريا الأنصارى عن يمين الاستظهار ما يأتى : " واليمين مع الشاهدين ، وتقع فى الرد أى دعوى رد المشترى للمبيع بعيب ، ودعوى الزوجة العنة على الزوج ، ودعوى الجراحة فى عضو باطن ادعى الجارح أنه غير سليم ، ودعوى الإعسار أى إعسار نفسه إذا عهد له مال ، والدعوى على الغائب ، وعلى الميت ونحوهما ، وفيما إذا قال لزوجته أنت طالق أمس ثم قال أردت أنها طالق من غيرى  . فيقيم فى هذه الصورة البينة بما ادعاه ، ويحلف معها طلباً للاستظهار  . والمراد بالمحلوف عليه فى الأولى قدم العيب ، وفى الثانية عدم الوطء ، وفى الثلاثة السلامة ، وفى الأخيرة إرادة طلاق غيره "  . ( حاشية الشرقاوى على شرح التحرير 2 ص 475 – ص 476 )  .

ونص المادة 1746 من المجلة على يمين الاستظهار على الوجه الآتى : " لا يحلف إلا بطلب الخصم  . ولكن يحلف من قبل الحاكم فى أربعة مواضع بلا طلب  . الأول إذا ادعى واحد على التركة حقاً وأثبته ، فيحلفه الحاكم بأنه لم يستوف هذا الحق بنفسه ولا بغيره من الميت بوجه من الوجوه ولا أبرأه منه ولا أحاله به على غيره ولا أوفاه أحد وليس للميت بهذا الحق رهن ، ويقال لهذا يمين الاستظهار  . الثانى إذا استحق رجل مالا وأثبت دعواه ، حلف الحاكم بأنه لم يبع هذا المال ولم يهبه لأحد ولم يخرجه عن ملكه بوجه من الوجوه  . الثالث إذا أراد المشترى رد المبيع لعيبه ، حلفه الحاكم بأنه بعد إطلاعه على العيب لم يرض به قولا أو دلالة كتصرفه تصرف الملاك على ما ذكر فى مادة 344  . الرابع تحليف الحاكم الشفيع عند الحكم بالشفعة بأنه لم يبطل شفعته ، يعنى لم يسقط حق شفعته بوجه من الوجوه "  . ويضيف الأستاذ سليم باز فى شرحه لهذه المادة ما يأتى : " ويستحلف أيضاً بلا طلب الخصم فى مسألة خامسة ، وهى إذا طلبت المرأة فرض النفقة على زوجها الغائب ، تستحلف أنه لم يطلقها زوجها ولم يترك لها شيئاً ولا أعطاها النفقة ، وهذا على قول أبى يوسف المفتى به ( تكملة عن البحر ) " ( شرح المجلة لسليم باز ص 1099 – ص 1101 )  .

ويقول فرنسوا مارنير ( Francois Marneur ) ، فى رسالته " نظرية الإثبات فى الشريعة الإسلامية " باريس سنة 1910 ص 255 – ص 256 ، أن المدعى ، فى الحالات المتقدمة الذكر ، قد أثبت حقه بالبينة  . ولما كانت هناك شبهة فى أن هذا الحق قد وفاء المدين ، فإن المدعى ينقلب مدعى عليه فى هذا الدفع بالوفاء  . وليست هناك بينة على صحة الدفع ، فوجب أن يحلف المدعى عليه فى الدفع –وكان مدعياً فى دعوى الحق - اليمين على أن ذمة المدين لم تبرأ  . فاليمين إنما يحلفه ، هنا أيضاً ، المدعى عليه ، وإن كان مدعياً فى الظاهر  .

( [1072] )         تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 555 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " 1 - لا يجوز للقاضى أن يوجه إلى المدعى اليمين المتممة لتحديد قيمة المدعى به إلا إذا تعذر تحديد هذه القيمة بطريقة أخرى  . 2 - ويحدد القاضى ، حتى فى هذه الحالة ، حداً أقصى للقيمة التى يحلف عليها المدعى "  . وفى لجنة المراجعة حور النص تحويراً لفظياً ، فأصبح مطابقاً لما استقر عليه فى التقنين الجديد ، وصار رقمه 430 فى المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب ، فلجنة مجلس الشيوخ تحت رقم 417 ، فمجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 465 – ص 466 )  .

( [1073] )         التقنينات المدنية العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 122 : مطابقة لنص التقنين المصرى  .

التقنين المدنى العراقى م 483 : مطابقة لنص التقنين المصرى  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 240 : لا يجوز للقاضى أن يستحلف المدعى مباشرة على قيمة الشيء المطلوب إلا إذا استحال إثباتها بطريقة أخرى  . ويجب على القاضى أيضاً فى هذه الحالة أن يعين الحد الأقصى للمبلغ الذى يصدق عليه المدعى بيمينه  . ( والحكم واحد فى التقنينيين اللبنانى والمصرى )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 406 : مطابقة لنص التقنين المصرى  .

( [1074] )         التقنين المدنى الفرنسى م 1369 : لا يوجه القاضى اليمين إلى المدعى على قيمة الشيء المطلوب إلا إذا استحال تقديرها بطريق آخر  . وحتى فى هذه الحالة يعين القاضى حداً أقصى للمبلغ الذى يصدق فيه المدعى بيمينه  .

Art, 1369 : Le serment sur la valeur de la chose demandee, ne peut etre defere par le juge au demandeur que lorsqu'il est d'ailleurs impossible de constater autrement cette valeur  . Le juge doit meme, en ce cas, determiner la somme jusqu'a concurrence de laquelle le demandeur en sera cur sur son derment  .

( [1075] )         ويأتى كولان وكابيتان بمثل لذلك : يفقد شخص حقيبته أثناء نقلها بالسكة الحديدية بخطأ من الشركة ، فيخلف يمين التقويم على قيمة ما كانت هذه الحقيبة تشتمل عليه من متاع ( كولان وكابيتان لامورانديير 2 فقرة 821 )  .

( [1076] )         بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1586 ص 1060 – بودرى وبارد 4 فقرة 2782 – بيدان وبرو 9 فقرة 1335 ص 432 – ويجوز توجيه اليمين إلى نائب المدعى أو وارثه إذا كان عالما بقيمة الشيء المدعى به ( أنسيكلوبيدى داللوز فى القانون المدنى 4 لفظ Preuve فقرة 1241 – فقرة 1242 )  .

( [1077] )         وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " وتنصب يمين التقويم على تحديد قيمة الشيء المدعى به  . فهى تفترض أن الوفاء بالشيء عينا قد استحال وإلا كان التقويم عديم الجدوى ، ولذلك لا توجه هذه اليمين إلا للمدعى  . وقد تكفل النص بتعيين الشروط الواجب توافرها لقبول يمين التقويم ، فاشترط أولا أن يكون تحديد القيمة بطريقة أخرى متعذراً ، واشترط كذلك أن يعين القاضى حداً أقصى للقيمة التى يحلف عليها المدعى  . وعلة هذا التقييد أن القاضى يركن إلى ذمة المدعى لتقدير قيمة مصالحة الذاتية " ، ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 465 – ص 466 )  .

ويقرر الفقيهان أوبرى ورو أن القاضى لا يعتبر إلا قيمة الشيء الحقيقة لا قيمة الذاتية بالنسبة إلى المدعى ، ويدخل فى هذا الاعتبار ما أصاب المدعى من ضرر من جراء تفويت الفرصة عليه فى استرداد الشيء عينا ( أوبرى ورو 12 فقرة 768 ص 395 )  . ويجوز للقاضى ، فى تقدير الحد الأقصى الذى يعينه للمدعى للحلف عليه ، أن يلجأ إلى الشهادة بالتسامع ( Commune renommee ) ( بودرى وبارد 4 فقرة 2780 مكررة – ديمولومب 30 فقرة 728 – لوران 20 فقرة 302 )  .

( [1078] )         أوبرى ورو فقرة 768 ص 395 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1586 ص 1060 – بودرى وبارد 4 فقرة 2781  .

وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " أما فيما يتعلق بالحجية فيمين التقويم واليمين المتممة بمنزلة سواء  . فيمين التقويم لا تقيد القاضى ، فله أن يقضى بمبلغ أقل من المبلغ المحلوف عليه إذا آنس مبالغة فى تقدير هذا المبلغ "  . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 466 )  .

( [1079] )         الوسيط جزء أول فقرة 631 – فقرة 634  .

( [1080] )         تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 542 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق  . وأقرته لجنة المراجعة فأصبح المادة 417 من المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب ، فلجنة مجلس الشيوخ تحت رقم 404 ، فمجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 416 و ص 419 )  .

( أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 416 - ص 417 )  .

( [1081] )         التقنينات المدنية العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 89 : مطابقة لنص التقنين المصرى  .

التقنين المدنى العراقى م 502 : مطابقة لنص التقنين المصرى  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 303 : يراد بالقرينة القانونية القرينة التى يعلقها القانون على بعض الأعمال والوقائع : ( أولا ) الأعمال التى يصرح القانون ببطلانها بتقدير أنها أجريت خلافاً لأحكامه وبالنظر إلى صفتها فقط  . ( ثانيا ) الأعمال التى يصرح القانون فى شأنها بأن حق الملكية وإبراء الذمة ناتج عن بعض ظروف معينة  . ( ثالثا ) القوة التى يمنحها القانون للقضية المحكمة – م 306 : إن القرينة القانونية تغنى من تقوم فى مصلحته عن كل بينة  . لا تقبل أية بينة ضد القرينة القانونية عندما يستند القانون إلى هذه القرينة فى إبطال بعض الأعمال أو منع التقاضى ، إلا إذا كان القانون قد احتفظ بقبول البينة على العكس أو إذا نتجت هذه البينة عن إقرار أن يمين قضائيين فى جميع الأحوال التى لا تختص بالنظام العام  .

( والتقنين اللبنانى يكاد يطابق فى نصوصه فى هذه المسألة التقنين الفرنسى كما سنرى  . ويقرب على كل حال من أحكام التقنين المصرى  . ويلاحظ أن التقنين اللبنانى أورد فى المواد التالية م 307 – 309 – القاعدة التى تقضى بأن الحيازة فى المنقول سند الملكية على أساس أن الحيازة هنا قرينة قانونية قاطعة )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 392 : مطابقة لنص التقنين المصرى  .

( [1082] )         التقنين المدنى الفرنسى م 1350 : القرينة القانونية هى التى يجعلها نص القانون تتعلق بتصرفات أو وقائع معينة  . من ذلك : ( 1 ) التصرفات التى يقرر القانون أنها باطلة ، مفترضا أنها أبرمت للاحتيال على أحكامه ، وذلك نظراً لصفتها وحدها  . ( 2 ) الأحوال التى يقرر فيها القانون أن كسب الملكية أو براءة الذمة تنتج عن بعض ظروف معينة  . ( 3 ) الحجية التى يرتبها القانون على الأمر المقضى  . ( 4 ) القوة التى يجعلها القانون لإقرار الخصم أو ليمينه – م 1352 : القرينة القانونية تغنى من تقررت لمصلحته عن أى دليل  . ولا يجوز إثبات ما ينقض القرينة القانونية إذا كان القانون يبطل على أساسها بعض التصرفات أو يجعل الدعوى غير مقبولة  . هذا ما لم يحفظ القانون الحق فى إقامة الدليل العكس ، وذلك مع عدم الإخلال بما سيتقرر فى خصوص اليمين والإقرار القضائيين  .

Art, 1350 : La Presomption legale est celle qui est attachee par une loi speciale a certains actes ou a certains faits; tells sont : 1 - Les actes que la loi declare nulls, comme presumes faits en fraude de ses disqositions, d'apres leur seule qualite  . 2 - Les cas dans lesquels la loi declare la propriete ou la liberation resulter de certaines circonstances determinees  . 3 - L'autorite que la loi attribute a la chose jugee 4 - La force que la loi attaché a l'aveu de la partie ou a son serment  .

Art  . 1352 : Lapresomption legale disperse de toute prevue celui au profit duquel elle existe  . Nulle prevue n'est admise contre la presumption de la acter ou denie l'action en justice, a moins qu'elle n'ait reserve la prevue contraire, et sauf ce qui sera dit sur le serment et l'aveu judiciaries  .

( [1083] )         بوتييه فقرة 837 – ديمولومب 30 فقرة 252 – بودرى وبارد 4 فقرة 2653 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1548 ص 1011 وهامش رقم 3 – على أن القضاء ، فى فرنسا وفى مصر ، لا يتقيد بحرفية هذه القاعدة  . فقد يستعير قرينة قانونية ، وضعت فى مكان معين ، لمكان آخر ، وقد فعل ذلك عندما افترض قيام حسن النية دائما مع أن المشرع لم يفترض حسن النية إلا فى مواضع معينة  . ويفترض القضاء ، فى بعض الأحيان ، وجود بعض العناصر التى تقوم عليها القرينة القانونية  . فعل القضاء الفرنسى ذلك فى قرينة تسليم السند إلى المدين ، فافترض أن هذا التسليم اختيارى  . وفعل كل من القضاء الفرنسى ذلك فى قرينة تسليم السند إلى المدين ، فافترض أن هذا التسليم اختيارى  . فعل القضاء الفرنسى والمصرى ذلك فى قرينة المسئولية عن فعل الحيوان والأشياء ، فافترض أن الضرر قد حدث بفعل الحيوان أو الشيء ( أنظر بيدان وبرو 9 فقرة 1292 )  . ويقول جنى فى هذا الصدد أن القرائن القانونية فى أصلها قد نبتت فى تربة العرف والقضاء ، وتحولت لتكون قرائن قانونية  . فلا عجب إذا هى بقيت تستمد غذاءها من تربتها الأصلية ، وهى تربة قوية خصبة ( جنى فى العلم والصياغة فى القانون الخاص 3 فقرة 235 )  .

هذا ويعثر الباحث فى نصوص الفقه الإسلامى على طائفة من القرائن الشرعية تعديل القرائن القانونية ، وهى منتثرة فى كتب الفقه  . وقد جمع منها الأستاذ أحمد إبراهيم فى كتابه " طرق القضاء فى الشريعة الإسلامية ص 427 ) – ص 430 جملة صالحة ، منها :

1 - ثبوت نسبة الولد من أبيه وهو الزوج شرعاً ، فالولد للفراش ، وقيام الزوجية قرينة على أن الولد من الزوج  . وهذه القرينة تقبل إثبات العكس ، ولكن بطريق خاص هو طريق اللعان  .

2 - الحكم بموت المفقود إذا مات أقرانه ، واتخاذ ذلك قرينة على موته  .

3 - التصرف فى مرض الموت قرينة على أن التصرف وصية  .

4 - تصرفات المفلس الضارة بالدائنين مردودة لقيام القرينة على سوء قصده  .

5 - وجود سند الدين تحت يد المدين قرينة ظاهرة على إيفاء المدين  . وقد نص على ذلك ابن فرحون فى باب القرائن ، وحكى خلافاً فى المسألة  .

( [1084] )         وقد قدمنا أن القرينة القانونية لم تكن فى الأصل إلا قرينة قضائية ، عممها القانون بعد أن نظمها ( بارتان على أوبرى ورو 12 فقرة 750 هامش رقم 1 مكرر ) ، بل هناك من القرائن القانونية ما نزل عن مرتبته وعاد إلى ما كان عليه قرينة قضائية  .

( [1085] )         ويرتب بارتان على ذلك نتيجة هامة فى قواعد الإسناد وتنازع القوانين  . فالقرينة القانونية تتصل بموضوع الحق اتصالا وثيقاً ، ومن ثم تخضع لقانون الموضوع  . أما القرينة القضائية فهى من عمل القاضى كما قدمنا ، ولذلك تخضع لقانون القاضى ( بارتان على أوبرى ورو 12 فقرة 750 هامش رقم 1 مكرر )  . كذلك إذا أنشأ القانون قرينة قانونية جديدة ، فلا يكون لها أثر رجعى ، إذ هى تتصل بموضوع الحق اتصالا وثيقاًن فهى ككل القواعد الموضوعية لا يجوز أن يكون لها أثر رجعى إلا بنص خاص يقضى بذلك ( جنى : العلم والصياغة فى القانون الخاص 3 ص 332 – ص 334 )  .

( [1086] )         بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1548 ص 1010  .

ويعقد حتى مقارنة شيقة بين القرينة القانونية والحيلة فى القانون ( Fiction )  . فالقرينة القانونية قاعدة من قواعد الإثبات تقبل فى العادة إثبات العكس  . ويجعلها القانون فى بعض الأحوال لا تقبل إثبات العكس ، بل يقلبها فى أحوال أخرى من قاعدة إثبات إلى قاعدة موضوعية فتصبح هى أيضاً غير قابلة لإثبات العكس  . ولكنها فى كل هذه الأحوال تبقى قائمة على فكرة الراجح الغالب الوقوع ( idée de probabilite )  . أما الحيلة فتختلف عن القرينة فى أنها لا أساس لها من الواقع ، بل هى من خلق المشرع ، فرضها فرضاً حتمياً ، فاستعصت طبيعتها بداهة على قبول إثبات العكس  . فهى أقوى من القرينة القانونية ، ولكنها أشد خطراً  . ومن ثم لا يلجأ إليها المشرع إلا حيث تضيق القرينة القانونية  . ويأتى جنى بأمثلة على ما قدمه : حجية الأمر المقضى قامت على قرينة قانونية لا تقبل إثبات العكس ، بل هى فى الواقع قد تحولت إلى قاعدة موضوعية ، ولكنها بقيت قائمة على فكرة الراجح الغالب الوقوع  . كذلك مسئولية رب العمل عن سلامة العمال ، وهى قائمة على تحمل التبعة ، خرجت عن أن تكون قرينة إلى أن تكون قاعدة موضوعية ، ولكنها هى أيضاً بقيت قائمة على فكرة الراجح الغالب الوقوع  . أما القاعدة التى تقضى بأنه لا يفترض الجهل بالقانون ( nul n'st cense ignorer la loi ) ، فهى قاعدة لا تقوم على الراجح الغالب الوقوع ، بل تقوم على الحيلة ( Fiction ) ، إذ يفرض المشرع فرضاً حتمياً أن الشخص عالم بأحكام القانون ، لا يقبل فى ذلك عذراً ، حتى تستقيم أمور نظمها بقاعدة تقوم على الحيلة ، وتضيق به القرينة  . ( جنى فى العلم والصياغة فى القانون الخاص 3 فقرة 243 ص 389 – ص 390 )  .

( [1087] )         وفى هذا المعنى تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى : " ولا يعدو موقف من يتمسك بقرينة عن مجرد الاستناد إلى واقعة قانونية ، يفترض القانون قيامها ، ويقبل بذلك من تحمل عبء إقامة الدليل عليها  . بيد أن هذه الإقالة لا تتناول إلا تلك الواقعة ممثلة فى القرينة القانونية ذاتها ، بمعنى أن من واجب من يتمسك بقرينة من القرائن أن يقيم الدليل على اجتماع الشروط التى يتطلبها القانون لقيامها " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 417 )  . أنظر أيضاً بودرى وبارد 4 فقرة 659  .

( [1088] )         وسنرى فيما يلى أن الأمر هنا إنما يتعلق بقاعدة موضوعية ، لا بقرينة قانونية  .

( [1089] )         وهنا أيضاً نساير بعض الآراء الذائعة فى الفقه ، وإلا فإن مسئولية المتبوع عن التابع إنما هى مسئولية عن الغير ، وليست تقوم على خطأ مفترض  . وهى والقاعدة التى تقضى بأن الولد للفراش من القواعد الموضوعية ، لا من قواعد الإثبات  . وسنرى ذلك فيما يلى  .

( [1090] )         الموجز للمؤلف فقرة 700 – قارن جنى ( Geny ) فى العلم والصياغة فى القانون الخاص جزء 3 فقرة 233  .

( [1091] )         وقد جاء المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " والأصل أن كل قرينة قانونية يجوز نقض دلالتها بإثبات العكس  . وقد حرص المشروع على إبرار هذا الأصل ، ولو أن نصوص التقنينات الأجنبية لا تجزم به فى عبارة صريحة  . بل إن التزام ظاهر هذه النصوص يوحى على نقيض ذلك أن الأصل ، فى منطقتها ، أن تكون القرائن قاطعة ، وأن البساطة فيها ليست سوى مجرد استثناء  . بيد أن أمثال تلك النصوص ونظيرها فى المشروع الفرنسى الإيطالى ( المادة 304 ) لا تواجه إلا طائفة خاصة من القرائن القانونية ، وهى التى يرتب القانون على قيامها بطلان بعض التصرفات أو نفى حق التقاضى  . وقد يكون فى حظر نقض دلالة هذه الطائفة الخاصة مع القرائن القانونية من طريق إقامة الدليل العكس ما يفيد أن الأصل ، فيما عدا هذا الحظر الذى خص بالنص ، أن تكون القرائن بسيطة ، وأن يباح إقامة الدليل على خلاف دلالتها  . ثم إن المشاهد إن القرائن البسيطة بوجه عام أكثر عدداً من القرائن القاطعة ، وإزاء ذلك تكون بساطة القرينة هى القاعدة  . على أن القواعد العامة فى الإثبات تنهض لتوجيه هذا الأصل  . ذلك أن الدليل الكتابى يجوز نقضه إما بطريق الطعن بالتزوير وإما بإقامة الدليل العكسى ، والقرينة القانونية ليست إلا حجة بقيمها الشارع ، فإذا لم يقم الدليل بوجه عام على صحة هذه الحجة ، فهى لا تعدو أن تكون احتمالا يصح فيه الخطأ فى بعض الأحوال  . ولذلك يكون الأصل هو جواز إقامة الدليل العكسى لنفى القرينة ، فيما عدا الأحوال التى ينص فيها القانون صراحة على عدم جواز ذلك والأحوال التى تؤسس فيها القرينة على النظام العام " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 417 - ص 418 )  .

( [1092] )         ومعنى إثبات العكس هنا هو إثباته فى الحالة الخاصة التى يكون الخصم بصددها  . وإلا فإنه لا يجوز إثبات عكس القرينة فى عمومها ، وبوصفها قاعدة تشريعية ، فإن هذا الإثبات معناه إلغاء التشريع ذاته الذى أقام القرينة القانونية ، ولا يلغى التشريع إلا بتشريع مثله ( أوبرى ورو 12 فقرة 750 هامش رقم 7 )  .

( [1093] )         فى هذا المعنى حتى فى عهد التقنين المدنى السابق لم يشتمل على نص صريح فى المسألة : الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 272 - ص 274 – قارن الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 2 فقرة 618  .

( [1094] )         أنظر أيضاً المادة 1100 من التقنين المدنى الفرنسى فى تسخير أشخاص معينين فى الهبة ما بين الزوجين  . وأنظر فى هذه المسألة ديكوتينيس ( Decottignies ) فى القرائن فى القانون الخاص باريس سنة 1950 ص 101 – ص 103  .

( [1095] )         وقد استدركت المادة 1352 من التقنين الفرنسى بأن استثنت حالة ما إذا كان القانون قد حفظ الحق فى إقامة الدليل العكسى  . ويمثل الفقيهان أوبرى ورو على هذه الحالة المستثناة بالمادة 1283 من التقنين الفرنسى ، وتنص على أن " تسليم الصورة التنفيذية للسند تسليماً اختيارياً يفيد الإبراء أو الوفاء ، ما لم يقم الدليل على العكس "  . فهنا يجعل القانون الدعوى غير مقبولة على أساس قرينة قانونية ، فكان ينبغى أن تكون هذه القرينة غير قابلة لإثبات العكس ، ولكن القانون نص صراحة على جواز ذلك  . ولا يوجد ، فى التقنين الفرنسى ، مثل لقرينة قانونية يبطل القانون على أساسها تصرفاً قانونياً وينص القانون مع ذلك على أنها قابلة لإثبات العكس ( أوبرى ورو 12 فقرة 750 هامش رقم 10 )  .

( [1096] )         أنظر بنوع خاص فى هذا الموضوع : جنى فى العلم والصياغة فى القانون الخاص الجزء الثالث فى القرائن  . ديكورتينيس فى القرائن فى القانون الخاص  .

( [1097] )         جنى فى العلم والصياغة 3 ص 306  .

( [1098] )         جنى فى العلم والصياغة 3 ص 307 – ص 399 – بيدان وبرو 9 فقرة 1294 ص 382 – ص 383  .

( [1099] )         ويقول جنى فى هذا المعنى أن المشرع الحكيم عندما يقيم قرينة قانونية ينبغى فى الأصل أن يجعلها قابلة لإثبات العكس  . فالقرينة القانونية دليل يقوم على الراجح الغالب الوقوع لا على التأكيد المطلق ، فيجب إفساح المجال لمن قامت ضده القرينة أن يثبت أن حالته لا تدرج تحت هذا الراجح الغالب الوقوع ، فإذا ما أراد المشرع أن يجعل القرينة غير قابلة لإثبات العكس ، فلابد أن يكون عنده من الأسباب الجوهرية ما يدعوه إلى إقفال الباب دون نقص القرينة ، وقلب الراجح الغالب الوقوع إلى التأكيد المطلق ، حتى يجعل القرينة تسيطر فى كل حالة دون أن يمكن دحضها  . ثم ينبغى إلى جانب ذلك أن ينص المشرع على أن القرينة لا تقبل إثبات العكس ، كما فعل المشرع الألمانى فى المادة 292 من تقنين المرافعات  . وينبغى جنى على المشرع الفرنسى إنه لم يختط هذه الخطة ، بل لجأ إلى معيارين ينطويان على درجة كبيرة من الإبهام والغموض  . ثم يقول إن هذا الغموض قد أفسخ المجال للقضاء والفقه فى تفسير النصوص بما يتفق مع القواعد الصحيحة ، فتكون القرينة قاطعة أو غير قاطعة تبعاً للاعتبارات التى حملت المشرع على إقامتها ( جنى فى العلم والصياغة فى القانون الخاص جزء 3 ص 298 – ص 301 و ص 390 – ص 312 – وأنظر أيضاً فى هذا المعنى بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1549 ص 1012 )  .

( [1100] )         وسنرى فيما يلى أن كثيراً مما يوصف بأنه قرينة قانونية قاطعة كحجية الأمر المقضى والتقادم ، ليس فى الواقع إلا قواعد موضوعية  . ويبقى معدوداً فى القرائن القانونية القاطعة هذه القرائن الأربع  . وهى كلها مسئوليات يقيمها القانون على قرينة الخطأ  . ويمكن التساؤل عما إذا كان من الجائز ، عندما يفرض المشرع الخطأ فى جانب المسئول ، أن يقفل فى وجهه الباب فلا يستطيع أن يثبت أنه لم يخطئ  . وهذا ما دعا طائفة من الفقهاء أن يعدلوا عن فكرة الخطأ المفروض إلى فكرة الخطأ الثابت  . فالمسئولية عن الحيوان وعن الأشياء وعن حريق العين المؤجرة إنما تقوم على خطأ ثابت فى الحراسة ( Faute dans la garde )  . والمسئولية العقدية إنما تقوم ، فى حالة الالتزام العقدى بتحقيق غاية وهى الحالة التى تعنينا ، على خطأ ثابت ، إذا أن عدم تحقيق الغاية المتعاقد عليها هى هذا الخطأ نفسه ، أياً كانت الأسباب التى أدت إلى عدم تحقيق هذه الغاية ( أنظر الوسيط الجزء الأول فقرة 428 وفقرة 708 وفقرة 735 – وقارن ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص فقرة 59 وفقرة 61 )  .

( [1101] )         ومن النصوص التى تقيم قرائن قانونية غير قاطعة وتذكر مع ذلك جواز إثبات العكس : المادة 177 التى تنص على مسئولية حارس البناء ، والمادة 238 التى تقيم قرائن قانونية غير قاطعة فى الدعوى البولصية ، والمادة 239 التى تقيم قرينة قانونية غير قاطعة على إعسار المدين ، والمادة 817 التى تجعل من كون الحائط فاصلا ما بين بنائين قرينة قانونية غير قاطعة على أن الحائط مشترك ، والفقرة الثالثة من المادة 916 التى تجعل من صدور التصرف فى مرض الموت قرينة قانونية غير قاطعة على أن المقصود به التبرع ، والمادة 917 التى تجعل الاحتفاظ فى التصرف لأحد الورثة بحيازة العين وبالحق فى الانتفاع قرينة غير قاطعة على أن التصرف مضاف إلى ما بعد الموت ، والمادة 963 التى تجعل الحيازة المادية قرينة غير قاطعة على الحيازة القانونية ، والمادة 964 التى تجعل الحيازة القانونية قرينة غير قاطعة على الملكية ، والمادة 965 التى تقيم قرينة غير قاطعة على حسن النية فى الحيازة ، والمادة 967 التى تقيم قرينة غير قاطعة على احتفاظ على الحيازة بالصفة التى بدأت بها  .

( [1102] )         وسنرى ، على العكس من ذلك ، أن التقادم المسقط بسنة واحدة فى حقوق عينتها المادة 378 إنما يقوم على قرينة قانونية قاطعة ، لا على قاعدة موضوعية  .

( [1103] )         أوبرى ورو 12 فقرة 750 ص 104 وهامش رقم 11 – لوران 19 فقرة 621 – بونييه فقرة 744 – بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 2183 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة فقرة 1551 ص 1013 – بيدان وبرو 9 فقرة 1295 – جنى فى العلم والصياغة 3 ص 212 – ص 213 – ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص فقرة 53 – فقرة 55  .

( [1104] )         الموجز للمؤلف فقرة 701 – الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 2 فقرة 623 - الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 163 – الأستاذ عبد الباسط جميعى فى الإثبات فقرة 102 ص 106 – ص 107  .

( [1105] )         وهذا أمر لا يقع فى العمل  . ومن ثم يرجح ما قدمناه من أن المسئولية عن الحيوان وعن الأشياء وعن الحريق لا تقوم على خطأ مفروض فرضاً لا يقبل إثبات العكس ، بل على خطأ ثابت هو الخطأ فى الحراسة  . كذلك المسئولية العقدية تقوم على خطأ ثابت هو عدم تحقيق الغاية التى التزم المتعاقد بتحقيقها  .

( [1106] )         وذلك سواء اعتبرنا اليمين حاسمة أو متممة ، فالنكول عنها فى كلا الاعتبارين يكون دحضاً للقرينة  . قارن ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص فقرة 55 ص 131 – ص 134  . أما غير ذلك من ضروب التقادم المسقط ، وكذلك التقادم المكسب ، فيقوم على قواعد موضوعية لا على قرائن كما سنرى  .

( [1107] )         أوبرى ورو 12 فقرة 750 ص 104 – ديمولومب 30 فقرة 277 – لوران 19 فقرة 621 – بودرى وبارد 4 فقرة 2664 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1551 ص 1013 – بيدان وبرو 9 فقرة 1295 ص 384 – ص 385  .

وأنظر أيضاً المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 418  .

( [1108] )         وإذا سلمنا جدلا بأن هناك قرائن قانونية قاطعة لا تقبل الدحض حتى بالإقرار أو اليمين ، وهو القرائن المتعلقة بالنظام العام ، فإنه يبقى مع ذلك ممكناً نفى هذه القرائن  . ولا يكون ذلك بطبيعة الحال عن طريق إثبات العكس ، فإنه يبقى مع ذلك ممكناً نفى هذه القرائن  . ولا يكون ذلك عن طريق إثبات أن الواقعة التى تقوم عليها القرينة لم توجد أو لم تتوافر شروطها  . فينفى من يحتج عليه بالأمر المقضى أن هناك حكماً حاز هذه الحجية ، أو يثبت أن هذا الحكم لم تتوافر فيه الشروط اللازمة  . وينفى من يحتج عليه بالتقادم أن التقادم قد اكتمل ، أو يثبت أن شروطه لم تتوافر  . فإذا نجح من يدعى ذلك فى إثبات ما يدعيه –وله الإثبات بجميع الطرق لأنه يثبت واقعة مادية - لم يكن بذلك قد أثبت عكس القرينة ، بل يكون قد اثبت أن القرينة ذاتها غير موجودة ، والفرق واضح بين الأمرين  .

( [1109] )         ويرجع الفضل فى جلاء هذا التمييز إلى جنى فى كتابه العلم والصياغة فى القانون الخاص الجزء الثالث فى القرائن ، ثم إلى ديكوتينيس فى رسالته المعروفة فى القرائن فى القانون الخاص وهى الرسالة التى تكررت الإشارة إليها  . وتبعهما بيدان وبرو 9 فقرة 1290  .

أنظر أيضاً فى هذا التمييز الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 159 مكرر – الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فى الإثبات ففقرة 227 – الأستاذ عبد الباسط جميعى فى الإثبات فقرة 101  .

( [1110] )         قارن بودرى وبارد 4 فقرة 2657 مكررة  .

( [1111] )         جنى فى العلم والصياغة فى القانون الخاص جزء 3 ص 236 – ص 239  .

( [1112] )         جنى فى العلم والصياغة فى القانون الخاص المرجح السابق – ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص ص 44  .

( [1113] )         ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص ص 45 و ص 52  .

( [1114] )         ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص ص 44  .

( [1115] )         ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص ص 51  .

( [1116] )         ومن القواعد الموضوعية التكميلية ( Suppletives ) أيضاً ما نصت عليه المواد 103 ( دفع العربون يفيد جواز العدول عن العقد ) و 309 ( ضمان المحيل ليسار المدين ) و 319 ( ضمان المدين الأصلى ليسار المحال عليه ) و 322 ( عدم انتقال الدين المضمون بالرهن مع العقار المرهون إلى ذمة المشترى ) و 345 ( كيفية احتساب خصم الديون عند تعددها ( imputation des paiements ) و 346 – 348 ( زمان ومكان ونفقات الوفاء بالدين )  .

( [1117] )         وقد سبق أن أشرنا إلى المقارنة التى عقدها جنى ما بين القرينة القانونية والحيلة ( Fiction )  . ويمكن الآن تعميم المقارنة وجعلها تنتظم القرينة القانونية والقاعدة الموضوعة والحيلة  . فكل من القرينة القانونية والقاعدة الموضوعة تقوم على الراجح الغالب الوقوع ، ولكن هذا العامل يبقى بارزاً إلى جانب القرينة القانونية ، بينما هو يختفى وراء القرينة القانونية  . أما الحيلة فلا شأن لها بالراجح الغالب الوقوع ، بل هى لا أساس لها من الواقع ، إذ تقوم على فرض خلقه المشرع دون أن يلقى بالا هل هذا الفرض يتفق مع الواقع أن ينحرف عنه  . فافتراض العلم بالقانون لا أساس له من الواقع ، وكذلك افترا 1 ض العلم بالأوراق التى أعلنت لجهة الإدارة أو لجهة النيابة العامة فيما يجيزه القانون من ذلك  . وأشد هذه الثلاثة خطراً هى الحيلة لأنها لا تقوم على الواقع ، ثم القاعدة الموضوعة لأنها وهى تقوم على الواقع يختفى الواقع وراءها ، وأقلها خطراً القرينة القانونية فهى تقوم على الواقع ويبقى الواقع بارزاً إلى جانبها  .

( [1118] )         قارن ديكوتينيس ص 121 – 122  .

( [1119] )         ديكوتينيس ص 45 – ص 46  .

( [1120] )         ونذكر منها أيضاً القواعد التى نصت عليها المواد 44 إلى 46 و 112 إلى 116 ( الصبى المميز والمحجور والبالغ سن الرشد ) و 228 ( وجود ضرر تعوض عنه الفوائد ) و 236 ( نيابة الدائن عن مدينه فى الدعوى غير المباشرة ) و 936 ( الأخذ بالشفعة لدفع أذى الجوار )  .

( [1121] )         أنظر الوسيط الجزء الأول فقرة 691 – وأنظر أيضاً جنى فى العلم والصياغة فى القانون الخاص جزء 3 ص 310 – ص 311 – ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص فقرة 60 ص 145 – ص 147  .

( [1122] )         قارن الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 159 مكررة ص 266 وفقرة 168  .

( [1123] )         ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص فقرة 93 ص 230 – ص 233  .

وقد قسم ديكوتينيس فى القرائن القانونية غير القاطعة إلى : ( أ ) قرائن تقوم على افتراض أولى ( a priori ) يضعه المشرع ليصل منه إلى تطبيق قاعدة قانونية من إعمال هذه القاعدة ، كافتراض أن الأصل فى الملك ألا يكون مثقلا بحق للغير ، وأن الأصل فى المتهم البراءة ، وأن الولد للفراش ، وأن أعمال التاجر تعد فى الأصل أعمالا تجارية ، وأن حسن النية مفروض فى الحيازة  . ( ب ) وقرائن مستقلة عن تطبيق قاعدة قانونية تقوم على فكرة الراجح الغالب الوقوع ، وقد ارتفع بها المشرع من مرتبة القرينة القضائية إلى مرتبة القرينة القانونية حتى يلزم بها القاضى والخصوم ، فيجعلها بمنأى عن النزاع والجدل ، ويقتصد فيما يبذل من جهد الإثبات ( Economie de Preuve ) : وذلك كافتراض العلم بالتعبير عن الإرادة بمجرد وصول التعبير إلى من وجه إليه ، وافتراض الوفاء بقسط الأجر السابق إذا أثبت المستأجر أنه دفع القسط اللاحق ( ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص ص 186 – ص 211 )  .

( [1124] )         وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا ذكر فى سند الدين أن القيمة دفعت نقداً ونفى الدين سبب الدين بالطريق القانونى ، كان على الدائن أن يقيم الدليل على ما قد يدعى أنه السبب الحقيقى للتعهد وعلى أنه سبب صحيح جائز قانوناً ( نقض مدنى 3 نوفمبر سنة 1932 المجموعة الرسمية 34 رقم 1 ص 12 )  . وقضت أيضاً بأنه متى كان الطاعنان لم يقدما الدليل على صورية السبب المدون فى السندات موضوع الدعوى ، وكانت المحكمة قد رأت فى حدود سلطتها الموضوعية أن القرائن التى ساقها الطاعنان ليستدلا بها على عدم مشروعية سبب الدين غير جدية وغير كافية لإضعاف الدليل الذى قدمه المطعون ضده وهو إثبات قرضه بسندات إذنية ثابت بها أن قيمتها دفعت للمفلس أو لضامنه ، وأن هذه القرائن لا تبرر إجابة الطاعنين إلى طلب إحالة الدعوى على التحقيق ، فإنها لا تكون قد خالفت مقتضى المادة 137 من القانون المدنى ( نقض مدنى 2 أبريل سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 120 ص 842 )  .

( [1125] )         وقد سبقت الإشارة إلى كثير من القرائن القانونية غير القاطعة فى التقنين المدنى المصرى ( أنظر المواد 91 و 97 فقرة 2 و 173 و 177 فقرة 1 و 238 فقرة 1 و 239 و 817 و 916 فقرة 3 و 917 و 963 و 964 و 965 فقرة 3 و 967 و 968 و 969 و 970 و 971 و 976 و 978 )  .

وقد كان التقنين المدنى السابق ( م 219 / 284 ) يجعل من تسليم سند الدين أو صورته التنفيذية إلى المدين قرينة قانونية على براءة ذمة المدين  . وهذه القرينة التى كانت قرينة قانونية غير قاطعة فى التقنين السابق أغفلها التقنين الجديد فنزلت إلى مرتبة القرائن القضائية  . أما فى التقنين المدنى الفرنسى فقد ارتفعت إلى قرينة قانونية فى شق منها ( م 1282 مدنى فرنسى فيما يتعلق بتسليم سند الدين ) وإلى قرينة قانونية غير قاطعة فى الشق الآخر ( م 1283 فيما يتعلق بتسليم الصورة التنفيذية )  .

( [1126] )         ولما كان حسن النية واقعة مادية ، فإنه يجوز إثبات العكس ، أى سوء النية ، بجميع طرق الإثبات ( استئناف مختلط 12 أبريل سنة 1945 م 57 ص 122 )  . وإذا كانت القرينة القانونية مستفادة من ورقة مكتوبة ، كالمخالصة بقسط الأجرة اللاحق وهى قرينة على الوفاء بالقسط السابق ، واستخدمت فى إثبات تصرف قانونى لا تزيد قيمته على عشرة جنيهات ، فإنه يمكن إثبات عكس القرينة بالبينة ، وليس فى هذا إثبات لعكس المكتوب ، بل هو إثبات لعكس القرينة القانونية المستفادة من المكتوب  .

وهناك قلة من الفقهاء الفرنسيين يذهبون إلى أنه لا يجوز إثبات عكس القرينة القانونية غير القاطعة بقرينة قضائية ( تولييه 10 فقرة 63 – زاخارييه فقرة 766 ) ، ولكن الكثرة الغالية من الفقهاء يجيزون ذلك ، عندما تكون القرينة القانونية قد استخدمت فى إثبات ما يجوز إثباته بالبينة أو بالقرائن القضائية ( أوبرى ورو 12 فقرة 750 ص 102 وهامش رقم 6 – ديرانتون 13 فقرة 412 – بونييه 2 فقرة 841 – لارومبيير 7 م 1352 فقرة 8 – ديمولومب 30 فقرة 268 – لوران 19 فقرة 616 – بودرى وبارد 4 فقرة 2261 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1550 ص 1012 – ص 1013 – بيدان وبرو 9 فقرة 1296 ص 385 )  .

( [1127] )         أنظر فى هذا المعنى الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 164 – الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 2 فقرة 745  . الأستاذ عبد المنعم فرج الصدة فقرة 229  .

وكانت المادة 219 / 284 من التقنين المدنى السابق قد أقامت كما قدمنا قرينة قانونية غير قاطعة تجعل تسليم سند الدين للمدين دليلا على براءة ذمته ، ثم أجازت المادة 220 / 285 من هذا التقنين إثبات عكس هذه القرينة بالبينة فى جميع الأحوال ( استئناف مختلط 25 أبريل سنة 1894 م 6 ص 247 – 13 فبراير سنة 1896 م 8 ص 117 – 18 ديسمبر سنة 1929 م 42 ص 108 – الموجز للمؤلف فقرة 689 )  .

( [1128] )         الموجز فقرة 702  .

( [1129] )         أنظر فى هذا المعنى أوبرى ورو 12 فقرة 750 ص 102 وهامش رقم 6 – بودرى وبارد 4 فقرة 2661 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1550 ص 1012 – ص 1013 – وقارب بيدان وبرو 9 فقرة 1296 ص 385  .

( [1130] )         أما إذا أريد إثبات عكس قرينة قانونية مستفادة من ورقة مكتوبة ، وكان الذى يراد إثباته سبباً غير مشروع ، فيجوز إثبات ذلك بالبينة ، وفقاً للقواعد العامة ( أنظر نقض مدنى 2 أبريل سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 120 ص 842 وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم )  .

( [1131] )         وفى الفقه الإسلامى توجد أيضاً قاعدة شرعية تقضى بأن الولد للفراش ، واللعان هو الطريق المقرر لنقض هذه القرينة  .

( [1132] )         أما فى التقنين المدنى المصرى ( م 817 ) فلم يعين المشرع طرقاً معينة لإثبات العكس  . أنظر فى هذه القرائن فى التقنين المدنى الفرنسى أوبرى ورو 12 فقرة 750 ص 106 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1550 ص 1013 وهامش رقم 1 – بيدان وبر 9 فقرة 1296 – ويجعل أوبرى ورو هذه القرائن فى مرتبة وسطى ما بين القرائن القانونية القاطعة والقرائن القانونية غير القاطعة ( أنظر المرجع المتقدم )  . ويدعوها ديكوتينيس بالقرائن النسبية ( Relatives ) ( ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص ص 135 – ص 182 )  .

( [1133] )         ويمكن فى هذه المناسبة عقد مقارنة بين الورقة كدليل كتابى والقرينة القانونية من حيث جواز إثبات العكس  . فالورقة العرفية يمكن إثبات عكسها بالكتابة والإقرار واليمين ، والقرينة القانونية –ما لم تكن قاطعة - يجوز أيضاً إثبات عكسها بالكتابة والإقرار واليمين بل وبالبينة والقرائن القضائية إذا استخدمت فى إثبات غير التصرفات القانونية التى تزيد قيمتها على عشرة جنيهات كما قدمنا  . والورقة الرسمية تشتمل على أجزاء لا يجوز إثبات عكسها إلا بطريق معين هو طريق الطعن بالتزوير ، ومن القرائن القانونية ما لا يجوز إثبات عكسه إلا بطريق معين كذلك ( قارن الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 270 هامش رقم 1 )  .

وغنى عن البيان أن تعيين القرائن القانونية ، وتحديد ما هو قاطع منها وما هو غير قاطع ، وكيف يجوز إثبات العكس ، كل هذه مسائل قانون تخضع لرقابة محكمة النقض  .

( [1134] )         أنظر جارسونيه وسيزاربريه 3 فقرة 703 وما بعدها – جلاسون وتيسييه وموريل 3 فقرة 774 وما بعدها – بلانيول وريبير وجابولد 7 ص 1014 هامش رقم 3  .

( [1135] )         ويقول بلانيول وريبير وجابولد أن هذه القرائن القانونية تستر فى الحقيقة قاعد موضوعية ، ولا تقوم الحجية النسبية للحكم على أساس قرينة تفيد أن الحكم هو عنوان الحقيقة ، وإلا لكان عنوان الحقيقة بالنسبة إلى الجميع  . ولكن الحجية النسبية تقوم على الاعتبار الآتى : لما كان القاضى محايداً وكان الخصوم هم الذين يقدمون الأدلة ، فالحقيقة القضائية مرهونة بما يقدمون من ذلك ، ومن أجل هذا كان الحكم حجة عليهم هم دون غيرهم ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1556 ص 1023 )  . أنظر أيضاً بيدان وبرو 9 فقرة 1337 – فقرة 1338  .

( [1136] )         وتفيد هذه القرينة أن الحكم هو عنوان الحقيقة : Resjudicata pro veritate habetur  .

( [1137] )         وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى تبريراً لوضع حجية الأمر المقضى فى التقنين المدنى ما يأتى : " تتصل حجية الشيء المقضى به بآثار الأحكام ، ويدخل تنظيمها من هذا الوجه فى قانون المرافعات  . بيد أن تقنين المرافعات المصرى قد أغفل هذا التنظيم ، فى حين عرض له التقنين المدنى المصرى فى المادة 232 / 297  . ولم تقتصر هذه المادة على إقامة قرينة الحجية دون جواز قبول أى دليل لنقضها ، بل تناولت أيضاً موضوع هذه الحجية وشروطها  . وهذا هو منحى التقنين الفرنسى ، والتقنين الإيطالى ( م 1351 ) ، والتقنين الهولندى ( م 1954 ) والتقنين الأسبانى ( م 1252 ) والتقنين الكندى ( م 1241 ) والتقنين المراكشى ( م 451 ) والمشروع الفرنسى الإيطالى ( م 302 )  . على أن التقنين البرتغالى لا يدرج حجية الشيء المقضى به فى عداد القرائن ( م 2502 - 2505 ) بل يدخلها فى نطاق الأدلة الكتابية  . والواقع أن حجية الشيء المقضى به تنطوى على معنى الدليل ، وإن كانت قاعدة من قواعد نظام القضاء ، ولذلك رؤى إبقاء النص الخاص بها فى مشروع التقنين المدنى بين النصوص الخاصة بالقرائن القانونية على غرار ما هو متبع فى أكثر التقنينات " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 420 – ص 421 )  .

( [1138] )         ولحجية الأمر المقضى معنى آخر فى القانون الفرنسى : قابلية الحكم للتنفيذ إلى أن يطعن فيه  . ذلك أن الأحكام فى القانون الفرنسى تكون قابلة للتنفيذ إلى أن يطعن فيها ، فالذى يقف تنفيذها ليس هو ميعاد الطعن بل هو الطعن ذاته ( دى باج 3 فقرة 940 ص 937 – ص 938 )  . ويقول دى باج فى موضع آخر ( جزء ثالث فقرة 940 ص 942 ) إن الحكم القابل للطعن فيه تكون له حجية الأمر المقضى بالمعنيين ، فهو حجة على الخصوم وقابل للتنفيذ  . فإذا ما طعن فيه فعلا ، زال المعنى الثانى –القابلية للتنفيذ - وبقى المعنى الأول ، إذ يكون حجة على الخصوم إلا أن يؤدى الطعن إلى إلغائه ( أنظر أيضاً فى هذا المعنى أوبرى ورو 12 فقرة 769 ص 451 وهامش رقم 111 مكرر )  .

( [1139] )         ومن أسباب هذا الخلط ما يرجع إلى لغة القانون الفرنسى  . فالحكم القطعى ( Definitif ) يجوز الحجية ( Autorite ) ، والحكم النهائى ( Definitif ) يجوز القوة ( Force ) ، فوق الخلط من استعمال لفظ ( Definitif ) بمعنى القطعى والنهائى فى وقت واحد  . أما فى لغتنا العربية فيسهل التمييز بين الحكم القطعى ويجوز الحجية دون القوة ، والحكم النهائى ويجوز الحجية والقوة معاً  .

( [1140] )         وكثيراً ما توهم لغة الأحكام القضائية أن الحكم لا يجوز حجية الأمر المقضى إلا إذا أصبح نهائياً حائزاً لقوة الأمر المقضى : أنظر استئناف مختلط 12 يناير سنة 1920 م 32 ص 113 – 26 يناير سنة 1926 م 38 ص 195 – 14 يونيه سنة 1928 م 40 ص 427 – 22 مايو سنة 1930 م 42 ص 514 – 26 فبراير سنة 1931 م 43 ص 257 – 3 ديسمبر سنة 1936 م 49 ص 33 – 31 مارس سنة 1942 م 54 ص 156  .

( [1141] )         ومع ذلك أنظر استئناف مختلط 30 أكتوبر سنة 1912 م 25 ص 3 ( وهو يقف حجية الحكم بمجرد الطعن فيه ، فإذا ما قبل الطعن زالت الحجية نهائياً )  .

( [1142] )         ويذهب رأى إلى أن الحكم ، حتى فى هذه المرتبة القصوى من الحجية والقوة ، يجوز إلغاؤه بدعوى بطلان ( Action en nullite ) إذا ثبت أن الخصم قد حصل عليه بطريق الغش ، وذلك تطبيقاً للقاعدة التى تقضى بأن الغش يفسد العمل ( Fraus omnia Corrumpit ) ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1554 ص 1017 هامش رقم 2 وقد أشير إلى حكمين من محكمة النقض الفرنسية : 6 ديسمبر سنة 1859 داللوز 60 – 1 – 17 – 16 فبراير سنة 1921 سيريه 1921 – 1 – 364 ، وإلى حكم من محكمة الاستئناف المختلطة : 19 يناير سنة 1926 م 38 ص 181 )  . أنظر أيضاً الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 287 هامش رقم 3 – أما القضاء المختلط الذى أشار غليه بلانيول وريبير وجابولد فيما قدمنا ، فبعض أحكامه تجيز إلغاء الحكم المشوب بالغش عن طريق دعوى بطلان أصلية : استئناف مختلط 27 أبريل سنة 1915 م 27 ص 295 – 25 يناير سنة 1917 م 29 ص 175 – 12 ديسمبر سنة 1918 م 31 ص 66 – 22 مايو سنة 1919 م 31 ص 312 – 19 يناير سنة 1926 م 38 ص 181 وهو الحكم الذى أشير إليه – 7 مارس سنة 1933 م 45 ص 194 – 20 أبريل سنة 1937 م 49 ص 199  . وأحكام أخرى لا تجيز الطعن فى الحكم عن طريق دعوى بطلان أصلية حتى لو كان هذا الحكم مشوباً بالغش ، فلا يطعن فى الحكم إلا بطرق الطعن التى قررها القانون لا بدعوى البطلان ، وإذا كانت طرق الطعن هذه قد استنفدت جميعها ، لم يبق للخصم إلا أن يرفع دعوى تعويض مبتدأه عن الضرر الذى لحق به بسبب الغش : استئناف مختلط 13 يناير سنة 1920 م 32 ص 188 – 8 مايو سنة 1923 م 35 ص 427 – 16 مايو سنة 1923 م 35 ص 453 – 27 فبراير سنة 1929 م 41 ص 279 – 9 يناير سنة 1930 م 42 ص 173 – 11 ديسمبر سنة 1930 م 42 ص 77 – 24 ديسمبر سنة 1931 م 44 ص 90 – 6 مارس سنة 1934 م 46 ص 201 – 19 مايو سنة 1937 م 49 ص 228  .

( [1143] )         وإلى جانب حجية الأمر المقضى ( Autorite de la Chose Jugee ) وقوة الأمر المقضى ( Force de la Chose Jugee ) يوجد قوة الحكم فى الإثبات ( Force Probante du jugement ) : فالحكم بما يشتمل عليه من وقائع ( Qualites ) وأسباب ( Motifs ) ومنطوق ( Dispositif ) وثيقة رسمية لا تقل فى قوة الإثبات عن الأوراق الرسمية الأخرى  . وهو فى هذا المعنى حجة على الكافة ، لا على الخصوم فحسب  . فما دونه القاضى من الوقائع على أنه وقع تحت سمعه أو بصره لا يجوز إثبات عكسه إلا عن طريق الطعن بالتزوير  . وما دونه رواية عن الغير يعتبر صحيحاً إلى أن يثبت عكسه ، ويجوز الإثبات هنا بجميع الطرق ، لأن صاحب الشأن لم يشترك فى تحرير الحكم فهو من الغير  . وأسباب الحكم بعضها يتصل اتصالا وثيقاً بالمنطوق على ما سنرى فيعتبر جزءاً منه ، وبعضها يبقى منفصلا عن المنطوق ويعتبر من بين أدلة الإثبات التى يقدر القاضى دلالتها وقوتها كما يقدر أى دليل آخر  . أما منطوق الحكم فهو أيضاً حجة على الكافة ، لا على الخصوم فحسب  . ولكن لغير الخصوم ، ممن يسرى فى حقهم الحكم ، دحض هذه الحجية بإثبات عكسها ، إما عن طريق دعوى مبتدأه ، وإما عن طريق اعتراض الخارج عن الخصومة ( Tierce - opposition )  .

ويتبين مما تقدم أنه يجوز لمحكمة الاستئناف ، وهى تؤيد الحكم الابتدائى ، أن تحيل على ما جاء فيه ، وأن تتخذ من أسبابه أسباباً لحكمها باعتبار أن هذه الأسباب أدلة إثبات اقتنعت بها محكمة الاستئناف ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1553 ص 1016 هامش رقم 3 – وقد أشير إلى حكم لمحكمة النقض الفرنسية فى هذا المعنى : 14 يونيه سنة 1950 داللوز 1950 – 330 )  . وقضت محكمة النقض فى مصر بأن لمحكمة الاستئناف ، إذ هى تؤيد الحكم الابتدائى ، أن تحيل على ما جاء فيه ، سواء فى بيان وقائع الدعوى أو فى الأسباب التى أقيم عليها متى كانت تكفى لحمله  . وإذن فمتى كان الحكم الاستئنافى ، إذ أيد الحكم الابتدائى فيما قضى به من رفض دعوى الطاعنين وأحال على أسباب هذا الحكم الأخير ، قد استند إلى أن الطاعنين لم يثيروا فى استئنافهم جديداً يسوغ العدول عن الحكم الابتدائى ، وكانت هذه الأسباب قد تضمنت بياناً كافياً لوقائع الدعوى ، وكان من شأن هذه الأسباب أن تؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها الحكم ، وكان دفاع الطاعنين أمام المحكمة الاستئنافية لا يخرج فى جوهره عنه أمام المحكمة الابتدائية ، وكانوا لم يقدموا صورة رسمية من صحيفة استئنافهم لتأييد ما يدعوى من أنهم استندوا إلى أسباب جديدة لم يسبق عرضها على محكمة الدرجة الأولى ، مما يعتبر معه حجة غير منقوضة ما قالت محكمة الاستئناف من أنهم لم يثيروا جديداً فى استئنافهم ، فإن الطعن فى الحكم الاستئنافى لقصوره يكون على غير أساس ( نقض مدنى 18 يناير سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 51 ص 264 )  .

( [1144] )         وبالمعنى الأول ، أى أن يكون الحكم حجة على الخصوم ، لا بالمعنى الثانى وهو قابلية الحكم للتنفيذ  .

( [1145] )         أما إذا كان الحكم قد شابه الغش فهناك قول بجواز رفع دعوى البطلان ، وقد سبق أن أشرنا إلى اختلاف القضاء المختلط فى هذه المسألة  .

( [1146] )         ويقول دى باج إنه لا يصح الغلو فى إبراز أهمية عدم جواز دحض الأمر المقضى بالإقرار واليمين ، فالأمر فى ذلك لا يعدو أن يكون مألوفا ، إذ اليمين هنا لا يجوز توجهيها لمن صدر الحكم لمصلحته ، فإنه لا يستطيع أن يحلف على صحة الحكم وهو أمر لا يتعلق بشخصه بل يتعلق بالقاضى ، أما بالنسبة إلى الإقرار فيصعب أن نتصور المحكوم له يقر بعدم صحة الحكم الصادر لمصلحته ( دى باج 3 فقرة 942 ص 946 )  .

( [1147] )         أنظر بيدان وبرو 9 فقرة 1336 : ويقولان أن الدفع بحجية الأمر المقضى سبق فى الظهور التمسك بحجية الأمر المقضى  .

( [1148] )         أنظر فى هذا المعنى الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 166 ص 279 وفقرة 173 ص 295  .

( [1149] )         أنظر بيدان وبرو 9 فقرة 1336 – وقارن التمييز بين حجية الأحكام أو قوتها فى الإثبات بوجه عام وبين أثر الأحكام الملزم أو الدفع بسبق الفصل عنه الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 166 – فقرة 172  .

( [1150] )         وقد جاء المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " وقوام الحجية الشيء المقضى به هو ما يفرضه القانون من صحة مطلقة فى حكومة القاضى  . فهذه الحجية تفترض تنازعاً بين المصالح يستتبع الترافع إلى القضاء ، وليس شك فى أن صحة الحكومة لا تعتبر تفترض تنازعاً بين المصالح يستتبع الترافع إلى القضاء ، وليس شك فى أن صحة الحكومة لا تعتبر حتما تقتضيه طبيعة الأشياء  . ذلك أن القضاة تعوزهم العصمة ، شأنهم فى هذه الناحية شأن البشر كافة  . بيد أن المشرع أطلق قرينة الصحة فى حكومة القاضى رعاية لحسن سيرة العدالة واتقاء لتأييد الخصومات  . فأساس هذه القرينة هو النص المقرر لحجية الشيء المقضى به ، وقد نصت المادة 232 / 297 من التقنين المدنى ( السابق ) صراحة على أن " الأحكام التى صارت انتهائية تكون حجة بالحقوق الثابتة بها ، ولا يجوز قبول إثبات ما يخالفها "  . ويرمى الشارع من وراء تقرير حجية الشيء المقضى به إلى كفالة حسن سير العدالة وضمان الاستقرار من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية  . فحكومة القضاء يجب أن تضع حداً لكل نزاع مادامت طرق الطعن المقررة قد استنفدت بإزائها ، ويجب كذلك أن تكون بمأمن من المتعارض مع حكومة لاحقة ، وهو أمر يصبح يسير الوقوع لو ابيح عود الخصوم أنفسهم إلى عين الدعوى التى قضى فيها نهائياً  . وينحصر أثر القرية القانونية الخاصة بحجية الشيء المقضى به فى تخويل الخصوم حق " الدفع بسبق الفصل " وتخويل المحاكم حق إثارته من تلقاء نفسها ( وهذا عكس ما تقرر فى المشروع التمهيدى )  . ويراعى أن هذا الدفع يعتبر دفعاً قطعياً  . بعدم القبول ، ويترتب عليه امتناع التقاضى بالنسبة لكل طلب أو ادعاء جديد بين الخصوم أنفسهم متى اتحد مع ما سبق الفصل فيه سبباً وموضوعاً  . وعلى هذا النحو يمتنع على الخصوم الترافع إلى القضاء لإعادة طرح نزاع سبق الفصل فيه " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 421 – ص 422 )  .

وهذا يلاحظ أن المشروع الأولى للإثبات –الذى تكررت الإشارة إليه - كان يتضمن نصاً ( المادة 29 من هذا المشروع ) يقضى بأن حجية الأمر المقضى من النظام العام  . وقد برز أثر هذا النص فى المذكرة الإيضاحية حيث تقول : " وتخويل المحاكم حق إثارته من تلقاء نفسها "  . ولكن المشروع التمهيدى أخذ بوجهة النظر العكسية ، وقرر أنه " لا يجوز للمحكمة أن تأخذ بهذه القرينة من تلقاء نفسها "  . وبالرغم من ذلك لم تعدل المذكرة الإيضاحية التعديل الذى يساير ما أخذ به المشرع التمهيدى ( أنظر الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات ص 293 هامش رقم 1 و ص 299 هامش رقم 2 )  .

( [1151] )         وحتى لو سايرنا الرأى الذى يذهب إلى أن القرينة القانونية القاطعة لا يجوز دحضها بالإقرار واليمين إذا كانت متعلقة بالنظام العام ، فإن حجية الأمر المقضى لا تعتبر من النظام العام ، كما هو مقتضى نص الفقرة الثانية من المادة 405 ، فكان الواجب إذن جواز دحضها بالإقرار واليمين لو أنها كانت قرينة قانونية  . وسنرى فيما يلى أن حجية الأمر المقضى ليست من النظام العام فى المسائل المدنية  .

( [1152] )         بيدان وبرو 9 فقرة 1337 – أنسيكلوبيدى داللوز 1 لفظ Chose Jugee فقرة 2 – ديكوتينيس فى القرائن فى القانون الخاص فقرة 49 ص 110 – ص 116 ( ويبحث بنوع خاص أهمية القول بأن حجية الأمر المقضى قاعدة موضوعية لا قرينة قانونية من ناحية تنفيذ الأحكام )  .

( [1153] )         هذا ولا يجعل الفقه الإسلامى مبدأ حجية الأمر المقضى  . جاء فى الأشباه والنظائر ( ص 126 – ص 127 ) : " لا يصح رجوع القاضى عن قضائه ، فلو قال رجعت عن قضائى ، أو وقعت فى تلبيس الشهود ، أو أبطلت حكمى ، لم يصح ، والقضاء ماض ، كما فى الخانية ، وقيده فى الخلاصة بما إذا كان مع شرائط الصحة ، وفى الكنز بما إذا كان بعد دعوى صحيحة وشهادة مستقيمة "  . وجاء أيضاً فى الأشباه والنظائر فى مكان آخر ( ص 119 ) : " المقضى عليه فى حادثة لا تسمع دعواه ولا بينته ، إلا إذا ادعى تلقى الملك من المدعى أو النتاج أو برهن على إبطال القضاء ، كما ذكره العمادى ، والدفع بعد القضاء بواحد مما ذكر صحيح وينقض القضاء  . فكما يسمع الدفع قبله يسمع بعده ، لكن بهذه الثلاث "  . وأنظر فى أن قضاء القاضى لا ينقض برجوع الشاهد عن شهادته بعد القضاء ، حتى قبل الإمضاء ( أى تنفيذ الحكم ) ، إلا فى القصاص والحدود لأنها تدرأ بالشبهات ، إلى الأستاذ أحمد إبراهيم فى طرق القضاء فى الشريعة الإسلامية ص 404 – ص 407  .

ولكن يرد على مبدأ حجية الأمر المقضى فى الفقه الإسلامى استثناءات بلغت من الكثرة حداً جعل الفكرة السائدة أن الفقه الإسلامى لا يقر المبدأ ذاته  . ويذكر الأستاذ موران ( Morand ) فى كتابه " دراسات فى الفقه الإسلامى الجزائرى ص 337 – ص 357 ) أن الفقه الإسلامى يقر مبدأ حجية الأمر المقضى ، وأن القول بغير ذلك سببه كثرة الاستثناءات التى ترد على هذا المبدأ ، وأن المبدأ ذاته ليس من النظام العام كما هو الأمر فى الفقه الحديث على ما سنرى  . فلو صدر حكم فى قضية ، وعاد المحكوم عليه إلى رفعها من جديد ، ولم يتمسك المحكوم له بحجية الأمر المقضى ، أعاد القاضى النظر فى القضية لأنه لا يستطيع أن يثير هذا الدفع من تلقاء نفسه  . أما إذا تمسك المحكوم له بحجية الأمر المقضى ، فإنه يجب على القاضى أن يجيبه إلى طلبه : ويقول الأستاذ موران بحق أن الاستثناءات الكثيرة التى ترد على المبدأ ليست فى الواقع إلا وجوهاً للطعن فى الحكم تقابل وجوه الطعن المعترف بها فى القوانين الحديثة ( أنظر أيضاً فى هذه المسالة رسالة مارنير ( Marneur ) فى نظرية الإثبات فى الفقه الإسلامى ص 311 – ص 342 )  .

( [1154] ) استئناف مختلط 10 مايو سنة 1916 م 28 ص 308  .

( [1155] ) دى باج 3 فقرة 942 ص 944  .

( [1156] ) استئناف مختلط 6 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 13  .

( [1157] ) قلنا يكاد ، لأن هناك رأياً مرجوحاً يعتبر حجية الأمر المقضى من النظام العام فى الدعاوى المدنية ، فيجوز للقاضى إثارتها من تلقاء نفسه ، ويجوز التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض ، ولا يجوز النزول عنها ( استئناف أهلى 28 فبراير سنة 1914 الشرائع 1 ص 294 - 15 فبراير سنة 1915 الشرائع 2 ص 183 - محكمة الزقازيق الجزئية 20 مايو سنة 1944 المحاماة 24 رقم 133 ص 409 - استئناف مختلط 14 نوفمبر سنة 1922 م 35 ص 22 )  .

على أن التسليم بأن حجية الأمر المقضى قرينة لا يجوز نقضها لا بالإقرار ولا باليمين لا يجعل القول بأن هذه القرينة ليست من النظام العام  . ومن ثم اضطرب الأمر وتضاربت الآراء فى تعليل هذا التعارض  .

فرأى يذهب إلى أن حجية الأمر المقضى ، بالرغم من أنها شرعت لمصلحة عامة من الناحية الاجتماعية ( interet general d'ordre social ) ، إلا أنها لا تتعلق بالنظام العام ( ordre public ) إلا من ناحية عدم جواز دحضها بالإقرار واليمن ( دى باج 3 فقرة 942 ص 944 - ص 49 - أوبرى ورو 12 فقرة 769 ص 457 - ص 58 - لوران 20 فقرة 135 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1552 ص 1015 - ص 1016 - جارسونيه وسيزاربرى 3 فقرة 703 وهامش رقم 5 - الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 174 )  .

ورأى آخر يذهب إلى أن حجية الأمر المقضى من حيث إنها قرينة قانونية تعتبر من النظام العام فلا تدحض حتى بالإقرار أو اليمين ، ومن حيث إنها دفع لا تعتبر من النظام العام فلا يجوز للقاضى إثارتها من تلقاء نفسه ولا يجوز المسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض ويجوز للخصوم النزول عنها  . وكنا من القائلين بهذا الرأى فى الموجز ( ص 731 هامش رقم 2 - ويذهب الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 2 فقرة 731 - فقرة 732 إلى أن حق الدفع بقوة الشئ المحموم فيه مبنى على النظام العام ، إلا أن الدفع ذاته ليس من النظام العام )  . ويؤخذ على هذا الرأى أنه ما دام الدفع مترتباً على القرينة ، وما دامت القرينة من النظام العام ، فكان الواجب أن يكون الدفع هو أيضاً من النظام العام  .

والذى يزيل التعارض فى نظرنا هو أن حجية الأمر المقضى ، كما مضى القول ، قاعدة موضوعية ( regle de fond )  . لا قرينة قانونية من قواعد الإثبات ( regle de preuve )  . وهى فى الوقت ذاته قاعدة ليست من النظام العام ، لأنها إنما تعنى بمصالح الإفراد الخاصة ولا تتعلق بمصلحة المجتمع العليا  . فهى كقاعدة موضوعية لا تدحض بالإقرار أو اليمين ، وهى كقاعدة ليست من النظام العام لا يجوز للقاضى إثارتها من تلقاء نفسه ولا يجوز التمسك بها لأول مرة أمام محكمة النقض ويجوز للخصوم النزول عنها  . ثم هى دفع موضوعى لا دفع شكلى ، ومن ثم جاز إبداء هذا الدفع فى أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف ( لا أمام محكمة النقض ) ، ولو كان الدفع شكلياً لسقط حق التمسك به إذا لم يبد قبل الدخول فى الموضوع ( استئناف مختلط 8 فبراير سنة 1911 م 23 ص 157 )  .

( [1158] ) صراحة أو ضمناً ، ومتى نزل الخصم عنها فلا يجوز له الرجوع فيما نزل  . وقد قضت محكمة النقض بأن التنازل البات عن الدفع بقوة الشئ المحموم فيه لا يجوز الرجوع فيه ، إذ أن هذا الدفع ليس من النظام العام ، ولا هو وسيلة من وسائل الدفاع يتركها صاحبها بمشيئته ، بل هو حق من الحقوق الخاصة إن شاء صاحبه فلا سبيل له للرجوع إليه ، لأن التنازل عن الحق هو عمل فردى ملزم لصاحبه بدون حاجة إلى قبول يصدر من الآخر  . وإذا استنبطت محكمة الموضوع تنازل أحد الخصوم عن الدفع بقوة الشئ المحكوم فيه من عبارة صدرت منه صالحة لإفادة هذا التنازل ، فلا رقابة لمحكمة النقض عليها فى ذلك ( نقض مدنى 5 يناير سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 90 ص 162 )  . انظر أيضاً محكمة الفشن 24 فبراير سنة 1915 المجموعة الرسمية 16 رقم 60 )  .

( [1159] ) وقد قضت محكمة النقض بأن حجية الأحكام يجب لاعتبارها أن يتمسك بها ذوو الشأن  . فإذا كان الثابت بالحكم أن النزاع فى صحة عقد الإيجار قد أثير أمام المحكمة ، فكان ردها فى خصوصه رداً موضوعياً مبيناً على أن العقد صحيح ملزم ، دون أية إشارة إلى حصول تمسك السابق فى طلب إبرام الحكم المطعون فيه لا يكون له محل ( نقض مدنى 20 فبراية سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 158 ص 354 مع تعليق الأستاذ محمد حامد فهمى فى هامش ص 356 )  . انظر أيضاً : استئناف أهلى 28 فبراير سنة 1914 الشرائع 1 ص 294 - 15 فبراير سنة 1915 الشرائع 2 ص 183 - طنطا 27 نوفمبر سنة 1906 المجموعة الرسمية 8 ص 12 - استئناف مختلط 22 فبراير سنة 1911 م 23 ص 187 - 14 نوفمبر سنة 1922 م 35 ص 22  .

( [1160] ) نقض جنائى 16 ديسمبر سنة 1940 المحاماة 21 رقم 302 ص 690  . نقض مدنى 20 فبراير سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 158 ص 354 ( وهو الحكم الذى سبقت الإشارة إليه ) – انظر أيضاً بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1552 ص 1016 هامش رقم 2  .

هذا ويلاحظ أن المادة 406 من تقنين المرافعات تنص على أن " للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض فى أى حكم انتهائى - أياً كانت المحكمة التى أصدرته – فصل فى نزاع خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الشئ المحكوم به ( passe en force de chose jugee ) ، سواء أدفع بهذا الدفع أم لم يدفع " - وليس هذا معناه أنه يجوز التمسك بالدفع لأول مرة أمام محكمة النقض فيما يأتى : ( أ ) للتمسك بهذا الوجه يجب صدور حكم سابق حاز لقوة الشئ المحكوم فيه ، أى حكم نهائى  . ولو كان هذا دفعاً يبدى لأول مرة أمام محكمة النقض ، لكان يكفى أن يكون هناك حكم قطعى حائز لحجية الأمر المقضى ولو لم يكن حكماً نهائياً  . ( ب ) فى الحكم النهائى المطعون فيه أمام محكمة النقض بهذا الوجه الخاص لم يكن يجوز لا لمحكمة أول درجة ولا لمحكمة الاستئناف أن تثير الدفع من تلقاء نفسها ، ولو كان هذا دفعاً يبدى لأول مرة أمام محكمة النقض لكان من النظام العام ، ولجاز لمحكمتى الموضوع أن تثيراه ولو لم يتمسك به الخصوم  . انظر فى هذا الوجه الخاص من الطعن : نقض مدنى 2 يونيه سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 56 ص 126 - 26 أكتوبر سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 138 ص 252 - 2 مايو سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 258 ص 749 - 16 يناير سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 317 ص 1042 - 21 يناير سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 30 ص 76 - 11 نوفمبر سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 71 ص 193 - 25 يناير سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 25 ص 56 - 25 أبريل سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 53 ص 178 - 17 مايو سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 253 ص 675 - 31 يناير سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 34 ص 91 - 24 أبريل سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 192 ص 421 - 18 يناير سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 51 ص 264 - 19 أبريل سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 112 ص 674 - 24 يناير سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 67 ص 396  .

ويلاحظ أن هذا الوجه الخاص من وجوه النقض يقابله فى فرنسا وجه مماثل ، ولكنه يفتح باب لتمام إعادة النظر لا باب النقض ، بشرط أن يكون الحكمان المتعارضان قد صدرا من محكمة واحدة ( أوبرى ورو 12 فقرة 769 ص 459 )  .

( [1161] ) استئناف أهلى 28 فبراير سنة 1914 الشرائع 1 ص 294 - 15 فبراير سنة 1915 الشرائع 2 ص 183 ( وقد سبقت الإشارة إلى هذين الحكمين ، ويلاحظ أنهما يزيدان أن الدفع يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض كما قدمنا ، وهذا خطأ لأن الدفع ليس من النظام العا ) - جرجا 7 مارس سنة 1903 المجموعة الرسمية 4 رقم 109 - طنطا الجزئية 16 أبريل سنة 1903 المجموعة الرسمية 5 رقم 69 - استئناف مختلط 6 أبريل سنة 1920 م 32 ص 252 - 21 أبريل سنة 1927 م 39 ص 408 - انظر أيضاً : نقض فرنسى 14 يونيه سنة 1950 داللوز 1950 - 534 - وقارن حكم محكمة القضاء الإدارى 22 مارس سنة 1949 المحاماة 32 رقم 42 ص 159  .

( [1162] ) وقد قدمنا أن المشروع الأولى للإثبات كان يقضى فى المادة 29 منه بأن حجية الأمر المقضى من النظام العام ، وأن هذا كان له أثره فى المذكرة الإيضاحية ( انظر مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 422 - ص 423 ) حيث تذكر فى أكثر من موضع أن هذه الحجية من النظام العام  . ولم تعدل المذكرة لتساير النص بعد تعديله ، وقد سبق التنبيه إلى ذلك  .

( [1163] ) استئناف مختلط 29 أبريل سنة 1896 م 8 ص 253 - 19 مايو سنة 1897 م 9 ص 347 - أول أبريل سنة 1903 م 15 ص 348 - 11 يونيه سنة 1903 م 15 ص 348 - 18 يونيه سنة 1913 م 25 ص 450 - 26 يناير سنة 1921 م 33 ص 152 - 30 ديسمبر سنة 1930 م 43 ص 120 - 5 مايو سنة 1931 م 43 ص 371 - 27 مايو سنة 1931 م 43 ص 415 - 7 يونيه سنة 1932 م 44 ص 358 - 11 ديسمبر سنة 1934 م 47 ص 67 - 9 أبريل سنة 1935 م 47 ص 229 - 3 يونيه سنة 1937 م 49 ص 248 - 14 أبريل سنة 1938 م 50 ص 236 - 19 أبريل سنة 1938 م 50 ص 245 - 28 أبريل سنة 1938 م 50 ص 263 - 12 أبريل سنة 1945 م 57 ص 124  .

ولما كانت حجية الأمر المقضى تغنى عن الدخول فى موضوع الدعوى ، لذلك يجب البت فى هذا الدفع قبل البت فى الموضوع ذاته ( استئناف مختلط 15 مارس سنة 1906 م 18 ص 150 )  . وإذا كان هناك شك فيما إذا كانت هذه الحجية قائمة ، وجب تفسير الشك لمصلحة من وجه الدفع ضده ( استئناف مختلط 6 نوفمبر سنة 1923 م 36 ص 8 )  .

( [1164] ) والمقصود بالمحكمة المدنية هنا هو المعنى الواسع ، أى ألا تكون المحكمة محكمة جنائية فقد تكون محكمة مدنية أو تجارية أو إدارية أو شرعية أو ملية أو غير ذلك  .

( [1165] ) الوسيط الجزء الأول فقرة 631 - فقرة 634 ص 942 - 956  .

( [1166] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 543 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد إلا فى بعض فروق لفظية طفيفة  . وفى لجنة المراجعة زالت هذه الفروق ، وأصبح النص هو المادة 418 من المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب ، ثم مجلس الشيوخ تحت رقم 405 ، ثم مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 420 وص 423 - 424 )  .

( [1167] ) وكانت المادة 232 / 297 من التقنين المدنى السابق تجرى على الوجه الآتى : " الأحكام التى صارت انتهائية تكون حجة بالحقوق الثابتة بها ، ولا يجوز قبول إثبات على ما يخالفها إذا لم يكن اختلاف فى الحقوق الدعى بها ولا فى الموضوع ولا فى السبب ولا فى الصفة المتصف بها الأخصام "  . وإذا كان نص التقنين المدنى الجديد أكثر دقة وأوسع إحاطة من هذا النص ، فإنه مع ذلك لم يستحدث من الأحكام جديداً  . فالتقنينات الجديد والقديم سواء من حيث الأحكام فى هذا الموضوع  .

( [1168] ) التقنينات المدينة العربية الأخرى : قانون البينات السورى م 90 : مطابق لنص التقنين المدنى المصرى  .

التقنين المدنى العراقى م 503 : مطابق لنص التقيين المدنى المصرى  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 304 : " لا قوة للقضية المحكمة إلا فيما يختص بالشئ الذى كان موضوعاً للحكم ، فيجب أن يكون الشئ المطلوب هو ذاته ، وأن يكون الطلب مبيناً على السبب نفسه ، وأن تكون الدعوى بين المتداعين أنفسهم ، وأن تكون مقامة منهم أو عليهم بالصفة نفسها "  . ولا يختلف هذا النص فى حكمه عن نص التقنين المدنى المصرى  .

التقنين المدنى للملكة الليبية المتحدة م 393 : مطابق لنص التقنين المدنى المصرى  .

( [1169] ) التقنين المدنى الفرنسى م 1351 : " لا تقوم حجية الأمر المقضى إلا بالنسبة إلى موضوع الدعوى  . ويجب أن يكون الشئ المطلوب واحداً وأن يكون الطلب مبيناً على السبب نفسه ، وقائماً بين الخصوم أنفسهم ، ومقاماً منهم أو عليهم بالصفة نفسها "  .

Art  . 1351 : L'autorite de la chose jugee n'a lieu qu'a l'egard de ce qui a fait l'objet du jugement  . Il faut que la chose demandee soit la meme; que la demande soit fondee dut la meme cause; que lademande soit entre les memes parties, et fornee par ells et contre deels en ja meme qualite  .

( [1170] ) ويجعل الأستاذ سليمان مرقس الشروط المتعلقة بالحكم شروطاً لحجية الأمر المقضى ( أصول الإثبات فقرة 175 ) ، والشروط المتعلقة بالحق المدعى به شروطاً للدفع بحجية الأمر المقضى ( أصول الإثبات فقرة 180 )  .

( [1171] ) لا حجية للفتوى الشرعية ، وإن كان من الجائز الاستئناس بها ( استئناف مختلط 2 يناير سنة 1901 م 13 ص 91 )  .

( [1172] ) استئناف مصر 22 مايو سنة 1922 المحاماة 4 رقم 439 ص 452 - 31 ديسمبر سنة 1930 المجموعة الرسمية 33 رقم 4 ص 88 - 16 مايو سنة 1931 المحاماة 12 رقم 164 ص 310 - مصر الكلية 30 أبريل سنة 1927 المحاماة 7 رقم 446 ص 733  .

( [1173] ) استئناف مجلس تأديب المحامين 6 مارس سنة 1920 المجموعة الرسمية 21 ص 190 - وقد قضت دائرة النقض الجنائية بأن الأحكام أو القرارات الصادرة من الهيئات التأديبية لا تحول دون المحاكمة أمام المحاكم التنظيمية ( 30 أغسطس سنة 1920 المحاماة 1 رقم 51 ص 295 )  .

( [1174] ) نقض مدنى 27 أكتوبر سنة 1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 3 ص 7 - استئناف مختلط 24 مايو سنة 1932 م 44 ص 337 - 2 مايو سنة 1945 م 57 ص 152 - بنى سويف الكلية 12 ديسمبر سنة 1899 المجموعة الرسمية 1 ص 169 - محكمة اللبان 21 فبراير سنة 1924 المحاماة 4 ص 668  .

( [1175] ) بالنسبة إلى الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإدارى انظر : استئناف مختلط فبرير سنة 1948 م 61 ص 1  .

( [1176] ) قارن استئناف مختلط 30 مايو سنة 1945 م 57 ص 192 - وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن القرارات التى تصدر من لجان مخصوصة عهد إليها بالفصل فى مسائل معينة لا تكون لها حجية الأمر المقضى إذا هى جاوزت حدود اختصاصها ( 31 يناير سنة 1923 المجموعة الرسمية 25 ص 92 - محكمة استئناف مصر فى دوائرها المجتمعة 30 أبريل سنة 1925 المجموعة الرسمية 26 ص 127 )  .

( [1177] ) وقد تكون هذه الجهات الاستثنائية لجاناً إدارية لها اختصاص قضائى ، قد بينا فيما تقدم أن للقرارات الصادرة من هذه الجهات حجية الأمر المقضى ، ما دامت قد صدرت فى حدود اختصاصها  .

( [1178] ) استئناف مختلط 3 يناير سنة 1895 م 7 ص 72  .

( [1179] ) استئناف مختلط 2 يونيه سنة 1915 م 7 ص 381 - 26 ديسمبر سنة 1929 م 42 ص 117  . ويشترط فى فرنسا ، حتى يكون لحكم المحكمين حجية الأمر المقضى ، أن يوضع عليه أمر التنفيذ ( ديرانتون 13 فقرة 460 - أوبرى ورو 12 فقرة 769 ص 398 - لوران 20 فقرة 6 - بودرى وبارد 4 فقرة 2668 - نقض فرنسى 3 نوفمبر سنة 1936 داللوز الأسبوعى 1936 - 569 )  . وينتقد الفقه افرنسى المعاصر هذا المبدأ ، لأنه لا يميز بين صلاحية حكم المحكمين للتنفيذ ، إذ يجب فيه الحصول على الأمر التنفيذى ، وبين حجية الحكم ولا شأن لها بالصلاحية فلا يشترط لقيامها الحصول على هذا الأمر ( جلاسكون وموريل وتيسييه 5 فقرة 1840 - بيدان وبرو 9 ص 439 هامش رقم 4 )  . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلط بعد اشتراط الحصول على أمر التنفيذ ليكون لحكم المحكمين حجية الأمر المقضى ، وبأن هذا الأمر ليس ضرورياً إلا لجعل الحكم صالحاً للتنفيذ ( استئناف مختلط 4 فبراير سنة 1897 م 9 ص 179 )  .

( [1180] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 ص 1017  .

( [1181] ) ومع ذلك فقد قضت محكمة مصر الكلية بأن الحكم الصادر من محكمة أجنبية لا يحوز حجية الأمر المقضى ، وكل ما يترتب عليه من أثر هو أن يعتبر مجرد أداة للإثبات يصح إقامة الدليل على عكسها ( 26 مايو سنة 1949 مجلة التشريع والقضاء 2 رقم 60 ص 111 - الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 176 ص 302 وانظر أيضاً الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 2 فقرة 633 ص 90 )  . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه لا يجوز الاحتجاج بحكم أجنبى يتعارض مع حكم صادر من جهة قضاء مصرية ( استئناف مختلط 21 مايو سنة 1913 م 25 ص 389 ) ، وبأنه يتعين على القضاء المصرى أن يعيد النظر فى موضوع الحكم الأجنبى قبل أن يجعله نافذاً فى مصر ( استئناف مختلط 28 ديسمبر سنة 1910 م 23 ص 90 )  . ولكن محكمة الاستئناف المختلط قضت بعد ذلك بوجوب تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل ( reciprocite ) فى جعل الأحكام الأجنبية نافذة فى مصر ، وبأنه ما دام القانون الألمانى يجعل الأحكام الأجنبية نافذة دون إعادة بحث فى موضوعها ، إذا كانت المحكمة الأجنبية التى أصدرت الحكم مختصة بإصداره وكان المدعى عليه قد أعلن إعلاناً صحيحاً للحضور أمامها ، فيتعين تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل ، وجعل الحكم الأجنبى الصادر فى ألمانيا نافذاً فى مصر بأمر من رئيس المحكمة إذا توافر فيه الشرطان المتقدما الذكر ، ومن ثم يكون لهذا الحكم حجية الأمر المقضى ( استئناف مختلط 15 يناير سنة 1930 م 42 ص 194 ) - ويستخلص مما تقدم أن الحكم الأجنبى متى صار قابلاً للتنفيذ فى مصر فإنه يحوز حجية الأمر المقضى  . ذلك أنه إذا جاز أن يكون للحكم غير القابل للتنفيذ حجية الأمر المقضى ، فلا يجوز أن يكون الحكم القابل للتنفيذ مجرداً من هذه الحجية  .

( [1182] ) استئناف مختلط 28 فبراير سنة 1895 م 7 ص 162 - 22 مايو سنة 1948 م 60 ص 125 - أوبرى ورو 12 فقرة 769 ص 401 وهامش رقم 14 - وقد قضت محكمة الاستئناف الأهلية بأن الأحكام القطعية الصادرة من هيئة لها ولاية الفصل فى الخصومات تكون حائزة لحجية الأمر المقضى مهما كانت أوجه البطلان اللاحقة بهذه الأحكام ( 22 فبراير سنة 1900 المجموعة الرسمية 2 رقم 86 / 1 )  . وقضت محكمة النقض بأن الحكم الصادر من محكمة شرعية مختصة يحوز حجية الأمر المقضى حتى لو خالف فيما قضى به المنهج الشرعى ، غذ قضى ببطلان وصية لعته الموصى مع أن الموصى له جهة بر لا جهة أهلية ( نقض مدنى 16 نوفمبر سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 8 ص 43 )  .

( [1183] ) استئناف مختلط 27 أبريل سنة 1916 م 28 ص 283 - نقض فرنسى 6 ديسمبر سنة 1859 داللوز 60 - 1 - 17 - 19 فبراير سنة 1921 سيريه 1921 – 1 - 364 - 24 يوليه سنة 1941 سيريه 1942 - 1 - 141 - الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 177 ص 306  .

( [1184] ) وهذا محل إجماع فيما إذا كان الحكم قد صدر من جهة قضاء غير عادية كالمجالس الملية  . أما إذا صدر الحكم من جهة قضاء عادية كالمحاكم الوطنية ، فهناك رأى يذهب إلى أن الحكم يحوز حجية الأمر المقضى حتى بالنسبة إلى الجهات القضائية الأخرى غير العادية  . فالحكم الصادر من مجلس ملى فى غير حدود ولايته لا يكون حجة أمام المحكمة الوطنية ، أما الحكم الصادر من محكمة وطنية فيكون حجة أمام المجلس الملى حتى لو رأى هذا المجلس أن المحكمة الوطنية لا ولاية لها فى إصدار الحكم  . ويرجع ذلك إلى أن القضاء العادى هو الأصل فى ولاية القضاء ، أما القضاء غير العادى فهو استثناء من الأصل فيجب ألا يخرج عن الدائرة التى رسمت له ( نقض مدنى 5 مارس سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 145 ص 415 - الأستاذ سليمان مرقس فى أصول الإثبات فقرة 177 ص 305 هامش رقم 1 )  .

ولكن 3 جرى قضاء المحاكم المختلطة ، عندما كانت هذه المحاكم قائمة ، بأنه إذا صدر حكم من محكمة وطنية فى نزاع يدخل فى ولاية المحاكم المختلطة ، فليس لهذا الحكم أمام المحاكم المختلطة حجية الأمر المقضى : استئناف مختلط 26 مارس سنة 1890 م 3 ص 60 - 4 و 11 يونيه سنة 1890 م 2 ص 185 - 10 ديسمبر سنة 1890 م 3 ص 60 - 8 أبريل سنة 1891 م 3 ص 298 - 16 مايو سنة 1893 م 5 ص 247 - 28 فبراير سنة 1894 م 6 ص 172 - 30 أبريل سنة 1896 م 8 ص 266 - 13 ديسمبر سنة 1899 م 12 ص 39 - 17 مايو سنة 1903 م 15 ص 311 - 22 أبريل سنة 1908 م 20 ص 184 - 18 فبراير سنة 1909 م 21 ص 199 - 18 يناير سنة 1911 م 23 ص 144 - 22 مارس سنة 1911 م 23 ص 230 - 2 مايو سنة 1922 م 34 ص 375 - 6 يناير سنة 1931 م 43 ص 136 - 3 يناير سنة 1934 م 46 ص 114 - ولو أن هذا الحكم يصلح لاستئناس المحكمة المختلطة به ( استئناف مختلط 12 أبريل سنة 1893 م 5 ص 186 - 20 ديسمبر سنة 1894 م 6 ص 38 - 8 يناير سنة 1896 م 8 ص 68 ) - لا سيما إذا صدر هذا الحكم بين وطنيين وأقره الأجنبى ( استئناف مختلط 20 ديسمبر سنة 1893 م 6 ص 71 ) - أو كان الحكم مبيناً على سندات لم تعارضها سندات ضدها ( استئناف مختلط 8 فبراير سنة 1894 م 6 ص 167 ) - ويكون حجة على الأجنبى إذا كان بخطأه قد ترك المحكمة الوطنية تفصل فى قضية وهى غير مختصة ( استئناف مختلط 19 مارس 1 م 58 ص 61 )  .

ولكن الحكم الذى صدر من محكمة مختلط بين وطنيين تكون له حجية الأمر المقضى أمام المحاكم المختلطة لأن ولايتها تتناول الأجانب والوطنيين ( استئناف مختلط 16 مايو سنة 1894 م 6 ص 294 - 20 فبراير سنة 1917 م 29 ص 235 ) ، وكذلك أمام المحاكم الوطنية ( استئناف أهلى 15 يونيه سنة 1909 المجموعة الرسمية 11 رقم 13 )  .

أما الحكم الصادر بين وطنيين من محكمة وطنية فيكون حجة أمام المحاكم المختلطة ( استئناف مختلط 14 مايو سنة 1903 م 15 ص 288 - 25 فبراير سنة 1904 م 16 ص 144 - 8 يونيه سنة 1904 م 16 ص 301 - 18 أبريل سنة 1906 م 18 ص 200 - 22 نوفمبر سنة 1906 م 19 ص 19 - 10 مارس سنة 1910 م 22 ص 195 - 16 يونيه سنة 1910 م 22 ص 367 - 23 يناير سنة 1917 م 29 ص 172 - 25 يناير سنة 1921 م 33 ص 147 - 25 مارس سنة 1923 م 34 ص 246 - 13 نوفمبر سنة 1923 م 36 ص 17 - 5 يونيه سنة 1930 م 43 ص 2 - 23 أبريل سنة 1931 م 43 ص 367 - 11 مايو سنة 1933 م 45 ص 278  .

كذلك إذا صدر حكم من المحكمة المختلطة فى حدود ولايتها كان حجة أمام المحاكم الوطنية ( نقض مدنى 21 مايو سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 151 ص 161 )  . أما إذا صدر الحكم من المحكمة المختلطة فى غير حدود ولايتها فلا حجية له ( نقض مدنى 22 يونيه سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 154 ص 619 )  . وإذا صدر حكم من القضاء المختلط على خلاف حكم سابق صد رمن القضاء الوطنى ، فلا يجوز لمن كان خصماً محكوماً عليه فى الدعوى الوطنية ولم يختصم أمام المحكمة المختلطة أن يتمسك بالحكم المختلط أمام القضاء الوطنى فى نزاع متفرع عن أصل النزاع الذى كسب الحكم الوطنى السابق صدوره فيه حجية الشئ المحكوم به بالنسبة لذلك الخصم ( نقض مدنى 22 يونيه سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 134 ص 240 )  .

وإذا صدر حكم من محكمة شرعية فى حدود ولايتها كانت له الحجية أمام المحاكم المدنية ( نقض مدنى 2 مايو سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 55 ص 189 - 17 مايو سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 252 ص 675 - 20 فبراير سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 158 ص 354 استئناف مصر 10 ديسمبر سنة 1932 المحاماة 13 رقم 429 ص 871 - استئناف مختلط 24 ديسمبر سنة 1914 م 27 ص 81 ) ، وبالقدر الذى تكون المحكمة الشرعية قد فصلت فيه ( نقض مدنى 11 مارس سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 43 ص 111 ) ، حتى لو كانت المحكمة الشرعية قد أخطأت فى قضائها – مادامت هى المختصة أصلاً – بأن لم تطبق أحكام معاهدة الإقامة بين مصر وتركيا ( نقض مدنى 19 مايو سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 421 ص 770 ) ، ولو كان اختصاص المحكمة الشرعية قائماً على تراضى الخصوم ما دام أن هذا لا يتجافى مع طبيعة ولايتها ( نقض مدنى 5 مارس سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 145 ص 415 ) ، ولا تلتزم المحكمة المدنية إلا بما قضت فيه المحكمة الشرعية وفصلت فيه فصلاً حقيقياً ( نقض مدنى 5 أبريل سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 232 ص 614 - 23 مايو سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 86 ص 180 ) - أما إذا صدر الحكم من محكمة شرعية أو من مجلس ملى فى غير حدود الولاية فلا يكون الحكم حجة أمام المحكمة المدنية ( نقض مدنى 21 يونيه سنة 1934 مجموعة عمر 1 رقم 200 ص 454 - 24 يناير سنة 1935 مجموعة عمر 2 رقم 224 ص 567 - 10 يناير سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 23 ص 42 - 28 فبراير سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 41 ص 108 - استئناف أهلى 22 أبريل سنة 1913 المجموعة الرسمية 14 رقم 91  .

وإذا فصلت المحكمة المختلطة فى ملكية قطعة أرض يتنازعها شخصان ، كان حكمها مانعاً للمحكمة الشرعية من سماع الدعوى مرة أخرى أمامها ( المحكمة العليا الشرعية 20 نوفمبر سنة 1924 المحاماة 5 رقم 237 ص 283 )  .

والأحكام التى تصدر من جهات قضائية استثنائية كالبطركخانات لا حجية لها إلا فيما يتعلق بولايتها ، وذلك على الأقل بالنسبة إلى الجهات القضائية الأخرى ( استئناف مختلط 17 مارس سنة 1942 م 54 ص 137 - طهطا 7 نوفمبر سنة 1927 المحاماة 10 رقم 385 ص 773 ) ، وهذا راجع إلى أن هذه الهيئات لا تملك فى الأصل ولاية القضاء ، فإذا ما جاوزت حدود الاختصاص المرسومة لها فقدت كل أهلية للقضاء ( إسكندرية الوطنية 31 يوليه سنة 1932 المحاماة 14 رقم 64 / 2 ص 131 )  .

والقرارات الصادرة من لجان الإجارات المشكلة بقانون نمرة 14 سنة 1921 و 16 سنة 1922 لا تحوز حجية الأمر المقضى إذا تعدت الحدود الموضوعية لها فى قانون إنشائها ، بل إن مثل هذه القرارات لا تكون مجرد أحكام باطلة صادرة من جهات غير مختصة ، وإنما تعتبر معدومة لصدورها من جهة لا ولاية قضائية لها فيما قضت به ، وتكون اللجان المذكورة بإصدارها تلك القرارات تعدت سلطة الشارع الذى أنشأها ، فهى معدومة بانعدام صفة القاضى وصفة الحكم ( استئناف مصر دوائر مجتمعة 30 أبريل سنة 1925 المجموعة الرسمية 26 رقم 74 - استئناف مصر 31 يناير سنة 1923 المجموعة الرسمية 25 رقم 54 - أسيوط الكلية 3 مايو سنة 1922 المجموعة الرسمية 23 رقم 32 ) - وإذا فصلت لجنة مخالفات الرى فى أمر غير داخل فى اختصاصها فلا يكون لحكمها حجية الأمر المقضى ، ويكون للمحاكم أن تفصل فى الأمر من جديد إذا طرح النزاع عليها ( مصر الكلية 2 يناير سنة 1923 المجموعة الرسمية 26 رقم 112 )  .

( [1185] ) الحكم الصادر من محكمة ذات ولاية ، ولكن غير ذات اختصاص محلى أو موضوعى ، يحوز حجية الأمر المقضى : استئناف مختلط 11 ديسمبر سنة 1890 م 3 ص 63 - 22 يناير سنة 1891 م 3 ص 143 - 2 نوفمبر سنة 1893 م 6 ص 5 - 6 أبريل سنة 1898 م 10 ص 228 - 22 فبراير سنة 1912 م 24 ص 149 - 2 يونيه سنة 1915 م 27 ص 380 - 9 فبراير سنة 1926 م 38 ص 219 - 25 مارس سنة 1926 م 38 ص 309 - 14 يونيه سنة 1928 م 40 ص 427 - 21 أبريل سنة 1932 م 44 ص 282  . قارن الأستاذ أحمد نشأت 2 فقرة 633 ص 90 وانظر الأستاذ سليمان مرقس فقرة 177 ص 305 - ص 306  .

( [1186] ) الأستاذ محمد حامد فهمى فى المرافعات فقرة 24 - ويذهب الأستاذ عبد الحميد أبو هيف ( المرافعات فقرة 95 ) إلى أن الأمر الولائى هو ما تصدره المحكمة بناء على طلب طرف دون أن تستدعى الطرف الآخر لسماع أقواله  .

( [1187] ) استئناف 6 يناير سنة 1920 المحاماة 1 رقم 93 ص 470 - وقارن استئناف مختلط 22 مارس سنة 1932 م 44 ص 239 - انظر الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الأدلة جزء 2 ص 157 - ص 161  .

( [1188] ) بنى سويف استئنافى 12 فبراير سنة 1914 المجموعة الرسمية 15 رقم 64  . ولكن الحكم بإنهاء الشيوع عن طريق القسمة يحوز حجية الأمر المقضى ( استئناف مختلط 30 ديسمبر سنة 1930 م 43 ص 112 )  .

( [1189] ) وقد قضت دائرة النقض الجنائية بأن تصديق المجلس الحسبى على الحساب الذى يقدمه إليه الوصى لا يعد حكماً حائزاً لحجية الأمر المقضى ، ولا يمنع ذوى الشأن من الطعن فى صحة هذا الحساب أمام المحاكم الأهلية ( نقض جنائى 11 مايو سنة 1918 المجموعة الرسمية 19 رقم 88 / 2 - انظر أيضاً : استئناف مصر 2 أبريل سنة 1930 المحاماة 10 رقم 353 ص 711 ) - وقضت محكمة النقض بأن ما يثار عادة من أن قرارات المجالس الحسبية فى مسائل الحساب تحوز حجية الأمر المقضى أو لا تحوز إنما هى إثارة بح لا محل له  . ذلك بأن المجالس الحسبية لا تصدر أحكاماً بالملزومية حتى تكون له حجية الأمر المقضى أو لا تكون ، وإنما هى عقب فحصها للحساب ، إذا ما قررت اعتماده ، فإن اعتمادها يكون تتميماً لاتفاق رسمى بين عديم الأهلية الحالة هى محلة بقوة القانون من جهة وبين وليه من جهة أخرى  . وهذا الاتفاق هو وحده الذى يحتج به كل طرف من طرفيه على الآخر ككل العقود والاتفاقات  . أما نتيجة هذا الاتفاق ، إذا كانت موجبة لدين على عديم الأهلية أو على وليه ، فإن هذا الدين إذا لم يسدد ودياً من أحدهما للآخر ، فالمحاكم العادية هى التى تحكم به تنفيذاً لذلك الاتفاق ( نقض مدنى 5 ديسمبر سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 306 ص 957 )  . ولكن متى اعتمدت المحكمة الحسبية الحاسب ، فقد تم الاتفاق الرسمى بين ناقص الأهلية ونائبه ، ولا يجوز للمحكمة الحسبية أن ترجع فى اعتمادها إلا إذا ظهرت أسباب جديدة تسوغ هذا الرجوع  . وقد قضت محكمة النقش بأن ليس للمجلس الحسبى ، بعد أن ينظر عمل الوصى ويجيزه ، أو يفحص الحساب ويعتمده ، أن يرجع عما قرره ، ما لم تظهر أسباب جديدة تسوغ ذلك ( نقض مدنى 26 ديسمبر سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 85 ص 293 )  .

( [1190] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الأحكام التى تصدر بالتصديق على اتفاقات الخصوم ( jugement d'expedient ) نوعان : نوع تقتصر المحكمة فيه على إثبات الاتفاق الذى تم بين الخصمين  . ونوع تستند فيه المحكمة إلى هذا الاتفاق للفصل فى الخصومة المطروحة أمامها ، فتتبنى اتفاق الخصمين ، ومن ثم يجوز الاتفاق حجية الأمر المقضى  . أما النوع الأول الذى تقتصر فيه المحكمة على إثبات الاتفاق ، فكل ما ينطوى عليه أن الخصمين اتفقا على صلح يحسم الخصومة ، فأضفت المحكمة على هذا الصلح صفة الرسمية ، وأكسبته القوة التنفيذية ، شأنها فى ذلك شأن الموثق ، فلم تفصل المحكمة فى خصومة ، وإنما أثبتت اتفاقاً تم ، فلا يقبل مثل هذا الحكم استئنافاً ( استئناف مختلط 6 مارس سنة 1945 م 57 ص 82 )  . قارن مع ذلك بودرى وبارد 4 فقرة 2669 حيث لا يميزان بين حكم فصل فى خصومة وحكم اقتصر على إثبات الاتفاق  . فكلا الحكمين يحوز حجية الأمر المقضى  . وانظر بيدان وبرو 9 فقرة 1341 ص 938 - ص 939 حيث يميزان بين الأحكام المصدقة على اتفاقات الخصوم والتى تفصل فى الخصومة ( jugements d'expedient ) وبين العقود القضائية ( contrats judiciaires ) التى تقتصر فيها المحكمة على إثبات اتفاقات الخصوم  .

( [1191] ) استئناف مختلط 24 أبريل سنة 1935 م 47 ص 268 - 18 يونيه سنة 1935 م 47 ص 374  .

( [1192] ) وقد قضت محكمة استئناف أسيوط بأن الحكم بتعيين قيم ليس حكماً صادراً من المحكمة باعتبارها سلطة قضائية قاطعة فى خصومة معينة ، بل هو صادر منها بمالها من حق الولاية العامة فى حدود سلطتها الإدارية ، ومثل هذه الأحكام لا تحوز حجية الأمر المقضى ولا تستأنف ( 19 نوفمبر سنة 1930 المجموعة الرسمية 32 رقم 2 ص 26 )  . وانظر فى حجية قرارات المجالس الحسبية : المجلس الحسبى العالى 4 فبراير سنة 1923 المحاماة 3 رقم 210 ص 278 - 25 مايو سنة 1923 المحاماة 4 رقم 16 ص 23 - 31 يناير سنة 1926 المحاماة 6 رقم 338 ص 500 - استئناف مصر 11 فبراير سنة 1932 المحاماة 13 رقم 12 ص 83  .

( [1193] ) استئناف مختلط 12 يناير سنة 1932 م 44 ص 110  .

( [1194] ) وقد تقدم أنه لا يحوز للمحكمة الحسبية بعد أن تنظر فى عمل الوصى وتجيزه أن ترجع فيما قررته ما لم تظهر أسباب جديدة تسوغ ذلك ( نقض مدنى 26 ديسمبر سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 85 ص 293 )  .

( [1195] ) ومع ذلك فقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن إذن المحكمة الشرعية فى استبدال الوقف له حجية الأمر المقضى ( استئناف مختلط 4 يونيه سنة 1902 م 14 ص 337 ) ، وهى تقصد بذلك أن هذا الإذن لا يجوز الرجوع فيه ، كما لا يجوز الرجوع فى العقد لا فى الحكم  .

( [1196] ) استئناف أسيوط 19 نوفمبر سنة 1930 المجموعة الرسمية 31 ص 61 - قارن استئناف مختلط 17 يناير سنة 1935 من 47 ص 123  .

( [1197] ) أوبرى ورو 12 فقرة 769 هامش رقم 7  .

( [1198] ) طنطا استئنافى 26 يونيه سنة 1929 المحاماة 9 رقم 598 ص 1098  .

( [1199] ) استئناف مصر 24 فبراير سنة 1930 المحاماة 10 رقم 430 ص 856  .

( [1200] ) قارن استئناف مختلط 26 يناير سنة 1926 م 38 ص 195 ( حيث ينكر على الحكم حجية الأمر المقضى إذا كان قابلاً للاستئناف ) و 13 يناير سنة 1920 م 32 ص 113 - 14 يونيه سنة 1928 م 40 ص 427  .

( [1201] ) ومع ذلك فقد كانت المادة 232 / 279 من التقنين المدنى السابق تخلط بين الشيئين  . انظر أيضاً المادة 405 من التقنين المدنى الجديد حيث ورد فيها " قوة الأمر المقضى " بدلاً " حجية الأمر المقضى " , وقد سبقت الإشارة إلى ذلك  .

( [1202] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا قضى الحكم للمدعى ببعض طلباته ، فطعن فى قضائه برفض البعض الآخر ، وقبل المدعى عليه الحكم ولم يطعن فيه ، ثم قضى بقبول الطعن ونقض الحكم ، فإن هذا النقض هو نقض جزئى لا يتناول ما كان قضى الحكم بإجابته من طلبات الطاعن ، ولذلك لا يجوز لمحكمة الإحالة أن تعيد النظر فى هذا البعض من الطلبات ( نقض مدنى 8 أبريل سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 297 ص 588 )  . انظر أيضاً : نقض مدنى 20 يونيه سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 288 ص 874 - 8 يناير سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 254 ص 515 وتعليق الأستاذ محمد حامد فهمى ص 516  .

كذلك يعتبر بتاً فى بعض الدعوى القضاء بقيام المسئولية وإحالة الدعوى إلى التحقيق أو إلى خبير لتقدير قيمة الضرر ، فيكون للحكم حجية فيما يتعلق بثبوت المسئولية  . وإذا قضى الحكم بأحقية المدعى للنفقة ، وأجلت القضية لتحديد قيمة النفقة فى جلسة أخرى ، حاز الحكم حجية الأمر المقضى فيما يتعلق بأحقية المدعى للنفقة ( استئناف مختلط 26 فبراير سنة 1931 م 43 ص 257 )  .

( [1203] ) ويقو الأستاذ محمد حامد فهمى فى كتابة المرافعات ( فقرة 614 ) : " الحكم القطعى هو الذى يفصل فى جملة النزاع أو فى جزء منه أو فى مسألة متفرعة عنه فصلاً حاسماً لا رجوع فيه من جانب المحكمة التى أصدرته ، كالحكم للمدعى بطلباته أو الحكم عليه برفضها ، والحكم فى الدفع بعدم الاختصاص أو الدفع بانقضاء الحق بالتقادم أو بسقوط الدعوى أو بعد جواز الإثبات بالبينة والحكم فى طلب رد القضاة أو طلب دخول خصم ثالث أو طلب وقف الدعوى انتظاراً للفصل فى مسألة أولية من محكمة أخرى والحكم فى دعوى التزوير الفرعية  . ذلك بأن كلا من هذه الأحكام ( وأمثالها ) يحسم النزاع فى موضوع الدعوى أو فى بعض منه ، أو يقطع – فى مسألة فرعية – نزاعاً يعتبر فى هذا الصدد مستقلاً وقائماً بذاته "  .

ويعتبر الحكم بتوجيه اليمين الحاسمة قطعياً يحوز حجية الأمر المقضى ( استئناف مختلط 3 يونيه سنة 1909 م 21 ص 386 ) - ويعد حكماً قطعياً لحجية الأمر المقضى الحكم فى المعارضات فى تنبيه نزع الملكية وفى قوائم التوزيع ( استئناف مختلط 16 مايو سنة 1929 م 41 ص 404 - 18 فبراير سنة 1930 م 42 ص 346 - 18 مارس سنة 1930 م 42 ص 362 - 18 مارس سنة 1930 م 42 ص 434 - 13 يناير سنة 1931 م 43 ص 148 - 26 مايو سنة 1936 م 48 ص 281 )  .

( [1204] ) استئناف مصر 5 مارس سنة 1924 المحاماة 4 ص 646 - الإسكندرية الكلية الوطنية 16 يناير سنة 1932 المجموعة الرسمية 33 رقم 6 ص 147 - استئناف مختلط 18 أبريل سنة 1929 م 41 ص 366  .

( [1205] ) استئناف مصر 24 فبراير سنة 1930 المحاماة 10 ص 856 - مصر الكلية الوطنية 21 يوليه سنة 1930 المجلة القضائية 32 ص 10 - بنى سويف الجزئية 8 فبراير سنة 1932 المجموعة الرسمية 33 رقم 9 ص 225 - استئناف مختلط 14 نوفمبر سنة 1894 م 7 ص 17 - 22 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 45  . ولكن قارن أوبرى ورو 12 فقرة 769 ص 400 وهامش رقم 13  .

ومن أمثلة رفض الدعوى بالحالة التى هى عليها أن ترفع الدعوى من غير ذى صفة ، فيحكم بعدم قبولها ، وتقبل بعد ذلك إذا رفعت من ذى الصفة  . كذلك قد ترفع الدعوى من شخص لم تحصل على الإذن اللازم من المحكمة الحسبية مثلاً ، فترفض الدعوى فى الحالة التى هى عليها حتى يحصل المدعى على الإذن  . وقد ترفع الدعوى أمام محكمة القضاء الإدارى بإلغاء قرار إدارى لم يصدر بعد ، فترفض الدعوى لرفعها قبل الأوان  .

( [1206] ) استئناف مختلط 25 مارس سنة 1936 م 48 ص 200 - هذا وإذا لم تفصل المحكمة فى أحد الطلبات ، وكان الحكم خالياً من التعرض لهذا الطلب بالرفض أو القبول ، سواء فى أسبابه أو فى منطوقة ، جاز أن ترفع به دعوى جديدة ، ولا محل للتمسك بحجية الأمر المقضى ( استئناف أسيوط 5 ديسمبر سنة 1928 المجموعة الرسمية 30 رقم 7 ) - وقضت محكمة النقض بأن ما لم 3 تنظر فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز حجية الأمر المقضى  . فإذا كانت المحكمة التى نظرت فى دعوى إثبات البدل فى أرض قد قالت فى أسباب حكمها إن ما أثاره أحد المتبادلين من نزاع فى ملكية المتبادل الآخر لما بادل به ليس محله دعوى إثبات التعاقد ، ثم قضت بإثبات البلد بناء على تسليم طرفيه بوقوعه ، فإن حكمها ها لا يحول دون النظر فى ذلك النزاع نفسه بدعوى أخرى تقامأثاأث بفسخ عقد البدل  . وكذلك تفريعاً على هذا الأصل إذا كانت المحكمة فى دعوى الضمان الفرعية قد قالت فى أسباب حكمها إن الدعوى المذكورة ليست صالحة للنظر فيها ، وحكمت فى منطوقه برفضها بحالتها ، فإن حكمها هذا – وهو ليس إلا حكماً مؤقتاً – لا يمكن أن يحول دون النظر فيما أثير فى الدعوى من وجوه النزاع ( نقض مدنى 26 فبراير سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 273 ص 547 ) – وقضت أيضاً بأنه إذا طلب المدعى عليه احتياطياً الحكم بالمبلغ المطالب به هو على شخص بصفته ضامناً له ، فقضت المحكمة برفض هذا الطلب لعدم توجيه دعوى الضمان توجيهاً صحيحاً ، فقضاؤها بذلك لا يمكن أن يحوز حجية الأمر المقضى بالنسبة إلى موضوع الطلب ، إذ الحكم لم يتعرض للفصل فيه ( نقض مدنى 9 مايو سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 73 ص 159 )  .

( [1207] ) سمالوط 12 أكتوبر سنة 1924 المحاماة رقم 229 ص 268  .

( [1208] ) الموجز للمؤلف فقرة 708 - وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا قضت المحكمة بضم ملف الأوراق وتبين أن هذا الملف قد أعدم لانقضاء الوقت القانونى ، فإن لها أن تعدل عن تكملة الدليل بالملف إلى تكملته بأى طريق آخر ، كالإقرار أو القرائن ، لأن حكمها الأول تمهيدى ولها العدول عنه ، فمن باب أولا إذا كان سبب العدول تنفيذ الحكم التمهيدى ( استئناف مختلط 21 يونيه سنة 1923 م 35 ص 521 )  .

وكان هناك رأى – فى عهد تقنين المرافعات السابق – يذهب إلى عدم جواز العدو عن تنفيذ الحكم التمهيدى بعد صوره ، حتى لو كانت المحكمة قد أصدرته من تلقاء نفسها  . وقد قضت محكمة الاستئناف الأهلية بأن المحكمة مقيدة بحكمها التمهيدى ، ولا يكون لها أن تنظر فى الموضوع قبل تنفيذه ، ما لم يصبح التنفيذ غير ممكن أو لا محل له ، ولكن يجوز للمحكمة أن تأمر ، عند النظر فى تعيين خلف لأحد أعضائها المنتدب للتحقيق ، أن يجرى التحقيق أماها هى ( 7 يناير سنة 1902 المجموعة الرسمية 3 رقم 84 - انظر أيضاً نقض مدنى 20 مارس سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 173 ص 382 - الأستاذ محمد حامد فهمى فى المرافعات ص 640 ) - انظر فى حجية الحكم التمهيدى : نقض مدنى 8 أبريل سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 297 ص 588 ( وتعليق الأستاذ محمد حامد فهمى فى هامش ص 589 ) - استئناف مختلط 21 ديسمبر سنة 1892 م 5 ص 71 - 7 مايو سنة 1903 م 15 ص 270 - 20 ديسمبر سنة 1911 م 24 ص 54 - 24 يونيه سنة 1915 م 27 ص 438 - 15 يونيه سنة 1921 م 33 ص 396 - 19 مارس سنة 1923 م 3 ص 303 - 17 يناير سنة 1924 م 36 ص 158 - 6 أبريل سنة 1926 م 38 ص 326 - 10 أبريل سنة 1948 م 60 ص 114  .

( [1209] ) وقد قضت محكمة النقض بأن الحكم التمهيدى لا تكون له حجية الأمر المقضى ، وليس القاضى الذى أصدره ملزماً حتماً بالاعتماد على نتيجة التحقيق الذى يحصل تنفيذاً له ( نقض مدنى 27 أبريل سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 120 ص 206 )  . وقضت أيضاً بأن المحكمة ، وإن كانت ملزمة بتنفيذ حكمها التمهيدى وممنوعة من الرجوع فيه ، لا كامل الحرية فى تقدير أهمية الوقائع التى أمرت بتحقيقها ، ثم تقضى فى موضوع الدعوى بما تراه حقاً وعدلاً مهما تكن النتيجة التى أسفر عنها لتحقيق  . فلها ، حتى مع ثبوت الوقائع المأمور بتحقيقها ، أن تقضى فى الموضوع على خلاف ما يشرع به حكمها التمهيدى ، معتمدة فى ذلك على عناصر أخرى من عناصر الإثبات فى الدعوى ، كما لها أن تعتبر الوقائع التى كانت تراها فاصلة ليست كذلك  . وإذن فالحكم التمهيدى فى دعوى الملكية بالإحالة إلى التحقيق لإثبات وضع اليد على العين المتنازع عليها لا يحول دون القضاء فى موضوع الدعوى على أساس صورية عقد البيع الذى يتمسك به أحد الخصوم فى إثبات ملكيته  . وكذلك لا تثريب على المحكمة إذا هى اعتمدت فى القول بالصورية على شهادة شهود سمعوا تنفيذاً للحكم التمهيدى الذى أمر بتحقيق واقعة وضع اليد ، إذ أن لها – بعد تنفيذ الحكم التمهيدى – أن تستند فى قضائها فى الموضوع إلى جميع عناصر الإثبات الموجودة فى الدعوى ، ومنها شهادة أولئك الشهود ( نقض مدنى 20 مارس سنة 1947 مجموعة عمر أ5 قم 173 ص 382 )  .

انظر أيضاً : استئناف مصر 2 مارس سنة 1933 المحاماة 13 ص 1238 - استئناف مختلط 17 يناير سنة 1924 م 36 ص 158 - 6 أبريل سنة 1936 م 38 ص 326  .

( [1210] ) أوبرى ورو 12 فقرة 769 ص 399 - ص 400 وهامش رقم 10 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1554 ص 1019 - ص 1020 - الأستاذ محمد حامد فهمى فى المرافعات فقرة 640 - وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن القاضى لا يكون ملزماً بإعطاء الدعوى فى حكمه النهائى الحل الذى كان يرمى إليه بإصدار حكمه التمهيدى ، فإذا أمرت المحكمة بإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات التخلص من الدين بالنبينة ، جاز لها بعد إتمام التحقيق أن تصرف النظر عن مسألة التخالص ، وتحكم بسقوط الحق بمضى المدة  . ولكن إذا لم يكن هناك محل لإعطاء القضية حلاً آخر ، فليس للمحكمة أن تعود وتقرر فى نفس الموضوع عدم جواز إثبات التخالص بالبنية خلافاً لما حكمت به أولاً ، لأن هذا يعد تناقضاً منها وإخلالاً بحجية الشئ المقضى ( 2 مارس سنة 1933 المحاماة 13 ص 1238 )  .

( [1211] ) أسيوط 28 أبريل سنة 1923 المجموعة الرسمية 26 ص 86  .

( [1212] ) طنطا 19 مارس سنة 1908 المجموعة الرسمية 9 رقم 79 - مصر الأهلية 15 أغسطس سنة 1928 المحاماة 8 ص 218 - وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الحكم فى دعوى حراسة مرفوعة من المدين المحجوز عليه قبل مرسى المزاد لا يمنع المدين من رفع دعوى حارسة أخرى بعد مرسى المزاد لتغيير الظروف ( استئناف مختلط 21 نوفمبر سنة 1889 م 2 ص 38 )  .

( [1213] ) استئناف أهلى 29 مارس سنة 1917 الشرائع 4 ص 427 - والحكم الذى يعين من أى وقت يكون بدء الحساب حكم وقتى لا يحوز حجية الأمر المقضى ( استئناف مختلط 25 يناير سنة 1905 م 17 ص 89 ) - والحكم بوقف السير فى الدعوى هو كذلك حكم وقتى لا يحوز الحجية ( استئناف مختلط 9 أبريل سنة 1908 م 20 ص 168 ) – وقضت محكمة النقض بأنه إذا ادعى شخص بحق مدنى أمام محكمة الجنح ، وطلب القضاء له بمبلغ بصفة تعويض مؤقت عما أصابه من ضرر بفعل المتهم ، فالحكم الذى يصدر فى صالحه لا يمنعه من المطالبة بتكملة التعويض بعد ما تبين مدى الضرر الذى لحقه ( نقض مدنى 26 مارس سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 150 ص 22 ) - وقضت أيضاً بأن الحكم الصادر فى التظلم بتأييد أمر الحجز التحفظى الموقع على ما للمدين لدى الغير هو حكم وقتى غير ملزم للمحكمة إذا ما تراءى لها عند الفصل فى الموضوع أن الحجز لم يكن فى محله ( نقض مدنى 20 مارس سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 114 ص 665 )  .

( [1214] ) والحكم الصادر من القضاء المستعجل ليس حجة على قضاء الموضوع ( استئناف مختلط 14 نوفمبر سنة 1912 م 25 ص 21 - 20 مايو سنة 1919 م 31 ص 304 - 18 ديسمبر سنة 1930 م 3 ص 94 - 20 مايو سنة 1947 م 59 ص 200 ) – وليس حجة على القضاء المستعجل ذاته إذا تغيرت الظروف ( استئناف مختلط أول فبراير سنة 1911 م 23 ص 150 - 13 ديسمبر سنة 1911 م 24 ص 49 - 5 يونيه سنة 1912 م 24 ص 390 - 12 مارس سنة 1913 م 25 ص 228 - 6 ديسمبر سنة 1916 م 29 ص 87 - 14 نوفمبر سنة 1917 م 30 ص 34 - 10 نوفمبر سنة 1920 م 33 ص 12 - 16 مارس سنة 1921 م 33 ص 218 - 31 ديسمبر سنة 1930 م 43 ص 128 - 13 يناير سنة 1932 م 44 ص 113 - 18 مايو سنة 1932 م 44 ص 330 - 29 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 55 - 19 يونيه سنة 1935 م 47 ص 384 - 20 مايو سنة 1947 م 59 ص 200 )  .

وقد قضت محكمة النقض بأن الأحكام التى تصدر من قاضى الأمور المستعجلة هى أحكام وقتية بطبيعتها ، ولا تكون لها حجية متى تغيرت ظروف الطلب  . وإذن فمتى كان موضوع طلب المساهم هو فى الدعويين تكليف الخبير بحضور انعقاد الجمعية العمومية للشركة لإثبات ما يدور فيها من مناقشات ، وكان الحكم فى الدعوى الأولى ، وأن قضى بعد اختصاص قاضى الأمور المستعجلة بنظر هذا الطلب ، إلا أنه كان خاصاً بانعقاد سابق للجمعية العمومية ، فإنه لا يكون له حجية الأمر المقضى فى أية دعوى تالية خاصة بحضور الخبير أى انعقاد آخر للجمعية بعد ، تفاقم النزاع بين مجلس إدارة الشركة والمساهم قامت الخصومة الموضوعية بنيهما ( نقض مدنى 11 مارس سنة 1954 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 100 ص 615 )  . وقضت أيضاً بأن القضاء بإجراء أمر وقتى لا يحوز حجية الأمر المقضى فى أصل موضوع النزاع ، فهو بطبيعته هذه لا يمكن أن يقع تناقض بينه وبين حكم آخر يصدر فى موضوع النزاع المقضى باتخاذ ذلك الإجراء فيه  . فإذا صدر نهائياً من القضاء المستعجل حكم بإيقاف تنفيذ حكم نهائى لحين البت فى مسألة موضوعية ، فالحكم النهائى الذى تصدره محكمة الموضوع من بعد قاضياً باعتبار ذلك الحكم الموقف تنفيذه واجب التنفيذ لا يصح الطعن فيه بدعوى أنه خالف الحكم السابق صدوره من القضاء المستعجل ( نقض مدنى 16 فبراير سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 103 ص 189 )  . انظر أيضا؟ً : استئناف مختلط 26 مارس سنة 1903 م 15 ص 218 - أوبرى ورو 12 فقرة 769 هامش رقم 11 - وفى عدم جواز الطعن بالبطلان فى حكم مستعجل بدوى مستقلة : استئناف مختلط 16 مايو سنة 1929 م 41 ص 401  .

( [1215] ) وقد قضت محكمة النقض بأن الحكم الصادر بتقرير نفقة مؤقتة يدور مع علته وجوداً وعدماً  . فمتى كان الواقع أنه قضى للطاعنة فى دعوى حساب على المطعون عليه وآخر بصفتهما ناظرى وقف بأن يدفعا إليها نفقة شهرية من ريع الوقف حتى يفصل نهائياً فى دعوى الحساب المرفوعة منها ، وكان الحكم قد بنى وقت صدروه على نزع ناظرى الوقف أطياناً كانت الطاعنة تضع اليد عليها ، ثم زال مبرره بوضع يدها على هذه الأطيان وباستمرار حيازتها لها قبل رفع الدعوى بانتهاء النفقة ، فإنه يكون فى غير محله تمسكها بما جاء فى منطوق حكم النفقة من توقيته بانتهاء دعوى الحساب ونعيها على الحكم القاضى بانتهاء النفقة إهداره حجية الحكم الصادر بتقريرها ( نقض مندى 31 يناير سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 75 438 )  .

وقضى بأنه وإن كان الأصل فى الأحكام الصادرة فى الأمور المستعجلة أنها لا تحوز حجية الأمر المقضى باعتبارها وقتية ولا تؤثر فى أصل الموضوع ، إلا أنه ليس معنى هذا جواز إثارة النزاع الذى فص لفيه قاضى الأمور المستعجلة من جديد متى كان مركز الأخصام هو والظروف التى انتهت بالحكم هى بعينها ولم يطرأ عليها أى تغيير ، إذ هنا يضع الحكم المستعجل طرفى الخصومة فى وضع مادى يجب احترامه بمقتضى حجية الأمر المقضى بالنسبة لنفس الظروف التى أوجبته ولذات الموضوع الذى كان محل بحث الحكم المستعجل السابق صدوره ، طالما لم يحصل تغيير مادى أو قانونى فى مركز الطرفين يسوغ إجراء مؤقتاً للحالة الجديدة الطارئة ( مصر الكية قضاء مستعجل 28 أغسطس سنة 1939 المحاماة 20 رقم 94 ص 266 )  .

انظر أيضاً بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1029 هامش رقم 1  .

( [1216] ) استئناف مختلط 18 مايو سنة 1899 م 11 ص 233 - 24 مايو سنة 1899 م 11 ص 222 - 30 مايو سنة 1903 م 15 ص 328 - 17 فبراير سنة 1904 م 16 ص 136 - 26 مايو سنة 1904 م 16 ص 287 - 8 يونيه سنة 1904 م 16 ص 304 - 15 مارس سنة 1906 م 18 ص 150 - 10 فبراير سنة 1916 م 28 ص 147 - 27 أبريل سنة 1922 م 34 ص 373 - 11 مايو سنة 1933 م 45 ص 80  .

أما ما يذكره الحكم من أنه صدر حضورياً أو غيابياً فلا يحوز حجية الأمر المقضى ، والمحكمة هى التى تتبين ، بتطبيق القواعد القانونية ، ما إذا كان الحكم حضورياً أو غيابياً ( استئناف مختلط 9 يناير سنة 1930 م 42 ص 173 )  .

( [1217] ) استئناف مختلط 24 يونيه سنة 1915 م 27 ص 438 - 18 فبراير سنة 1919 م 31 ص 170 - 7 نوفمبر سنة 1922 م 35 ص 14 - 12 مايو سنة 1923 م 35 ص 433  .

( [1218] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا لم تكتف المحكمة بتدوين إقرارات الخصوم ، بل بحثها وحددت حقيقة معناها ، ثم عرضت لها مرة أخرى لتتبين المسئول عن مصرفات الدعوى ، ثم حكمت فى الدعوى بعد استعراض ظروفها وأدلتها ومن بينها إقرارات الخصوم ، كان ذلك تضاء حاسماً للنزاع يحوز حجية الأمر المقضى لا مجرد توثيق وإثبات لتلك الإقرارات ( نقض مدنى 24 فبراير سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 102 ص 266 )  .

( [1219] ) أوبرى ورو 12 فقرة 769 ص 405 وهامش رقم 24 – ونستعرض بعضاً من قضاء محكمة النقض فى المنطوق الضمنى الذى تثبت له الحجية  .

فهناك أحكام قضت بوجود منطوق ضمنى تثبت له الحجية  . من ذلك ما قضت به محكمة النقض من أنه إذا طلب الدائن الحكم ببطلان الرهن الصادر من مدينه إلى مدين آخر بمقولة إن هذا الرهن عمل تواطؤاً للهروب من الوفاء بدينه ، وكان الطلب مقصوداً به القضاء ضمناً ببطلان القرض أيضاً ، وقضى برفض الدعوى بناء على انعدام الدليل على علم الدائن المرتهن بالدين السابق أو تواطئه مع المدين ، كان هذا قضاء ضمنياً بصحة القرض المضمون بالرهن  . فإذا عاد المدعى إلى طلب الحكم ببطلان عقد القرض نفسه ، كان الحكم بعدم جواز نظر هذه الدعوى لسبق الفصل فيها نهائياً بين الخصوم أنفسهم سليماً قانوناً ( نقض مدنى 18 فبراير سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 26 ص 57 )  . وقضت أيضاً بأنه إذا كان عقد الإيجار متفقاً فيه على التجاوز عن بعض الأجرة فى حالة دفعها فى مواعيدها ، فإن هذا التجاوز يكون متعلقاً بذات الحق المطالب به ومرتبطاً بشروط الوفاء به  . فإذا قضت المحكمة لمؤجر بباقى الأجرة المستحقة على المستأجر بعد تحققها من انشغال ذمته ، فإنها تكون قد قضت فى ذات الوقت ضمناً بعدم استحقاق هذا المستأجر للتجاوز المشترط ، وتكون دعوى المستأجر بعد ذلك ببراءة ذمته منه عوداً إلى موضوع سبق الفصل فيه ( نقض مدنى أول أبريل سنة 1943  . مجموعة عمر 4 رقم 40 ص 96 )  . وقضت أيضاً بأنه إذا رفع المشترى دعواه على البائع بطلب تثبيت ملكيته للعين المبيعة وتسليمها إليه بما عليها من مبان ، وقضت له المحكمة بطلباته ، وأقامت قضاءها بذلك على أن البائع الذى يمتنع عن تسليم العقار المبيع ، ويبنى فيه قبل تسجيل عقد البيع مع مطالبة المشترى له بنقل الملكية ، يعتبر كالبانى فى ملك غيره ، ولا يحق له لسوء نيته حبس البناء لاستيفاء مصاريفه ، ثم رفع البائع على المشترى دعواه بطلب قيمة تكاليف البناء كاملة ، فقضت له المحكمة بطلبه ، وأقامت قضاءها بذلك على أن البائع إذ بنى قبل تسجيل عقد البيع كان حسن النية فى هذا البناء لاعتقاده أنه يبنى فى أرض مملوكة له وأن هذا الاعتقاد يرفع عنه سوء النية الخاص الذى يشترطه القانون ، فإن هذا الحكم يقع مخالفاً للحكم السابق الحائز حجية الأمر المقضى ( نقض مدننى 29 مارس سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 228 ص 601  . وقضت كذلك بأنه إذا صدر بناء على طلب بعض الورثة فى مواجهة الباقى حكم نهائى باعتبار الفدان المتنازع فى شأنه تركة يتقاسمونها جميعاً ، وذلك بناء على اعتبار العقد الصادر به من الوالدة لأحدهم وصية لوارث لم يجزها بقالى الورثة ، وكان مما بحثته المحكمة فى حكمها هذا ، واستندت إليه فى اعتبار ذلك التصرف وصية ، عقد محرر أثناء حيازة الوالدة بين الابن الذى صدر له التصرف وبين أخوته الذكور الثلاثة نص فيه ، فيما نص عليه به ، على أن هذا الفدان يكون بعد حياة الوالدة لهؤلاء الأربعة ، ثم رفع بعد ذلك اثنان من الأربعة دعواهما على الاثنين الآخرين ( ومنهما الصادر له التصرف ) بطلب تثبيت مالكيتهما إلى النصف فى هذا الفدان الذى هو موضوع التصرف ، وحكم فى هذه الدعوى باعتبار الفدان المذكور مملوكاً لهؤلاء الأخوة الأربعة دون باقى الورثة ، وذلك طبقاً للعقد المحرر بينهم السالف ذكره ، فهذا الحكم فى صورته هذه يكون قد جاء على خلاف الحم السابق الصادر بين الخصوم أنفسهم والحائز لحجية الأمر المقضى ، ويكون متعيناً نقضه ( نقض مدنى 26 أبريل سنة 1645 مجموعة عمر 4 رقم 244 ص 641 )  .

وهناك أحكام نفت وجود منطوق ضمنى تثبت له الحجية  . من ذلك ما قضت به محكمة النقض من أنه إذا قضى الحكم للمدعى بتقديم الحساب عن غلة عين يملكها دون أن يرد فى منطوقة إلا فى أسبابه ذكر لتكاليف ما أنشأه المدعى عليه فى العين من المبانى أثناء وضع يده ، فهذا الحكم لا يمنع المدعى عليه المذكور من مطالبة المدعى فيما بعد بتكاليف هذا الذى أنشأه من ماله الخاص ، مادامت الملكية شيئاً وتكاليف البناء شياً آخر ، وما دام الحكم لا يؤخذ منه حتما وبطريق اللزوم العقلى أنه قضى فى شأن هذه التكاليف ( نقض مدنى 13 ديسمبر سنة 1943 مجموعة عمر 1 رقم 212 ص 509 )  . وقضت أيضاً بأنه إذا دار النزاع فى دعوى قسمة حول سبق وقوع القسمة بالتراضى ، ثم أصدرت المحكمة حكمها بندب خبير لإجراء القسمة ، فإن حجية هذا الحكم تقف عند حد نفى القسمة التى كانت وحدها موضع الجدل والتدافع بين طرفى الخصومة  . والاحترام الواجب لهذا الحكم فى حدود هذه الحجية ليس من شأنه أن يمنع المدعى عليهم فى دعوى القسمة ، وهم من صدر الحكم عليهم ، من أن يدعوا ملكية بعض الأعيان التى قالوا بقسمتها تأسيساً على أنهم وضعوا يدهم على هذه الأعيان مفرزة بنية تملكها بالمدة الطويلة المكسبة للملكية  . فإذا قضى لهم بالملكية على هذا الأساس ، فلا يكون هذا القضاء مخالفاً لما قضى به من قبل من نفى وقوع القسمة  . فإن نفى القسمة لا يقتضى حتماً قيام الشيوع إلى اليوم الذى صدر فيه الحكم الذى نفى القسمة ، غذ لا تلازم بين انتفاء القسمة وقيام الشيوع ، لأن واحداً من الملاك المشتاعين أو بعضهم قد يستقل بوضع يده على جزء من الملك الشائع بنية تملكه لنفسه ، وقد يم له هذا التملك بانقضاء المدة الطويلة المكسبة الملك ، وفى هذه الصورة لا يوجد شيوع ، على أن قسمة لم تقع ( نقض مدنى 4 أبريل سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم ص 147 )  . وقضت أيضاً بأنه إذا طعن فى عقد بالتزوير ثم أخفق الطاعن ، فذلك لا يمنعه من أن يطعن فى ذات العقد بأنه وصية ، لأن الطعن فى العقد بأنه وصية لا ينافى صدوره ممن أسند إليه ( نقض مدنى 16 مايو سنة 1946 مجموعة عمر رقم 78 ص 174 )  . وقضت كذلك بأنه إذا صدر حكم بإجراء القسمة على أساس حكم بتقسيم الميراث صدر من المحكمة الشرعية فى حق بعض الورثة وحكم من محكمة الاستئناف المدنية بالتعويل فى حق وارث آخر على حكم المحكمة الشرعية ، فإن صيرورة حكم القسمة نهائياً حائزاً قوة الأمر المقضى لا يحول دون الطعن بالنقض فى حكم محكمة الاستئناف ، لأن مصير هذا الحكم إذ يكون معلقاً بنتيجة الفصل فى الطعن فيه فإن حكم القسمة يتعلق بهذا المصير نفسه ( نقض مدنى 19 مايو سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 421 ص 770 مع تعليق الأستاذ محمد حامد فهمى بهامش صفحة 771 )  .

( [1220] ) نقض مدنى 22 يونيه سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 155 ص 632  .

( [1221] ) أوبرى ورو 12 فقرة 769 ص 404 - ولكن الحكم بإجابة الطلب الأصلى لا يكون حجة فى رفض الطلب الاحتياطى  . وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كان المدعى قد تقدم إلى المحكمة بطلبين أحدهما أصلى والآخر احتياطى ، فإنه إذا ما أجيب الطلب الأصلى سقط الطلب الاحتياطى من تلقاء نفسه واندفع عن الدعوى فأصبح غير ماثل فى الخصومة ، إذ المدعى لا يريد أن يتصل القاضى بالطلب الاحتياطى إلا إذا لم يقض له بالطلب الأصلى  . وإذا كانت المحكمة حين قضت للمدعى بالطلب الأصلى قد أسست ذلك على سبب واحد هو قوله : " إن الدعوى صحيحة من المستندات المقدمة من المدعى وعدم تقديم ما ينفيها " ، ثم ختمت منطوق الحكم بعبارة " ورفض ما عدا ذلك من الطلبات " ، ولم يكن فيما أوردت فى حكمها ما يفيد أنها أرادت أن تبت فى موضوع تلك الطلبات الاحتياطية ، فإن غاية ما تحمل عليه هذه العبارة أنها من قبيل مجرد التحرز الذى جرى القضاة على اختتام أحكامهم به ، إذ أنه لا محل للطلبات الاحتياطية بعد قبول الطلبات الأصلية  . وإذن فلا يعتبر الطلب الاحتياطى مقضياً برفضه ، ولا يمتنع تجديد المطالبة به فى دعوى ثانية  . وعلى ذلك فإذا رفع الدائن على مدينه دعوى طالباً إلزامهم أصلياً بتسيلم مقدار من المحصولات لبيعه واستيفاء دينه من ثمنه بطريق الامتياز تنفيذاً لعقد المديونية ، واحتياطياً إلزامهم بدفع مبلغ الدين متضامنين ، وقضت المحكمة له بطلبه الأصلى ، ثم لما لم يستوف بتنفيذ الحكم كل دينه رفع دعوى ثانية بطلب إلزام المدينين بدفع باقى الدين متضامنين ، فإن موضوع الدعوى الثانية يكون مختلفاً عن الموضوع المقضى فيه فى الدعوى الأولى  . فإذا حكم فى الدعوى الثانية بعدم جواز نظرها بمعقولة إنه بالحكم الصادر فى الدعوى الأولى قد سبق الفصل برفض طلب التضامن فى المديونية ، فهذا الحكم يكون مخطئاً فى تطبيق القانون ( نقض مدنى 4 نوفمبر سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 322 ص 654 ) – وكذلك رفض الدفع بحجية الأمر المقضى لا يعتبر فصلاً فى سائر الدفوع التى لم يكن قد فصل فيها  . وقد قضت محكمة النقض بأن قرار محكمة الاستئناف برفض الدفع بحجية الأمر المقضى وبإحالة القضية على محكمة الدرجة الأولى لنظر الموضوع ، ليس معناه رفض ما عسى يكون قد فيها من دفوع أخرى لم يكن فصل فيها ، بل معناه نظر القضية من جديد من حيث الشكل ومن حيث الموضوع ، فلكل خصم أن يبدى ما يشاء من الدفوع بشرط ألا تتعارض مع ما قضت به محكمة الاستئناف فى حكمها المطعون فيه ( نقض مدنى 5 يناير سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 90 ص 162 )  .

( [1222] ) استئناف مختلط 12 مارس نة 1946 م 58 ص 118 - ويكون للحكم حجية الأمر المقضى ولو اشتمل على خطأ فى القانون ( استئناف مختلط 22 مايو سنة 1948 م 60 ص 125 ) ، ولو قضى بما لم يطلبه الخصوم ولم يطعن فيه بالالتماس ( بنى سويف الكلية 19 مايو سنة 1929 المحاماة 9 رقم 600 ص 1100 ) ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك  .

( [1223] ) استئناف مختلط 12 مارس سنة 1942 م 54 ص 131  .

( [1224] ) استئناف مختلط 25 يوليه سنة 1930 م 42 ص 586  .

( [1225] ) ولا حجية لحكم ذكر الورثة ولم يفصل فى نصيب كل منهم ( استئناف مختلط 28 نوفمبر سنة 1912 م 25 ص 38 ) ، أو وصف دائناً للشركة بأنه دائن غير مباشر ثم أضاف أن هذه المسألة ليست محل بحث ( استئناف مختلط 21 نوفمبر سنة 1917 م 30 ص 50 ) ، أو وصف الخصم بأنه نائب نيابة قانونية دون أن تكون هذه الصفة محل مناقشة بين الخصوم ( استئناف مختلط 24 ديسمبر سنة 1917 م 30 ص 100 ) ، أو قضى بالنفقة دون أن يناقش قرابة المحكوم عليه للمحكوم له فلا حجية للحكم بالنسبة إلى هذه القرابة ( أوبرى ورو 12 فقرة 769 ص 403 - ص 404 ) ، أو ذكر عرضاً أن المدعى عجز عن إثبات حقه فى الميراث دون أن يطرح موضوع الميراث على بساط البحث بين الخصمين ودون أن يستلزم طرحه الدفاع فى الدعوى ( سوهاج الكلية 31 مارس سنة 1940 المحاماة 20 رقم 504 ص 1196 )  .

انظر أيضاً فى هذه المسألة : نقض مدنى 4 مارس سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 278 ص 552 - 26 مارس سنة 1954 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 107 ص 720 - بنى سويف 29 مايو سنة 1929 المحاماة 9 ص 1100 - شبين الكوم 11 مارس سنة 1931 المحاماة 12 رقم 329 ص 646  . استئناف مختلط 10 فبراير سنة 1916 م 28 ص 271 - 27 أبريل سنة 1916 م 28 ص 280 - 8 يناير سنة 1918 م 30 ص 132  .

( [1226] ) استئناف مختلط 7 أبريل سنة 1915 م 27 ص 265 - 11 نوفمبر سنة 1915 م 28 ص 20 - 3 فبراير سنة 1916 م 28 ص 138 - 10 أبريل سنة 1919 م 31 ص 244 - 2 مارس سنة 1932 م 44 ص 207 - 30 نوفمبر سنة 1948 م 61 ص 21 - ومن ثم لا يجوز استئناف أسباب الحم وحدها دون المنطوق ، إذ المنطوق هو الذى يحوز حجية الأمر المقضى ( استئناف مختلط 27 ديسمبر سنة 1905 م 18 ص 67 )  .

( [1227] ) نقض مدنى 8 يناير سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 42 ص 293  .

( [1228] ) نقض مدنى 14 يونيه سنة 1934 مجموعة عمر 1 رقم 196 ص 428 - وقضت أيضاً بأنه متى كان يبين من الحكم أنه فصل فى أسبابه فصلاً قاطعاً ( أولاً ) فى أن الأرض الفضاء لا تدخل ضمن عقد إيجار المنزل و( ثانياً ) فى وجوب الأخذ بأجر المثل فى تحديد أجرة المنزل و( ثالثاُ ) فى اعتبار عقد الإيجار منتهياً ، فإن المحكمة لا تكون قد أخطأت إذ قضت بعدم قبول استئناف هذا الحكم لفوات ميعاده فيما يختص بهذه المسائل ( نقض مدنى 12 فبراير سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 70 ص 482 )  . وقضت بأن الأسباب المرتبطة بالمنطوق ارتباطاً وثيقاً بحيث لا تقوم له قائمة إلا بها تكون معه وحدة لا تتجزأ ( نقض مدنى 18 مارس سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 45 ص 128 )  . وقضت أيضاً بأنه إذا قرر المجلس الحسبى الموافقة على صلح عقد بين أخ وجميع ورثة أخيه ومنه قصر ، ولم توافق وزارة العدل على هذا الصلح ، ورفع المر إلى القضاء ، وتمسك ورثة الأخ الأول بأن الصلح صحيح بالنسبة للبالغين ، فحكمت المحكمة فى الدعوى على هذا الأساس برفض دعوى البلغ وتأييد ندب خبير لتصفيقة حساب القصر وحدهم ، فهذا الحكم وإن كان منطوقه لم يرد به ذكر للصلح ، إلا أنه ، ما دام قد عرض فى أسبابه للصلح وفصل فيه فصلاً قاطعاً ورتب قضاءه على ذلك ، يحوز حجية الأمر المقضى فيما يختص بالصلح ، لارتباط تلك الأسباب بالمنطوق ارتباطاً وثيقاً ، وإذن فلا يصح فيما بعد التمسك بهذا الصلح فى مواجهة القصر ، قولاً بأن قرار المجلس الحسبى بالتصديق على الصلح هو قرار نافذ ما دامت وزارة العدل لم تطعن فى هذا القرار بالاستئناف ، وهو الطريقة الوحيدة لإبطال أثره ( نقض مدنى 18 مايو سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 138 ص 382 )  . وقضت أيضاً بأنه إذا صرحت المحكمة فى أسباب حكمها بأن عقود الإيجار التى تمسك بها الدائن المرتهن فى تقدير الريع هى عقود صورية ، فإن هذا القضاء القطعى فى صورية هذه العقود وفى عدم الاعتداء بها يحوز حجية الأمر المقضى لوروده فى أسباب الحكم المرتبطة بمنطوقه ، وعلى ذلك فإذا أخذت المحكمة عند تصفية الحساب فيما بعد بالأجرة الواردة فى عقود الإيجار ، كان حكمها مخالفاً للقضاء السابق متعيناً نقضه ( نقض مدنى 11 مايو سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 134 ص 362 )  .

انظر أيضاً : نقض مدنى 22 يونيه سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 133 ص 239 - 22 مارس سنة 1934 مجموعة عمر 1 رقم 173 ص 344 - 30 يناير سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 98 ص 316 - 11 ديسمبر سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 129 ص 392 - 8 يناير سنة 1952 المحاماة 34 رقم 645 ص 1359 - استئناف مصر 7 يونيه سنة 1932 المحاماة 13 ص 538 - 10 يونيه سنة 1933 المحاماة 14 رقم 352 ص 679 - 27 مايو سنة 1936 المحاماة 17 رقم 142 ص 296 - استئناف أسيوط 5 ديسمبر سنة 1928 المحاماة 9 رقم 143 ص 240 - 11 فبراير سنة 1931 المحاماة 12 ص 631 - 12 نوفمبر سنة 1932 المحاماة 13 رقم 361 ص 729 - استئناف مختلط 10 أبريل سنة 1890 م 2 ص 206 - 25 مايو سنة 1892 م 4 ص 282 - 14 نوفمبر سنة 1894 م 7 ص 17 - 17 ديسمبر سنة 1902 م 15 ص 61 - 3 مارس سنة 1903 م 15 ص 167 - 17 فبراير سنة 1904 م 16 ص 136 - 6 مارس سنة 1903 م 15 ص 167 - 17 فبراير سنة 1904 م 16 ص 136 - 6 مارس سنة 1913 م 25 ص 216 - 10 فبراير سنة 1916 م 28 ص 147 - 25 أبريل سنة 1916 م 28 ص 271 - 27 أبريل سنة 1916 م 28 ص 282 - 8 يناير سنة 1918 م 30 ص 132 - 12 نوفمبر سنة 1918 م 31 ص 13 - 21 مايو سنة 1919 م 31 ص 310 - 21 أبريل سنة 1921 م 33 ص 280 - 4 مايو سنة 1922 م 34 ص 381 - 4 نوفمبر سنة 1930 م 43 ص 9 - 23 أبريل سنة 1931 م 43 ص 367 - 11 يونيه سنة 1936 م 48 ص 317 - 31 ديسمبر سن 1936 م 46 ص 58 - 21 ديسمبر سنة 1937 م 50 ص 57 - 25 مايو سنة 1938 م 50 ص 323 - 20 مايو سنة 1943 م 55 ص 165 - 17 فبراير سنة 1948 م 61 ص 1 - 21 ديسمبر سنة 1948 م 61 ص 63  .

( [1229] ) نقض مدنى 16 مارس سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 113 ص 293 - وقضت أيضاً بأنه لا يهم عند القضاء فى دعوى الملكية أن يكون المشترى استرد ما دفعه أو لم يسترده ما دام طلب رد الثمن لم يكن معروضاً على القاضى  . ولا يهم كذلك أن يكون البائع قد رد إلى المشترى ما قبضه من ثمن المبيع رداً مبرئاً لذمته أو أن يكون هذا الرد مشوباً بعيب يجعله غير مبرئ للذمة  . وإذن فإذا تعرض القاضى فى أسباب حكمه إلى ما لا تتأثر به دعوى الملكية من ذلك ، فأن ما يعرض له يكون ، لعدم تعلقه بالطلب المرفوع به الدعوى ولعدم اتصاله بالمنطوق ، عديم الأثر ، زائداً على حاجة الدعوى ، وهو على هذا الاعتبار لا يجوز كالمنطوق حجية الأمر المقضى ( قض مدنى 18 مارس سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 45 ص 138 ) - وقضت أيضاً بأنه إذا كان المدعون قد طالبوا بمبلغ ما على اعتبار أنه استحقاقهم فى ريع وقف عن مدة معينة ، فقضى لهم بهذا المبلغ ، وجاء فى الحم القاضى بذلك إشارة فى أسبابه إلى أنه كان يحق لهم أن يطالبوا بمبلغ أكبر عينه الحكم ، وصار هذا الحكم نهائياً ، فطالبوا بالفرق بين ما حكم لهم به وبين هذا المبلغ الذى عينه الحكم ، فرفضت المحكمة دعواهم على أساس ما أوردته فى حكمها من أسباب ، منها أن تلك الإشارة فى أسباب الحكم الأول لا حجية لها لخروجها عن نطاق الدعوى وعدم لزومها للفصل فيها ، وإنها إنما كانت دليلاً للقضاء بموجبه لهم بالمبلغ الذى طلبوه على أنه كل ما يستحقون لا جزء من استحقاقهم ، فلا تثريب فى ذلك على المحكمة ( نقض مدنى 15 نوفمبر سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 10 ص 54 - انظر أيضاً : نقض مدنى 11 ديسمبر سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 129 ص 392 )  .

( [1230] ) أوبرى ورو 12 فقرة 769 ص 403  .

( [1231] ) استئناف مصر 30 نوفمبر سنة 1925 المجموعة الرسمية 27 رقم 104 ص 163  .

( [1232] ) وقد قضت محكمة النقض بأن القواعد الخاصة بحجية الأمر المقضى هى من القواعد الضيقة التفسير التى يجب الاحتراس من توسيع مدى شمولها ، منعاً للأضرار التى قد تتربت على هذا التوسيع  . وإذن فكلما اختل أى شرط من شروط تلك القاعدة ، كالسبب أو الموضوع أو الأخصام ، بأن اختلف أيها فى الدعوى الثنية عما كان عليه فى الدعوى الأولى ، وجب التقرير بألا حجية للحكم الأول تمنع الدعوى الثانية ( نقض مدنى 11 أبريل سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 246 ص 674 - يناير سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 19 ص 37 ) - انظر أيضاً : استئناف مختلط 2 يناير سنة 1890 م 2 ص 212 - 15 يناير سنة 1890 م 2 ص 358 - 25 نوفمبر سنة 1891 م 4 ص 21 - 23 مايو سنة 1894 م 6 ص 306 - 24 أبريل سنة 1895 م 7 ص 244 - 30 أبريل سنة 1896 م 8 ص 267 - 2 يونيه سنة 1898 م 10 ص 306 - 18 مايو سنة 1899 م 11 ص 257 - 30 يناير سنة 1908 م 20 ص 76 - 23 مارس سنة 1910 م 22 ص 206 - 27 أبريل سنة 1915 م 27 ص 295  .

ومن ثم فدعوى البنوة المرفوعة أمام المحكمة الشرعية ودعوى شهادة الزور المرفوعة أمام محكمة الجنح بطلب عقاب الشهود الذين شهدوا فى دعوى البنوة هما دعويان مختلفان طلباً وسبباً وخصوماً ، والبحث فى أقوال الشهود أمام محكمة الجنح لا يعتبر تجديداً للنزاع فى البنوة التى ثبتت نهائياً بالحكم الشرعى ، لأن وحدة المسألة المبحوث فيها فى الدعويين وفى استنكار أو اعتبار شهادة الشهود لا تغير شيئاً من اختلاف الدعويين فى موضوعهما ، لا سيما أن الفقه الإسلامى إنما يوجب الضمان فقط على شهادة الزور ولكن لا يفسخ الحكم القائم على شهادتهم ( دائرة النقض الجنائية 29 نوفمبر سنة 1928 المجموعة الرسمية 30 رقم 5 )  .

( [1233] ) الموجز للمؤلف فقرة 711 ص 737  .

( [1234] ) وقد يكون هذا الممثل هو الوارث الظاهر  . فالحكم الصادر فى مواجهة الوارث الظاهر ، له أو عليه ، يكون حجة للوارث الحقيقى أو حجة عليه ، وذلك وفقاً لنظرية الوارث الظاهر ( أوبرى ورو 12 فقرة 769 ص 415 )  .

( [1235] ) الموجز للمؤلف فقرة 711 ص 728 - ولكن الحكم يكون حجة على الابن ، فلا يستطيع بعد بلوغه سن الرشد أن يعود إلى رفع الدعوى من جديد  . ويشترط لذلك أن يكون الأب قد سار فى الدعوى فى حدود نيابته ولم يجاوز سلطته الشرعية  . وقد قضت محكمة النقض بأن الأحكام الانتهائية الصادرة فى مواجهة ممثل الخصم لا تسرى على نفس الخصم إلا فى حدود نيابة الممثل والسلطة المخولة له  . وإذن فالقيم إذا عقد اتفاقاً عن محجوره واشترط فيه التقاضى فى كل نزاع بشأنه أمام محكمة جزئية بعينها تفصل فيه نهائياً ، فإنه يكون متجاوزاً فى ذلك حدود سلطته بتنازله عن حق محجوره فى نظر النزاع أمام المحكمة المختصة بالفصل فيه ، جزئية كانت أو كلية حسب القانون ، وفى نظره أمام جميع درجات التقاضى ، ذلك التنازل الذى لا يملكه القيم إلا بإذن من المجلس الحسبى لما فيه من الأضرار بالمحجور عليه ، قياساً على الصلح الذى أوجب القانون صراحة الإذن به وما ذلك إلا لما فيه من التنازل عن بعض الحقوق  . وإذن فالحكم الذى يبنى على هذا الاتفاق لا يلتزم به المحجور عليه ، بل يعتبر أنه صدر على شخص القيم مجرداً عن صفته ، وإعلانه إلى القيم الجديد لا يترتب عليه أى أثر على الإطلاق ، فهو لا يمنعه من أن يخاصم باسم محجوره بدعوى أخرى ( نقض مدنى 16 مايو سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 61 ص 209 )  .

( [1236] ) استئناف مختلط 10 نوفمبر سنة 1897 م 10 ص 6 - 8 يونيه سنة 1904 م 16 ص 317 - ولكن الحكم على السنديك بهذه الصفحة حجة على جميع الدائنين ،إلا إذا وجد لأحد منهم صالح خاص ( استئناف مختلط 15 يونيه سنة 1921 م 23 ص 394 )  .

( [1237] ) استئناف مختلط 28 فبراير سنة 1907 م 19 ص 196 - وقد قضت محكمة النقض بأن العبرة فى اتحاد الخصوم فيما يتعلق بحجية الأمر المقضى إنما هى بالخصوم من حيث صفاتهم لا من حيث أشخاصهم ، وإذن فالحكم الصادر فى وجه خصم بصفته الشخصية لا تكون له حجية قبل هذا الخصم باعتباره ناظراً على وقف ، فإن صفة النظارة للخصم قد تتعارض مع صفته الشخصية ( نقض مدنى 7 مارس سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 39 ص 114 )  . وقضت أيضاً بأن الحكم الصادر قبل ناظر الوقف بصفته الشخصية لا يؤثر على وضع يد الوقف ولا يحوز حجية الأمر المقضى بالنسبة إليه ( نقض مدنى 10 مارس سنة 1955 مجموعة أحكام النقض 6 رقم 103 ص 796 )  .

( [1238] ) أوبرى ورو 12 فقرة 769 ص 428 - ص 429 - وقضت محكمة النقض بأن الحكم الذى يصدر فى دعوى الاستحقاق الفرعية فى إجراءات التنفيذ على العقار يكون حجة على المدين المنزوعة ملكيته المختصم فيها ، لأنه خصم حقيقى فيها ولا تنعقد الخصومة بدونه ، إذ أوجبت المادة 595 مرافعات ( 705 جديد ) إقامة الدعوى عليه ( نقض مدنى 28 أكتوبر سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 330 ص 649 )  . وقضت أيضاً بأن الحم الصادر فى دعوى الاسترداد غيابياً بالنسبة إلى بعض الخصوم يصبح نهائياً بالنسبة إلى هذا البعض إذا لم يستأنفوه فى خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدوره ، ومتى أصبح نهائياً فلا يجوز إهدار حجيته بمقولة إنه صدر بالتواطؤ بين من صدر له وأحد الخصوم ( نقض مندى 22 نوفمبر سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 19 ص 98 ) - وقضت أيضاً بأنه إذا رفع دائن دعواه على مدينه المؤجر وعلى المستأجر منه طالباً إلغاء عقد الإيجار المبرم بينهما لصوريته ، ورفع المستأجر دعوى فرعية طلب فيها الحكم بصحة العقد وإلزام الدائن والحارس المعين بناء على طلب بتعويض ، فقضى بصورية العقد وبرفض الدعوى الفرعية ، ثم رفع المستأجر دعوى على المؤجر طلب فهيا الحكم عليه بمبلغ عينه ، هو ما عجله له من أجرة الأرض وما تكلفه من المصاريف وما قدره لنفسه من التعويض ، فدفع المؤجر بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها ، فهذا الحكم لا يكون مخلاً بحجية الأمر المقضى ، إذ الخصمان فى الدعوى التى صدر فيها لم يكن أحدهما خصماً للآخر فى الدعوى السابق الفصل فيها ( نقض مدنى 13 مارس سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 171 ص 381 مع تعليق الأستاذ محمد حامد فهمى بهامش ص 381 - ص 382 ) - وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الحكم على شركة بالتضامن حجة على جميع الشركاء بأشخاصهم ، ويحوز تنفيذه على كل منهم بمفرده دون حاجة إلى حكم آخر عليه ( 4 أبريل سنة 1906 م 18 ص 180 )  . وقضت أيضاً بأنه إذا كان تظهير الكمبيالة لا يعدل إلا توكيلاً ، فالحكم على حامل الكمبيالة ( الوكيل ) حجة على المظهر ( الموكل )  . ( استئناف مختلط 13 مايو سنة 1931 م 43 ص 394 ) - وقضت محكمة الإسكندرية الكلية بأن اختلاف الحاضرين فى دعوى استرداد يخل بشرط اتحاد الخصوم إخلالاً جوهرياً ، حتى لو كان المدين المحجوز عليه والمسترد فيهما واحداً ، وذلك لأن الحاجة فى دعوى الاسترداد هو الخصم المهاجم وهو صاحب المصلحة الحقيقية ( 7 ديسمبر سنة 1936 المحاماة 17 ص 895 )  .

( [1239] ) وعندما كان الوقف الأهلى قائماً ، كانت ورثة المستحق فى الوقف الذين يلونه فى الاستحقاق لا يتلقون حقهم فى الاستحقاق عن مورثهم ، بل عن الواقف رأساً  . وقد نصت محكمة مصر الأهلية بأن الأحكام الصادرة فى مواجهة مستحق فى الوقف لا تسرى على ورثته ، لأن الصفة فى الدعوى غير متعدية ( 29 مايو سنة 1898 الحقوق 13 ص 319 ) - وقضت محكمة النقض بأن الحكم الصادر فى وجه إنسان لا يكون حجة على من يخلفه من وارث أو مشتر أو متعلق عنه إذا اسند هذا الخلف فى إثبات ملكيته إلى سب آخر غير التلقى ، مستغنياً بهذا السبب الأخير عن التلقى ( نقض مدنى 24 مايو سنة 1934 مجموعة عمر 1 رقم 184 ص 403 )  .

( [1240] ) استئناف مختلط 13 مارس سنة 1902 م 14 ص 190 - 14 مارس سنة 1912 م 24 ص 198 - 7 نوفمبر سنة 1912 م 25 ص 13 - 9 يونيه سنة 1913 م 25 ص 433 - 12 ديسمبر سنة 1916 م 29 ص 98 - 7 أبريل سنة 1932 م 44 ص 268  .

( [1241] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الحكم الصادر فى مواجهة البائع حجة على المشترى إذا كان البيع تالياً لصدور الحكم ، ولو كان هذا الحكم غير نهائى ( 5 مايو سنة 1898 م 10 ص 265 ) - ولو كان هذا الحكم صادراً من محكمة أهلية بين وطنيين وكان الخلف الخاص أجنبياً ( 3 يونيه سنة 1891 م 3 ص 350 - 23 مايو سنة 1894 م 6 ص 306 - 28 نوفمبر سنة 1895 م 8 ص 0 - 11 نوفمبر سنة 1896 م 9 ص 8 ) - ولو لم يسجل المحكوم له الحم الصادر لصالحه ( استئناف مختل 7 مارس سنة 1907 م 19 ص 148 - 29 يونيه سنة 1910 م 22 ص 390 - 7 نوفمبر سنة 1912 م 25 ص 6 - 23 يناير سنة 1913 م 25 ص 143 - 20 مارس سنة 1913 م 25 ص 249 )  .

والحكم الصادر لدائن التركة على الوارث حجة على المشترى من الوارث ( استئناف مختلط 9 أبريل سنة 1927 م 39 ص 380 ) - والحكم على المستأجر الممنوع من الإيجار من الباطن بالإخلاء حجة على المستأجر من الباطن ولو لم يدخل فى الدعوى ( استئناف مختلط 17 ديسمبر سنة 1902 م 15 ص 60 - 15 ديسمبر سنة 1909 م 22 ص 45 ) - والحكم بالشفعة على مشتر حجة على المشترى من هذا المشترى ( استئناف مختلط 17 مايو سنة 1900 م 12 ص 254 )  .

( [1242] ) استئناف مختلط أول يونيه سنة 1910 م 22 ص 351 - 12 يناير سنة 1915 م 27 ص 114 - 10 يناير سنة 1916 م 28 ص 148 - أما إذا كان تسجيل البيع أثناء رفع الدعوى وبعد تسجيل صحيفتها فالحكم حجة ( استئناف مختلط 6 ديسمبر سنة 1900 م 13 ص 30 - 7 مارس سنة 1912 م 24 ص 174 - 13 فبراير سنة 1923 م 35 ص 214 - 22 مايو سنة 1930 م 42 ص 514 )  .

( [1243] ) نقض مدنى 19 نوفمبر سنة 1931 مجموعة عمر 1 رقم 4 ص 13 - انظر أيضاً : نقض مدنى 2 نوفمبر سنة 1939 مجموعة عمر 3 رقم 2 ص 10  - 2 يناير سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 87 ص 294 - 5 أبريل سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 98 ص 592  . وقضت محكمة النقض أيضاً بأن الدعوى المقامة من الدائن المرتهن حيازياً على المدين الراهن بمطالبته بالدين وحبس العين المرهونة لا يكون للحم الصادر فيها بطلبات المدعى حجية قبل من اشترى الأرض بعقد مسجل قبل الرهن  . فإذا باع هذه المشترى الأرض المذكورة إلى آخر بعقد غير مسجل ، وأقام المشترى الثانى دعوى على البائع له وعلى المرتهن طالباً الحكم له بصحة العقد العرفى الصادر له ونفاذه وشطب التسجيلات الموقعة على الأرض ومحوها ، بانياً دعواه على أن عقد الرهن صدر من غير مالك بعد عقد الشراء المسجل الصادر لبائعه ، فحكم فى هذه الدعوى ؟؟؟؟؟؟ ، فهذا الحكم لا يعتبر مخالفاً للحكم السابق صدوره بإلزام المدين الدين وحبس العين ( نقض مدنى 17 مارس سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 395 ص 733 )  . وقضت أيضاً بأن الشريك فى ملك شائع الذى يتصرف فى حصته الشائعة بعد رفع دعوى القسمة لا يعتبر ممثلاً للمشترى منه متى سجل هذا الأخير عقد شرائه وانتقلت إليه بذلك ملكية الحصة المبيعة قبل انتهاء إجراءات القسمة  . وإذن فمتى كان أحد الشركاء فى ملك شائع رفع دعوى بفرز وتجنيب نصيبه فى هذا الملك ، وأثناء سير الدعوى اشترى المطعون عليهما الأولان الحصة الشائعة لأحد الشركاء ، وأرادا التدخل فى دعوى القسمة فرفضت المحكمة تدخلهما بناء على اعتراض أحد الشركاء ، وسارت إجراءات القسمة فى غير مواجهتهما ، فلا يكون الحكم الصادر فى دعوى القسمة المشار إليها بتخصيص كل من طالبى القسمة بنصيب مفرز حجة عليها ( نقض مدنى 22 يناير سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 ص 370 )  .

أنظر أيضاً : محكمة الاستئناف الأهلية 17 مارس سنة 1910 المجموعة الرسمية 11 رقم 96 - 30 ديسمبر سنة 1914 الشرائع 2 ص 151 - استئناف مختلط 5 ديسمبر سنة 1900 م 13 ص 29 - 12 يناير سنة 1915 م 27 ص 114 - 10 فبراير سنة 1916 م 28 ص 148 - وقارن : استئناف أهلى 10 أبريل سنة 1912 المجموعة الرسمية 13 رقم 113  .

والحكم الصادر بانقضاء الدين يكون حجة على المتنازل له عن هذا الدين إذا كان إعلان هذا التنازل إلى المدين لاحقاً لصحيفة الدعوى بانقضاء الدين ( أوبرى ورو 12 فقرة 769 ص 408 )  .

وانظر فى هذا الموضوع الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الأدلة جزء 2 ص 246 - ص 276  .

( [1244] ) نقض مدنى 12 مارس سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 97 ص 635 - استئناف أهلى 10 مايو سنة 1910 المجموعة الرسمية 11 رقم 133 - مصر الأهلية 23 يناير سنة 1934 المحاماة 15 رقم 17 / 2 ص 37 - استئناف مختلط 29 ديسمبر سنة 1898 م 11 ص 74  .

( [1245] ) استئناف مختلط 26 نوفمبر سنة 1891 م 4 ص 25 ( ولو كان الحكم ، وقت قيام المحاكم المختلطة ، صادراً من محكمة وطنية بين وطنيين وكان الدائن أجنبيا )  .        

( [1246] ) علي أن الدائن يمثل الدائنين الآخرين عند مباشرته لإجراءات نزع الملكية في كل ما يفيد هؤلاء ( استئناف مختلط 22 مايو سنة 1930 م 42 ص 514 )  .

( [1247] ) استئناف مختلط 5 يونية سنة 1930 م 43 ص 2 - وهذا ما لم تدفع الدعوي بعدم قبولها لعدم إدخال المدين خصما فيها  .         

( [1248] ) وتنص المادة 453 من تقنين المرافعات علي أنه " يبقي الخارج عن الخصومة الحق في الاعتراض علي الحكم ما لم يسقط حقه بمضي المدة "  . وتنص المادة 455 علي أنه " يترتب علي الاعتراض علي الحكم إعادة طرح الخصومة علي المحكمة من جديد ، ولا يستفيد من الحكم الصادر فيه غير رفعه ، ما لم ينص القانون علي خلاف ذلك "  .     

( [1249] ) ولا يشترط إثبات التواطؤ أو الغش أو الإهمال الجسيم كما سنري  .        

( [1250] ) انظر في هذه المسألة جان ماري أوسل ( Aussel ) في رسالته عن الغير في القانون المدني الفرنسي مونييلييه سنة 1952 ص 234 - ص 241 - دي باج جزء 3 ص 1012 ص 1014 - الأستاذ عبد السلام ذهني في الأدلة 2 ص 415 - 424 - الأستاذ عبد المنعم الشرقاوي في الرافعات فقرة 432 ص 599 - الأستاذ أحمد أبو الوفا في المرافعات ص 651  . 

( [1251] ) استئناف مختلط 12 يونيه سنة 1902 نم 14 ص 346 - 23 نوفمبر سنة 1904 م 17 ص 13  . 

( [1252] ) استئناف مختلط 8 يونية سنة 1904 م 16 ص 317  .        

( [1253] ) استئناف مختلط 20 نوفمبر سنة 1917 م 30 ص 45 - 26 يونية سنة 1928 م 40 ص 466 - 14 يناير سنة 1937 م 49 ص 71  . وقارب : نقض مدني 5 فبراير سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 141 ص 412  .  

( [1254] ) أوبري ورو 12 فقرة 769 ص 409 وهامش رقم 37  .

( [1255] ) وهذا ما يذهب إليه الفقه الفرنسي ( ديرانتون 13 فقرة 507 - ماركاديه م 1351 فقرة 12 - أوبري ورو 12 فقرة 769 ص 411 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1557 ص 1024 - عكيس ذلك : لارومبيير 5 م 1351 فقرة 117 )  . أما القضاء الفرنسي فيعتبر الدائن المرتهن كالدائن العادي من حيث سريان الحكم الصادر ضد المدين في حقه ( نقض فرنسي 25 أكتوبر سنة 1893 داللوز 94 - 1 - 34 - محكمة باريس الاستئنافية 19 نوفمبر سنة 1923 داللوز 1924 - 2 - 154 )  .

وكان القضاء المختلط في مصر يذهب ، في أكثر أحكامه ، إلي ان الدائن المرتهن لا يسري في حقه ، بالنسبة إلي العين المرهونة ، الحكم الصادر ضد المدين ، شأنه في ذلك شأن الخلف الخاص : استئناف مختلط 27 أبريل سنة 1893 م 5 ص 230 - 3 نوفمبر سنة 1916 م 29 ص 83 - 30 يناير سنة 191 م 13 ص 143 - 20 أبريل سنة 1920 م 32 ص 282 - 4 يناير سنة 1945 م 57 ص 35 - 4 فبرايل سنة 1947 م 59 ص 90 انظر عكس ذلك : استئناف مختلط 6 نوفمبر سنة 1901 م 14 ص 3 - 9 يناير سنة 1913 م 25 ص 124 - 9 يونية سنة 1915 م 27 ص 396 - وعلي كل حال يجوز للدائن المرتهن أن يطعن باعتراض الخارج عن الخصومة في الحكم الصادر ضد المدين ، عن طريق التواطؤ أو الغش أو الإهمال الجسيم ، حتي يجعل هذا الحكم لا يسري في حقه  . وهذا ما يملكه حتي الدائن العادي ، فأولي أن يملكه الدائن المرتهن ( استئناف مختلط 6 ديسمبر سنة 1928 م 41 ص 79 - 4 يونية سنة 1929 م 41 ص 428 )  .

( [1256] ) وذلك لا يمنع من أن يواجه الغير بالحكم كدليل من أدلة الإثبات يقدره القاضي ، وللغير أن ينقصه بدليل عكسي ( أوبري ورو 12 فقرة 769 ص 430 )  .

( [1257] )قارن جان ماري أوسل ( Aussel ) في رسالته عن الغير في القانون المدني الفرنسي فقرة 222 ص 237 - ص 238  .         

( [1258] )استئناف أهلي 18 أبريل سنة 1905 المجموعة الرسمية 6 رقم 102 / 1 - قارن استئناف مختلط 29 ديسمبر سنة 1898 م 11 ص 73       .

( [1259] ) استئناف مختلط أول مارس سنة 1949 م 61 ص 888 ولكن إذا كان كل المدينين المتضامنين قد دخلوا في الدعوي ، فحكم لبعضهم ، فلا يفيد هذا الحكم من لم يحكم له منهم ( بني سويف 29 مايو سنة 1929 المحاماة 9 ص 100 )  .      

( [1260] )نقض مدني 11 ابريل سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 246 ص 674 - وقضت محكمة النقض بأن الوارث الآخر ، أو بعبارة أدق عن طريق المورث الذي يتلقي الحق عنه ، إلا أنه مع ذلك لا يعتبر محكوما عليه مباشرة بل يكون من الغير الذي له حق الطعن بالتعدي فلا يجوز الحكم قبله حجية ما  . فالحكم الذي يعتبر حكما شرعيا متعديا إلي أحد الورثة ، وأنه يجوز قبله حجية الأمر المقضي أسوة بأخويه المحكوم عليهما في نفس الحكم ، يكون مخطئا ( نقض مدني 19 مايو سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 421 ص 770 )ن وقضت محكمة النقض أيضا بأنه إذا رفع أحد الدائنين دعواه علي مدينه وعلي من تصرف له المدين من أولاده بطلب إبطال هذا التصرف ، فإن الخصوم في هذه الدعوي يعتبرون مختلفين عن الخصوم في دعوي المنازعة في صحة التصرف التي تقوم فيما بعد بين بعض ورثة المدين وبين من صدر إليهم التصرف  . فإذا كان قد حكم في الدعوي الأولي ببطلان التصرف ، ثم حكم في الدعوي الثانية بصحته ونفاذه ، فلا يعد الحكم الثاني مخلا بحجية الحكم الأول ، ولذلك يكون القضاء بإهدار الحكم الثاني بمقوله مخالفته لحجية الأمر المقضي مخطئا في تطبيق القانون ( نقض مدني 9 مايو سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 71 ص 158 )  . أما المالك تحت شرط فاسخ فيمثل من يكون مالكا إذا تحقق الشرط ، وذلك في الأحكام التي تصدر لصالحه لا في الأحكام التي تصدر ضده ( أوبري ورو 12 فقرة 769 هامش رقم 55 و ص 422 )  .     

( [1261] ) ويبدو أن قصر الاعتراض علي حالتي التضامن وعدم القابلية للتجزئة إما أن يكون راجعا الي أن نصوص تقنين المرافعات الجديد في هذا الموضوع لم تنسق مع نصوص التقنين المدني الجديد ، وهذه تقضي بأن المدين المتضامن لا يسري في حقه الحكم الصادر علي مدين متضامن معه ، فلم يكن المدين المتضامن ومن ألحق به في حاجة ، كالدائن إلي حق الاعتراض ليعتبر من الغير ، وإما أن يكون راجعا إلي ان الغير في هاتين الحالتين أقرب إلي الشبهة في أن يسري الحكم فيه حقه ، ففتح له باب الاعتراض حتي يدراً عن نسه بطريق جديد نظمه القانون ما عسي أن يمسه من آثار حكم لا يسري في حقه  . وغني عن البيان أن باب اعتراض الخارج عن الخصومة لا يقفل أمام الغير الأبواب الأخري التي يفتحها له القانون لدفع الاحتجاج عليه بحكم لا يسري في حقه  . وقد صرحت بذلك المذكرة الإيضاحية لمشروع تقنين المرافعات إذ تقول : " لم ير المشروع حاجة إلي النص علي أن من يكون له طريق الاعتراض ولا يسلكه لا يحرم بذلك من حقه في الالتجاء إلي الوسائل الأخري التي يسمح له القانون بها لدفع الاحتجاج عليه بالحكم ، لم يرد المشروع حاجة إلي هذا النص لأنه لا يعدو أن يكون تقريراًُ لقاعدة مقررة يكاد ينعقد لإجماع عليها "  . ( قارن الأستاذ عبد الشرقاوي في المرافعات فقرة 433 ص 601 - وانظر الأستاذ أحمد أبو الوفا في المرافعات فقرة 539 ص 653 )  . هذا واعتراض الخارج عن الخصومة ، كما كان في تقنين المرافعات المختلط وكما هو في لائحة المحاكم الشرعية وفي تقنين المرافعات الفرنسي ، أوسع نطاقا من اعتراض الخارج عن الخصومة في تقنين المرافعات الجديد ، إذ هو لا يقتصر علي طائفة محدودة من الغير  .   

( [1262] )وقد قضت محكمة مصر الأهلية بأنه إذا حصل نزاع بين بع الملاك في الشيوع بالنسبة إلي ملكية بعض الحصص ، ورفع أحد المتنازعين أمر هذا النزاع إلي القضاء ، وأعلن بدعواه من ينازعه من ملكية حصته ومن إلا ينازعه من الملاك علي الشيوع ، كان ذلك الحكم حجة بينه وبين من ينازعه فقط دون الباقين ، بحيث إذا نشأن نزاع جديد عن ملكية تلك الحصة بين رافع القضية الأولي وبين الشائعين الذين كانوا سلموا له بملكيته لحقه في تلك القضية ، فليس لهؤلاء أن يحتجوا عليه بالحكم السابق( 14 ديسمبر سنة 1926 المحاماة 7 ص 356 ) - وقضت محكمة النقض بأنه لا يجوز احكم حجية المقضي إلا بالنسبة الي الخصوم الحقيقيين في الدعوي الذين كان النزاع قائما بينهم وفصلت فيه المحكمة لمصلحة أيهم  . ومن ثم لا يصح اعتبار الحكم حائزا لحجية الأمر المقضي بالنسبة إلي خصم أدخل في الدعوي ولم توجه إليه طلبات  . ولا يقال إنه كان في إمكانه أن يبدي في الدعوي ما يشاء ، فإن كان قد أهمل فهو الملوم - هذا القول لا وزن له قانونا ، فإن كل شخص حر في اختيار الوقت والظروف التي يقاضي فيها خصمة ، وليس لأحد أن يجبره عي أن يفعل ذلك من وقت أو ظرف معين أو أن يسائله علي أساس أنه لم يفعل ( نقض مدني 22 مارس سنة 1945 مجموعة عمر 5 رقم 222 ص 593 )  .

وقضت محكمة النقض من جهة أخري بأنه إذا كان يبين من الحكم الصادر للطاعن في دعوي صحة التعاقد أنه أقام تلك الدعوي علي البائع له وباقي إخوته من الورثة الذين كانت الأطيان المبيعة له مكلفة باسم مورثهم ، واستند في دعواه إلي عقد البيع الصادر له وإلي أن البائع له اختص بالأطيان المبيعة بموجب قسمة حصلت بينه وبين إخوته ، فلم ينازعه سوي واحد من هؤلاء الإخوة ، ولم يكن ثمة ما يمنع أيا منهم من منازعته لو كان له وجه ، فإحجامهم عن منازعته لا ينفي أنهم كانوا خصوما حقيقيين ( نقض مدني 5 فبراير سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 64 ص 449 )  .   

( [1263] ) استئناف مختلط 23 ديسمبر سنة 1937 م 50 ص 63  .      

( [1264] ) محكمة اللبان 10 يونية سنة 1926 المحاماة 7 ص 46 - ولكن لا يجوز أن يدفع استحقاق الأجرة عن المدة الأخري بنفس الدفع الذي رفض في استحقاق الأجرة عن المدة الأولي ، كأن يدفع مثلا في الدعويين بعدم صحة عقد الإيجار ، وقد قضت محكمة النقض بأنه لا يمنع من وحدة الموضوع في الدعويين الصادر فيهما الحكمان اللذان جاء علي خلاف اختلاف المدة المطالب بريعها ، ما دام الموضوع في الدعويين هو مقابل الانتفاع ويد المنتفعين مستمرة علي الأرض ، ولا يمنع من وحدة الخصوم إدخال ضمان في الدعوي الثانية لم يكونوا خصوما في الدعوي الأولي ( نقض مدني 25 يناير سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 1999 ص 553 )  .      

( [1265] ) استئناف مصر 4 مايو سنة 1925 المحاماة 5 ص 746  .    

( [1266] ) أوبري ورو 12 فقرة 769 ص 436 وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة با ،ه لا يلزم بأن يحتفظ الشيء بذاتيته علي وجه مطلق ( 20 مايو سنة 1943 م 55 ص 195 ) ولا تعتبر العين الموقوفة قد تغيرت بإجراء الاستبدال فيها ( استئناف مختلط 29 مارس سنة 1900 م 12 ص 187 )  .      

( [1267] ) استئناف مختلط 14 مارس سنة 1918 م 30 ص 284 - 19 أبريل سنة 1938 م 50 ص 245 - سمالوط 8 نوفمبر سنة 1925 المحاماة 6 ص 279 - وتطبيقا لهذا المبدأ قضت محكمة استئناف مصر بأنه لا يكون للحكم الصادر بعدم قبول دعوي تثبيت الملكية المبنية علي عقد غير مسجل لرفعها قبل الأوان تأثير في دعوي المطالبة بالريع ، سواء أكانت هذه الدعوي الأخيرة مرفوعة تبعا لدعوي الملكية أم مستقلة عنها  . ويتعين الحكم للمشتري بالريع متي كان البائع غير منازع في صحة عقد البيع نزاعا جديا ( 4 فبراير سنة 1933 المجموعة الرسمية 34 رقم 6 ص 140 ) - وقضت أيضا بأنه إذا كان حكم القاضي بالدين لم يتناول إلا البحث في وجود الدين ، ولم يعترض للبحث في سداده أو عدم سداده ، فالحكم الصادر بالدين لا يمكن أن يكسب حجة الأمر المقضي بالنسبة إلي سداد الدين لأنه لم يفصل فيه ( 30 أبريل سنة 1933 المجموعة الرسمية 35 رقم 1 ص 198 ) - وقضت محكمة أسيوط الكلية بأن الحكم الصادر في دعوي الريع ليس حجة في الملكية ( 28 ديسمبر سنة 1927 المحاماة 8 رقم 360 ص 548 ) - وقضت محكمة سوهاج الكلية بأنه إذا كان الموضوع في الدعوي الأولي جزءاً مفززاً في عقار ، وكان في الثانية نصيبا شائعا فيه ، فلا يمكن القول بوحدة الموضوع ( 31 مارس سنة 1940 المحاماة 20 رقم 504 ص 1196 )  . والحكم برفض تثبيت الملكية شائعة لعدم قيام الشيوع لا يمنع من المطالبة بعد ذلك بتثبيت الملكية مفرزة ( نقض مدني 10 ديسمبر سنة 1936 مجموعة عمر 2 رقم 18 ص 45 )  . وقضت محكمة النقض بأنه إذا قام النزاع علي كون قطعة أرض داخلة ماديا وواقعيا ضمن حدود أرض كان متنازعا عليها ومقضيا فيها بين الطرفين في دعوي سابقة أو غير داخله ضمنها ، فقضت محكمة الاستئناف بعدم دخولها محصلة فهمها من عناصر الواقع ، فإن حكمها هذا لا مساس فيه بحجية الحكم الصادر في الدعوي السابقة ( نقض مدني 11 أبريل سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 245 ص 673 - 15 نوفمبر سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 10 ص 54 )  .

( [1268] ) محكمة الاستئناف الأهلية 11 نوفمبر سنة 1915 المجموعة الرسمية 17 ص 58 - والحكم بإلزام الكفيل بهذه الصفة أن يدفع الدين لا يمنعه من التمسك وقت التنفيذ بحق التجريد وبحق التقسيم ( أوبري ورو 12 فقرة 769 ص 435 ) - والحكم بصحة التوقيع لا يمنع من رفع دعوي بصورية العقد ( نقض مدني 22 أبريل سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 305 ص 610 ) - والحكم برفض تدخل الدائن لا يمنعه من رفع الدعوي بصحه دينه ( استئناف مختلط 7 مايو سنة 1913 م 25 ص 369 ) - والحكم برفض دعوي الإبطال لا يمنع من رفع دعوي الفسخ ( استئناف مختلط 11 يونيه سنة 1914 م 26 ص 423 )  . والحكم برفض إلغاء قرار إداري لا يمنع من المطالبة بالتعويض أو تسوية الحالة ( محكمة القضاء الإداري 23 يونيه سنة 1949 المحاماة 33 رقم 49 ص 64 )  .

وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن العبرة في حجية الأمر المقضي ليست بطلبات الخصوم في ذاتها ، ولكن بما فصلت فيه المحكمة من هذه الطلبات  . فإذا كانت المحكمة فصلت فقط في طلب تأجيل دفع الإيجار ، إيجارات الأراضي الزراعية والذي نص صريحا أنه في حالة التنفيذ بحكم أو سند أو عقد رسمي لا يجوز التنفيذ بأكثر من المبلغ المصرح به في القانون ، فإن الحكم لا يجوز حجية الأمر المقضي ( 12 يناير سنة 1937 المحاماة 17 رقم 313 ص 648 )  .         

( [1269] ) محكمة الاستئناف الأهلية 3 يونية سنة 1893 الحقوق 12 ص 265  .  

( [1270] ) نقض مدني 10 نوفمبر سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 69 ص 139  .         

( [1271] ) نقض مدني 11 أبريل سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 246 ص 674 - محكمة الاستئناف الأهلية 2 مايو سنة 1901 المجموعة الرسمية 2 ص 293 - محكمة استئناف مصر 15 فبراير سنة 1923 المحاماة 3 رقم 207 ص 275 - أوبري ورو 12 فقرة 769 ص 435 - ص 436  .

( [1272] ) أوبري ورو 12 فقرة 769 ص 436 - 438 - وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الحكم بصحة الدين في قسطين منه حجة بصحته في القسط الثالث ( استئناف مختلط 15 فبراير سنة 1981 م 6 ص 138 )  .   

( [1273] ) استئناف مختلط 2 فبراير سنة 1933 م 45 ص 156 - استئناف مصر 26 أبريل سنة 1936 المحاماة 17 رقم 95 ص 210  .      

( [1274] ) استئناف مختلط 14 يناير سنة 1947 م 59 ص 77  .        

( [1275] ) استئناف مصر 30 ديسمبر سنة 1933 المحاماة 14 رقم 320 / 2 ص 613 - وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كان الحكم قد صدر بتأجيل الفصل في التعويض الذي يطلبه البائع من المشتري وبأحقية المشتري في استلام القمح المودع بمخازن البنك علي ذمته من البائع ، علي أساس أن عقد البيع قائم ونافذ بين الطرفين ، وأن المشتري عرض الثمن علي البنك مقابل تسليمه القمح فرفض بناء علي تعليمات البائع ، ثم صار هذا الحكم نهائيا بعدم استئنافه فإنه يجب علي المحكمة ، وهي تفصل في طلب التعويض ، أن تعتبر ذلك الحكم محدداً نهائيا للعلاقات القانونية بين الطرفين ، لا فيما يتعلق بعقد البيع ذاته فقط ، بل أيضا في كل ما كان مؤسسا علي هذا العقد  . فإذا هي خالفت مقتضاه ، قائله أن المشتري تأخر عن دفع ثمن القمح وعن تسلم الغلال ، وأن العقد يعتبر بذلك مفسوخا من نفسه ، فإنها تكون قد خالفت القانون بعدم مراعاتها الأساس الذي بني عليه الحكم الأول باعتباره قد فصل في مسألة كلية لم تكن دعوي التعويض إلا جزءاً متفرعا عنها ، مما كان يستوجب منها أن تقييد به في قضائها بين الخصوم أنفسهم في دعوي التعويض التي فصلت فيها بعد صدوره ( نقض مدني 25 يونيه سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 179 ص 486 )  .       

( [1276] ) استئناف مختلط 30 مارس سنة 1899 م 11 ص 173 - أوبري ورو 12 فقرة 769 ص 433  . 

( [1277] ) الموجز للمؤلف فقرة 712 ص 741  .      

( [1278] ) أوبري ورو 12 فقرة 769 ص 433 - ص 435  .   

( [1279] ) أوبري ورو 12 فقرة 769 ص 433 - ص 435 - وإذا أغفل المدعي طلبا تحكم فيه المحكمة من تلقاء نفسها ، كطلب الحكم بمصروفات الدعوي علي الخصم ، ولم تقض به المحكمة في حكمها ، فإن هذا الحكم يمنع من المطالبة به في دعوي جديدة ( أوبري ورو 12 فقرة 769 هامش رقم 121 )  .

( [1280] ) أوبري ورو 12 فقرة 769 ص 439 - بودري وبارد 4 فقرة 2678 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1559 ص 1029 - ص 1030 - ويذهب الفقه الفرنسي أيضا إلي أنه إذا قضي الحكم - في دعوي الدائن علي الوارث - بصفة عارضة للوارث ، كأن قرر له صفة الوراثة المطلقة ( heritier pur simple ) لا صفة الوراثة بشرط التجريد ( sous benefice dinventaire ) إلي هذه الصفة ، في دعوي أخري يرفعها دائن آخر علي نفس الوارث ( أوبري ورو 12 فقرة 769 ص 423 - 424 )  .     

( [1281] ) وكان الفقه الفرنسي يجاري القضاء في مذهبه ، ويعتمد في ذلك علي نظرية لفقيه قديم ( DArgentre ) تتخلص في أن الخصم يعتبر ممثلا في الدعوي لجميع الناس ( contradicteur legitime ) : تولييه 10 فقرة 216 وما بعدها – بونييه فقرة 889  .      

( [1282] ) نقض فرنسي 23 أبريل سنة 1925 داللوز 1925 - 1 - 201 مع تعليق سافاتييه - سيريه 1927 - 1 - 97 مع تعليق أودينيه  .        

( [1283] ) وجاري الفقه الفرنسي المعاصر القضاء الفرنسي في مذهبه الجديد : بلانيول وريبير وبولانجيه 1 فقرة 464 - كولان وكابيتان وموانديير 1 فقرة 567 - ديمتيرسكو ص 456 وما بعدها  .    

( [1284] ) كذلك تستثني حالة ما إذا كان القانون لا يسمح إلا لشخص معين في أثاره النزاع ، كما في دعوي إنكار البنوة ( desaveu ) فهي لا يسمح بها إلا للزوج ، فيكون الحكم من ناحية الواقع حجة علي الجميع ( بيدان وبرو 9 فقرة 1350 ص 453 - ص 454 )  . والأحكام الصادرة في المنازعات المتعلقة بالاسم ( en matierre de nam ) هي أيضا بطبيعتها حجة علي الجميع ( جان ماري أوسل : الغير في القانون المدني الفرنسي فقرة 233 ص 245 - ص 246 ) انظر في هذه المسألة : أوبري ورو 12 فقرة 769 ص 424 - ص 428 وهامش رقم 113 - بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1558 ص 1027 – ص 1028 - بيدان وبرو 9 فقرة 1348 - فقرة 1350 - جان ماري أوسل فقرة 228 - فقرة 243 - دي باج 3 ص 1008 - ص 1012  .         

( [1285] )استئناف مختلط 13 ديسمبر سنة 1933 م 46 ص 78 - 24 يونيه سنة 1936 م 48 ص 328 - وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة أيضا بأن الحكم بتعيين وصى يكون حجة على الناس كافة - ( استئناف مختلط 25 مايو سنة 1904 م 16 ص 268 ) ، وكذلك الإعلام الشرعى بالوراثة ( استئناف مختلط 28 مايو سنة 1900 م 12 ص 295 )  . وإذا كانت الحالة المدنية من شأنها أن تتغير ، فإن الحكم القاضى بها تزول حجيته متى زالت أسبابه  . وقد قضت محكمة النقض بأنه متى كان الحكم المطعون فيه ، إذ قضى برفع الحجر عن المطعون عليه الأول ، قد قرر " أنه ليس بأوراق القضية ما ينم عن وجود غفلة أو سفه تمكن نسبتهما للمحجور عليه ، وإن وجدت أسبابهما وقت توقيع الحجر فقد زالت الأسباب  .  .  . " ، فإنه ليس فى هذا الذى قرره الحكم ما يخالف حجية الأمر المقضى للحكم النهائى الصادر بتوقيع الحجر ، لاختلاف السبب والموضوع فى الدعويين ، ولأن الحالات التى تستوجب الحجر هى بطبيعتها قابلة للتغيير والزوال ، وإلا لما أجاز الشارع طلب رفع الحجر  . ( نقض مدنى 25 ديسمبر سنة 1952 مجموعة أحكام النفض رقم 41 ص 260 - أنظر المجلس الحسبى العالى 4 فبراير سنة 1923 المحاماة 3 رقم 210 ص 278 ) – أما الحكم فى الجنسية كمسألة عارضة فلا يجوز حجية الأمر المقضى : استئناف مختلط 4 يونيه سنة 1902 م 14 ص 340 - 17 ديسمبر سنة 1902 م 15 ص 65 - 21 يناير سنة 1908 م 20 ص 62 - 27 مايو سنة 1908 م 20 ص 259 - 11 يونيه سنة 1913 م 25 ص 443 - 20 فبراير سنة 1923 م 35 ص 238 - 26 مايو سنة 1928 م 40 ص 380 - قارن : 15 مارس سنة 1906 م 18 ص 150 - 8 مارس سنة 1927 م 39 ص 311 - 24 ديسمبر سنة 1929 م 42 ص 116     .

( [1286] ) ومن قضاء محكمة النقض في وجوب اتحاد السبب لقيام حجية الأمر المقضي : قضت بأنه إذا أبطلت محكمة الاستئناف تنازلا عن مبلغ ما صادراً من والد إلي ولده بكتابة منه في 31 يولية سنة 1923 باعتبار هذا التنازل حاصلا في مرض موت الوالد ، مع أنها بحكم سابق في دعوي أخري كانت مرددة بين الطرفين قررت أن مرض هذا الوالد إنما بدأ في 10 أغسطس سنة 1923 بما قد يفهم منه أن ذلك التنازل قد حصل من المورث في وقت صحته ، ثم تبين أن هذا الاعتراض قد عرض علي المحكمة ، فتناولته في حكمها ، وبينت ما حاصلة أن موضوع الدعوي الأولي كان خاصا بتصرفات وقعت من المورث في أكتوبر ونوفمبر سنة 1923 طعن الورثة ببطلانها لحصولها في مرض موته ، فلم يكن يهم المحكمة إذ ذاك سوي معرفة ما إذا كان الشهران المذكوران هما من فترة المرض أم لا ، ولم يكن يعنيها أن تقرر مبدأ مرض المورث لأنها لم تكن محتاجه إلي تقريره ، ثم استنتجت من الظروف والمستندات التي أشير إليها في الحكم الأول أن مرض موت الوالد قد ابتداء فعلا قبل أول أغسطس سنة 1923 ، وأن ورقة 30 يوليه قد حررها المورث فعلا في هذا المرض ، فهذا الذي قررته محكمة الموضوع هو تحصيل للواقع مما تختص به هي وحدها بلا مراقبة لمحكمة النقض ( نقض مدني 6 يونية سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 278 ص 840 ) وقضت أيضا بأنه إذا رفعت دعوي من الدائن بإبطال البيع الصادر من مدينه ، فقضي ببطلان البيع ، ثم صدر بعد ذلك إقرار من البائع بأن هذا البيع لم يكن صوريا وأن ثمه كان دينا في ذمته للمشتري وتعهد بدفع دين الدائن الذي قضي له بإبطال التصرف حتي يزول هذا الحكم ، ثم رفعت دعوي من بعض أولاد البائع ببطلان ذلك الإقرار ، فقضي ببطلانه لصدوره أجازة لعقد سبق الحكم ببطلانه بطلانا مطلقا لا تلحقه الأجازة ، ثم رفع المشتري دعوي بمطالبة ورثة البائع بالدين الذي يدعيه في ذمة مورثهم ، فسبب هذه الدعوي ، وهو قيام الدين الذي يدعيه المشتري في ذمة البائع ، يكون مغايراً السبب في الدعويين السابقتين ، وهو انعقاد البيع في الدعوي الأولي وأجازته في الثانية ، وفي هذه الحالة يجب رفض الدفع بعدم جواز سماع الدعوي المذكورة بمقولة سبق الفصل فيها ( نقض مدني 3 يناير سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 19 ص 37 ) - وقضت أيضا بأنه لما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن الطاعن رفع دعوي الحراسة الأولي باعتبارها إجراء موقوتا بالبت في الإشكال الذي رفعه المطعون عليه الأول في تنفيذ العقد الرسمي الذي اشتري الطاعن بموجبه الأطيان موضوع النزاع من المطعون عليه الثاني ، وكانت المحكمة قد قضت برفضها دون أن تبحث توافر شروطها تأسيسا علي أنها صارت غير ذات موضوع بعد الفصل في الإشكال ، وكانت الدعوي الثانية التي رفعها الطاعن بطلب وضع الأطيان تحت الحراسة قد استند فيها إلي منازعة المطعون عليه الأول في ملكيتها ووقتها بالفصل في هذه الملكية فصلا نهائيا ، وكان يبين من ذلك أن السبب الذي بني عليه طلب الحراسة في كل من الدعويين مختلف عن الآخر ، فضلا عن أن المحكمة لم تتعرض في الدعوي الأولي لبحث مسوغات الحراسة لتقول فيها كلمتها ، لما كان ذلك يكون الحكم المطعون فيه ، إذ قضي بعدم جواز نظر دعوي الحراسة الثانية لسبق الفصل فيها ، قد أخطأ تأويل الحكم الصادر في الدعوي الأولي خطأ ترتب عليه خطأه في تطبيق المادة 405 من القانون المدني ( نقض مدني 10 ديسمبر سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 38 ص 251 ) - وقضت أيضا بأنه لما كان الحكم إذ رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوي لسبق الفصل فيها استند إلي أن المدعيين قد طلبا في الدعوي السابقة الإخلاء لهدم المنزل وإقامة طابقين جديدين مكان الطابقين المزمع هدمهما ، وقد رفضت المحكمة الدعوي لأن إعادة البناء كما كان وعلي نفس المساحة وبذات الارتفاع لا يتحقق معه قصد المحكمة الدعوي لأن إعادة البناء كما كان وعلي نفس المساحة وبذات الارتفاع لا يتحقق معه قصد الشارع من أجازة الإخلاء للهدم وإعادة البناء ، وطلبا في هذه الدعوي الإخلاء للهدم وإعادة البناء بحيث يحتوي أكثر من دورين ، فقد اختلف السبب في الدعويين لتحقق غرض الشارع في هذه الدعوي بحصول التوسعة بالفعل ، وكان هذا الذي جاء بأسباب الحكم مسوغا لاختلاف السبب في الدعويين ، فإن النعي عليه بمخالفة القانون يكون علي غير أساس ( نقض مدني 26 مارس سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 115 ص 78 )  .

ومن قضاء محكمة الاستئناف المختلطة ، قضت بأنه حتي تكون للحكم حجية الأمر المقضي يجب اتحاد السبب( 20 ديسمبر سنة 1894 م 7 ص 58 )  . ويتغير السبب إذا استند الخصم إلي عقد بيع آخر غير البيع الذي صدر في شأنه الحكم الأول( 20 مايو سنة 1897 م 9 ص 352 - ومع ذلك انظر : 12 أبريل سنة 1906 م 18 ص 197 ) ، ذلك ألا شيء يجبر الخصم علي أن يتمسك بجميع أسانيده مرة واحده ، فيستطيع إذن أن يتمسك بسند لم يسبق له أن استند إليه ولو كان هذا السند موجود وقت صدور الحكم الأول ( 25 مايو سنة 1892 م 4 ص 282 )  . ويتغير السبب لو استند الخصم إلي دفع غير المستحق بعد أن كان قد استند إلي العقد ( 3 فبراير سنة 1916 م 28 ص 138 ) ، أو رفع الدعوي غير المباشرة بعد إخفاقه في دعوي الحوالة ( 21 يونية سنة 1923 م 35 ص 518 ) وإذا حكم في دعوي القسمة للشريك المتقاسم بالملكية في نصيبه ، كان الحكم حجة في دعوي استحقاق يرفعها بعد ذلك أحد الشركاء علي هذا الشريك ( 20 مايو سنة 1943 م 55 ص 165 ) ورفض طلب التعويض عن المقاضاة الكيدية في دعوي قضي فيها باستحقاق الأعيان المتنازع عليها لا يكون حجة في دعوي تعويض أخري عن الضرر الناشيء من حبس هذه الأعيان ( 22 أبريل سنة 1947 م 59 ص 181 )  . ويجوز للدائن ، بعد إقفال قائمة التوزيع ، إذا كشف غشا ارتكبه دائن آخر أدرج في هذه القائمة ، أن يرفع دعوي استرداد غير المستحق علي هذا الدائن دون أن يواجه بحجية الأمر المقضي ( 12 مايو سنة 1949 م 61 ص 122 ) - انظر أيضا : استئناف مختلط 11 مايو سنة 1905 م 17 ص 268 - 17 يناير سنة 1906 م 18 ص 73 - 30 مايو سنة 1906 م 18 ص 301 - 6 مايو سنة 1913 م 25 ص 357 - 12 نوفمبر سنة 1914 م 27 ص 19 - 25 يناير سنة 1917 م 29 ص 175 - 24 ديسمبر سنة 1931 م 44 ص 90 - 7 أبريل سنة 1932 م 44 ص 268 - 17 ديسمبر سنة 1932 م 45 ص 68 - 2 فبراير سنة 1933 م 45 ص 156 - 8 أبريل سنة 1936 م 48 ص 220 - 19 أبريل سنة 1938 م 50 ص 245  .

( [1287] ) وقد قضت محكمة النقض بألا حجية في دعوي الملكية للحكم الصادر في دعوي وضع اليد ( نقض مدني 22 مارس سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 222 ص 593 ) - انظر أيضا : استئناف مختلط 12 مارس سنة 1902 م 14 ص 183 - 10 مايو سنة 1902 م 14 ص 185 - 30 مايو سنة 1903 م 15 ص 328 - 22 مارس سنة 1932 م 44 ص 239 - وانظر أوبري ورو 12 فقرة 769 ص 445 وهامش رقم 100  .

كذلك الحكم في الحيازة في دعوي من دعاوي وضع اليد لا يكون حجة في دعوي إيجار بتسليم العين المؤجرة  . وقد قضت محكمة النقض بأنه متي كان الحكم ، إذ قضي برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوي لسبق الفصل فيها ، قرر أن الدعوي الأولي هي دعوي استرداد حيازة أساسها وضع اليد وما يستوجب القانون من حماية لواضع اليد علي العقار متر توافرت في وضع يده الشروط المقررة لذلك قانونا ، في حين أن الدعوي الثانية تتضمن في موضعها طلب الحكم بتسليم العين المؤجرة باعتبار هذا التسليم حقا من حقوق المستأجر والتزاما من التزامات المؤجر ، وأن السبب الذي يستند إليه المستأجر في رفعها هو عقد الإيجار الذي يطالب بتنفيذه وليس مجرد وضع يده كما هو الحال في الدعوي الأولي ، وأن هذا الخلاف في الموضوع والسبب يمنع من التمسك بحجية الحكم السابق  . إذ قرر الحكم ذلك فإنه يكون قد بين وجوه الخلاف بين الدعويين بيانا وافيا لا قصور فيه ( نقض مدني 2 أبريل سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 117 ص 824 )  .

هذا وإذا خسر المدعي عليه الدعوي ، وكان لديه دفع يستطيع أن يدفعها به ، فالحكم ضده في الدعوي لا يمنعه من رفع دعوي جديدة يثير فيها الدفع الذي أغفله  . فإذا رفع المدعي دعوي استحقاق علي الحائز ، وأثبت سببا للملكية ، ولم يدفع الحائز بأنه كسب الملكية بالتقادم ، فالحكم بملكية المدعي لا يمنع الحائز من رفع دعوي جديدة بملكيته التي تستند إلي التقادم ( أوبري ورو 12 فقرة 769 هامش رقم 85 )  .       

( [1288] ) بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1560 ص 1031  .  

( [1289] ) جلاسوف وتيسييه 2 فقرة 1013 ص 101 - قارن بيدان وبرو 9 فقرة 1353 ص 458  .  

( [1290] ) ومن الأمثلة علي تعدد الدعاوي التي تنشأ من سبب واحد ما قضت به محكمة النقض من أنه إذا بدأ النزاع بين الراهن والمرتهن ، بأن رفع الراهن دعوي طلب فيها بطلان العقد المدني الذي وصف بأنه بيه وحقيقته رهن وبراءة ذمته من الدين لاستهلاكه مقابل ما حصله المرتهن من الريع ، ورفع الدائن دعوي فرعية بإلزام مدينة بالدين كاملا وحبس العين المرهونة ، وانتهي هذا النزع بحكم قضي بإلزام الرهن بأن يدفع للمرتهن مبلغاً معينا باعتباره الباقي له من الدين لغاية سنة 1933 بعد خصم قيمة الريع الذي استولي عليه من فوائد الدين وأصله  . ثم تجدد النزاع ثانية بدعوي رفعها المدين طلب فيها براءة ذمته من المبلغ المحكوم به عليه ، وقضت المحكمة بتعديل هذا المبلغ واعتبار رصيد الدين لغاية 1940 مبلغا معينا ثم أراد المدين أن يبريء ذمته من لمدين ، فعرض علي الدائن المبلغ المحكوم به نهائيا وملحقاته  . فرفع الدائن بدوره دعوي أخري ضد المدين بمبلغ عينه طالبه به علي أنه مقابل ريع الأرض المرهونة من سنة 1923( تاريخ العقد ) إلي سنة 1942 ، مدعيا أنه لم يحصل شيئا من الريع لبقاء الأرض في يد المدين طوال هذه المدة فإن هذه الدعوي لا تكون مقبولة بالنسبة إلي المطالبة بالريع لغاية سنة 1940 لسبق الفصل فيها  . إذ السبب فيها ، كما في جميع الدعاوي السابقة ، هو عقد المديونية الذي أنشأ الرابطة القانونية بين الراهن والمرتهن ، فإن الدائن إذ يطالب بالريع إنما يعتمد في طلبه علي الحق الذي استمده من العقد بصفته مرتهنا حيازيا ، والمدين حينما يطلب براءة ذمته إنما يتخذ من انقضاء الدين لسبب من أسباب الانقضاء أساسا لطلبه ، وهذا الأساس يرد إلي عقد الرهن  . وغير صحيح القول بأن سبب دعوي المرتهن الأخيرة هو وضع يد المدين علي العين المرهونة ، فإن استحقاق الدائن لهذا الريع لا سبب له قانونا إلا العقد المذكور الذي يخوله حق الاستيلاء علي ريع العين المرهونة سواء ظلت في حيازته أو انتقلت إلي حيازة الغير بطريق الإجارة أو غيرها  . والموضوع أيضا واحد في جميع هذه الدعاوي ، وهو بقاء الدين أو انقضاؤه وغير صحيح كذلك القول بأن موضوع القضايا السابقة كان مقصوراً علي بطلان العقد وموضوع الدعوي الأخيرة هو المطالبة بريع العين ، فإن بطلان العقد لم يكن إلا تواطئه للطلب الأساسي وهو براءة ذمة الراهن لاستهلاك الدين في الريع علي أساس أن المعاملة قرض مكفول برهن وأن ما حصله المرتهن من غلة العين المرهونة وفي الدين وفوائده ، والمحكمة في صدد بحث هذا الطلب في القضايا السابقة سمعت دفاع المرتهن في مقدار الغلة وفي إدعائه عدم الحصول عليها ، ثم قررت ما حصله منها والفائدة التي يستحقها وقامت بعملية الاستهلاك ( نقض مدني 8 فبراير سنة 1945 مجموعة عمر رقم 206 ص 565 )  . 

( [1291] ) أوبري ورو 12 فقرة 769 هامش رقم 89  . 

( [1292] ) وقد انقسم الفقهاء في فرنسا في هذه المسألة  . ففريق يذهب إلي أن عيوب الرضاء - الغلط والتدليس والإكراه - عيوب مستقلة كي عيب منها عن الآخر ، ولا تندمج في سبب واحد ، بل يتعدد السبب بتعدد العيب ، وكذلك شأن عيوب الشكل وعيوب نقص الأهلية وعيوب المحل وعيوب السبب ، ( ديمولومب 30 فقرة 334 - لوران 20 فقرة 75 - هيك 8 فقرة 329 - فقرة 330 - بودري وبارد 4 فقرة 2681 - وانظر في هذا المعني في الفقه المصري الأستاذ أحمد نشأت في الإثبات جزء 2 فقرة 673 - الأستاذ سليمان مرقس في أصول الإثبات فقرة 182 ص 327 - ص 328 - وقد كنا ممن يقول بهذا الرأي – الموجز فقرة 713 ص 744 - ولكن الخطة التي سرنا عليها في هذا البحث هي ، كما قدمنا ، إدماج الأسباب الفرعية في السبب الرئيسي ، حتي لا يتعدد السب الواحد ، فتتأبد المنازعات )  . وفريق آخر يذهب ، علي العكس من ذلك ، إلي إدماج جميع أسباب البطلان - عيوب الشكل والرضا والأهلية والمحل والسبب – في سبب واحد ، فيحوز الحكم في أي عيب منها حجية المر المقضي بالنسبة إلي العيوب الأخري ( بونييه فقرة 876 - جريوليه ص 109 ) ، وظاهر أن هذا الرأي المتطرف يقوم عل الخلط ما بين المحل والسبب ، فالبطلان هو المحل لا السبب ، أما سبب البطلان فليس واحدا بل يتعدد ، ومنه ما يرجع إلي الشكل ومنه ما يرجع إلي الرضاء ومنها ما يرجع إلي الأهلية  . وفريق ثالث يقسم أسباب البطلان إلي أسباب رئيسية ، ويدمج في كل سبب رئيسي ما يتفرغ عنه من أسباب ، ويقف في تعدد السبب عند السبب الرئيسي لا السبب الفرعي ( تولييه 10 فقرة 165 - فقرة 166 - ماركادية 5 م 1351 - لاروميبير 7 م 1351 فقرة 81 - فقرة 83 - أوبري ورو 12 فقرة 769 هامش رقم 89 وهامش رقم 90 ) وهذا هو الرأي الذي سرنا عليه ، ويبدو أنه هو الرأي الذي ساد في الفقه الفرنسي المعاصر ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1560 ص 1032 - ص 1033 - بيدان ورو 9 فقرة 1354 - 461 - ص 462 )  .      

( [1293] ) قارب بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 1560 ص 1031 - ص 1032 - نقض فرنسي 23 ديسمبر سنة 1947 سيريه 1948 - 1 - 62 - 15 نوفمبر سنة 1948 مجلة النقض ص 977  .

وغني عن البيان ان من يطعن في العقد بالبطلان يستطيع أن يعود إلي المطالبة بفسخ العقد ( بودري وبارد 4 فقرة 2683 ) أو إلي الطعن في العقد بالدعوي البولصية ، والطعن في العقد بالدعوي البولصية لا يمنع من العودة إلي الطعن في العقد بدعوي الصورةي ( بلانيولوريبير وجابولد 7 فقرة 1560 ) ، فهذه كلها أسباب مختلفة  . ورفض الطعن في البيع بوقوعه في مرض الموت لا يمنع من الطعن فيه باعتباره هبة في غير ورقة رسمية( محكمة الإسكندرية الأهلية 30 ديسمبر سنة 1906 المجموعة الرسمية 8 رقم 57 / 1 ص 122 - منيا القمح في 2 مايو سنة 1906 الحقوق 22 ص 86 )  . والحكم بصحة عقد باعتباره صادراً من المورث بعد إنكار التوقيع عليه من بعض الورثة لا يمنع الورثة المذكورين من الطعن في العقد بعد ذلك لاعتباره صادراً في مرض الموت ( استئناف مصر 15 مايو سنة 1923 المجموعة الرسمية 24 رقم 104 ص 176 - عكس ذلك : بني سويف الكلية 14 ديسمبر سنة 1921 المحاماة 2 رقم 74 ص 237  . وهو حكم منتقد : الموجز للمؤلف فقرة 712 ص 744 هامش رقم 1 )  .

( [1294] ) الموجز للمؤلف فقرة 713 ص 744 - ص 745 - ومع ذلك فقد قضت محكمة مصر الأهلية بأنه إذا دفع المدعي عليه دعوي المدعي الذي يطالبه بدين بمقتضي سند بأنه قام بسداد الدين وأن فدعه يبرئه ، وإذا حكمت المحكمة المدنية برفض هذا الدفع ، فلا مانع يمنع المدعي عليه من الإدعاء مدنيا أمام المحكمة الجنائية مطالبا بتعويض عن تزوير سند الدين ، لأن الموضوع مختلف عن موضوع القضية المدنية  . فالموضوع الأول هو براءة الذمة ، والموضوع الثاني هو التعويض عن فعل الجنحة  . ثم أن السبب أيضا مختلف اختلافا جوهريا ، لأن الدفع الذي رفض أولا أمام المحكمة المدنية كان قائما علي براءة الذمة من الالتزام ، ولكن السبب القانوني الذي يرتكن عليه المدعي المدني هو المسئولية الناشئة عن الجنحة ، وهذا أمر مختلف عن الأول ( 10 مارس 1932 المحاماة 13 ص 560 )  .

( [1295] ) استئناف مختلط 20 مايو سنة 1897 م 9 ص 352 - 21 ديسمبر سنة 1948 م 61 ص 63 - الزقازيق الكلية 25 ديسمبر سنة 1928 المحاماة 9 رقم 161 ص 258 - أوبري ورو 12 فقرة 769 هامش رقم 107  .

وقضت محكمة الزقازيق بأنه إذا رفعت دعوي بالمطالبة بملكية عقار ارتكانا علي سبب قانوني وهو الميراث ، وفصل في تلك الدعوي ، فليس هناك ما يمنع المدعي الذي صدر الحكم ضده في هذه الدعوي من أن يرفع دعوي أخري مرتكنا علي عقد البيع الصادر إليه من بعض الورثة عن جزء من العقار نفسه ، حتي لو ثبت أن ذلك البيع قد انعقد في تاريخ سابق علي الدعوي الأولي وذلك لاختلاف السبب في الدعويين ( 25 ديسمبر سنة 1928 المحاماة 9 ص 258 )  .

هذا وقد قضت محكمة الاستئناف الأهلية بأن من رفضت دعواه في الشفعة بصفته شريكا له أن يرفعها بصفته جاراً ، ولا يقبل الدفع بحجية الأمر المقضي لأن السبب في الدعوي ليس واحداً في الحالتين ( 17 مارس 1904 المجموعة الرسمية 6 رقم 14 / 1 ص 28 ) ولسنا نري في تعدد أسباب الأخذ بالشفعة إلا أسبابا فرعية ترجع إلي سبب رئيسي واحد ، والقضاء في سبب منها قضاء في سائر الأسباب  .

( [1296] ) وهذا هو ما جري عليه قضاء محكمة النقض في دائرتها المدنية  . فقد قضت بأن الراجح في باب قوة الشيء المحكوم به هو اعتبار كل ما تولد به للمضرور حق في التعويض عن شخصه أو عن ماله قبل من أحدث الضرر أو تسبب فيه - كلي ذلك هو السبب المباشر المولد للدعوي بالتعويض مهما تنوعت أو تعددت علل التعويض أو أسبابه ، لأن ذلك جميعا من وسائل الدفاع أو طرقه ( moyens ) فهما كانت طبيعة المسئولية التي بحثها القاضي في حكمه الصادر برفض دعوي التعويض ، ومهما كان النص القانوني الذي استند إليه المدعي في طلباته أو النص الذي اعتمد عليه القاضي في حكمه ، فإن هذا الحكم يمنع المضرور من إقامة دعوي تعويض أخري علي من حكم قبله برفض دعواه ، لأنه يعتبر دالا بالاقتضاء علي انتفاء مسئولية المدعي عليه قبل المدعي عما أدعاه عليه أيا كانت المسئولية التي أسس عليها طلبه ، عقدية أو غير عقدية أو تقصيرية ، علي معني أن كل ذلك كان من طرق الدفاع ووسائله في دعوي التعويض ، وإن لم يتناوله البحث بالفعل فيها ، ولم يكن ليبرر الحكم للمدعي علي خصمه بتعويض ما ( نقض مدني 5 يناير سنة 1939 مجموعة عمر 2 رقم 154 ص 452 )  . وقضت محكمة النقض أيضا في دائرتها المدنية بأن المراد في وحدة الدعويين في صدد قوة الشيء المحكوم فيه هو علي ماهية الموضوع في كل دعوي والسبب المباشر الذي تولدت عنه كل منهما ، فإذا كان موضوع الدعوي الأولي بين الخصوم هو المطالبة بتعويض وسببها حفر مسقي ، وموضوع الدعوي الثانية المطالبة بتعويض أيضا وسببها هي الأخري حفر المسقي ، وموضوع الدعوي الثانية المطالبة بتعويض أيضا وسببها هي الأخري حفر المسقي نفسها ، فلا يؤثر في وحدتهما اختلاف عله السبب المطلوب التعويض من أجلة ولا قيمة التعويض المطالب به( نقض مدني 15 أبريل سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 46 ص 115 ) - أما الدائرة الجنائية لمحكمة النقض فتجري علي غير ذلك ، ذاهبة إلي أنه إذا رفضت الدعوي علي أساس نوع معين من المسئولية لم يحز الحكم حجية الأمر المقضي بالنسبة إلي الأنواع الأخري ، فالسبب في دعوي المسئولية هو نوع الخطأ الذي قامت عليه - فيتميز الخطأ العقدي عن الخطأ التقصيري كما يتميز الخطأ الثابت عن الخطأ المفروض - لا قيام المسئولية في ذاتها  . ومما قضت به في هذا المعني أنه ما دامت الدعوي قد رفعت علي أساس المسئولية التقصيرية ، والمدعي لم يطلب أن يقضي له فيه بالتعويض علي أساس المسئولية التعاقدية - أن صح أن يطلب ذلك أمام المحكمة الجنائية - فليس للمحكمة أن تتبرع من عندها فتبني الدعوي علي سبب غير الذي رفعها صاحبها به ، فإنها إذ تفعل تكون قد حكمت بما لم يطلبه منها الخصوم ، وهذا غير جائز في القانون ( نقض جنائي 8 مارس سنة 1943 المحاماة 25 رقم 45 ص 132 ) - وقضت كذلك بأنه ما دامت الدعوي المدنية قد رفعت أمام المحكمة الجنائية ، فإن هذه المحكمة إذا انتهت إلي أن أحد المتهمين هو وحده الذي قارف الجريمة المطلوب التعويض عنها ، وأن المتهمين الآخرين أحدهما لم يقع منه سوي تقصير في الواجبات التي يفرضها عليه العقد المبرم بينه ( وهو مستخدم ببنك التسليف ) وبين المدعي بالحقوق المدنية ( وهو بنك التسليف ) والآخر لم يثبت وقوع أي تقصير منه - إذا انتهت المحكمة إلي ذلك - يكون متعينا عليها ألا تقضي بالتعويض إلا علي من تثبت عليه الجريمة ، وأن تقضي برفض الدعوي بالنسبة للمتهمين الآخرين ، لأن حكمها عل المتهم الذي خالف شروط العقد لا يكون إلا علي أساس المسئولية التعاقدية وهو غير السبب المرفوعة به الدعوي أمامها ، وهذا لا يجوز في القانون ، ولأن حكمها بالتعويض علي المتهم الآخر ليس له ما يبرره ما دام لم يثبت وقوع أي خطأ منه  . أما القول بأن المحكمة كان عليها في هذه الحالة أن تحكم بعدم الاختصاص في الدعوي المدنية بالنسبة لهذين المتهمين ، أحدهما أو كليهما ، لا برفضها ، فمردود بأنه ما دامت الدعوي قد رفضت علي أساس انعدام المسئولية التقصيرية ، فإن ذلك لا يمنع المدعي بالحقوق المدنية ، وليس من شأنه أن يمنعه ، من رفعها أمام المحاكم المدنية بناء علي سبب آخر هو المسئولية التعاقدية ( نقض جنائي 30 مايو سنة 1943 المحاماة 26 رقم 37 ص 81 ) وانظر أيضا في هذا المعني : نقض جنائي أول فبراير سنة 1943 المحاماة 24 رقم 161 ص 480 - أول مارس سنة 1943 المحاماة 25 رقم 26 ص 49 - 17 ديسمبر سنة 1945 المحاماة 27 رقم 394 ص 1006 - 18 مارس سنة 1946 المحاماة 27 ملحق جنائي 99 – 58 استئناف مختلط 8 نوفمبر سنة 1899 م 12 ص 19 - أما القضاء في فرنسا فقد جريء علي نحو ما تجري عليه الدائرة الجنائية لمحكمة النقض عندنا ، فهو يذهب إلي أن السبب دعوي المسئولية هو نوع الخطأ الذي تقوم عليه المسئولية ، فلا يجوز للمدعي أن يترك الخطأ التقصيري إلي الخطأ العقدي ، أو يترك الخطأ الثابت إلي الخطأ المفروض ، وإلا كان ذلك طلبا جديداً لا يجوز له أن يتقدم به لأول مرة أمام محكمة الاستئناف ، ولا يجوز هذا أيضا للقاضي ، وإلا كان ذلك قضاء في شيء لم تطلبه الخصوم ، وإذا رفضت دعوي المسئولية علي أسا نوع معين من الخطأ فإن الحكم لا يحوز حجية الأمر المقضي بالنسبة إلي الأنواع الأخري ( انظر في القضاء الفرنسي وفي نقده مازو 3 فقرة 2097 - فقرة 2101 ) وانظر في هذا المسألة الوسيط جزء أول فقرة 622 - الأستاذ سليمان مرقص : مجلة القانون والاقتصاد 15 ص 219 - ص 238 - و 17 العدد الثاني - أصول الإثبات فقرة 182 ص 330 – ص 331 - هذا وقد قضت الفقرة الأخيرة من المادة 411 من تقنين المرافعات بما يأتي : " وكذلك يجوز مع بقاء موضوع الطلب الأصلي علي حالة تغيير سببه والإضافة إليه "  . وهذا الحكم يسمح لمن رفع دعوي المسئولية العقدية في محكمة أول درجة أن يستند إلي المسئولية التقصيرية في محكمة الاستئناف أو بالعكس وذكل يجوز لمن استند إلي نوع من المسئولية التقصيرية في محكمة أول درجة أن يستند إلي نوع آخر من هذه المسئولية في محكمة الاستئناف  .

( [1297] ) وهذه الأدلة أو الوسائل أو الحجج ( moyens arguments ) تدعي بالأسباب البعيدة ( causae remotae ) – أما السبب ( cause ) فيدعي بالسبب القريب ( causa proxima ) ( أنظر أوبري ورو 12 فقفرة 769 هامش رقم 87 و 88 )  .   

( [1298] ) قارن الموجز للمؤلف فقرة 713 ص 745 - ص 746 - وقد قضت محكمة         استئناف مصر بأنه من المقرر أن استرداد ما أخذ دون حق لا يمنعه سبق صدور حكم في خصومة لم يعرض فيها علي المحكمة حصول تسديد مبلغ وتقديم سندات مثبتة للسداد ( 29 يونية سنة 1933 المحاماة 14 رقم 133 / 2 ص 249 ) وقضت أيضا بأنه إذا كان الحكم القاضي بالين لم يتناول إلا البحث في وجود الدين ، ولم يتعرض للبحث في سداده ، فالحكم الصادر بالدين لا يمكن أن يكسب حجية الأمر المقضي بالنسبة لأداء الدين لأنه لم يفصل فيه ، وعلي ذلك يصح رفع دعوي ببراءة الذمة عن الدين المحكوم به  . أما إذا كان الحكم قد بحث في الأداء ، فإنه يكسب حجية الأمر المقضي لأنه فصل فيه ، ولا يصح حينئذ رفع الدعوي من جديد ببراءة الذمة مما حكم به ( 3 أبريل سنة 1933 المحاماة 14 رقم 42 / 2 / ص 82 ) - انظر أيضا : استئناف أهلي 27 نوفمبر سنة 1894 القضاء 2 ص 26 - بني سويف الجزئية 15 نوفمبر سنة 1931 المحاماة 14 رقم 228 / 2 ص 442 - استئناف مختلط 29 ديسمبر سنة 1898 م 11 ص 74 - 23 فبراير سنة 1911 م 23 ص 198 - 14 نوفمبر سنة 1912 م 25 ص 21 - 13 فبراير سنة 1913 م 25 ص 178  .

( [1299] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا ادعي مدين أنه سدد الدين المطلوب الحكم به عليه ، ثم حكم بإلزامه بهذا الدين ، وتناول هذا ما كان يدعيه من التخالص من الدين بالوفاء قائلا انه غير ثابت لعدم تقديم أية مخالصة ، فليس لهذا المدين بعد ذلك أن يدعي براءة ذمته بدعوي جديدة بناء علي مخالصة يجدها بعد ذلك( نقض مدني 30 نوفمبر سنة 1939 مجموعة عمر 3 رقم 7 ص 16 ) - وقضت محكمة الاستئناف الأهلية بأنه لا يجوز لمن قضي عليه نهائيا بدين ، ثم دفعه بناء علي هذا الحكم ، أن يطالب بعد ذلك برد ما دفعه ارتكانا علي مخالصة سابقة لتاريخ الحكم نظرت أثناء الدعوي ولم تأخذ بها المحكمة ، لأن قوي الشيء المحكوم فيه تحول دون ذلك ( 14 فبراير سنة 1921 المحاماة 1 رقم 113 ص 527 ) انظر أيضا : بني سويف استئنافي 26 يناير سنة 1921 المجموعة الرسمية 23 رقم 65 ص 102 - مصر الأهلية 31 مايو سنة 1937 المحاماة 18 رقم 131 ص 260 - نجع حمادي 14 يونية سنة 1938 المجموعة الرسمية 40 رقم 2 ص 41 - وقارن بني سويف استئنافي 29 سبتمبر سنة 1919 المجموعة الرسمية 21 رقم 23 ص 40  .

وانظر في هذه المسألة الأستاذ عبد السلام ذهني في الأدلة 2 ص 214 - ص 221  .

( [1300] ) محكمة الجيزة 11 مايو سنة 1898 الحقوق 13 ص 312 - أوبري ورو 12 فقرة 769 ص 450 - الموجز للمؤلف فقرة 713 ص 745 - ص 746  .

هذا وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا قضي للمدعي بتثبيت حقه في القرار علي الأرض المتنازع عليها ، وكان المدعي عليه مختصما في هذه الدعوي بصفته متلقيا حق الملكية في هذه الأرض من شخص آخر باعها لها ، ثم أنشأ المدعي عليه مباني علي تلك الأرض ، فرفع المحكوم له بحق القرار عليها دعوي طلب فيها الحكم بغزالة هذه المباني ، فقضي له بذلك ، وكان المدعي عليه مختصما في الدعوي الثانية بصفته مشتريا لحق الرقبة من وزارة الأوقاف ، فإن السبب القانوني في الدعويين واحد ، وهو حق القرار علي الأرض  . أما اختصام المدعي عليه في الدعوي الأولي بصفة واختصامه في الدعوي الثانية بصفة أخري فلا يعد سببا في كل دعوي من الدعويين اللتين اختصم فيهما باعتباره مدعي عليه ، وإنما هو تدليل لما يدعيه من حقوق علي الأرض المتنازع عليها لا تأثير له في وحدة السبب في الدعويين ، وغاية ما في الأمر أنه كان في الدعوي الأولي يستند إلي تلقي حقه من شخص وفي الدعوي الثانية إلي تلقيه من شخص آخر ( نقض مدني 7 مايو سنة 1938 مجموعة عمر 1 رقم 354 ص 1101 )  .

وقضت أيضا بأنه إذا كان موضوع الدعوي هو طلب الشفعة في جميع الأطيان المبيعة ، وكان من أسبابها الشيوع الكلي في عموم الأطيان الموروثة التي منها الأطيان المبيعة أو الشيوع الجزئي في تلك الأطيان ذاتها ، واستعبدت المحكمة هذين السببين من الدعوي لحصول القسمة بين الورثة ، وصار هذا الحكم نهائيا ، ثم تمسك الشفيع - عند النظر في سبب الجوار - باستحقاقه للشفعة في جزء من الأرض المبيعة ، قولا منه بأن هذا الجزء استصلحه المورث من قطعة هو شريك فيها من الشيوع لم تتناولها القسمة وأدخل في قطعة أخري هي القطعة المبيعة فصار منها مه بقائه شائعا ، هذا منه تجديدا للنزاع الذي سبق الفصل فيه ، وهو غير جائز له ، إذ ليس هذا القول سببا جديداً ، وإنما هو دليل جديد علي الشيوع الذي سبق القضاء بنفيه ( نقض مدني 13 فبراير سنة 1942 مجموعة عمر 5 رقم 155 ص 351 )  .

وقضت أيضا بأنه إذا كان المدعي عليه قد طلب أصليا رفض طلب الريع الذي طالبت به أخته ، واحتياطيا إحالة الدعوي إلي التحقيق ليثبت أن المدعية استولت منه علي هذا الريع إذا كانت تقيم معه وهي مريضة وصرف عليها طوال مدة مرضها مبالغ تزيد علي مالها ، فقضت الحكمة بإلزامه بقيمة الريع استنادا إلي أنه كان ينكر علي المدعية وراثتها لوالده ، مما يدل علي أنه لم يعطها شيئا من الريع ، فعاد فرفع الدعوي علي الأخت يطالبها فيها بمصروفات العلاج المشار إليها ، فقضت المحكمة بعدم جواز نظر هذه الدعوي لسبق الفصل فيها ، فإنها لا تكون قد أخطأت ، لأن الموضوع في الدعويين بينه وبين أخته واحد وهو التخلص من الريع ، لا يغير من وحدته كون التخلص حصل بالوفاء به نقداً أو بالصرف في العلاج ( نقض مدني 29 أكتوبر سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 153 ص 429 - والحكم محل للنظر ، فقد تمسك المدعي عليه في الدعوي الأولي ، كطلب احتياطي ، بالمقاصة بين الريع ومصروفات العلاج  . ويبدو أن المحكمة لم تبحث هذا الطلب الاحتياطي ، واقتصرت علي استخلاص قرينة علي عدم الوفاء بالريع من إنكار المدعي عليه الوراثة أخته  . فلا شيء يمنع في هذه الحالة ، وبعد الحكم بالريع ، من تجديد النزاع في شأن مصروفات العلاج التي لم يفصل الحكم الأول  . ولعل المحكمة قد تأثرت بإنكار المدعي عليه لوراثه أخته ، وهو إنكار ينطوي علي تعنت في الدفاع )  .

وفي تعدد الدليل ، قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن تغير جهة الوراثة هو تغيير في الدليل لا في السبب ( استئناف مختلط 19 أبريل سنة 1938 م 50 ص 245 )  .

وفي وحده السبب وتعدده قضت هذه المحكمة بأنه إذا صدر حكم بصحة عقد ، فلا يجوز بعد ذلك الطعن في دعوي جديدة بصورية هذا العقد وإبراز ورقة الضد ( 10 يونية سنة 1891 م 3 ص 387 )  . ولكن إذا رفعت دعوي بصحة عقد ، ودفع فيها بنقص الأهلية للقصر ، فالحكم في هذا الدفع لا يكون حجة في دعوي أخري بصحة عقد آخر ( استئناف مختلط 2 مارس سنة 1892 م 6 ص 126 ) وقضت محكمة إسنا بأن للمستأجر الذي حكم عليه نهائيا بدفع الأجرة ، فدفعها أدعانا للحكم ، أن يطالب المؤجر برد ما تسلمه إذا نزع العقار من يد المستأجر بعد ذلك بناء علي حكم صدر لمصلحة شخص ثالث في دعوي أخري رفعت بعد الدعوي الأولي وكان المؤجر طرفا فيها ، وليس لهذا الأخير أن يدفع مطالبة المستأجر بالرد بحجية الأمر المقضي ( 27 نوفمبر سنة 1920 المجموعة الرسمية 33 رقم 80 )  .

( [1301] ) انظر من الأمثلة علي ذلك : نقض مدني 28 فبراير سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 206 ص 565 ، وقد سبقت الإشارة إلي هذا الحكم  .      

( [1302] ) أوبري ورو 12 فقرة 769 هامش رقم 101  .

( [1303] ) انظر أيضا المادتين 433 و 434 من التقنين المدني ( حق المشتري في طلب إنقاص الثمن أو فسخ العقد إذا وجد عجز في المبيع  .        

( [1304] ) انظر في أمثلة أخري أوبري ورو 12 فقرة 769 ص 446 - ص 447 - وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بقيام الحجية الأمر المقضي ، حتي لو رفعت الدعوي الأولي في صورة معارضة في تنبيه نزع الملكية مبنية علي ملكية المعارض للأعيان المتنازع فيها ، ورفعت الدعوي الثانية في صورة دعوي استحقاق لهذه الأعيان ( 23 فبراير سنة 1911 م 13 ص 198 )  .

 ( [1305] ) الموجز للمؤلف ص 714  .      

( [1306] ) مراجع : نذكر هنا المراجع العامة التي يعتمد عليها في هذا القسم ، تاركين المراجع الخاصة بكل موضوع نذكرها عند الكلام في هذا الموضوع  . وقد بينا أمام كل مرجع الطبعة التي رجعنا إليها ، فعند الإشارة إلي المرجع تنصرف الإشارة إلي هذه الطبعة  .

        الفقه الفرنسي : أوبري ورو وبارتان جزء 4 طبعة سادية - بودري وبارد الجزآن الأول والثاني طبعة ثالثة - ديموج الجزآن السادس والسابع - بلانيول وريبير وردوان جزء سابع طبعة ثانية - بيدان ولاجارد الجزآن الثامن والتاسع طبعة ثانية - دي باج الجزآن الثاني والثالث طبعة ثانية( في شرح القانون البلجيكي ) – بلانيول وريبير وبولانجيه الجزء الثاني طبعة ثالثة - كولان وكابيتان وجوليودي لامور انديير الجزء الثاني طبعة عاشرة - جوسران الجزء الثاني طبعة ثانية - داللوز انسيكلوبيدي  .

الفقه المصري : دي هلتس – هالتون – والتون - الأستاذ عبد السلام ذهني في نظرية الالتزامات – نظرية العقد للمؤلف - الموجز للمؤلف - الأستاذ حلمي بهجت بدوي في نظرية العقد - الأستاذ أحمد حشمت أبو ستيت في نظرية الالتزام _ سنة 1945 ) – الأستاذ عبد الحي حجازي في النظرية العامة للالتزام الجزء الثالث - الأستاذ إسماعيل غانم في أحكام الالتزام  .

( [1307] ) بودري وبارد 1 فقرة 328 - فقرة 229 - دي باج 3 فقرة 64 وفقرة 66  .

( [1308] )وإلي هذا تشير المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ، فتقول : " قتر التقنين الحالي ( القديم ) في النصوص الخاصة بآثار الالتزام تقتيرا أغفل معه طائفة من أمهات المسائل التي تعرضت لها التقنينات الحديثة  . وإذا كان قد أغفل    الالتزامات الطبيعية وهي بعد مغموطة الحق في أغلب التقنينات ، فثمة مسائل أخري تتصل بآثار الالتزام يكاد يكون نصيبها من الإغفال كاملا  . وأهم هذه المسائل : التنفيذ العيني وما يقتضيه من تنظيم بالنسبة لأقساك الالتزام الثلاثة ، والتنفيذ بالغرامات التهديدية ، والتنفيذ بمقابل وبوجه خاص تبعة المدين والإعفاء منها ، وإجراءات التنفيذ وإجراءات التحفظ  . ثم أن من المسائل ما بالغ هذا التقنين في إجمال الأحكام الخاصة به مبالغة لا تخلو من الإخلال أحيانا ، كما هو الشأن في الإعذار والشرط الجزائي والفوائد والدعوي غير المباشرة والدعوي البولصية ودعوي الصورية "  . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 494 )     

( [1309] ) الوسيط جزء أول ص 30 - ص 31 - وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " وقد استدرك المشروع أوجه النقص المتقدمة جميعا ، وجهد في علاج أهم وجه منها ، فعمد إلي تنظيم الإعسار دون أن يكون أمامه مثال كامل يطمئن إلي احتذائه كلما دعت الحاجة لذلك  . ويكفي أن يشار بوجه عام إلي ما تضمن هذا الباب من مسائل فقد استهل بأحكام تمهيدية أفردت في سياقها بعض نصوص للالتزامات الطبيعية ، ثم عرض بعد ذلك للالتزامات المدنية فعقد لها فصولا ثلاثة : تناول في أولها التنفيذ العيني وما يتبعه من تنفيذ بالغرامات التهديدية  . وخص الثاني بالنصوص المتعلقة بالتنفيذ بمقابل وما يتصل به من أحكام الإعذار ، وتقدير التعويص تقديراً قضائيا أو اتفاقيات أو قانونيا  . ووقف ثالثها علي ما يكفل حقوق الدائنين من وسائل التنفيذ ووسائل الضمان  . ويراعي أن وسائل التنفيذ أو الاستخلاص تنتظم دعاوي ثلاثا تتفرغ جميعا علي اعتبار الذمة ضمانا عاما للدائنين : وهي الدعوي غير المباشرة والدعوي البولصية ودعوي الصورية  .  . أما وسائل الضمان فيمثلها حق الحبس ، وقد بسطت أحكامه بسطا يسمو به إلي مرتبة الأصول العامة  . وأخيراً اختتمت نصوص هذا الفصل بالأحكام الخاصة بتنظيم الإعسار ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 494 - ص 495 )  .

( [1310] ) دي باج 3 فقرة 67  .    

( [1311] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 274 والفقرة الأولي من المادة 275 من المشروع التمهيدي علي الوجه الآتي : " م 274 - يجبر المدين علي تنفيذ التزامه  . م 275 فقرة أولي - ومع ذلك إذا كان الالتزام طبيعيا ، فإن المدين لا ينفذه إلا باختياره " وفي لجنة المراجعة أدمج النصان في نص واحد ، هو المادة 205 من المشروع النهائي ، علي الوجه الآتي :

 " 1 - ينفذ الالتزام جبرا علي المدين  . 2 - ومع ذلك إذا كان الالتزام طبيعيا فلا جبر في تنفيذه "  . ووافق مجلس النواب علي النص كما هو ، ثم وافق عليه مجلس الشيوخ تحت رقم 199 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 496 - ص 497 )  .        

( [1312] ) انظر مع ذلك المادة 147 / 208 من التقنين المدني السابق ، وسيأتي ذكرها  .    

( [1313] ) التقنينات المدنية العربية الأخري : التقنين المدني السوري م 200 ( مطابقة لنص المادة 199 من التقنين المدني المصري )  .

التقنين المدني للمملكة الليبية المتحدة م 202 ( مطابقة لنص المادة 199 من التقنين المدني المصري )  .

تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 2 : الموجب المدني هو الذي يستطيع الدائن أن يوجب تنفيذه علي المديون ، والموجب الطبيعي هو واجب قانوني لا يمكن تطلب تنفيذه ، علي أن تنفيذه الاختياري يكون له من الشأن والمفاعيل ما يكون لتنفيذ الموجب المدني  .      

( [1314] ) ومباديء الفقه الإسلامي مصدر من مصادر القانون المدني العراقي ( انظر المادة الأولي من التقنين المدني العراقي )  . 

( [1315] ) وقد بحث الدكتور حسن علي الذنون في كتابه " أحكام الالتزام في القانون المدني العراقي " بغداد سنة 1954 ( 117 - ص 124 ) موضوع الالتزام الطبيعي علي النحو المعروف في كتب الفقه الغربي ، ولم يبين مبلغ جواز الأخذ في القانون المدني العراقي بالأحكام التي بسطها في ذلك ، بعد أن أغفل التقنين المدني العراقي الإشارة إلي الالتزام الطبيعي  .

( [1316] ) استئناف مختلط 26 مايو سنة 1920 م 32 ص 337  .       

( [1317] ) وهذا هو الأصل في نصه الفرنسي :

Art  . 1235 : Tout paiement suppose une dette : ce qui a ete paye sans etre du, est sujet a repetition  . La repetition n'est pas admise a l'egard des obligations naturelles qui ont ete volontairement acquittees  . 

( [1318] ) أنظر التقنين المدني الألماني 814 - وتقنين الالتزامات السويسري م 72 فقرة 2 - والتقنين الأرجنتيني م 516 - 518 والتقنين الشيلي م 1470 و 1472 و 1630  . وكذلك فصل تقنين الموجبات والعقود اللبناني أحكام الالتزام الطبيعي في المواد من 2 إلي 8  .

( [1319] ) وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " اختص المشروع الالتزامات الطبيعية بمواد أربع  . ويراعي أن هذه الالتزامات تمتاز عن غيرها ، بوجه خاص ، بما يكون لها من آثار  . فسمة الالتزام الطبيعي هي اجتماع مكنة ترتيب الأثر القانوني وفكرة انتفاء الجزاء ، ولهذا كان الباب المعقود لآثار الالتزام خير موضع لأحكامها  . ومهما يكن من أمر الوضع ، فليس شك في أنه يفضل وضعها في التقنين الحالي ( السابق ) ، حيث أجملت كل الإجمال ، في معرض القواعد الخاصة بدفع غير المستحق : انظر المادة 147 / 208 من التقنين المصري( السابق ) وإذا كان من غير الميسور بيان صور الالتزام الطبيعي علي سبيل الحصر ، فليس ثمة بد من أن يترك أمرها لتقدير القضاء ، ليقرر في أي الأحوال وبأي الشروط يعتبر الواجب الأدبي واجبا يعترف به القانون  . وليس يحد من سلطان القضاء في هذا الشأن إلا وجوب مراعاة النظام العام والآداب ، فلا يجوز له إقرار الالتزام الطبيعي بأي حال متي كان مخالفا لهما : انظر المادة 206 فقرة 2 من المشروع  . ويختلف عن ذلك شأن ما يترتب علي الالتزام الطبيعي من آثار ، فمن الميسور تحديدها تقريبيا ، ولاسيما أنها جد قليلة  . ومن المأثور أن الالتزام الطبيعي في القانون الحديث يفترق عن صنوه عند الرومان بأنه أكثر صوراً في نطاق التطبيق ، وأقل إنتاجا في نطاق الآثار ، وهو بهذا يعوض في ناحية ما يفوته في الناحية الأخري  . وتنحصر هذه الآثار في أمرين لا أكثر : أولهما أن أداء المدين اختياراً لما يجب عليه بمقتضي التزام طبيعي يكون له حكم الوفاء ولا يعتبر تبرعاً : المادة 207 من المشروع  . والثاني أن هذا الالتزام يصلح سببا لالتزام مدني  . وفيما عدا هذين الأثرين لا يرتب الالتزام الطبيعي أي أثر آخر ، فلا يجوز علي وجه الخصوص أن يقاض في التزام مدني أو أن يكفل كفالة شخصية أو عينية ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 495 - ص 496 )  .

( [1320] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 497 )  . 

( [1321] ) مراجع : بنكاز ملحق بودري جزء خامس - ديموج جزء أول – ريبير في القاعدة الخلقية فقرة 186 وما بعدها - بلانيول ( مقال له في المجلة الانتقادية سنة 1913 ) – بيرو ( Perreau ) ( مقال له في مجلة القانون المدني الفصلية سنة 1913 ) - بارو ( Barraud ) رسالة من باريس سنة 1908  . أيونسكو ( Ionesco ) رسالة من باريس سنة 1912 - سيفير ( Sieffert ) رسالة من بارسينة سنة 1915 - برو ( Barreau ) رسالة من كان سنة 1915 – سافاتييه ( Savatier ) رسالة من بواتييه سنة 1916 - سندرييه ( Cendrier ) رسالة من باريس سنة 1932  .

( [1322] ) الوسيط الجزء الأول فقرة 9 ص 108 هامش رقم 1  . 

( [1323] ) انظر في كل هذا الموجز للمؤلف فقرة 457 - وانظر أيضا : استئناف مختلط 26 مايو سنة 1920 م 32 ص 337  . 

( [1324] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في الفقرة الثانية من المادة 275 من المشروع التمهيدي علي الوجه الآتي : " ويقرر القاضي ، عند عدم النص ، متي يعتبر الواجب الأدبي التزاما طبيعيا  . وفي كل حال لا يجوز أن يقوم التزام طبيعي يخالف النظام العام "  . وفي لجنة المراجعة جعلت هذه الفقرة مادة مستقلة مع تحوير في اللفظ جعلها مطابقة لما استقرت عليه في التقنين الجديد ، وأصبح رقمها 206 في المشروع النهائي  . ووافق عليها مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 200( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 498 - ص 499 )  .  

( [1325] ) التقنينات المدنية العربية الأخري : التقنين المدني السوري م 201( مطابقة لنص المادة 200 من التقنين المدني المصري )  .

التقنين المدني للمملكة الليبية المتحدة م 203 : يقدر القاضي ، عند عدم النص ، ما إذا كان هناك التزام طبيعي يقوم علي أساس واجب أدبي أو اجتماعي  . وفي كل حال لا يجوز أن يقوم التزام طبيعي يقوم علي أساس واجب أدبي أو اجتماعي  . وفي كل حال لا يجوز أن يقوم التزام طبيعي يخالف النظام العام  . ( ولا فرق قي الحكم ما بين هذا النص ونص التقنين المصري )  .     تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 3 : للقاضي ، عند انتفاء النص ، أن يفصل فيما إذا كان الواجب المعنوي يتكون منه موجب طبيعي أو لا  . ولا يمكن أن يكون الموجب الطبيعي مخالفا لقاعدة من قواعد الحق العام ( ولا فرق أيضا في الحكم ما بين هذا النص ونص التقنين المصري )  .  

( [1326] )فالقاضي يأتي وراء المشرع في تحديد الالتزامات الطبيعية فإذا ما وقف المشرع قام القاضي بدوره ( انظر جوسران 2 فقرة 718 )  .        

( [1327] ) بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 984 - قارن دي باج 3 فقرة 62 ص 73  .         

( [1328] ) وليس هذا العدد بأقل مما كان في القانون الروماني ، بل لعله أكبر  . ذلك أنه إذا كان كثير من الالتزامات التي كان القانون الروماني يعتبرها التزامات طبيعية ، عن طريق اختلال الشكل أو عن طريق النظم الرومانية الخاصة كنظام الرق ونظام السلطة الأبوية ، قد أصبحت الآن التزامات مدنية ، فقد نبتت من جهة أخري التزامات طبيعية كثيرة استجدت في القانون الحديث عن طريق تسرب العوامل الخلقية والأدبية والاجتماعية إلي منطقة القانون  .

( [1329] ) كولان وكاييتا مورانديير 2 فقرة 460  .       

( [1330] ) بوتييه في الالتزامات فقرة 191  .

( [1331] ) بودري وبارد 2 فقرة 1654 ص 743        

( [1332] )وإلي هذه النظرية الحديثة يشير الحكم الآتي من محكمة الاستئناف المختلطة : قصدت المادة 208 ، بأحلالها لفظ " الواجب " محل عبارة " الالتزام الطبيعي " الواردة في المادة 123 من التقنين المدني الفرنسي ، أن تتوسع في فكرة الالتزام الطبيعي ، فتجعلها أكثر اتساقا مع حالة من الحضارة التزمت مستوي عاليا في فهم الشرف ( honneur ) ودقة السلوك ( delicatessen ) فيوجد الالتزام الطبيعي في جميع الأحوال التي يلتزم فيها شخص نحو آخر ، مدفوعا في ذلك ، لا فحسب بوازع من الضمير ( conscience ) أو بوازع من الشرف ( honneur ) ، بل أيضا بوازع من دقة السلوك( delicatessen ) ( استئناف مختلط 13 ديسمبر سنة 1928 م 41 ص 111 )  .

وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في ها الصدد ما يأتي : " تعرض الفقرة الثانية من هذه المادة لصور الالتزام الطبيعي ، فتكل أمر الفصل فيها إلي تقدير القاضي ، لتعذر الإحاطة بها علي سبيل الحصر  . والحق أن أحكام القضاء حافلة بضروب من الواجبات الأدبية أنزلت منزلة الالتزامات الطبيعية  . علي أن الفقه يقسم تطبيقات الالتزام الطبيعي تقسيما سهل المأخذ ، فيردها إلي طائفتين : تنتظم أولاهما ما يكون أثراً تخلف عن التزام مدني تناسخ حكمه ، كما هو شأن الديون التي تسقط بالتقادم أو تنقضي بتصالح المفلس مع دائنيه أو يقضي ببطلانهم لعدم توافر الأهلية  . ويدخل في الثانية ما ينشأ واجبا أدبيا من الأصل ، كالتبرعات التي لا تستوفي فيها شروط الشكل ( الصحيح أن تنفيذ هذه التبرعات إنما هو إجازة لها وليس تنفيذا لالتزام طبيعي كما سنري ) ، والتزام الشخص بالإنفاق علي ذوي القربي ممن لا تلزمه نفقتهم قانونا ، والالتزام بإجازة شخص علي خدمة أداها " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 498 - ص 499 )  .

هذا ويذهب دي باج الي أن الالتزام الطبيعي لا وجود له  . فهو قبل تنفيذه أو الاعتراف به سببا لالتزام مدني ، لا يمكن أن يكون له أثر قانوني ، فليس له وجود  . وهو بد تنفيذه أو الاعتراف به سببا لالتزام مدني ، يكون قد حل محله التزام مدني ، فلم يعد له وجود  . فلا يوجد إذن التزام طبيعي بهذا الوصف في أية مرحلة من المرحلتين ( دي باج 3 ص 64 - ص 66 ) وهذا النظر يغفل أن من الواجبات الأدبية ما يمكم أن يصبح التزاما مدنيا بتنفيذه أو بالاعتراف به سببا لالتزام مدني ، ومنها ما لا يصلح لذلك  . فالأولي دون الثانية هي التي تسمي بالالتزامات الطبيعية  . والواقع من الأمر أن الالتزام الطبيعي قبل تنفيذه أو الاعتراف به سببا لالتزام مدني له وجود قانوني محقق ، إذ هو في هذه المرحلة الأولي التزام قابل للتنفيذ الاختياري وقابل لأن يكون سببا لالتزام مدني ، وهذا كاف في ثبوت وجوده القانوني  .

ويذهب بودري وبارد ( جزء 2 فقرة 1668 وما عدها ) مذهبا ضيقا في الالتزام الطبيعي ، فيحصره في حالات قليلة هي أقرب أي النظرية التقليدية  .

ويتحفظ بارتان ( في تعليقاته عل أوبري ورو ) ويري الوقوف موقفا معتدلا ما بين النظرية التقليدية التي تضيق في حالات الالتزام الطبيعي تضييقا شديدا والنظرية الحديثة التي توسع في هذه الحالات توسيعا مفرطا ، وهو عين الموقف المعتدل الذي وقفه أوبري ورو من هذه المسألة ( أوبري ورو 4 فقرة 297 ص 17 وهامش رقم 26 مكرر ) علي أنه يبدو أن أوبري ورو وسعا في حالات الالتزام الطبيعي دون أن يصرحا بوجود التزام طبيعي قائم ، واكتفيا بالقول إن الاسترداد لا يجوز في هذه الحالات ، وأن ما لا يسترد الوفاء به ليس من الضروري أن يكون التزاما مدنيا أ التزاما طبيعيا ( أوبري ورو 4 فقرة 297 ص 18 - ص 21 وهامش رقم 28 )  .

أما بلانيول ( انظر مقاله في المجلة الانتقادية سنة 1913 ص 157 وما بعدها ) فيري أن هناك تقارباً مستمراً ما بين الالتزام الطبيعي والواجب الأدبي ، فيتوسع في نظرته إلي الالتزام الطبيعي ، وهو من مؤسسي النظرية الحديثة  . كذلك يعد كولان وكابيتان ( جزء 2 فقرة 467 ) وريبير ( القاعدة الأدبية في الالتزامات المدنية فقرة 186 وما بعدها ) وبلانيول وريبير وبولانجيه ( جزء 2 فقرة 1334 ) وجوسران ( جزء 2 فقرة 717 ) من أقول أنصار النظرية الحديثة  .

ويلاحظ أن قواعد الآداب والأخلاق تقترب إلي القانون من جملة أبواب : أحدها فكرة النظام العام والآداب ، والثاني فكرة التعسف في استعمال الحق ، والثالث فكرة الالتزام الطبيعي  .

       

( [1333] ) وهذا هو أيضا حكم القانون الفرنسي ( أوبري ورو 4 فقرة 297 ص 16 - بيدان ولاجارد 8 فقرة 685 - كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 464 ص 339 ) أما إذا دفع المدين فوائد لا تزيد علي السعر الذي يفرضه القانون ، ولكن دون سابق اتفاق علي دفع هذه الفوائد ، فإن المادة 1906 من التقنين المدني الفرنسي تنص صراحة علي أن المدين لا يستطيع أن يسترد ما دفعه من الفوائد ، فيكون دفع الفوائد في هذه الحالة وفاء لالتزام طبيعي  . انظر أيضا في هذا المعني : استئناف مختلط 17 ديسمبر سنة 1896 م 9 ص 60  .     

( [1334] ) أما التقنين المدني الفرنسي ( م 1967 ) فيقضي ، علي النقيض من ذلك ، بأنه من خسر في القمار ، ودفع ما خسره عن طواعية واختيار ، لا يستطيع أن يسترد ما دفعه  . ويقول الفقهاء الفرنسيون إن هذا النص لا يجعل م دين القمار التزاما طبيعيا ، فإن هذا الدين لا يصلح سببا لالتزام مدني  . وإذ كان لا يجوز استرداده بعد فعه ، فذلك لأن القانون أراد - إشعاراً بمقته للقمار وإمعانا في كراهيته – أن يتجاهله بتاتا ، فلا يسمح بدفعه ، ولا يسمح باسترداده إذا دفع ، تطبيقا للقاعدة المعروفة : لا يجوز لأحد أن يحتج بغض صدر من جانبه Nemo auditor turpitudimum suam allegans ( بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 1335 - جوسران 2 فقرة 714 ص 389 )  . ويعقب بعض الفقهاء علي هذا التعليل الغريب بأن المشرع زاد دين القمار قوة من حيث أراد أن يزيده ضعفا ، فانعكس عليه الغرض ( بيدان ولاجارد 8 فمقرة 686 )  . قارن مع ذلك أوبري ورو ويعتبران دين القمار مشروعا في ذاته ، ولكن رفض المشرع أن يجعل تنفيذه جبراً عن طريق الدعوي لأسباب اجتماعية ( جزء رابع فقرة 297 ص 10 - ص 11 ) ، ويذهبان إلي أن عدم إمكان تحويل دين القمار إلي دين مدني إنما هو استثناء من قاعدة إمكان تحويل الالتزام الطبيعي إلي التزام مدني ( ص 14 ) انظر أيضا في أن دين القمار التزام طبيعي : كولان وكابيتان وموانديير 2 فقرة 464 ص 338 - 339 وفي مصر - قبل التقنين المدني الجديد الذي اشتمل علي نص صريح في جواز استرداد دين القمار علي ما رأينا - كان العمل جاريا في الغالب علي حكم القانون الفرنسي الذي قدمناه ، فكان دين القمار لا يسترد باعتبار أنه من ديون الشرف ( dettes dhonneur ) ( استئناف مختلط 6 يناير سنة 1903 م 15 ص 79 – أول أبريل سنة 1903 م 15 ص 220 - الموسكي 26 فبراير سنة 1931 مجلة القانون والاقتصاد السنة الأولي 125 ص 14 )  . وقد قضت محكمة المنشية يجواز الاسترداد لعدم المشروعية ( 14 أبريل سنة 1931 المحاماة 12 ص 793 )  . انظر أيضا : والتون 1 ص 28 - ص 32 - الموجز للمؤلف فقرة 460 ص 466 - ص 467  .

وفي لبنان " يعد دين المقامرة أو المراهنة التزاما طبيعيا ، لأنه وإن كان لا يخول الرابح حق المداعاة بشأنه ، لكنه لا يجيز للخاسر استرداد ما دفعه اختياراً " ( الدكتور صبحي المحمصاني في آثار الالتزام في القانون المدني اللبناني ص 75 )  .

( [1335] ) الوسيط جزء أول فقرة 338  .      

( [1336] ) وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ، في خصوص العناصر الثلاثة للالتزام الطبيعي ، ما يأتي : " ويتعين علي القاضي عند الفصل في أمر الالتزامات الطبيعية أن يتحقق أولا من قيام واجب أدبي ، وأن يتثبت بعد ذلك من أن هذا الواجب يرقي في وعي الفرد أو في وعي الجماعة إلي مرتبة الالتزام الطبيعي ، وأن يستوثق في النهاية من أن إقراره علي هذا الوجه لا يتعارض مع النظام العام  . هذا وقد تشير بعض النصوص إلي تطبيقات من تطبيقات الالتزام الطبيعي ، ومن ذلك ما نصت عليه الفقرة الأولي من المادة 523 من المشروع إذ قضت بأن الدين الذي ينقضي بالتقادم يتخلف عنه التزام طبيعي " مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 499 )  .  

( [1337] ) ويلاحظ أن هذه الطائفة من الالتزامات تقوم هي أيضا علي اعتبارات أدبية ، ولا تقل في هذه الناحية عن الطائفة الثانية  .

( [1338] ) أما العقد القابل للإبطال لعيب من عيوب الإرادة - غلط أو تدليس أو إكراه - فلا يتخلف عن إبطال التزام طبيعي ، لما لحق الإرادة من انحراف لا يتفق مع فكرة الالتزام الطبيعي ( أوبري ورو 4 فقرة 297 ص 10 هامش رقم 5 )  .   

( [1339] ) استئناف أهلي 26 ديسمبر سنة 1914 الحقوق 30 ص 331 - انظر بيدان ولاجارد 8 فقرة 683 - وقارن دي باج 3 ص 70  .

وهذا غير التزام القاصر بالتعويض إذا لجأ إلي طرق احتيالية ليخفي نقص أهليته ( م 119 مدني ) فهذا التزام مدني مصدره العمل غير المشروع ، أما الآخر فالتزام طبيعي تخلف عن التزام مدني مصدره العقد  .

ويقال عادة إن كفالة ناقص الأهلية بسبب نقص أهليته ( م 777 مدني ) دليل علي أن التزام ناقص الأهلية بعد إبطال العقد قد انقلب التزاما طبيعيا تكون كفالته صحيحة  . والصحيح في رأينا ان الكفالة في هذه الحالة ليست التزاما تبعيا ، بل هي التزام أصلي عقده الكفيل معلقا علي شرط واقف هو أن يتمسك ناقص الأهلية بإبطال العقد ، فيكون الكفيل عندئذ ملزما بتنفيذ العقد الذي لم ينفذه القاصر  . وسنعود إلي هذه المسألة  . 

( [1340] ) انظر الأعمال التحضيرية جزء 2 ص 499 وجزء 4 ص 252 و ص 254  . وانظر أيضا محكمة الإسكندرية الكلية 13 مايو سنة 1930 المحاماة 11 رقم 324  .    

( [1341] ) وهذا ما قررناه في الجزء الأول من الوسيط  . وقد جاء فيه ما يأتي  . "  .  .  . الشكل من صنع القانون ، وهو الذي يعين له الجزء الكافي في حالة الإخلال به  . فقد يجعل العقد الذي لم يستوف الشكل المطلوب باطلا لا ترد عليه الإجازة ، وقد يسمح بإجازته كما في الهبة الباطلة شكلا ( م 489 جديد ) ، وقد يجعل الشكل من المرونة بحيث يقبل أن يستكمل ، وأن يحتج به في فرض دون فرض كما في شركات التضامن والتوصية ( الوسيط جزء أول ص 255 في الهامش وانظر أيضا فقرة 301 ص 492 )  . انظر أيضا من هذا الرأي الأستاذ إسماعيل غانم في أحكام الالتزام فقرة 155 ص 222 هامش رقم 2  . وقارن : الموجز للمؤلف ص 467 هامش رقم 2 - والتون 1 ص 27  .

وفي التقنين المدني الفرنسي تقصر المادة 1340 إمكان التنفيذ الاختياري للهبة الباطلة في الشكل علي ورثة الواهب دون الواهب نفسه ويذهب بعض الفقهاء الفرنسيين إلي القول بتخلف التزام طبيعي من الهبة الباطلة في الشكل في جانب ورثة الواهب ( بلانيول وريبير ودوان 7 فقرة 990 - بيدان ولاجارد 8 فقرة 683 ص 498 ) – قارن بودري وبارد ( جزء 2 فقرة 1671 - فقرة 1672 ) ، ومن رأيهما أن الهبة تكون باطلة بطلان مطلقا لانعدام الشكل ، حتي إذا مات الواهب كانت هذه الهبة ذاتها بالنسبة إلي الورثة قابلة للإبطال! ويصعب التسليم بأن البطلان المطلق ينقلب إلي بطلان نسبي بموت الواهب  . 

( [1342] ) أما قبل التمسك بالتقادم فالالتزام يبقي مدنيا ( انظر المادة 387 مدني – وقارن بيدان ولاجارد فقرة 683 ص 497 )  .

( [1343] ) استئناف أهلي 26 ديسمبر سنة 1914 الحقوق 30 ص 331 - 9 مارس سنة 1915 الحقوق 30 ص 332 - محكمة مصر الكلية 27 مايو سنة 1931 المحاماة 12 رقم 434 ص 880 - وقارن الأستاذ عبد المنعم البدراوي رسالته في التقادم فقرة 208 ص 399 - ص 200  .    

( [1344] ) بيدان ولاجارد 8 فقرة 683 ص 497 - ص 498  .            

( [1345] ) أوبري ورو 4 فقرة 297 ص 13 - بيدان ولاجارد 8 فقرة 683 ص 497 - أما إذا تعهد المفلس أن يدفع الباقي من ديونه إذا تحسنت حالته ( s'il revient a meilleure fortune ) ، فقد يفسر هذا التعهد بأنه التزام مدنى أو بأنه مجرد تقرير للالتزام الطبيعى ، حسبما يتبين من نية المدين ، وتستخلص هذه النية من الظروف والملابسات وعبارة التعهد  . وسنعود إلى هذا المسألة فيما يلى ( أنظر فقرة 401 ) ويشبه بارتان بالمدين المفلس الذي يصطلح مع دائنيه مديناً تعهد أن يدفع بسعر الذهب أو بسعر عملة أجنبية  . فإذا كان هذا التعهد – باعتباره تعهداً – مدنياً – باطلاً ، ولكن المدين مع ذلك دفع بسعر الذهب أو بسعر العملة الأجنبية المتفق عليها ، فإنه لا يستطيع أن يسترد ما دفعه زائداً عن سعر العملة الورقية ذات السعر الإلزامى ، لأنه إنما وفى التزاماً طبيعياً ( أو برى ورو 4 فقرة 297 ص 12 هامش رقم 13 )  . ولا يتفق هذا الرأى ، إذا اعتبرنا شرط الذهب باطلاً لمخالفته للنظام العام ، مع المبدأ الذي قدمناه من أن الالتزام الطبيعى لا يجوز أن يقوم مخالفاً للنظام العام  .

( [1346] ) أما إذا كان الالتزام المدني لا يجوز إثباته إلا بالكتابة ، ولم توجد كتابة للإثبات ، ولم يصدر حكم حاز حجية الأمر المقضي برفض الدعوي بهذا الالتزام ، فإنه يبقي التزاما مدنيا ولا ينقلب التزاما طبيعيا  . لكنه يكون التزاما غير ثابت ، ويجوز أن يثبت بعد ذلك بالإقرار أو باليمين  . وإذا دفعه المدين لا يستطع استرداده ، لا لأنه يدفع التزاما طبيعيا لا يسترد ، بل لأنه يدفع التزاما مدنيا أقر به بمقتضي دفعه  . إياه ومن ثم يكون الدفع صحيحا ، ولا يجوز الاسترداد ، حتي لو كان المدين وهو يدفع الدين يعتقد عن غلط أن إثباته يجوز أن يكون بالبينة وألا مناص من دفعة ( قارن الأستاذ أحمد حشمت أبو ستيت في نظرية الالتزام فقرة 664 )  .        

( [1347] ) بودري ربارد 2 فقرة 1666 وما بعدها  .     

( [1348] ) أوبري ورو 4 فقرة 297 ص 11  .

( [1349] ) قارن بودري وبارد 2 فقرة 1670 : ويشترطان أن تكون الخدمة مما يمكن تقديره بمال وألا تكون الجائزة أكبر بكثير من الأجر المعتاد علي مثل هذه الخدمة  .     

( [1350] ) قارن بودري وبارد 2 فقرة 1669  .

( [1351] ) أوبري ورو 4 فقرة 297 ص 11 - الموجز للمؤلف فقرة 460 - قارن بودري وبارد 2 فقرة 1668 ص 765 وفقرة 1669 مكررة – والتون 1 ص 33 - ص 34  .

ويعد التزاما طبيعيا التزام المطلق بالنفقة علي مطلقته بعد أن عاش معها مدة طويلة ، ثم طلقها في وقت لا تستطيع فيه أن تبدأ حياة جديدة ودون أن تكون هناك أسباب خطيرة تدعو إلي الفرق ( استئناف مختلط 13 ديسمبر سنة 1928 م 41 ص 111 )  .

( [1352] ) وهذا صحيح فيما إذا كان الالتزام مصدره العقد  . أما إذا كان له مصدر آخر ، فيبقي التزاما طبيعيا ، دون أن يرجع ذلك إلي الرضاء ، بل إلي سبق وجود التزام مدني عاقة مانع - يرجع إلي الصنعة القانونية لا إلي طبائع الأشياء – من أن يولد آثاره كالتزام مدني  .

( [1353] ) الوسيط الجزء الأول فقرة 905  .   

( [1354] ) وعندما يجاوز القانون المنطقة السلبية إلي المنطقة الإيجابية - يجاوز النهي عن الإضرار بالغير الإثراء علي حساب الغير إلي الأمر بالتعاون والتضامن والمساعدة ( انظر الوسيط الجزء الأول فقرة 904 - فقرة 905 ) – يكون تدخله في المنطقة الإيجابية في أناة وحذر ، ويسبق الالتزام الطبيعي الالتزام المدني ، فهو طليعته ، يتحسس له الطريق ، ثم يعبده  .

( [1355] ) تاريخ النصوص : م 201 - ورد هذا النص في المادة 276 من المشروع التمهيدي علي الوجه الآتي : " لا يسترد المدين ما أداه باختياره وفاء لالتزام طبيعي "  . وفي لجنة المراجعة حور النص تحويراً جعله أدق في الدلالة علي المعني ، فأصبح مطابقا لما استقر عليه في التقنين الجديد ، وأصبح رقم المادة 207 في المشروع النهائي  . ووافق مجلس النواب علي النص ، ثم وافق علي مجلس الشيوخ تحت رقم 201 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 500 - ص 201 )  .

م 202 ورد هذا النص في المادة 277 من المشروع التمهيدي علي الوجه الآتي : " يصلح الالتزام الطبيعي ، إذا اعترف المدين به ، سببا لالتزام مدني " ؟ وفي لجنة المراجعة حور النص علي الوجه الآتي : " الالتزام الطبيعي إذا اعترف المدين به يصلح سببا لالتزام مدني " ، وأصبح رقم المادة 208 في المشروع النهائي  . ووافق مجلس النواب علي هذا النص : وفي لجنة مجلس الشيوخ أثارت عبارة " إذا اعترف المدين به " شبهة ، فقد يظن أن المقصود منها أن مجرد الاعتراف بالالتزام الطبيعي ينقله إلي التزام مدني  . فذكر في دفع هذه الشبهة أن هذه المادة قد حسمت خلافا قائما بين الفقهاء فالبعض يقول إن الاعتراف يعتبر تجديداً له ، وهذا القول مردود بأن التجديد يكون في هذه الحالة قائما علي غير سبب  . والبعض الآخر يقول أن الاعتراف بالالتزام الطبيعي يصلح أن يكون سببا للالتزام المدني  . وقد أخذ المشروع بهذا الرأي الأخير ، فالمقصود من النص هو أن الاعتراف بالالتزام الطبيعي يصلح أن يكون سببا لالتزام مدني ، لا أن يكون سببا لتحويل الالتزام الطبيعي إلي التزام مدني  . وبعد مناقشة استقر رأي اللجنة علي حذف عبارة " إذا اعترف المدين به " دفعا للشبهات ، وعلي أن يثبت في المحضر أن مجرد الاعتراف لا يصلح أن يكون وحده سببا كافيا لتحويل الالتزام من طبيعي إلي مدني  . وبذلك أصبح نص المادة علي الوجه الذي استقر عليه في التقنين الجديد ، وأصبح رقمها 202  . ووافق مجلس الشيوخ علي المادة كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 502 - ص 505 )  .

( [1356] ) م 147 / 208 من التقنين المدني السابق : " إنما من أعطي باختياره شيئا لآخر ، وفاء لدين يعتقد ملزوميته به ولو لم يوجبه القانون ، لا يكون له استرداده "  . وهذا النص يتفق في الحكم مع نص التقنين الجديد  . ولم يستحدث هذا التقنين حكما جديداً في موضوع الالتزام الطبيعي ، ولكنه جعل النصوص أكثر جلاء ووضوحا مما كانت عليه في التقنين السابق  .

( 5 ) التقنينات المدنية العربية الأخري : التقنين المدني السوري م 202 - 203 ( مطابقتان للمادتين 201 - 202 من التقنين المدني المصري )  .

التقنين المدني للمملكة الليبية المتحدة م 204 – 205 ( مطابقتان للمادتين 201 - 202 من التقنين المدني المصري )  .

تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 4 : أن ما يفعله المرء عن علم لتنفيذ موجب طبيعي لا يصح استرداده ولا يعد تبرعا ، بل يكون له شأن الإيفاء – م 6 : الاعتراف بموجب طبيعي ، ولو صريحا ، لا يكون من شأنه أن يحوله إلي موجب مدني  . ومثل هذا التحويل لا يمكن أن ينشأ إلا عن تجديد ( novation ) التعاقد - م 8 : إن العهود المقطوعة لضمان تنفيذ موجب طبيعي ( les engagements pris pour assurer l'execution d'une obligation naturelle ) تخضع من حيث الشكل والأساس لأحكام العقود ذات العوض  . ( وهذه النصوص لا تختلف في جمله أحكامها عن نظائرها في التقنين المصري : أنظر الدكتور صبحي المحمصاني في أحكام الالتزام في القانون المدني اللبناني ص 76 - إلا أن التصوير الفني في التقنين اللبناني لتحوي الالتزام الطبيعي إلي التزام مدني هو طريق التجديد ( novation ) ، وهذا التصوير هو الذي كان سائداً ، ثم عدل عنه إلي التصوير الذي أخذ به التقنين المصري الجديد وهو جعل الالتزام الطبيعي سببا لإنشاء التزام مدني  . ثم إن التقنين اللبناني في المادة 8 منه أكد فكرة أن الوفاء بالالتزام الطبيعي أو الاعتراف به بمقتضي عهد مقطوع لضمان تنفيذه لا يعد تبرعا ، ومن ثم لا يخضع ، من حيث الشكل والموضوع لأحكام التبرعات ، بل يخضع لأحكام المعاوضات )  .

( [1357] ) وقد قدمنا عند الكلام في الدفع بعدم تنفيذ العقد أنه لا يجوز للمدين أن يدفع بعدم تنفيذ التزام طبيعي ليمتنع عن تنفيذ التزام مدني ، وإلا كان في هذا تنفيذ جبري للالتزام الطبيعي بطريق غير مباشر ( الوسيط جزء أول فقرة 495 )  . وسنري أن هذا يصدق أيضا في الحق للحسب الذي يعتبر بعدم تنفيذ العقد صورة من صورة( بودري وبارد 2 فقرة 1682 - عكس ذلك هيك 7 فقرة 169 ص 236 - ص 237 ، وقد تأثر هيك بالقانون الروماني ، ولكنه غفل عن أن هذا القانون كان يجيز أيضا المقاصة فلا تعارض فيه ، أما القانون الحديث فلا يجيز المقاصة لأنها وفاء إجباري ، ووجب أيضا لنفس السبب ألا يجيز الحبس )  .       

( [1358] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " ويشترط لصحة هذا الوفاء أن يقوم به المدين من تلقاء نفسه دون إجبار ، وان يكون حاصلا عن بينة منه ، اى وهو يدرك أنه يستجيب لمقتضى إلتزام طبيعى لا يكفل له القانون جزاء " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 500 )  . وقد كان هذا هو أيضا حكم التقنين المدنى السابق : استئناف مختلط 15 إبريل سنة 1880 بوريللى م 208 رقم 1 - 2 ديسمبر سنة 1920 م 32 ص 46 - 10 مايو سنة 1927 م 39 ص 452 - استئناف مصر 28 مارس سنة 1953 المحاماة 16 رقم 412 ص 898 - دى هلتس ( execution - paiement ) فقرة 157  .

وكان القانون الرومانى لا يجيز استرداد ما دفع وفاء لالتزام طبيعى حتى لو كان المدين اعتقد وقت الوفاء أن التزامه مدنى  . وفى هذا الحكم - وغيره من الاحكام كما سنرى - يبين أن القانون الرومانى كان يرتب على الالتزام الطبيعى آثارا أبعد مدى مما يرتب القانون الحديث  .

وسار القانون الإيطالى وكذلك المشرع الفرنسى الإيطالى ( م 66 ) على هذا النهج ، فاكتفيا بأن يكون الدفع تلقائيا spontane ، فيجوز الاسترداد إذا كان الوفاء نتيجة تدليس أو إكراه لأن الوفاء لا يكون فى هاتين الحالتين تلقائيا ، ولا يجوز الاسترداد إذا كان الوفاء نتيجة غلط لان الغلط لا يمنع من تلقائية الوفاء

( كولان وكابيتان وموانديير 2 فقرة 468 ص 342 - وفى هذا المعنى الاستاذ عبد السلام ذهنى فقرة 379 )  .

ولكن الرأى الراجح فى الفقه – وهو الرأى الذى سار عليه التقنين المصرى_ هو ان يكون وفاء الالتزام الطبيعى عن بينة واختيار ، فلا يشوبه غلط أو تدليس أو إكراه  . ويبسط الأستاذان بودرى وبارد هذا الرأى فى العبارات الآتية : " وعلى ذلك لا يكفى فى عدم جواز الاسترداد ان يكون الوفاء قد تم عن اختيار librement بل ولا أن يكون قد تم تلقائيا spontanement ، وإنما يستوجب القانون أن يكون الوفاء قد تم عن علم sciemment ، أى عن بينة من الأمر ( بوردى وبارد 2 فقرة 1674 )  .

Ainsi, pour que le paiement echappe a la repetition, il ne suffit pas qu'il ait eu lieu librement, ni meme spontanement, la loi veut qu'il ait ete fait sciemment, c " est a dire en connaissance de cause  .

هذا ويخضع الوفاء بالالتزام الطبيعى فى غثباته للقواعد العامة فى الغثبات ( بلانيول وريبير ورودان 7 فقرة 993 ص 232 - ص 333 )  .

( [1359] ) الأستاذ إسماعيل غانم في أحكام الالتزام فقرة 159 ص 230 - ص 231  .       

( [1360] ) ونري من ذلك أن الالتزام الطبيعي إنما يتأكد وجوده وقت انقضائه ( انظر في هذا المعني جوسران 2 فقرة 719 )  .      

( [1361] ) وقد نص تقنين الموجبات والعقود اللبناني ( م 8 ) علي ذلك صراحة كما سبق القول  .        

( [1362] )هيك 8 فقرة 5 - ديمولومب 27 فقرة 49 - أوبري ورو 4 فقرة 297 ص 15 - ودري وبارد 2 فقرة 1674 مكررة - بلانيول وريبير وردوان 2 فقرة 992 ص 329 - بيدان ولاجارد 8 فقرة 689 ص 503 هامش رقم 1  .

( [1363] ) هيك 8 فقرة 5 - ديمولومب 27 فقرة 50 - بودري وبارد 2 فقرة 1674 يكررة  .

( [1364] ) انظر في هذا المعني بيرو ص 107 ، الأستاذ أحمد حشمت أبو ستيت في نظرية الالتزام فقرة 666 ص 499 - المذكرة الإيضاحية للمشورع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية جزء 2 ص 501  . 

( [1365] ) انظر الموجز فقرة 462 ص 468 هامش رقم 2  .    

( [1366] ) بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 992 ص 328 - ص 329 - بيدان ولاجارد 8 فقرة 692 - كولان وكابيتان وموانديير 2 فقرة 468 ص 343 - الأستاذ إسماعيل غام في أحكام الالتزام فقرة 161  .

( [1367] ) وقد أوردت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي هذه النتائج ، التي تترتب علي أن الوفاء بالالتزام الطبيعي إنما هو وفاء لا تبرع ، علي الوجه الآتي : " فإذا تحقق هذا الشرط ( حصول الوفاء عن بينة واختيار ) كان الأداء المدين حكم الوفاء لا حكم التبرع  . ويتفرع علي ذلك نتائج أربع : أولاها امتناع المطالبة برد ما دفع ، فهو لم يؤد وفاء لدين غير مستحق أو تبرعا يجوز الرجوع فيه ، وإنما أدي وفاء لما هو واجب دون أن تحدو نية للتبرع عليه  . والثانية عدم اشتراط شكل خاص للوفاء بالالتزام الطبيعي ، علي خلاف التبرعات فيغلب فيها اشتراط ذلك والرابعة اعتبار أداء المدين وفاء لا تبرعا ، وبوجه خاص فيما يتعلق بتطبيق أحكام الدعوي البولصية ( وقد خالفنا هذا الرأي فيما قدمناه ) وتصرفات المريض مرض الموت " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 500 – ص 501 )  .        

( [1368] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة با ، من عاشر امرأة معاشرة الأزواج التزم التزاما طبيعيا بالنفقة عليها هي وولدها منه ، وينقلب هذا الالتزام الطبيعي إلي التزام مدني إذا هو أرسل إليها النفقة مرات عدة وتعهد تعهدا صريحا في مكاتباته بالاستمرار علي ذلك ( استئناف مختلط 11 ديسمبر سنة 1930 م 43 ص 79 ) وكذلك يتحول الالتزام الطبيعي إلي التزام مدني إذا كان المخدوم قد تعهد خادمه القديم بعد أنن أصبح عاجزاً بالعون والمساعدة ، ثم تعهد بعد ذلك بأن يدفع له مبلغا معينا ( استئناف مختلط 17 فبراير سنة 1931 م 43 ص 228 ) انظر أيضا استئناف مختلط 17 يناير سنة 1918 م 30 ص 162 - 26 مايو سنة 1920 م 32 ص 337 - 26 ديسمبر سنة 1929 م 42 ص 117 - 20 مايو سنة 1937 م 49 ص 234  .   

( [1369] ) قارن بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 993 ص 331  . 

( [1370] ) استئناف مختلط 25 يونية سنة 1925 م 37 ص 498 - 13 ديسمبر سنة 1928 م 41 ص 111 - انظر أيضا في الالتزام نحو أشخاص يعتبرهم الملتزم أبناءه الطبيعيين : استئناف مختلط 10 مارس سنة 1897 م 9 ص 191 ، وفي التزام رب العمل نحو عامل مدة تجنيده : استئناف مختلط 26 مايو سنة 1920 م 32 ص 337 - لكن لا يعتد بالتزام الشخص نحو بنت زوجته إذا كان قد آواها في منزلة ، ثم خرجت إلي كنف أحد أقاربها ، فلا يعتبر ملتزما بالنفقة عليها ( استئناف مختلط 24 ديسمبر سنة 1902 م 15 ص 75 )  . وإذا صرفت شركة لأرملة موظف قديم ، مات ضحية حادث من حوادث العمل ، ولأولاده القصر نفقة شهرية مدة طويلة ، لم يتحول هذا الالتزام الطبيعي إلي التزام مدني ( استئناف مختلط 19 مايو سنة 1927 م 39 ص 491 )  .      

( [1371] ) ومن أجل ذلك حذفت لجنة مجلس الشيوخ عبارة " إذا اعترف المدين به " التي كانت واردة في المشروع النهائي للتقنين الجديد حتي لا يكون مجرد الاعتراف بالالتزام الطبيعي كافيا لتحويله إلي التزام مدني ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 502 ، وقد سبقت الإشارة إلي ذلك عند إيراد تاريخ نص المادة 202 : انظر فقرة 398 في الهامش )  .     

( [1372] ) الأستاذ إسماعيل غانم في أحكام الالتزام فقرة 159 ص 230 – ص 231  .       

( [1373] ) قارن استئناف مختلط 12 يونيه سنة 1940 م 52 ص 308 - وقد يستخلص قصد المدين من عبارة التعهد ( دى باج 3 ص 63 ) ، ومن تفسير نية الدائنين نية أنفسهم وهل كانوا لا يعقدون الصلح لولا هذا التعهد فيكون التزاما مدنيا ( استئناف مختلط 22 إبريل سنة 1936 م 48 ص 239 - ومع ذلك انظر فى ان التعهد يبقى التزاما طبيعيا إذا أكره المفلس وقت الصلح على ان يوقع كمبيالة لصالح دائن ليحمله على إقرار الصلح : محكمة إسكندرية الوطنية 19 يناير سنة 1931 المحاماة 12 رقم 133 ص 248 )  .

( [1374] ) بلانيول وريبير ورودان 7 فقرة 933 ص 332 ،331 - بودرى وبارد 2 فقرة 1673 مكررة - كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 469 - تالير موجز القانون التجارى طبعة ثامنة فقرة 2097  .

( [1375] ) أنظر فى جواز أن يكون الالتزام الطبيعى محلا للتجديد : أوبرى ورو 4 فقرة 297 ص 14 - بودرى وبارد 2 - فقرة 1678 - بيدان ولاجارد 8 فقرة 689 ص 502 ، 503 - جوسران 2 فقرة 916 - والتون 1 ص 36 - ص 38 - انظر أيضا فى هذا المعنى : استئناف مختلط 21 ديسمبر سنة 1939 م 52 ص 67 - 22 يناير سنة 1942 م 54 ص 51  . ومن ثم نرى أن القضاء المصرى ، فى عهد التقنين السابق ، كان يسير على هذا الرأى  . وأنظر أيضا المادة 6 من تقنين الموجبات والعقود اللبنانى ، وهى تصرح بان تحويل الالتزام الطبيعى إلى إلتزام مدنى لا يمكن أن ينشأ إلا عن تجديد التعاقد  .

       

( [1376] ) كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 469 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 993 - بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 1337 - دي باج 3 فقرة 63 - وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " وقد انقسم الفقه بشأن ما هيه هذا الاعتراف فلم يكن بد من أن يقع المشروع برأي في هذا الخلاف  . والحق أن الاعتراف لا ينطوي علي تجديد ينقلب من جرائه الالتزام الطبيعي التزاما مدنيا ، بل هو إنشاء لالتزام مدني يقوم الالتزام الطبيعي منه مقام السبب " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 503 )  .   

( [1377] ) والرأي الراجح في الفقه أن هذا الوعد يتم بإرادة المدين المنفردة دون حاجة إلي قبول الدائن ، ومن ثم يجوز لدائن هذا الدائن أن يوقعوا حجزاً تحت يد المدين بمجرد أن يصدر منه الوعد دون انتظار لقبول الدائن ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 994 - دي باج 3 فقرة 43 )  .       

( [1378] )انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية جزء 2 ص 503 - الموجز للمؤلف فقرة 462 - ومن ثم لا يشترط شكل خاص في الوعد بالوفاء كما مشترط ذلك في الهبة  . كذلك لا تطلب أهلية التبرع ، ويكتفي بأهلية التصرف( بيدان ولاجارد 8 فقرة 689 ص 502 هامش رقم 3 ) ويجير المدين قضاء ، بعد صدور الوعد بالوفاء ، علي تنفيذ هذا الوعد  . وإذا صدر الوعد في مرض الموت لا يعتبر تبرعا إذا أثبت الدائن أنه وعد قصد به الوفاء بالتزام طبيعي  . أما بالنسبة إلي الدعوي البولصية ، فيعتبر الوعد بالوفاء تبرعا ، شأنه في ذلك شأن الوفاء الاختياري  .

( [1379] ) وقد كان القانون الروماني يجيز المقاصة ما بين التزام طبيعي والتزام مدني  . وهنا أيضا نري هذا القانون يتوسع في آثار الالتزام الطبيعي ، كما فعل عندما منع استرداد الوفاء بالتزام طبيعي ولو كان الوفاء عن غلط  .         

( [1380] ) أما المقاصة القضائية - وهي وفاء اختياري - فتجوز بين التزام طبيعي والتزام مدني ( بودري وبارد 2 فقرة 1681 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 997 )  .  

( [1381] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية حزء 2 ص 502 هامش رقم 1 - وهل تجوز المقاصة القانونية بين التزامين طبيعيين؟ لا نري جواز ذلك ، لأن المقاصة القانونية لا تزال تتضمن هنا وفاء إجباريا ، وقد يكون أحد المدنيين أو كلاهما لا يريد الوفاء مختاراً بالتزامه الطبيعي للآخر  . ويترتب علي ذلك النتيجتان الآتيتان : ( أولا ) إذا إذا لم يف أي من المدينين بالتزامه الطبيعي مختاراً لم يجبر علي ذلك ، ولا يختلف هذا الوضع عن الوضع الذي تقع فيه المقاصة إلا في أن حالة المقاصة تسقط الدينين أما في الوضع الأول فيبقي الدينان قائمين وإن كان لا يجبر أحد من المدينين علي الوفاء به  . ( ثانيا )إذا وفي أحد المدينين لآخر بالتزامه الطبيعي مختاراً ولم يرد الآخر أن يوفي هو أيضا بالتزامه الطبيعي نحو الأول ، لم يستطع الأول أن يسترد ما وفاه بدعوي أنه وفي بالتزام طبيعي سقط بالمقاصة  .

( [1382] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " لا يجوز أن يقاص التزام طبيعي في التزام مدني ، لأن المقاصة ضرب من ضروب الوفاء القهري  . بيد أن للدائن أن يتمسك بوقوع المقاصة بين دينه المدني ودين طبيعي يلزمه أداؤه ، إذ القصاص في هذه الصورة يكون بمنزلة الوفاء اختياراً " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 502 هامش رقم 1 )  .       

( [1383] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 502 هامش رقم 1  .      

( [1384] ) وكما لا تجوز كفالة الالتزام الطبيعي كفالة شخصية ، كذلك لا تجوز كفالة هذا الالتزام كفالة عينية ، ولا يجوز ترتيب رهن رسمي أو رهن حيازي لضمانه ، وذلك لنفس الأسباب التي لا تجوز من أجلها الكفالة الشخصية ( هيك 7 فقرة 236 - بودري وبارد 2 فقرة 1677 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 996 - الموجز للمؤلف ص 469 هامش رقم – قارن جيللوار في الكفالة فقرة 54 - بيدان ولاجارد 8 فقرة 689 ص 503 - ص 504 )  .  

( [1385] ) لوران 17 فقرة 28 - أوبري ورو 4 فقرة 297 ص 15 - جوسران 2 فقرة 715 - قارن بودري وبارد 2 فقرة 1676 - بيدان ولاجارد 8 فقرة 689 ص 503 - ص 504 ، وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بجواز كفالة الالتزام الطبيعي كفالة يترتب بموجبها في ذمة الكفيل التزام مدني ( استئناف مختلط 27 ديسمبر سنة 1928 م 41 ص 142 )  .

وقد كان القانون الروماني ، هنا أيضا ، يجيز كفالة الالتزام الطبيعي بالتزام مدني  . وهذا وجه ثالث لتوسع القانون الروماني في آثار الالتزام الطبيعي ، وقد رأينا الوجهين الأولين في منع الاسترداد ولو كان الوفاء عن غلط وفي مقاصة الالتزام الطبيعي بالتزام مدني  .      

( [1386] ) انظر آنفا فقرة 395 في الهامش  . 

( [1387] ) وقد قضت الفقرة الثانية من المادة 782 من التقنين المدني بأنه " إذا كان الوجه الذي يحتج به المدين هو نقص أهليته ، وكان الكفيل عالما بذلك وقت التعاقد ، فليس له أن يحتج بهذا الوجه "  . ويستخلص بطريق العكس ، من هذا النص أن الكفيل إذا لم يكن عالما بنقص أهلية المدين وقت التعاقد كان له أن يحتج بهذا الوجه  . أما إذا كان عالما بنقص الأهلية - وهذا هو الفرض الذي ورد فيه النص - فإنه يكون عندئذ قد كفل التزام ناقص الأهلية بسبب نقص أهليته ( م 777 مدني ) ، ويكون التزامه التزاما أصليا علي النحو الذي قدمناه ( قارب بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 1339 – كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 470 - وقارن أوبري ورو 4 فقرة 297 ص 15 - بلانيول وردوان 7 فقرة 995 )  .    

( [1388] ) أما إذا انقلب الالتزام الطبيعي التزاما مدنيا عن طريق الوعد بالوفاء به علي النحو الذي قدمناه ، فإنه تجوز كفالته بالتزام مدني ، شأنه في ذلك شأن أي التزام مدني آخر ( قارب بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 995 ص 335 ) – ويعد وعدا ضمنيا بوفاء التزام طبيعي أن يقدم المدين بهذا الالتزام كفالة شخصية أو رهنا أو كفالة عينية ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 995 وفقرة 996 - الأستاذ إسماعيل غانم في أحكام الالتزام فقرة 160 ص 232 - وقارب بودري وبارد 2 فقرة 1675 )  .         

( [1389] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " وكذلك لا تجوز كفالة الالتزام الطبيعي كفالة عينية أو شخصية - انظر عكس ذلك المادة 552 من التقنين الأرجنتيني - ما بقي في نطاق الواجبات الأدبية  . ذلك أن الكفالة التزام تابع فلا يجوز ، والحال هذه ، أن تكون أفعل أثراً من الالتزام الأصيل ولا وجه للقياس في هذا الشأن علي كفالة التزام ناقص الأهلية ، فهذه الكفالة يكون لها حكم الصحة باعتبارها التزاما أصيلا لا تابعا  . وصفوة القول إن كفالة الالتزام الطبيعي لا تصح إلا إذا اعترف به وألحق تفريعا علي ذلك بالالتزامات المدنية ( م 277 من المشروع ) ، ومما هو جدير بالذكر أن القانون الروماني يجيز كفالة الالتزام الطبيعي كما يجيز القصاص فيه ، علي خلاف ما هو متبع في القانون الحديث " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 502 هامش رقم 1 )  .      

( [1390] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 502 هامش رقم 1 - هذا ولا يجوز نقل التزام طبيعي من ذمة إلي ذمة ، ولا ينتقل الالتزام الطبيعي من ذمة المورث إلي ذمة الوارث حتي في القانون الفرنسي الذ تنتقل فيه الديون بالميراث  . وعند القائلين بأن الهبة الباطلة لعيب في الشكل يتخلف عنها التزام طبيعي في ذمة ورثة الواهب ، يكون هذا الالتزام الطبيعي أصيلا في ذمة الورثة فهو قد نشأ ابتداء في ذمتهم ولم ينتقل إليهم من المورق  . انظر في ذلك : بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 1340 - وقارن جوسران 2 فقرة 716  .   

( [1391] )         تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 379 من المشروع التمهيدى على الوجه الذى استقر عليه فى التقنين الجديد ، فيما عدا بعض تحويرات لفظية طفيفة أزالتها لجنة المراجعة ، وأصبح رقم النص المادة 209 من المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب  . وفى لجنة مجلس الشيوخ ذكر أن الفقرة الثانية تتضمن فكرة جديدة هى استثناء من القاعدة العامة فى وجوب الوفاء من طريق التنفيذ العينى  . وهذا الاستثناء يعرض عند إقامة المالك بناء خلافاً لما يفرضه عليه التزام سابق أو ارتفاق بعدم البناء ، وهذا أمر كثير الوقوع فى مصر  . فمن واجب القاضى فى هذا المقام عند المطالبة بالتنفيذ العينى أن يوازن بين مصالح ذوى الشأن ، وأن يتفادى تحميل المدين تضحيات جساماً درءاً لضرر طفيف  . وذكر أيضاً أن إدارة القضايا فى كثير من مخالفات التنظيم كانت تطبق هذا الحكم ، وتقضى بعدم تنفيذ حكم المخالفة للمصلحة العامة ، ولا يفهم من هذا أن النص يجيز للقاضى الجنائى الحكم بالغرامة دون الإزالة لأن الإزالة عقوبة ، فنطاق تطبيق النص هو المعاملات المدنية  . وقد أزال هذا القول الشبهة التى قامت من أن القاضى الجنائى قد يحكم بالغرامة دون الإزالة بسبب المصلحة العامة  . واقترح أن يوصف الإرهاق المذكور فى الفقرة الثانية ، فأجيب بأن المراد بالإرهاق العنت الشديد ولا لزوم للوصف لأن الأمر متروك لتقدير القاضى  . ثم أعيد الاعتراض على الفقرة الثانية ، فأجيب بأن حكمها مأخوذ مما استقر عليه القضاء فإنه بالرغم من عدم وجود هذا النص قد أخذ به وسار عليه وفى سبيل ذلك خرج على نصوص التشريع ، فالمشروع لم يأت بجديد بل قنن ما سار عليه القضاء  . وانتهت اللجنة بالموافقة على المادة وأصبح رقمها 203  . ووافق مجلس الشيوخ عليها كما أقرتها لجنته مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 509 – ص 513 )  .

( [1392] )         وقد جاء المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " الأصل أن للدائن المطالبة بتنفيذ الالتزام عيناً وللمدين عرض القيام بذلك ما بقى هذا التنفيذ ممكناً  . ولم يستثن المشروع من هذه القاعدة إلا حالة واحدة ، استمد حكمها من التقنين الألمانى ، فإذا لم يكن التنفيذ العينى ميسوراً إلا ببذل نفقات لا تتناسب مع ما ينجم من ضرر من جراء التخلف عن الوفاء عيناً ، اقتصر حق الدائن استثناء على اقتضاء التعويض " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 506 )  .

على أن هذا النص المستحدث ليس فى الواقع إلا تقنيناً لما جرى عليه القضاء المصرى ، كما سبق القول  . ولذلك يكون له ، باعتباره نصاً مفسراً ، أثر رجعى ، فيسرى على الحوادث التى تمت قبل نفاذ التقنين المدنى الجديد  .

( [1393] )         التقنين المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 204 ( مطابقة لنص المادة 203 من التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى م 246 ( مطابقة لنص المادة 203 من التقنين المدنى المصرى ، فيما عدا أنها لا تنص على الإعذار )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 206 ( مطابقة لنص المادة 203 من التقنين المدنى المصرى )  .

تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م 249 : يجب على قدر المستطاع أن توفى الموجبات عيناً ، إذ أن للدائن حقاً مكتسباً فى استيفاء موضوع الموجب بالذات  . ( والحكم يتفق مع حكم التقنين المصرى ، حتى فيم يتعلق بجواز التعويض إذا كان فى التنفيذ العينى إرهاق للمدين ما دام نص التقنين اللبنانى يتضمن عبارة " على قدر المستطاع " ، ويمكن تفسيرها فى شيء من التوسع ، ومع ذلك قارن الدكتور صبحى المحمصانى فى آثار الالتزام فى القانون المدنى اللبنانى ص 3 – ص 4 )  .

( [1394] )         بيدان ولاجارد 8 فقرة 441  .

( [1395] )         وقد جاء المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " بقى بعد ذلك تحديد فكرة إمكان التنفيذ ، فمتى يسوغ القول بأن تنفيذ الالتزام عيناً يدخل فى حدود الإمكان ، ولاسيما فيما يتعلق بميعاد التنفيذ؟ إذا لم يحدد ميعاد للتنفيذ جاز الوفاء عينا مادامت الظروف تسمح به ، دون أن يخل ذلك بداهة بحق الدائن فيما يجب له من تعويض عن التأخير  . ويهيئ التقنين الألمانى للدائن وسيلة لقطع الشك باليقين فى مثل هذه الحالة  . فيبيح له أن يحدد للمدين ميعاداً مناسباً للوفاء عيناً ، وأن يشفع هذا التحديد بإبلاغه أنه لن يقبل منه وفاءه بعد انقضاء هذا الميعاد ( أنظر المادة 250 من التقنين الألمانى )  . وليس ثمة ما يمنع القضاء من العمل بهذا الحكم دون حاجة إلى الاستناد إلى نص تشريعى خاص  . أما إذا حدد ميعاد للتنفيذ فالمفروض أن الوفاء العينى يمتنع بعد انقضاء هذا الميعاد ، إلا أن يقيم ذو الشأن الدليل على عكس ذلك " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 510 )  .

( [1396] )         استئناف مختلط 15 نوفمبر سنة 1899 م 12 ص 10 – 26 أبريل سنة 1900 م 12 ص 229 – 17 فبراير سنة 1916 م 28 ص 163 – 5 يونيه سنة 1935 م 47 ص 358  .

( [1397] )         وقد قضت محكمة النقض بأنه متى كان الحكم المطعون فيه قد قرر " أن من حق المسألة استرداد منقولاتها ، فلها أن تستردها وأن تطالب بقيمتها إذا لم توجد ، ولكنها لم تفعل هذا ، بل طلبت من أول الأمر الحكم لها بقيمتها دون أن تثبت ضياعها أو تعذر الحصول عليها ، مع أنه كان ينبغى أن تطلب الحكم لها بتسليمها إليها عيناً ، فإذا تعذر ذلك حق لها المطالبة بقيمتها  . وهذا لا يمنعها من المطالبة من جديد بهذه المنقولات عيناً إذا شاءت " ، فإن هذا الذى قرره الحكم لا عيب فيه ، ذلك بأن ما جاء بصحيفة دعوى الطاعنة من تكليفها المطعون عليه بتسليمها هذه المنقولات لا يعدو أن يكون إنذاراً منها له بذلك لم يقترن بطلب الحكم بتسليمها عيباً ( نقض مدنى 12 يونيه سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 187 ص 1187 )  .

وكالتنفيذ العينى التعويض العينى ، وقد قضت محكمة النقض فى هذا المعنى بأن التعويض العينى عن الفعل الضار هو الأصل ، ولا يصار إلى عوضه أى التعويض النقدى إلا إذا استحال التعويض عيناً  . فإذا رفع المضرور دعواه مطالباً بتعويض نقدى ، وعرض عليه المدعى عليه التعويض عيناً –كرد الشيء المغتصب - وجب قبول ما عرضه ، بل لا تكون المحكمة متجاوزة سلطنها إذا هى أعملت موجب هذا العرض ولو لم يطلب المدعى ذلك أو أصر على ما يطلبه من تعويض نقدى  . وعلى ذلك فإذا استولت جهة الإدارة على عقار دون اتخاذ إجراءات نزع الملكية  . فقاضاها المالك مطالباً بقيمة العقار ، وأبدت الإدارة أثناء سير الدعوى استعدادها أن ترد الأرض المغتصبة ، وقضت المحكمة للمدعى بقيمة الأرض دون أن تعتبر باستعداد المدعى عليه للرد ودون أن تنفى استحالة الرد أو جدية الاستعداد له ، فإن حكمها يكون قد خالف القانون ( نقض مدنى 16 ديسمبر سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 352 ص 682 )  .

( [1398] )         هذا وإذا طلب الدائن التعويض ، فله قبل الحكم أن يعدل عنه إلى طلب التنفيذ العينى إذا كان هذا التنفيذ ممكناً  . وكذلك إذا طلب التنفيذ العينى ، فالمفروض أنه طلب ضمناً التعويض إذا تعذر التنفيذ العينى ، فإذا قضى له فى هذه الحالة بالتعويض فلا يعد هذا قضاء مما لم يطلب الخصم ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 783 – بيدان ولاجارد 8 فقرة 439 ص 319 )  .

( [1399] )         وقد رأينا أن العربون التزام بدلى ، أما الشرط الجزائى –وهو تعويض قدره الطرفان - فليس بالتزام بدلى ولا التزام تخييرى ، شأنه فى ذلك شأن التعويض ( الوسيط جزء أول فقرة 142 ص 264 هامش رقم 1 )  .

( [1400] )         ويترتب على ذلك أن الضمانات التى تكفل الالتزام فى تنفيذه العينى تبقى لتكفل التعويض النقدى عندما يحل محل التنفيذ العينى ( بودرى وبارد 1 فقرة 441 – بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 821 ص 147 وفقرة 873 – دى باج 3 فقرة 98 – الدكتور حسن الذنون فى أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى فقرة 31 – وقارن مازو فى المسئولية 1 فقرة 100  . وأنظر الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 59 ص 79 هامش رقم 1 )  .

وقد جاء فى الموجز للمؤلف فى هذا المعنى ما يأتى : " أن محل الالتزام هو التنفيذ العينى لا التعويض  . وهو ما يجب أن يطالب به الدائن بصفة أصلية  . وهو ما يجب أيضاً أن يعرضه المدين على الدائن إذا أراد براءة ذمته من الدين  . فما دام التنفيذ العينى ممكناً فإن التعويض لا يكون التزاماً تخييرياً ولا التزاماً بدلياً – فإذا أصبح التنفيذ العينى مستحيلا ، وأصبح المدين مسئولا عن التعويض ، فليس معنى ذلك أن الالتزام بالتنفيذ العينى قد انقضى وحل محله التزام جديد بالتعويض  . بل إن التزام المدين واحد لم يتغير ، والذى تغير هو محل الالتزام ، فبعد أن كان تنفيذاً عينياً أصبح تعويضاً ، فتبقى الضمانات التى كانت تكفل التنفيذ العينى كافلة للتعويض ( الموجز فقرة 442 ص 439 )  .

وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " إذا كان تنفيذ الالتزام يدخل فى حدود الإمكان ، فمن حق الدائن أن يستأديه ، ومن حق المدين أن يعرض القيام به  . وليس يجوز العدول عن هذا التنفيذ إلى طريق التعويض إلا بتراضى المتعاقدين  . ذلك أن التعويض لا ينزل من التنفيذ العينى منزلة التزام تخييرى أو التزام بدلى  . فهو ليس موكولا للتخيير ، لأن رخصة العدول عن الوفاء عيناً إلى الوفاء بمقابل غير ثابتة لأى من المتعاقدين ، سواء فى ذلك الدائن أو المدين  . فمن واجب الأول أن يعرض الوفاء عيناً ، ومن واجب الثانى قبول هذا الوفاء  . وهو ليس بالبديل ، لأن المدين لا يملك عرض العوض النقدى بما بق الوفاء العينى ممكناً " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 510 )  .

( [1401] )         وقد رأينا فى تاريخ نص المادة 203 ( أنظر آنفا فقرة 406 فى الهامش ) ، فى المناقشات التى دارت فى لجنة مجلس الشيوخ ، أن " المراد بالإرهاق العنت الشديد ، ولا لزوم للوصف لأن الأمر متروك للقاضى " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 512 )  .

( [1402] )         وفى فرنسا يذهب القضاء إلى جواز الحكم بالتعويض حتى لو كان التنفيذ العينى ممكناً ، إذا تبين من الظروف أن التنفيذ العينى يكون مرهقاً للمدين أو للغير وأن الدائن ينال ترضية كافية بالتعويض ( نقض فرنسى 25 يوليه سنة 1922 سيريه 23 – 1 - 111 – أنظر فى هذا المعنى بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 783 – وقارن بودرى وبارد 1 فقرة 438 )  .

ويمكن إرجاع ذلك إلى نظرية التعسف فى استعمال الحق ، فمن حق الدائن أن يطالب بالتنفيذ العينى ما دام ممكناً ، ولكنه يكون متعسفاً فى هذا الطلب ، فلا يجاب إليه ، إذا تبين من الظروف أن التنفيذ العينى مرهق للمدين أو للغير دون أن تكون هناك فائدة منه تعود على الدائن ( الموجز ص 439 هامش رقم 1 )  .

( [1403] )         سنرى عند الكلام فى الالتزام بالامتناع عن عمل أن تنفيذ هذا الالتزام تنفيذيا عينياً بعد وقوع الإخلال به إنما هو فى الحقيقة تعويض عينى لا تنفيذ عينى  . ولكن التعويض العينى ، فيما نحن بصدده من قاعدة ، لا يختلف عن التنفيذ العينى  .

( [1404] )         وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " وقد استثنى المشروع حالة واحدة من حكم قاعدة عدم جواز العدول إلى طريق التعويض ما بقى التنفيذ العينى ممكناً ، مقتدياً فى ذلك بالتقنين الألمانى  . فأباح للمدين أن يعمد إلى التعويض النقدى إذا كان يصيبه من وراء التنفيذ العينى ضرر فادح لا يتناسب مع ما يحيق بالدائن من جراء التخلف عن الوفاء عينا  . وفى هذه الحالة لا يسوغ للدائن أن يطالب بالتنفيذ العينى ، بل يقتصر حقه على المطالبة بأداء التعويض الواجب له  . وقد تقدمت الإشارة إلى تطبيق هام من تطبيقات هذا الاستثناء ، يعرض عند إقامة المالك بناء خلافاً لما يفرضه عليه التزام أو ارتفاق بعدم البناء ، وهو أمر كثير الوقوع فى مصر  . فمن واجب القاضى فى هذا المقام أن يوازن بين مصالح ذوى الشأن وأن يتحامى تحميل المدين تضحيات جساماً درءاً لضرر طفيف " مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 510 – ص 511 )  .

( [1405] )         استئناف مختلط 3 يونيه سنة 1896 م 8 ص 313 – وقارب : نقض مدنى 22 أبريل سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 51 ص 137  . وقد جاء فى مناقشات لجنة الشيوخ –أنظر تاريخ نص المادة 203 فى فقرة 406 فى الهامش - أن الحكم " مأخوذ مما استقر عليه القضاء ، فإنه بالرغم من عدم وجود هذا النص قد أخذ به وسار عليه ، وفى سبيل ذلك خرج على نصوص التشريع ، فالمشروع لم يأتى بجديد ، بل قنن ما سار عليه القضاء " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 512 – ص 513 )  .

وأنظر أيضاً نصين تشريعين قريبين لأن يكونا تطبيقاً لنفس المبدأ ، هما المادتان 925 و 928  . فقد نصت المادة 925 على ما يأتى : " 1 - إذا كان من أقام المنشآت المشار إليها فى المادة السابقة يعتقد بحسن نية أن له الحق فى إقامتها ، فلا يكون لصاحب الأرض أن يطلب الإزالة ، وإنما يخير بين أن يدفع قيمة المواد وأجرة العمل أو أن يدفع مبلغا يساوى ما زاد فى ثمن الأرض بسبب هذه المنشآت ، هذا ما لم يطلب صاحب المنشآت نزعها  . 2 - إلا أنه إذا كانت المنشآت قد بلغت حداً من الجسامة يرهق صاحب الأرض أن يؤدى ما هو مستحق عنها ، كان له أن يطلب تمليك الأرض لمن أقام المنشآت نظير تعويض عادل "  . ونصت المادة 928 على ما يأتى : " إذا كان مالك الأرض وهو يقيم عليها بناء قد جاز بحسن نية على جزء من الأرض الملاصقة ، جاز للمحكمة إذا رأت محلا لذلك أن تجبر صاحب هذه الأرض على أن ينزل لجاره عن ملكية الجزء المشغول بالبناء وذلك نظير تعويض عادل "  .

( [1406] )         أنظر فى ضرورة الإعذار فى عهد التقنين المدنى السابق : استئناف مختلط 20 مارس سنة 1935 م 47 ص 211 – 28 مارس سنة 1935 م 47 ص 223 – وأنظر فى عدم ضرورة الإعذار فى ذلك العهد أيضاً : استئناف مختلط 30 يناير سنة 1907 م 19 ص 101 – 19 ديسمبر سنة 1917 م 30 ص 97 – 12 أبريل سنة 1922 م 34 ص 330 – ونرى من ذلك ان القضاء كان منقسما فى هذه المسألة فى عهد التقنين المدنى السابق ، أما التقنين المدنى الجديد فقد حسم الخلاف بنص صريح إذا أوجب الإعذار عند المطالبة بالتنفيذ العينى ( م 203 فقرة أولى ) ، ومن ثم لا يلتفت إلى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى مناقضاً لذلك ، فقد جاء فى هذه المذكرة ما يأتى : " لا ضرورة للإعذار إذا كان الدائن يطالب بالوفاء عيناً لا بالوفاء بمقابل " ( مجموعة الأعمال التحضيرية )  .

وأنظر فى ضرورة الإعذار فى جميع الأحوال ، سواء كان الدائن يطالب بالتنفيذ العينى أو بالتعويض عن التأخير أو بالتعويض عن عدم التنفيذ : دى باج 3 فقرة 73 – فقرة 74 – على أننا سنعود إلى الإعذار عند ؟؟؟؟ بالتعويض عن عدم التنفيذ ، فإن الرأى منقسم فى ضرورة الإعذار فى هذه الحالة  .

( [1407] )         تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 280 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد  . ووافقت عليه لجنة المراجعة تحت رقم المادة 210 من المشروع النهائى  . ثم وافق عليه مجلس النواب ، ثم مجلس الشيوخ تحت رقم المادة 204 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 514 – ص 516 )  .

( [1408] )         وهذه ه نصوص التقنين المدنى السابق :

م 91 / 145 : التعهد بإعطاء شيء ينقل ملكيته بمجرد وجود التعهد إذا كان الشيء معيناً ومملوكا للمتعهد – م 92 / 146 : التعهد بإعطاء حق عينى على عقار أو منقول ينقل ذلك الحق بشرط عدم الإخلال بحق الامتياز والرهن العقار والحبس –م 118 / 175 : إذا كان الدين عيناً معينة ، جاز للدائن أن يتحصل على وضع يده عليها متى كانت مملوكة للمدين وقت التعهد أو حدث ملكه لها بعده ولم يكن لأحد حق عينى فيها  . ( وأحكام التقنين المدنى الجديد لا تختلف عن هذه الأحكام )  .

( [1409] )         التقنين المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 205 ( مطابقة لنص المادة 204 من التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى م 247 ( مطابقة لنص المادة 204 من التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 207 ( مطابقة لنص المادة 204 من التقنين المدنى المصرى )  .

تقنين الموجبات والعقود اللبنانى : لا مقابل للنص –ولكن أنظر فى عقد البيع المواد 293 إلى 395 - ولا خلاف فى الأحكام ما بين هذا التقنين والتقنين المدنى المصرى  .

( [1410] )         ويذهب بنكا  . ( Bonnecase ) إلى أنه لا يوجد اليوم ما يمنع من القول بأن العقد ذاته يقنل الملكية دون افتراض التزام موهوم يسبق نقل الملكية ، وينقضى بمجرد أن ينشأ  . ويكفى للوصول إلى هذه النتيجة القول بأن العقد حرك القانون فجعله ينقل الملكية ، وبذلك يكون القانون لا العقد هو الذى رتب الأثر ( أنظر : التصرف القانون فجعله ينقل الملكية ، وبذلك يكون القانون لا العقد هو الذى رتب الأثر ( أنظر : التصرف القانون والواقعة القانونية دروس لقسم الدكتوراه للمؤلف ص 77 )  . على أنه فى بلد تتبع نظام السجل العقارى ( Livre Foncier ) يبرز التمييز بين الالتزام بنقل الملكية ونقل الملكية بالفعل : فالعقد لا ينقل الملكية بنفسه بل يقتصر على إنشاء التزام بنقلها ، أما نقل الملكية بالفعل فلا يتم إلا بتسجيل العقد فى السجل العقارى  . وفى فترة الانتقال التى تجتازها مصر اليوم إلى نظام السجل العقارى يبرز أيضاً هذا الفرق بين الالتزام بنقل الملكية ونقل الملكية بالفعل ، فالعقد ينشئ التزاماً بنقل الملكية ، ولا تنتقل الملكية إلا بالتسجيل  .

( [1411] )         وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " يتفرع على وجوب التنفيذ العينى وجوباً نافياً للتخيير أن الالتزام بنقل حق عينى يترتب عليه انتقال هذا الحق بحكم القانون ، متى كان محل الالتزام شيئا معيناً بالذات  . ومؤدى هذا أن الالتزام بنقل حق عينى ينفذ بمجرد نشوئه ، وأن القانون نفسه هو الذى يتكفل له بترتيب هذا الأثر  . ويجرى هذا الحكم فيما يتعلق بالمنقولات ، دون أن يرد على إطلاقه أى تحفظ أو قيد  . فذا صدر التصرف فى منقول معين بالذات من مالكه ، انتقلت حق المالك فيه إلى المتصرف فور الوقت ، بل ولا تحول دون ذلك قاعدة ( إنزال الحيازة فى المنقول منزلة السند المثبت للملكية ) بالنسبة لأول خلف يدلى إليه المالك بحقه  . وقد يقع أن يدخل المنقول فى يد خلف ثان حسن النية ، تنتقل إليه الحيازة على أثر تصرف ثان يصدر من المالك نفسه بعد أن زالت عنه الملكية بمقتضى التصرف الأول  . وقد تخلص الملكية لهذا الخلف الثانى ، ولكن الملكية لا تؤول إليه بمقتضى التزام بنقل حق عينى ، بل بطريق آخر من طرق كسب الحقوق العينية هو طريق الحيازة  . ومن الجائز أن يقال إن ملكية المنقول قد انتقلت أولا إلى الخلف الأول بمقتضى التزام المالك بنقل حق عينى ، ثم آلت منه إلى الخلف الثانى من طريق الحيازة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 514 – 515 )  .

( [1412] )         نقض مدنى 17 نوفمبر سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 73 ص 143 – 22 ديسمبر سنة 1932 مجموعة عمر 1 رقم 83 ص 154 – 5 يناير سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 91 ص 163 – 4 يونيه سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 374 ص 1150  .

( [1413] )         يذهب الأستاذ شفيق شحاته فى كتابه " النظرية العامة للتأمين العينى سنة 1952 ص 41 – ص 43 " إلى : " أن التأمين العينى باعتباره كذلك ليس مصدره العقد ولا أمر القاضى ، ولا يكون مصدره المباشر نص القانون إلا فى بعض الأحوال الخاصة  . أما المصدر الحقيقى للرهن الرسمى فهو واقعة القيد ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حق الاختصاص والرهن الحيازى العقارى وحقوق الامتياز العقارية الخاصة  . والمصدر المباشر لرهن المنقول هو واقعة التسليم  .  .  . أما العقد فلا يمكن أن يتولد عنه التأمين العينى بما يستوجبه من حق التقدم وحق التتبع ، ذلك أن العقد يقتصر أثره فى الأصل على المتعاقدين ولا يتعداهما ، فى حين أن التأمين العينى يظهر أثره ابتداء فى حق الغير  . ولذلك فهو لا ينشأ إلا عن تلك الواقعة القانونية التى جعلها القانون مصدراً للتأمين العينى  . وليس صحيحاً ما يقال من أن عقد الرهن ينشئ حق الرهن فيما بين المتعاقدين ولا ينشأ عن عقد الرهن  . وهو إذا نشأ كان حتما نافذاً فى حق الغير ، وإلا لما كانت هناك فائدة فى وجوده  . ولذلك نقول إن الرهن مصدره القيد أو التسليم بحسب الأحوال ، لا العقد أم الأمر  . على أن العقد أو الأمر أو نص القانون يعتبر السبب القانونى للقيد أو للتسليم ، ولا يكون القيد أو التسليم منتجا لأثره إلا أن كان مستنداً إلى عقد صحيح أو أمر صادر من القاضى أو نص وارد فى القانون "  .

ونلاحظ على هذا القول ما يأتى :

( أولا ) يذهب الأستاذ شفيق شحاته إلى أن الرهن كحق عينى –لا كعقد - لا يمكن أن يكون له أثر إلا فى حق الغير  . وعندنا أن حق الرهن بهذا الوصف ينتج آثاراً فيما بين المتعاقدين الراهن والمرتهن ، تتلخص فيما نصت عليه المادة 1047 من التقنين المدنى من أنه " يلتزم الراهن بضمان سلامة الرهن  . وللدائن المرتهن أن يعترض على كل عمل أو تقصير يكون من شأنه إنقاص ضمانه إنقاصاً كبيراً ، وله فى حالة الاستعجال أن يتخذ ما يلزم من الوسائل التحفظية وأن يرجع على الراهن بما ينفق فى ذلك "  . هذا إلى ما يقيد حق الرهن من سلطة الراهن فى إيجار العين المرهونة وفى قبض أجرتها مقدماً ( م 1045 – 1046 مدنى )  . وكذلك الأمر فى رهن الحيازة ، فإن الراهن يضمن سلامة الرهن ونفاذه ، وليس له أن يأتى عملا ينقص من قيمة الشيء المرهون أو يحول دون استعمال الدائن لحقوقه المستمدة من العقد ، وللدائن المرتهن فى حالة الاستعجال أن يتخذ على نفقة الراهن كل الوسائل التى تلزم لمحافظة على الشيء المرهون ( م 1101 مدنى )  . بل إن أثر رهن الحيازة –كحق لا كعقد - بالنسبة إلى الدائن المرتهن أوسع مدى ، إذ تنص المادة 1103 من التقنين المدنى على أنه " إذا تسلم الدائن المرتهن الشيء المرهون ، فعليه أن يبذل فى حفظه وصيانته من العناية ما يبذله الشخص المعتاد ، وهو مسئول عن هلاك الشيء أو تلفه ما لم يثبت أن ذلك يرجع لسبب أجنبى لا يدله فيه "  . وليس هذا الالتزام إلا حلقة فى سلسلة من الالتزامات يفرضها القانون على الدائن المرتهن فى استثمار الشيء المرهون وفى إدارته وفى رده بعد استيفاء الحق المضمون بالرهن ( أنظر المواد 1104 – 1107 من التقنين المدنى )  . ولا يجوز القول إن هذه الآثار فيما بين المتعاقدين إنما تترتب على الرهن كعقد لا كحق ، فإن نصوص التقنين المدنى صريحة فى أن للرهن آثاراً يرتبها تارة فيما بين المتعاقدين وأخرى بالنسبة إلى الغير ، ولفظ " الرهن " مستعمل بمعنى الحق لا بمعنى العقد فى الحالتين  .

( ثانيا ) وما دام أن حق الرهن ينتج آثاراً فيما بين المتعاقدين ، وذلك قبل القيد ، فهذا معناه أن حق الرهن قد نشأ قبل إجراء القيد  . فلا يمكن أن يكون القيد هو مصدره ، بل يتعين أن يكون هذا المصدر هو العقد  . وإذا كان الإجماع قد انعقد على أن سبب الملكية إنما هو العقد لا التسجيل ، فأولى إن يقال أن الرهن ينشأ عن العقد لا عن القيد ، إذا الرهن يوجد فيما بين المتعاقدين قبل القيد كما قدمنا أما الملكية فلا تنتقل فيما بين المتعاقدين إلا بالتسجيل  .

( ثالثا ) أما القول بأن القيد وحده هو الذى ينشئ حق الرهن ، فيستتبع حتما القول بأن التسجيل وحده هو الذى ينقل الملكية  . ومن الواضح أن نظام الشهر فى مصر –ولم يتم حتى اليوم إدخال السجل العقارى فى هذا النظام - لا يسمح بهذا القول  . فالملكية عندنا ، إلى أن يدخل نظام السجل العقارى ، تنتقل بالعقد المسجل لا بالتسجيل فى ذاته  .

( أنظر فى ذلك : التصرف القانونى والواقعة القانونية ، دروس فى قسم الدكتوراه للمؤلف ص 127 – ص 129 )  .

( [1414] )         وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " أما العقارات فتحول قواعد التسجيل دون تنفيذ الالتزام بنقل الحق العينى فيها فور الوقت ، ويشفع الالتزام بنقل الحق العينى فى هذه الحالة بالتزام بعمل ، قوامه وجوب اشتراك مالك العقار فى تيسير إجراء التسجيل ، ولاسيما من طريق التصديق على إمضائه  . وعلى هذا النحو يظل تنفيذ الالتزام بنقل الحق العينى على التراضى فترة من الزمن ، وهذه هى علة التفريق فى هذا المقام بين مجرد الالتزام بنقل الملكية وبين انتقالها فعلا " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 515 ) – أنظر أيضاً المذكرة الإيضاحية فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 506  .

 " ويتفرع على ما تقدم –كما تقول المذكرة الإيضاحية - أن للدائن أن يتسلم الشيء المعين بذاته الذى التزم المدين أن يدلى به إليه ، منقولا كان أو عقاراً ، بتوافر شرطين : أولهما أن يكون هذا الشيء مملوكاً للمدين وقت إنشاء الالتزام ، أو أن تكون ملكيته قد آلت إليه بعد ذلك  . والثانى ألا يكون قد ترتب على المعقود عليه حق يعنى لأحد من الأغيار ، كخلف ثانى يجوز منقولا بحسن نية أو مشتر آخر آل إليه عقار بمقتضى عقد سبق تسجيله  . وقد نص على هذا الحكم فى المادة 118 / 175 من التقنين الحالى ( السابق )  . ولم ير المشروع محلا للتنويه به ، باعتبار أنه يستخلص من دلالة ما تقدم من القواعد العامة " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 515 )  .

( [1415] )         تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 281 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد  . ووافقت عليه لجنة المراجعة تحت رقم المادة 211 من المشروع النهائى  . ثم وافق عليه مجلس النواب ، ثم مجلس الشيوخ تحت رقم 205 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 517 – ص 518 )  .

( [1416] )         التقنين المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 206 ( مطابقة لنص المادة 205 من التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى م 248 ( مطابقة لنص المادة 205 من التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 208 ( مطابقة لنص المادة 205 من التقنين المدنى المصرى )  .

تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م 250 : ولا ترعى هذه القاعدة ( الوفاء عينا ) فى موجبات الأداء فقط ، بل فى موجبات الفعل وموجبات الامتناع أيضاً  . ويحق للدائن أن يطلب من المحكمة الترخيص له فى أن ينفذ بنفسه موجب الفعل على حساب المديون  . ( والحكم لا يختلف فى التقنين اللبنانى عنه فى التقنين المصرى )  .

( [1417] )         أو المقدر فى الحكم فى حالة التعويض عن المسئولية التقصيرية أو الإثراء بلا سبب أو الالتزامات القانونية  .

( [1418] )         الوسيط جزء أول فقرة 224 – فقرة 226 – قارن : نقض مدنى 9 ديسمبر سنة 1954 مجموعة أحكام النقض 6 رقم 31 ص 244  .

( [1419] )         أنظر قريباً من هذا المعنى ديموج 6 فقرة 9  .

( [1420] )         وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " إذا كان محل الالتزام بنقل حق عينى شيئاً معيناً بنوعه ، فلا يتيسر التنفيذ عيناً إلا بفرز المعقول عليه  . وللدائن أن يطالب بالتنفيذ على هذا الوجه ولو امتنع المدين عن ذلك ، ويكون من واجب الدائن أن يعذر المدين فى هذه الحالة ليثبت عليه امتناعه ، ثم يحصل على شيء من النوع ذاته على نفقة المدين ، بعد استئذان القاضى أو دون استئذانه عند الاستعجال  . وللدائن كذلك أن يتخذ من الامتناع عن التنفيذ عيناً ذريعة للمطالبة بتعويض نقدى يعادل قيمة الشيء  . ولا يكون أساس هذه المطالبة استحالة التنفيذ ، وإنما يكون أساسها استيفاء الدائن للتعويض دون ممانعة م المدين ، ذلك أن من حق المدين أن يؤدى عين المعقود عليه لا قيمته  . وللدائن فى كلتا الحالتين ، حالة الوفاء عيناً وحالة الوفاء بمقابل ، أن يقتضى فوق ذلك ما يجب له من تعويض عن التأخر فى التنفيذ " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 517 )  . وأنظر أيضاً المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 506  .

( [1421] )         الوسيط جزء أول ص 659 هامش رقم 1  .

( [1422] )         ولا يقال إن الالتزام بعدم الإضرار بالغير التزام بالامتناع عن عمل وهو فى الوقت ذاته التزام ببذل عناية وليس التزاماً بتحقيق غاية ، فالصحيح أن هذا الالتزام لسي التزاماً بالامتناع عن الإضرار بالغير ، بل هو التزام باتخاذ الحيطة الواجبة لعدم الإضرار بالغير  . فهو التزام بعمل ، وليس التزاماً عن عمل ، ومن ثم صح أن يكون التزاماً ببذل عناية  .

( [1423] )         تاريخ النص : سبق أن استعرضنا تاريخ هذا النص ( أنظر الوسيط الجزء الأول ص 658 هامش رقم 1 )  .

( [1424] )         التقنين المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 212 ( مطابقة لنص المادة 211 التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى م 251 ( تتفق فى الحكم مع المادة 211 من التقنين المدنى المصرى ، وإن اختلفت اختلافاً طفيفاً فى الصيغة )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 214 ( مطابقة لنص المادة 211 من التقنين المدنى المصرى )  .

( [1425] )         إذا كان لا يوجد مقابل لهذا النص فى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى ، فلسنا نرى مانعاً ، والتقنين اللبنانى يستقى مبادئه العامة من نفس المصادر التى يستقى منها التقنين المصرى ، من سريان هذا الحكم كمبدأ عام من مبادئ التقنين اللبنانى ( أنظر فى تطبيقات خاصة لهذا المبدأ : م 568 لبنانى فى عقد الإيجار – م 696 فى عقد الوديعة – م 722 فى الحراسة – م 746 – 748 فى عقد العارية – م 785 – 786 فى عقد الوكالة )  .

( [1426] )         تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 282 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد ووافقت عليه لجنة المراجعة تحت رقم 212 من المشروع النهائى ، ثم مجلس النواب ، ثم مجلس الشيوخ تحت رقم 206 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 519 – ص 520 )  .

( [1427] )         التقنين المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 207 ( مطابقة للمادة 206 من التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 209 ( مطابقة للمادة 206 من التقنين المدنى المصرى )  .

( [1428] )         ولكن يعمل بهذا الحكم فى كل من التقنينيين العراقى واللبنانى ، تطبيقاً للمبادئ العامة  .

( [1429] )         أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 507 – ص 508  .

( [1430] )         الوسيط جزء أول فقرة 428 – فقرة 429 وفقرة 440  .

( [1431] )         تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 284 من المشروع التمهيدى على وجه يكاد يكون مطابقاً لما استقر عليه فى التقنين الجديد  . وفى لجنة المراجعة أدخلت بعض تعديلات لفظية ، وأصبح رقم المادة 213 فى المشروع النهائى  . ووافق عليها مجلس النواب  . وفى لجنة مجلس الشيوخ أدخلت بعض تعديلات لفظية أخرى ، وذكر أن المقصود بالهلاك والضياع المشار إليهما فى الفقرة الثالثة " الهلاك الكلى أو الجزئى وضياع نفس مادة الشيء أو عدم صلاحيته للغرض المطلوب ولو كان يصلح لغرض آخر "  . وأصبح النص مطابقاً وصار رقمه 207  . ووافق عليه مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 521 و ص 523 – ص 524 )  .

( [1432] )         التقنين المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 208 ( مطابقة لنص المادة 107 من التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 210 ( مطابقة لنص المادة 207 من التقنين المدنى المصرى )  .

( [1433] )         أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 506  .

( [1434] )         أما التقنين المدنى الفرنسى ( م 1138 و م 1624 ) ، فالهلاك على المشترى حتى قبل التسليم ، إذ أن الهلاك على المالك ( res perit domino ) ، سواء كان الالتزام بالتسليم مستقلا أو تبعياً ، وقد أصبح المشترى بالبيع مالكا ، فيحمل تبعة الهلاك حتى قبل أن يتسلم المبيع  . أنظر فى أن الهلاك فى القانون الفرنسى لا يكون عليه بل يكون على البائع : بودرى وبارد 1 فقرة 423 – فقرة 424  .

( [1435] )         وكان التقنين المدنى السابق يجعل تبعة هلاك الحصة ، إذا كانت عيناً معينة ، على الشركة حتى قبل التسليم ، فقد كانت المادة 424 / 516 من هذا التقنين تنص على أنه " إذا كانت حصة الشريك فى رأس المال حق ملكية فى عين معينى أو حق انتفاع فيها ، انتقل الحق فى ذلك بمجرد عقد الشركة لجميع الشركاء ، وكان عليهم تلفه "  . وكان هذا الحكم فى التقنين المدنى السابق مخالفاً لمبدئه العام الذى كان يجعل الهلاك على المدين بالتسليم لا على المالك كما رأينا فى البيع  . وقد أزال التقنين المدنى الجديد هذا التعارض ، وجعل الهلاك بالتسليم دائماً ما دام الالتزام بتسليم التزاماً تبعياً التزام بنقل الملكية ، يستوى فى ذلك البيع والشركة كما رأينا  .

( [1436] )         كذلك إذا هلكت العين المؤجرة قبل تسليمها للمستأجر ، فإن الهلاك يكون على المؤجر ، وهو هنا المدين بالتسليم ، ولكنه هو المالك للعين فيحمل تبعة الهلاك كما قدمنا ( قارب م 564 – 565 مدنى )  .

( [1437] )         أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 522 – وقد كان المشروع التمهيدى يتضمن نصاً ( م 283 من المشروع ) يقضى بهذا الحكم على الوجه الآتى : " فى الالتزام بنقل حق عينى ، إذا هلك الشيء أو ضاع أو خرج عن التعامل لسبب أجنبى لا يد للمدين فيه ، التزم المدين أن يتنازل للدائن عما قد يكون له من حق أو دعوى فى التعويض عن هذا الشيء " وقد حذف هذا النص فى لجنة المراجعة ، لأن الحكم الوارد فيه حكم تفصيلى يكفى فيه تطبيق القواعد العامة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 519 هامش رقم 1 )  .

( [1438] )         مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 522  .

( [1439] )         أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 507  .

( [1440] )         تاريخ النصوص :

م 208 : رد هذا النص فى المادة 285 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد  . ووافقت عليه لجنة المراجعة ، وأصبح رقمه 214 فى المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب ، ثم مجلس الشيوخ تحت رقم 208 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 525 – 526 )  .

م 209 : ورد هذا النص فى المادة 286 من المشروع التمهيدى بزيادة عبارة " ولم يكن ضرورياً أن ينفذ بنفسه " فى الفقرة الأولى  . ووافقت عليه لجنة المراجعة ، وأصبح رقمه 215 فى المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب  . وفى لجنة مجلس الشيوخ حذفت عبارة " ولم يكن ضرورياً أن ينفذه بنفسه " من الفقرة الأولى ، لأن الدائن هو صاحب المصلحة فيجب أن يترك له التقدير فيما إذا كان المدين يجب عليه أن ينفذ الالتزام بنفسه أم لا ، وأصبح رقم المادة 209  . ووافق عليها مجلس الشيوخ كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 527 – ص 528 )  .

م 210 : ورد هذا النص فى المادة 287 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " 1 - فى الالتزام بعمل ، يقوم حكم القاضى مقام التنفيذ إذا سمحت طبيعة الالتزام بذلك  . 2 - ويكون الأمر كذلك بوجه خاص إذا كان المدين ملزماً أن يقوم بإجراء يقتضيه تنفيذ التصرف "  . وفى لجنة المراجعة أدخل تعديل لفظة طفيف ، وأصبح رقم المادة 216 فى المشروع النهائى  . ووافق مجلس النواب على النص  . وفى لجنة مجلس الشيوخ حذفت الفقرة الثانية لأنها تتضمن حكماً تطبيقياً لا حاجة إلى إفراد نص خاص به ، وأصبح رقم المادة 210 ، ووافق عليها مجلس الشيوخ كما ؟؟؟لتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 529 – ص 531 )  .

( [1441] )         وقد كانت المادة 159 / 222 من التقنين المدنى السابق تجرى على الوجه الآتى : " لا يجوز الوفاء إلا من المتعهد ما دام يظهر من كيفية التعهد أن مصلحة المتعهد له تستدعى ذلك "  . وكانت الفقرة الثانية من المادة 117 / 174 تجرى على الوجه الآتى : " ومع ذلك يجوز للدائن أن يتحصل على الإذن من المحكمة بعمل ما تعهد به المدين أو بإزالة ما فعله مخالفاً لتعهده مع إلزامه بالمصاريف ، وهذا وذاك مع مراعاة الأمكان بحسب الأحوال "  .

( [1442] )         التقنين المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 209 - 211 ( مطابقة المواد 208 – 210 من التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى : م 249 ( مطابقة للمادة 208 من التقنين المدنى المصرى ) – م 250 ( مطابقة للمادة 209 من التقنين المدنى المصرى )  . ولا مقابل للمادة 210 من التقنين المدنى المصرى ، ولكن حكمها جائز التطبيق فى القانون العراقى  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 211 - 213 ( مطابقة للمواد 208 - 210 من التقنين المدنى المصرى )  .

تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م 250 : 1 - ولا تراعى هذه القاعدة ( الوفاء عيناً ) فى موجبات الأداء فقط ، بل فى موجبات الفعل وموجبات الامتناع أيضاً  . 2 - ويحق للدائن أن يطلب من المحكمة الترخيص له فى أن ينفذ بنفسه موجب العمل على حساب المديون "  . وتتفق أحكام التقنين اللبنانى مع أحكام التقنين المصرى رغم اختلاف العبارة  .

( [1443] )         وقد سبقت الإشارة إلى ذلك فى تاريخ نص المادة 209 ( أنظر آنفا فقرة 433 فى الهامش )  .

( [1444] )         ذلك أن الدائن عليه أن يتوخى أيسر الطرق كلفة وأقلها نفقة فى تنفيذ التزام المدين  . بل عليه أن يتعاون مع المدين عند نشوء الالتزام إلى أن ينقضى  . يتعاون مع المدين عند نشوء الالتزام ، وبخاصة إذا كان المعقود عليه يقتضى خبرة فنية توافرت عند الدائن دون المدين ، كعقود التأمين التى تبرم بين شركات التأمين ، وهى شركات فنية ، وعملائها ، وكثير منهم تنقصه الخبرة اللازمة ، فلا يكفى أن يمتنع الدائن فى مثل هذه الأحوال عن تضليل المدين ، بل يجب عليه أيضاً أن يرشده ويبصره بما هو مقدم عليه من شؤون التعاقد  . ويتعاون الدائن مع المدين عند تنفيذ الالتزام  . فعلى المستأجر مثلا أن يبادر إلى إخطار المؤجر بكل أمر يستوجب تدخله ، كأن تحتاج العين إلى ترميمات مستعجلة ، أو ينكشف عيب بها ، أو يقع اغتصاب عليها ، أو يعتدى أجنبى بالتعرض لها ، أو بإحداث ضرر بها ( م 585 مدنى )  . وإذا لم يخطر المشترى البائع بدعوى الاستحقاق المرفوعة عليه فى الوقت الملائم ، وصدر عليه حكم حاز قوة الأمر المقضى ، فقد حقه فى الرجوع بالضمان إذا أثبت البائع أن تدخله فى الدعوى كان يؤدى إلى رفض دعوى الاستحقاق ( م 440 فقرة 3 مدنى )  . وإذا ثبت أثناء سير العمل أن المقاول يقوم به على وجه معيب أو مناف للعقد ، أنذره رب العمل بأن يعدل عن طريق التنفيذ خلال أجل ؟؟؟؟ يعينه له ( م 650 فقرة أولى مدنى )  . وفى حالة انتهاء الوكالة بموت الوكيل يجب على ورثته ، إذا توافرت فيهم الأهلية وكانوا على علم بالوكالة ، أن يبادروا إلى إخطار الموكل بموت مورثهم وأن يتخذوا من التدبيرات ما تقتضيه الحال لصالح الموكل ( م 717 فقرة 2 مدنى )  . وإذا تعاقد المؤلف مع الناشر ، وجب على المؤلف أن ييسر للناش تنفيذ التزاماته بأن يسلمه الأصول فى الوقت المناسب وأن يقوم بتصحيح التجارب ( البروفات ) دون إبطاء  . وكما يجب على الدائن معاونة المدين لييسر له تنفيذ التزاماته ، كذلك يجب على المدين أن يخضع لرقابة الدائن حتى يستوثق هذا من دق تنفيذ الالتزام  . فإذا نص فى العقد مثلا على أن يكون للعامل فوق الأجر المتفق عليه أو بدلا منه حق فى جزء من أرباح رب العمل ، أو فى نسبة مئوية من جملة الإيراد أو من مقدار الإنتاج أو من قيمة ما يتحقق من وفر أو ما شاكل ذلك ، وجب على رب العمل أن يقدم إلى العامل بعد كل جرد بياناً بما يستحقه من ذلك  . ويجب على رب العمل فوق هذا أن يقدم إلى العامل ، أو إلى شخص موثوق به يعينه ذوو الشأن أو يعينه القاضى ، المعلومات الضرورية للتحقق من صحة هذا البيان ، وأن يأذن له فى ذلك بالإطلاع على دفاترة ( م 691 مدنى )  . ( أنظر فى مبدأ التعاون بين الدائن والمدين وتطبيقات هذا المبدأ وفى رقابة الدائن على المدين ديموج 6 فقرة 12 – فقرة 30 )  .

( [1445] )         وفى هذا تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى : " إذا كان الالتزام الواجب تنفيذه التزاماً بعمل ، فينبغى التفريق بين حالة ضرورة قيام المدين نفسه بالوفاء وحالة انتفاء هذه الضرورة  . ففى الحالة الأول يتعين على المدين أن يتولى أداء ما التزم به شخصياً كما إذا كان ممثلا أو مغنيا أو مصوراً ، فإن امتنع عن ذلك كان للدائن أن يلجأ للغرامات التهديدية أو التعويض النقدى عند عدم اشتراط جزاء " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 527 )  .

( [1446] )         الوسيط جزء أول فقرة 139  .

( [1447] )         الوسيط جزء أول فقرة 135 – وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " يقوم حكم القاضى مقام التنفيذ العينى أحياناً ، رغم ضرورة وفاء المدين نفسه بما التزم به  . فإذا امتنع البائع مثلا عن التصديق على إمضائه فى عقد البيع ، فلم يتيسر التسجيل ، جاز للمشترى أن يستصدر حكماً بصحة التعاقد ، فيكون هذا الحكم بنزلة العقد ، وتنتقل ملكية العقار المبيع بمقتضاه عند تسجيله  . وكذلك إذا وعد شخص بإبرام عقد وامتنع عن الوفاء بوعده ، جاز لمحكمة أن تحدد له ميعاداً للتنفيذ ، فإذا لم يقم بالوفاء فى خلال هذا الميعاد ، حل حكم القضاء محل العقد المقصود إبرامه  . ففى كل من هذين التطبيقين يقوم الحكم مقام التنفيذ العينى ويغنى عنه ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 529 – ص 530 )  . أنظر أيضاً المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 507  .

وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا وعد شخص بضمان المقترض وامتنع عن تنفيذ وعده ، جاز للمقرض أن يستصدر حكماً ضد الواعد يقوم مقام الضمان ( 15 نوفمبر سنة 1899 م 12 ص 10 ) ، وقضت أيضاً بأنه إذا امتنع البائع عن إمضاء عقد البيع النهائى ، فالحكم يقوم مقام العقد النهائى ويسجل فتنتقل الملكية ( 7 فبراير سنة 1928 م 40 ص 186 ) – وأنظر أيضاً : استئناف مختلط 11 يناير سنة 1917 جازيت 7 رقم 57 ص 167  .

( [1448] )         تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 289 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " إذا التزم المدين بالامتناع عن عمل ، وأخل بهذا الالتزام ، جاز للدائن أن يطلب إزالة ما وقع مخالفاً للالتزام  . وله أن يطلب من القضاء ترخيصاً فى أن يقوم بهذه الإزالة على نفقة المدين وفى حالة الاستعجال يكون له أن يزيل المخالفة دون ترخيص "  . وفى لجنة المراجعة حذفت العبارة الأخيرة " وفى حالة الاستعجال  .  .  . " لأن هذا الحكم قد يوقع فى اضطراب يحسن تجنبه ، وأصبح رقم 212 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 534 – ص 536 )  .

( [1449] )         كانت الفقرة الثانية : " ومع ذلك يجوز للدائن أن يتحصل على الإذن من المحكمة بعمل ما تعهد به المدين أو بإزالة ما فعله مخالفاً لتعهده مع إلزامه بالمصاريف ، وهذا وذاك مع مراعاة الإمكان بحسب الحوال "  .

( [1450] )         التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 213 ( مطابقة للمادة 212 من التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى م 252 : إذا التزم المدين بالامتناع عن عمل ، وأخل بهذا الالتزام ، جاز للدائن أن يطلب إزالة ما وقع مخالفاً للالتزام مع التعويض إذا كان له محل  . ( ولم يرد فى نص التقنين العراقى أن يطلب الدائن من القضاء ترخيصاً فى أن يقوم بهذه الإزالة على نفقة المدين ، ولكن ليس فى المبادئ العامة للتقنين العراقى ما يمنع من هذا الطلب )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 250 فقرة 3 : كما يحق له أن يطلب إزالة ما أجرى خلافا لموجب الامتناع ، وذلك على حساب الديون  . ( ولا فرق فى الحكم بين التقنينيين اللبنانى والمصرى )  .

( [1451] )         أنظر آنفاً فقرة 424 فى الهامش  .

( [1452] )         هذا إذا كان العمل الممنوع عملا واحداً لا يتكرر  . أما إذا كان عملا يتكرر ، فللقاضى أن يدير باتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع تكرار الإخلال بالالتزام ، إذا كان هذا ممكناً  . وفى هذه الحالة يكون المنع تنفيذاً عينيا للالتزام عن المستقبل ( ديموج 6 فقرة 145 ص 152 )  .

( [1453] )         وليس من الضرورى أن يجيب القاضى الدائن إلى طلبه ، بل للقاضى سلطة التقدير ، تقديرى من المناسب الاقتصار على الحكم بتعويض نقدى ( أنظر فى هذه المعنى ديموج 6 فقرة 146 ص 155 )  .

( [1454] )         أنظر آنفاً ، فى تاريخ نص المادة 212 ، فقرة 438 فى الهامش  .

( [1455] )         وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " إذا التزم المدين بالامتناع عن عمل ، فمجرد إخلاله بالتزامه يرتب مسئوليته ، ويكون بذلك ملزماً بأداء تعويض نقدى  . وقد يكون الوفاء العينى ( اقرأ التعويض العينى ) ممكناً من طريق إزالة ما استحدث إخلالا بالالتزام ، وفى هذه الحالة يكون للدائن أن يستصدر إذناً من القضاء بأن يقوم بهذه الإزالة على نفقة المدين  . وأخيراً تحسن الإشارة إلى أمرين : أولهما جواز الجمع بين التنفيذ ( التعويض ) العينى والتعويض النقدى عند أول إخلال يقع من المدين  . والثانى جواز العدول عن التنفيذ ( التعويض ) العينى ولو كان ممكناً والاكتفاء بالتعويض النقدى وفقاً لأحكام الفقرة الثانية من المادة 279 ( م 203 فقرة 2 مدنى ) إذا كان يصيب المدين من جراء التنفيذ على هذا الوجه ضرر فادح " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 535 )  . أنظر أيضاً المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 508  .

( [1456] ) كان الحبس يجوز فى بعض الديون المدنية التى تتسم بطابع الغش ، وفى جميع الديون التجارية إذا بلغ الدين مائتين من الفرنكات ( قانون 15 جرمنيال السنة السادسة للثورة وقانون 17 أبريل سنة 1832 ) ، وفى المواد الجنائية  . وكان أ÷م غرض يتوخى من الإكراه البدنى هو الضغط على المدين القادر على الوفاء بدينه حتى يخرج ما أخفى من ماله ، أو على كل حال حتى يعاونه أهله على الوفاء بدينه  .

( [1457] ) وذلك فى الغرامة ( amende ) والرد ( restitution ) والتعويضات ( dommages - interets ) والمصروفات ( frais )  . فكل تعويض عن جريمة يجوز حبس المدين للوفاء به ، حتى لو كانت المحكمة التى قضت بالتعويض هى محكمة مدنية ، بشرط أن يصدر حكم بإدانة المدين من محكمة جنائية ( كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 307 )  .

( [1458] ) الموجز للمؤلف فقرة 436 - أما فى الفقه الإسلامى – فى المذهب الحنفى – فيرى أبو حنيفة عدم جواز بيع مال المدين عليه وفاء لديونه ، لأن فى البيع الجبرى إهداراً لآدميته ، ولكن يحبس المدين فى الدين على سبيل التعزيز  . ويرى الصاحبان بيع مال المدين عليه ، وقولهما هو المفتى به فى المذهب  . راجع فى حبس المدين فى الدين فى القانون اللبنانى الدكتور صبحى المحمصانى فى آثار الالتزام فى القانون اللبنانى ص 53 - ص 54  .

( [1459] ) انظر فى الإكراه البدنى فى المواد الجنائية الأستاذ على زكى العرابى فى المبادئ الأساسية للإجراءات الجنائية جزء 2 فقرة 938 - فقرة 974  .

( [1460] )مراجع : ماسان ( Massin ) فى التنفيذ الجبرى للالتزام بعمل والالتزام بالامتناع عن عمل رسالة من باريس سنة 1893 - كرواسان ( Croissant ) فى التهديد المالى رسالة من باريس سنة 1898 - تيرلان ( Turlan ) فى التهديد المالى رسالة من تولوز سنة 1925 - جليز ( Gleizes ) فى التهديد المالى سالة من مونبيلييه سنة 1935 - كينيو ( Cuneo ) فى التهديد المالى رسالة من باريس سنة 1950 - كايزر ( Kayser ) مقال فى المجلة التفصيلية للقانون المدنى سنة 1953 ص 209 وما بعدها  .

( [1461] ) تاريخ النصوص :

م 213 : ورد هذا النص فى المادتين 290 و 291 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد  . ووافقت عليهما لجنة المراجعة تحت رقمى 219 و 220 من المشروع النهائى  . ووافق عليهما مجلس النواب  . وفى لجنة مجلس الشيوخ أدمجت المادتان فى مادة واحدة وأصبح رقمها 213 ، وفسرت عبارة " غير ملائم " بالممثل الذى التزم بعدم التمثيل على مسرح آخر ثم أخل بالتزامه ، فالتنفيذ العينى هنا ممكن ولكنه غير ملائم  . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 536 - ص 538 )  .

م 214 : ورد هذا النص فى المادة 292 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد فيما عدا أن المشروع التمهيدى اشتمل على لفظ " نهائياً " بعد عبارة " حدد القاضى " ، واستعمل لفظ " التعنت " بدلاً من لفظ " العنت "  . وأقرت لجنة المراجعة المشروع التمهيدى بعد حذف لفظ " نهائياً "  . وقد سأل أحد الأعضاء فى اللجنة هل الحكم بالغرامة التهديدية يكون قابلاً للتنفيذ إذا كان صادراً من محكمة آخر درجة أو كان الحكم الأصلى مشمولاً بالنفاذ المعجل؟ وبعد المناقشة استقر رأى اللجنة على أن الحكم بالغرامة التهديدية لا يكون قابلاً للتنفيذ إلا بعد أن يحدد القاضى نهائياً قيمة التعويض وأن فائدة الحكم بالغرامة التهديدية بالنسبة إلى الحكم بالتعويض العادة تنحصر فى أن التحديد النهائى للتعويض فى حالة الغرامة التهديدية يلحظ فيه التعنت الذى يبدو من المدين ، هذا إلى أنه إذا أصر المدين على رفض التنفيذ كان هذا كافياً ليحدد القاضى نهائياً مقدار التعويض  . وأصبح رقم المادة هو 221 فى المشروع النهائى  . ووافق عليها مجلس النواب ، وكذلك لجنة مجلس الشيوخ بعد استبدال لفظ " العنت " بلفظ " التعنت " ، وأصبح رقم المادة 214  . ووافق عليها مجلس الشيوخ كما أقرتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 539 - ص 541 )  .

( [1462] ) وكان القضاء المصرى فى عهد التقنين السابق – كالقضاء الفرنسى حتى الآن – يجرى أحكام التهديد المالى دون نص تشريعى  . وعانى القضاء المصرى ، كما يعانى القضاء الفرنسى ، فى سبيل التماس سند تشريعى لم يكن موجوداً  . فقنن التقنين المدنى الجديد هذا القضاء فى النصوص التى تقدم ذكرها ، فارتكز نظام التهديد المالى فى التقنين الجديد على أساس تشريعى واضح  . وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " من المعلوم أن القضاء المصرى كثيراً ما عانى فى سيل التماس سند من التشريع لنظام الغرامات التهديدية  . وإزاء تلك عمد المشروع إلى إقرار هذا النظام إقراراً تشريعياً ، فاختصه بمواد ثلاث ، ليست فى حقيقتها إلا تقنيناً لما انتهى إليه القضاء فى هذا الشأن  . ويقصد من أعمال نظام الغرامات التهديدية إلى حمل المدين على الوفاء عيناً بالتزام يمتنع تنفيذه بغير تدخله شخصياً ، فإذا امتنع المدين عن الوفاء بمثل هذا الالتزام ، حكم القاضى عليه بغرامة تهديدية ليثنيه عن عناده ، وعلى أن يعيد النظر فى حكمه عندما يستبين ما استقر عليه رأى المدين  . ويعتبر القاضى فى تقدير التعويض النهائى بما يكون من أمر ممانعة المدين فى التنفيذ تعنتاً وعناداً من غير مقتض " ( مجموعة العمال التحضيرية 2 ص 508 )  .

وتقول المذكرة الإيضاحية أيضاً فى موضع آخر : " لعل أهم ما عيب على نظام الغرامات التهديدية ، فى وضعه الراهن أنه لا يستند إلى نص من نصوص التشريع ، بل هو وليد اجتهاد القضاء  . وقد قصد المشروع إلى تدارك هذا العيب ، فأورد هذه المواد الثلاث باعتبارها سنداً تشريعياً يركن إليه عند التطبيق ، وهى بعد ليست إلا تقنيناً لما جرى عليه القضاء من قبل ، ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 539 )  .

( [1463] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 214 - 215 ( مطابقتان لنص المادتين 213 و 214 من التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى م 253 ( مطابقة فى احكم للمادة 213 من التقنين المصرى ، إلا أن المادة 253 من التقنين العراقى لم تورد الفقرة الثانية من المادة 213 من التقنين المصرى التى تجيز للقاضى أن يزيد فى الغرامة كلما رأى داعياً للزيادة – ولكن لا يوجد ما يمنع القاضى العراقى من زيادة الغرامة التهديدية إن رأى داعياً لذلك ، فإن هذه هى طبيعة الغرامة التهديدية بالرغم من عدم ورود نص فى هذا الشأن : انظر الدكتور حسن الذنون فى أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى فقرة 28 ص 24 - ويذهب الدكتور الذنون إلى أن وسيلة التهديد المالى لا تنسجم مع روح القانون ولا مع قواعد العدالة انظر ص 25 )  .

م 254 ( مطابقة فى الحكم للمادة 214 من التقنين المصرى ، وتكاد تكون مطابقة لها فى اللفظ أيضاً )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 216 - 217 ( مطابقتان للمادتين 213 - 214 من التقنين المدنى المصرى )  .

تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م 251 : غير أنه لا يمكن تطبيق هذه المعاملة ( التنفيذ العينى ) على الموجبات التى يستلزم إيفاؤها عيناً قيام المديون نفسه بالعمل  . فيحق للدائن حينئذ أن يطلب الحكم على المديون بغرامة عن كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر يتأخر فيه أو كل نكول يرتكبه ، رغبة فى إكراه المديون المتمرد وإخراجه من الجمود  . وبعد تنفيذ الموجب عيناً يحق للمحكمة أن تعفى من الغرامة أو أن تبقى منها ما يعوض الدائن من الضرر الذى لحقه بسبب الامتناع غير المشروع الذى بدا من المديون  . ( والحكم واحد فى التقنين اللبنانى والتقنين المصرى رغم اختلاف العبارة – ويقول الأستاذ صبحى المحمصانى فى كتابه آثار الالتزام فى القانون المدنى اللبنانى ص 7 أن الفقرة الثانية من المادة 213 مصرى " زيادة الغرامة التهديدية إذا وجد داع للزيادة " وإن لم ترد صراحة فى القانون اللبنانى ، إلا أنها تدخل دلالة فى معنى الغرامة التهديدية التى هى بطبعها حكم موقوت تتوقف نتيجته على موقف المدين النهائى إزاء التنفيذ العينى المطلوب ، لذلك كانت الغرامة قابلة للتعديل بحسب ما يراه القاضى ضرورياً لتنفيذ الغاية المقصودة ، وهى إكراه المدين على التنفيذ العينى فى التزام العملى )  .

( [1464] ) الموجز للمؤلف فقرة 438 - وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى : " وتسرى قواعد الغرامات التهديدية على كل التزام بعمل أو بامتناع عن عمل ، أياً كان مصدره ، متى كان الوفاء به عيناً لا يزال فى حدود الإمكان ، وكان هذا الوفاء يقتضى تدخل المدين نفسه  . والغرامة التهديدية هى مبلغ من المال يقضى بإلزام المدين بأدائه عن كل يوم أو أسبوع أو شهر أو أية فترة معينة من الزمن ، أو عن كل إخلال يرد على الالتزام  . ويقصد من هذه الغرامة إلى التغلب على ممانعة المدين المتخلف ، ولهذا أجيز للقاضى أن يزيد فيها إزاء تلك الممانعة كلما آنس أن ذلك أكفل بتحقيق الغرض المقصود ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 540 )  .

ويلاحظ أن التهديد المالى يرمى إلى حمل المدين على التنفيذ العينى إذا كان التزامه التزاماً بعمل ، وإلى حمله على التعويض العينى إذا كان التزامه بالامتناع عن عمل وأخل بهذه الالتزام ، ويستوى فى هذا الصدد ، من الناحية العملية ، التنفيذ العينى والتعويض العينى ، ومن ثم لا ترمى بأساً من إطلاق عبارة " التنفيذ العينى " على كل من التنفيذ العينى والتعويض العينى  .

( [1465] ) فإن كان الالتزام التزاماً بالامتناع عن عمل وأخل به المدين ، فيشترط أن يكون التعويض العينى عن الإخلال بالالتزام لا يزال ممكناً  . وقد تقدم أن التعويض العينى يعدل التنفيذ العينى فى هذا الصدد ، وأن عبارة " التنفيذ العينى " قد يقصد بها التعويض العينى  .

( [1466] ) ديموج 6 فقرة 509 ص 545 - ص 546 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 788 ص 100 - كذلك لا يحكم بغرامة تهديدية على متهم لإجباره على أن يذكر أسماء شركائه ، إذ لا يوجد عليه التزام قانونى بذلك ( كايزر فى المجلة الفصلية للقانون المدنى سنة 1953 ص 220 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 54 ص 72 - ومع ذلك انظر بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 788 ص 99 ) - هذا ويجوز أن يكون المدين الذى يحكم عليه بغرامة تهديدية هو الدولة ذاتها كمصلحة التليفونات ، أو شخص من أشخاص القانون العام كإحدى الجامعات أو أحد المجالس البلدية  . ( انظر؟؟؟؟؟؟ ( Zrejaville ) فى أنسيكلوبيدى داللوز 1 لفظ Astreinte فقرة 34 )  .

( [1467] ) فإذا كان هناك التزام بتقديم مستندات مثلاً ، وثبت أن هذه المستندات قد أعدمت ، فلا محل للحكم بغرامة تهديدية ، وإنما يقضى بالتعويض إذا توافرت شروطه  . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلط بأنه لا محل للحمك بتهديد مالى إذا أصبح التنفيذ العينى مستحيلاً ببيع العين المرفوع بشأنها دعوى الاستحقاق ( 19 فبراير سنة 1930 م 42 ص 304 )  .

( [1468] ) فإن أمكن التنفيذ العينى دون تدخل المدين الشخصى ، فلا محل للالتجاء إلى التهديد المالى : استئناف مختلط 24 أبريل سنة 1913 م 25 ص 330 - 30 ديسمبر سنة 1915 م 28 ص 85 - 21 مارس سنة 1918 جازيت 8 رقم 230 ص 255 - 14 ديسمبر سنة 1922 م 35 ص 109 - أول مارس سنة 1928 م 40 ص 216  .

( [1469] ) قارن بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 788 ص 898 - وانظر ديموج 6 فقرة 509 ص 546  .

( [1470] ) بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 788 ص 98 - مثل ذلك أن يكون الشئ الذى يلم يعين إلا بنوعه وتعهد المدين بنقل ملكيته نادر الوجود ، ويكون من اليسير نسبياً على المدين أن يعثر عليه ، فيحكم عليه بغرامة تهديدية إذا لم يقم بتنفيذ التزامه عيناً ( فريجافيل : أنسيكلوبيدى داللوز 1 astreinte فقرة 23 )  .

ويفسر القضاء الفرنسى فكرة عدم الملاءمة تفسيراً واسعاً ، فيكفى أن يكون التهديد المالى من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام عيناً أبسط فى الإجراءات من التنفيذ القهرى حتى يلجأ إليه القضاء ، ذاهباً إلى أن التنفيذ القهرى فى هذه الحالة يكون غير ملائم ، والواقع أن التنفيذ القهرى ملأ ولكن التهديد المالى أكثر ملاءمة ( نقض فرنسى 14 مارس سنة 1927 داللوز الأسبوعى 927 - 274 - 3 نوفمبر سنة 1930 داللوز الأسبوعى 1930 - 605 - انظر فى هذا المعنى فريجافيل : أنسيكلوبيدى داللوز 1 astreintes فقرة 24 )  .

( [1471] ) استئناف مختلط 3 أبريل سنة 1913 م 25 ص 287  .

( [1472] ) استئناف مختلط 24 فبراير سنة 1932 م 44 ص 202  .

( [1473] ) استئناف مختلط 13 نوفمبر سنة 1926 المحاماة 4 ص 452  .

( [1474] ) وقد أصبح الإخلال بهذا الالتزام جريمة جنائية فى فرنسا بقانون 6 ديسمبر سنة 1901  .

( [1475] ) انظر فى تنفيذ هذين الالتزامين فى فرنسا عن طريق التهديد المالى بيدان ولاجارد 7 فقرة 447  .

( [1476] ) انظر تاريخ نص المادة 213 آنفاً فقرة 446 فى الهامش – بيدان ولاجارد 8 فقرة 447  .

( [1477] ) بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 788 ص 101 - ديموج 6 فقرة 513 - وقد يكون تدخل المدين ضرورياً فى تنفيذ الالتزام ، ومع ذلك لا يجوز إجبار المدين على التدخل ، فلا يصح الالتجاء فى هذه الحالة إلى التهديد المالى  . مثل ذلك أن يكون الأمر متعلقاً بحق المؤلف الأدبى ، كما إذا تعهد مؤلف لناشر أن يضع كتاباً يقوم الثانى بنشره ، ثم قرر المؤلف أن العمل الذى أنتجه غير جدير بالعرض عى الجمهور كعمل صادر منه ، فلا يجوز للناشر إجباره على هذا العرض عن طريق التهديد المالى  . ولكن إذا كان المؤلف قد اتفق مع ناشر آخر ، مخلاً بالتزامه مع الناشر الأول ، فإنه يجوز إجباره على التنفيذ العينى عن هذا الطريق ( الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 56 )  .

( [1478] ) انظر فى هذا المعنى كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 177 ص 134 - ص 135 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 789 ص 102 - مازو فقرة 2507 رقم 10  .

( [1479] ) انظر فى هذا المعنى كينيو فقرة 470 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 56 ص 74 - ص 75 - وقارب ديموج 6 فقرة 510 - فقرة 511 - فريجافيل فى أنسيكلوبيدى داللوز 1 ( astreintes ) فقرة 21  .

( [1480] ) ديموج 6 فقرة 510 ص 547  .

( [1481] ) بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 789 ص 102  .

( [1482] ) ولا يجوز لمجلس الدولة فى فرنسا أن يقضى على الحكومة بغرامة تهديدية ، لأنه لا يستطيع أن يصدر لها أمراً ( فريجافيل : أنسيكلوبيدى داللوز 1 astreintes فقرة 38 )  .

( [1483] ) بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 790 - ولا نرى مانعاً من أن تحكم محكمة شرعية أو مجلس ملى بغرامة تهديدية فى مسائل الحضانة والطاعة بدلاً من الحكم بالتنفيذ القهرى ( manu militari )  . ويجوز من باب أولى ، بعد إلغاء هذه المحاكم وتوحيد القضاء ، أن يصدر حكم بذلك من دوائر الأحوال الشخصية التى ستستحدث فى المحاكم الموحدة  .

( [1484] ) وكان فى بداية الأمر فى فرنسا يقدر مبلغاً مجمداً ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 787 ص 97 - ديموج 6 فقرة 507 ص 542 )  .

( [1485] ) الموجز للمؤلف فقرة 439 ص 433  .

( [1486] ) انظر مع ذلك استئناف مختلط 16 أبريل سنة ؟؟؟؟؟ م 8 ص 219 - 28 أبريل سنة 1927 م 39 ص 416 ( حيث يعتبر التهديد المالى حكماً بتعويض مقدر سلفاً عن المستقبل " ad futurum " ، وسنعود للإشارة إلى ذلك )  .

( [1487] ) وفى إحدى القضايا فى فرنسا ( نقض فرنسى أول ديسمبر سنة 1897 داللوز 98 - 1 - 289 ) زيدت الغرامة التهديدية من مئة فرنك فى اليوم إلى عشرة آلاف من الفرنكات ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 791 ص 105 )  .

( [1488] ) انظر آنفاً تاريخ نص المادة 214 فقرة 446 فى الهامش – ديموج 6 فقرة 514 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 795 مكرر ثالثاً – الموجز للمؤلف فقرة 439 ص 434 - استئناف مختلط 26 يونيه سنة 1894 م 6 ص 355 - 7 يونيه سنة 1900 م 12 ص 320 - 29 نوفمبر سنة 1928 م 41 ص 61 - إسكندرية الكلية الوطنية 16 يناير سنة 1932 المحاماة 12 ص 1025  . بل ولا يجوز حجز ما للمدين لدى الغير بمقتضى غرامة تهديدية ( الأستاذ عبد الحى حجازى فى النظرية العامة للالتزام 3 ص 190 - ص 192 )  .

( [1489] ) الموجز للمؤلف فقرة 439 ص 434  .

( [1490] ) مصر الكلية الوطنية 24 مارس سنة 1908 الحقوق 24 ص 84  .

( [1491] ) استئناف مختلط 12 ديسمبر سنة 1895 م 8 ص 39  .

( [1492] ) نقض مدنى 22 نوفمبر سنة 1951 المحاماة 32 رقم 234 ص 942  .

( [1493] ) بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 792 - وقد وصل هذا التمييز إلى حد أن تقضى المحكمة فى حكم واحد بتعويض نهائى عن الضرر الذى وقع فى الماضى وغرامة تهديدية لحمل المدين على تنفيذ التزامه فى المستقبل ( نقض فرنسى 7 فبراير سنة 1922 جازيت دى تريبينو 1922 - 1 - 214 - ديموج 6 فقرة 512 ص 549 )  .

( [1494] ) بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 793 - وقارن الموجز للمؤلف فقرة 441  .

( [1495] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى : " ويتضح مما تقدم أن الغرامة التهديدية ليست ضرباً من ضروب التعويض ، وإنما هى طريق من طرق التنفيذ رسمها القانون ، وقصر نطاق تطبيقها على الالتزامات التى يقتضى الوفاء بها تدخل المدين نفسه " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 540 )  . وجاء فى الموجز للمؤلف : " وسنرى أن المدين لا يحكم عليه فى آخر الأمر إلا بتعويض مناسب لما أصاب الدائن من الضرر  . ومع ذلك يبقى التهديد المالى وسيلة لإجبار المدين على التنفيذ ، لأن الحكم عليه بتهديد مالى من شأنه أن يلقى فى نفسه القلق والانزعاج ، إذ لا يعرف على وجه الدقة المبلغ الذى سيحكم به القاضى نهائياً على سبيل التعويض  . ثم هو من جهة أخرى يعلم أن مبادرته إلى تنفيذ التزامه تجعل القاضى أكثر استعداداً لرفع التهديد المالى عنه أو لتخفيفه إلى درجة كبيرة ، وأن إصراره على عدم التنفيذ من شأنه أن يجعل القاضى متشدداً فى تقدير التعويض ، ويزيد التعويض كلما كان الإصرار لا مبرر له ، وقد ينتهى الأمر بالحكم عليه نهائياً بكل المبلغ الذى حكم عليه به مبدئياً على سبيل التهديد  . كل هذه الاعتبارات من شأنها أن تجعل التهديد المالى وسيلة ناجعة لإجبار المدين على القيام بتنفيذ التزامه ، دون أن يكون هناك حجر على حريته الشخصية " ( الموجز ص 433 هامش رقم 1 )  .

( [1496] ) استئناف مختلط 3 أبريل سنة 1913 م 25 ص 287 - أول مارس سنة 1928 م 40 ص 216  .

( [1497] ) ديموج 6 فقرة 511 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 794 - وقد رتب القضاء الفرنسى على أن الغرامة التهديدية إنما هى وسيلة غير مباشرة للتنفيذ وليست تنفيذاً مباشراً أنها تسرى من وقت صدور الحكم الابتدائى بها ، حتى لو كان هذا الحكم غير قابل للتنفيذ واستؤنف فصدر حكم استئنافى يؤيده  . أما القضاء المصرى فيجعلها تسرى من وقت صدور الحكم الاستئنافى لا من وقت صدور الحكم الابتدائى ، فهى أمر من المحكمة لا يبدأ سريانه إلا من وقت صيرورته نهائياً  . وقد جاء فى الموجز للمؤلف فى هذا المعنى : " وقد كان من مقتضى ذلك – أى من مقتضى أن التهديد المالى أمر – ألا يبدأ سريان الحكم بالتهديد المالى إلا من وقت صيرورة هذا الأمر نهائياً ، فإذا استؤنف حكم بتهديد مالى ، وجب انتظار الفصل النهائى من محكمة الاستئناف ، حتى يعلم المدين أن الأمر بالتنفيذ قد تأيد نهائياً ولا مناص من الطاعة  . مثل ذلك أن يصدر حكم بإلزام المدين بالتنفيذ العينى فى مدة شهر وإلا دفع مبلغاً معيناً عن كل يوم يتأخر فيه عن التنفيذ ، ثم يستأنف هذا الحكم ، ويستغرق نظره فى الاستئناف مدة أربعة أشهر ، ثم تؤيد محكمة الاستئناف الحم الابتدائى  . فى مثل هذه الحالة يجب إعطاء المدين مهلة شهر للتنفيذ العينى ، وتسرى هذه المهلة من وقت صدور حكم الاستئناف لا من وقت صدور الحكم الابتدائى  . وبهذا تقضى المحاكم المصرية ( استئناف أهلى 22 يناير سنة 1907 المجموعة الرسمية 8 ص 58 – محكمة الإسكندرية الكلية الوطنية 16 يناير سنة 1932 المحاماة 12 ص 1225 - استئناف مختلط 16 يناير سنة 1879 المجموعة الرسمية المختلطة 4 ص 97 - 21 مايو سنة 1896 م 8 ص 296 )  . ولكن محكمة النقض الفرنسية تجعل المهلة تسرى من وقت صدور الحكم الابتدائى ( 15 نوفمبر سنة 1881 داللوز 82 - 1 - 134 ) مخالفة فى ذلك أحكام المحاكم الاستئنافية والابتدائية الفرنسية ( باريس الاستئنافية 12 فبراير سنة 1908 داللوز 1909 - 2 - 113 - السين الابتدائية 15 يوليه سنة 1909 داللوز 911 - 2 - 303 ) " ( الموجز ص 436 هامش رقم 2 )  .

( [1498] ) أسمان فى مقال له فى المجلة الفصلية للقانون المدنى سنة 1903 ص 5 - ص 52 - بودرى وبارد 1 فقرة 479 مكررة  .

( [1499] ) وكثير من الفقهاء الفرنسيين يذهبون إلى عدم مشروعية التهديد المالى ، وإلى أن القضاء لا يستند فى ذلك إلى أى أساس قانونى ( ديمولومب 24 فقرة 496 - فقرة 497 - لوران 16 فقرة 301 - هيك 7 فقرة 136 - أوبرى ورو 4 فقرة 299 ص 61 - ص 86 - بودرى وبارد 1 فقرة 479 - ديموج 6 فقرة 524 - فقرة 527 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 795 - بيدان ولاجارد 8 فقرة 448 - بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 1653 - كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 177 - جوسران 2 فقرة 600 )  .

على أن المشرع الفرنسى أصدر قانوناً فى 23 ديسمبر سنة 1912 ، خاصاً بالمساكن الصغيرة ، وقد ورد فى الفقرة الثالثة من المادة السادسة من هذا القانون نص يرتب التزاماً قضائياً ، وأجاز للقضاء أن يصدر حكماً تهديدياً عن كل يوم يتأخر فيه الملتزم عن تنفيذ هذا الالتزام ( a peine d'une astreinte pour chaque jour de retard ) ، وفى هذا إقرار تشريعى لنظرية التهديد المالى فى مسألة معينة ( الموجز للمؤلف ص 437 هامش رقم 1 )  . انظر أيضاً قانون 18 يوليه سنة 1937 ، وقانون 30 أكتوبر سنة 1946 ، وقانون 21 يوليه سنة 1949 ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 795 مكررة ثانياً ص 112 هامش رقم 2 وفقرة 795 مكررة رابعاً ص 116 - ص 117 )  .

وانظر فى أن القضاء البلجيكى لا يسلم بنظرية التهديد المالى دى باج 3 فقرة 161 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 795 مكررة ثانياً ص 112 هامش رقم 1  . ولكن هذا القضاء يقر مشروعية التعويض عن المستقبل ( ad futurum ) يقدر سلفاً إذا طلب الدائن ذلك مع اصطناع الحيطة فى هذا الطلب ( دى باج 3 فقرة 162 - فقرة 164 )  . وانظر فى عدم التسليم بنظرية التهديد المالى فى أسبانيا والبرتغال وهولندا والأرجنتين والبرازيل وسويسرا وألمانيا : ديموج 6 فقرة 529  .

( [1500] ) استئناف مختلط 4 نوفمبر سنة 1930 م 43 ص 9 - 24 مارس سنة 1931 م 43 ص 309 - والتون 2 ص 249 - ص 251 - الموجز فقرة 441 - على أن محكمة الاستئناف المختلط قضت فى بعض أحكامها بأن القضاء المختلط لا يعترف بالتهديد المالى على أساس أنه حكم وقتى تهديدى ( astreinte comminatoire ) ، بل يقره على أساس أنه حكم بتعويض مقدر سلفاً عن المستقبل ( astreinte compensatoire ) : استئناف مختلط 16 أبريل سنة 1896 م 8 ص 219 - 28 أبريل سنة 1927 م 39 ص 416 ( وانظر جبرييل بسطوروس فى تعليقاته على التقنين المدنى المختلط جزء 2 ص 248 هامش رقم 3 )  .

( [1501] ) هذا وقد يقوم المدين بتنفيذ الالتزام خشية تراكم الغرامة التهديدية ، لا لأنه راضى بالحكم ، ولا يمنعه تنفيذ الالتزام فى هذه الحالة من استئناف الحكم ولا يحتج عليه بأنه رضى به بسبب هذا التنفيذ ( ديموج 6 فقرة 516 )  .

( [1502] ) بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 789 ص 102 - بل ويجوز أن يكون الالتزام مما يمكن للدائن نفسه أن ينفذه دون تدخل المدين ، ولكن الدائن لجأ إلى التهديد المالى لكونه أكثر ملاءمة ، فلما لم يجد قام الدائن بتنفيذ الالتزام على نفقة المدين  . فمتى تم التنفيذ على هذا الوجه يكون الموقف هنا أيضاً قد تكشف ، ويجب النظر فى تحويل الغرامة التهديدية إلى تعويض نهائى ( ديموج 6 فقرة 515 )  .

( [1503] ) ومن أجل ذلك يشكو الفقه الفرنسى من أن التهديد المالى ، فى الوضع الذى أقره القضاء ، ليس له تأثير كبير فى التغلب على عناد المدين  . قد ذهبت بعض المحاكم فى فرنسا ، حتى يكون للتهديد المالى التأثير المطلوب ، إلى أن تقضى بغرامة نهائية لا تكون قابلة للتخفيض ، ولكن محكمة النقض الفرنسية ( نقض فرنسى 13 أبريل سنة 1951 جازيت دى باليه 1951 - 1 - 22 ) أبت أن تقر هذا الموقف ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 795 مكررة )  .

( [1504] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ما يأتى : " بيد أن الحكم الصادر بالغرامة التهديدية حم موقوت ، تنتفى علة قيامه متى اتخذ المدين موقفاً نهائياً منه ، إما بوفائه بالالتزام وإما بإصراره على التخلف  . فإذا استبان هذا الموقف ، وجب على القاضى أن يعيد النظر فى حكمه ليفصل فى موضوع الخصومة  . فإن كان المدين قد أوفى بالتزامه حط عنه الغرامة إزاء استجابته لما أمر به ، وألزمه بتعويض عن التأخير لا أكثر  . وإن أصر المدين على عناده نهائياً ، قدر التعويض الواجب عن الضرر الناشئ عن عدم الوفاء ، ولكن ينبغى أن يراعى فى هذا التقدير ما يكون من أمر ممانعة المدين تعنتاً باعتبار هذه الممانعة عنصراً أدبياً من عناصر احتساب التعويض  . وفى هذا النطاق يتمثل لب نظام الغرامات المالية ومعقل القوة فيه " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 540 )  . ولا يؤخذ مما تقدم أن عنصر العنت لا يحسب حسابه إذا أوفى المدين بالتزامه ، كما يبدو من ظاهر العبارة الواردة فى المذكر الإيضاحية من أن الغرامة فى هذه الحالة تحط عن المدين ويلزم بتعويض عن التأخير لا أكثر  . فإنه إذا كان هذا هو الغالب ، إلا أن ذلك لا يمنع من إدخال عنصر العنت فى الحساب ، حتى لو أوفى المدين بالتزامه ولكن بعد تباطؤ ملحوظ ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك  .

ويترتب على أن عنصر العنت الذى بدا من المدين منصوص عليه فى التقنين أن القاضى إذا أغفل هذا العنصر فى تقدير التعويض ، خضع لرقابة محكمة النقض ، إذ القانون يلزمه بمراعاة هذا العنصر ، فإذا هو لم يراعه كان هذا إخلالاً منه بمسألة قانونية ( انظر الأستاذ عبد الحى حجازى فى النظرية العامة للالتزام جزء 3 ص 188 - ص 189 - وانظر فى تقدير نظام التهديد المالى الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 58 )  .

( [1505] ) والحكم القاضى بتخفيض الغرامة المالية لا يلغى التنبيه ( dommandement ) ،ولكن يقصر أثره على المبلغ المخفض ( استئناف مختلط 18 أبريل سنة 1929 م 41 ص 366 )  .

( [1506] ) وقد قضت محكمة الاستئناف الأهلية بأنه يجوز للمحكمة أن تلغى الغرامة التهديدية التى قررت إلزام خصم بها ، متى اتضح أن الخصم المذكور نفذ أمر المحكمة بعد الميعاد الذى حددته له بمدة قصيرة ، وأن هذا التأخر ناشئ عن عذر مقبول ، ولكن فى هذه الحالة تلزمه بمصروفات الدعوى التى رفعها بطلب إعفائه من الغرامة ( 3 فبراير سنة 1914 الشرائع 1 ص 280 )  .

( [1507] ) استئناف أهلى 11 يونيه سنة 1917 الشرائع 5 ص 47 - بنى سويف الكلية 7 ديسمبر سنة 1922 المحاماة 4 ص 170 - المنيا الجزئية 31 مايو سنة 1927 المحاماة 8 ص 85 - استئناف مختلط 12 ديسمبر سنة 1895 م 8 ص 39 - 18 أبريل سنة 129 م 41 ص 366  .

( [1508] ) نقض فرنسى 30 نوفمبر سنة 1950 مجلة الأسبوع القانونى سنة 1951 ؟؟؟؟؟؟6079 - الأستاذ عبد الحى حجازى فى النظرية العامة للالتزام جزء 3 ص 187 وهامش رقم 1  .

( [1509] ) وقد سبق أن رأينا أن التعويض ليس التزاماً تحيزياً أو التزاماً بدلياً ، وأن الالتزام ، سوءا نفذ تنفيذاً عينياً أو نفذ بطريق التعويض ، هو هو واحد لم يتغير ، والذى تغير هو محل الالتزام بعد أن كان تنفيذاً عينيناً أصبح تعويضاً ، فتبقى الضمانات التى كانت تكفل التنفيذ العينى كافلة للتعويض ( انظر آنفاً فقرة 409 والهوامش )  .

( [1510] ) أما إذا كان الالتزام بنقل الملكية هو التزام بدفع مبلغ من النقود ، فالتنفيذ العينى والتعويض فيه يستويان ، لأن التعويض لا يكون إلا فى دفع المبلغ محل الالتزام فيتلاقى مع التنفيذ العينى ، إذ أن النقود لا تتعين بالتعيين  .

فالالتزام بدفع مبلغ من النقود يكون إذن قابلاً للتنفيذ العينى فى جميع الأحوال  . ولا يمكن أن يقال هنا إن التنفيذ العينى يتحول إلى تعويض ، فكلاهما شئ واحد ، والأولى أن نسمى هذا الشئ تنفيذاً عينياً لا تعويضاً لأن الأصل هو التنفيذ العينى  . ولا يكون هناك تعويض عن الالتزام بدفع مبلغ من النقود ، إلا إذا كان تعويضاً عن التأخر فى التنفيذ ، لا تعويضاً عن عدم التنفيذ  .

ولا يصح القول إن الالتزام بدفع مبلغ من النقود يصبح تنفيذه العينى مستحيلاً إذا كان المدين معسراً ، فإن استحالة التنفيذ العينى ليس معناها صعوبة استيفاء الدين لإعسار قد يعقبه يسار ، بل الاستحالة معناها عدم إمكان التنفيذ مطلقاً فى أى حال من الأحوال  . ويترتب على ذلك أن الإعسار ، لو لكان بقوة قاهرة ، ليس سبباً فى انقضاء الالتزام ، لأنه لا يجعل تنفيذه مستحيلاً ( الموجز للمؤلف فقرة 442 ص 437 هامش رقم 3 - انظر بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة ؟؟؟؟؟ )  .

( [1511] ) وقد نصت المادة 259 من تقنين الموجبات والعقود اللبنانى على " أن تعيين ؟؟؟؟؟؟ بدل الضرر يكون فى الأساس بواسطة القاضى ، وقد يكون بنص قانونى أو باتفاق بين المتعاقدين  .

( [1512] ) تاريخ النصوص :

م 218 : ورد هذا النص فى المادة 296 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد  . وأقرته لجنة المراجعة تحت رقم المادة 225 من المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب ، ثم مجلس الشيوخ تحت رقم المادة 218 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 555 - ص 556 )  .

م 219 : ورد هذا النص فى المادة 297 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " يكون إعذار المدين بإنذاره أو بما يقوم مقام الإنذار ، ويجوز أن يتم الإعذار بأى طلب كتابى آخر ، كما يجوز أن يكون مترتباً على اتفاق يقضى بأن يكون المدين معذراً بمجرد حلول الأجل دون حاجة إلى إنذار "  . وفى لجنة المراجعة حلت عبارة " أى إجراء آخر " محل كلمة " إنذار " الواردة فى آخر المادة ، لأن الأعذار بالاتفاق عليه مقدماً يعتبر أعذاراً تم بإجراء معين ، ولا يدخل فى الحالات التى لا ضرورة للأعذار فيها وهى الحالات المنصوص عليها فى المادة التالية  . وأصبح رقم المادة 226 فى المشروع النهائى  . ووافق مجلس النواب على النص  . وفى لجنة مجلس الشيوخ سئل عما إذا كان الإعذار بكتاب عادى يكفى ، فأجيب بأنه يكفى لأن المراد بالإعذار هو تنبيه المدين إلى أن الدائن غير متهاون فى حقه فى التنفيذ فلم تأخذ اللجنة بهذا الرأى ، وجعلت الإعذار عن طريق البريد على الوجه المبين فى قانون المرافعات ، جائزاً بدلاً من جواز الأعذار بطريق الكتاب العادى ، وعدل النص على الوجه الذى استقر عليه فى التقنين الجديد ، وأصبح رقم المادة 219 ، ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 556 - ص 558 )  .

م 220 : ورد هذا النص فى المادة 298 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " لا ضرورة ، فى إعذار المدين ، لأى إجراء فى الحالات الآتية : ( أ ) إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن بفعل المدين ، وعلى الأخص إذا كان محل الالتزام نقل حق عينى أو القيام بعمل وكان لابد أن يتم التنفيذ فى وقت معين وانقضى هذا الوقت دون أن يتم ، أو كان الالتزام امتناعاً عن عمل وأخل به المدين  . ( ب ) إذا كان محل الالتزام تعويضاً ترتب على عمل غير مشروع  . ( ج ) إذا كان محل الالتزام رد شئ يعلم المدين أنه مسروق أو شئ تسلمه دون حق وهو عالم بذلك  . ( د ) إذا أعلن المدين كتابة أنه لا يريد القيام بالتزامه "  . وفى لجنة المراجعة وضعت كلمة " صرح " بدلاً من كلمة " أعلن " فى البند ( د ) ، وأصبح رقم المادة 227 فى المشروع النهائى  . ووافق عليها مجلس النواب  . وفى لجنة مجلس الشيوخ عدلت الفقرة الأولى فأصبحت تجرى على الوجه الآتى : " لا ضرورة لإعذار المدين فى الحالات الآتية " ، وحذفت من البند ( أ ) عبارة " وعلى الأخص إذا كان محل الالتزام  .  .  .  .الخ " لأنها تورد تطبيقات يجزئ عن إيرادها عموم العبارة ، وأضافت بعد عبارة " غير ممكن " فى البند ( أ ) عبارة " غير مجد " حتى يكون النص شاملاً لجميع الصور  . وأصبح رقم المادة 220  . ووافق عليها مجلس الشيوخ كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 559 - ص 562 )  .

( [1513] ) وقد كانت المادة 120 / 178 من التقنين المدنى السابق تجرى على الوجه الآتى : " لا تستحق التضمينات المذكورة إلا بعد تكليف المتعهد بالوفاء تكليفاً رسمياً "  .

( [1514] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " اقتصر المشروع فى شأن الإعذار بوجه عام على ضبط حدود بعض الأحكام ضبطاً قصد به إلى علاج ما يعتور من نصوص التقنين الحالى ( السابق ) من اقتضاب مخل  . ويراعى بادئ ذى بدء أنه لم يأت على وجه الإطلاق بجدي فيما يتعلق بقاعدة وجوب الأعذار وما يرد عليها من استثناءات  . على أن ذلك لم يصرفه عن استحداث أحكام أخرى ، قد يكون أهمها ما يتصل بإصباح الإجراءات المتبعة فى إعذار المدين ، فقد قضى المشروع بجواز الاكتفاء بمجرد طلب كتابى فى المواد المدينة ، وهو بهذا يخالف ما جرى عليه القضاء المصرى دفعاً لحرج الغلو فى التشبث بشكلية الإجراءات " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 544 )  . وقد رأينا أن هذا التجديد الذى كان يقضى بالاكتفاء فى الإعذار بطلب كتابى قد حذفته لجنة مجلس الشيوخ  .

( [1515] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 219 - 221 ( مطابقة للمواد 218 - 220 من التقنين المدنى المصرى ، مع ملاحظة أن الإنذار فى التقنين السورى يكون بواسطة الكاتب العدل وأنه يجوز أن يتم الإعذار عن طريق البريد على الوجه المبين فى القوانين الخاصة : م 220 سورى )  .

التقنين المدنى العراقى م 256 ( مطابقة للمادة 218 من التقنين المدنى المصرى )

م 257 : يكون إعذار المدين بإنذاره  . ويجوز أن يتم الإعذار بأى طلب كتابى آخر ، كما يجوز أن يكون مترتباً على اتفاق يقضى بأن يكون المدين معذراً بمجرد حلول الأجل دون حاجة إلى إنذار  . ( وهذا النص - كالمشروع التمهيدى للتقنين المصرى – يجيز الإعذار بطلب كتابى غير رسمى )  .

م 258 ( مطابقة للمشروع التمهيدى لنص المادة 220 من التقنين المصرى ، ولا تختلف فى الحكم عن التقنين المصرى )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 221 - 223 ( مطابقة للمواد 218 - 220 من التقنين المدنى المصرى )  .

تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م 253 - يجب لاستحقاق بدل العطل والضرر : أولاً - أن يكون قد وقع ضرر  . ثانياً - أن يكون الضرر معزواً إلى المديون  . ثالثاً - أن يكون قد أنذر المديون لتأخره فيما خلا الأحوال الاستثنائية  . ( وتتفق هذه الأحكام مع أحكام التقنين المصرى )  .

م 257 - إن تأخر المديون الذى بدونه لا يستهدف لأداء بدل العطل والضرر ينتج فى الأساس عن إنذار يرسله إليه الدائن بطريقة ما  . وإنما يجب أن يكون خطياً ( ككتاب مضمون أو برقية أو إخطار أو إقامة الدعوى عليه أمام المحكمة وإن لم تكن ذات صلاحية )  . وإن هذا الإنذار لواجب مع قطع النظر عن ماهية الموجب وعن أصله أو أصل بدل الضرر  . ( وهذا النص يجيز الإعذار بكتاب مسجل أو برقية أو إخطار مكتوب ، فهو كالمشروع التمهيدى للتقنين المصرى وكالتقنين العراقى : انظر الدكتور صبحى المحمصانى فى آثار الالتزام فى القانون المدنى اللبنانى ص 16 )  .

م 258 - لا يبقى الإنذار واجباً : 1 - عندما يصبح التنفيذ مستحيلاً  . 2 - عندما يكون الموجب ذا أجل حال موضوع لمصلحة المديون ولو بوجه جزئى على الأقل  . 3 - عندما يكون موضوع الموجب المطلوب أداؤه رد شئ يعلم المديون أنه مسروق أو كان المديون قد أحرزه عن علم بوجه غير مشروع  . ففى الحالات الثلاث المتقدم بيانها يكون المديون حتماً فى حالة التأخر بدون أى تدخل من قبل الدائن  . ( وهاذ النص يختلف عن التقنين المصرى فى أمرين : ( 1 ) يجعل حول الأجل فى دين مؤجل لمصلحة المدين ولو جزئياً كافياً ولا حاجة لإعذار المدين فى هذه الحالة ، وهذا الحكم أقرب إلى التقنينات الجرمانية وبعض التقنينات اللاتينية كما سنرى  . ( 2 ) لا يجعل من حالات عدم ضرورة الإعذار حالة ما إذا صرح المدين كتابة أنه لا يريد القيام بالتزامه  . ويذهب الدكتور صبحى المحمصانى – فى كتابه آثار الالتزام فى القانون المدنى اللبنانى ص 17 - إلى أن عدم ضرورة الإعذار فى حالة تصريح المدين كتابة أنه لا يريد القيام بالتزامه ، بالرغم من إغفال النص عليه ، مقبول فى لبنان " وفاقاً للقياس وللمبادئ العامة ، فالإنذار لا يلزم لعدم الفائدة منه ولثبوت خطأ المدين بإقراره " )  .

( [1516] ) أوبرى ورو 4 فقرة 308 ص 137 وهامش رقم 4  .

( [1517] ) ومع ذلك فقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا كان الالتزام واجب التنفيذ فى محل إقامة الدائن ، ولم يحض المدين للتنفيذ يوم حلول الأجل ، اعتبر معذراً دون حاجة إلى أى إجراء ( 28 مارس سنة 1935 م 47 ص 223 ) ، وإذا كان الدين

 يدفع على أقساط فى مدد قصيرة ، وأعذر المدين لأحد هذه الأقساط ، فلا يمكن أن يعتبر فى حاجة إلى الإعذار فى كل قسط لا حق يحل بعد مدة قصيرة ( 14 يونيه سنة 1938 م 50 ص 363 - انظر أيضاً ديموج 6 فقرة 238 )  .

( [1518] ) استئناف مختلط 31 مارس سنة 1898 المجموعة الرسمية للقضاء المختلط 23 ص 223 - ويكون الإعذار عند حلول أجل الدين أو بعده ، ولكن لا يكون قبله ( استئناف مختلط 7 يناير سنة 1886 المجموعة الرسمية للقضاء المختلط 11 ص 28 )  . ويصح أن يمنح الدائن للمدين فى الأعذار أجلاً لتنفيذ الالتزام دون أن يؤثر الأجل فى قوة الإعذار ، فمتى حل الأجل الممنوح أصبح المدين معذراً ( استئناف مختلط 23 مايو سنة 1900 م 12 ص 268 )  . وإذا شطب الدائن دعواه بعد أن استوفى جزءاً من دينه ، حمل هذا على تنازل الدائن عن أثر الدعوى فى إعذار المدين ( استئناف مختلط 23 أبريل سنة 1935 م 47 ص 263 )  .

ويقابل إعذار المدين إعذار الدائن ، فقد يعذر المدين الدائن إذا رفض هذا قبول الوفاء دون مبرر ، بأن يعرض عليه الدين عرضاً حقيقياً وفقاً للإجراءات التى نص عليها القانون ( م 334 - 340 مدنى – انظر دى باج 3 فقرة 86 - فقرة 87 )  .

( [1519] ) وكان القانون الرومانى يستوجب الإعذار ، أما القانون الفرنسى القديم فكان لا يستوجبه فى القرنين السادس عشر والسابع عشر ، وفى القرن الثامن عشر عادة بوتييه إلى تقاليد القانون الرومانى فاستوجب الإعذار ( كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 151 )  .

( [1520] ) انظر التقنين المدنى الألمانى ( م 284 ) ، وتقنين الالتزامات السويسرى ( م 102 ) ، والتقنين المدنى النمساوى ( م 1334 ) ، وتقنين الالتزامات البولونى ( م 243 ) ، والتقنين البرازيلى ( م 960 ) ، والتقنين المدنى البرتغالى ( م 711 ) ، والتقنين المدنى الصينى ( م 229 ) ، والتقنين المدنى اليابانى ( م 412 ) ، وتقنين الالتزامات التونسى والمراكشى ( م 269 / 255 )  . أما المشروع الفرنسى الإيطالى ( م 95 ) والتقنين المدنى الإيطالى الجديد ( م 1219 ) فيستجوبان الأعذار ، ولكن يكفى فيه كتاب غير رسمى  . انظر فى هذه المسألة والتون 2 ص 224 - ص 225  .

( [1521] ) فالإعذار هو إذن إرادة منفردة تصدر من الدائن ، ويعلن بها المدين ( declaration receptive ) وتفرغ فى شكل خاص( ديموج 6 فقرة 233 ص 254 )  . ومن ثم يجوز صدور الإعذار من الدائن أو نائبه أو من فضولى ( وتكون مطالبة الدائن بالتعويض إجازة منه ) ، ويشترط فيمن يصدر عنه الإعذار أهلية الإدارة دون أهلية التصرف ( ديموج 6 فقرة 237 )  .

( [1522] ) ولا يقوم مقام الإنذار إقرار المدين فى دعوى أخرى أ الدائن قد أنذره ، بل يجب على الدائن تقديم أصل الإنذار حتى تتبين المحكمة استيفاءه للشروط الواجبة  . وقد نصت محكمة النقض بأنه لا يكفى لترتيب الأثر القانونى للإنذار أن يكون المشترى قد قال فى دعوى أخرى أن البائع أنذره ، ما دام ذلك القول قد صدر فى وقت لم يكن النزاع على العقد المتنازع فيه مطروحاً ، بل يجب تقديم الإنذار حتى يمكن للمحكمة أن تتبين إن كان يترتب عليه الفسخ أم لا ، وذلك بالرجوع إلى تاريخه وما تضمنه ، لأنه قد يكون حاصلاً قبل الميعاد المعين للوفاء أو قبل قيام البائع بتعهداته التى توقفت عليها تعهدات المشترى ( نقض مدنى 16 مارس سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 112 ص 293 )  .

( [1523] ) استئناف مختلط 31 مايو سنة 1914 م 26 ص 404 - 27 يونيه سنة 1917 م 29 ص 519 - 17 مارس سنة 1926 م 38 ص 293  .

( [1524] ) ولا يكفى فى الإعذار الطلب الذى يقدم للجنة المعافاة القضائية ( ديموج 6 فقرة 233 ص 254 )  .

( [1525] ) استئناف مختلط 21 ديسمبر سنة 1911 م 24 ص 59 ( إخطار شفوى لا يكفى – 16 مايو سنة 1916 م 28 ص 333 - ومع ذلك انظر : استئناف مختلط 25 مايو سنة 1880 المجموعة الرسمية للقضاء المختلط 6 ص 174 - 31 مارس سنة 1898 م 10 ص 218 - استئناف مصر 20 فبراير سنة 1922 المحاماة 2 رقم 119 ص 379  . وقارن ديموج 6 فقرة 235  .

( [1526] ) ويجب على الدائن إثبات حصول الإخطار الشفوى وفقاً للقواعد العامة فى الإثبات  . هذا وقد كان المشروع التمهيدى ينص على جواز أن يتم الإعذار بطلب كتابى ولو غير رسمى ، ولكن حذف هذا النص فى لجنة مجلس الشيوخ ( انظر آنفاً تاريخ نص المادة 219 : فقرة 463 فى الهامش )  . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمروع التمهيدى أنه " يجوز الإعذار بالكتابة أياً كانت صورتها ، ولو كانت من قبيل الخطابات أو البرقيات " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 561 ) ، وذلك قبل التعديل الذى أدخلته لجنة مجلس الشيوخ  .

ويميل القضاء فى فرنسا إلى عدم التثبيت بشكلية الإعذار ، ويجعل لقاضى الموضوع سلطاناً لا يخضع لرقابة محكمة النقض فى تقدير ما إذا كانت الورقة المرسلة إلى المدين تقطع فيما اشتملت عليه من العبارات برغبة الدائن فى أن يقوم المدين بتنفيذ التزامه ، فتعير مضمون الورقة أهمية أكبر مما تعير الشكل ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 772 ص 84 - ديموج 6 فقرة 234 )  . وفى بلجيكا يكتفى فى الإعذار بكتاب غير رسمى أو ببرقية ما دام إثبات ذلك ممكناً ، وإذا أقر المدين بورود الكتاب أو البرقية كان فى هذا الإقرار إثبات كامل ، ويعتبر المدين فى هذه الحالة معذراً ( دى باج 3 فقرة 80 ) ويعتبر حول إعذار المدين مسألة واقع لا مسألة قانون ، فلا يخضع لرقابة محكمة النقض ( دى باج 3 فقرة 81 )  .

وقد رأينا أن كلا من التقنين المدنى العراقى ( م 257 ) وتقنين الموجبات والعقود اللبنانى ( م 257 كذلك ) يكتفى فى الإعذار بكتاب غير رسمى ( انظر آنفاً فقرة 463 فى الهامش )  .

( [1527] ) استئناف مختلط 13 ديسمبر سنة 1899 م 12 ص 40 - 13 يناير سنة 1909 م 21 ص 114 - 21 ديسمبر سنة 1911 م 24 ص 59 - 12 فبراير سنة 1913 م 25 ص 170 - 21 فبراير سنة 1919 م 31 ص 165 - 25 فبراير سنة 1926 جازيت 28 رقم 74 ص 84 - 26 ديسمبر سنة 1934 م 47 ص 73 - انظر أيضاً فى فرنسا بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 772 ص 83  .

( [1528] ) وقد ورد فى تاريخ نص المادة 219 ( انظر آنفاً فقرة 463 فى الهامش ) أنه لجنة المراجعة ذهبت إلى أن الإعذار بالاتفاق عليه مقدماً يعتبر إعذاراً تم بإجراء معين هو هذا الاتفاق ، فلا يدخل فى الحالات التى لا ضرورة للإعذار فيها  . ولم نجار اللجنة فى هذا الرأى ، بل أدمجنا حالة الاتفاق مقدماً ضمن الحالات الأخرى التى لا ضرورة فيها للإعذار ، ففى هذه الحالات جميعاً يعتبر المدين معذراً بمجرد حلول الدين دون حاجة إلى أى إجراء  . ولا يمكن اعتبار الاتفاق مقدماً إجراء لإعذار المدين ، بل هو اتفاق على ألا يكون هناك إجراء لهذا الإعذار  .

( [1529] ) برو : أنسيكلوبيدى داللو 3 ( Mise en demeure ) فقرة 7  .

( [1530] ) دافيد : مقال فى الإعذار منشور فى المجلة الانتقادية سنة 1939 ص 109  .

( [1531] ) كفر الشيخ 28 مايو سنة 1918 المجمعة الرسمية 20 رقم 10 - والتون 2 ص 122 - قارن مع ذلك استئناف مختلط 30 يناير سنة 1901 م 13 ص 125  . ومجرد أن يشترط فى عقد البيع أن يكون مفسوخاً من تلقاء نفسه عند عدم دفع الثمن لا يعفى من الإعذار ، وإذن فباطل زعم المشترى أن الإنذار الموجه إليه من البائع بوفاء التزاماته فى مدى أسبوع ، وإلا عد العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه يجب اعتباره تنازلاً من البائع عن خيار الفسخ ، فإن ذلك الإنذار واجب قانوناً لاستعمال الشرط الفاسخ الصريح ( نقض مدنى 23 ديسمبر سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 356 ص 688 )  .

( [1532] ) الموجز للمؤلف فقرة 426 ص 421 هامش رقم 2  .

( [1533] ) وقد كان هذا هو أيضاً الحكم فى عهد التقنين المدنى السابق ، دون أن يكون هناك نص صريح يقضى بذلك ( الموجز للمؤلف فقرة 426 ص 421 - ص 422 - استئناف مختلط 19 نوفمبر سنة 1896 م 9 ص 18 - إسكندرية الكلية المختلطة 15 مايو سنة 1915 جازيت 5 رقم 139 ص 345 - انظر مع ذلك استئناف مختلط 12 فبراير سنة 1919 م 31 ص 165 )  .

( [1534] ) انظر أيضاً المادة 195 مدنى وتنص على أن " يكون رب العمل ملزماً بأن ينفذ التعهدات التى عقدها الفضولى لحسابه ، وأن يعوضه عن التعهدات التى التزم بها ، وأن يرد له النفقات الضرورية والنافعة التى سوغتها الظروف مضافاً إليها فوائدها من يوم دفعها  .  .  . "  .

والمادة 458 فقرة أولا مدنى وتنص على أنه " لا حق للبائع فى الفوائد القانونية عن الثمن إلا إذا أعذر المشترى أو إذا سلم الشئ المبيع وكان هذا الشئ قابلاً أن ينتج ثمرات أو إيرادات أخرى ، هذا ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضى بغيره "  . والمادة 510 مدنى وتنص على أنه " إذا تعهد الشريك بأن يقدم حصته فى الشركة مبلغاً من النقود ، ولم يقدم هذا المبلغ ، لزمته فوائده من يوم استحقاقه من غير حاجة إلى مطالبة قضائية أو إعذار ، وذلك دون إخلال بما قد يستحق من تعويض تكميلى عند الاقتضاء "  . والمادة 522 مدنى وتنص على أنه " 1 - إذا أخذ الشريك أو احتجز مبلغاً من مال الشركة ، لزمته فوائد هذا المبلغ من يوم أخذه أو احتجازه ، بغير حاجة إلى مطالبة قضائية أو إعذار ، وذلك دون إخلال بما قد يستحق للشركة من تعويض تكميلى عند الاقتضاء  . 2 - وإذا أمد الشريك الشركة من ماله ، أو أنفق فى مصلحتها شيئاً من المصروفات النافعة عن حسن نية وتبصر ، وجبت له على الشركة فوائد هذه المبالغ من يوم دفعها "  . والمادة 800 فقرة 3 مدنى وتنص على أن " يكون للكفيل الحق فى الفوائد القانونية عن كل ما قام بدفعه ابتداء من يوم الدفع "  .

( [1535] ) قارن استئناف مختلط 12 فبراير سنة 1919 م 31 ص 165  .

( [1536] ) استئناف مصر 20 فبراير سنة 1922 المحاماة 2 ص 379  .

( [1537] ) استئناف مصر 3 أبريل سنة 1906 الحقوق 21 ص 235 - استئناف مختلط 17 أبريل سنة 1911 جازيت 2 رقم 159 - 17 أبريل سنة 1912 م 24 ص 282  .

( [1538] ) كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 853 ص 114 - برو : أنسيكلوبيدى داللوز 3 ( Mise en demeure ) فقرة 25  .

( [1539] ) الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام ص 60 - هذا وقد رأينا فى تاريخ نص المادة 220 ( انظر آنفاً فقرة 463 فى الهامش ) أن المشروع التمهيدى لهذه المادة كان يتضمن العبارة الآتية : " إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن بفعل المدين ، وعلى الأخص إذا كان محل الالتزام نقل حق عينى أو القيام بعمل ، وكان لابد أن يتم التنفيذ فى وقت معين وانقضى هذا الوقت دون أن يتم ، أو كان الالتزام امتناعاً عن عمل وأخل به المدين "  . وقد حذفت لجنة مجلس الشيوخ هذه العبارة من أول كلمة " وعلى الأخص " ، لأنها تورد تطبيقات يجزئ عن إيرادها عموم العبارة ، ثم أضافت بعد عبارة " غير ممكن " عبارة " أو غير مجد " حتى يكون النص شاملاً لجميع الصور  .

( [1540] ) استئناف مختلط 27 يناير سنة 1904 م 16 ص 96 - 5 يناير سنة 1915 م 27 ص 103  .

( [1541] ) وقد قدمنا أن الصحيح أن يقال إن العمل غير المشروع هو إخلال بالتزام اتخاذ الحيطة الواجبة لعدم الإضرار بالغير ، فهو إخلال بالتزام بعمل ، لا إخلال بالتزام بالامتناع عن عمل هو عدم الإضرار بالغير  . ويذهب الأستاذ إسماعيل غانم ( أحكام الالتزام فقرة 14 ص 26 وفقرة 42 ص 57 ) إلى أن الالتزام بعدم الإضرار بالغير - أو باتخاذ الحيطة الواجبة لعدم الإضرار بالغير على الوجه الذى ذهبنا إليه – ليس التزاماً بالمعنى الدقيق ، بل هو واجب قانونى عام " باحترام الحدود التى رسمها القانون لكى يستطيع كل عضو فى المجتمع أن يزاول نشاطه دون جور على غيره " ، ولذلك لم يتجدد فيه شخص الدائن ، ولا يتضمن معنى العبء إذ يتساوى فيه الجميع  . وإنما الالتزام بالمعنى الفنى الدقيق هو الالتزام بالتعويض عن الضرر الناتج عن الخطأ ، وبالنسبة إلى هذا الالتزام من المتصور أن يدعو الدائن المدين إلى القيام به عن طريق الإعذار ، ولكن لما كان المدين مقصراً من يوم نشوء التزامه ، فقد رأى القانون فى ذلك سبباً كافياً لإعفاء الدائن من الإعذار  .

( [1542] ) استئناف مختلط 23 مارس سنة 1904 م 16 ص 167 - 23 يناير سنة 1918 م 30 ص 168 - أول يونيه سنة 1921 م 33 ص 355 - انظر أيضاً أوبرى ورو 4 فقرة 308 ص 139 - ديموج 6 فقرة 236 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 773 ص 85 - قارن دى باج 3 فقرة 76  .

( [1543] ) وقد قضت محكمة النقض ، فى عهد التقنين المدنى السابق ، بأن القانون لا يتطلب إعذار الملتزم متى كان قد أعلن إصراره على عدم الوفاء ، واستخلاص هذا الإصرار من الدليل المقدم لإثبات حصوله هو مسالة موضوعية لا سلطان فيها لمحكمة النقض على محكمة الموضوع ( نقض مدنى 15 مايو سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 200 ص 435 )  . فيكون التقنين الجديد قد استحدث أن يكون الدليل بالكتابة – هذا وإذا أقر المدين بتقصيره فى القيام بالتزامه ، قام هذا الإقرار مقام الإعذار ( إسكندرية الأهلية 20 ديسمبر سنة 1923 المجموعة الرسمية 28 ص 223 )  .

( [1544] ) انظر فى هذا الحالات الثلاث المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى لى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 560 - ص 561 - ويلاحظ أنه فى الحالات التى لا تكون فيها حاجة للإعذار ، ويكون المدين مطلوباً ( querable ) لا محمولاً ( Portable ) ، لا يعفى عدم الحاجة إلى الإعذار الدائن من أن يسعى لتقاضى الدين فى موطن المدين ( كولان وكانيتان ومورانديير 2 فقرة 153 ص 114 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 40 )  .

( [1545] ) الموجز للمؤلف فقرة 426 ص 422 - ص 423 - وأحكام القضاء فى عهد التقنين المدنى السابق فى هذا المعنى  . من ذلك ما قضت به محكمة النقض من أن الإعذار ليس لازماً فى جميع الأحوال ، فقد يتفق المتعاقدان على الإعفاء منه ، وقد لا يكون له محل بحكم طبيعة ؟؟؟؟؟؟ ذاته ( نقض مدنى 29 أكتوبر سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 272 ص 746 )  . وقضت بأنه متى كان ثابتاً أن الوفاء أصبح متعذراً ، أو كان المتعهد قد أعلن إصراره على عدم الوفاء ، ففى هذه الأحوال وأمثالها لا يكون للتنبيه من مقتض ( نقض مدنى 22 مايو سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 119 ص 373 - 15 مايو سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 200 ص 435 )  . وقضت بعدم الإعذار فى حالة المسئولية التقصيرية وفى حالة المسئولية العقدية عند الإخلال بالتزام سلبى ( أول يناير سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 251 ص 513 - 15 ديسمبر سنة 1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 29 ص 98 ) انظر أيضاً : استئناف مختلط 30 يناير سنة 1901 م 13 ص 125 - 11 أبريل سنة 1906 م 18 ص 188 - 18 أبريل سنة 1906 م 18 ص 200 - 17 أبريل سنة 1912 م 24 ص 282 - 5 يناير سنة 1915 م 27 ص 103 - 20 نوفمبر سنة 1918 جازيت 9 رقم 28 ص 39  .

( [1546] ) نقض مدنى 21 ديسمبر سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 156 ص 292 - استئناف مختلط 12 فبراير سنة 1919 م 31 ص 165  . ويعدل عدم الإعذار الرجوع فى الإعذار ، فقد يعذر الدائن الدين مرة أولى ، ثم يرجع فى إعذاره الأول بإعذار ثان منح فيه المدين مهلة للوفاء ، فالعبرة بالإعذار الثانى لا بالإعذار الأول  . وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كان الحكم قد اعتد فى تعيين تاريخ التقصير بإعذار صادر فى تاريخ معين دون الإعذار الصادر بعده المشتمل على منح مهلة للوفاء ، وذلك من غير أن يوضح علة اطراجه الإعذار الأخير ، فإنه يكون قاصراً ( نقض مدنى 29 أبريل سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 309 ص 614 )  .

كذلك لا يستحق تعويض ، إذا قام المدين بوفاء جزئى ثم توقف بعد ذلك عن الوفاء ، غلا من وقت إعذار المدين بعد توقفه  . وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا سلم البائع جزءاً من المبيع متأخراً عن الميعاد المتفق عليه ، ثم توقف عن تسليم الباقى حتى أعذره المشترى ، ولم يثبت من وقائع الدعوى ما يدل على ظهور عجز البائع عن الوفاء من اليوم الذى حصل فيه تسليم ذلك الجزء ، بل كانت تلك الوقائع دالة على أن ميعاد التوريد المتفق عليه فى العقد قد عدل عنه برضاء الطرفين ، فإن التضمينات لا تكون مستحقة إلا من الوقت الذى امتنع فيه البائع عن الوفاء بعد تكليفه به رسمياً  . وإذا تمسك البائع بسبب ارتفع الأسعار باستحقاق التضمينات من تاريخ التسليم الجزئى باعتبار أنه هو التاريخ الذى ظهر فيه عجزه عن الوفاء بالباقى ، وقضت المحكمة بذلك ، كان حكمها مخطئاً فى تطبيق القانون ( نقض مدنى 25 يناير سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 198 ص 552 )  .

( [1547] ) نقض مدنى 16 مارس سنة 1933 ملحق مجلة القانون والاقتصاد 3 ص 103 – 21 ديسمبر سنة 1933 ملحق مجل القانون والاقتصاد 4 ص 45 - استئناف أهلى 7 مارس سنة 1892 الحقوق 8 ص 58 - 2 مايو سنة 1893 الحقوق 8 ص 145 - 29 أبريل سنة 1897 الحقوق 12 ص 207 - استئناف مختلط 27 يناير سنة 1904 م 16 ص 96 - 2 يونيه سنة 1904 م 16 ص 298 - 15 أبريل سنة 1909 م 21 ص 307 - 21 ديسمبر سنة 1911 م 24 59 - 16 مايو سنة 1916 م 27 ص 333 - 18 يناير سنة 1917 م 29 ص 170 - 12 فبراير سنة 1919 م 31 ص 165 - 3 أبريل سنة 1922 م 34 ص 330 - 17 مارس سنة 1926 م 38 ص 293  .

والإعذار – وهو إرادة منفردة كما قدمنا – ضرورى ، لا فحسب للمطالبة بالتعويض عن التأخر فى التنفيذ ، بل أيضاً لاستحقاق الدائن لهذا التعويض ( أوبرى ورو 4 فقرة 308 ص 137 هامش رقم 2 – بودرى وبارد 1 فقرة 468 مكررة )  . ومن ثم يستحق الدائن التعويض عن التأخر فى التنفيذ بسبب واقعة قانونية مركبة ، تتكون من عنصرين : عنصر التأخر فى التنفيذ وهذه وقاعة مادية ، وعنصر الإعذار وهذا تصرف قانونى  . وعنصر الواقعة المادية هو العنصر المتغلب  .

( [1548] ) الموجز للمؤلف فقرة 427  .

( [1549] ) انظر المادة 252 من تقنين الموجبات والعقود اللبنانى  .

( [1550] ) إلا إذا كان هناك تنفيذ جزئى ، فيجتمع التنفيذ العينى الجزئى مع تعويض عن عدم تنفيذ بقية الالتزام ( لانيول وريبير وردوان 7 فقرة 873 ص 206 )  . وإذا سلم المدين العين ، ولكن بعد أن أخل بالتزامه فى المحافظة عليها فأصابها تلف ، إنه يدفع تعويضاً عن التلف إلى جانب تسليم العين  . وليس فى هذا جمع بين التنفيذ العينى والتعويض عن عدم التنفيذ ، بل هو تنفيذ عينى لالتزام ( وهو التزام التسليم ) وتعويض عن عدم تنفيذ الالتزام الآخر ( وهو الالتزام بالمحافظة ) ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 783 ص 207 )  .

( [1551] ) بلانيول ريبير وردوان 7 فقرة 874 - دى باج 3 فقرة 128 - فقرة 134  .

( [1552] ) كولميه دى سانتير 5 فقرة 62 مكررة - ديموج 6 فقرة 242 - جوسران 2 فقرة 621 - دى باج 3 فقرة 73 - فقرة 74  .

( [1553] ) بيدان ولاجارد 8 فقرة 576 - كولان وكابيتنان ومورانديير 2 فقرة 154 - مازو 3 فقرة 2276 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 71 - انظر أيضاً الموجز للمؤلف ص 439 هامش رقم 2  .

( [1554] ) انظر فى هذا المعنىك بودرى وبارد 1 فقرة 472 ص 501 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 828 ص 157 - بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 1518  .

( [1555] ) انظر تاريخ هذا النص فى السيط جزء أول ص 911 هامش رقم 1  .

( [1556] ) وتنص المادة 260 من تقنين الموجبات والعقود اللبنانى على أنه " يجب أن يكون بدل العطل والضرر معادلاً تماماً للضرر الواقع أو الربح الفائت "  .

( [1557] ) نقض مدنى 19 أبريل سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 118 ص 744 - ص 338 - وقد لا يوجد إلا عنصر واحد فيقتصر التعويض عليه : استئناف مختلط 13 أبريل سنة 1910 م 22 ص 257  .

( [1558] ) الموجز للمؤلف فقرة 445 ص 440 - ص 441  .

( [1559] ) استئناف مختلط 9 يونيه سنة 1927 م 39 ص 538 - قارن استئناف مختلط 3 يونيه سنة 1903 م 15 ص 331  . وانظر فى كل هذا الموجز للمؤلف فقرة 445 ص 441  .

وتقدير التعويض من سلطة قاضى الموضوع  . وقد قضت محكمة النقض بأن تقدير التعويض متى قامت أسبابه ولم يكن فى القانون نص ملزم باتباع معايير معينة فى خصوصه هو من سلطة قاضى الموضوع  . فإذا كان الحكم ، فى تقديره التعويض الذى قضى به لمؤجر على مستأجر استمر فى وضع يده على الأرض المؤجرة دون رضاء المؤجر ، قد استهدى بفئات الإيجار السنوية المقررة بمرسوم بقانون معلوم لكافة الناس لنشره فى الجريدة الرسمية ، وبالعلم العام بارتفاع أجور الأطيان للحالة الاقتصادية السائدة فى السنوات المعاصرة اللاحقة لعقد المستأجر ، وبقبول المستأجر لفئه الإيجار بواقع كذا جنيهاً للفدان إذا ما استمر وضع يده على العين برضاء المؤجر ، فلا يصح أن ينعى عليه أنه أخل بحق المستأجر فى الدفاع إذ اعتبر ضمن ما اعتبر به فى تقدير التعويض بفئات الإيجار السنوى الواردة بذلك المرسوم بقانون الذى لم يكن بين أوراق الدعوى ولم يتمسك به أحد من الخصوم ( نقض مدنى 15 ديسمبر سنة 1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 29 ص 98 )  . ولكن يجب بيان عناصر الضرر فى الحكم ، والحكم الذى يقضى بمبلغ معين على سبيل التعويض ، إذا لم يبين عناصر الضرر الذى قضى من أجله بهذا المبلغ ، فإنه يكون قاصراً قصوراً يستوجب نقضه ( نقض مدنى 27 مارس سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 119 ص 693 )  .

وانظر فى مقياس التعويض عن الضرر المباشر وفى الظروف الملابسة التى من شأنها أن تؤثر فى تقدير التعويض عن المسئولية التقصيرية والضرر المتغير والوقت الذى يقدر فيه : الوسيط الجزء الأول فقرة 467 - فقرة 649  .

( [1560] ) الوسيط جزء أول فقرة 451  .

( [1561] ) قارن المادة 261 من تقنين الموجبات والعقود اللبنانى ، وتنص المادة على " إن الإضرار غير المباشرة ينظر إليها بعين الاعتبار كالأضرار المباشرة ، ولكن بشرط أن تثبت كل الثبوت صلتها بعدم تنفيذ الموجب "  .

( [1562] ) وقد سبق أن بسطنا ذلك تفصيلاً فى الوسيط جزء أول فقرة 610  .

( [1563] ) انظر تاريخ هذا النص فى الوسيط جزء أول ص 684 هامش رقم 1 - وتنص المادة 262 من تقنين الموجبات والعقود اللبنانى على " أن التعويض ، فى حالة التعاقد ، لا يشمل سوى الأضرار التى كان يمكن توقعها عند إنشاء العقد ، ما لم يكن المديون قد ارتكب خداعاً "  .

( [1564] ) انظر فى كل ذلك الوسيط الجزء الأول فقرة 451 - فقرة 453  . وانظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 544  .

( [1565] ) انظر فى التعويض النقدى والتعويض غير النقدى فى المسئولية التقصيرية ديموج 6 فقرة 296 - فقرة 300 مكررة – الوسيط الجزء الأول فقرة 644 - فقرة 645  . وانظر فى التعويض عن عدم التنفيذ أو التأخر فى التنفيذ - إذا أتلف عامل النقل البضاعة أو تأخر فى تسليمها ، أو أساء الصانع صنع أثاث عهد إليه فى صنعه ، ونحو ذلك – عن طريق ترك الشئ التالف للمدين المقصر ( laisse pour compte ) وتقاضى قيمة الصحيح كاملة منه : بودرى وبارد 1 فقرة 449 - ديموج 6 فقرة 292 - فقرة 295 وفقرة 298 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 822 - بيدان ولاجارد 8 فقرة 571 ص 412 - جوسران 2 فقرة 605  .

( [1566] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 293 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد  . وأقرته لجنة المراجعة تحت رقم 222 فى المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب ، ثم مجلس الشيوخ تحت رقم 215 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 546 - ص 548 )  . وانظر المذكرة الإيضاحية لهذا النص فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 547  . ويقابل هذا النص فى التقنين المدنى السابق المادتين 119 / 177 و 178 / 241 : م 119 / 177 - التضمينات المترتبة على عدم الوفاء بكل المتعهد به أو بجزئه أو المترتبة على تأخير الوفاء لا تكون مستحقة زيادة على رد ما أخذه المتعهد إلا إذا كان عدم الوفاء أو التأخير منسوباً لتقصير المتعهد المذكور  . م 178 / 241 : إذا صار الوفاء غير ممكن بتقصير المدين أو حدث عدم الإمكان بعد تكليفه بالوفاء تكليفاً رسمياً ألزم بالتضمينات  . ( ولا تختلف أحكام التقنين المدنى الجديد عن هذه الأحكام )  .

ويقابل النص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 216 ( مطابقة لنص المادة 215 من التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى م 168 ( مطابقة لنص المادة 215 من التقنين المدنى المصرى ، غير أنها مقصورة على المسئولية العقدية - وانظر الدكتور حسن الذنون فى أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى ةقرة 36 - فقرة 38 )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 218 ( مطابقة لنص المادة 215 من التقنين المدنى المصرى )  .

تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م 254 : فى حالة التعاقد يكون المديون مسئولاً عن عدم تنفيذ الموجب إلا إذا أثبت أن التنفيذ أصبح مستحيلاً فى الأحوال المبينة فى المادة 341 - م 255 : فى بعض العقود وعلى وجه الاستثناء لا يكون المديون مسئولاً لمجرد عدم تنفيذه العقد ، بل يكون إلحاق التبعة به موقوفاً على ارتكابه خطأ يجب على الدائن إثباته ، ويعين القانون درجة أهميته – م 256 : أن شروط نسبة الضرر ، فى حالة عدم التعاقد ، معينة فى المادة 12 وما يليها  . ( وجملة هذه الأحكام تتفق مع أحكام التقنين المدنى المصرى )  .

( [1567] ) فقرة 424 ص 654  .

( [1568] ) وقد عاجلنا شروط استحقاق التعويض عند الكلام فى المسئولية العقدية وفى المسئولية التقصيرية ، فنكتفى بالإحالة إليها هنا حيث نقتصر على افتراض الالتزام بالتعويض قائماً بعد أن استوفى شورطه ، دون نظر إلى مصدره هل هو عقد أو غير عقد ( انظر فى هذا المعنى دى باج 3 فقرة 98 )  .

( [1569] ) فقرة 427 - فقرة 435  .

( [1570] ) الوسيط جزء أول فقرة 526 - فقرة 543 وفقرة 662 - فقرة 736  .

( [1571] ) انظر أيضاً المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 542 - ص 544  .

( [1572] ) فقرة 442 - 449  .

( [1573] ) الوسيط الجزء الأول فقرة 568 - فقرة 580  .

( [1574] ) انظر النص وتاريخه فى الوسيط الجزء الأول ص 868 وهامش رقم 1  .

( [1575] ) انظر أيضاً الموجز للمؤلف ص 442 هامش رقم 1 - وقد نصت المادة 263 من تقنين الموجبات والعقود اللبنانى على أنه " يعتد بالأضرار الأدبية كما يعتد بالأضرار المادية بشرك أن يكون تقدير قيمتها بالنقود ممكناً على وجه معقول "  . ونصت المادة 264 من نفس التقنين على أنه " يمكن الاعتداد بالأضرار المستقبلة على الشروط وعلى القياس المنصوص عليها للتعويض المختص بالإجرام فى المادة 134 فقرتها السادسة "  . وقضت المادة 205 من التقنين المدنى العراقى بأن حق التعويض يتناول الضرر الأدبى  . وهذا النص قد ورد بين النصوص المتعلقة بالمسئولية التقصيرية ، ولا نص على الضرر الأدبى فى المسئولية العقدية  . ومن ثم ذهب الدكتور حسن الذنون ( أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى فقرة 54 ) إلى أن حق التعويض يتناول الضرر الأدبى فى المسئولية التقصيرية دون المسئولية العقدية ، ويلاحظ على هذا الرأى أن الفقه الحديث قد أصبح مجمعاً على جواز التعويض عن الضرر الأدبى فى المسئوليتين التقصيرية والعقدية ، وأن نص المادة 205 مدنى عراقى ، وإن كان قد ورد فى المسئولية التقصيرية إذ هى الميدان الأكثر اتسعاً للضرر الأدبى ، ليس إلا تطبيقاً لقاعدة عامة هى جواز التعويض عن الضرر الأدبى بوجه عام  .

( [1576] ) الوسيط الجزء الأول فقرة 454 - فقرة 455 وفقرة 581 - فقرة 610  .

( [1577] ) انظر نص المادة 216 مدنى وتاريخ النص فى الجزء الأول من الوسيط ص 889 وهامش رقم 2  .

( [1578] ) الوسيط الجزء الأول فقرة 596  .

( [1579] ) انظر فى تاريخ النص الوسيط الجزء الأول ص 672 هامش رقم 1  .

( [1580] ) انظر الوسيط الجزء الأول فقرة 437 - فقرة 441  .

( [1581] ) انظر الوسيط الجزء الأول فقرة 652 - فقرة 654 - وانظر آنفاً المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 543  .

( [1582] ) ولكن قبل وقوع الضرر الذى يقدر الشرط الجزائى التعويض عنه ، وذلك حتى لا يلتبس بالصلح أو بالتجديد ( دى باج 3 فقرة 120 )  .

( [1583] ) ومن الأمثلة على شرط جزائى يقدر التعويض عن عمل غير مشروع الشرط الجزائى الذى يتفق عليه فى حالة الإخلال بوعد بالزواج ، إذ الإخلال بهذا الوعد تترتب عليه مسئولية تقصيرية لا عقديه ( قارن أوبرى ورو 4 فقرة 309 ص 172 )  . كذلك الشرط الجزائى الذى يتفق عليه فى حالة إبطال بيع الغير تقدير لتعويض عن مسئولية تقصيرية  . وإذا حدد المتعاقدان مبلغ التعويض فى حالة فسخ العقد ، فالمسئولية التى تتخلف عن فسخ العقد إنما هى مسئولية تقصيرية حدد المتعاقدان بشرط جزائى مبلغ التعويض عنها ( قارب دى باج 3 فقرة 121 مكررة ثالثاً وفقرة 123 )  . وإذا كان الإخلال بالعقد جريمة جنائية – كجريمة التبديد – واتفق المتعاقدان على شرط جزائى ، فإن هذا يكون اتفاقاً مقدماً على التعويض عن جريمة أى عن عمل غير مشروع ( دى باج 3 فقرة 117 )  .

( [1584] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 573  .

( [1585] ) 25 ديسمبر سنة 1922 المحاماة 3 ص 214 - ويقول ديموج فى هذا الصدد أن الشرط الجزائى يصح أن يكون مبلغاً من النقود ، كما يصح أن يكون شئياً أو عملاً أو امتناعاً أو تقصير ميعاد فى استعمال الحق أو تشديداً فى شروط استعماله أو اشتراط ترخيص أو تغيير مكان تنفيذ الالتزام ( ديموج 6 فقرة 453 ص 488 ) - انظر أيضاً : نقض مدنى 17 ديسمبر سنة 1931 مجموعة عمر 1 ص 30 - محكمة مصر الوطنية 25 مايو سنة 1901 الحقوق 17 ص 9 - 15 فبراير سنة 1923 المحاماة 3 ص 349 - طنطا الكلية الوطنية 17 يناير سنة 1922 المحاماة 3 ص 82 - مصر الوطنية الاستئنافية 16 أبريل سنة 1930 المحاماة 12 ص 245 - وانظر الموجز للمؤلف فقرة 448  .

هذا والأصل فى الشرط الجزائى هو أن يكون تقديرا ًمقدماً للتعويض كما أسلفنا القول  . ولكن قد يستعمله المتعاقدان لأغراض أخرى  . من ذلك أن يتفقا على بملغ كبير يزيد كثيراً على الضرر الذى يتوقعانه ، فيكون الشرط الجزائى بمثابة تهديد مالى  . وقد يتفقان على مبلغ صغير يقل كثيراً عن الضرر المتوقع ، فيكون الشرط الجزائى بمثابة إعفاء أو تخفيف من المسئولية  . فإذا ستر الشرط الجزائى غرضاً غير مشروع ، كأن أخفى إعفاء غير مشروع من المسئولية ، كان الشرط باطلاً ( انظر بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 867 - دى باج 3 فقرة 119 - وقارن أوبرى ورو 4 فقرة 309 ص 172 - بودرى وبارد 2 فقرة 1345 ) - وقد يكون الغرض من الشرط الجزائى تأكيد التزام المتعهد عن الغير ، بتحديد مبلغ التعويض الذى يكون مسئولاً عنه إذا لم يقم بحمل الغير على التعهد  . وقد قضت محكمة النقض بأن الشرط الجزائى متى تعلق بالتزام معين وجب التقيد به وإعماله فى حالة الإخلال بهذا الالتزام ، أياً كان الوصف الصحيح العقد الذى تضمنه ، بيعاً كان أو تعهداً من جانب الملتزم بالسعى لدى الغير لإقرار البيع ، وإذن فإذا كان الحكم ، مع إثباته إخلال الملتزم بما تعهد به بموجب العقد من السعى لدى من ادعى الوكالة عنهم لإتمام بيع منزل فى حين أنه التزم بصفته ضامناً متضامناً معهم بتنفيذ جميع شروط العقد ، لم يعمل الشرط الجزائى المنصوص عليه فى ذلك العقد قولاً بأن العقد فى حقيقته لا يعدو أن يكون تعهداً شخصياً بعمل معين من جانب المتعهد ، فإنه يكون قد أخطأ ( نقض مدنى 12 يناير سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 52 ص 182 )  . وقد يوضع شرط جزائى فى الاشتراط لمصلحة الغير لتقدير التعويض المستحق للمشترط فى حالة إخلال المتعهد بالتزامه نحو المنتفع ، وكان وضع الشرط الجزائى ( stipulation poenae ) على هذا النحو فى القانون الرومانى سبيلاً لتصحيح الاشتراط لمصلحة الغير ذاته ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 868 - دى باج 3 فقرة 119 )  .

( [1586] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 301 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجدي ، وأقره لجنة المراجعة تحت رقم المادة 230 من المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب ، ثم مجلس الشيوخ تحت رقم 223 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 569 - ص 570 )  .

( [1587] ) وكانت المادة 98 / 152 من التقنين المدنى السابق تجرى على الوجه الآتى : " إذا كان التعهد بشئ معين مقرر حكمه فى القانون أو متفق عليه بين المتعاقدين بأن يكون جزاء للمتعهد عند عدم وفائه بشئ متعهد به فى الأصل ، كان الخيار للمتعهد غليه فى طلب وفاء التعهد الأصلى أو التعهد الجزائى بعد تكليف المتعهد بالوفاء تكليفاً رسمياً "  . وهذا النص يوهم أن الشرط الجزائى التزام تخييرى ، للدائن أن يطالب به أو أن يطالب بالالتزام الأصلى  . وهذا خطأ تشريعى ( قارن مصر الكلية 20 نوفمبر سنة 1894 القضاء 2 رقم 13 )  . أما التقنين المختلط ( م 152 ) فقد أضاف العبارة الآتية : " إنما يجوز دائماً للمتعهد منع هذا الخيار بقيامه بوفاء التعهد الأصلى بتمامه ، ما لم يكن التعهد الجزائى منصوصاً على وجوبه لمجرد التأخر "  . وبهذه الإضافة يكون التقنين المختلط أكثر دقة من التقنين الوطنى ( انظر والتون 2 ص 395 - ص 396 - الموجز للمؤلف ص 445 هامش رقم 1 )  .

( [1588] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 224 ( مطابقة لنص المادة 223 من التقنين المدنى المصرى ) - التقنين المدنى العراقى م 170 فقرة أولى ( مطابقة لنص المادة 223 من التقنين المدنى المصرى ) - التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 226 ( مطابقة لنص المادة 223 من التقنين المدنى المصرى )  . تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م 266 فقرة أولا : للمتعاقدين أن يعينوا مقدماً فى العقد أو فى صك لاحق ، قيمة بدل العطل والضرر فى حالة تخلف المديون عن تنفيذ الموجب كله أو بعضه ( والحكم واحد فى التقنين اللبنانى والمصرى )  .

( [1589] ) ومن أجل ذلك لا يجتمع الشرط الجزائى عن عدم التنفيذ مع التنفيذ العينى ، ولكن يجتمع مع التنفيذ العينى الشرط الجزائى عن التأخير فى التنفيذ ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 875 )  .

( [1590] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد : " ليس الشرط الجزائي في جوهره إلا مجرد تقدير اتفاقي للتعويض الواجب أداؤه  . فلا يعتبر بذاته مصدراً لوجوب هذا التعويض ، بل للوجوب مصدر آخر قد يكون التعاقد في بعض الصور ، وقد يكون العمل غير المشروع في صور أخري  . فلابد لاستحقاق الجزاء المشروط إذن من اجتماع الشروط الواجب توافرها للحكم بالتعويض ، وهي الخطأ والضرر والإعذار " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 573 )  .

( [1591] ) وكان هذا هو الحكم أيضا في عهد التقنين المدني السابق : استئناف مصر ( الدوائر المجتمعة ) 2 ديسمبر سنة 1926 المجموعة الرسمية 27 ص 153 - المحاماة 7 ص 331 استئناف مص ر 7 ديسمبر سنة 1942 المجموعة الرسمية 43 رقم 7 ص 165 - استئناف مختلط 22 فبراير سنة 1912 م 24 ص 164 - 9 ديسمبر سنة 1925 م 38 ص 91 - 28 يناير سنة 1930 م 42 ص 238  . 

( [1592] ) استئناف مختلط 22 فبراير سنة 1912 م 24 ص 164  .      

( [1593] ) ووقوع خطأ من المدين يترك إلي تقدير محكمة الموضوع بعد استيفاء الشروط القانونية للخطأ  . وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا نص في العقد علي شرط جزاء عند عدم قيام المتعهد بما التزم به ، فلمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في اعتباره مقصراً أو غير مقصر حسبما يتراءي لها من الأدلة المقدمة ، ولا سلطة لمحكمة النقض عليها في هذا التقدير ( نقض مدني 17 ديسمبر سنة 1931 مجموعة عمر 1 رقم 18 ص 30 )  . والدائن بالشرط الجزائي هو الذي يقع عليه عبء إثبات خطأ المدين ( استئناف مختلط 28 يناير سنة 1930 م 42 ص 238 )  .

( [1594] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 574  . 

( [1595] ) وهذا هو الأصل في نصه الفرنسي :

Art  . 1152 : Lorsque la convention port que celui qui manquera de Pexecutef paiera une certane somme a titre de dommage – interest il ne peut elre alloue a lautre partre partie une somme plus forte ni moindre  .         

( [1596] ) ويكون الغرض من الشرط الجزائي منع أي جدل يدور حول وقوع الضرر ومقدار تعويضه ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 868 )  .        

( [1597] ) كان القضاء الوطني متردداً في أول الأمر  . فبعض الأحخكام كانت تقضي بوجوب وقوع الضرر لاستحقاق الشرط الجزائي : استئناف أهلي 29 نوفمبر سنة 1910 الحقوق 26 ص 85 - 24 فبراير سنة 1914 الحقوق 31 ص 46 - 10 نوفمبر سنة 1915 المجموعة الرسمية 17 رقم 29 ص 44 - 30 يناير سنة 1923 المحاماة 3 ص 209 - 14 مايو سنة 1923 المحاماة 4 ص 33 – 7 نوفمبر سنة 1924 المجموعة الرسمية 26 ص 13 وكانت أحكام أخري لا تشترط إثبات وقوع الضرر : استئناف أهلي 13 فبراير سنة 1906 الاستقلال 5 ص 258 – 2 ديسمبر سنة 1909 الحقوق 25 ص 61 – 20 فبراير سنة 1911 المجموعة الرسمية 12 رقم 69 ص 128 - 8 ديسمبر سنة 1913 الحقوق 29 ص 238 – 2 ديسمبر سنة 1914 الشرائع 2 ص 117  . ثم حسمت محكمة الاستئناف الوطنية فى دوائرها المجتمعة هذا الخلاف ، وقضت بوجوب وقوع الضرر لاستحقاق الشرط الجزائى ( 2 ديسمبر سنة 1926 المجموعة الرسمية 27 ص 153 – المحاماة 7 ص 331 )  . غير أن محكمة استئناف مصر قضت فى حكم لها ، بعد صدور حكم الدوائر المجتمعة ، بأن وقوع الضرر لا يشترط : 28 أبريل سنة 1932 المحاماة 13 رقم 425 / 1 ص 860  .

        وكان القضاء المختلط متردداً كذلك  . فمن الأحكام ما قضت بوجوب وقوع الضرر : استئناف مختلط أول مارس سنة 1900 م 12 ص 145 - 9 فبراير سنة 1905 م 17 ص 112 - 12 نوفمبر سنة 1908 م 21 ص 9 - 17 أبريل سنة 1912 م 24 ص 282 – 6 يناير سنة 1915 م 27 ص 108 - 13 أبريل سنة 1920 م 32 ص 271 – ومن الأحكام ما قضت بعكس ذلك ولم تشترط وقوع الضرر : استئناف مختلط 28 فبراير سنة 1907 م 19 ص 139 – 10 فبراير سنة 1909 م 21 ص 170 - 4 مايو سنة 1916 م 28 ص 301 ثم حسمت محكمة الاستئناف المختلطة فى دوائرها المجتمعة هذا الخلاف ، وقضت بوجوب وقوع الضرر كما فعلت بعد ذلك محكمة الاستئناف الوطنية ( استئناف مختلط دوائر مجتمعة 9 فبراير سنة 1922 م 34 ص 155 – أنظر أيضا فى هذا المعنى : استئناف مختلط 12 مايو سنة 1936 م 48 ص 262 – 23 ديسمبر سنة 1942 م 55 ص 21 - 91 ديسمبر سنة 1945 م 58 ص 17 )  . وبقى الخلاف هل مع وجود الشرط الجزائى يقع عبء إثبات الضرر على الدائن ( استئناف مختلط أول مارس سنة 1928 م 40 ص 214 - 28 يناير سنة 1930 م 42 ص 238 - 23 ديسمبر سنة 1942 م 55 ص 21 ) أو ينتقل عبء الإثبات إلى المدين فيكلف بنفى وقوع الضرر ( استئناف مختلط 13 مايو سنة 1924 م 36 ص 367 - 9 ديسمبر سنة 1925 م 38 ص 91 - 25 مارس سنة 1930 م 42 ص 381 – 9 ديسمبر سنة 1945 م 58 ص 17 : يعتبر سكوت الدائن مدة طويلة قرينة على انتفاء الضرر )  . وينص التقنين الجديد – كما سنرى – أن عبء الإثبات ينتقل إلى المدين ، وهو الذى عليه أن يثبت أن الدائن لم يلحقه ضرراً ( أنظر فى القضاء المصرى فى عهد التقنين المدنى السابق الموجز للمؤلف 2 444 هامش رقم 1 )  .

( [1598] )وقد قضت محكمة النقض بأنه متى كان الطاعن اتفق مع المطعون عليه على أن يحصل من ابنه على إجازة العقد الخاص بإشراكه فى إدارة عمل رسما على أبن الطاعن ، كما اتفقنا على أنه إذا أخل الطاعن بهذا الالتزام فيدفع للمطعون عليه مبلغاً معيناً بصفة تعويض ، وكان مقتضى هذا الشرط الجزائى أن يكون على الطاعن الذى أخل بالتزامه – فحق عليه التعويض – عبء إثبات ان ابنه قد خسر في الصفقة وأنه بذلك لا يكون قد أصاب المطعون عليه ضرر نتيجة عدم إشراكه في العمل المذكور ، وكان يبين من الأوراق أن الطاعن قصر دفاعه علي مجرد القول بأن ابنه خسر في الصفقة دون تقديم ما يؤيدذلك ، فيكون فيما جاء بالحكم ، بناء علي الأسباب التي أوردها ، من عدم التعويل علي دفاع الطعان بأنه لم يلحق المطعون عليه ضرر ، الرد الكافي علي ما ينعي به الطاعن من أن الحكم لم يتحدث عن الضرر ( نقض مدني 30 أكتوبر سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 10 ص 54 )  .

( [1599] ) ومع ذلك يجوز الاتفاق علي مخالفة هذا الحكم ، ويكون هذا بمثابة اتفاق علي التشديد من المسئولية وتحميل المدين تبعة الحادث الفجائي  . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد : " فيشترط أولا توافر الخطأ  . ويتفرع علي ذلك أن الجزاء المشروط لا يجوز استيفاؤه متي أصبح الوفاء بالالتزام مستحيلا من جراء سبب أجنبي لا يد للمدين فيه ( م 163 فقرة 2 من تقنين الالتزامات السويسري و م 677 من التقنين البرتغالي ) بيد أن الاتفاق علي مخالفة هذا الحكم يقع صحيحا بوصفه اشتراطا من اشتراطات التشديد من المسئولية ، يقصد منه إلي تحميل المدين تبعة الحادث الفجائي ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 573 - ص 574 )  .        

( [1600] ) استئناف مختلط 28 فبراير سنة 1934 م 46 ص 195( لا ضرورة للإعذار في شرط جزائي لالتزام بالامتناع عن عمل )  .       

( [1601] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ف مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 574 - ص 575 وكان هذا هو أيضا الحكم في عهد التقنين المدني السابق ( م 98 مدني أهلي ) : استئناف أهلي 2 مايو سنة 1893 الحقوق 8 ص 145 – 21 يونية سنة 1914 الشرائع 2 ص 49 - استئناف مصر 24 يناير سنة 1926 المجموعة الرسمية 27 رقم 44 ص 67 - مصر الكلية الوطنية 19 أغسطس سنة 1905 الاستقلال 4 ص 535 - استئناف مختلط 11 يونية سنة 1890 م 2 ص 207 - 17 مارس سنة 1898 م 10 ص 204 - 30 مايو سنة 1900 م 12 ص 296 - 28 فبراير سنة 1907 م 19 ص 139 – 31 أكتوبر سنة 1929 م 42 ص 9  .      

( [1602] ) انظر أيضا المادة 1230 من التقنين المدني الفرنسي  .

( [1603] ) انظر آنفا فقرة 466  .

( [1604] ) استئناف مختلط 19 يناير سنة 1924 م 39 ص 179 - 30 نوفمبر سنة 1911 جازيت 2 ص 34  .     

( [1605] ) ومن ذلك نتبين عدم دقة المادة 98 من التقنين المدني الوطني السابق والمادة 1228 من التقنين المدني الفرنسي  . فالمادة 98 من التقنين المدني الوطني السابق كانت توهم أن الشرط الجزائي التزام تخييري الخيار فيه للدائن ، وهذا خطأ تشريعي سبقت الإشارة إليه  . وقد أصلحت المادة 152 من التقنين المدني المختلط هذا الخطأ بأن أضافت : " إنما يجوز دائما للمتعهد منع هذا الخيار بقيامه بوفاء التعهد الأصلي بتمامه ، ما لم يكن التعهد الجزائي منصوصا علي وجوبه لمجرد التأخر "  . وقد مر ذكر ذلك ( انظر آنفا ص 854 هامش رقم 1 )  .

أما المادة 1228 من التقنين المدني الفرنسي فتنص علي أنه " يجوز للدائن ، بدلا من مطالبة المدين المعذر بالشرط الجزائي ، أن يطالب بتنفيذ الالتزام الأصلي "  . وهذا النص يوهم أيضا أن الشرط الجزائي التزام تخييري الخيار فيه للدائن  . ولكنه يفسر في فرنسا علي الوجه الصحيح ، فلا يجوز للدائن أن يطالب بالشرط الجزائي إذا عرض المدين تنفيذ الالتزام الأصلي ، ولا يجوز للمدين أن يعرض الشرط الجزائي إذا طالب المدين بتنفيذ الالتزام الأصلي وكان هذا التنفيذ ممكنا ، وكل ما يعنيه النص هو أن وجود الشرط الجزائي لا يمنع الدائن من المطالبة بتنفيذ الالتزام الأصلي ( كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 265 )  .  

( [1606] ) أوبري ورو 4 فقرة 309 ص 171 هامس رقم 1 - بودري وبارد 2 فقرة 1360 فقرة 1361 - ديموج 6 فقرة 445 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 872 - دي باج 3 فقرة 123  .

كذلك لا يمكن اعتبار الالتزام الأصلي التزاما معلقا علي شرط ، بل هو التزام بسيط  . والالتزام المعلق علي شرط هو الالتزام بالشرط الجزائي ، فأنه لا يستحق إلا إذا أصبح تنفيذ الالتزام الأصلي مستحيلا بخطأ المدين ( لارومبيير 4 المادة 1228 فقرة 5 - لوران 17 فقرة 431 - هبك 7 فقرة 370 - ديمولومب 26 فقرة 648 - أوبري ورو 4 فقرة 309 ص 171 هامش رقم 1 - بودري وبارد 2 فقرة 1362 - ديموج 6 فقرة 445 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 872 - دي باج 3 فقرة 126 ) وانظر في تكييف الشرط الجزايئ مقالا للأستاذ سيرانوفاشيو ( Seirano Facio ) في الطبيعة القانونية للشرط الجزائي في القانون الفرنسي وفي القوانين اللاتينية الأمريكية ( المجلة الدولية للقانون المقارن سنة 1949 ص 315 )  .       

( [1607] ) استئناف مختلط 22 فبراير سنة 1912 م 24 ص 164 - وقد يقترن بيع ملك الغير بشرط جزائي ، ولا يجيز المالك الحقيقي العقد فيبطل المشتري البيع ويتقاضي الشرط الجزائي  . والسبب في ذلك أن الشرط الجزائي هنا ليس تابعا لالتزام باطل نشأ عن بيع ملك الغير ، وإلا كان الشرط الجزائي ذاته باطلا أيضا ، وإنما هو تابع لالتزام نشأ عن مسئولية البائع لملك غيره ، وهي مسئولية تقصيرية قائمة ، فيقوم معها الشرط الجزائي ( انظر آنفا فقرة 477 في الهامش  . وقارن أوبري ورو 4 فقرة 309 ص 172 وهامش رقم 4 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 872 ص 206 ) وهذا بخلاف ما إذا اقترن عقد صحيح بشرط جزائي ، فيكون الشرط الجزائي تابعا للالتزام الناشيء من العقد الصحيح ، فإذا فسخ العقد سقط بفسخه الشرط الجزائي ، وسيأتي بيان ذلك  .

( [1608] ) وقد نصت المادة 1227 من التقنين المدني الفرنسي علي أن " بطلان الالتزام الأصلي يستتبع بطلان الشرط الجزائي ، أما بطلان الشرط الجزائي فلا يستتبع بطلان الالتزام الأصلي "  . وانظر هيك 7 فقرة 798 - لوران 17 فقرة 428 - أوبري ورو 4 فقرة 309 ص 172 - بودري وبارد 2 فقرة 1357 - ديموج 6 فقرة 461 - فقرة 462  .

وجاء في الموجز للمؤلف في هذا الصدد : : إذا كان الالتزام الأصلي باطلا ، كان الشرط الجزائي وهو التزام تبعي باطلا مثلا  . مثل ذلك أن يتعهد شخص بألا يطلق زوجته حتي لو خانت الأمانة الزوجية ، وإلا دفع لها مبلغا معينا علي سبيل التعويض  . هذا الشرط الجزائي باطل ، لأنه تابع لتعهد باطل لمخالفته للنظام العام وللآداب ( انظر استئناف مختلط 22 فبراير سنة 1912 م 24 ص 164 ) ولكن للزوجة شرعا أن تشترط علي زوجها تطليق ضرتها ، كما لها أن تشترط عليه ألا يتزوج عليها ، وإلا طلقت منه واستحقت تعويضا ، وليس للمحكمة أن تمتنع عن التصديق علي التعويض المقدر إلا إذا ثبت أنه جائر وغير مقبول وغير متناسب المرة مع الضرر الذي سببه الطلاق ( شبين الكوم 10 ديسمبر سنة 1930 المحاماة 11 ص 540 ) ولكن إذا كان الشرط الجزائي باطلا ، فلا يستتبع ذلك أن يكون الالتزام الأصلي باطلا ، لأن الشرط الجزائي التزام تابع ، فلا يتعلق به مصير الالتزام الأصلي  . ثل ذلك أن يتعهد ممثل بألا يظهر علي مسرح معين ، وإلا التزم بأن يعيش في مكان مقفل طول حياته  . الشرط الجزائي في هذا الفرض باطل لمخالفته للنظام العام إذ هو قيد خطير علي الحرية الشخصية ، ولكن الالتزام الأصلي صحيح ، فيبقي الممثل ملتزما بألا يظهر علي هذا المسرح المعين ، فإن فعل كان مسئولا عن التعويض ،وتولي القاضي تقديره  . ويمكن في هذه المناسبة أن نميز بين الشرط الجزائي والالتزام الشرطي  . فلو حورنا المثل المتقدم وجعلناه التزاما شرطيا ، بأن يتعهد الممثل في الأصل أن يعيش في مكان مقفل طول حياته إذا ظهر علي مسرح معين ، فإن الالتزام الأصلي هنا يكون إقامة الممثل في مكان مقفل طول حياته ، وهذا الالتزام معلق علي شرط ظهوره علي مسرح معين  . ولما كان الالتزام الأصلي باطلا ، فالشرط باطل كذلك ، ويكون المثل غير ملزم ، في هذا الفرض المحور وهو فرض الالتزام الشرطي ، بالامتناع عن الظهور علي مسرح معين ، وهو ملزم بهذا الامتناع في الفرض الآخر وهو فرض الشرط الجزائي  . علي أننا نري أن تكييف الالتزام بأنه التزام شرطي أو بأنه شرط جزائي ينظر فيه إلي نية المتعاقدين ، ولا شيء يمنع القاضي ، حتي بعد التحوير المتقدم ، من تكييف الالتزام بأنه شرط جزئي " ( الموجز للمؤلف فقرة 449 ص 445 - ص 446 ) قارب أيضا دي باج 3 فقرة 126 ، وقارن بودري وبارد 2 فقرة 1362  .

( [1609] ) كذلك جميع الأوصاف التي تلحق الالتزام الأصلي ، من شرط وأجل وتضامن ونحو ذلك ، تلحق بالتبعية الشرط الجزائي ، فيصير هذا الشرط موصوفا وصف الالتزام الأصلي ( لوران 17 فقرة 446 - هيك 7 فقرة 372 - بودري وبارد 2 فقرة 1348 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 872 ص 206 - دي باج 3 فقرة 121 مكررة ثالثا - قارن ديموج 6 فقرة 471 )  .        

( [1610] ) انظر ديموج 6 فقرة 450 - وقد قضت محكمة النقض بأن اشتراط جزاء عند عدم قيام المتعهد بما التزم به جائز في كل مشارطة ، سواء أكانت بيعا أم معاوضة أم إجازة أن أي عقد آخر ، والعربون بهذا المعني ليس خاصا بعقود البيع وحدها ( نقض مدني 17 ديسمبر سنة 1931 مجموعة عمر 1 ص 30 )  .       

( [1611] ) استئناف مختلط 16 نوفمبر سنة 1915 م 28 ص 22 - أولب فبراير سنة 1922 م 34 ص 142  .   

( [1612] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 574 - وانظر في الفروق ما بين العربون والشرط الجزائي الوسيط الجزء الأول فقرة 142 ص 263 - ص 264 و ص 264 هامش رقم 1  .

( [1613] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 575 - وقد قضت محكمة النقض بأن استظهار نية المتعاقدين من ظروف الدعوي ووقائعها مما يدخل في سلطة قاضي الموضوع ، ولا رقابة لمحكمة النقض عليه فيه  . فله أن يستخلص من نص عقد البيع ومن ظروف الدعوي وأحوالها أن المتعاقدين قصدا به أن يكون البيع بيعا تاما منجزاً بشرط جزائي ، ولم يقصدا أن يكون بيعا بعربون أو بيعا معلقا علي شرط فاسخ ( نقض مدني 5 يناير سنة 1933 مجموعة عمر 1 رقم 91 ص 163 )  . 

( [1614] ) وهناك أوضاع أخري تلتبس بالشرط الجزائي :

        من ذلك الشرط الذي يضع حداً أقصي لمقدار المسئولية ( clause de maximum ) ، فقد يتفق الطرفان علي حد أقصي لمقدار مسئولية المدين لا تصح مجاوزته ، فتشترط مصلحة السكك الحديدية أو مصلحة البريد مثلا ألا تجاوز مسئوليتها مبلغا معينا في ضياع " طرد " أو رسالة ، فإذا زاد الضرر علي هذا المبلغ المعين لم تدفع المصلحة إلا هذا المبلغ ، وأن قل عنه نزل التعويض إلي مقدار الضرر الفعلي  . أما في الشرط الجزائي ، فلا ينزل التعويض عن المبلغ المقدر ، حتي لو كان الضرر أقل ، إلا إذا تبين أن التقدير كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة ( أنظر في هذه المسألة ديموج 6 فقرة 447 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 871 - بيدان ولاجارد 8 فقرة 590 )  .

ومن ذلك ما يتفق عليه المتعاقدان من شروط لتحديد الثمن أو الأجرة أو المقابل بوجه عام  . فإذا اتفق المقاول مع رب العمل علي ميعاد معين إذا سلم العمل قبله زيد في أجره بنسبة معينة ، أو سلم العمل بعده نقص أجره بنسبة معينة ، كان هذا الاتفاق تحديداً للأجر لا شرطا جزائيا ( ديموج 6 فقرة 446 )  . وإذا اشترط في عقد إيجار الأطيان أنه " في حالة زراعة القطن مكرراً يزاد الإيجار المستحق بما يوازي الإيجار الأصلي عن القدر الذي يزرع قطنا مكرراً " ، ورأت المحكمة أن هذا الشرط ليس شرطا جزائيا يستلزم القضاء به التحقق من أن المؤجر قد لحقه ضرر بسبب مخالفته عقد الإيجار ، وإنما هو اتفاق علي مضاعفة الأجر في حالة معينة ، وهي تكرار زراعة القطن في الجزء الواحد من الأرض المؤجرة سنتين متواليتين ، ثم أعطته علي هذا لاعتبار حكمه ، وهو القضاء بالأجرة المضاعفة طبقا لعقد الإيجار فلا تقبل المناقشة في ذلك لدي محكمة النقض مادام التفسير الذي أخذت به المحكمة متفقا تمام الاتفاق مع مدلول عبارة العقد ( نقض مدني 18 فبراير سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 28 ص 58 )  . وإذا رضي الدائن أن ينزل عن جزء من الدين إذا واظب المدين علي دفع الأقساط في مواعيدها المعينة ، فإن اتفاقه مع المدين علي ذلك لا يتضمن اتفاقا علي شرط جزائي ( استئناف مختلط 20 مايو سنة 1941 م 53 ص 179 )  .

وقد يلتبس الشرط الجزائي بالصلح وبالتجديد ، وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد : " وليس يبقي بعد ذلك سوي أمر التفريق بين الشرط الجزائي وبين ما قد يشتبه به من أوضاع  . فهو يقوم علي تحديد مقدار التعويض الواجب أداؤه مقدما قبل استحقاقه ، سواء أدرج في صلب العقد أو ذكر في اتفاق لاحق  . وهو بهذا يفترق عن الصلح أو التجديد ، إذ ينعقد كلاهما بعد أن يصبح التعويض مستحقا ، إما لحسم نزاع بشأن تقدير هذا التعويض ، وإما للاستعاضة عنه بدين جديد " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 575 )  .

( [1615] ) تاريخ النصوص :

م 224 : ورد هذا النص في المادة 302 من المشروع التمهيدي علي وجه مطابق لما استقر عليه في التقنين الجديد ، فيما عدا عبارة " أن التقدير كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة " الواردة في الفقرة الثانية ، فقد كانت في المشروع التمهيدي : " أن التقدير كان فادحا "  . وأقرت لجنة المراجعة نص المشروع التمهيدي وأصبح رقمه المادة 231 من المشروع النهائي  . ووائي عليه مجلس النواب  . وفي لجنة مجلس الشيوخ استبدلت عبارة " أن التقدير كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة " بعبارة " أن التقدير كان فادحا " ، لأن كلمة " فادحا " تفيد أن التقدير غير ممكن تحمله مع أن المقصود هو أن التقدير ير متناسب ، فتكون العبارة الأولي أقرب إلي الإفصاح عن المقصود ، وأصبح رقم المادة 224  . ووافق عليها مجلس الشيوخ كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 571 – ص 572 )  .

م 225 : ورد هذا النص في المادة 303 من المشروع التمهيدي علي وجه مطابق لما استقر عليه في التقنين الجديد  . وأقرته لجنة المراجعة تحت رقم 232 في المشروع النهائي  . ووافق عليه مجلس النواب ، ثم مجلس الشيوخ تحت رقم 225 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 573 و ص 575 )  .

( [1616] ) وقد كانت المادة 123 / 181 من التقنين المدني السابق تجرى علي الوجه الآتي : " إذا كان مقدار التضمين في حالة عدم الوفاء مصرحا به في العقد أو في القانون ، فلا يجوز الحكم بأقل منه ولا بأكثر "  . ( هذا والتضمين المصرح به في القانون – كما ورد في النص – هو فوائد التأخر عن الوفاء بمبلغ من النقود ، وهو لا يدخل في الشرط الجزائي )  .

( [1617] ) التقنينات المدنية العربية الأخري : التقنين المدني السوري م 225 - 226 ( مطابقتان لنص المادتين 224 - 225 من التقنين المدني المصري )  .

التقنين المدني العراقي م 170 ( فقرة 2 و 3 ) ( مطابقة لنص المادتين 224 - 225 من التقنين المدني المصري فيما عدا كلمة " فاحا " بدلا من عبارة " مبالغا فيه إلي درجة كبيرة " )  .

التقنين المدني للمملكة الليبية المتحدة م 227 - 228 ( مطابقتان لنص المادتين 224 - 225 من التقنين المدني المصري )  .

التقنين الموجبات والعقود اللبناني 266( فقرة 2 و 3 ) : ولقد وضع البند الجزائي لتعويض الدائن من الأضرار التي تلحق به من عدم تنفيذ الموجب  . فلا يحق له أن يطالب بالأصل والغارمة معا ، إلا إذا كان البند الجزائي قد وضع لمجرد التأخير أو علي سبيل إكراه المديون علي الإيفاء  . ويحق للقاضي أن يخفض غرامة الإكراه إذا وجدها فاحشة  . وللقاضي أن ينقص البدل المعين في البند الجزائي إذا كان قد نفذ قسم الموجب الأصلي  . ( وهذه الأحكام تتفق مع أحكام التقنين المصري )  .

م 267 : إن البند الجزائي صحيح معمول به وإن كان موازيا في الواقع لبند ناف للتبعة  . وإنما تستثني حالة الخداع الذي يرتكبه المديون  .( وهذا الحكم معمول به دون نص في التقنين المدني المصري )  .

ويلاحظ أن التقنين اللبناني لم يعرض لمبدأ اشتراط الضرر لاستحقاق الشرط الجزائي ، مع أنه نص علي تخفيض الشرط الجزائي ( في صورة غرامة الإكراه ) إذا وجده القاضي فاحشا  . ويقول الدكتور صبحي المحمصاني في هذا الصدد ما يأتي : " إما بخصوص الضرر ، فإن قانون الموجبات اللبناني لم يذكر شيئا عنه ، ولكن اجتهاد القضاء ( قرار محكمة الاستئناف الخاصة بتوحيد الاجتهاد الصادر في 12 تشرين الأول سنة 1945 عدد 16 وقرار الغرفة الأولي من محكمة استئناف بيروت الصادر في 19 أيار سنة 1953 عدد 672 النشرة القضائية اللبنانية 1953 ص 537 ) سار وفاقا للاجتهاد الفرنسي علي إعفاء الدائن من إثبات حقيقة الضرر ومقداره ، علي اعتبار أن الغاية من تعيين التعويض مقدما هي تحديد التعويض بوجه مقطوع قاطع للنزاع ، ومانع مبدئيا من سماع الدعوي بالزيادة أو النقصان "  . هذا ويصعب التوفيق ، في تقنين كالتقنين اللبناني يبيح للقاضي تخفيض الشرط الجزائي( ولو في صورة غرامة الإكراه ) إذا وجده فاحشا ، بين هذا المبدأً ومبدأ مع اشتراط الضرر لاستحقاق الشرط الجزائي ، فإنه إذا جاز تخفيض الشرط الجزائي حتي يجعل متناسبا مع الضرر ، فأولي ألا يستحق أصلا إذا كان الضرر غير موجود  . والقضاء الفرنسي لا يقع في هذا التعارض ، فهو لا يشترط إثبات الضرر لاستحقاق الشرط الجزائي ، ولكنه في الوقت ذاته لا يجيز تخفيض هذا الشرط ليكون متناسبا مع الضرر  .  

( [1618] ) استئناف أهلي 4 ديسمبر سنة 1912 المجموعة الرسمية 14 رقم 18 ص 33 استئناف مختلط 17 أبريل سنة 1912 م 24 ص 282 - 26 يونية سنة 1928 م 40 ص 464 - 24 يونية سنة 1930 م 42 ص 577 - أول مارس سنة 1938 م 50 ص 150 – والتون 2 ص 406 – ص 408  .

ويتفق في هذا الحكم كل من التقنين المدني الجديد بنص صريح ، والتقنين المدني السابق بالتطبيق للقواعد العامة ، والتقنين المدني الفرنسي إذا نصت المادة 1231 من هذا التقنين علي أن " الشرط الجزائي يجوز للقاضي تعديله إذا نفذ الالتزام الأصلي في جزء منه " وانظر أيضا المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 574  . ثم أنظر : نقض مدني 17 فبراير سنة 1955 مجموعة أحكام النقض 6 رقم 91 ص 686  .  

( [1619] ) ويطبق القضاء المصري هذا الحكم علي الشرط الجزائي القاضي ، عند تأخر المدين في دفع الأقساط المستحقة ، بفسخ العقد وباعتبار ما سبق دفعه من الأقساط حقا للدائن ، فيعتبر أن هناك تنفيذا جزئيا للعق يستوجب تخفيض الشرط الجزائي ( استئناف مختلط 26 يونية سنة 1928 م 40 ص 464 - 19 مارس سنة 1929 م 41 ص 307 - أول مارس سنة 1938 م 50 ص 150 ) ويؤخذ علي هذا التطبيق أن الشرط الجزائي إنما اشترط هنا لعدم التنفيذ الجزئي لا لعدم التنفيذ الكلي ، وأن التخفيض إنما يجوز في هذه الحالة إذا كان الشرط الجزائي يصبح مبالغا فيه إلي درجة كبيرة بالنسبة إلي ما لم يتم تنفيذه من الالتزام  . 

( [1620] ) قارب استئناف مختلط 21 مارس سنة 1934 م 46 ص 219 - ولكن إذا وضع الشرط الجزائي لتأخر المدين في التنفيذ ، فإنه يصبح غير ذي موضوع إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه أصلا ( استئناف مختلط 12 مايو سنة 1936 م 48 ص 262 )  .         

( [1621] ) أما في القانون الفرنسي فلا يجوز التخفيض   حتي في هذه الحالة ( قارب بودري وبارد 2 فقرة 1351 - ديموج 6 فقرة 489 ص 523 - بلانيول وريبير وردودان 7 فقرة 870 )  .

( [1622] ) وقد كان القانون الفرنسي القديم يجيز تخفيض السرط الجزائي ( بوتييه في الالتزامات فقرة 345 ) ، ولكن التقنين المدني الفرنسي عدل ، بعد تردد أثناء مناقشة مشروع هذا التقنين في مجلس الدولة ، عن تقاليد القانون الفرنسي القديم ، ولم يجز التخفيض حتي يجعل الشرط الجزائي يحقق الغرض المتوخي منه ( بودري وبارد 1 فقرة 490 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 869 ص 202 – ص 203 )  .   

( [1623] ) وهذا الحكم واجب التطبيق في مصر وفي فرنسا علي حد سواء ( استئناف مختلط 28 يناير سنة 1914 م 26 ص 184 - أوبري ورو 4 فقرة 309 ص 174 - بودري        وبارد 2 فقرة 1352 - ديموج 6 فقرة 456 ص 492 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة – 882 - بيدان ولاجارد 8 فقرة 593 - جوسران 2 فقرة 642 )  .

( [1624] ) استئناف مختلط 6 مايو سنة 1908 م 20 ص 208 – 5 مارس سنة 1913 م 25 ص 206 - 19 مارس سنة 1913 جازيت 3 رقم 135 ص 287 - ومع ذلك انظر العكس : استئناف مختلط 6 يونية سنة 1921 م 33 ص 375  .   

( [1625] ) استئناف مختلط ( الدوائر المجتمعة ) 9 فبراير سنة 1922 م 34 ص 155 - استئناف مختلط 29 مايو سنة 1923 م 35 ص 467 - 11 ديسمبر سنة 1923 م 36 ص 75 - 26 نوفمبر سنة 1926 م 42 ص 53 - 25 مارس سنة 1930 م 42 ص 381 - 15 ديسمبر سنة 1943 م 56 ص 23 - 31 مايو سنة 1944 م 56 ص 179  .

( [1626] ) وقد كانت بعض أحكام القضاء الوطني تقضي بأن المادة 123 صريحة في وجوب القضاء بالشرط الجزائي علي وجه الإطلاق ، فليس للمحاكم أن تحكم بأقل منه أو أكثر ( استئناف أهلي 2 ديسمبر سنة 1909 الحقوق 25 ص 61 - 8 ديسمبر سنة 1913 الحقوق 29 ص 238 - 29 مارس سنة 1920 المجموعة الرسمية 22 رقم 95 ص 149 - 7 نوفمبر سنة 1924 المجموعة الرسمية 26 رقم 7 ص 13 ) - وتقضي أحكام أخري بأنه إذا تبين للمحكمة أن الشرط الجزائي المنصوص عنه في العقد مبالغ فيه ، فلها أن تعتبره شرطا تهديدياً لا يلتفت إليه ، وأن ترجع في تقدير الضرر ، إن وجد ، إلي القواعد العامة ( استئناف أهلي 4 ديسمبر سنة 1912 المجموعة الرسمية 14 رقم 18 ص 33 - 18 ديسمبر سنة 1922 المجموعة الرسمية 25 رقم 53 ص 91 )  . ثم حسمت محكمة الاستئناف في دوائرها المجتمعة هذا الخلاف ، فضت بأنه إذا ثبت لدي القاضي ان مقدار الشرط الجزائي جائر وغير مقبول وغير متناسب مع الضرر الذي حصل فعلا للمتعهد إليه ، وبعبارة أخري إذا تبين له أن الشرط الجزائي إنما هو في الواقع ونفس الأمر شرط تهديدي ليس إلا - وهذا أمر واقعي محض وخاص بكل قضية علي حدتها - فإن له في مثل هذه الحالة فقط أن يمتنع عن التصديق علي هذا التعويض الجائر ، وأن يقدره هو حسب ما يظهر له من ظروف وقائع الدعوي ( 2 ديسمبر سنة 1926 المجموعة الرسمية 27 ص 153 - المحاماة 7 ص 331 - انظر أيضا : استئناف مصر 8 يناير سنة 1933 المحاماة 13 ص 1118 )  . وبالرغم من حكم الدوائر المجتمعة صدر حكمان بعد ذلك من محكمة استئناف مصر في يوم واحد عدلت فيهما عن هذا المبدأ ، فقضت بأن القانون أباح الشرط الجزائي لفائدتين : الأولي إقفال باب المنازعة في أهمية الضرر ، والثانية إعفاء الدائن من إثبات تحقق الضرر  . فاتفاق الطرفين علي التعويض ومقداره عند وقوع مخالفة يتضمن إقراراً بالضرر ، ويجب الأخذ بما تدون في الاتفاق لأنه ارتباط قانوني له قوته ، وهو شريعة المتعاقدين يقوم مقام القانون في بيان حقوق كل منهما وواجباته ( 28 أبريل سنة 1932 المحاماة 13 ص 305 ) ، وبأن الاتفاق علي تحديد مقدار التعويض في العقد في حالة عدم تنفيذ المتعهد معناه التسليم فعلا من المتعاقدين بأنهما يعتقدان أن عدم التنفيذ يترتب عليه ضرر حتما ، وأن هذا الضرر يقدر بالمبلغ المتفق عليه ، لأنه لا يمكن الانتقال للتكلم عن مقدار التعويض إلا بعد الفراغ من مسألة استحقاقه واعتبارها مقطوعا بها ، فلا يقبل بعد ذلك من المدين مطالبة الدائن بإثبات حصول الضرر ولا قيامه هو بإثبات عدم حصوله ، كما لا تقبل منه المناقشة في مقدار التعويض ( 28 أبريل سنة 1932 المحاماة 13 ص 860 - وانظر أيضا الموجز للمؤلف ص 448 هامش رقم 3 )  . ولكن محكمة النقض أيدت قضاء الدوائر المجتمعة في حكم لها صدر بعد نفاذ التقنين الجديد ، ولكن عن وقائع حدثت قبله ، إذ قضت بأنه متي كان يبين من الحكم أن المحكمة لم تأخذ بشرط التعويض الجزائي المتفق عليه بالعقد ، وقدرت التعويض الذي طلبت المطعون عليها عدم الحكم به علي الطاعنين بمبلغ معين بناء علي الاعتبارات التي استمدتها من واقع الأوراق المقدمة في الدعوي ، ورأت معها أنه تعويض مناسب للضرر الذي لحق المطعون عليها ، فإن هذا الذي أخذت به المحكمة لا عيب فيه لدخوله في سلطتها الموضوعية واستقلالها بتقديره ( نقض مدني 27 مارس سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 116 ص 676  . وانظر أيضا : نقض مدني 17 فبراير سنة 1955 مجموعة أحكام النقض 6 رقم 91 ص 686 )  .

ونري مما تقدم أن هناك تدرجا في موقف كل من القضاء الفرنسي والقضاء المختلط والقضاء الوطني : فالقضاء الفرنسي لا يجيز تخفيض الشرط الجزائي بل ولا يشترط وقوع الضرر ، والقضاء المختلط لا يجيز تخفيض الشرط الجزائي ولكن يشترط وقوع الضرر ، والقضاء الوطني يشترط وقوع الضرر ويجيز تخفيض الشرط الجزائي في وقت واحد ( الموجز للمؤلف فقرة 450 ص 449 )  .   

( [1627] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 574  . 

( [1628] ) نقض مدني 17 فبراير سنة 1955 مجموعة أحكام النقض 6 رقم 91 ص 686 ، وقد سبقت الإشارة إلي هذا الحكم  .    

( [1629] ) ويكون الشرط الجزائي في هذه الحالة شرطا تهديديا قبله المدين ، إما تحت تأثير الضغط وإما لاعتقاده أنه سيقوم حتما بتنفيذ التزامه فلن يتعرض لتوقيع الشرط الجزائي عليه ، فقبوله للشرط الجزائي يكون إذن عن إكراه أو عن اندفاع وتسرع  .       

( [1630] ) ويترك الأمر لتقدير قاضى الموضوع دون رقابة عليه من محكمة النقض  . وقد قضت محكمة النقض بأن إثبات حصول الضرر أو نفيه من الأمر الواقعية التى تقدرها محكمة الموضوع ، فإذا رأت محكمة الاستئناف أن ما وقع من المتعهد بتوريد الأغذية لأحد الملاجئ " هو أمر خطير فيه تعريض لصحة الاجئات للخطر ، فضلا عما فيه من إفساد للمستخدمين الموكل إليهم حمايتهن والمحافظة على سلامتهن " ، ثم رأت أن التعويض المشروط فى عقد التوريد عن هذا الفعل متناسب وغير جائر ، فحكمت بإلزام المتعهد به ، فلا معقب على حكمها لمحكمة النقض( نقض مدني 7 مارس سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 41 ص 123 )  .       

( [1631] ) وقد رأينا في تاريخ نص المادة 224 أن المشروع التمهيدي لهذه المادة كان يتضمن العبارة الآتية : " إذا أثبت المدين ان التقدير كان فادحا " ، فعدلت هذه العبارة في لجنة مجلس الشيوخ إلي العبارة التي استقرت في التقنين الجديد : " إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغا فيه إلي درجة كبيرة " ( انظر آنفا فقرة 492 في الهامش ) ولا يستفاد من هذا التعديل أنه يكفي أن يكون التقدير أزيد من الضرر الحقيقي ، بل يجب أن يكون أزيد بكثير من هذا الضرر ، وإن لم يكن من الضروري أن يصل إلي درجة الفداحة والإرهاق  .

( [1632] ) وإذا اشترط الدائن ، إلي جانب الشرط الجزائي ، تعويضا من نوع آخر ، بأن اشترط علي المدين إذا لم يسلم له كذا قنطاراً من القطن مثلا وجب أن يدفع الفرق بين ثمن القطن وقت التنفيذ الذي اشتري به الدائن هذا القطن مع حساب المدين ، وهذا بالإضافة إلي شرط جزائي مقدر ، لم يجز للدائن أن يجمع بين التعويضين ، ولكن له أن يختار أحدهما ( استئناف مختلط 16 ديسمبر سنة 1926 م 39 ص 94 - 31 مارس سنة 1927 م 39 ص 364 -   11 يناير سنة 1928 م 40 ص 131 - أول مارس سنة 1928 م 40 ص 214 ) علي أنه يجوز الجمع بين التعويضين إذا كان كل تعويض يؤسس علي ضرر غير الضرر الذي يؤسس عليه التعويض الآخر ( استئناف مختلط 26 نوفمبر سنة 1929 جازيت 20 رقم 92 ص 100 - 27 مارس سنة 1930 م 42 ص 392 )  .

( [1633] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 574  . 

( [1634] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر بأنه متي ثبت أن الإخلال بالتعهد كان عن سوء قصد ، وجب تعويض الضرر دون التقيد بالشرط الجزائي ، لأن الملحوظ بين المتعاقدين عند تقديرهما التعويض بنفسهما تبادل حسن القصد بينهما ، فإذا انتفي ذلك وتبدلت النية ، وجب الرجوع إلي القاعدة العامة ، وهي التعويض عن الضرر مهما بلغت قيمته ( 30 يناير سنة 1929 المحاماة 10 ص 65 )  . انظر ايضا بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 869 ص 202  . وقد نصت المادة 267 من تقنين الموجبات والعقود اللبناني علي " أن البند الجزائي صحيح معمول به ، وإن كان موازيا في الواقع لبند ناف للتبعة ، وإنما تستثني حالة الخداع الذي يرتكبه المديون "  .

هذا ويلاحظ أن الشرط الجزائي يكون تطبيقه علي الحالة التي نظر إليها المتعاقدان ، فالشرط الجزائي المتفق عليه في حالة التأخر لا يسري علي حالة عدم التنفيذ ، فإن لم ينفذ المتعهد النزاهة تقدر التعويضات طبقا لمباديء القانون العام ( استئناف         مختلط 10 مايو سنة 1905 م 17 ص 259 - 23 مارس سنة 1916 م 28 ص 215 - المنصورة الجزئية الأهلية 17 نوفمبر سنة 1919 المجموعة الرسمية 21 ص 96 )  .

وغني عن البيان أن الطرفين لا يستطيعان أن يضيفا إلي الشرط الجزائي أنه غير قابل للزيادة حتي في حالة غش المدين أو خطئه الجسيم ، فإن هذا الاتفاق يعتبر مخالفا للنظام العام ، ولا حاجة إلي نص خاص بهذه الحالة كالنص الذي سبق ذكره في أحوال تخفيض الشرط الجزائي ( م 224 فقرة 3 ) ، فأن نص المادة 217 فقرة 2 كاف في ذلك  .

( [1635] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 574  . 

( [1636] ) استئناف مختلط 12 فبراير سنة 1919 م 31 ص 167 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 869 ص 202  .   

( [1637] ) وفي فرنسا توجد تشريعات مماثلة سبقت التشريعات المصرية ، من ذلك قانون 9 أبريل سنة 1898 الذي يقرر مقادير مقطوعة من التعويضات عن إصابات العمل ، تقوم علي أساس أجر العامل ، وتتفاوت بتفاوت جسامة الإصابة ( انظر جوسران 2 فقرة 637 )  . 

( [1638] ) وبالمثل إذا أثبت العامل خطأ جسيما في جانب رب العمل ، كان له أن يرجع عليه بتعويض كامل عن الضرر الذي أصابه ، ولو زاد علي المقدار المقطوع المقرر في القانون ، إذ لا يجوز إعفاء رب العمل إعفاء كليا أو جزئيا من مسئوليته عن الخطأ الجسيم  . ويستوي في تطبيق قانون إصابات العمل أن تنشأ الإصابة عن آلات العمل وأدواته أو تنشأ عن شيء آخر ، ما دام العامل قد أصيب بسبب العمل وفي أثناء تأديته  . وقد قضت محكمة النقض بأن المادة الثالثة من قانون إصابات العمل ، إذ نصت علي أن لكل عامل أصيب بسبب العمل وفي أثناء تأديته الحق في الحصول من صاحب العمل علي تعويض عن إصابته ، قد جاء نصها عاما شاملا لأي من الحوادث يقع فيصيب العامل سبب العمل وأثناء تأديته ، وإذن فمتي كان الحكم المطعون فيه قد قرر أن تطبيق هذه المادة والقضاء بالتعويض للعامل بموجبها مقصور علي الحوادث التي تنشأ عن آلات العمل وأدواته ، فإن هذا الذي قرره غير صحيح في القانون ، وإذا كان خطأ رب العمل الذي نشأن عنه الحادث فاحشا ، فإنه يجوز للعامل المضرور التذرع بالقواعد العامة للمسئولية التقصيرية ، دون تقيد باللجوء إلي قانون إصابات العمل ، وذلك عملا بالمادة الرابعة منه  . وإذن فإن الحكم ، وإن كان قد أخطأ في فهم قانون إصابات العمل بما قرره من وجوب أن يكون الحادث قد نشأ من آلات العمل وأدواته ، إلا أن النعي عليه بهذا الفهم الخاطيء يكون غير منتج ، متي كان قد أقام قضاءه علي دعامة يستقيم بها ، وهي وقوع خطأ فاحش من جانب رب العمل يسوغ للعامل طلب تطبيق القواعد العامة للمسئولية التقصيرية ( نقض مدني 9 ديسمبر سنةة 1954 مجموعة أحكام النقض 6 رقم 32 ص 249 )  .  

( [1639] ) انظر أيضا التعويضات المقدرة في قانون العمل الفردي  .       

( [1640] ) أما التعويض عن عدم التنفيذ فلا يتصور في الالتزام بدفع مبلغ من النقود ، فإن التنفيذ العيني يكون دائما مستطاعا ، وقد مر القول في ذلك ( انظر آنفا فقرة 421 وفقرة 459 في الهامش )  .        

( [1641] ) ثم أن النقود يمكن عادة استغلالها بسعر ليس فيه كثير من التفاوت ، ومن ثم تيسر للمشرع أن يقرر سعراً للفائدة القانونية وحداً أقصي للفائدة الاتفاقية ( انظر فقرة 580 فيما يلي )  .        

( [1642] ) وقد زاد التقنين الجديد علي التقنين القديم في كراهية الربا : فنزل بسعر الفوائد وكانت مرتفعة في التقنين القديم ، ومنع تقاضي فوائد علي متجمد الفوائد وكان ذلك جائزاً ، وحدد مجموع الفوائد بما لا يزيد علي رأس المال وكان هذا التحديد غير موجود ، وأعفي المدين في بعض حالات من دفع الفوائد حتي في الحدود التي قررها ولم يعرف التقنين القديم هذا الإعفاء  .

( [1643] ) تاريخ النصوص :

م 226 : ورد هذا النص في المادة 304 من المشروع التمهيدي علي وجه مطابق لما استقر عليه في التقنين الجديد ، فيما عدا عبارة " وكان معلوم المقدار وقت الطلب " فقد ورد بدلا منها في المشروع التمهيدي عبارة " وكان معلوم المقدار وقت نشوء الالتزام "  . وقد أقرت لجنة المراجعة نص المشروع التمهيدي ، وأصبح رقمه المادة 233 من المشروع النهائي  . ووافق عليه مجلس النواب  . وفي لجنة مجلس الشيوخ تناقش الأعضاء في تخفيض سعر الفائدة ثم استبقي السعر كما ورد في المشروع  . واقترح حذف عبارة " كان معلوم المقدار وقت نشوء الالتزام " حتي تستحق الفوائد علي المبالغ التي تتم المطالبة بها أمام القضاء ولو لم يكن مقدارها معلوماً وقت رفع الدعوي كالتعويض عن علم غير مشروع مثلا ( ! ) ويستند الاقتراح إلي ان القيد ينافي قاعدة أن الأحكام مقررة للحق  .  .  . وفيه حماية للمماطل وانتقاص لحق الدائن  .  .  . ولا يوجد له نظير في التشريع المقارن المشار إليه في المذكرة الإيضاحية  . ولم تر اللجنة الأخذ بهذا الاقتراح ، لأن المقصود من اشتراط كون الالتزام معلوم المقدار منع سريان الفوائد علي المبالغ التي يطالب الدائن بها علي سبيل التعويض عن عمل غير مشروع  . والاستناد إلي قاعدة اعتبار الأحكام مقررة غير وارد ، إذ يدخل التعويض القانوني عن التأخير في تقدير التعويض القضائي فلا يتأثر مركز الدائن من هذه الناحية  . وقد يكون تقدير التعويض بطبيعته غير ميسور إلا بعد إجراءات طويلة ، فلا يكون للمدين يد في هذا التأخير ، وقد استقر القضاء علي هذا الحكم دون نص  . ولكن اللجنة رأت من جهة أخري تعديل العبارة علي النحو الآتي : " وكان معلوم المقدار وقت الطلب " ، لأن العبرة في تعيين المقدار بوقت المطالبة لا بوقت نشوء الالتزام  . وأصبحت المادة رقمها 226  . ووافق عليها مجلس الشيوخ كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 576 وص 578 - ص 580 )  .

م 227 : ورد هذا النص في المادة 305 من المشروع التمهيدي مقتصراً علي الفقرة الأولي منه دون الفقرة الثانية  . وفي لجنة المراجعة أضيفت الفقرة الثانية وأصبح رقم المادة 234 في المشروع النهائي  . ووافق عليها مجلس النواب  . وفي لجنة مجلس الشيوخ استبدلت عبارة " إذا ما ثبت أن " الواردة في الفقرة الثانية بعبارة " إذا ما أثبت المدين أن " ، وبذلك يكون تعيين من يحمل عبء الإثبات خاضعا للقواعد العامة وأصبحت المادة رقمها 227  . ووافق مجلس الشيوخ علي المادة كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 582 و ص 584 - ص 586 )  .

م 228 : ورد هذا النص في المادة 306 من المشروع التمهيدي علي وجه مطابق لما استقر عليه في التقنين الجديد  . وأقرته لجنة المراجعة تحت رقم المادة 235 من المشروع النهائي, ووافق عليه مجلس النواب ، ثم مجلس الشيوخ تحت رقم 228 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 587 )  .      

( [1644] ) كانت المادة 124 / 182 - 184 من التقنين المدني السابق تجري علي الوجه الآتي : " إذا كان المتعهد به عبارة عن مبلغ من الدراهم ، فتكون فوائده مستحقه من يوم المطالبة الرسمية فقط إذا لم يقض العقد أو الاصطلاح التجاري أو القانون في أحوال مخصوصة بغير ذلك  . وتكون الفوائد باعتبار خمسة في المائة سنويا في المواد المدنية وستة في المائة في المواد التجارية ما لم يحصل الاتفاق علي غير ذلك "  . وكانت المادة 125 / 185 من نفش التقنين تجري علي الوجه الآتي : " لا يجوز مطلقا ان يحصل الاتفاق بين المتعاقدين علي فوائد تزيد علي ثمانية في المائة سنويا  . ويجوز تخفيض هذا الحد إلي سبعة في المائة بمرسوم  . وفي هذه الحالة لا يطبق سعر الفائدة الجديد إلا بعد مضي ستة أشهر من تاريخ نشر المرسوم  . ويجوز رد الحد المخفض إلي أصله بنفس الشروط والأوضاع المذكورة  . وكل اتفاق نص فيه علي فائدة تزيد علي هذا الحد تخفض بحكم القانون إلي الحد الأقصي للفائدة التي يجوز الاتفاق عليها  . وكل عمولة أو منفعة أيا كان نوعها اشترطها المقرض ، إذا زادت هي والفائدة المتفق عليها علي الحد الأقصي المتقدم ذكره ، تعتبر فائدة مستترة وتكون قابلة للتخفيض إذا ما أثبت المقترض أن هذه العمولة أو المنفعة لا تقابلها خدمة حقيقة يكون المقرض قد أداها ولا نفقة مشروعة "  .

وكان التقنين المدني السابق في مبدأ الأمر يجعل سعر الفائدة القانونية 7% في المواد المدنية و 9% في المواد التجارية  . ثم عدل هذا السعر إلي 5% و 7% بالأمر العالي الصادر في 7 ديسمبر سنة 1892  . وبقي هذا الأمر العالي معمولا به إلي أن صدر مرسوم بقانون في 19 مارس سنة 1938 يجعل السعر 5% و 6% ثم نزل السعر في التقنين الجديد ، كما رأينا إلي 4% و 5%  .

وكان سعر الفائدة الاتفاقية في مبدأ الأمر ، في التقنين المدني السابق 12% ثم عدل بالأمر العالي الصادر في 7 ديسمبر سنة 1892 إلي 9% ، دون أن يلاحظ في هذا التعديل أن يعدل تبعا لذلك نص المادة 478 / 582 ، فبقيت هذه المادة تنص علي أن الفائدة الاتفاقية في عارية الاستهلاك لا يجوز ان تزيد علي 12% ثم صدر المرسوم بقانون في 19 مارس سنة 1938 يجعل السعر الاتفاقي للفائدة 8% ويجوز تخفيضه بمرسوم إلي 7%  . وعدلت المادة 478 / 582 في هذه المناسبة ، فأصبحت متمشية مع المادة 125 / 185 وأضاف المرسوم بقانون المذكور النص الآتي : " لا يسري حد الفائدة التي يجوز الاتفاق عليها المقرر بهذا المرسوم بقانون أو بمقتضي أحكامه علي الاتفاقات المعقود قبل تاريخ العمل به أو قبل تاريخ العمل بالمرسوم المشار إليه في المادة 125 / 182 " : أي المرسوم الذي يصدر مخفضا الحد الأقصي للفائدة الاتفاقية من 8% إلي 7% ثم قد يصدر بعد ذلك معيداً له إلي 8% ثم خفض التقنين الجديد الحد الأقصي للفائدة الاتفاقية إلي 7% كما رأينا  .      

( [1645] ) التقنينات المدنية العربية الأخري : التقنين المدني السوري م 227 - 229 ( مطابقة لنص المواد 226 - 228 من التقنين المصري ، فيما عدا أن الحد الأقصي للسعر الاتفاقي في التقنين السوري هو 9% )  .

التقنين المدني العراقي م 171 - 173 فقرة أولي ( مطابقة لنص المواد 226 - 228 من التقنين المدني المصري ، فيما عدا أن المادة 171 عراقي تجعل معلومية    المقدار وقت نشوء الالتزام ، وأن المادة 172 فقرة أولي عراقي أسقطت عبارة : " سواء أكان ذلك في مقابل تأخير الوفاء أم في أية حالة أخري تشترط فيها الفوائد " )  .

م 176 : في حساب الفوائد يكون التقويم الشمسي هو المعتمد  . ( وهذا يطابق الحكم في القانون المصري ، ويؤكد المادة 9 من التقنين المدني العراقي : انظر في عدم ضرورتها الدكتور حسن الذنون في أحكام الالتزام في القانون المدني العراقي فقرة 72 ص 67 )  .

التقنين المدني للمملكة الليبية المتحدة م 229 - 231 ( مطابقة لنص المواد 226 - 28 من التقنين المدني المصري ، فيما عدا أن الحد الأقصي للسعر الاتفاقي في التقنين الليبي هو 10% )  .

تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 265 فقرة أولي : إذا كان موضوع الموجب مبلغا من النقود ، فأن عوض التأخير يكون بأداء فائدة المبلغ المستحق محسوبة علي المعدل القانوني ، ما لم يكن ثمة نص مخالف في العقد أو في القانون  . ( ملاحظة : جعل قانون المرابحة العثماني الصادر في 9 رجب سنة 1304 - 22 مارس سنة 1887 - وهو المعمول به في لبنان ، سعر الفائدة القانونية في المسائل المدنية 9% وجعل قانون التجارة اللبناني هذا السعر في المسائل التجارية 9% أيضا )  .

م 767 : إذا اشترط الفريقان أداء فائدة ولم يعينا معدلها ، وجب علي المقترض أن يدفع الفائدة القانونية  . وفي المواد المدنية يجب أن يعين خطأ معدل الفائدة المتفق عليها حينما يكون زائداً علي الفائدة القانونية  . وإذا لم يعين خطأ فلا تجب الفائدة إلا علي المعدل القانوني  .

( ملاحظة - يظهر من نص المادة 767 من التقنين اللبناني أن هذا التقنين لا يشترط حداً أقصي للسعر الاتفاقي ، ولكن انظر في القيود التي ترد علي الفائدة الاتفاقية في لبنان الدكتور صبحي المحصاني في آثار الالتزام في القانون اللبنني ص 29 - ص 30 - وفي لبنان يكفي الإنذار الخطي لسريان الفوائد : الدكتور صبحي المحمصاني في آثار الالتزام في القانون اللبناني ص 34 )  .

( [1646] ) قارن دى باج 3 فقرة 139 ، حيث يذهب إلي وجوب أن يكون محل الالتزام ابتداء ( initalement ) هو مبلغ من النقود ، وهذا صحيح  . ولكنه يخرج بهذا القيد الالتزام بالتعويض عن عمل غير مشروع ، باعتبار أن التعويض هنا - وهو مبلغ من النقود - ليس إلا تنفيذا بمقابل ( execution par equivalent ) لالتزام أصلي هو الالتزام باتخاذ الحيطة الواجبة لعدم الأضرار بالغير ، وليس تنفيذا عينيا لهذا الالتزام  . فالنقود إذن ليست محل الالتزام ابتداء ( أنظر أيضا ديموج 6 فقرة 371 ص 415 )  . وإذا كان صحيحا أن النقود ، في التعويض         عن عمل غير مشروع ، ليست إلا تنفيذا بمقابل لالتزام أصلي ، إلا أن هناك التزاما آخر أنشأه القانون جزاء لهذا الالتزام الأصلي ، هو الالتزام بالتعويض عن العمل غير المشروع  . وهذا الالتزام ، إذا قدر التعويض بمبلغ من النقود كما هو الغالب ، يكون محله ابتداء هو النقود  . فهناك إذن التزامان : ( 1 ) التزام باتخاذ الحيطة الواجبة لعدم الإضرار بالغير ، ومحله ابتداء هو اتخاذ هذه الحيطة الواجبة ، فهو التزام بعمل ، والنقود بالنسبة إلي هذا الالتزام ليست إلا تنفيذا بمقابل  . ( 2 ) التزام بالتعويض عن عمل غير مشروع أنشيء جزاء للالتزام الأول ، ومحل هذا الالتزام الثاني ابتداء هو دفع مبلغ من النقود  . أما من وجهة نظر دي باج فيبدو أنه لا يوجد إلا التزام واحد ، هو الالتزام باتخاذ الحيطة الواجبة لعدم الإضرار بالغير ، والمحل الأصلي لهذا الالتزام هو اتخاذ هذه الحيطة ، فإذا ما أخل المدين بالتزامه تبدل المحل وأصبح تعويضا أي مبلغا من النقود ، فيتغير محل الالتزام دون أن يتغير الالتزام ذاته  . وسنعود إلي الالتزام بالتعويض عن عمل غير مشروع فيما يلي :

( [1647] ) انظر آنفا - في تاريخ نص المادة 226 - فقرة 502 في الهامش  . وانظر مجموعة الأعمال التضحيرية 2 ص 579 - ص 580  .

( [1648] ) قارن الأستاذ إسماعيل غانم في أحكام الالتزام فقرة 89 ، حيث يذهب ، في الالتزام بالتعويض عن عمل مشروع ، إلي أنه " إذا صدر حكم القاضي بتحديد المبلغ الذي علي المدين أداؤه ، فإن الدائن يستحق فوائد التأخير بمجرد صدور حكم القاضي دون حاجة إلي مطالبة قضائية جديدة أو إنذار ، تطبيقا للمادة 220 / ب "  .      

( [1649] ) الوسيط الجزء الأول فقرة 638 ص 963 وهامس رقم 1 - انظر أيضا في استحقاق الفوائد التأخيرية عن مبلغ التعويض عن عمل غير مشروع منذ المطالبة القضائية : استئناف مختلط 10 مارس سنة 1909 م 21 ص 246 - 4 نوفمبر سنة 1917 م 30 ص 31 - 15 ديسمبر سنة 1927 م 40 ص 81 ، وفي جواز أن يضيف القاضي إلي التعويض الأصلي تعويضا تكميليا عن التأخير : استئناف مختلط 2 فبراير سنة 1916 م 28 ص 135– 18 أبريل سنة 1917 م 29 ص 380 - 14 نوفمبر سنة 1917 م 30 ص 31  . ومع ذلك انظر في أن التعويض عن حادث ( عمل غير مشروع ) تستحق عليه الفوائد من وقت وقوع هذا الحادث إذا رأي القاضي ان هذا ما يقتضيه التعويض الكامل عن الضرر : استئناف مختلط 15 ديسمبر سنة 1927 م 40 ص 81 ، وفي أن القاضي يقدر في بعض الحالات تعويضا كافيا لتغطية الضرر من وقت وقوع الحادث إلي وقت الحكم : استئناف مختلط 28 أبريل سنة 1927 م 39 ص 416 - 7 مارس سنة 1935 م 47 ص 191 - 10 أبريل سنة 1935 م 47 ص 236 - 23 ديسمبر سنة 1936 م 49 ص 42 - 7 ديسمبر سنة 1939 م 52 ص 45  .        

( [1650] ) وفي قضية عرضت علي محكمة النقض ، قامت الحكومية بتقوية جسر النيل وأخذت أتربة لهذا الغرض من أرض المطعون عليها ، فرفعت هذه قضية علي الحكومة وطالبتها بتعويض وقدرته بمبلغ معين وأضافت المطالبة بفوائد عن هذا المبلغ بسعر 5% فحكم لها بذلك ابتدائيا واستئنافيا  . فطعنت الحكومة بالنقض  . وقالت محكمة النقض في أسباب حكمها : " ومن حيث إن الطعن مبني علي سبب واحد ، يتحصل في أن الحكم المطعون فيه إذ قضي بفوائد عن المبلغ المحكوم به قد خالف القانون  .  .  . وذلك أنه بمقتضي المادة 226 مدني أن كل دين لا يكون معلوم المقدار عند الطلب لا يكون محلا للقضاء بالفوائد عنه علي سبيل التعويض عن التأخير في الوفاء به ، ولا يكون كذلك إلا من تاريخ الحكم باعتبار أن الحكم وحده هو الذي يحدد الالتزام  . وواضح من وقائع الدعوي أن الوزارة كانت تنازع المطعون عليها في أحقيتها للمبلغ المطالب به كما نازعها في مقداره إن كان ثمة موجب للقضاء عليها بشيء ، ولم تكن الطاعنة تعلم إلي أن صدر الحكم النهائي مبلغ ما يتعين عليها دفعه ، والحكم هنا منشيء لا مقرر ، ومن ثم كان القضاء بالفوائد علي خلاف ما يقضي به القانون  .  .  . ومن حيث إن سبب الطعن مردود بأن الحكم المطعون فيه غذ قضي بالفوائد القانونية عن المبلغ المحكوم به ابتداء من تاريخ المطالبة الرسمية عملا بالمادة 124 مدني ( قديم ) المنطبقة علي واقعة الدعوي أسس قضاءه علي أن المبلغ المطالب به عبارة عن مبلغ من المال مستحق في ذمة المدعي عليها ( الطاعنة ) وإن اختلف في تقديره ، إلا أن هذا الحكم قد حسم الخلاف بتقدير مبلغ معين تكون ذمة المدعي عليها مشغولة به منذ مطالبتها رسميا ، لأن الأحكام مقررة للحقوق وليست منشئة لها  . وهذا الذي قرره الحكم لا خطأ فيه  . ولا محل للتحدي بنص المادة 226 مدني جديد لأنه تشريع مستحدث ليس له أثر رجعي فلا يسري علي واقعة الدعوي ، ومن ثم يتعين رفض الطعن " ( نقض مدني 24 أكتوبر سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 6 ص 72 )  . وقد كان يكفي محكمة النقض – في رأينا - أن تقف بأسباب حكمها عند القول بأن الحكم المطعون فيه لم يخطيء  . إذ هو لم يخطيء فعلا لا علي مقتضي التقنين القديم ولا علي مقتضي التقنين الجديد  . وما دامت المدعية قد حددت التعويض الذي تطالب به مبلغا معينا من النقود ، فقد صار الالتزام الذي تطالب به التزاماً بدفع مبلغ من النقود " معلوم المقدار عند الطلب " ، علي مقتضي التقنين الجديد ، وكان من حقها أن تطالب بفوائد تأخيرية عن هذا المبلغ تسري من وقت المطالبة القضائية بها  . وهذا ما فعلته ، فقضي لها به ابتدائيا واستئنافيا  .

علي أن محكمة النقض أخذت بالرأي الذي نذهب إليه ، في الالتزام بدفع مبلغ من النقود إذا كان مصدره ليس هو العمل غير المشروع ، بل أخذ غير المستحق  . فقضت بأن الاحتجاج بأن المبالغ المحكوم علي مصلحة الضرائب بردها لا تعتبر معلومة المقدار إلا من تاريخ الحكم النهائي بردها ، فيكون حكمها حكم التعويض المقضي به عن عمل غير مشروع ( الذي لا يجوز الحكم بفوائد عنه من تاريخ المطالبة الرسمية عملا بالمادة 226 مدني ) – هذا الاحتجاج مردود بأنه قياس مع الفارق  . ذلك بأن سلطة محكمة الموضوع في تقدير التعويض تخولها أن تدخل في حسابها جميع عناصر الضرر ومنها طول أمد التقاضي ، مما يغني المدعي عن طلب فوائد التأخر عن دفع مبلغ التعويض  .  .  . ولكن هذا الاعتبار لا ينطبق علي طلب الممول رد ما أخذ منه بغير حق ، ذلك أن المطعون عليه قد حدد في عريضة دعواه منذ البداية المبلغ الذي طالب مصلحة الضرائب برده علي أساس أنها أخذت منه بغير حق ، وليس من شأن المنازعة في استحقاق هذا المبلغ كله أو بعضه ما يصح معه القول بأنه غير معلوم المقدار وقت الطلب ( نقض مدني 25 يونية سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 192 ص 1201 - 25 يونية سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 197 ص 1236 - 11 مارس سنة 1954 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 98 ص 603 )  . ونلاحظ أن محكمة النقض تستطيع أن تتحدث عن الالتزام بدفع مبلغ من النقود الناشيء عن عمل غير مشروع ، من حيث معلومية المقدار وقت الطلب علي النحو الذي تحدثت به عن الالتزام بدفع مبلغ من النقود الناشيء عن أخذ غير المستحق  . ففي كليهما يحدد المدعي في عريضة دعواه منذ البداية المبلغ الذي يطالب به المدعي عليه ، " وليس من شأن المنازعة في استحقاق هذا المبلغ كله أو بعضه ما يصح معه القول بأنه غير معلوم المقدار وقت الطلب "  .    

( [1651] ) قارن كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 168 حيث يبدو أن الخطأ يختلط بعلاقة السبيية ، وحيث لا يتبين أن الالتزام بدفع مبلغ من النقود هو التزام بتحقيق غاية مجرد التأخر في تنفيذه يكون خطأ  . 

( [1652] ) وقد كان هذا هو الحكم أيضا في عهد التقنين المدني السابق دون أن يشتمل هذا التقنين علي نص صريح في هذا المعني ( الموجز للمؤلف فقرة 452 ص 450 - استئناف مختلط 25 مارس سنة 1880 بوريللي م 182 فقرة 9 - 26 يناير سنة 1905 م 17 ص 100 ) وهذا هو أيضا حكم التقنين المدني الفرنسي ( م 1153 فقرة 2 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 877 )  .        

( [1653] ) 31 مارس سنة 1938 م 50 ص 203  .   

( [1654] ) 23 أبريل سنة 1936 م 48 ص 242 - 4 نوفمبر سنة 1936 م 49 ص 3 - انظر في هذه المسألة الوسيط الجزء الأول فقرة 226 ص 396 وهامش رقم 1  .   

( [1655] ) وذلك إلا إذا قيل أن الدائن يستوفي حقه بقيمة العملة الأجنبية وقت حلول الدين لا وقت الوفاء الفعلي - انظر في هذه المسألة في القانون الفرنسي بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 880 ، وفي القانون البلجيكي دي باج 3 فقرة 141 مكررة  .

( [1656] )انظر في هذا المعني المادة 426 / 518 - 519 من التقنين المدني السابق والمادة 1846 من التقنين المدني الفرنسي  . وانظر : استئناف مختلط 19 أبريل سنة 1899 م 11 ص 190 - 2 ديسمبر سنة 1903 م 16 ص 15  . وانظر أيضا المادة 180 من التقنين التجاري ( المواد           163 - 165 تجاري فرنسي ) في كمبيالة الرجوع ، وهي كمبيالة جديد يسحبها حامل الكمبيالة الأصلية علي ساحبها أو أحد المحيلين ليحصل بها علي قيمة تلك الكمبيالة الأصلية المعمول عنها البروتستو والفوائد وكذلك المصاريف  . وانظر في التعويضات عن فسخ البيع بسب استحقاق المبيع وعدم التقيد بالفوائد القانونية في هذه الحالة نقض مدني 24 نوفمبر سنة 1932 ملحق مجلة القانون والاقتصاد 3 ص 54  . وقد قضت المادة 2028 من التقنين المدني الفرنسي برجوع الكفيل علي المدين بفوائد ما دفعه للدائن وبتعويض فوق ذلك ( بودري وبارد 1 فقرة 499 - فقرة 502 بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 88 - بيدان ولاجارد 8 فقرة 589 ) ، أما المادة 800 فقرة 3 من التقنين المدني المصري فتقضي بأن يكون للكفيل الحق في الفوائد القانونية عن كل ما قام بدفعه ابتداء من يوم الدفع ( انظر في التقنين المدني السابق والتون 2 ص 255 - ص 256 )  .

هذا ويلاحظ أن القضاء الفرنسي لا يحكم بفوائد تأخيرية علي خزانة الدولة ولا لها  . فلو تأخر في الوفاء بالضريبة دفعها دون أن يدفع فوائد تأخيري’ ، وكذلك لو دفع مبلغا أكبر من الضريبة المستحقة استرد ما دفعه زائدا دون فوائد تأخيرية  . والسبب في ذلك أن الدولة في حساباتها وميزانيتها تخضع لنظم غير النظم التي تخضع لها الأفراد( انظر في هذه المسألة بودري وبارد 1 فقرة 509 - فقرة 510 - ديموج 6 فقرة 373 )  .

أما في مصر فقد صدر القانون رقم 146 لسنة 1950 ، وهو يقضي بعدم جواز مطالبة مصلحة الضرائب بالفوائد عن المبالغ التي يحكم عليها بردها للمولين  . وقد أخذت محكمة النقض بعكس هذا الحكم فيما يتعلق بالفوائد المستحقة عن المدة السابقة علي تاريخ العمل بهذا القانون ، إذا قضت بأنه ما لم يوجد نص صريح يعفي مصلحة الضرائب من الفوائد القانونية المطلوبة منها عن المبالغ المحكوم عليها بردها لتحصيلها من الممولين بغير حق ، ولا يجوز رفض طلب هذه الفوائد بحجة أن المصلحة المذكورة في تحصيلها الضرائب من الممولين إنما تباشر سلطة عامة مقررة لها بمقتضي القانون ، وتطبق نصوصا من مقتضاها أن يكون تحصيل الضرائب بموجب أوراد واجبة النفذ ، وأنه لا يترتب علي رفع الدعوي بها من المصلحة أو من الممول إيقاف استحقاقها إلا إذا صدر فيها حكم من المحكمة ، ومن ثم لا تسري عليها أحكام القانون المدني ، بل تنطبق عليها أحكام القانون العام وهي لا تجيز مطالبة مصلحة الضرائب بالفوائد القانونية - ذلك بأن هذه الحجة مردودة بأن النصوص المشار إليها لا تعفي مصلحة الضرائب من الحكم عليها بالفوائد القانونية من تاريخ المطالبة عن كل مبلغ يقضي عليها برده للممول تعويضا له عن حرمانه من الانتفاع بما أخذ منه بغير حق من تاريخ رفع دعواه حتي يوفي له حقه كاملا  . ولا عبرة في هذا الخصوص بحسن نية المصلحة عند جباية الضريبة متي كان قد ثبت للمحكمة أنها حصلت من الممول أكثر من استحقاقها ، وبذلك أصبح مركزها في هذا الشأن لا يختلف عن أي مدين  .  .  . أما التحدي بالقانون رقم 146 لسنة 1950 المعدل للمادة 101 التي تنص بعد تعديلها علي عدم جواز مطالبة مصلحة الضرائب بفوائد عن المبالغ التي يحكم عليها بردها للممولين فمردود بأنه تشريع مستحدث ليس له أثر رجعي ، فلا يسري علي الفوائد القانونية المستحقة عن مدة سابقة علي تاريخ العمل به ، بل يسري فقط علي الفوائد المطلوبة عن مدة تالية لنفاذه ، ومن 15 أكتوبر سنة 1949 إلي تاريخ العمل بهذا التشريع تكون الفوائد القانونية المستحقة علي مصلحة الضرائب هي 4% لا 5% ( نقض مدني 25 يونية سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 192 ص 1201 - 25 يونية سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 197 ص 1236 - 11 مارس سنة 1954 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 98 ص 603 - 20 يناير سنة 1955 مجموعة أحكام النقض 6 رقم 67 ص 532 )  .

( [1657] ) استئناف مختلط 30 ديسمبر سنة 1929 م 42 ص 133 - 22 ديسمبر سنة 1936 م 49 ص 38  .     

( [1658] ) استئناف مختلط 29 ديسمبر سنة 1923 م 36 ص 110 - 11 مايو سنة 1944 م 56 ص 145  . 

( [1659] ) وقد كان هذا هو الحكم أيضا في عهد التقنين المدني السابق بنص صريح ( م 124 / 182 - 184 ) : استئناف أهلي 11 مارس سنة 1897 القضاء 4 ص 329 - 22 أبريل سنة 1897 الحقوق 12 ص 167 - وقارن : 11 مارس سنة 1924 المحاماة 44 ص 743 استئناف مختلط 2 ديسمبر سنة 1903 م 16 ص 15  . وتعتبر مطالبة قضائية الطلبات الإضافية ودعاوي المدعي عليه والتدخل في الدعوي وإدخال خصم ثالث فيها ( استئناف مختلط 10 فبراير سنة 1897 م 9 ص 183 )  . وغذا كانت صحيفة الدعوي باطلا ، فإن الفوائد التأخيرية لا تسري ( استئناف مختلط 10 يناير سنة 1924 م 36 ص 134 - المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 584 )  . كذلك إذا سقطت الخصومة أو تركت ( استئناف مختلط 17 مايو سنة 1899 م 11 ص 230 - وتبقي الفوائد سارية ما دامت صحيفة الدعوي قائمة : استئناف مختلط 30 ديسمبر سنة 1929 م 42 ص 133 ) وإذا رفعت الدعوي إلي محكمة غير مختصة فالغالب عند القضاء المصري أن الفوائد لا تسري ( استئناف مختلط 2 ديسمبر سنة 1885 المجموعة الرسمية للقضاء المختلط 11 ص 12 - 26 نوفمبر سنة 1890 م 3 ص 28 - 30 أبريل سنة 1896 م 8 ص 267 - 10 فبراير سنة 1897 م 9 ص 183 - أول أبريل سنة 1908 م 20 ص 152 ) ، ولكن قضي مع ذلك بأن رفع الدعوي إلي محكمة غير مختصة ، كما يقطع التقادم ، يجعل الفوائد تسري ( استئناف مختلط 10 يناير سنة 1924 م 36 ص 134 )  . والقضاء الفرنسي كان مستقرا علي عدم سريان الفوائد عند رفع الدعوي إلي محكمة غير مختصة وذلك عندما كان التقنين المدني الفرنسي ( م 1153 ) يشترط كالتقنين المصري المطالبة القضائية لسريان الفوائد ، ولكن بعد أن عدل التقنين الفرنسي في هذه المسألة بقانون 7 أبريل سنة 1900 فأصبح الإعذار كافيا لسريان الفوائد ، أصبح طبيعيا أن يذهب القضاء الفرنسي إلي أن صحيفة الدعوي المرفوعة إلي محكمة غير مختصة تعدل الإعذار وتجعل الفوائد تسري ( بودري وبارد 1 فقرة 511 - فقرة 515 - ديموج 6 فقرة 383 - فقرة 394 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 883 - فقرة 886 )  .

ولا يكفي لسريان الفوائد التأخيرية التنبيه ( commandement ) : استئناف مختلط 9 ديسمبر سنة 1903 م 16 ص 38 - 23 ديسمبر سنة 1914 م 27 ص 74 - 13 فبراير سنة 1917 م 29 ص 207 - 19 ديسمبر سنة 1918 م 31 ص 76 ، ولا حجز ما للمدين لدي الغير إذا لم يعقبه طلب صحة الحجز ( استئناف مختلط 9 مارس سنة 1892 م 4 ص 165 ) ، ولا طلب تقدير الأتعاب ، أو إعلان أمر التقدير مع التنبيه بدفع الأصل مع الفوائد ( استئناف مختلط 6 يونية سنة 1929 م 41 ص 442 - 16 يونية سنة 1938 م 50 ص 372 - إسكندرية الكلية المختلطة 22 مايو سنة 1915 جازيت 5 رقم 161 ص 411 )  . ولكن تستحق الفوائد منذ طلب الدخول في التوزيع أو في التفليسة ( استئناف مختلط 31 ديسمبر سنة 1913 م 26 ص 125 - 29 يناير سنة 1924 م 36 ص 185 - 14 مايو سنة 1940 م 52 ص 265 )  .

( [1660] ) فمن الأحكام ما كان يكتفي بالمطالبة القضائية برأس المال فتسري الفوائد التأخيرية من وقت هذه المطالبة ولو لم تتضمن ذكر هذه الفوائد ( استئناف مصر 15 ديسمبر سنة 1932 المحاماة 13 ص 878 - أول يونية سنة 1937 المحاماة 19 رقم 529 ص 1412 - إسنا 21 مايو سنة 1927 المحاماة 8 ص 587 - طنطا الكلية 13 يناير سنة 1936 المحاماة 18 رقم 127 ص 241 - محكمة مصر المختلطة 16 ديسمبر سنة 1902 م 14 ص 153 - 12 مايو سنة 1910 م 22 ص 305 )  . ومنها ما كان يذهب إلي وجوب المطالبة القضائية بالفوائد التأخيرية ذاتها ولا تكفي المطالبة برأس المال ( استئناف أهلي 31 أكتوبر سنة 1897 الحقوق 12 ص 304 - استئناف أسيوط 9 يونية سنة 1949 المجموعة الرسمية 50 ص 211 - بني سويف 3 فبراير سنة 1921 المحاماة 1 ص 482 - جرجا 23 فبراير سنة 1929 المحاماة 9 ص 906 - استئناف مختلط 25 يناير سنة 1905 م 17 ص 89 - 14 فبراير سنة 1907 م 19 ص 122 - 11 مايو سنة 1939 م 51 ص 318 )  .        

( [1661] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 584  . 

( [1662] ) استئناف أهلي 30 أكتوبر سنة 1912 المجموعة الرسمية 14 رقم 7 ص 12 - استئناف مصر 28 مايو سنة 1929 المحاماة 10 ص 57 - 29 نوفمبر سنة 1942 المحاماة 24 رقم 78 ص 197 - وقارن استئناف مصر 24 ديسمبر سنة 1932 المحاماة 13 ص 1003  .

( [1663] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 584  . 

( [1664] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن المادة 330 مدني ( 458 جديد ) تجعل للبائع الذي سلم العين ولم يتسلم الحق في الفوائد إذا كانت العين المبيعة تنتجع ثمرات ، والحكمة في ذلك هو اجتماع المثلين في يد أحد المتعاقدين ، وهذه الحكمة نفسها متوافرة في حالة ما إذا كان المشتري دفع الثمن ولم يتسلم العين فيكون له الحق في الفوائد ، وذلك بطريق التفسير العكسي مادة ( 10 يونية سنة 1933 المحاماة 14 رقم 352 / 2 ص 679 )  .     

( [1665] ) وهذه النصوص سبق أن أوردنا كثيرا منها عند الكلام في الإعذار أمثله علي حالات لا يقتضي فيها القانون الإعذار لاستحقاق التعويض عن التأخير ، وليست الفوائد التأخيرية إلا صورة من صور التعويض عن التأخير( انظر آنفا فقرة 466 وفي الهامش ) وانظر في نصوص التقنين المدني السابق التي كانت تقضي بسريان الفوائد التأخيرية من وقت آخر غير وقت المطالبة القضائية الموجز للمؤلف فقرة 452 ص 451 - 452  .    

( [1666] ) وقد اختلف الفقهاء في فرنسا في هذه المسألة  . فمنهم من يري أن الفوائد الاتفاقية تبقي سارية بعد حلول أجل الدين إلي يوم الوفاء ، وهذا هو الرأي الذي نأخذ به ( لوران 26 فقرة 516 - بودري وبارد 1 فقرة 506 ) ، ومنهم من يري أن الفوائد الاتفاقية ينتهي سريانها بحلول أجل الدين ، ولا تستحق الفوائد التأخيرية إلا من يوم الإعذار ( المطالبة القضائية في مصر ) ( بلانيول وريبير 11 فقرة 1163 – فقرة 1164 - دي باج 3 فقرة 143 )  . علي أنه يلاحظ ، من الناحية العملية أن هذا الخلاف لا محل له ذلك أن المقرض إذا اشترط سعراً للفائدة فهو في الوقت ذاته قد اشترط – ما لم يظهر عكس ذلك في وضوح - أن يكون هذا السعر الاتفاقي هو أيضا سعر الفوائد التأخيرية وأنه يسري من وقت حلول أجل القرض لا من وقت المطالبة القضائية ولا من وقت الإعذار  .

( [1667] ) علي أنه يمكن ، في شيء من التحوير ، أن نتصور فوائد تعويضية عن مبلغ من النقود لا يكون مصدره العقد في الفرض الآتي : يلتزم المالك بأن يرد للحائز ما أنفقه من المصروفات طبقا لقواعد قررتها المادتان 980 - 981 مدني ، وهذا الالتزام مصدره غير العقد  . ثم تنص المادة 982 علي أنه " يجوز للقاضي ، بناء علي طلب المالك أن يقرر ما يراه مناسبا للوفاء بالمصروفات المنصوص عليها في المادتين السابقتين  . وله ان يقضي بأن يكون الوفاء علي أقساط دورية بشرط تقديم الضمانات اللازمة  . وللمالك أن يتحلل من ها الالتزام إذا هو عجل مبلغا يوازي قيمة هذه الأقساط مخصوما منها فوائدها بالسعر القانوني لغاية مواعيد استحقاقها "  . وهذا النص ، إذا فسر علي أنه تأجيل لاستحقاق الدين حكم به القاضي ، فإن القاضي يكون قد لاحظ في ذلك أن يضيف للمصروفات فوائد تعويضية - بالسعر القانوني - حتي إذا رأي المالك ان يعجل الدفع خصم هذه الفوائد كما يقضي النص بذلك فهنا استحقت فوائد تعويضية عن مبلغ من النقود مصدره غير العقد  .

وهناك فرض آخر نصت عليه المادة 183 مدني فقد قضت بأنه " 1 - يصح كذلك استرداد غير المستحق إذا كان الوفاء قد تم تنفيذا لالتزام لم يحل أجله وكان الموفي جاهلا قيام الأجل  . 2 - علي أنه يجوز للدائن أن يقتصر علي رد ما استفادة بسب الوفاء المعجل في حدود ما لحق المدين من ضرر  . فإذا كان الالتزام الذي لم يحل أجله نقوداً ، التزام الدائن أن يرد للمدين فائدتها بسعرها القانوني أو الاتفاقي عن المدة الباقية لحلول الأجل "  . فهنا التزم الدائن الذي عجل له الوفاء بحقه أن يدفع للمدين الذي عجل الوفاء فوائد تعويضية عن المبلغ الذي عجل الوفاء به ، والمصدر الذي التزم به الدائن ليس هو العقد  .

ولا شك أن فيما قدمناه تحويرا للفوائد التعويضية يدل علي مبلغ الصعوبة في تحقيق فرض تستحق فيه هذه الفوائد عن مبلغ من النقود لا يكون مصدره العقد  . ويلاحظ أنه إذا استقام هذان الفرضان ، أمكن أن يكون للفوائد التعويضية سعر قانوني ، مع ان هذه الفوائد لا تكون إلا بالسعر الاتفاقي كما سنري  .   

( [1668] ) أما ما قررته المادة 458 مدني من أن للبائع الحق في الفوائد القانونية عن الثمن إذا أعذر المشتري أو إذا سلم الشيء المبيع وكان هذا الشيء قابلا أن ينتج ثمرات أو إيرادات أخري ، فيقصد به حق البائع في استيفاء فوائد تأخيرية عن ثمن حل ميعاد الوفاء به  .   

( [1669] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ما يأتي : " كان من أثر الاشفاق من معاطب الربا أن عمد التشريع في أكثر الدول ، لا إلي تحديد سعر الفوائد التي تستحق عن التأخير في الوفاء فحسب ، بل وكذلك إلي تحديد هذا السعر بالنسبة لسائر ضروب الفوائد  . فالأولي ، اتفاقية كانت أو قانونية ، تفترض حلول أجل الوفاء بالدين ، وترصد علي تعويض الضرر الناشيء عن التأخر في هذا الوفاء  . أما الثانية فتفترض ان الدين لم يحل ، وأن الفوائد وهي اتفاقية دائما قد اشترطت كمقابل في معاوضة من المعاوضات  . فليس لفائدة رأس المال إلا سعر واحد هو سعر الاتفاقي ، في حين ان فوائد التأخر لها سعران : أحدهما اتفاقي والآخر قانوني ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 582 - ص 583 )  .  

( [1670] ) وقد تقدم أن السعر القانوني في التقنين المدني السابق كان في مبدأ الأمر 7% في المسائل المدنية و 9% في المسائل التجارية  . ثم خفض هذا السعر المرتفع إلي 5% و 7% بالأمر العالي الصادر في 7 ديسمبر سنة 1892  . ثم خفض السعر في المسائل التجاري إلي 6% بالمرسوم بقانون الصادر في 19 من سهر مارس سنة 1938 ( انظر آنفا فقرة 502 في الهامش )  . أما في فرنسا ، فقد جعل قانون 3 سبتمبر سنة 1807 السعر القانون 5% في المسائل المدنية و 6% في المسائل التجارية ، ثم خفض هذا السعر إلي 4% و 5% بقانون 7 أبريل سنة 1900 ، ثم أعيد إلي 5% و 6% بقانون 18 أبريل سنة 1918 ، ثم رجع إلي 4% و 5% بمرسوم بقانون في 8 أغسطس سنة 1935 والسعر القانوني في الجزائر هو 5% في كل من المسائل المدنية والمسائل التجارية ( انظر بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 878 ص 209 - ويري هؤلاء الفقهاء أن الأولي هو أن يجعل السعر القانوني تابعا لسعر الخصم taux de l escompte في بنك فرنسا : جزء 7 فقرة 878 ص 210 )  .          

( [1671] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 583  . وقد جاء فيها : " وقد كان في الوسع ترك أمر تحديد سعر الفوائد لتشريع خاص ، علي غرار ما فعلت بعض التقنينات الأجنبية  . بيد انه رؤي من الأنسب أن يبقي المشروع علي تقاليد البلاد التشريعية ، وقد استقرت من عهد غير قريب علي إيكال هذا التحديد إلي نصوص التقنين المدني ذاته  . ولعل هذا الوضع أدني إلي تيسير التعجيل بإجراء التخفيض الذي تقدمت إليه الإشارة ، ولاسيما بعد أن ألحت علي البلاد دواعي " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 583 - ص 584 )  .       

( [1672] ) استئناف مصر 15 ديسمبر سنة 1938 المحاماة 20 رقم 108 ص 299  .       

( [1673] ) وهذا هو نفس ما قررته المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون الصادر في 19 مارس سنة 1938 عندما خفض هذا المرسوم بقانون السعر القانوني في المسائل التجارية من 7% إلي 6% - انظر أيضا بودري وبارد 1 فقرة 996 مكررة - روبييه في تنازع القوانين بالنسبة إلي الزمان جزء 2 سنة 1933 فقرة 78 وفقرة 87  .     

( [1674] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي : " وقد جعل المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1938 ، المعدل لأحكام المادتين 124 – 125 / 182 – 185 من التقنين الحالي ( السابق ) ، الحد الأقصي لسعر الفوائد الاتفاقية 8% مع جواز تخفيضه إلي 7% بمقتضي مرسوم  . علي أن المشروع آثر أن يحقق هذا التخفيض فور الوقت إزاء ما أسفرت عنه الظروف الاقتصادية ، فجعل الحد الأقصي للسعر 7% " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 583 ) وقد قدمنا ان السعر الاتفاقي في التقنين المدني السابق كان في مبدأ الأمر 12% ، ثم خفض إلي 9% بالأمر العالي الصادر في 7 ديسمبر سنة 1892 ، قم إلي 8% يجوز تخفيضها إلي 7% بالمرسوم بقانون الصادر في 19 مارس 1938  .

        أما في فرنسا ، فقد جعل قانون 3 سبتمبر سنة 1807 السعر الاتفاقي كالسعر القانوني 5% في المسائل المدنية و 6% في المسائل التجارية وقد ألغي قانون 12 يناير سنة 1886 الحد الأقصي للسعر الاتفاقي في المسائل التجارية ثم ألغي قانون 18 أبريل سنة 1918 الحد الأقصي للسعر الاتفاقي في المسائل المدنية إلغاء مؤقتا ، مع جواز العودة إلي حد أقصي بمقتضي مرسوم  . علي أن المرسومين بقانون الصادرين في 8 أغسطس و 30 أكتوبر سنة 1935 وضعا عقوبة جنائية علي الأقراض بالربا الفاحش ، ويكون الربا فاحشا إذا زادت الفوائد علي المعتاد تقاضيه ، في المعاملات المماثلة في مخاطرها ( memes risques ) ، بأكثر من النصف ، وفي هذه الحالة تخفض الفوائد إلي السعر المعتاد تقاضيه ، ويخصم ما دفع زائداً من الفوائد بالسعر المعتاد ثم من رأس المال ، فإذا كان الدين قد انقضي مع فوائده ، رد إلي المدين ما دفعه زائداً بعد ذلك مع فوائده من يوم الدفع ( أنظر بيدان ولاجارد 8 فقرة 588 ص 427 - بلانيو وريبير وردوان 7 فقرة 882 )  .

( [1675] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 584 وسنعود إليها فيما يلي : وانظر عكس ذلك روبييه في تنازع القوانين بالنسبة إلي الزمان جزء 2 سنة 1933 فقرة 78 وفقرة 87  . وانظر بنوع خاص انتقاده لفكرة ان التشريع الذي يعتبر من النظام العام يكون له أثر رجعي أو أثر فوري بالنسبة إلي العقود القائمة وقت نفاذه إذا كانت هذه العقود قد أبرمت قبل ذلك ( فقرة 87 )  . وأغلب الفقه الحديث في فرنسا من رأي الأستاذ روبييه علي أنه حتي بفرض التسليم بأن التشريع الذي يعتبر من النظام العام ليس له أثر رجعي أو أثر فوري ، فأنه يبقي ان الأستاذ روبييه نفسه يمييز بين تشريع يتصل بالمراكز التعاقدية ( regime du contrat ) وتشريع يتصل بالمراكز القانونية ( statut legal ) ، ويجعل للتشريع الذي يتصل بالمركز القانونية أثراً فوريا  . ثم هو يفرق بين السعر القانوني للفائدة والسعر الإتفاقي ، فيجعل الأول متصلا بمركز قانوني ويجعل الثاني متصلا بمركز تعاقدي ( أنظر جزء 2 فقرة 87 ص 120 ) ولا نري مبرراً لهذه التفرقة ، فكل من السعر القانوني والسعر الإتفاقي يتصل اتصالا مباشرا بمركز قانون هو نظام الديون ( regime des creances ) ذلك أن القانون في الأصل لا يجعل الدين منتجا لفوائد ، إلا إذا طالب بها الدائن أو اتفق عليها مع المدين ، وفي الحالتين يضع القانون حدوداً لسعر هذه الفوائد ، وسواء كان هذا السعر قانونا أو كان اتفاقيا فإنه يتصل بمركز قانوني نظمه القانون ، ومن ثم يجب أن يكون لأي تشريع يتصل بهذا المركز القانوني أثر فوري  . فإذا قامت اعتبارات تحول دون هذا الأثر الفوري ، وجب أن ينص المشرع علي أن التشريع الجديد لا يسري علي العقود القائمة وقت نفاذه ، ولا يسري إلا علي العقود التي تبرم بعد ذلك ، وهذا ما فعله المرسوم بقانون الصادر في 19 مارس سنة 1938  .  

( [1676] ) وقد كان المرسوم بقانون الصادر في 19 مارس سنة 1938 يتضمن حكما مخالفا لهذه القواعد العامة ، يقضي بعدم سريان السعر المخفض أو السعر المرفوع علي العقود المبرمة قبل تخفيض السعر أو رفعه ، حتي لو كانت هذه العقود تبقي سارية إلي ما بعد التخفيض أو الرفع ( انظر آنفا فقرة 502 في الهامش ) ، ومن ثم قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن تخفيض الفوائد إلي 8% ليس له أثر رجعي ( 13 يونيه سنة 1946 م 59 ص 20 )  .

وقد طبقت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي القواعد العامة تطبيقا صحيحا إذ تقول : " وبديهي أن أثر هذا التخفيض لا يستند إلي الماضي ، فسيظل السعر المقرر بمقتضي النصوص الحالية ( السابقة ) قائما إلي تاريخ العمل بأحكام التقنين الجديد  . أما بعد هذا التاريخ فتطبق الأحكام الخاصة بالسعر الجديد ، حتي بالنسبة للعقود التي تمت من قبل ، اتفاقية كانت الفوائد أو قانونية ( قارن المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1938 ) " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 584 )  .

وأخذت محكمة النقض بهذا الحكم ، إذا قضت بأن الدفع بأن سعر الفائدة المقضي بها يجب ألا يزيد علي 7% بعد العمل بالقانون المدني الجديد وفقا للمادة 227 منه متعلق بالنظام العام ، ومن ثم يجوز إبداؤه لأول مرة أمام محكمة النقض  . والحد الأقصي التي يجوز الاتفاق عليها قانونا هو من قواعد النظام العام ، فيسري السعر المخفض من تاريخ العمل بالقانون المدني الجديد القاضي بتخفيضه ، أي ابتداء من 15 أكتوبر سنة 1949 ، حتي علي الاتفاقات السابقة علي هذا التاريخ  . يؤيد هذا النظر ما ودر في هذا الخصوص في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي المشار إليه  . وإذن فمتي كان الحكم المطعون فيه قد قضي للمطعون عليها بعد العمل بالقانون المدني الجديد بفائدة سعرها 8% ابتداء من أول سبتمبر سنة 1946 لحين الوفاء ، فإن هذا الحكم يكون قد خالف المادة 227 من القانون المذكور في خصوص المدة اللاحقة للعمل به ، ويتعين نقضه ، وتخفيض سعر الفائدة إلي 7% ابتداء من 15 أكتوبر سنة 1949 حتي تمام الوفاء ( نقض مدني 21 مايو سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 161 ص 1208 ) انظر عكس ذلك أصول القانون للأستاذ أحمد حشمت أبو ستيت والمؤلف سنة 1941 ص 195 ، وقد ميز ( ص 198 - 199 ) بين النصوص التي يقصد بها حماية مصلحة عامة كالقانون الذي يعطي للأوراق المصرفية سعراً جبريا ، والنصوص المعتبرة من النظام العام ولكنها تحمي مصالح خاصة كالقانون الذي يخفض الحد الأقصي الفائدة فلا تؤثر في العقود التي تمت قبل صدورها  .

ويذهب الأستاذ سليمان مرقس ( موجز المدخل للعلوم القانونية سنة 1953 ص 124 - ص 125 - المدخل للعلوم القانونية سنة 1952 ص 165 - ص 166 ) إلي ان العبرة في سريان النص القاضي بتخفيض السعر بتاريخ الاتفاق ، " لأن الحكمة – كما يقول - من أصل وضع هذه المادة وما كان يقابلها في التقنين الملغي إنما هي منع استغلال الدائن حاجة المدين وضعفه وقت التعاقد ، لا التخفيف عن عاتق المدينين الذين سبق أن التزموا بفوائد ويظهر ذلك جليا من عبارة هذه المادة حيث تقول أنه : يجوز للمتعاقدين ان يتفقا علي سعر آخر للفوائد  .  .  . علي ألا يزيد هذا السعر علي 7% ، فإذا اتفق علي فوائد تزيد علي هذا السعر وجب تخفيضها إلي 7% وتعين رد ما دفع زائدا علي هذا المقدار - ولو قصد الشارع غير ذلك ، لعبر عنه كما عبر في المادة 232 بقوله : لا يجوز تقاضي فوائد علي متجمد الفوائد ، ولا يجوز في أية حال أن يكون مجموع الفوائد التي يتقاضها الدائن أكثر من رأس المال  .  .  . وإذن فالذي يتعلق بالنظام العام في هذا النص هو منع حصول الاتفاق علي فوائد أزيد من السعر المقرر ، فلا يسري ذلك إلا علي العقود التي يحصل الاتفاق عليها بعد صدور تلك القوانين " ولا نحسب أن المشرع قصد المغايرة في الحكم بين عدم جواز الاتفاق علي سعر يزيد علي 7% وعدم جواز تقاضي فوائد علي متجمد الفوائد ، لمجرد انه استعمل تعبيرين مختلفين ، فقال في الحالة الأولي " فإذا اتفقا  .  .  . " وقال في الحال الثانية " لا يجوز تقاضي  .  .  . " ففي الحالتين أراد المشرع ألا يجيز تقاضي فوائد بسعر يزيد علي 7% وألا يجيز تقاضي فوائد علي متجمد الفوائد  . والنصان - بهذا المعني – حكمهما واحد من حيث اتصالهما بالنظام العام  .

( [1677] ) انظر تاريخ نص المادة 227 آنفا فقرة 502 في الهامش – وانظر مجموع الأعمال التحضيرية 2 ص 586  .   

( [1678] ) وقد قضت       محكمة النقض بأنه إذا كان مؤدي الحكم المطعون فيه هو أن العمولة والمصاريف التي اقتضتها الشركة المطعون عليها من الطاعن كانت مقابل خدمات حقيقية ومشروعة قامت بها تنفيذا لعقود الاتفاق المبرمة بينهما ، ولم تكن فوائد ربوية مستترة ، فإنه يكون في غير محله علي هذا الحكم بأنه أجاز الاتفاق علي فوائد ربوية مخالفة للقانون ( نقض مدني 21 مايو سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 162 ص 1037 )  . وليس الحكم صريحا في تحميل المدين أو الدائن عبء الإثبات  .

( [1679] ) هذا وقد صدر مرسوم بقانون آخر ( رقم 22 ) في 19 مارس سنة 1938 ، لا يزال معمولا به حتي اليوم ، بشأن سير البيوتات المالية المشتغلة بتسليف النقود علي رهونات  . وهو يقضي بأنه " لا يجوز ان يزيد مقدار الفائدة السنوية علي الحد المقرر للفائدة التي يجوز الاتفاق عليها والمبين بالمادة 185 من القانون المدني المختلط والمادة 120 من القانون المدني الأهلي  . ويجوز فضلا عن ذلك تحصيل عوائد تثمين وقياس وتخزين ، ولا يجوز أن يزيد مقدار هذه العوائد علي 4% إذا كانت السلعة أقل من 250 قرشا ولا علي 3  .5% إذا زادت علي ذلك  . ويكون تحصيل هذه الرسوم باعتبار سنة كاملة مهما كانت مدة السلفة  . ولا تسري أحكام هذا المرسوم بقانون علي القروض المعقودة قبل تاريخ العمل به - وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الخصوص ما يأتي : " ويلاحظ ان نص المشروع في هذا الشأن لا يمس أحكام المرسوم بقانون رقم 22 لسنة 1938 المعدل للأمر العالي الصادر في 24 ديسمبر سنة 1900 بشأن سير البيوتات المالية المشتغلة بتسليف النقود علي رهونات ، فيما يتعلق بتخويل هذه البيوتات حق اقتضاء فائدة إضافية في مقابل نفقات التثمين والقياس والتخزين " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 583 )  .

وقد تجتمع عمليتان في عقد واحد ، فيزيد مجموع ما اشترط فيهما علي السعر المسموح به قانونا ، ومع ذلك يكون كل من العمليتين صحيحا لاستقلال كل عملية عن الأخري ، ولعدم مخالفة القانون في أي منهما  . وقد قضت محكمة استئناف مصر في هذا المعني بأن عمليتي القرض والتعهد بعمل شيء وهو توريد أقطان بشروط معينة هما عمليتان مستقلتان إحداهما عن الأخري ، وجائزتان قانونا ، ولا يضيرهما حصولهما بعقد واحد  . ولا محل للقول بأنه إذا أضيفت الغرامة المشترطة في حالة عدم القيام بالوفاء بالتعهد بالتوريد إلي فائدة عملية القرض الأولي جاوزت الفائدة المقدار المسموح به قانونا ، لأن التعويض المتفق عليه بعقد التوريد هو نظير ما يفوت المتعهد له ( البنك ) من المنفعة بسبب عدم توريد الأقطان ، لأنها إذا وردت نشأت عنها عملية أخري هي اعتماد بحساب جار بتأمين هذه الأقطان يلتزم به البنك قبل العميل أن يقرضه قرضا جديداً ، والبنك أمام هذا الالتزام يرصد من أمواله مبلغا موازيا بنسبة معينة من قيمة البضائع انتظاراً للقيام بهذا التعهد ، فإخلال العملاء بالتوريد يفوت علي البنك الانتفاع باستخدام ماله واستغلال شونه ( استئناف مصر 20 يناير سنة 1931 المحاماة 11 رقم 525 ص 1035 )  .

( [1680] ) وقد قضي بأنه لما كان الربا الفاحش مخالفا النظام العام ، جاز ان يثبت بكل طرق الإثبات ، بما في ذلك البينة والقرائن ( استئناف مختلط 23 ديسمبر سنة 1912 م 25 ص 78 طنطا الجزئية 26 فبراير سنة 1903 المجموعة الرسمية 4 ص 215 ) ، ومتي ثبت أن هناك ربا فاحشا ، انتقل عبء الإثبات إلي الدائن ، وعليه أن يثبت المقدار الحقيقي للقرض ( استئناف مختلط 30 مارس سنة 1924 م 36 ص 285 ) وتبحث المحاكم فيما إذا كانت العقود تشتمل علي ربا فاخش ، وذلك كيفما كانت ماهية هذه العقود وشكلها ( استئناف أهلي 21 أبريل سنة 1904 الاستقلال 3 ص 154 ) فغذا اتضح لها ان عقد قرض بفوائد فاحشة سمي بيعا بقصد إخفاء الربا ، وجب عليها اعتبار العقد بحسب حقيقته وتنزيل الفوائد الزائدة المضافة إليه ( رشيد 15 يناير سنة 1918 الشرائع 4 ص 278 )  . وإذا قبض المؤجر من المستأجر مبلغا من المال وقت تحرير عقد الإجارة علي أن يؤجر له الأطيان بأجرة هي دون القيمة ، وثبت للمحكمة أن عقد الإيجار ما هو في الحقيقة إلا عقد تأمين علي قرض ، وأن الفرق بين الأجرة المتفق عليها وما تساويه العين المؤجرة هو ربا فاحش للمبلغ المقترض ، جاز للمحكمة أن تلغي الإجارة وتلزم المستأجر برد العين المؤجرة ودفع أجرة تقدرها عن مدة وضع يده عليها ، وتقضي علي المؤجر برد المبلغ الذي تسلمه عند تحرير العقد مع فوائده بواقع 9% ( استئناف أهلي 29 ديسمبر سنة 1918 المحاماة 6 ص 857 )  . انظر أيضا ربا فاحشا في صورة عمولة ( استئناف أهلي أول ديسمبر سنة 1911 المجموعة الرسمية 12 ص 224 ) ، وفي صورة رهن ( استئناف أهلي 23 مايو سنة 1911 المجموعة الرسمية 12 ص 163 )  . انظر أمثلة أخري لعقود تخفي ربا فاحشا في القضاء المختلط : استئناف مختلط 2 مايو سنة 1916 م 28 ص 287 - 15 أبريل سنة 1925 م 37 ص 337 – 22 مايو سنة 1930 م 42 ص 504 )  . وانظر في وجوب عدم الاقتصار علي احتمال مظنة الربا الفاحش ، بل يجب في هذه الحالة ان تحيل المحكمة الدعوي علي التحقيق ليثبت المدين أن هناك ربا فاحشا : نقض مدني 12 مارس سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 98 ص 646 ، وقد سبقت الإشارة إلي هذا الحكم في قسم الإثبات  .

( [1681] ) فمن الأحكام ما كان يقضي بعدم جواز استرداد ما دفع زائدا عن اختيار : استئناف أهلي 16 فبراير سنة 1915 المجموعة الرسمية 16 رقم 66 ص 111 - استئناف مختلط 14 مارس سنة 1917 م 29 ص 288 - 12 مايو سنة 1923 م 35 ص 443 - 5 مارس سنة 1924 م 36 ص 251 )  .

ومن الأحكام ما كان يقضي بجواز استرداد ما دفع زائداً ولو كان الدفع عن اختيار : استئناف مختلط 29 أبريل سنة 1926 م 38 ص 378 - مصر استئنافي 9 مارس سنة 1915 الشرائع 2 ص 217 - طنطا 20 أكتوبر سنة 1915 المجموعة الرسمية 17 ص 107 انظر أيضا في عدم جواز الاسترداد الفقرة الثانية من المادة 766 من تقنين الموجبات والعقود اللبناني  .

( [1682] ) تاريخ النصوص :

م 229 : ورد هذا النص في المادة 307 من المشروع التمهيدي علي الوجه الآتي : " إذا تسبب الدائن ، وهو يطالب بحقه ، في إطالة أمد النزاع بخطأه ، فللقاضي أن تخفض الفوائد ، قانونية كانت أو اتفاقية ، أو لا يقضي بها إطلاقا عن المدة التي طال فيها النزاع بلا مبرر " وأقرته لجنة المراجعة تحت رقم 236 في المشروع النهائي  . ووافق عليه مجلس النواب  . وفي لجنة مجلس الشيوخ ذكر ان هذه المادة تعالج حالة الدائن سيء النية الذي يتعمد إحالة أمد النزاع كي تستمر الفوائد في سريانها ، وقد أثبت العمل انه كثيراً ما يلجأ الدائن إلي إنكار الإمضاء أو إلي الدفوع أو رد القاضي ورأت اللجنة أن تدخل عبارة " بسوء نية " بدلا من كلمة " بخطأه " لأن فكرة الخطأ قد تتسع لفروض لا يحسن فيها توقيع هذا الجزاء ، ولهذا آثرت اللجنة أن يكون الجزاء قاصراً علي حالة سوء النية وحدها ، وأصبحت المادة رقمها 229  . ووافق مجلس الشيوخ علي المادة كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 588 - ص 589 )  .

م 230 : ورد هذا النص في المادة 308 من المشروع التمهيدي علي وجه مطابق لما استقر عليه في التقنين الجديد فيما عدا عبارة " دون تمييز بين دائن مضمون حقه ودائن لا ضمان له " الواردة في آخر نص المشروع التمهيدي وأقرت لجنة المراجعة النص ، واصبح رقمه 237 في المشروع النهائي  . ووافق عليه مجلس النواب وفي لجنة مجلس الشيوخ حذفت عبارة " دون تمييز  .  .  . الخ " لأن قسمة الفوائد بين الدائنين جميعا قسمة غرماء تفيد معني هذه العبارة ، وأصبح رقم النص 230  . ووافق مجلس الشيوخ عليه كما عدلته لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 590 - ص 592 )  .

م 232 : ورد هذا النص في المادة 310 من المشروع التمهيدي علي الوجه الآتي :

 " 1 - الفوائد علي متجمد الفوائد لا تكون مستحقة إلا إذا طولب بها قضائيا أو تم الاتفاق عليها بعد استحقاق الفوائد المتجمدة ، علي أن يبلغ المتجمد في الحالتين فوائد سنة علي الأقل ، وهذا دون إخلال بالقواعد والعادات التجارية  . 2 - أما الاستحقاقات الدورية غير الفوائد فتعتبر رؤوس أموال من حيث استحقاق الفوائد عنها "  . وأقرته لجنة المراجعة تحت رقم 239 في المشروع النهائي  . ووافق عليه مجلس النواب  . وفي لجنة مجلس الشيوخ استبدل بالمادة بفقرتيها النص الذي استقر في التقنين الجديد ، وقد راعت اللجنة في ذلك ألا تتكرر الفوائد بتقاضي فوائد علي متجمد للفوائد ، وأن من المصلحة أن يحال بين الدائن وبين استغلال المدين باقتضاء فوائد تجاوز مقدار الدين نفسه ، وبحسب الدائن أن يكون قد اقتضي فوائد تعادل رأس ماله ، وقد أخذت بهذا الحكم دول أخري منها سورية والعراق  . وأصبحت المادة رقمها 232  . ووافق مجلس الشيوخ عليها كما وضعتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 596 - ص 597 )  .  

( [1683] ) وقد كانت المادة 126 / 186 من التقنين المدني السابق تجري علي الوجه الآتي : " لا يجوز أخذ ولا طلب فوائد علي متجمد الفوائد إلا إذا كان مستحقا عن سنة كاملة "  .

( [1684] ) التقنينات المدنية للعربية الأخري : التقنين المدني السوري م 230 - 231 و 233 ( مطابقة للمواد 229 - 230 و 232 من التقنين المدني المصري ، فيما عدا ان المادة 231 من التقنين المدني السوري لا تذكر ما إذا كانت خزانة المحكمة ملزمة بالفوائد بسبب إيداع الثمن فيها )  .

التقنين المدني العراقي م 173 فقرة 3 و 174 ( مطابقتان للمادتين 229 و 232 من التقنين المدني المصري فيما عدا ان المادة 173 فقرة 3 عراقي تكتفي بخطأ المدين ولا تشترط سوء نيته ولا مقابل في التقنين العراقي للمادة 230 من التقنين المصري )  .

التقنين المدني للمملكة الليبية المتحدة م 232 - 233 و 235 ( مطابقة للمواد 229 – 230 و 232 من التقنين المدني المصري )  .

تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 768 : يجوز أن تؤخذ فائدة عن فوائد رأس المال إما بإقامة دعوي ، وإما بمقتضي عقد خاص منشأ بعد الاستحقاق  . وفي كلا الحالين يشترط أن تكون الفوائد المستحقة عائدة إلي مدة لا تقل عن ستة أشهر ، ذلك مع الاحتفاظ بالقواعد والعادات المختصة بالتجارة  . ( وحكم الربح المركب هنا كحكمه في التقنين المدني المصري السابق وفي التقنين المدني الفرنسي ، فيما عدا ان المدة التي تتجمد فيها الفوائد هي هنا ستة أشهر بدلا من سنة هناك : انظر الدكتور صبحي المحمصاني في آثار الالتزام في القانون المدني اللبناني ص 33 )  .          

( [1685] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 594 - وقد قضت محكمة الاستئناف الأهلية بأنه يجوز للمحكمة أن ترفض إعطاء الدائن الفوائد القانونية إذا رأت أنه أجري إجراءات غير لازمة للدعوي ، واتبع طرقا أوجبت الإطالة بلا فائدة ( 10 مارس سنة 1896 والحقوق 11 ص 175 ) ومن ثم يجوز اعتبار نص المادة 229 نصا مفسراً إذ هو يقنن أحكام القضاء المصري ويجري علي مقتضي القواعد العامة ، فيكون له إذن أثر رجعي  .        

( [1686] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 589  . 

( [1687] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 594  .        

( [1688] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 589 وانظر آنفا فقرة 516 في الهامش  . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي : " عل أن انتفاع المدين بحكم هذه المادة مشروط بإقامة الدليل علي وقوع خطأ من الدائن  .  .  . " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 594 ) وواضح ان هذا يتمشي مع نص المشروع التمهيدي الذي كان يقتصر علي اشتراط الخطأ ، لا مع النص النهائي الذي يشترط سوء النية  . 

( [1689] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 594  .        

( [1690] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 594  .        

( [1691] ) ويذهب الدكتور المحمصاني في كتابة آثار الالتزام في القانون المدني اللبناني ( ص 36 ) إلي أنه يجوز أن يطبق في لبنان حكم تخفيض الفوائد أو إسقاطها لإطالة أمد النزاع بسوء نية ، دون حاجة إلي نص في ذلك ، إذ يقول : " ولكن نري ان ذلك جائز أيضا في لبنان ، وفاقا للمباديء العامة ، لاسيما وفاقا لمبدأ سوء استعمال الحقوق المنصوص عليه في المادة 124 من قانون الموجبات ، ووفاقا لتطبيقات هذا المبدأ العديدة في قانون أصول المحاكمات المدنية التي توجب الحكم بتعويض علي من يقدم ، عن نية سيئة ، علي إقامة أية دعوي أو علي المعارضة في أي طلب ظهرت صحته ( م 31 ) "  .       

( [1692] ) نذكر للتاريخ أن صاحب الفكرة في هذا النص هو القاضي استنويت ( stenuit ) ، وكان يعمل في لجنة تنقيح التقنين المدني علي ما مر  . وقد أفضي إلينا أن خبرته كقاض في المحاكم المختلطة دلته علي أن الفلاح المدين يحمل غرما فادحاً من جراء بطء إجراءات التوزيع ، فقد تطول هذه الإجراءات زمنا طويلا ، ولا ذنب له في ذلك ، فتتراكم عليه فوائد الديون طوال المدة التي تسير فيها إجراءات التوزيع  . فصيغ هذا النص دفعا لهذا العبء الثقيل عن عاتق المدين  .        

( [1693] ) مجموع الأعمال التحضيرية 2 ص 591 - ولما كان هذا الحكم مستحدثا ولكنه يعتبر من النظام العام لأنه يتعلق بنظام الفوائد ، فإنه يسري من وقت نفاذ التقنين المدني الجديد ، أي ابتداء من 15 من شهر أكتوبر سنة 1949 ، علي الديون التي لم تقفل فيها قوائم التوزيع ، وتسري الفوائد الأصلية عن المدة السابقة علي هذا التاريخ  .

ويذكر الدكتور صبحي المحمصاني ان هذا الحكم معمول به في لبنان دون نص ، فهو يقول : " وعلي الرغم من أن القانون اللبناني لم ينص علي مثل هذا المبدأ صراحة ، فإن العمل في دوائر الإجراء ، لاسيما في بيروت ، هو موافق له ، إذ ان الفائدة ترصد حتي تاريخ الإحالة القطعة في البيع الجبري تمهيدا لإجراء معاملة التوزيع بين الدائنين " ( آثار الالتزام في القانون المدني اللبناين ص 32 )  .

( [1694] ) ونذكر هنا أيضا للتاريخ أنه لما عرض علي لجنة مجلس الشيوخ القيود الكثيرة المختلفة التي وضعها التقنين المدني الجديد علي الربا ، أرادات اللجنة الاستزادة منها  . فذكرت ما كنت أعلمه من ان العراق وسورية ورثتا عن القوانين العثمانية قاعدة تقضي بأنه لا يجوز أن يكون مجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن أكثر من رأس المال ، فبادرت اللجنة إلي إدماج هذه القاعدة في نصوص التقنين الجديد هي وتحريم الفوائد المركبة ، وجعلت القاعدتين في نص واحد مستحدث  .        

( [1695] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 597 - والأصل في هذا الحكم هو المادة 4 من قانون المرابحة العثماني ، وتقضي بعدم جواز زيادة مجموع الفوائد علي رأس المال  . وطبقت القاعدة في العراق وسورية ولبنان لما كانت هذه البلاد جزءاً من الإمبراطورية العثمانية ، ثم لما استقلت أدخلت القاعدة في كل من التقنين المدني العراقي والتقنين المدني السوري عن طريق التقنين المدني المصري الذي استقي القاعدة هو نفسه من قانون المرابحة العثماني  . ويذك الدكتور صبحي المحمصاني ( آثار الالتزام في القانون المدني اللبناني ص 31 – ص 32 ) أن هذه القاعدة لا تزال سارية في لبنان بحكم قانون المرابحة العثماني  .

( [1696] ) وهذه القاعدة التي تقضي بأن مجموع الفوائد لا يجاوز رأس المال تعتبر من قواعد النظام العام ، ومن ثم يسري نص المادة 232 من وقت نفاذ التقنين المدني الجديد  . فإذا كانت هناك عقود أبرمت قبل 15 أكتوبر سنة 1949 تجعل للدائن حقا في تقاضي مجموع من الفوائد يزيد علي رأس المال ، فما دفع قبل 15 أكتوبر سنة 1949 لا يرد ولو زاد علي رأس المال أما منذ 15 أكتوبر سنة 1949 فلا يجوز أن يكون مجموع الفوائد التي تقاضاها الدائن في الماضي مع الفوائد التي يتقاضاها في المستقبل أكثر من رأس المال  . فإذا فرض أن شخصا اقترض مبلغا مقداره 1000 جنيه بسعر 8% في يناير سنة 1940 لمدة عشرين سنة ، وبقي يسدد الفوائد إلي 15 أكتوبر سنة 1949 ، ثم استمر بعد ذلك يسددها بسعر 7% ابتداء من 15 أكتوبر سنة 1949 ، حتي وصلت جملة ما دفعه من الفوائد منذ بداية القرض ألفا من الجنيهات ، فإنه لا تجب عليه بعد ذلك أيه فوائد  . ولو ان هذا الشخص اقترض هذا المبلغ ( 1000 جنيه )   بهذا السعر ( 8% ) في يناير سنة 1935 لمدة عشرين سنة ، فإنه يكون قد دفع حتي 15 أكتوبر سنة 1949 من الفوائد أكثر من 1000 جنيه ، فينقطع منذ 15 أكتوبر سنة 1949 عن دفع أيه فوائد ، ولكنه لا يسترد ما دفعه قبل 15 أكتوبر سنة 1949 زائداً علي 1000 جنيه  .

( [1697] ) وقد صدر من محكمة مصر الكلية ، في 25 أبريل سنة 1955 في القضية رقم 5818 لسنة 1953 ، حكم لم ينشر بعد يقضي بأن العادات التجارية في القروض طويلة الأجل ، تسمح بمجاوزة مجموع الفوائد لرأس المال  . وقد جاء في أسباب هذا الحكم ما يأتي : " وحيث       ان المشرع لاحظ في النص علي عدم الإخلال بالقواعد والعادات التجارية أن للعرف السائد قوة القانون المسنون ، وأنه لابد من عدم المساس بأحكام المعاملات التي جري بها العرف من قديم الزمان ، ومنها القروض طويلة الأجل التي تعقدها المصارف والشركات في نطاق نشاطها المألوف  . ولا يمكن بحال أن يكون الشارع قد قصد القضاء علي الائتمان الطويل ، ومحاربة القائمين به ، علي ما يؤديه هذا الائتمان من خدمات جليلة للاقتصاد القومي ، ومع ما يتسم به من طابع التيسير علي المدينين ولكن الشارع قصد – فحسب - منع المرابين المحترفين من استغلال الضعفاء علي صورة كريهة ممقوته ، فعمل علي حمايتهم في هذه الصرة وفي هذه الظلال  . ولم يفته الاحتياط لأثر العادة التجارية ، بما يحفظ كيان الأوضاع الاقتصادية في البلاد "  .

( [1698] ) غير أن هناك نوعا من القروض قد تستعصي طبيعتها علي هذا التدبير ، وهي قروض الإنتاج طويلة الأجل  . وتتميز هذه القروض بخصيصتين : ( 1 ) ينتفع المقترض بالقرض للإنتاج لا للاستهلاك  . فهو إما مزارع يريد إصلاح أرضه البور ، أو مالك أرضف فضاء يريد البناء عليها أو نحو ذلك ، فيقترض مبلغا كبيرا من المال لمشروعه الإنتاجي من مصارف العقاري تخصصت لهذا الغرض  . ( 2 ) يكون القرض ذا أجل طويل ، وينبغي أن يكون كذلك ، فإن المقترض إنما يقترض كما قدمنا للإنتاج لا للاستهلاك ، فيعتمد في سداد أقساط الدين علي غلة ما أنتجه ، مع استبقاء شيء من هذه الغلة لنفسه ليكون مورد عيشه ، فلابد إذن أن يكون القرض طويل الأجل  . ويصل الأجل في كثير من الأحوال إلي عشرين سنة ، بل إلي ثلاثين وأربعين وخمسين في حالات غير قليلة  .

وقد جرت عادة مصارف الائتمان العقاري أن تجعل المدين يسدد الدين علي أقساط متساوية طوال مدة القرض ، فيسدد في كل قسط الفوائد مع جزء من رأس المال يزيد تدرجا كلما قل ما يجب دفعه من الفوائد  . وقد يزيد مجموع ما يدفعه المدين من الفوائد في هذه القروض طويلة الأجل علي رأس المال ، فلابد إذن إذا أريد الإبقاء علي هذه القروض الإنتاجية النافعة ، من استثنائها بتشريع خاص من حكم المادة 232 من التقنين المدني ، وذلك إذا لم يستقر قضاؤنا علي جعلها مستثناة من حكم هذه المادة تطبيقا للعادات التجارية علي ما رأينا  . ويلاحظ فوق ذلك أن مصارف الائتمان العقاري تقترض هي نفسها - في صورة سندات تصدرها – نقوداً لآجال طويلة تدفع عنها فوائد قد يزيد مجموعها علي رأس المال ، ثم تقرض هذه النقود لعملائها ، فهي تقوم في الواقع من الأمر بدور الوسيط بين المقروض والمقترض  . ثم ان الحكومة والأشخاص المعنوية العامة ( كالبلديات ) قد تعقد قروضا طويلة الأجل يزيد مجموع الفوائد فيها علي رأس المال ، ويقع ذلك كثيرا في الإيرادات المؤبدة  . وهناك ظروف تضطر فيها الحكومة إلي التقدم لمساعدة أصحاب الأراضي الزراعية بتسوية ديونهم العقارية إلي آجال طويلة يزيد فيها مجموع الفوائد علي رأس المال ، كما وقع ذلك في قوانين التسويات العقارية سنة 1933 وسنة 1936 وسنة 1942 - كل هذا من شأنه أن يجعل للقروض طويلة الأجل مركزاً خاصا يبرر استصدار تشريع استثنائي بشأنها في المعني المتقدم  . وقد أعدت الحكومة بالفعل مشروعا بقانون في هذا المعني ، ولكنه لا يزال مشروعا حتي كتابة هذه السطور  .

وغني عن البيان أنه يجب ان تستبقي في التقنين المدني القاعدة الأصلية - وهي عدم جواز زيادة مجموع الفوائد علي رأس المال – لمواجهة حالة المرابي المحترف الذي يمد لمدينة في أسباب تأجيل سداد الدين ليستمر في أخذ الفوائد ، فيصل من وراء ذلك إلي تقاضي رأس ماله أضعافا مضاعفة  . ويبقي التشريع الخاص بالقروض طويلة الأجل ، إذا صدر ، تشريعا استثنائيا يعالج حالة الائتمان العقاري وحدها  .

( [1699] ) وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " لم يغب عن المشروع ما للفوائد المركبة من بالغ الأثر في زيادة أعباء المدين ، ولا سيما بعد أن عمدت بعض التقنينات الحديثة إلي تحريمها  .  .  . بيد أنه رأي إباحتها بشروط ثلاثة فاشترط أن تكون واجبة الأداء ، وأن تكون مستحقة عن سنة علي الأقل ، وأن يتم الاتفاق علي التجميد أو يطالب به الدائن قضائيا بعد أن يصبح ما يراد تجميده منها مستحق الأداء - قارن المادة 126 / 186 من التقنين المصري ( السابق ) ويظهر أنها تبيح الاتفاق علي التجميد قبل حلول الفائدة ، وقد جري القضاء أن المصري والفرنسي علي ذلك خلافا لرأي الفقه في فرنسا - ولا يشترط في هذا الصدد حلول أجل الوفاء برأس المال المنتج لتلك الفوائد " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 598 - ص 599 )  .        

( [1700] ) انظر في فوائد الفوائد أو الربح المركب في التقنين المدني السابق الموجز للمؤلف فقرة 453 - استئناف مصر 3 يناير سنة 1945 المجموعة الرسمية 47 / 5 و 6 / 121 / 2 - مصر الكلية الوطنية 8 يولية سنة 1899 الحقوق 14 ص 314 – استئناف مختلط 2 ديسمبر سنة 1920 م 33 ص 54 - 3 مايو سنة 1927 م 39 ص 438 - 7 يونية سنة 1928 م 40 ص 413 - 13 فبراير سنة 1929 م 41 ص 216 - 2 ديسمبر سنة 1930 م 43 ص 52 - 7 فبراير سنة 1935 م 47 ص 147  . ولم يكن يشترط عدد كامل من السنين تتجمد فيه الفوائد ، فكسور السنة تتجمد فوائدها إن أضيفت إلي فوائد سنة أو سنتين أو أكثر ( بورسعيد الوطنية 14 أغسطس سنة 1932 المحاماة 13 ص 1303 ) علي أن المدة التي تتجمد فيها الفوائد ليست بذات أثر كبير ، فقد حسب الأستاذان بودري وبارد ( جزء أول فقرة 534 ) أنه إذا جمدت الفوائد كل سنة ، بسعر 5% تضاعف رأس المال في 21 و 14 سنة ، وإذا كان تجميدها كل شهر تضاعف رأس المال في 93 و 13 سنة ، وإذا كان التجميد كل أسبوع تضاعف رأس المال في 78 و 13 سنة ، فالفرق في المدد التي يتضاعف فيها رأس ليس إذن بكبير وكان يشترط في عهد التقنين المدني السابق أن تكون المطالبة القضائية بعد تجمد الفوائد لا قبل التجمد ( استئناف مختلط 23 ديسمبر سنة 1914 م 27 ص 74 - 13 فبراير سنة 1929 م 41 ص 216 - مص الكلية الوطنية 8 يولية سنة 1899 الحقوق 14 ص 314 )  . أما بالنسبة إلي الاتفاق فكان يجوز ان يتم الاتفاق قبل تجمد الفوائد ( استئناف أهلي 18 مايو سنة 1914 الشرائع 1 ص 247 - استئناف مختلط 17 أبريل سنة 1913 م 25 ص 322 - أول يونية سنة 1921 م 33 ص 353 - 7 يونية سنة 1928 م 40 ص 413 ) وفي فرنسا يجيز القضاء الاتفاق مقدما قبل تجمد الفوائد ، ولكن الفقه لا يجيز الاتفاق إلا بعد أن تتجمد الفوائد ، ويحتج بنص المادة 1154 من التقنين المدني الفرنسي وهي تقضي بعدم جواز الاتفاق علي تجمد الفوائد إلا بعد استحقاقها ( les interest echus des capitaux ) ( الموجز للمؤلف فقرة 453 ص 457 - وانظر في الفوائد علي متجمد الفوائد في القانون الفرنسي أوبري ورو 4 فقرة 308 ص 165 - ص 169 - بودري وبارد 1 فقرة 524 – فقرة 541 - ديموج 6 فقرة 405 - فقرة 420 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 887 - فقرة 890  .        

( [1701] ) انظر تقنين الالتزامات السويسري م 105 فقرة 2( ومع ذلك انظر 314 فقرة 3 ) التقنين المدني الألماني 289 فقرة أولي ( ومع ذلك فقد أجاز التقنين المدني الألماني التعويض عن تأخر المدين في الوفاء بفوائد الدين ) التقنين الشيلي م 1559 و 2210 - وكان قانون جوستنيان والقانون الفرنسي القديم يحرمان تقاضي فوائد علي متجمد الفوائد  .      

( [1702] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 597 - وانظر تاريخ نص المادة 232 آنفا فقرة 516 في الهامش  . 

( [1703] ) ولما كانت قاعدة تحريم الأرباح المركبة التي استحدثها التقنين المدني الجديد تعتبر من قواعد النظام العام ، فإنها تسري منذ نفاذ هذا التقنين  . ومن ثم فكل اتفاق علي فوائد مركبة أبرم قبل 15 أكتوبر سنة 1949 ينتج أثره إلي هذا التاريخ فقط ، وتستحق فوائد علي ما تجمد من الفوائد إلي يوم 15 أكتوبر سنة 1949 بشرط أن تكون الفوائد قد تجمدت لمدة سنة علي الأقل ، وما يتجمد من الفوائد بعد ذلك لا يتقاضي الدائن عنه أية فوائد طبقا لقاعدة التحريم الجديدة  . وإذا كان استحقاق فوائد الفوائد آتيا عن طريق المطالبة القضائية ، فإذا كانت هذه المطالبة قد تمت قبل يوم 15 أكتوبر سنة 1949 حكم للدائن بفوائد علي متجمد الفوائد ولو صدر الحكم بعد يوم 15 أكتوبر سنة 1949 لأن الأحكام تستند إلي يوم رفع الدعوي  . أما إذا كانت المطالبة القضائية لم تتم قبل يوم 15 أكتوبر سنة 1949 ، فلا يحكم للدائن بفوائد علي متجمد الفوائد حتي لو كان الدين الأصلي قد عقد قبل يوم 15 أكتوبر سنة 1949  .         

( [1704] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 599  . 

( [1705] ) أما الإيرادات الدائمة فهي تعتبر فوائد عن مبلغ من النقود ، ولا تستثني من تحريم الأرباح المركبة أو تقييدها إلا بنص صريح  . وهذا النص لم يكن موجودا في التقنين المدني السابق ولم يوجد في التقنين المدني الجديد  . وهو موجود في التقنين المدني الفرنسي في المادة 1155 من هذا التقنين ويبرون في فرنسا استثناء الإيرادات الدائمة من قيود الأرباح المركبة باعتبارين : الاعتبار الأول انه لا يخشي في الإيرادات المؤيدة ان تتراكم علي المدين الفوائد مع رأس المال ، لأن المدين لا يلتزم برد رأس المال إلا في الوقت الذي يختاره هو والاعتبار الثاني أن القيود الواردة علي الأرباح المركبة إنما قصد بها المرابون دون غيرهم ، والمرابون لا يقرضون نقودهم في مقابل إيراد دائم ، بل يقرضونها لأجل ( انظر في ذلك بودري وبارد 1 فقرة 542 )  .       

( [1706] ) وقد كان المشروع التمهيدي يتضمن نصا في هذا المعني هو الفقرة الثانية من المادة 310 ، وكانت تجري علي الوجه الآتي : " أما الاستحقاقات الدورية غير الفوائد فتعتبر رؤوس أموال من حيث استحقاق الفوائد عنها " فحذف هذا النص في لجنة مجلس الشيوخ ( انظر تاريخ نص المادة 232 آنفا فقرة 519 في الهامش )  . ولكن يكفي تطبيق القواعد العامة للوصول إلي هذا الحكم ، وقد ورد في هذا الصدد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي - وقد كان هذا المشروع يجيز الأرباح المركبة بشروط كما قدمنا - ما يأتي : " ويلاحظ ان ما يستحق من الالتزامات في مواعيد دورية كالأجرة والإيرادات الدائمة ( كذا ) أو المرتبة مدي الحياة لا يعتبر من قبيل الفوائد بمعناها الغني الدقيق  . فيجوز تجميد الأجر والإيرادات وما إليها دون حاجة إلي توافر الشروط الثلاثة التي تقدم ذكرها  . ذلك ان هذه الالتزامات لا تقترف عن سائر ضروب الالتزام بأداء مبلغ من النقود ، فهي تنتج ما يستحق عنها من الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية أو من التاريخ المتفق عليه ، ولو وقع الاتفاق قبل أن تصبح بذاتها واجبة الأداء  . ولا يشترط فوق هذا ان يحل أجل الوفاء بها ، أو ان تكون مستحقة عن سنة علي الأقل  . وكذلك يكون الحكم في رد الثمرات والفوائد التي يتولي الغير أداءها للدائن وفاء لدين المدين - انظر المادة 1155 من التقنين المدني الفرنسي والمادة 104 من المشروع الفرنسي الإيطالي " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 599 ) - وانظر في هذه المسألة في القانون الفرنسي : أوبري ورو 4 فقرة 308 ص 169 - ص 171 - بودري وبارد 1 فقرة 541 – فقرة 545 - ديموج 6 فقرة 421 - فقرة 426 مكررة - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 891  .  

( [1707] ) وذلك كالأجرة والاستحقاق في الوقت ( الخيري بعد إلغاء الوقف الأهلي ) والثمرات التي يردها الحائز بسور نية مع فوائدها  .       

( [1708] ) وذلك كالإيرادات المرتبة مدي الحياة فأنها ليست مجرد ريع بل يدخل فيها جزء من رأس المال وإذا وفي الغير الفوائد المستحقة علي المدين ، فأنه يرجع عليه بما وفاه من هذه الفوائد ، وتعتبر رأس مال بالنسبة إلي الغير الذي وفاها ، ومن ثم كان له أن يتقاضي فوائد عليها وفقا للقواعد العامة ( بودري وبارد 1 فقرة 541 )  . 

( [1709] ) تاريخ النصوص :

م 231 : ورد في هذا النص في المادة 309 من المشروع التمهيدي علي الوجه الآتي : " يجوز للدائن ان يطالب بتعويض تكميلي يضاف إلي الفوائد ، إذا أثبت ان الضرر الذي يجاوز الفوائد قد تسبب فيه المدين بغش منه أو بخطأ جسيم " وأقرت لجنة المراجعة النص تحت رقم 238 في المشروع النهائي  . ووافق عليه مجلس النواب  . وفي لجنة مجلس الشيوخ استبدلت عبارة " بسور نية " بعابرة " بغش منه أو بخطأ جسيم " تمشيا مع التعامل الذي أجري في المادة 236 ( 229 مدني ) ، وأصبحت المادة رقمها 231  . ووافق مجلس الشيوخ عليها كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 593 - ص 595 )  .

م 233 : ورد هذا النص في المادة 311 من المشروع التمهيدي علي وجه مطابق لما استقر عليه في التقنين المدني الجديد  . وأقرته لجنة المراجعة تحت رقم 240 في المشروع النهائي  . ووافق عليه مجلس النواب ، ثم مجلس الشيوخ تحت رقم 233( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 598 و ص 600 )  .    

( [1710] ) كانت المادة 127 / 187 من التقنين المدني السابق تجري علي الوجه الآتي : " ومع ذلك يجوز ان يختلف قدر الفوائد التجارية في الحسابات الجارية علي حسب اختلاف الجهات  . وتنضم الفوائد المتجمدة للأصل في الحسابات الجارية بحسب العوائد التجارية "  . ولا فرق في هذا الحكم بين التقنيين الجديد والقديم  .  

( [1711] ) التقنينات المدنية العربية الأخري : التقنين المدني السوري م 232 و 234 ( مطابقتان للمادتين 231 و 233 من التقنين المدني المصري )  .

التقنين المدني العراقي م 173 فقرة 2 و 175 ( مطابقتان للمادتين 213 و 233 من التقنين المدني المصري ، فيما عدا أن المادة 173 فقرة 2 عراقي تضيف إلي غش المدين خطأه الجسيم )  .

التقنين المدني للمملكة الليبية المتحدة م 234 و 236 ( مطابقتان للمادتين 231 و 233 من التقنين المدني المصري )  .

تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 265 فقرة 2 : غير أنه إذا كان المديون سييء النية ، جاز أن يعطي عوض إضافي للدائن الذي أضر به امتناع غير مشروع  . ( وتوافق في الحكم حكم المادة 231 من التقنين المدني المصري : انظر الدكتور صبحي المحمصاني في آثار الالتزام في القانون المدني اللبناني ص 35 0 ص 36 )  .

( [1712] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 593 - ص 594  .   

( [1713] ) بل ان القضاء المصري في عهد التقنين المدني السابق كان يقضي بأنه إذا كان للدائن لا حق له إلا في الفوائد القانونية أو الاتفاقية تعويضا له عن تأخر المدين في وفاء ما عليه ، إلا أنه يدوز أن يكون له حق في تعويضات أخري غير الفوائد إذا أثبت انه قد لحقه ضرر خاص من تأخر المدين وبسبب إهماله ( مصر الكلية الوطنية 29 مارس سنة 1904 المجموعة الرسمية 5 ص 192 - الأقصر 21 أبريل سنة 1915 المجموعة الرسمية 17 ص 130 ) ، فكان مجرد إهمال المدين يكفي للحكم عليه بتعويض تكميلي ،وليس من الضروري ان يكون سيء النية  .

وقد كان القضاء الفرنسي مستقرا هو أيضا هلي هذا المعني  . وصدر في فرنسا قانون في 7 أبريل سنة 1900 يسجل هذا القضاء ، ولكنه يشترط سوء نية المدين ، فأصبحت الفقرة الأخيرة من المادة 1153 من التقنين المدني الفرنسي( المعدلة بهذا القانون ) تقضي بأنه يجوز للدائن ، الذي ألحق به المدين المتأخر عن سوء نية ضرراً غير مجرد التأخر ، أن يحصل علي تعويض آخر مستقل عن فوائد الدين ( انظر في القانون الفرنسي في هذه المسألة أوبري ورو 4 فقرة 308 ص 163 – ص 164 - بودري وبارد 1 فقرة 507 – ديموج 6 فقرة 403 فقرة 404 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 879 – بيدان ولاجارد 8 فقرة 589 ص 428 ص 429 - انظر أيضا المادة 106 من تقنين الالتزامات السويسري والمادة 288 من التقنين المدني الألماني ) ويشترط هنا أن يكون الضرر غير مجرد التأخر ، أما في التقنين المدني المصري فقد يكون الضرر ناشئا عن مجرد التأخر ولكن يجب ان يكون ضرراً استثنائيا غير مألوف ( انظر الأستاذ إسماعيل غانم في أحكام الالتزام فقرة 91 ص 116 )  .   

( [1714] ) ويضرب أوبري ورو مثلا : شخص وعد آخر أن يقرضه مبلغا من النقود حتي يتمكن من استعمال حق استرداد ، ثم لا يفي بوعده فيضيع علي صاحب حق الاسترداد حقه  . في هذه الحالة يرجع الموعود بالقرض علي الواعد بتعويض يساوي الضرر الذي أصابه من جراء ضياع حقه من الاسترداد ، ولو زاد هذا التعويض علي الفوائد التي يقررها القانون ( أوبري       ورو 4 فقرة 308 ص 163 وهامش رقم 50 - انظر أيضا بودري وبارد فقرة 508 )  .

( [1715] ) ويلاحظ ان الفوائد لا يمكن إلا أن تكون فوائد تأخيرية كما هو الأمر في صدد المادة 229 ، سواء كانت هذه الفوائد التأخيرية بسعر اتفاقي أو بسعر قانوني  . 

( [1716] ) استئناف مختلط 13 أبريل سنة 1904 م 16 ص 192 - 14 مارس سنة 1906 م 18 ص 147 - 28 مارس سنة 1906 م 18 ص 170 - 8 مايو سنة 1907 م 19 ص 239 - 18 نوفمبر سنة 1908 م 21 ص 12 - فإذا ما اقفل الحساب الجاري صار رصيده دينا تستحق عليه الفوائد من وقت إقفال الحساب الجاري ( استئناف مختلط 30 مايو سنة 1895 م 7 ص 313 - 16 أبريل سنة 1924 م 36 ص 313 - 29 يناير سنة 1908 م 20 ص 75 - 11 ديسمبر سنة 1913 م 26 ص 89 ) ، اتفاقية كانت أو قانونية  .     

( [1717] ) استئناف مختلط 10 ديسمبر سنة 1914 م 27 ص 47  .      

( [1718] ) استئناف مختلط 14 مارس سنة 1906 م 18 ص 147 - 18 نوفمبر سنة 1908 م 21 ص 12  . 

( [1719] ) ويؤسس بودري وبارد هذا الاستثناء علي مبدأ عدم قابلية الحساب الجاري للتجزئة ( indivisibitite du compte courant ) ، فلا يصح أن يتجزأ رصيد الحساب الجاري فيعتبر بعض هذا الرصيد فوائد ، بل ان عناصر الحساب الجاري تفقد ذاتيتها وتندمج جميع ، بطريق التجديد ، في وحدة لا تتميز فيها الفوائد عن رأس المال ( بودري وبارد 1 فقرة 546 ) وهذا التحليل يؤدي إلي استثناء الحساب الجاري من قاعدة تحريم الربح المركب ، حتي لو كان حساباً غير تجاري ، لأن طبيعة الحساب الجاري واحدة ، تجاريا كان الحساب أو مدنيا ( بودري وبارد 1 فقرة 549 – ديموج 6 فقرة 427 - فقرة 429 )  . 

( [1720] )وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ، في صدد استثناءات الحساب الجاري ما يأتي : " ويراعي ان الحساب الجاري خرج من نطاق تطبيق القواعد الخاصة بالفوائد ، وأصبح العرف محكما فيه  . فقد تقدم ان استثني من تلك القواعد فيما يتعلق ببدء سريان فوائد التأخير وفيما يتعلق بتجميد الفوائد  . وقد استثني منها كذلك فيما يتعلق بسعر الفائدة القانونية التجارية ، فلا يتحتم أن يكون هذا السعر 5% ، بل يجوز أن يختلف تبعا لتفاوت الأسعار الجارية في الأسواق ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 599 )  .

وهذه الاستثناءات بالنسبة إلي الحساب الجاري كما معمولا بها في التقنين المدني السابق( انظر الموجز للمؤلف فقرة 453 ص 458 )  .

( [1721] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 312 من المشروع التمهيدي علي وجه مطابق لما استقر عليه في التقنين المدني الجديد  . ووافقت عليه لجنة المراجعة تحت رقم 241 من المشروع النهائي  . ووافق عليه مجلس النواب ، ثم مجلس الشيوخ تحت رقم 234( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 601 - ص 602 )  .

وانظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 602 و ص 603  .

( [1722] ) التقنين المدني السابق م 554 / 678 : الدائنون علي خمسة أنواع : الأول – الدائنون العاديون الذين يستوفون ديونهم من جميع أموال مدينهم بنسبة قدر دين كل واحد منهم  .  . م 555 / 679 : يجوز للدائنين العاديين ان يستوفوا ديونهم من جميع أموال مدينهم ، لكن مع مراعاة الإجراءات المقررة في القانون  .

ولا يوجد فرق ما بين التقنينين الجديد والقديم في هذه المباديء العامة  .      

( [1723] ) التقنينات المدنية العربية الأخري : التقنين المدني السوري م 235 ( مطابقة للمادة 234 من التقنين المدني المصري )  .

التقنين المدني العراقي م 260 ( مطابقة للمشروع التمهيدي للمادة 234 من التقنين المدني المصري - ولا فرق في الحكم )  .

التقنين المدني للمملكة الليبية المتحدة م 237 ( مطابقة للمادة 234 من التقنين المدني المصري )  .

تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 268 : للدائن حق ارتهان عام علي مملوك المديون لا علي أفراد ممتلكاته  . وهذا الحق ، الذ يكسب الدائن صفه الخلف العام للمديون لا يمنحه حق التتبع ولا حق الأفضلية  . فالدائنون العاديون هم في الأساس متساوون ، لا تمييز بسبب التواريخ التي نشأت فيها حقوقهم ، إلا إذا كان هناك أسباب أفضيلة مشروعة ناشئة عن القانون أو الاتفاق م 269 : لحق ارتهان الدائن خصائص كل منها وسيلة موضوعة رهن تصرفه ليتمكن بها من الحصول علي ما يحق له – وبعض تلك الوسائل احتياطي محض ، وبعضها يرمي مباشرة إلي التنفيذ الإجباري  . وهناك فئة ثالثة من الوسائل متوسطة بين الفئتين السابقتين ، وضعت لتمهيد سبيل التنفيذ الإجباري وإعداد أسبابه  . م 270 : إن الوسائل الاحتياطية ، كوضع الأختام وقيد الرهن وقطع مرور الزمن الجاري ، يحق لكل دائن أن يتذرع بها وإن كان حقه معلقا علي أجل أو علي شرط  . م 271 : أما وسائل التنفيذ فهي بالعكس لا يجوز للدائن استعمالها إلا إذا كان حقه مستحق الأداء - وأخص تلك الوسائل الحجز التنفيذي ، ومنها أيضا طريقة التغريم ( م 251 ) وحق الحبس ، أي حق كل شخص دائن ومديون معا في معاملة أو حالة واحدة بأن يمتنع عن التنفيذ ما دام الفريق الآخر لم يعرض القيام بما يجب عليه  . م 275 : إن الوسائل المتوسطة التي تمهد سبيل التنفيذ لحق ارتهان الدائن بدون أن يتم ذلك التنفيذ هي : الدعوي غير المباشرة والدعوي البوليانية وحق التفريق بين مملوكين  .

وهذه النصوص تتفق مع المباديء العامة التي تراعي في التقنين المدني المصري والتقنينات المدنية العربية ، والتي سنوردها فيما يلي  . ولكن يلاحظ ما يأتي : ( 1 ) صرح التقنين اللبناني أن الدائن خلف عام للمدين ، وهذه مسألة فقهية يحسن ألا يعرض لها المشرع  . ( 2 ) جعل التقنين اللبناني حق الحبس من وسائل التنفيذ ، وهو أقرب إلي الطرق المتوسطة لأنه يمهد للتنفيذ دون أن يحققه  . ( 3 ) ذكر التقنين اللبناني " حق التفريق بين مملوكين " ( separation des patrimiones ) بين الوسائل المتوسطة ، وفي هذا يقوم بعض الجدل( أنظر دي باج 3 فقرة 176 ص 193 )  . وهو علي كل حال متصل بالميراث في القانون الفرنسي ، وذكره علي هذا الوصف بلانيول وريبير وردوان ، وكذلك جوسران ، وسار التقنين اللبناني علي غرار جوسران  . ( 4 ) أغفل التقنين اللبناني دعوي الصورية ، كما أغفلها التقنين الفرنسي  . ولكن هذه الدعوي معترف بها في لبنان ، تطبيقا للقواعد العامة ولبعض نصوص تقنين أصول المحاكمات المدنية ( م 160 - 161 ) ، وانظر أيضا في الاسم المستعار ( prete - nom ) المادة 799 من تقنين الموجبات والعقود ( الدكتور صبحي المحمصاني في آثار الالتزام في القانون المدني اللبناني ص 68 - ص 71 )  .

( [1724] ) وهذه هي إحدي نتائج نظرية الذمة المالية ( Patrimoine ) ، إذ الذمة المالية هي مجموع الحقوق الموجودة أو التي قد توجد والالتزامات الموجودة أو التي قد توجد لشخص معين  . فيستخلص من ذلك أن الذمة مجموع ( universalite ) من المال  . ويترتب علي أن الذمة مجموع من المال أن يكون للدائنين حق ضمان عام علي هذا المجموع لا علي مال معين بالذات  . وهذا هو الذي يفسر أن الدائن يستطيع التنفيذ علي مال للمدين لم يكن ملكا له وقت نشوء الدين ، فلما دخل في ملكه اندمج في المجموع وأصبح أحد عناصره  . ويفسر كذلك أن الدائن لا يستطيع التنفيذ علي مال كان ملك المدين وقت نشوء الدين وخرج من ملكه وقت التنفيذ ، لأن هذا المال قد انفصل عن المجموع فلم يعد محسوبا ضمن عناصره ( أنظر مصادر الحق في الفقه الإسلامي للمؤلف 1 ص 17 هامش رقم 1 - وانظر جوسران 2 فقرة 649 – 650 ) ثم أنظر في رفض نظرية الذمة المالية الأستاذ إسماعيل غانم في أحكام الالتزام فقرة 95 وكذلك رسالته غير المطبوعة في نظرية الذمة المالية )  .

( [1725] ) انظر في هذا المعني جوسران 2 فقرة 649 ، وتقنين الموجبات والعقود اللبناني م 268 - وانظر عكس ذلك كولان وكابيتان وموانديير 2 فقرة 422  .    

( [1726] ) وإذا كان الحلف يسري في حقه تصرف السلف ، فليس كل شخص يسري تصرف الغير في حقه يعتبر خلفا له  . وإنما الخلف هو أحد الطوائف المتعددة التي يسري تصرف الغير في حقها  . وكما يسري التصرف في حق الخلف ، يسري في حق الأصيل وفي حق المنتفع في الاشتراط لمصلحة الغير وفي حق الدائن ، وذكل دون أن يعتبر هؤلاء خلفا  .

( [1727] ) انظر المواد 269 - 271 و 275 من تقنين الموجبات والعقود اللبناني وقد سبق ذكرها( انظر آنفا فقرة 524 في الهامش )  .    

( [1728] ) وقد كان المشروع التمهيدي يتضمن نصوصا تضع قيوداً علي حق الدائن في التنفيذ علي أموال مدينه ، هي المواد 326 - 330 من هذا المشروع وقد حذفت هذه المواد في لجنة مجلس الشيوخ ، اكتفاء بما جاء في تقنين المرافعات في هذا الشأن  . ولكن تقنين المرافعات لم يشتمل علي هذه المواد جميعا ، بل أغفل منها المادتين الآتيتين : م 327 من المشروع التمهيدي إذا أثبت المدين أن صافي ما تغله أمواله  . من إيراد خالص في سنة واحدة يفي بسداد الدين من أصل وفوائد ومصروفات ، وعرض أن يفوض الدائن في استيفاء هذا الإيراد ، جاز إيقاف إجراءات التنفيذ ، علي أن يعود إليها الدائن إذا جد ما يحول دون استيفائه لحقه  . م 329 من المشروع التمهيدي : 1 - إذا كان بعض مال المدين يفي بحق الدائن كاملا ، وجب قصر إجراءات التنفيذ علي هذا المال  . 2 - ويبدأ الدائن بالمال الذي يكون بيعه أقل كلفة علي المدين  . ( انظر هذه النصوص ومذكراتها الإيضاحية وأعمالها التحضيرية في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 639 - ص 646 في الهوامش )  .

( [1729] ) انظر أيضا المادتين 823 - 824 من التقنين المدني  .         

( [1730] ) بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 893 - بيدان ولاجارد 8 فقرة 458 – جوسران 2 فقرة 652 - فقرة 653 - بلانيول وريبير وبلانجيه 2 فقرة 1464 - فقرة 1481  .

ويلاحظ أن الدائن يتخذ هذه الإجراءات التحفظية باسمه هو ( proprio nomine ) لا باسم المدين ، فهو يستعمل حقا مباشراً له لا حقا لمدينه  . ولما كان الإجراء الذي يتخذه الدائن هو مجرد إجراء تحفظي ، فإنه يجوز له اتخاذه حتي لو كان حقه مقترنا بأجل أو معلقا علي شرط ، بل حتي لو كان حقه حقا احتماليا علي خلاف في الرأي ( جوسران 2 فقرة 654 )  .

( [1731] ) هذا إلي أنه لا يمكن بالورقة الرسمية إلا تنفيذ الالتزام تنفيذا عينيا ، أما التنفيذ بطريق التعويض فيقتضي الحصول علي حكم لتقدير التعويض إذا لم يكن مقدراً في شرط جزائي  . والتنفيذ بالورقة الرسمية لا يمنع من جواز إعطاء المدين مهلة ( delai de grace ) لتنفي التزامه ، أنظر في كل ذلك دي باج 3 فقرة 91  .     

( [1732] ) ويوجد إلي جانب الحجوز التنفيذية ، حجوز تحفظية وهذه لا تقتضي الحصول علي سند تنفيذي  . ومن أهم الحجوز التحفظية حجز ما للمدين لدي الغير حجزاً تحفظيا  . وتوجد حجوز تحفظية أخري تكفل ببيانها تقنين المرافعات  . فقد نصت المادة 601 من هذا التقنين علي ان " للدائن أن يوقع الحجز التحفظي علي منقولات مدينة في الأحوال الآتية : ( 1 ) إذا لم يكن للمدين موطن مستقر بمصر  . ( 2 ) إذا خشي الدائن فرار مدينة وكان لذلك أسباب جدية ( 3 ) إذا كانت تأمينات الدين مهددة بالضياع ( 4 ) إذا كان الدائن حاملا لكمبيالة أو سند تحت الإذن وكان المدين تاجراً له توقيع علي الكمبيالة أو السند يلزمه بالوفاء بحسب قانون التجارة  . ( 5 )إذا كان المدين تاجراً وقامت أسباب جدية يتوقع معها تهريب أمواله أو إخفاؤها "  . ونصت المادة 602 علي أن " لمؤجر العقار ان يوقع في مواجهة المستأجر أو المستأجر من الباطن الحجز التحفظي علي المنقولات والثمرات والمحصولات الموجودة بالعين المؤجرة ، وذلك ضمانا لحق الامتياز المقرر في القانون المدني  .  . " ونصت المادة 603 علي أن " لمالك المنقول أن يوقع الحجز التحفظي عليه عند من يحوزه " ونصت المادة 604 علي أنه " لا يوقع الحجز التحفظي في الأحوال المتقدمة الذكر إلا بأمر من قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة التابع لها موطن المحجوز عليه ، ولا يجوز الأمر به لحق غير حال الأداء أو غير محقق الوجود  . ومع ذلك فلا حاجة إلي هذا الأمر إذا كان بيد الدائن حكم غير واجب النفاذ  .  . " ونصت المادة 607 علي أنه " إذا حكم بصحة الحجز فتتبع الإجراءات المقررة للبيع في الفصل الأول من هذا الباب ، أو يجري التنفيذ بتسليم المنقول في الحالة المشار إليها في المادة 603 " ونصت المادة 609 علي أنه " إذا حكم ببطلان الحجز التحفظي أو بإلغائه لانعدام أساسه ، جاز الحكم علي الحاجز بغرامة لا تزيد علي عشرين جنيها فضلا عن التضمينات للمحجوز عليه "  .

( [1733] ) بلا نيول وريبير وردوان 7 فقرة 893 ص 227 - جوسران 2 فقرة 659 - دي باج 3 فقرة 177  . 

( [1734] ) وكان المشروع التمهيدي يشتمل علي نص ، هو المادة 313 من هذا المشروع ، وكانت تجري علي الوجه الآتي : " يجوز للدائن بما له من الحق علي أموال مدينه ، أن يستعمل حقوق هذا المدين  . وله أيضا أن    يطعن في تصرفاته إذا انطوت علي الغش أو كانت صورية  . وعليه أن يراعي في كل ذلك القواعد المنصوص عليها في المواد الآتية "  . وجاء في المذكرة الإيضاحية في صدد هذا النص : " يترتب علي ضمان أموال المدين لحقوق دائنيه ، وفقا للمبدأ الذي تقدمت الإشارة إليه ، أثر عمل بالغ الأهمية  . وهذا بذاته يعتبر بمنزلة الأصل والعلة من دعاوي ثلاث ، شرعت لتتيح لكل دائن من الدائنين أن يدراً عن حقوقه ما قد ينالها من جراء إهمال المدين أو سوء نيته : وهي الدعوي غير المباشرة والدعوي البولصية ودعوي الصورية فالدائن إذا استعمل حقوق مدينة ، أو طعن في تصرفاته المعقودة إضرارا به ، حقيقية كانت تلك التصرفات أو صورية ، لا ينتهي نشاطه إلا إلي المحافظة علي أموال هذا المدين ، وهي قوام ما كفل له القانون من ضمان "  .

وقد حذفت لجنة المراجعة هذا النص ، لأنه مجرد تعداد لما سيأتي ( انظر في كل ذلك مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 607 هامش قم 1 )  .

( [1735] ) مراجع في الدعوي غير المباشرة : لأبيه ( Labbe ) في استعمال الدائن لحقوق المدين ( مقال في المجلة الانتقادية سنة 1856 – بسك ( Bosc ) بحث في حق الدائنين في استعمال دعاوي مدينهم رسالة من أكس سنة 1902 – ديبيه ( Dubey ) في الدعوي غير المباشرة رسالة من ديجون سنة 1936  . 

( [1736] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 314 من المشروع التمهيدي علي وجه مطابق لما استقر عليه في التقنين الجديد ، فيما عدا عبارة " وأن          عدم استعماله لها " الواردة في الفقرة الثانية كانت في المشروع التمهيدي " وأن إهماله في ذلك "  . وفي لجنة المراجعة استبدلت العبارة الأولي بالعبارة الثانية ، وأصبح رقم المادة 242 في المشروع النهائي  .ووافق عليها مجلس النواب ، ثم مجلس الشيوخ تحت رقم 235 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 607 و ص 609 - 610 )  .

( [1737] ) كانت المادة 141 / 202 من التقنين المدني السابق تجري علي الوجه الآتي : " لا تترتب علي المشارطات منفعة لغير عاقديها ، إلا لمدايني العاقد ، فإنه يجوز لهم بمقتضي ما لهم من الحق علي عموم أموال مدينهم أن يقيموا باسمه الدعاوي التي تنشأ عن مشارطاته أو عن أي نوع من أنواع التعهدات ما عدا الدعاوي الخاصة بشخصه "  .

وشروط الدعوي غير المباشرة في التقنين المدني الجديد لم تتغير عما كانت عليه في التقنين المدني السابق  . ولكن نص التقنين الجديد أشد دقة وأوسع تفصيلا من الوجوه الآتية : 1 - يجعل التقنين الجديد ، كما فعل التقنين السابق ، الدعوي غير المباشرة استثناء من قاعدة عدم سريان العقد في حق الغير وجعلها استثناء من هذه القاعدة خطأ واضح ، وقع قيه التقنين السابق علي غرار التقنين المدني الفرنسي  . 2 - قصر التقنين السابق حقوق المدين التي يستعملها الدائن علي الدعاوي التي تنشأ عن المشارطات أو عن أي نوع من أنواع التعهدات ، والصحيح ان الدائن له أن يستعمل جميع حقوق المدين ، شخصية كانت أو عينية ، دعاوي أو حقوقا أو مجرد إجراءات كما سنري  . 3 - جاء التقنين الجديد أكثر تفصيلا لشروط الدعوي غير المباشرة ، فنص صراحة علي وجوب أن يثبت الدائن أن المدين لم يستعمل حقوقه ، وأن عدم استعماله لها ( وهذا كاف لإثبات الإهمال ) من شأنه أن يسبب إعساره أو أن يزيد في هذا الإعسار واستبعد بنص صريح      من شروط الدعوي غير المباشرة إعذار المدين وأن يكون حق الدائن مستحق الأداء ، لكنه اشترط إدخال المدين خصما في الدعوي ( انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 608 - نطرية العقد للمؤلف فقرة 713 )  .

( [1738] ) التقنينات المدنية العربية الأخري : التقنين المدني السوري م 236 ( مطابقة للمادة 235 من التقنين المدني المصري )  .

التقنين المدني العراقي م 261 ( مطابقة للمشروع التمهيدي للمادة 235 من التقنين المدني المصري - ولا فرق في الحكم )  .

التقنين المدني للمملكة الليبية المتحدة م 238 ( مطابقة للمادة 235 من التقنين المدني المصري )  .

تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 276 فقرات 1 و 2 و 3 : يحق للدائنين أن يستعملوا باسم مديونهم جميع الحقوق وأن يقيموا جميع الدعاوي المختصة به ، ما خلا الحقوق والدعاوي المتعلقة بشخصه دون سواه ، ولاسيما الحقوق والدعاوي التي يخرج موضوعها عن دائرة ارتانهم – غير أنه لا يستطيعون أن يتذرعوا بهذا الامتياز ليقوموا مقامه في إدارة مملوكه ، فهو يبقي متسلما زمام إدارته بالرغم من سوء حالة أشغاله - ويجوز للدائنين أن يداعوا مباشرة عن مديونهم بدون أن يجروا مقدما أية معاملة للحلول محله في الحقوق والدعاوي المختصة به ، وإن كانوا لا يملكون سنداً تنفيذيا ، ولكنهم لا يستطيعون الشروع في تلك المداعاة إلا إذا كان دينهم مستحق الأداء  .

ولا فريق في الأحكام ما بين التقنينين اللبناني والمصري - رغم اختلاف العبارة والأسلوب - إلا في شيء واحد : صرح التقنين المصري أن الدائن يستعمل حقوق مدينه ولو لم يكن حقه هو مستحق الأداء ، وصرح التقنين البناني ، علي النقيض من ذلك ، ان الدائن يجب أن يكون حقه مستحق الأداء حتي يستطيع أن يستعمل حقوق مدينة ( انظر في شرح التقنين اللبناني الدكتور صبحي المحمصاني في آثار الالتزام في القانون المدني اللبناني ص 55 – ص 60 )  .

( [1739] ) بأن سلم المدين أو الخصم المرفوع عليه الدعوي باسم المدين بحق الدائن ، أو نازعا فيه وفض القضاء هذا النزاع لمصلحة الدائن ( قارب استئناف مختلط 15 يونية سنة 1932 م 44 ص 376 )  .    

( [1740] ) وقد يقال انه لا محل في الدعوي غير المباشرة للكلام في الحق المؤجل ، فأن هذا الحق بحكم إعسار المدين - والإعسار شرط في الدعوي غير المباشرة - يصبح مستحق الأداء ، إذ الإعسار يسقط الأجل  . وهذا يكون صحيحا لو أن الإعسار الذي يسقط الأجل هو نفس الإعسار المشروط في الدعوي غير المباشرة  . ولكننا سنري أن الأجل لا يسقط إلا بشهر إعسار المدين بسروط وإجراءات معينة وبمقتضي حكم يصدر بشهر الإعسار ، أما الإعسار في الدعوي غير المباشرة فيكفي لتحققه أن تزيد ديون المدين علي حقوقه دون حاجة إلي صدور حكم بذلك  .  

( [1741] ) وقد بسطنا هذا الرأي في كتابنا " نظرية العقد " علي الوجه الآتي : " ولكن الرأي السائد في فرنسا وفي مصر ( في عهد التقنين المدني السابق ) غير ذلك كما قدمنا ، وهو يقضي بأن يكون الحق مستحق الأداء ، أي أنه يكون خاليا من النزاع مقدار حالا ، ولا يكفي خلوه من النزاع وهذا الرأي يستخلصه الفقهاء عامة من مناقشة طبيعة الدعوي غير المباشرة ، وهل تدخل هذه الدعوي في الإجراءات التحفظية أو في الأعمال التنفيذية؟ ويخلصون من هذه المناقشة إلي أنها ليست من الأعمال التنفيذية لأن الدائن وهو يستعملها لا ينفذ علي أموال مدينه  . وهي ليست كذلك من الإجراءات التحفظية ، لأن الدائن يتدخل في شئون المدين ، ويزيد في ما له في بعض الفروض ، ولا يكتفي بالمحافظة علي الموجود منه في الحالة التي هو عليها كما هو الأمر في الإجراءات التحفظية ، فالدعوي غير المباشرة إذن هي بين بين ، فهي أقوي من إجراء تحفظي وأضعف من عمل تنفيذ ولذلك لا يكفي في الدائن أن يكون حقه خاليا من النزاع كما يكفي ذلك في الإجراءات التحفظية ، ولا يشتر أن يكون حقه قابلا للتنفيذ عن مرتبة الإجراءات التحفظية دون أن يسمو إلي مرتبة الأعمال التنفيذية  . والأهمية العملية لهذا الرأي أن هناك دائنين حقوقهم خالية من النزاع ولكنها غير مقدرة ، كدائن بتعويض لم يتم تقديره ، أو هي غير مستحقة الأداء ، كدائن حقه معلق علي شرط موقف أو مقرون بأجل موقف ، يكونون طبقا لما تقدم غير قادرين علي استعمال حقوق مدينهم " ( نظرية العقد فقرة 717 ص 755 )  .

انظر : ديمولومب 25 فقرة 100 – فقرة 101 - لوران 16 فقرة 393 - فقرة 395 - هيك 7 فقرة 186 - أوبري ورو 4 فقرة 312 ص 182 - بودري وبارد 1 فقرة 629 - ديموج 7 فقرة 962 وفققرة 986 ص 361 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 912 - بيدان ولاجارد 8 فقرة 626 وقارن فقرة 627 - جوسران 2 فقرة 669 - نقض فرنسي 26 يوليه سنة 1854 داللوز 54 - 1 - 33 - 25 مارس سنة 1924 سيريه 24 - 1 - 67 - دي هلتس 1 لفظ ( creancier ) فقرة 9 - هالتون 1 ص 340 - والتون 2 ص 98 - محمد صالح فقرة 59 - فتحي زغلول ص 373  . وانظر أيضا تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 276 فقرة 3 ، وهي تشترط صراحة أن يكون حق الدائن مستحق الأداء ، وقد تقدمت الإشارة إلي ذلك  .  

( [1742] ) نظرية العقد للمؤلف فقرة 717 ص 755 – ص 756 - انظر أيضا في هذا المعني : عبد السلام ذهني فقرة 330 - محمد صادق فهمي فمقرة 454 - أحمد حشمت أبوستيت فقرة 627 ص 470 -   استئناف مختلط 11 فبراير سنة 1913 م 25 ص 168  .

( [1743] ) كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 435 ص 317 - ويذهب أوبري ورو إلي عدم اشتراط استحقاق الدين إذا كان الغرض الوحيد مع رفع الدعوي غير المباشرة هو مجرد المحافظة علي أموال المدين ( أوبري ورو 4 فقرة 312 ص 180 - ص 181 - وانظر أيضا بيدان ولاجارد 8 فقرة 627 - وانظر المادة 106 من المشروع الفرنسي الإيطالي وهي تخول للدائن المقترن حقه بأجل أن يستعمل الدعوي غير المباشرة )  . 

( [1744] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 603 - ص 604 و ص 608 - ص 609  .

( [1745] ) استئناف مصر 22 يناير سنة 1936 المحاماة 16 رقم 420 ص 911 - الأستاذ إسماعيل غانم في أحكام الالتزام فقرة 103 ص 132  .   

( [1746] ) استئناف مختلط 30 نوفمبر سنة 1911 م 24 ص 26  .       

( [1747] ) نظرية العقد للمؤلف فقرة 709 ص 746 هامش رقم 2  .       

( [1748] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه لما كان من يشتري عقاراً بعقد غير مسجل يعتبر دائنا للبائع في التزامه بنقل الملكية الناشيء عن عقد البيع غير المسجل ،          كان له الحق قانونا في أن يرفع باسم البائع له الدعوي علي من اشتري منه هذا البائع الأطيان التي باعها بعقد هو أيضا غير مسجل ، طالبا إليه تنفيذ التزامه بنقل الملكية ، أو بعبارة أخري أن يطلب الحكم بصحة عقد البيع الصادر لهذا البائع توطئة للحكم بصحة عقدة هو ( نقض مدني 6 أبريل سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 19 ص 317 - 20 أبريل سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 122 ص 330 ) وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن المشتري الذي يستحق المبيع في يده له أن يستعمل حق مدينة البائع في الرجوع بالضمان علي بائع البائع ( 9 يونية سنة 1931 م 43 ص 440 - 9 فبراير سنة 1944 م 56 ص 54 )  .

( [1749] ) ديموج 7 فقرة 96  .      

( [1750] ) لوران 16 فقرة 396 - ديمولومب 25 فقرة 99 - بودري وبارد 1 فقرة 630 - ديموج 7 فقرة 960 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 914 - جوسران 2 فقرة 670 - نظرية العقد للمؤلف فقرة 717 ص 756 هامش رقم 2  .         

( [1751] )لوران 16 فقرة 396 – ديمولومب 25 فقرة 99 - بودري وبارد 1 فقرة 630  .

( [1752] ) لوران 16 فقرة 396 - ديمولومب 25 فقرة 99 - بودري وبارد 1 فقرة 630 - ص 637 هامش رقم 1 - نظرية العقد للمؤلف فقرة 717 ص 756 هامش رقم 2  .      

( [1753] ) كذلك لا يستطيع الخصم في الدعوي غير المباشرة أن يطلب من الدائن تجريد المدين قبل ان يستعمل باسمه حقه ( ديموج 7 فقرة 969 )  .  

( [1754] ) استئناف مختلط 18 نوفمبر سنة 1930 م 43 ص 25 - 9 يونية سنة 1930 م 43 ص 440  . 

( [1755] ) انظر المادة 596 من التقنين المدني - كتاب الإيجار للمؤلف فقرة 427 - محكمة مصر المختلطة الابتدائية 12 يناير سنة 1928 جازيت 19 رقم 264 ص 265 - لوران 16 فقرة 389 - بودري وبارد 1 فقرة 631 - ديموج 7 فقرة 969 - عكس ذلك بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 911  .

( [1756] ) ولكن ذلك يكون فى الغالب ـ وفى عهد التقنين المدنى السابق ـ إذا لم تتم الحوالة بقبول المحال عليه فى التقنين الأهلى ، فعند ذلك يلجأ المحال له إلى الدعوى غير المباشرة ( استئناف مختلط 18 نوفمبر سنة 1930 جازيت 22 رقم 261 ص 227 )  .

( [1757] ) ديمولومب 25 فقرة 109 ـ هيك 7 فقرة 202 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 636 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 913 ـ قارن دى باج 3 فقرة 196 ـ عكس ذلك لوران 16 فقرة 387 ـ هذا ولاشك فى أن عدم قيام الدائن بالإجراءات التى كان على المدين أن يتخذها لو باشر الدعوى بنفسه يخالف مبدأ نيابة الدائن عن المدين ، فمن مقتضيات النيابة البحث عن الأهلية فى شخص الأصيل وهو هنا المدين لا فى شخص النائب وهو الدائن  . ولكننا أمام نيابة قانونية من نوع خاص ، يميزها أنها نيابة فى مصلحة النائب لا فى مصلحة الأصيل ، وقد اقتضت هذه النيابة دخول الأصيل فى الدعوى مع النائب وهذا أيضًا يخالف المبادئ المعروفة فى النيابة ( نظرية العقد للمؤلف فقرة 719 ص 754 هامش رقم 5 )  .

( [1758] ) لوران 16 فقرة 397 ـ ديمولومب 25 فقرة 106 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 634 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 914 ـ ديموج 7 فقرة 965 ـ جوسران 2 فقرة 670 ـ انظر عكس ذلك كولميه دى سانتير 5 فقرة 81 مكررة ـ اوبرى ورو 4 فقرة 312 هامش رقم 4 ( ولكنهما ـ ص 180 وص 182 ـ لا يشترطان الإذن بالحلول إذا كان الغرض الوحيد للدائن من الدعوى غير المباشرة مجرد المحافظة على أموال المدين )  .

( [1759] ) وذلك كالنص الذى ورد فى المادة 788 من التقنين المدنى الفرنسى ، وهى تقضى بوجوب حصول الدائن على إذن قضائى للحلول محل مدينه فى قبول ميراث لهذا المدين ( انظر بودرى وبارد 1 فقرة 634 ص 640 )  .

( [1760] ) وقد نصت المادة 276 فقرة 3 من تقنين الموجبات والعقود اللبنانى صراحة على عدم اشتراط حصول الدائن على إذن قضائى فى الحلول محل المدين ـ على أن الإذن القضائى بالحلول لم يعد له مقتض ما دام لابد من إدخال المدين فى الدعوى ( انظر بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 914 ص 246 )  .

( [1761] ) ولما كان من القواعد المقررة فى حجز ما للمدين لدى الغير أنه لا يجوز للدائن أن يحجز ما لمدين مدينة لدى مدين من الدرجة الثالثة ، أى أنه لا يجوز أن يتوسط بين الدائن الحاجز والمدين المحجوز لديه إلا مدين واحد محجوز عليه ، كان من الممكن أن يشتبه الأمر فى الدعوى غير المباشرة ، فلا تعطى لدائن يحجز باسم مدينه على ما لمدين هذا المدين لدى الغير ، حتى يكون هناك حجز لدى الغير يتوسط فيه بين الدائن الحاجز والمدين المحجوز لديه مدينان محجوز عليهما لا مدين واحد  . غلا أن هذه الشبهة تزول إذا لاحظنا أن الدائن الذي يستعمل حق مدينه فى توقيع الحجز تحت يد الغير إنما يستعمل هذا الحق باسم مدينه ، فهو ومدينه فى هذا الحجز شخص واحد ، فلا يتوسط بينهما وبين المدين المحجوز لديه إلا مدين واحد محجوز عليه ، هو فى هذه الحالة مدين المدين  .

( [1762] ) دى باج 3 فقرة 201  .

( [1763] ) استئناف مختلط 10 يونيه سنة 1903 م 15 ص 343  .

( [1764] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 609  .

( [1765] ) استئناف مختلط 6 مارس سنة 1895 م 7 ص 171 ـ 10 يونيه سنة 1903 م 15 ص 343 ـ 15 يونيه سنة 1937 م 49 ص 263 ـ هالتون 1 ص 340 ـ بلانيول وريبير وردان 7 فقرة 910  .  

( [1766] ) استئناف مختلط 21 مارس سنة 1912 م 24 ص 211 ـ 26 ديسمبر سنة 1912 م 25 ص 94 ـ ( [1766] ) فبراير سنة 1913 م 25 ص 168 ـ 21 يونيه سنة 1923 م 35 ص 518 ـ 4 مايو سنة 1926 م 38 ص 387 ـ 28 نوفمبر سنة 1929 م 42 ص 58 ـ 15 يونيه سنة 1932 م 44 ص 376 ـ مصر الكلية المختلطة 5 فبراير سنة 1918 جازيت 8 رقم 137 ص 60 ـ 15 يناير سنة 1923 جازيت 14 رقم 4 ص 7 ـ قارن استئناف مختلط 16 ديسمبر سنة 1924 م 37 ص 65  .

( [1767] ) بل إن المدين يستطيع أن يوقف الدعوى غير المباشرة دون أن يدخل خصمًا فيها ، بأن يتفق مع الخصم على إنهاء النزاع صلحًا  . وليس للدائن أن يعترض على ذلك ، فإن المدين لا يزال صاحب الحق ويجوز له التصرف فيه ، ما لم يكن قد قصد الإضرار بالدائن ، فلهذا أن يطعن فى هذه الحالة بالدعوى البولصية ( بودرى وبارد 1 فقرة 628 ص 635 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 908 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 718 ص 759 هامش رقم 3 )  .

( [1768] ) استئناف مختلط 22 يونيه سنة 1910 جازيت 1 ص 5 ـ 13 ديسمبر سنة 1928 م 41 ص 113 ـ 18 مارس سنة 1930 م 42 ص 367  .

( [1769] ) ديمولومب 25 فقرة 95 ـ لوران 16 فقرة 390 ـ هيك 7 فقرة 186 ـ أوبرى ورو 4 فقرة 312 ص 181 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 628 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 908 ـ دى هلتس 1 لفظ ( Creancier ) فقرة 9 وفقرة 26 ـ هالتون 1 ص 340 ـ والتون 2 ص 98 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 718 ص 759  .

( [1770] ) أو رفع الدعوى ، ثم استأنف الحكم الابتدائى ، وعند نظر الاستئناف لم يباشر الإجراءات وغادر البلاد ( استئناف مختلط 15 يونيه سنة 1932 م 44 ص 376 )  . ولا يعد المدين مهملاً إذا أوعز إلى دائنه أن يتدخل فى الدعوى حتى يكون من وراء تدخله أن تكون المحاكم المختلطة هى المختصة ( استئناف مختلط 16 يناير سنة 1935 م 47 ص 117 )  .

( [1771] ) استئناف مختلط 22 نوفمبر سنة 1893 م 6 ص 34 ـ مصر الكلية المختلطة 9 مايو سنة 1922 جازيت 13 رقم 89 ص 52 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 908  .

( [1772] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا أضاف المدعى إلى دفاعه تمسكه بحق مدين له قبل المدعى عليه واحتجاجه بأن المدين أهمل الدفاع عن حقه بقصد الكيد له ، وجب على المحكمة أن تفحص ذلك وتردد عليه ، وإلا كان حكمها معيبًا متعينًا نقضه ، ولا يصلح ردًا على ذلك قول المحكمة إنه ليس للدائن إرغام مدينه على التمسك بحقوقه ( نقض مدنى 3 مايو سنة 1945 مجموعة عمر 4 رقم 249 ص 664 )  .

( [1773] ) انظر تاريخ نص المادة 235 آنفًا فقرة 528 فى الهامش  .        

( [1774] ) استئناف مختلط 20 ديسمبر سنة 1899 م ( [1774] ) ص 47 ـ 25 يناير سنة 1917 م 29 ص 180 ـ 5 يونيه سنة 1930 م 43 ص 1 ـ 18 نوفمبر سنة 1930 م 43 ص 25 ـ لوران 16 فقرة 400 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 635 ـ ديموج 7 فقرة 968 بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 916 ـ والتون 2 ص 97 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 719 ص 766 هامش رقم 1 ـ الأستاذ أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 628 ـ الأستاذ محمد صادق فهمى فقرة 451 ـ انظر عكس ذلك : استئناف مختلط ( [1774] ) فبراير سنة 1913 م 25 ص 168 ـ 19 فبراير سنة 1920 م 32 ص 159 ـ 16 ديسمبر سنة 1924 م 27 ص 65 ـ 5 يونيه سنة 1930 م 43 ص 2 ـ 8 يونيه سنة 1935 م 47 ص 363 ـ ديمولومب 25 فقرة 107  . 

( [1775] ) استئناف مختلط 26 ديسمبر سنة 1912 م 25 ص 94 ـ 5 يونيه سنة 1930 م 43 ص 1 ـ وفى فرنسا انقسم الفقه : فرأى يذهب إلى أن الحكم لا يسرى فى حق المدين إذا لم يدخل فى الدعوى ( أوبرى ورو 4 فقرة 312 هامش رقم 18 ) ، ورأى ثان يذهب إلى أن الحكم يسرى فى حق المدين سواء كان فى مصلحته أو ضده ( كولميه دى سانتيز 5 فقرة 81 مكررة ـ بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 1416 ) ، ورأى ثالث يذهب إلى أن الحكم يسرى فى حق المدين إذا كان فى مصلحته لا إذا كان ضده ( لوران 16 فقرة 408 )  .

( [1776] ) استئناف مختلط 25 يناير سنة 1917 م 29 ص 180 ـ أوبرى ورو 4 فقرة 312 ص 181 ـ ص 182 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 916 ـ الأستاذ أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 630  .

( [1777] ) استئناف مختلط 19 فبراير سنة 1920 م 32 ص 195 ـ الأستاذ محمد صادق فهمى فقرة 451 ـ على ألا يكون إدخال المدين خصمًا فى محكمة الاستئناف حتى لا يضيع عليه درجة من جرات التقاضى ( انظر نقض فرنسى أول أغسطس سنة 1859 داللوز 59 ـ 1 ـ 353 ـ 2 أغسطس سنة 1876 داللوز 77 ـ 1 ـ 224 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 916 ) ـ كذلك لا يشترط أن يصدر الدائن صحيفة الدعوى بما يقرر أنه يعمل باسم المدين ، ما دام هذا الأمر يمكن فهمه من مجموع العبارات الواردة فى صحيفة الدعوى ( استئناف مختلط 13 فبراير سنة 1913 م 25 ص 178 ـ 9 أبريل سنة 1918 م 30 ص 340 )  .

( [1778] ) ولا يقال أنه ما دام الدائن نائبًا عن المدين ، فقد كان ينبغى أن تغنى هذه النيابة عن إدخال المدين خصمًا فى الدعوى ، ذلك أن النيابة هنا هى لصالح الدائن لا لصالح المدين كما سبق القول ، فكان لابد من إدخال المدين خصمًا فى الدعوى حتى يرقب إجراءاتها وحتى يستطيع حماية حقه بنفسه  .

( [1779] ) بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 909  .

( [1780] ) وذلك للحكم بتعويض عن التأخير أو بمصروفات الدعوى مثلاً  .

( [1781] ) لوران 16 فقرة 392 ـ لارومبيير 2 م 1166 فقرة 21 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 909 ـ ديموج 7 فقرة 966 ـ كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 435 ص 317 ـ جوسران 2 فقرة 670 انظر عكس ذلك : ديمولومب 25 فقرة 102 ـ فقرة 103 ـ ماركاديه 4 فقرة 493  .

( [1782] ) الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الالتزامات فقرة 331 ـ الأستاذ محمد صادق فهمى فقرة 451 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 719 ص 766 هامش رقم 1 ـ الأستاذ أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 628 ـ انظر عكس ذلك والتون 2 ص 97  .

( [1783] ) استئناف مختلط 26 مايو سنة 1915 م 27 ص 351  .

( [1784] ) على أنه إذا كان المدين تاجرًا مفلسًا ، فالدائن لا يباشر الدعوى باسم المدين إلا فى مواجهة السنديك ، والحكم يكون باسم السنديك ( م 220 تجارى )  .

( [1785] ) والاستثناء هنا ظاهرى ، لأن الرخصة غير الحق فلا تستثنى منه ، والغرض من هذا الاستثناء الظاهرى حصر ما لا يستطيع الدائن أن يستعمله باسم المدين  .

( [1786] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 609 فقرة 3  . 

( [1787] ) استئناف مختلط 28 يناير سنة 1930 م 42 ص 230 ـ 13 ديسمبر سنة 1938 م 51 ص 55  .

( [1788] ) دى باج 3 فقرة 182 ـ ويلاحظ أن حجز ما للمدين لدى الغير هو نفسه حق للمدين ، فيجوز إذن للدائن استعماله فيحجز باسم مدينه على ما لمدين مدينه لدى الغير ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك ، والفرق ظاهر بين أن يحجز الدائن باسمه على ما لمدينه لدى الغير ، وبين أن يحجز باسم مدينه على ما لمدين مدينه لدى الغير  .

( [1789] ) ولما كان الدائن لا يستطيع الحجز على دعاوى مدينه ـ باستثناء حجز ما للمدين لدى الغير ومع ذلك فلا يبقى من حكم بصحة الحجز ـ فلا يبقى إلا أن يستعمل الدائن هذه الدعاوى باسم مدينه ، حتى ينفذ بعد ذلك على ما تنتجه هذه الدعاوى من مال ( ديموج 7 فقرة 920 ص 299 )  .

( [1790] ) ومن الدعاوى التى يستطيع الدائن أن يباشرها باسم المدين : دعوى المدين إذا كان مشتريًا فى الرجوع على بائعه بضمان الاستحقاق أو ضمان العيب ( استئناف مختلط 18 نوفمبر سنة 1930 م 43 ص 25 ـ 9 يونيه سنة 1931 م 43 ص 440 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 608 ) أو فى الرجوع على البائع بما دفعه وفاء لدين مضمون برهن على العقار المبيع ( استئناف مختلط ( [1790] ) أبريل سنة 1935 م 47 ص 246 ) ، ودعوى المدين البائع فى استيفاء ثمن المبيع ( استئناف مختلط 13 نوفمبر سنة 1913 م 26 ص 21 ـ 19 أبريل سنة 1918 م 30 ص 340 ) ، ودعوى المدين المصاب فى ماله فى الرجوع بالتعويض على من ألحق به الضرر ( لوران 16 فقرة 419 ـ هيك 7 فقرة 202 ـ لارومبيير 2 م 1166 فقرة 20 ) ودعوى المدين القاصر فى مطالبة الوصى بتقديم حساب عن الوصاية بعد انتهائها ( بودرى وبارد 1 فقرة 608 ـ لوران 16 فقرة 338 ) ، ودعوى المدين فى رفع مناقضة ( Contredit ) لإنزال بعض الديون المبالغ فيها إلى مقدارها الحقيقى ( استئناف مختلط 5 مايو سنة 1937 م 49 235 ) ، ودعوى المدين إذا كان شريكًا فى شركة فى الطعن ببطلان اتفاق على تعديل الشركة أو على حلها ( استئناف مختلط 13 أبريل سنة 1938 م 50 ص 234 ) ، ودعوى المدين فى المطالبة بسقوط إجراءات اتخذت لنزع ملكيته ( استئناف مختلط 16 يناير سنة 1947 م 59 ص 63 ) ، ودعوى المدين فى الطعن بالصورية فى سند بدين فى ذمته ( استئناف مختلط ( [1790] ) مارس سنة 1930 م 42 ص 352 ) ، ودعوى المدين فى أن يطعن فى عقد صدر منه بالبطلان أو بالفسخ ( استئناف مختلط 13 أبريل سنة 1915 م 27 ص 272 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 611 ـ فقرة 616 ـ دى باج 3 فقرة 189 ـ بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 1394 ـ جوسران 2 فقرة 668 ـ ويغلب على القضاء الفرنسى ألا يعطى الدائن الحق فى الطعن بإبطال العقد باسم المدين بحجة أن التمسك بإبطال عقد لعيب فى الرضاء أو لنقص فى الأهلية مسألة يرجع الشخص فى تقديرها إلى اعتبارات أدبية : نقض فرنسى 6 مارس سنة 1878 داللوز 78 ـ 1 ـ 316 ـ 18 أكتوبر سنة 1910 داللوز 1912 ـ 1 ـ 233 ، ومع ذلك انظر : نقض فرنسى 10 مارس سنة 1853 داللوز 53 ـ 1 ـ 160 ) ، ودعوى المشترى ضد البائع يباشرها المشترى من المشترى ( استئناف مختلط 27 فبراير سنة 1913 جازيت 3 رقم 208 ص 109 ـ 9 يونيه سنة 1931 م 43 ص 440 ـ وقارن استئناف مختلط 10 يونيه سنة 1903 م 15 ص 343 ـ وانظر : ديمولومب 25 فقرة 88 ـ لوران 16 فقرة 422 ـ هيك 7 فقرة 202 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 616 ـ هالتون 1 ص 34 ـ دى هلتس 1 لفظ ( Creancier ) فقرة 30 ـ والتون 2 ص 103 ـ ص 104 ـ فتحى زغلول ص 374 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 719 ص 764 هامش رقم 2 ـ عكس ذلك : تولييه 7 فقرة 566 ) ، ودعرى المالك فى استرداد الشئ المملوك له تحت يد الغير ( دعوى الاستحقاق ) ، ودعوى الوارث فى المطالبة بنصيبه فى الميراث ، ودعوى الموصى له فى المطالبة بالوصية ، ونحو ذلك  . وكذلك يجوز استعمال حق المدين فى طلب القسمة ( محكمة مصر المختلطة مستعجل 26 يوليه سنة 1913 جازيت 3 رقم 470 ص 225 ) ، وفى مطالبة شركة للتأمين بمبلغ التأمين ( محكمة إسكندرية المختلطة التجارية أول مارس سنة 1928 جازيت 18 رقم 287 ص 229 ـ استئناف مختلط 27 مارس سنة 1930 م 42 ص 389 ) ، وفى رجوع المسخر ( الاسم المستعار ) على الأصيل يباشره من تعاقد مع المسخر ( استئناف مختلط 15 يناير سنة 1929 م 41 ص 171 )  . وللمستحق فى وقف إذا أخذ أقل من استحقاقه أن يستعمل دعوى ناظر الوقف فى الرجوع على مستحق أخذ أكثر من استحقاقه ( استئناف مختلط 19 يونيه سنة 1912 م 24 ص 412 ـ قارن استئناف مختلط 18 مارس سنة 1915 م 27 ص 229 ـ ويلاحظ أنه يجب فى هذا الرجوع أن يكون ناظر الوقف مسئولاً شخصيًا نحو المستحق الأول ودائنًا شخصيًا للمستحق الثانى )  .

ن يستعمل

( [1791] ) ومثل الإجراءات المادية أيضًا اتخاذ الإجراءات التنفيذية ( استئناف مختلط 16 ديسمبر سنة 1924 م 37 ص 67 ) ، وتوقيع الحجز التحفظى ، وحجز ما للمدين لدى الغير ، والتنبيه بإنهاء عقد الإيجار ( إذا كان الدائن كفيلاً للمستأجر وتأخر هذا فى دفع الأجرة : نظرية العقد للمؤلف فقرة 719 ص 765 هامش رقم 2 ) ـ ومن أجل مباشرة الدائن للإجراءات باسم المدين يذكر التقنين الفرنسى عبارة " الحقوق والدعاوى " فينصرف لفظ " الحقوق " إلى الإجراءات ( ديموج 7 فقرة 928 )  .

( [1792] ) استئناف مختلط 29 نوفمبر سنة 1893 م ص 32 ـ 4 يونيه سنة 1929 م 41 ص 429 ـ 23 أبريل سنة 1935 م 47 ص 260 ـ استئناف مصر 22 يناير سنة 1936 المحاماة 16 رقم 420 ص 911 ـ أوبرى ورو 4 فقرة 312 ص 181 ـ بيدان ولا جارد 8 فقرة 624 ـ ديموج 7 فقرة 935 ـ دى باج 3 فقرة 186 ص 202 ـ دى هلتس 1 لفظ ( Creancier ) فقرة 8 وفقرة 27 ـ انظر عكس ذلك : استئناف مختلط 17 مارس سنة 1936 م 48 ص 191  .

هذا ويصح أن يشترط المدين على دائنه ألا يستعمل حقًا له ولو لم يكن متصلاً بشخصه ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 906 ـ دى باج 3 فقرة 190 )  .

( [1793] ) انظر تقنين الموجبات والعقود اللبنانى ( م 276 فقرة 2 ) : " غير أنهم ( أى الدائنين ) لا يستطيعون أن يتذرعوا بهذا الامتياز ليقوموا مقامه فى إدارة مملوكه ، فهو يبقى متسلمًا بزمام إدارته بالرغم من سوء حالة إشغاله "  .    

( [1794] ) لوران 16 فقرة 424 وما بعدها ـ هيك 7 فقرة 194 ـ بارتان على أوبرى ورو 4 فقرة 312 ص 179 ـ بودرى وبارد فقرة 599 ـ ديموج 7 فقرة 926 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 900 ـ فقرة 901 ـ جوسران 2 فقرة 655 ـ دى هلتس 1 لفظ ( Creancier ) فقرة 10 وفقرة 15 ـ والتون 2 ص 104 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 719 ص 760 هامش رقم 1  .

( [1795] ) وهناك رأى يذهب إلى أنه لا يجوز للدائن أن يستعمل حق مدينه فى قبول الوصية ، لا لأن القبول هنا مجرد رخصة ، بل لأنه حق متصل بشخص المدين ( بودرى وبارد 1 فقرة 622 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 904 )  .

( [1796] ) ويذهب بعض الفقهاء إلى أن قبول المنتفع للاشتراط لمصلحته مجرد رخصة لا يجوز للدائن استعمالها باسم المدين ( دى باج 3 فقرة 187 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 623 )  . والصحيح أن حق المنتفع فى الاشتراط لمصلحة الغير حق ينشأ من العقد ، وقبول المنتفع ليس إلا لجعله حقًا غير قابل للنقض ، فثم إذن حق يستطيع الدائنون بالنيابة عن مدينهم أن يجعلوه غير قابل للنقض ، إلا إذا تبين أن الأمر يتعلق لاعتبارات أدبية بمحض تقدير المنتفع ، فعندئذ لا يجوز الدائنين استعماله ، لا لأنه مجرد رخصة ، بل لأنه حق متصل بشخص المدين ( ديموج 7 فقرة 823 وفقرة 928 ـ الأستاذ أحمد حشمت أبو ستيت فى نظرية الالتزام سنة 1945 فقرة 624 ص 466 ـ الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 100 ص 129 )  .

وحق المشترط فى نقض الاشتراط لمصلحة الغير ، وتحويله إلى منتفع آخر أو إلى نفسه ، يعتبر رخصة لا يجوز لدائنى المشترط استعمالها ، وهو على كل حال موكول إلى محض التقدير الشخصى للمشترط ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 904 ص 238 ـ قارن نظرية العقد للمؤلف فقرة 818 ص 918 هامش رقم 2 )  .

( [1797] ) فحق الموعود بالبيع وحق المشترى وفاء كلاهما حق ذو قيمة مالية نشأ عن عقد الوعد أو عقد البيع وفاء ، مثلهما مثل حق المنتفع فى الاشتراط لمصلحة الغير نشأ عن عقد الاشتراط ( نظرية العقد للمؤلف فقرة 719 ص 760 هامش رقم 1 )  .

ويحسن فى هذا الصدد أن نميز ما بين الحق الكامل كحق الموعود بالبيع وحق المشترى وفاء وحق المنتفع فى الاشتراط لمصلحة الغير ، ومجرد الرخصة كحق الشخص فى أن يشترى دار غيره إذا رضى صاحب الدار وحق المالك فى إدارة ملكه ، ومنزلة وسطى ما بين الحق والرخصة كحق الشخص فى قبول الإيجاب الموجه له وحق الشفيع فى الأخذ بالشفعة وحق الشريك فى استرداد النصيب الشائع  . فالحق الكامل هو وحده الذى يستطيع الدائن أن يستعمله باسم المدين ، أما مجرد الرخصة فلا يجوز للدائن استعمالها ، ويلحق بالرخصة فى ذلك المنزلة الوسطى ما بين الحق والرخصة  .

ويميز بودرى وبارد ما بين حق لا يحتاج إلى مجرد التثبيت ( Consolidation ) وهذا يجوز للدائن استعماله باسم المدين ، ومجرد الرخصة فى كسب الحق وهذه لا يجوز للدائن استعمالها ( بودرى وبارد 1 فقرة 601 ص 600 )  .

( [1798] ) ديرانتون 6 فقرة 516 ـ فقرة 520 ـ ديمولومب 14 فقرة 557 و 15 فقرة 53 وفقرة 76 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 600 ـ فقرة 602 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 901 ـ والتون 2 ص 104 ـ ص 105 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 719 ص 760 هامش رقم 1 ـ انظر عكس ذلك : لوران 16 فقرة 426 ـ فقرة 427 ـ هيك 7 فقرة 195  .

( [1799] ) فالتقادم المسقط إذن واقعة مركبة ( fait complexe ) ، تتكون من واقعة مادية هى مرور الزمن وتصرف قانونى هو إعلان المدين لإرادته فى التمسك بالتقادم ، وكذلك التقادم المكسب ، غير أن الواقعة المادية فى التقادم المكسب هى مرور الزمن من الحيازة معًا  .

( [1800] ) استئناف مختلط 17 مارس سنة 1938 م 50 ص 174 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 719 ص 760 هامش رقم 1 ـ أما النزول عن التقادم فيجوز للدائن أيضًا استثناء الطعن فيه بالدعوى البولصية ( م 388 و 973 مدنى ) على النحو الذى سنورده فيما يعد  .

( [1801] ) لوران 16 فقرة 428 ـ هيك 9 فقرة 21 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 901 ـ دى باج 3 فقرة 187 ـ عكس ذلك : أوبرى ورو 4 فقرة 312 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 610  .

( [1802] ) استئناف مختلط 7 مايو سنة 1896 م 8 ص 270 ـ والتون 2 ص 102 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 719 ص 761 هامش رقم 1  .

( [1803] ) قارن استئناف مختلط 17 يونيه سنة 1924 م 36 ص 439 ـ 6 فبراير سنة 1940 م 52 ص 133  .

( [1804] ) فلا يجوز لبائع العقار الذى لم يستوف الثمن كاملاً ، وترك قيد كل من امتيازه وامتياز المشترى منه يسقط ، أن يجدد قيد امتياز المشترى من المشترى فى الميعاد القانونى ، ليطالب من انتقلت له الملكية بعد ذلك بالباقى له من الثمن  . فهو إذا كان يستطيع أن يجدد قيد امتيازه هو ، وأن يجدد باسم المشترى منه قيد امتياز هذا المشترى ، فإنه لا يستطيع أن يجدد قيد امتياز المشترى من المشترى ، لأن هذا التجديد إنما يجريه مدينه المشترى باسم مدين مدينه المشترى من المشترى ، فلا يجوز له أن يباشره هو باسم مدينه المشترى ( محكمة بوردو الاستئنافية 9 مارس سنة 1936 سيريه 1937 ـ 2 ـ 129 ـ داللوز أنسيكلوبيدى 1 action oblique فقرة 40 )  .

( [1805] ) بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 905 مكررة ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 719 ص 761 هامش رقم 1  .

( [1806] ) ديمولومب 5 فقرة 137 ـ هيك 7 فقرة 200 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 593 بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 902  .

( [1807] ) ويشترط ديمولومب ألا يكون إثبات نسب المورث ضمن ما يطلب الحكم به ، فيكون هذا النسب طريقًا من طرق الدفاع لإثبات الميراث ، لا طلبًا فى الدعوى يراد الحكم به ( ديمولومب ، فقرة 284 ـ وانظر أيضًا : أوبرى ورو 4 فقرة 312 هامش رقم 30 ـ لوران 3 فقرة 470 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 593 ص 595 )  . 

( [1808] ) بودرى وبارد 1 فقرة 591 ـ ديموج 7 فقرة 924 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 904 ـ كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 431 ـ جوسران 2 فقرة 667  .

( [1809] ) محكمة مصر المختلطة ( [1809] ) مايو سنة 1928 جازيت 19 رقم 151 ص 179 ، ومع ذلك أنظر محكمة مصر المختلطة ( [1809] ) يناير سنة 1928 جازيت 19 رقم 264 ص 265 وقد قضت بأن حق الرجوع فى وقفية ليس حقًا متصلاً بشخص المدين ـ ديرانتون 10 فقرة 540 ـ أو برى ورو 4 فقرة 312 ص 189 ـ ديمولومب 20 فقرة 692 ـ فقرة 693 ـ لوران ( [1809] ) فقرة 28 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 613 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 904  .

( [1810] ) وهذا ما لم تظهر إرادة المصاب فى المطالبة بالتعويض عن الضرر الأدبى ، فإذا ظهرت هذه الإرادة قاطعة فى صورة اتفاق مع المسئول أو بالمطالبة القضائية فقد أصبح حق التعويض حقًا ماليًا كسائر الحقوق المالية يجوز للدائن استعماله ( الوسيط 1 ص 919 )  . وكل تعويض عن عمل غير مشروع يجب أن نميز فيه بين التعويض عن الضرر المادى وهذا غير متصل بشخص المدين ويجوز للدائن استعمال الحق فيه ، والتعويض عن الضرر الأدبى وهذا متصل بشخص المدين على الوجه الذى أوضحناه ولا يجوز للدائن أن يطالب به نيابة عن المدين ( محكمة مصر المختلطة ( [1810] ) مايو سنة 1928 جازيت 19 رقم 151 ص 179 ـ ديرانتون 10 فقرة 557 ـ لوران 16 فقرة 419 ـ ديمولومب 35 فقرة 82 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 625 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 4 ـ فقرة 9 ـ دى هلتس 1 لفظ Creancier فقرة 23 ـ فقرة 25 ـ الأستاذ عبد السلام ذهنى فقرة 327 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 719 ص 763 هامش رقم 1 )  . ويعتبر الضرر ماديًا ولو وقع على جسم المدين لا على ماله ، ما دام أنه ضرر مادى لا ضرر أدبى ( بودرى وبارد 1 فقرة 625 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 904 ص 238 ـ بلانيول وريبير ويولانجيه 2 فقرة 1393 ـ كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 432 ـ جوسران 2 فقرة 668 ـ عكس ذلك : ديمولومب 25 فقرة 82 ـ أوبرى ورو 4 فقرة 312 ص 189 ، بيدان ولاجارد 8 فقرة 636 ص 659 )  . وقد جاء فى كتاب أحكام الالتزام للدكتور صبحى المحمصانى ( ص 57 ) أن القضاء اللبنانى يذهب إلى أن الدية هى تعويض مادى وأدبى للورثة عن فقد مورثهم ، وأنها بهذه الصفة تكون من حق الورثة مباشرة ، ولا يمكن أن تدخل فى عداد أموال المدين التى يجوز توقيع الحجز عليها من دائنيه ( قرار الحاكم المنفرد فى جبيل الصادر فى 21 تشرين الثانى سنة 1951 النشرة القضائية اللبنانية سنة 1953 ص 76 )  .

( [1811] ) ديموج 7 فقرة 927 ص 307 ـ ويعتبر حق الوالد فى محاسبة ابنته على نفقات حفظ أمتعتها المودعة عنده حقًا متصلاً بشخصه ( مصر الكلية الأهلية 10 مايو سنة 1922 المحاماة 3 رقم 118 ص 169 )  . كذلك يعتبر حق المدين الراهن فى نقل التكليف باسمه حقًا متصلاً بشخصه ( استئناف مختلط 21 مارس سنة 1912 م 24 ص 211 )  .

هذا ويجوز للمدين أن ينزل عن حقه فى الاعتراض على مباشرة الدائن لدعوى متصلة بشخصه ، فقد تقرر الحظر لمصلحته ويستطيع أن ينزل عنه إذا شاء  . كما يجوز ، على النقيض من ذلك ، كما سبق القول ، أن يشترط المدين على الدائن ألا يستعمل حقًا له ولو لم يكن هذا الحق متصلاً بشخصه  . فالدعوى غير المباشرة ليست من النظام العام ، وإنما وضعت قواعدها لمصلحة كل من الدائن والمدين ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 906 ـ دى باج 3 فقرة 190 )  .

( [1812] ) استئناف مختلط 10 مايو سنة 1927 م 309 ص 452 ـ 27 مارس سنة 1947 م 59 ص 169 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 604 ـ فقرة 607 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 603  .

([1813])         نظرية العقد للمؤلف فقرة 718 ص 785  .

([1814])         تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 315 من المشروع التمهيدي على وجه مطابق لما استقر عليه في التقنين الجديد  . وأقرته لجنة المراجعة  . وقد سئل في هذه اللجنة عما إذا كان يجوز للدائن باعتباره نائباً عن المدين أن يتصالح على الحق الذي يستعمله باسم المدين ، فأجيب بأنه لا يجوز ذلك لأن نيابة الدائن عن المدين مقصورة على استعمال الحق دون التصرف فيه والصلح ينطوي على تصرف  . وأصبح رقم المادة 243 في المشروع النهائي  . ووافق عليها مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 236 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 611 – ص 612 )  .

( [1815] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 237 ( مطابقة للمادة 236 من التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى م 262 ( مطابقة للمادة 236 من التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 239 ( مطابقة للمادة 236 من التقنين المدنى المصرى )  .

تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م 276 فقرة 4 : " وتكون نتائج الدعوى مشتركة بين جميع الدائنين بدون أن يترتب للدائن الذى شرع فى الدعوى امتياز ما على الآخرين "  . ( والحكم واحد فى التقنينين اللبنانى والمصرى ، رغم اختلاف العبارة والأسلوب )  .   

( [1816] ) بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 1386  .      

( [1817] ) انظر تاريخ نص المادة 236 آنفًا فقرة 547 فى الهامش  .

( [1818] ) وهذه النيابة هى أيضًا الفرق الأساسى بين الدعوى غير المباشرة والدعوى البولصية ، فالأولى يرفعها الدائن باسم المدين ، والأخرى يرفعها الدائن باسمه خاصة  . وكالدعوى البوليصة الدعوى المباشرة ودعوى الصورية ، يرفعهما الدائن باسمه خاصة  .

( [1819] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه وإن كان المدين الذى يرفع الدائن باسمه الدعوى غير المباشرة يبقى محتفظًا بحرية التصرف فى الحق المطالب به فيها ، ومن ثم يكون هذا التصرف نافذًا فى حق الدائن ـ شأنه فيه شأن المدين الذى صدر منه ـ ويكون للخصم المرفوعة عليه الدعوى ( مدين المدين ) حق التمسك به فى مواجهة الدائن ، إلا أن ذلك مقيد بشرط عدم قيام الغش والتواطؤ بين الخصم والمدين للإضرار بحقوق الدائن ، ففى هذه الحالة يحق للدائن أن يطعن فى تصرف المدين بالدعوى البولصية ( نقض مدنى 2 فبراير سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 61 ص 220 )  .     

( [1820] ) بودرى وبارد 1 فقرة 640 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 919  .

( [1821] ) بل قد يكون الواجب هو أن يوقع الدائن حجز ما للمدين لدى الغير لا أن يرفع الدعوى غير المباشرة  . وقد قضت محكمة النقض بأن الدائن الذى حكم له بدينه ، ويريد اقتضاء 5 من مدين مدينه ، لا يجوز له أن يرفع مثل هذه الدعوى ، بل له أن يحجز على ما يكون لمدينه من مال ( نقد ) تحت يد الغير حجزًا تنفيذيًا  . فإذا لم يقر المحجوز لديه بالدين غشًا أو تدليسًا ، فله أن يرفع عليه دعوى الإلزام ليحكم له بدينه تعويضًا طبقًا لما تقضى به أحكام المادة 429 مرافعات ( 566 جديد ) ( نقض مدنى 16 أبريل سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 349 ص 1095 )  .

( [1822] ) نظرية العقد للمؤلف فقرة 721 ص 769 وهامش رقم 1  .

( [1823] ) لوران 16 فقرة 402 ـ أوبرى ورو 4 فقرة 312 ص 181 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 639 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 919 ـ والتون 2 ص 100 ـ ص 101 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 721 ص 769  .

( [1824] ) لوران 16 فقرة 404 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 640  .

( [1825] ) استئناف مختلط 26 نوفمبر سنة 1891 م 4 ص 25  .

( [1826] ) استئناف مختلط 13 ديسمبر سنة 1938 م 51 ص 55  .

( [1827] ) يصرح بعض الفقهاء فى فرنسا ( انظر بودرى وبارد 1 فقرة 637 وفقرة 644 ـ بلانيول وويبير وردوان 7 فقرة 922 ـ دى هلتس 1 لفظ creancier فقرة 31 ـ فقرة 32 وفقرة 35 ) بخطأ القول بنيابة الدائن عن المدين ، ويستندون فى ذلك إلى أن النيابة إنما تكون فى صالح الأصيل لا فى صالح النائب  . وليست الحجة التى يستندون إليها بحجة مقنعة ، فإنه إذا كانت النيابة كقاعدة عامة فى صالح الأصيل دون النائب ، فليس فى طبيعتها ما يمنع من أن تكون فى صالح النائب دون الأصيل  .

ومما يلاحظ فى هذا الصدد أن الدعوى غير المباشرة ليست دعوى مستقلة فى يد الدائن ، بل هى نفس دعوى المدين يباشرها الدائن باسمه ، ولذلك قيل لا توجد دعوى واحدة غير مباشرة ، بل توجد دعاوى غير مباشرة بقدر ما للمدين من الدعاوى ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 895 ـ جوسران 2 فقرة 663 )  . وهذه الملاحظة من شأنها أن تؤيد فكرة النيابة التى أخذ بها صراحة التقنين المدنى الجديد ( انظر نظرية العقد للمؤلف فقرة 721 ص 770 هامش رقم 3 )  .

( [1828] ) استئناف مختلط 5 يونيه 1930 م 43 ص 2  .

( [1829] ) ويتبين من ذلك أنه إذا لم يدخل المدين خصمًا فى الدعوى ، فإن الحكم الذى يصدر لصالحه يستفيد منه هو والدائنون الذين لم يدخلوا فى الدعوى  . أما إذا صدر الحكم ضده ، فلا يكون حجة عليه لا هو ولا دائنيه المذكورين ( بيدان ولا جارد 8 فقرة 630 ص 453 )  .

( [1830] ) انظر فى كل ذلك نظرية العقد للمؤلف فقرة 722 ، والأحكام المشار إليها والمراجع  . وانظر آنفًا فقرة 539  .

( [1831] ) انظر آنفًا فقرة 539  .

( [1832] ) تولييه 7 فقرة 568 ـ ديمولومب 25 فقرة 116 ـ لوران 16 فقرة 401 ـ أوبرى ورو 4 فقرة 312 ص 83 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 638 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 919  .

( [1833] ) ولا حاجة لأن تكون المخالصة الصادرة من المدين ثابتة التاريخ لتكون حجة على الدائن ( استئناف مختلط 3 يونيه سنة 1926 م 38 ص 463 )  .

( [1834] ) دى هلتس 1 لفظ creancier فقرة 33  .

( [1835] ) استئناف مختلط 30 نوفمبر سنة 1922 جازيت 13 رقم 295 ص 173 ـ 29 يناير سنة 1929 م 41 ص 193  . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة ، فى عهد التقنين المدنى السابق ، بأنه ليس للخصم أن يحتج على الدائن بحوالة صدرت من المدين ولم تستوف شرائطها القانونية ( ( [1835] ) يونيه سنة 1921 م 33 ص 391 : ولكن كان يمكن اعتبار تمسك الخصم بالحوالة بمثابة قبول لها )  .

( [1836] ) محكمة المنصورة المختلطة الجزئية 4 فبراير سنة 1914 جازيت 4 رقم 196 ص 84  .

( [1837] ) استئناف مختلط 10 فبراير سنة 1931 م 43 ص 217 ـ محكمة أسيوط الكلية استئناف 30 أكتوبر سنة 1907 المجموعة الرسمية 9 رقم 62 ص 141  .

( [1838] ) استئناف مختلط 10 فبراير سنة 1931 م 43 ص 217  .

( [1839] ) ديمولومب 25 فقرة 117 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 642 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 919  . ولكن يجوز للخصم أن يوفى الدائن الدين الذى له فى ذمة المدين ، ويكون الوفاء صحيحًا فى هذه الحالة ، وبذلك ترتفع عن الدائن صفته ، ولا يستطيع أن يستمر فى مباشرة الدعوى إذ لم تعد له مصلحة فى ذلك ( لوران 16 فقرة 406 ـ لارومبيير 2 م 1166 فقرة 33 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 643 ـ بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 1405 )  . ويفعل الخصم ذلك إذا كان الدين الثابت فى ذمته أكبر من الدين الثابت فى ذمة المدين للدائن ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 921 )  . وإذا كان للخصم دين فى ذمة الدائن يعادل الدين الذى للدائن فى ذمة المدين ، فلا يستطيع الخصم إجراء المقاصة كما قدمنا لأن الحقين غير متقابلين ، ولكنه يستطيع الاتفاق مع الدائن على أن ينزل له عن الدين الذى له فى ذمته وفاء للدين الذى فى ذمة المدين للدائن ، فيصبح الدائن بعد أن استوفى حقه لا مصلحة له فى أن يستمر فى مباشرة الدعوى على النحو الذى قدمناه  . ثم يرجع الخصم على المدين بما وفاه من دينه ، وله عندئذ أن يجرى مقاصة بين ما وفاه من أجله وما هو فى ذمته له  .

( [1840] ) لوران 16 فقرة 404 ـ بودرى 1 فقرة 614 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 920 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 723 هامش رقم 3  .

( [1841] ) على أن الخصم إذا رأى أن ما فى ذمة المدين للدائن أقل مما فى ذمته هو للمدين فإنه يستطيع أن يفى الدائن حقه ، فينهى الدعوى بذلك على النحو الذى قدمناه ( لوران 16 فقرة 406 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 921 ـ والتون 2 ص 101 )  .

( [1842] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي فى مجموعة الأعمال التضحيرية 2 ص 604 و ص 611  .   

( [1843] ) استئناف مختلط 28 نوفمبر سنة 1929 م 42 ص 58 ـ 5 يونيه سنة 1930 م 43 ص 1 ـ 15 يونيه سنة 1932 م 44 ص 376 ـ 15 يونيه سنة 1937 م 49 ص 263 ـ والتون 2 ص 99 ـ 100 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 725 ص 774 هامش رقم 2  .

( [1844] ) لوران 16 فقرة 407 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 644 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 923  .

( [1845] ) أستئناف مختلط 25 يناير سنة 1917 م 29 ص 180 ـ ( [1845] ) يونيه سنة 1921 م 33 ص 391 ـ 16 ديسمبر سنة 1924 م 37 ص 66 ـ 5 يونيه سنة 1930 م 43 ص 1 ـ 15 يونيه سنة 1932 م 44 ص 376 ـ أوبرى ورو 4 فقرة 312 ص 184 بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 923  .

ذلك أن الدعوى غير المباشرة ـ كالدعوى البولصية ودعوى الصورية ـ لا تتخذ فيها إجراءات جماعية باسم جميع الدائنين كما هى الحال فى الإفلاس التجارى  . أما فى القانون الرومانى فقد كانت الدعوى غير المباشرة والدعوى البولصية يباشرهما نائب عن جميع الدائنين ( magister, curator bonorum ) ، وكانتا تدخلان ضمن الإجراءات التى تتبع لتصفية أموال المدين المفلس ، ولم يكن القانون الروماني يميز بين الإفلاس التجارى والإفلاس المدنى ( لابيه فى المجلة الانتقايدة سنة 1856 المجلد التاسع ص 208 )  .

( [1846] ) استئناف مختلط 5 يناير سنة 1898 م 10 ص 86 ـ 6 يونيه سنة 1900 م ( [1846] ) ص 301  .

( [1847] ) ديمولومب 25 فقرة 132 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 645 مكررة ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 924  .

( * ) مراجع : سرجان ( Sergent ) فى الدعاوى المباشرة رسالة من باريس سنة 1903 ـ سوليس ( Solus ) فى الدعاوى المباشرة رسالة من باريس سنة 1914 ـ دبرية ( Debray ) ، حقوق الامتياز على الديون والدعاوى المباشرة رسالة من باريس سنة 1928 ـ بينيه ( Binay ) الدعوى المباشرة رسالة من باريس سنة 1934 ـ روبينو ( Robino ) فى حقوق الامتياز وأسباب التقدم الأخرى على الديون رسالة من بوردو سنة 1950 ـ ديموج 7 فقرة 989 ـ فقرة 1018 ـ فلاتيه ( Flattet ) فى العقود لحساب الغير باريس سنة 1950 فقرة 134 ـ فقرة 144 ـ بيدان وفوران ( Beudant et Voirin ) 13 فقرة 252 ـ فقرة 263  .

( [1848] ) دى ياج 2 فقرة 716 ـ هذا وقد يتصور فرق بين حق الامتياز والدعوى المباشرة : فلو اجتمع دائنان ، أحدهما له دعوى مباشرة لا حق امتياز ، ورفع الثانى الدعوى غير المباشرة وحكم له على مدين المدين ووفى هذا للمدين بما فى ذمته ، فإن صاحب الدعوى المباشرة لا يملك فى هذه الحالة إلا أن يشترك مع الدائن الآخر فيقسما الحق بينهما قسمة غرماء ، وهذا بخلاف ما إذا كان للدائن حق امتياز بدلاً من الدعوى المباشرة فإنه فى هذه الحالة يتقدم على الدائن الآخر  . والأفضل للدائن ، إذا لم تكن له إلا دعوى مباشرة ، ولم يكن له حق امتياز ، أن يدخل خصمًا فى الدعوى غير المباشرة التى رفعها الدائن الآخر ، ويطلب من مدين المدين أن يفى له بالدين مباشرة ، فيستقل به دون سائر الدائنين ( نظرية العقد للمؤلف فقرة 726 ص 775 هامش رقم 2 )  .

( [1849] ) وإن كنا قد أوردنا الدعويين ، فى كتاب نظرية العقد ، مع الدعوى البولصية ودعوى الصورية فى صدد الكلام فى أثر العقد بالنسبة إلى الأشخاص  .

( [1850] ) انظر ديموج 7 فقرة 989 وما بعدها ـ جوسران 2 فقرة 673  .

( [1851] ) انظر دى باج 2 فقرة 713 ـ الأستاذ حلمى بهجت بدوى فى نظرية العقد فقرة 261  . ويرى الأستاذان إسماعيل غانم وشمس الدين الوكيل أن المكان الطبيعى لدراسة الدعوى المباشرة تفصيلاً يكون عند دراسة نظرية التأمينات ( الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام ص 135 هامش رقم 1 )  .

( [1852] ) انظر فى ذلك الدكتور صبحى المحمصانى فى أحكام الالتزام فى القانون المدنى اللبنانى ص 59 ـ ص 60  .

( [1853] ) ليس الغرض من إيراد النصوص التى تنشئ الدعاوى المباشرة شرح هذه النصوص ، فهذا الشرح مكانه فى العقود التى تقررت فيها هذه الدعاوى  . ونقتصر هنا على استخلاص المقومات الرئيسية للدعوى المباشرة كما وردت فى هذه النصوص ـ هذا ويوجد فى التقنينات المدنية العربية الأخرى نصوص ، كنص المادة 596 مصرى ، تجعل للمؤجر دعوى مباشرة ضد المستأجر من الباطن : فى التقنين المدنى السورى المادة 563 ، وفى التقنين المدنى العراقى المادة 776 فقرة ثانية ، وفى التقنين المدنى الليبى المادة 595 ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المادتان 587 ـ 588  .

( [1854] ) ولا يعتد ـ كما يقول النص ـ بالأجرة التى عجلها المستأجر من الباطن للمستأجر الأصلى عن مدة انتفاع مستقبلة ، إلا إذا كان تعجيل الأجرة قد تم قبل الإنذار وكان متفقًا مع العرف أو مع اتفاق ثابت بين المستأجر الأصلى والمستأجر من الباطن تم وقت عقد الإيجار من الباطن  . ويترتب على ذلك أنه إذا عجل المستأجر من الباطن الأجرة للمستأجر الأصلى بعد الإنذار ، فلا يكون هذا التعجيل نافذًا فى حق المؤجر حتى لو كان متفقًا مع العرف أو مع اتفاق ثابت ، أما إذا عجل الأجرة قبل الإنذار ، فإن هذا التعجيل يكون نافذًا فى حق المؤجر بشرط أن يكون متفقًا مع العرف أو مع اتفاق ثابت  .

( [1855] ) وقد كان التقنين المدنى السابق لا يحتوى على نص مقابل للمادة 596 من التقنين المدنى الجديد ، ومن ثم لم يكن للمؤجر ضد المستأجر من الباطن إلا الدعوى غير المباشرة ( انظر عقد الإيجار للمؤلف فقرة 423 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 726 ص 776 )  .

( [1856] ) ديموج 7 فقرة 993  .

( [1857] ) وهذه الدعوى المباشرة وحق الامتياز هذا مقرران أيضًا فى التقنين المدنى السورى ( م 628 ) ، وفى التقنين المدنى العراقى ( م 883 ) ، وفى التقنين المدنى الليبيى ( م 660 ) ، وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى ( م 678 )  .

( [1858] ) والمادة 662 من التقنين المدنى المصرى أوسع نطاقًا من نظيرتها المادة 1798 من التقنين المدنى الفرنسى من وجوه عدة : ( 6 ) الدعوى المباشرة فى التقنين المصرى أعطيت لا للعمال فحسب بل أيضًا للمقاولين من الباطن ، ولم تعط فى التقنين الفرنسى إلا للعمال  . ( ب ) يدعم حق الامتياز الدعوى المباشرة فى التقنين المصرى ، وليس هناك حق امتياز فى التقنين الفرنسى  . ( جـ ) نص التقنين المصرى على تقدم العمال والمقاولين من الباطن على من تنازل له المدين عن حقه ، وفى التقنين الفرنسى يتقدم المتنازل له إذا كان هو الأسبق ويكون التنازل نافذًا فى حق العمال ( انظر فى المادة 1798 من التقنين المدنى الفرنسى ديموج 7 فقرة 995 )  .

( [1859] ) ويقابل هذا النص فى التقنينات المدنية العربية الأخرى : فى التقنين المدنى السورى المادة 674 وهى مطابقة  . وفى التقنين المدنى العراقى المادة 929 ، وتجرى على الوجه الآتى : " ليس للوكيل أن يوكل غيره ، إلا أن يكون قد أذنه الموكل فى ذلك أو فوض الأمر لرأيه ، ويعتبر الوكيل الثانى وكيلاً عن الموكل ، فلا ينعزل بعزل الوكيل الأول ولا بموته " ، فالدعوى المباشرة هنا تقوم على قواعد الوكالة  . وفى التقنين المدنى الليبى المادة 708 وهى مطابقة  . وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى المادة 784 ، وتجرى على الوجه الآتى : " فى جميع الأحوال يكون نائب الوكيل مسئولاً لدى الموكل مباشرة كالوكيل نفسه ، وتكون له حقوق الوكيل نفسها " ، وهذه هى الدعوى المباشرة ما بين الموكل ونائب الوكيل  .

( [1860] ) انظر فلاتيه فى العقود لحساب الغير فقرة 139 ـ وقارن الأستاذ حلمى بهجت بدوى فى نظرية العقد فقرة 261 ص 375  .

( [1861] ) انظر الوسيط الجزء الأول فقرة 657  .

( [1862] ) استئناف مختلط 8 مارس سنة 1939 م 51 ص 187 ـ وانظر أيضًا : استئناف مختلط 18 أبريل سنة 1935 م 47 ص 257 ـ 19 يناير سنة 1938 م 50 ص 105 ـ عكس ذلك : استئناف مختلط 27 مارس سنة 1930 م 42 ص 389  . وانظر الأستاذ حلمى بهجت بدوى فى نظرية العقد فقرة 260 ص 373  .

( [1863] ) وسنرى أن الحق المباشر للمنتفع فى الاشتراط لمصلحة الغير ليس هو الدعوى المباشرة  .

( [1864] ) استئناف مختلط 15 يونيه سنة 1932 م 44 ص 376 ـ الوسيط الجزء الأول فقرة 657 ص 984 هامش رقم 2  .

( [1865] ) وقد قضت محكمة النقض ، تأييدًا لهذا المعنى ، بأن المشترى من مشتر لم يسجل عقده لا يستطيع أن يكلف البائع الأصلى بالتوقيع له هو على عقد بيع صالح للتسجيل إذ هو لم يتعاقد معه ، بل كل ماله ـ حتى لو قيل بوجود حق مباشر له قبله ـ هو أن يطلب منه التوقيع على عقد بيع صالح للتسجيل لمن اشترى منه ( نقض مدنى 16 أبريل سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 129 ص 880 )  . فالدعوى التى للمشترى من المشترى قبل البائع هى نفس الدعوى التى كانت للمشترى قبل البائع ، وقد انتقلت من المشترى إلى خلفه الخاص أى إلى المشترى من المشترى  .         

( [1866] ) انظر فى بعض هذه الحالات المشتبه فيها الأستاذ حلمى بهجت بدوى فى نظرية العقد فقرة 261  .

( [1867] ) فلاتيه فى العقود لحساب الغير فقرة 136 ، وانظر أيضًا فقرة 143 ص 191 ـ ص 192  .

( [1868] ) مقال فى الامتيازات الخاصة على الديون : المجلة الانتقادية سنة 1876 ص 571 و ص 665  .

( [1869] ) ألكس وايل ( Alex Weill ) فقرة 444 ص 762  .

( [1870] ) جيللوار فى الإيجار 1 ص 369 ـ جوسران 2 فقرة 1227 ـ انظر أيضًا استعراضًا لبعض هذه النظريات فى ديموج 7 فقرة 1014  .

( [1871] ) سوليس ( Solus ) ص 247 ـ ديموج 7 فقرة 1015 ـ الأستاذ حلمى بهجت بدوى فى نظرية العقد فقرة 262 ص 376  .

( [1872] ) قارب الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 106 ص 138  . ويبنى فلاتيه الدعوى المباشرة على أساس اقتصادى ، فعنده أن العقد ، بحكم الغاية الاقتصادية ( destination economique ) التى يقوم على تحقيقها ، ينشئ الدعوى المباشرة لمصلحة أجنبى عن هذا العقد ( فلاتيه فى العقود لحساب الغير فقرة 143 ص 192 وفقرة 144 ص 194 )  . انظر فى استعراض الأسس القانونية للدعوى المباشرة دى ياج 3 فقرة 722  .

( [1873] ) قارن دى باج 2 فقرة 723 ـ ويذكر مثلاً على قيام الدعوى المباشرة دون نص خاص فى رجوع المشترى على البائع لبائعه بضمان الاستحقاق ، وفى رجوع المشترى على المقاول الذى تعاقد مع البائع  . وقد قدمنا أن هذا الرجوع لا يكون بالدعوى المباشرة ، ولكن بنفس الدعوى التى كانت للسلف وقد انتقلت إلى الخلف الخاص ( انظر آنفًا فقرة 560 ، وانظر أيضًا فلاتيه فى العقود لحساب الغير فقرة 140 )  .

( [1874] ) وهذا ما يميز الدعوى المباشرة عن التضامن ، وتتميز هذه الدعوى عن الحلول العينى فى أن الدائن فى الحلول العينى يستعمل دعوى مدينه بالذات لا دعوى أخرى مستقلة ، وتتميز عن حوالة الحلق فى أن الدائن فى حوالة الحق يحل محل سلفه فى نفس الدعوى فلا توجد إذن دعويان مستقلتان ، وتتميز عن الاشتراط لمصلحة الغير فى أنه لا يوجد فى الاشتراط لمصلحة الغير إلا دعوى مباشرة واحدة هى التى للمنتفع فى ذمة المتعهد ( دى باج 2 فقرة 719 ـ فقرة 721 )  .

( [1875] ) انظر فى هذا المعنى ديموج 7 فقرة 1012  .

( [1876] ) ديموج 7 فقرة 1003  .

( [1877] ) حتى لو كان دين مدين المدين مقترنًا بأجل أو معلقًا على شرط ، فيجب على مدين المدين فى هذه الحالة أن يوفى الدين للدائن لا للمدين ، وذلك بعد أن يحل الأجل أو بعد أن يتحقق الشرط ( ديموج 7 فقرة 1008 )  .

( [1878] ) قارن ديموج 7 فقرة 1012 ـ فقرة 1013  . ويذهب إلى أن مدين المدين ، من وقت إنذار الدائن له بالوفاء ، يصبح مدينًا للدائن وحده ، وتنتهى مديونيته للمدين  .       

( [1879] ) ديموج 7 فقرة 1012  .

( * ) مراجع : جيللوار ( Guillirard ) بحث فى الدعوى البولصية ـ أشير ( Acher مقال فى مجلة القانون المدنى الفصلية سنة 1906 ص 80 ـ جروبيه ( Grouber ) فى الدعوى البولصية فى القانون المدنى الفرنسى المعاصر رسالة من باريس سنة 1913 ـ فينيرون ( Vigneron ) فى الغش فى نقل الحقوق رسالة من باريس سنة 1923 ـ باستيان ( Bastian ) بحث فى إقامة نظرية عامة فى عدم النقاذ رسالة من باريس سنة 1929 ـ ديموج 7 فقرة 1030 وما بعدها ـ انظر أيضًا مقالين للأستاذ عبد العظيم الشقنقيرى فى مجلة الشرائع السنة الخامسة ص 328 ـ ص 336 و ص 423 ـ ص 430  .

( [1880] ) ويبدو أن البريطور " بولص " هذا ليس إلا شخصًا خياليًا اخترعه بعض المحشين ( Glossateurs )  . ولم تكن الدعوى البولصية فى عهد القانون الرومانى المدرسى دعوى واحدة ، بل كانت دعاوى متعددة أعطيت لحماية الدائنين فى حالات مختلفة ، ولم تتوحد فى دعوى واحدة إلا فى عهد جوستنيان  . وكان لهذه الدعاوى فى إجراءات القانون الرومانى الطابع الجماعى ( Caractere collectif ) ، إذ كانت لا تعطى إلا ضد المدين المفلس لجماعة الدائنين فى شخص ممثل لهم هو الذى كان يوكل إليه تصفية أموال المدين ( curator bonorum vendendorum ) ، فكانت فائدتها تعود على جماعة الدائنين ، لا تختص بواحد منهم دون الآخرين  . وقد انقلبت الدعوى البولصية فى القانون الحديث من دعوى جماعية ( action collective ) إلى دعوى فردية ( action individuelle ) ( مقال الأستاذ أشير Acher فى مجلة القانون المدنى الفصلية سنة 1906 ص 85 ـ جيرار Girard ص 435 ـ ص 437 ـ أكارياس Accarias 2 فقرة 852 ـ بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 1413 )  .

وقد نبتت الدعوى البولصية على هذا النحو فى تربة عملية ، ثم أقرتها التقاليد ، فأصبح لأحكمها ميزان : ( 1 ) فهى أولاً أحكام تقليدية ، ولذلك تصطدم فى بعض تفصيلاتها مع المنطق ، وقد ردها التقنين المدنى المصرى الجديد إلى المنطق فى كثير من هذه التفصيلات  . ( ب ) وهى ثانيًا حكام عملية ، فللاعسار معنى عملى فى هذه الأحكام ، ولا يعتد بالثمن الذى يعطيه المشترى للمدين ما دام يتعذر عمليًا على الدائن أن ينفذ عليه ( نظرية العقد للمؤلف فقرة 728 ص 778 هامش رقم 3 )  .

( [1881] ) ديمولومب 25 فقرة 148 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 647 ـ ديموج 7 فقرة 1030  .         

( [1882] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه وإن كانت الدعوى غير المباشرة والدعوى البولصية تختلفان كل منهما عن الأخرى فى أساسها وشروطها وآثارها ، ومن ثم لا يجوز الجمع بينهما فى آن ، إلا أنه يجوز للدائن أن يستعملهما متعاقبتين إحداهما بعد الأخرى  . وليس من الضرورى أن ترفع الدعوى البولصية استقلالاً ، بل يصح رفعها كدعوى عارضة أو إثارتها كمسألة أولية ، ولو أثناه قيام الدعوى غير المباشرة ، متى كانت ظروف دفاع الدائن تستلزم ذلك  . فإذا كان الدائن عندما ووجه فى دعواه غير المباشرة من ناظر الوقف بمصادقة مدينه على حساب الوقف قد دفع بأن هذه المصادقة باطلة لصدورها غشًا وتدليسًا وبالتواطؤ بين المدين وبين ناظر الوقف ، فإنه لا يكون قد جمع بين الدعوى غير المباشرة وبين الدعوى البولصية فى آن ، وإنما هو أثار الدعوى البولصية كمسألة أولية ، فهو بهذا قد استعمل الدعويين على التعاقب ، ويكون من المتعين الفصل فى الدعوى البولصية ، وإذا كانت المحكمة قد قصرت بحثها على الدعوى غير المباشرة ، واعتبرت مصادقة المدين نافذة فى حقه بمقولة أنه لم يرفع الدعوى البولصية ، فأنها تكون قد أغفلت الفصل فى دفاعه ويكون حكمها قد أخطأ فى تكييف هذا الدفاع ، وتعين نقضه ( نقض مدنى 2 فبراير سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 61 ص 220 )  .

( [1883] ) انظر حكم محكمة النقض المتقدم ويقول أنه ليس من الضرورى أن ترفع الدعوى البولصية استقلالاً ، بل يصح رفعها كدعوى عارضة أو إثارتها كمسألة أولية ( نقض مدنى 2 فبراير سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 61 ص 220 )  . وقضت محكمة النقض أيضًا بأنه لما كانت الدعوى البولصية يقصد بها عدم نفاذ التصرف الصادر من المدين فى حق دائنه ، كان من الجائز إثارتها كدفع للدعوى التى يرفعها المتصرف إليه بطلب نفاذ هذا التصرف ، ولا يلزم أن ترفع فى صورة دعوى مستقلة  . ولا يغير من هذا أن يكون التصرف مسجلاً ، فإن تسجيله لا يحول دون أن يدفع الدائن فى مواجهة المتصرف إليه الذى يطلب تثبيت ملكيته استنادًا إلى عقده المسجل بالدعوى البولصية ، إذ ليس من شأن تسجيل التصرف أن يغير من طريقة إعمال هذه الدعوى ولا الآثار المترتبة عليها ( نقض مدنى 30 مارس سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 97 ص 388 ـ انظر أيضًا : نقض مدنى 14 فبراير سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 84 ص 496 ـ استئناف مصر 21 أبريل سنة 1935 المحاماة 16 رقم 76 ص 164 )  . وقضت محكمة بنى سويف الكلية ( حكم استئنافى ) بأنه لا يوجد ما يمنع من رفع الدعوى البولصية بصفة دعوى فرعية ، فإذا رفعت دعوى استحقاق العقار أثناء نظر دعوى نزع الملكية ، جاز للدائن الذى طلب نزع الملكية أن يطعن فى دعوى فرعية فى العقد الذى بنيت عليه دعوى الاستحقاق لأنه صدر من المدين إضرارًا به ( 17 مارس سنة 1908 مجموعة رسمية 1 رقم 6 ص ( [1883] ) )  .

( [1884] ) وهذا ما جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد : " أما الدعوى الثانية : وهى الدعوى البولصية ، فقد عدل المشروع أحكامها تعديلاً جوهريًا من وجوه عدة  . فقد جعل منها إجراء جماعيًا مشتركًا بين الدائنين ( الصحيح أنها لا تزال إجراء فرديًا يتخذه أى دائن مستقلاً عن الدائنين الآخرين ، ولكن فائدة الدعوى هى التى أصبحت جماعية مشتركة لا يستقل بها دائن دون آخر ) بعد أن كانت إجراء فرديًا فى أحكام التقنين الحالى ( السابق ) ، فلا يقتصر نفعها فى وضعها الجديد على من يرفعها من الدائنين ، بل يشمل سائر الدائنين الذين تتوافر فيهم شرائط استعمالها  .  .  . وقد بسط المشروع كذلك من نطاق فكرة التصرف المدخول الذى يجوز الطعن فيه باستعمال تلك الدعوى ، فلم يعد أمرها قاصرًا على التصرف المفقر بمعناه الضيق الجامد كما استقر فى التقاليد ، بل جاوز ذلك إلى ما يستتبع زيادة التزامات المدين أو انقاص حقوقه من ضروب التصرفات  .  .  . وقد أجاز المشروع أيضًا أن يطعن من طريق الدعوى البولصية فى الوفاء الحاصل من المدين المعسر وإيثاره أحد دائنيه بالأفضلية بغير حق  .  .  . ويلاحظ من ناحية أخرى أن المشروع عمد إلى الأخذ بأسباب التيسير والتبسيط فى كل ما يتعلق بالإثبات ، فيسر أمر إقامة الدليل على إعسار المدين وغشه واشتراك الخلف الأول والخلف الثانى فى هذا الغش  .  .  . ثم أنه هيأ مخرجًا للخلف ، فعصمه من آثار الدعوى إذا قام بالوفاء بحق الدائن أو قام بإيداع الثمن  .  .  . وأنشأ تقادمًا مدته سنة ( أصبح ثلاث سنوات بتعديل من لجنة مجلس الشيوخ ) ، حتى لا يطول أمد الفترة التى يظل مصير التصرف فيها رهينًا بمباشرة الدعوى  . ومهما يكن مبلغ ما أدخل على الدعوى البولصية من تعديل فهى لا تعدو أن تكون تنظيمًا جزئيًا لإعسار المدين بالنسبة لتصرف معين صدر منه ، وهى بوضعها هذا لا تغنى عن تنظيم أعم وأشمل يتناول حالة لإعسار فى جملتها " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 604 ـ ص 605 )  .

( [1885] ) تاريخ النصوص :

م 237 : ورد هذا النص فى المادة 316 من المشروع التمهيدي على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد  . وأقرته لجنة المراجعة ، وأصبح المادة 244 فى المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 237 ( مجموعة الأعمال التضحيرية 2 ص 612 ـ ص 614 )  .

م 238 : ورد هذا النص فى المادة 317 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد ، فيما عدا عبارة : " أو كان ينبغى أن يعلم ذلك " وردت فى المشروع التمهيدى فى آخر الفقرة الأولى ، وفيما عدا عبارة " فلا يصح الدائن أن يتمسك بعدم نفاذ التصرف إلا إذا كان الخلف الثانى يعلم غش المدين وعلم الخلف الأولى بهذا الغش إن كان المدين قد تصرف بعوض " وهى الواردة فى الفقرة الثالثة ، فإنها وردت فى المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " فلا يصح للدائن أن يتمسك بعدم نفاذ التصرف إلا إذا كان الخلف الثانى يعلم غش المدين وقت تصرفه للخلف الأول إن كان المدين قد تصرف بعوض "  . وقد أقرت لجنة المراجعة النص بعد أن حذفت عبارة " وكان ينبغى أن يعلم ذلك " من آخر الفقرة الأولى ، وأصبح رقم النص المادة 245 فى المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب  . وفى لجنة مجلس الشيوخ استبدلت عبارة : " فلا يصح للدائن أن يتمسك بعدم نفاذ التصرف إلا إذا كان الخلف الثانى يعلم غش المدين وعلم الخلف الأول بهذا الغش إن كان المدين قد تصرف بعوض " بالعبارة المقابلة التى وردت فى المشروع التمهيدى ، وذلك حتى " لا يكون عقد الخلف الثانى معرضًا للطعن إلا إذا كان عالمًا بعيب التصرف الأول من جهة المدين والخلف الأول "  . وأصبح رقم المادة 238  . ووافق عليها مجلس الشيوخ كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 615 ـ ص 618 )  .

م 239 : ورد هذا النص فى المادة 318 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " إذا ادعى الدائن إعسار المدين ، وأثبت مقدار ما فى ذمته من ديون ، كان على المدين أن يثبت أن له مالاً يساوى قيمة الديون أو يزيد عليها "  . وفى لجنة المراجعة حور النص تحويرًا جعله مطابقًا لما استقر عليه فى التقنين الجديد ، ليكون أدل على المعنى المقصود ، وأصبح رقم المادة 246 فى المشروع النهائى  . ووافق عليها مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 239 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 619 ـ ص 620 )  .

م 242 : ورد هذا النص فى المادة 322 من المشروع التمهيدى على وجه يكاد يكون مطابقًا لما استقر عليه فى التقنين الجديد  . وأقرته لجنة المراجعة بعد إدخال بعض تعديلات لفظية ، ووافق عليه مجلس النواب  . ثم وافقت عليه لجنة مجلس الشيوخ تحت رقم 242 ، وقد اعترض فى هذه اللجنة على ما جاء بالنص من بطلان الوفاء بحجة أن التقنين السابق يجعل الوفاء صحيحًا ، فأجيب بأن قرينة الغش متوافرة قطعًا ، وهذا ما يبرر الحكم الوارد فى النص ، ثم أقره مجلس الشيوخ ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 628 ـ ص 630 )  .

م 243 : ورد هذا النص فى المادة 323 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد ، فيما عدا إحدى مدتى التقدم التى حددت بثلاث سنوات فقد كانت سنة واحدة فى المشروع التمهيدي ووافقت لجنة المراجعة على النص كما هو ، وأصبح رقمه المادة 250 فى المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب  . وفى لجنة مجلس الشيوخ اقترح بعض حضرات مستشارى محكمة النقض أن تكون إحدى مدتى تقادم الدعوى البولصية ثلاث سنوات بدلاً من سنة واحدة ، تبدأ من تاريخ علم الدائن بحصول التصرف أو من تاريخ شهره وليس من تاريخ علمه بسبب عدم نفاذ التصرف ، فرأت اللجنة الأخذ بالاقتراح فى شقه الأول وزادت مدة التقادم إلى ثلاث سنوات توخيًا للتيسير ، ولم تأخذ بالشق الثانى منه لأن الدائن قد يعلم بصدور التصرف ولكن لا يعلم الأسباب التى تستتبع عدم نفاذه فى حقه ، وأصبح رقم النص 243  . ووافق عليه مجلس الشيوخ كما عدلته لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 630 و ص 634 ـ ص 635 )  .

( [1886] ) نصوص التقنين المدنى السابق : م 143 / 204 : " للدائنين فى جميع الأحوال الحق فى طلب إبطال الأفعال الصادرة من مدينهم بقصد ضررهم ، وفى طلب إبطال ما حصل منهم من التبرعات وترك الحقوق إضرارًا بهم "  .

م 556 / 680 : " لا يجوز الطعن من الدائنين فى تصرف مدينهم فى أمواله بمقابل إلا إذا كان التصرف حاصلاً للإضرار بحقوقهم "  .

م 53 / 76 : " لا يجوز لأحد أن يوقف ماله إضرارًا بمداينيه ، وإن وقف كان الوقف لاغيًا "  .

م 74 مختلط ( لا مقابل لها فى التقنين الأهلى ) : " لا يجوز لأحد أن يهب شيئًا إضرارًا بمداينيه الموجودين وقت الهبة "  .

وقد قدمنا ما استحدث التقنين المدنى الجديد من تعديلات هامة فى الدعوى البولصية  . وانظر فى العيوب العديدة التى تشوب نصوص التقنين المدنى السابق نظرية العقد للمؤلف فقرة 728 )  .

( [1887] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 238 ـ 240 و 243 ـ 244 ( مطابقة لنصوص التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى م 263 ـ 265 و 268 ـ 269 ( مطابقة لنصوص التقنين المدنى المصرى )  . وانظر فى شرح نصوص التقنين المدنى العراقى الدكتور حسن على الذنون فى أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى ص 81 ـ ص 96  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 240 ـ 242 و 245 ـ 246 ( مطابقة لنصوص التقنين المدنى المصرى )  .

تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م 278 : يحق للدائنين الذين أصبح دينهم مستحق الأداء أن يطلبوا بأسمائهم الخاصة فسخ العقود التى عقدها المديون لهضم حقوقهم ، وكانت السبب فى إحداث عجزه عن الإيفاء أو تفاقم هذا العجز  . أما العقود التى لم يكن بها المديون إلا مهملاً للكسب فلا تنالها دعوى الفسخ  . وهذه الدعوى المسماة " بالدعوى البوليانية " يجوز أن تتناول أشخاصًا عاقدهم المديون خدعة  . غير أنه لا تصح إقامتها على الأشخاص الذين نالوا حقوقهم مقابل عوض إلا إذا ثبت اشتراكهم فى التواطؤ مع المديون  . ولا يستفيد من نتائج هذه الدعوى إلا الشخص أو الأشخاص الذين أقاموها ، وذلك على قدر ما يجب لصيانة حقوقهم  . أما فيما زاد عنها فيبقى العقد قائمًا ، ويستمر على إنتاج جميع مفاعيله ، وتسقط هذه الدعوى بمرور الزمن بعد عشر سنوات  .

( وتنظيم الدعوى البولصية فى القانون اللبنانى أقرب إلى التنظيم الذى أخذ به القانون الفرنسى ، ويختلف عن القانون المصرى فى بعض مسائل ، أهمها أن القانون اللبنانى لا يجعل الدعوى تفيد إلا الدائن الذى رفعها دون غيره من الدائنين ، وأن مدة التقادم فى هذا القانون هى عشر سنوات  . ولم يبين تقنين الموجبات والعقود اللبنانى ما إذا كان يجوز الطعن بالدعوى البولصية فى التصرف الذى يزيد فى التزامات المدين ، ومتى يجوز الطعن بهذه الدعوى فيما يقوم به المدين من أعمال الوفاء بالدين ـ انظر فى الدعوى البولصية فى القانون اللبنانى الدكتور صبحى المحمصانى فى آثار الالتزام فى القانون المدنى اللبنانى ص 61 ـ ص 67 )  .

( [1888] ) وقد لخصت محكمة النقض شروط الدعوى البولصية على الوجه الآتى : إذا كانت محكمة الاستئاف قد استخلصت من وقائع الدعوى ما استدلت منه على إعسار المدين المتصرف وسوء نيته هو والمتصرف له وتوائطهما على الإضرار بالدائن ، ثم طابقت ما استخلصته من ذلك وبين المعانى القانونية لأركان الدعوى البولصية ، وهى كون دين رافع الدعوى سابقًا على التصرف المطلوب إبطاله وكون هذا التصرف أعسر المدين وكون المدين والمتصرف له سيئ النية متواطئين على الإضرار بالدائن ، ثم قضت بعد ذلك بإبطال التصرف ، فذلك حسبها ليكون حكمها سديد مستوفى الأسباب ( نقض مدنى 16 أبريل سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 348 ص 1095 ـ انظر أيضًا استئناف مصر 21 يونيه سنة 1950 المحاماة 31 رقم 171 ص 573 )  .

( [1889] ) نقض مدنى 5 أبريل سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 112 ص 674 ( حيث وردت فى الحكم عبارة " دين محقق الوجود " ويراد بها " دين مستحق الأداء " ) ـ نقض مدنى 14 فبراير سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 84 ص 496 ( حيث يصرح الحكم بأن الدين يجب أن يكون مستحق الأداء ) ـ ومن كان حقه صوريًا لا يجوز له الطعن فى تصرفات مدينه بالدعوى البولصية ( استئناف مختلط 7 مارس سنة 1939 م 51 ص 1085 ) وكذلك لا يستطيع استعمال الدعوى غير المباشرة  .

( [1890] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 632  .

( [1891] ) استئناف أهلى 28 يناير سنة 1897 الحقوق ( [1891] ) ص 105 ـ استئناف مختلط 20 يونيه سنة 1895 م 7 ص 351 ـ 20 ديسمبر سنة 1899 م ( [1891] ) ص 51 ـ 16 ديسمبر سنة 1930 م 43 ص 84 ـ ويعتبر حق الكفيل فى الرجوع على المدين المكفول خاليًا من النزاع منذ يعلن الدائن الكفيل بوفاء الدين ، ولذلك يجوز للكفيل فى هذا الوقت أن يطعن فى تصرفات المدين بالدعوى البولصية ( محكمة المنصورة المختلطة 25 فبراير سنة 1913 جازيت 3 رقم 205 ص 109 ) ـ وإذا كان حق الدائن غير خال من النزاع ، ثم صدر حكم ابتدائى بحسم النزاع لصالحه ، واستأنف المدين الحكم ، فإن الدعوى البولصية توقف حتى يبت فى الاستئناف الذ يتوقف عليه مصير الحق ( استئناف مختلط 16 ديسمبر سنة 1930 م 43 ص 84 )  .

( [1892] ) لوران 16 فقرة 459 ـ هيك 7 فقرة 219 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 686 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 955 ـ دى هلتس 1 فى الدعوى البولصية فقرة 49  .

( [1893] ) وسنرى أنه يشترط فى المدين أن يكون معسرًا  . ولا تعارض بين إعسار المدين وبقاء أجل الدين فى الدعوى البولصية لسببين : ( 1 ) الأجل لا يسقط بمجرد الإعسار ، بل يجب لسقوطه أني صدر به حكم كما سنرى ، فجاز أن يكون المدين معسرًا ، دون أن يسقط الأجل ، إذا لم يصدر حكم بالأعسار  . ( 2 ) وللإعسار فى الدعوى البولصية ، فوق ذلك ، معنى عمل ينطوى على كثير من المرونة ، إذ يعتبر إعسارًا فى هذه الدعوى إلا يكون للمدين مال ظاهر يفى بجميع ديونه حتى لو كان له مال غير ظاهر يفى بجميع الديون ، أو مال ظاهر ولكن يتعذر التنفيذ عليه  . كذلك يعتبر إعسارًا أن يتصرف المدين فى عين من أعيان تركة مستغرقة بالديون ، حتى لو كان عنده أموال شخصية تفى بديون التركة ـ ففى جميع هذه الأحوال لا يسقط الأجل وإن توافر شرط الإعسار لرفع الدعوى البولصية ، فلا يجوز عندئذ للدائن رفعها لأن حقه غير مستحق الأداء  .

( [1894] ) بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 955  .

( [1895] ) إذ لا يجوز أن يكون الرهن أو الامتياز الذى أريد به تقوية حق الدائن سببًا فى إضعاف هذا الحق ، وحرمان الدائن مما هو ثابت لسائر الدائنين ( ديمولومب 25 فقرة 228 ـ لوران 16 فقرة 457 ـ هيك 7 فقرة 219 ـ أوبرى ورو 4 فقرة 313 ص 193 ـ ص 194 وهامش رقم 2 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 683 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 954 ـ دى هلتس 1 فى الدعوى البولصية فقرة 47 ـ فتحى زغلول ص 369 )  .

فإذا كان الشئ الذى تصرف فيه المدين هو غير الشئ الذى ثبت عليه حق الرهن أو حق الامتياز فالأمر ظاهر ، لأن الدائن ذا التأمين العينى يعتبر دائنًا شخصيًا بالنسبة إلى هذا الشئ  . ولكن يشترط فى هذه الحالة أن الشئ الذى ترتب عليه التأمين العينى يكون غير واف بالدين حتى يتحقق الضرر من التصرف المطعون فيه ( استئناف مختلط 2 نوفمبر سنة 1916 م 29 ص 29 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 683 ص 705 )  . أما إذا كان الشئ الذى تصرف فيه المدين هو الذين ترتب عليه التأمين العينى ، فللدائن صاحب هذا التأمين أن يطعن كذلك فى التصرف حتى لا يكون مضطرًا إلى تتبع الشئ فى يد الغير فيعرضه ذلك إلى خطر التطهير ( انظر فى مبررات أخرى استئناف مختلط 13 فبراير سنة 1896 م 8 ص 120 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 683 ص 704 هامش رقم 5 ـ انظر عكس ذلك : استئناف مختلط 9 مارس سنة 1916 م 28 ص 195 ـ 8 مايو سنة 1919 م 31 ص 292 )  . ويستطيع الدائن صاحب التأمين العينى الطعن فى التصرف حتى بعد أن يمتنع عن زيادة العشر فى إجراءات التطهير أو حتى بعد أن يزيد العشر ، وحتى بعد أن يبدأ فى التنفيذ بحقه على ثمن العين ( ديمولومب 25 فقرة 228 ـ هيك 7 فقرة 219 ـ لوران 16 فقرة 457 ـ أوبرى ورو 4 فقرة 317 هامش رقم 2 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 683 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 954 )  . ويتبين مما تقدم أن المدين إذا تصرف فى الشئ المرهون ، فشرط الإعسار يأخذ معنى جديدًا ، ويكفى لتوافر هذا الشرط أن يفوت الدائن التنفيذ على العين المرهونة ذاتها ( نظرية العقد للمؤلف فقرة 731 ص 780 هامش رقم 1 )  .

( [1896] ) وكذلك يجوز للدائن فى حساب لم تنته تصفيته أن يطعن فى تصرف صدر من مدينه بالدعوى البولصية  .

( [1897] ) وقد يكون الدائن الذى يطعن فى تصرف المدين دائنًا لشركة تضامن ويكون التصرف الذى يطعن فيه صادرًا من شريك غير مدين له شخصيًا ( استئناف مختلط 7 يونيه سنة 1900 م ( [1897] ) ص 318 )  . ويجوز للحارس القضائى المعين بناء على طلب الدائنين أن ينضم للدائن فى الدعوى البولصية ( استئناف مختلط 6 يونيه سنة 1901 م 13 ص 360 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 731 ص 780 هامش رقم 1 )  .

( [1898] ) كذلك إذا وفى المدين بدين غير مستحق عليه ، فإن الوفاء مع أنه تصرف قانونى يكون عادة مصحوبًا بغلط ، أى أن المدين يكون حسن النية ، فلا يجوز للدائن الطعن فى هذا الوفاء بالدعوى البولصية لتخلف شرط الغش  . ولكن يجوز للدائن فى هذه الحالة أن يستعمل ، بالدعوى غير المباشرة ، حق المدين فى استرداد غير المستحق  .

( [1899] ) وقد نص التقنين المدنى السابق ( م 53 / 76 ) صراحة على الوقف ( استئناف أعلى 5 يناير سنة 1899 م 19 ص 192 )  .

( [1900] ) بودرى وبارد 1 فقرة 692 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 943  .

( [1901] ) ويلاحظ أن الهبة والبيع فى مرض الموت يأخذان حكم الوصية ، فلا يحتاج الدائن إلى الطعن فيهما ولا فى الوصية ، فإنه يستوفى حقه من التركة قبل استيفاء الموصى له للوصية ( نظرية العقد للمؤلف فقرة 733 ص 791 هامش رقم 6 )  .

( [1902] ) استئناف مختلط 17 مارس سنة 1921 م 33 ص 220 ـ ويجوز الطعن فى الصلح بالدعوى البولصية حتى بعد تصديق المحكمة عليه ( استئناف مختلط 19 مارس سنة 1918 م 20 ص 291 )  .

( [1903] ) كما إذا أمن المدين لمصلحة أحد الدائنين أو لمصلحة أولاده ، فللدائن إذا نجح فى الدعوى البولصية أن ينفذ على أقساط التأمين التى خرجت من مال المدين ، لا على مبلغ التأمين الذى هو حق مباشر للمشترط لهم  .

( [1904] ) وقد قضت محكمة الإسكندرية الكلية الأهلية بأنه وإن كانت المادة 460 مدنى ( 842 جديد ) تجيز لأرباب الديون الشخصية التى على أحد الشركاء الدخول فى دعوى القسمة القائمة بين الشركاء ، فإن القسمة التى تحصل بدون حضورهم لا تعتبر لاغية ، بل يجوز إلغاؤها بناء على طلبهم إذا ثبت أنها أضرت بحقوقهم ( ( [1904] ) أكتوبر سنة 1920 المجموعة الرسمية 22 رقم 18 / 1 )  . انظر أيضًا فى هذا المعنى : استئناف مختلط 20 فبراير سنة 1890 م 2 ص 232 ـ 15 فبراير سنة 1912 م 24 ص 141 ـ 4 مايو سنة 1916 م 28 ص 300 ـ 23 أكتوبر سنة 1917 م 30 ص 5 ـ 6 أبريل سنة 1920 م 32 ص 256 ـ 21 يونيه سنة 1928 م 40 ص 452  .

( [1905] ) استئناف مختلط ( [1905] ) يوليه سنة 1902 م 14 ص 346 ـ 2 يونيه سنة 1915 م 27 ص 381 ـ 4 يونيه سنة 1929 م 41 ص 428 ـ الأستاذ عبد الحميد أبو هيف فى المرافعات فقرة 1287 ـ الأستاذ عبد الحى حجاز 3 ص 203 ـ ديمولومب 25 فقرة 157 ـ لوران 16 فقرة 472 ـ هيك 7 فقرة 224 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 693 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 994  .    

( [1906] ) وغنى عن البيان أن التصرف هنا معناه التصرف القانونى دون العمل المادى ، فإذا نزع المدين من العقار المرهون رهنًا رسميًا بعض توابعه التى اعتبرت عقارًا بالتخصيص وشملها الرهن على هذا الأساس ، فإن هذا العمل المادى لا يطعن فيه بالدعوى البولصية ، ولكنه باعتباره عملاً ينقص من ضمان الدائن قد يكون سببًا فى حلول أجل الدين أو فى مطالبة الدائن المدين لتأمين تكميلى ، كما تقضى بذلك الفقرة الأولى من المادة 1048 مدنى ( قارن مع ذلك ديموج 7 فقرة 1061 حيث يرى جواز الطعن بالدعوى البولصية فى هذه الحالة )  .

( [1907] ) استئناف مختلط 26 فبراير سنة 1902 م 14 ص 158  . انظر فى القانون الرومانى جاييس 2 فقرة 195  .

( [1908] ) كذلك يجوز الطعن فى قبول المدين لحكم صدر ضده ( استئناف مختلط 17 مارس سنة 1936 م 48 ص 191 ) وفى إجازة المدين لتصرف كان قابلاً للأبطال ( استئناف مختلط 3 مايو سنة 1938 م 50 ص 274 )  .

( [1909] ) بودرى وبارد 1 فقرة 656 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 942 ـ الأستاذ عبدالسلام ذهنى فقرة 344 ـ قارن دى هلتس 1 فى الدعوى البولصية فقرة 44 ـ فقرة 45 ديمولومب 25 فقرة 166 ص 161 ـ وانظر عكس ذلك : مسينا 3 فقرة 718 ص 324 ـ استئناف مختلط 15 فبراير سنة 1912 م 24 ص 142 ـ 15 يونيه سنة 1916 م 28 ص 433  .

انظرو فى إمكان الطعن فى رفض المدين لربح أصابه من رهان أو " يانصيب " ، وهو ربح أصبح ملكًا له فرفضه يكون إنقاصًا لحقوقه ، إلى دى هلتس 1 فى الدعوى البولصية فقرة 46  .

( [1910] ) وغنى عن البيان أننا نفترض أن المدين عندما اقترض أخفى ما اقترضه ، وإلا لما كان القرض سببًا فى إعساره أو فى زيادة إعساره متى وجد مبلغ القرض فى ماله ، إذ يكون فى هذه الحالة قد اغتنى بقدر ما افتقر ، فلا يكون للقرض أثر فى إعساره  . وعلى هذا النحو يعلل بعض الفقهاء فى فرنسا كيف أن زيادة الالتزامات ليست عرضة للطعن فيها بالدعوى البولصية ، هذا ما لم يكن المدين قد شاطر الدائن ما اقترضه ، فيكون القرض فى هذه الحالة سببًا فى افتقاره ( بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 1424 )  . 

( [1911] ) بودرى وبارد 1 فقرة 709 ص 732 وفقرة 670 ـ قارن أيضًا بلانيول وربيير وبولانجيه 2 فقرة 308 ، ثم أن القضاء والفقه فى فرنسا يجيزان للدائن أن يطعن فى قبول الوارث المدين لتركه معسرة أو فى قبول الزوجة المدينة للروكية المعسرة  . واعتراض الدائن على عمل مدينه فى هذا القبول إنما يقوم على أن المدين يزيد فى التزاماته بأكثر مما يزيد فى حقوقه ، بحيث أن زيادة الالتزامات على الحقوق يترتب عليها إعساره هو  . فالعمل الذى يطعن فيه الدائن هو إذن زيادة المدين لالتزاماته ( نقض فرنسى 26 أبريل سنة 1869 داللوز 69 ـ 1 ـ 239 ـ ديمولومب 14 فقرة 557 و 17 فقرة 114 و 25 فقرة 155 ـ لوران 9 فقرة 364 و 16 فقرة 478 ـ بودرى وقال فى الميراث 2 فقرة 1680 ـ فقرة 1681 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 692 ص 716 بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 945 ـ دى باج 3 فقرة 219 ص 222 ـ ص 223 )  .

( [1912] ) ديمولومب 25 فقرة 224 ـ أوبرى ورو 4 فقرة 313 ص 201 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 945 ـ دى هلتس 1 فى الدعوى البولصية فقرة 24 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 734  .

( [1913] ) نظرية العقد فقرة 734 ص 796  .

( [1914] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 631  .

( [1915] ) بيدان ولا جارد 8 فقرة 648 ـ والعبرة بتاريخ التصرف الذى زاد فى التزامات المدين ، فإن كان هذا التصرف قد صدر قبل 15 أكتوبر سنة 1949 لم يجز الطعن فيه بالدعوى البولصية تطبيقًا لأحكام التقنين المدنى السابق ، وإلا جاز الطعن فيه تطبيقًا لأحكام التقنين المدنى الجديد  .

( [1916] ) استئناف مختلط 30 مايو سنة 1895 م 7 ص 346 ـ 17 مارس سنة 1920 جازيت 10 رقم 189 ص 141  .

( [1917] ) بودرى وبارد 1 فقرة 669 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 935  .

( [1918] ) الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 115 ص 154 ـ وقد يكون من أعطى الضمان كفيلاً عينيًا ، فإذا كان الدائن قد أدى للمدين مقابلاً لهذا الضمان ، بأن مد مثلاً فى أجل الدين أو منح المدين أجلاً جديدًا أو حط جزءًا من الدين ، فإن التصرف يعتبر معاوضة بالنسبة إلى الدائن وإن كان يعتبر تبرعًا بالنسبة إلى الكفيل العينى  . والعبرة فى الدعوى البولصية بمن حصل له التصرف ، فتكون العبرة هنا بالدائن الذى حصل على الضمان ، ويكون التصرف معاوضة  . فيشترط إذن ، حتى يطعن دائنو الكفيل العينى فى تصرفه بالدعوى البولصية ، أن يثبتوا غش الكفيل العينى وغش الدائن الذى حصل منه على الضمان ( استئناف مختلط 31 يناير سنة 1912 م 24 ص 117 ـ 7 مارس سنة 1912 م 24 ص 177 ـ 30 مايو سنة 1914 م 26 ص 402 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 935 ص 266 وقارن فقرة 950 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 735 ص 803 هامش رقم 1 ـ قارب أوبرى ورو 4 فقرة 313 ص 209  .

( [1919] ) دى هلتس 1 فى الدعوى البولصية فقرة 23 ـ هالتون 1 ص 342 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 735 ص 803 هامش رقم 1 ـ استئناف مختلط ( [1919] ) فبراير سنة 1890 م 2 ص 373 ـ 13 مارس سنة 1890 م 2 ص 396 ـ انظر أيضًا : ديمولومب 25 فقرة 225 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 695 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 948  .

( [1920] ) نظرية العقد للمؤلف فقرة 735 ص 803 هامش رقم 1 ـ انظر أيضًا بلانيول وريبير ورد وان 7 فقرة 948 ، وقارن بودرى وبارد 1 فقرة 695 حيث يكتفيان بجعل الدائن الذى استوفى حقه قبل الأجل يرد الفوائد القانونية عن المدة التى كانت باقية من الأجل  .    

( [1921] ) أما الوفاء بمقابل ( dation en paiement ) فكان ، فى عهد التقنين المدنى السابق ، يجوز الطعن فيه بالدعوى البولصية إذا كان المقابل الذى أخذه الدائن يزيد كثيرًا على حقه ، بحيث يستخلص من ذلك تواطؤ المدين مع الدائن للأضرار بالدائنين الآخرين ( استئناف مختلط 15 يونيه سنة 1916 م 28 ص 433 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 735 ص 803 هامش رقم 1 وانظر : بودرى وبارد 1 فقرة 695 ـ بلانيول وريبير ورد وان 7 فقرة 949 )  . أما إذا كان الدائن لم يأخذ مقابلاً لحقه إلا قيمة تعادله ، فلا يجوز الطعن فى الوفاء بمقابل ( استئناف أهلى 17 مايو سنة 1916 الشرائع 3 رقم 191 / 2 ص 555 ـ 27 مارس سنة 1918 المجموعة الرسمية 20 رقم 19 ص 84 ـ استئناف مختلط 3 يناير سنة 1901 م 13 ص 79 ـ 17 أبريل سنة 1912 م 24 ص 287 ـ 30 مايو سنة 1914 م 26 ص 402 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 735 ص 803 هامش رقم 1  . وانظر : لوران 16 فقرة 481 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 663 )  . وقد قضت محكمة النقض بأن القول بانتفاء التواطؤ المبطل لتصرف المدين فى حق الدائن كلما كان التصرف صادرًا إلى دائن توفية لدينه غير صحيح على إطلاقه ، إذ هو ، إن صح فى حالة تعادل مبلغ الدين وقيمة المبيع ، لا يصح فى حالة تفاوتهما تفاوتًا من شأنه أن يفيد أن التصرف لم يكن مجرد توفية دين فحسب ( نقض مدنى 9 يونيه سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 432 ص 796 ـ قارن أول أبريل سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 42 ص 103 )  .

أما فى عهد التقنين المدنى الجديد فنرى أن الوفاء بمقابل يأخذ حكم الوفاء : فإن كان الوفاء بمقابل قد حصل قبل حلول الأجل ، فإنه يجوز الطعن فيه بالدعوى البولصية ، حتى لو كان المقابل يعادل مبلغ الدين ، وحتى لو لم يثبت الغش  . وإن كان الوفاء بمقابل قد حصل عند حلول الأجل ، فإنه يجوز الطعن فيه بالدعوى البولصية إذا ثبت الغش ، حتى لو كان المقابل يعادل مبلغ الدين  . والعبرة بوقت حصول الوفاء أو الوفاء بمقابل ، فإن حصل قبل 15 أكتوبر سنة 1949 طبقت أحكام التقنين السابق ، وإلا طبقت أحكام التقنين الجديد  .

( [1922] ) انظر فى تفضيل دائن على آخر وفى الوفاء لأحد الدائنين المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 631 ـ 632  .

( [1923] ) وتقضى هذه المادة بأنه يجب على من يتمسك بأن الحق قد تقادم بسنة أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلاً ، فمضى السنة وحدة لا يقضى الدين ، بل لابد فوق ذلك من يمين المدين ، فإذا رفض المدين حلف اليمين وأقر بالدين ، لم يكن بإقراره هذا قد زاد فى التزاماته ، بل يكون قد امتنع من انقاصها  . ثم أن دائنيه ، خلافًا لما تقضى به الفقرة الأولى من المادة 387 مدنى ، لا يجوز لهم باسمه أن يتمسكوا بالتقادم ، ولا أن يحلفوا اليمين مكانه ، فإن هذا أمر شخصى يتعلق بذمة المدين  .

وإذا أبرأ دائن ذمة المدين من الدين ، فرد المدين الإبراء ، كان هذا الرد وفقًا للتقنين المدنى الجديد تصرفًا مفقرًا يجوز الطعن فيه بالدعوى البولصية ، لأن الإبراء فى هذا التقنين تصرف يتم بإرادة الدائن وحده ، فبمجرد صدوره من الدائن يسقط الدين ، فإذا رد المدين الإبراء عاد الدين ، فيكون المدين برد الإبراء قد زاد فى التزاماته  . أما الإبراء فى التقنين المدنى السابق فكان لا يتم إلا بإيجاب من الدائن وقبول من المدين ، فرفض المدين للإبراء كان عندئذ يعد امتناعًا عن إنقاص التزاماته ، فلم يكن يجوز الطعن فيه بالدعوى البولصية ( نظرية العقد للمؤلف فقرة 734 ص 794 )  .

والنزول عن الميراث يعتبر فى فرنسا امتناعًا عن زيادة الحقوق ، وبذلك قضت محكمة الاستئناف الختلطة بالنسبة إلى الأجانب ( أول ديسمبر سنة 1932 م 45 ص 48 )  . أما فى الشريعة الإسلامية فنزول الوارث عن ميراثه يعتبر إنقاصًا لحقوقه  .        

( [1924] ) بودرى وبارد 1 فقرة 656 ص 662 ـ هالتون 1 ص 341 ـ دى هلتس 1 فى الدعوى البولصية فقرة 13 ـ والتون 2 ص 113 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 734 ص 794 ـ هذا إلى أنه لو فرض أن الدائن سمح له بالطعن فى عدم قبول المدين للهبة أو فى إقراره بالدين بعد تقادمه بسنة واحدة ، فإن هذا الطعن لا يعود بفائدة على الدائن ، لأنه بعد ذلك لا يستطيع أن يقبل الهبة أو أن يتمسك بالتقادم بسنة واحدة ، إذ القبول والتمسك فى هاتين الحالتين مجرد رخصة لا يجوز استعمالها باسم المدين ، وهما على كل حال متصلتان بشخص المدين ( بودرى وبارد 1 فقرة 656 ص 663 ـ 664 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 939 ـ فقرة 940 ـ بيدان ولاجارد 8 فقرة 647  .

( [1925] ) ويقابلها المادة 2225 من التقنين المدنى الفرنسى  .      

( [1926] ) ولما كان النزول عن التقادم بعد تمامه يعتبر تبرعًا ، فإن المادة 388 فقرة 2 مدنى لم تشترط غش المدين ، لأن الغش لا يشترط فى التبرعات  . أما فى التقنين المدنى السابق ( م 206 / 270 ) فقد كان النص يشترط غش المدين ( انظر فى تبرير ذلك نظرية العقد للمؤلف فقرة 735 ص 800 هامش رقم 2 ، وانظر مع ذلك استئناف مختلط 18 مايو سنة 1948 م 60 ص 108 حيث لا يشترط الحكم الغش للطعن فى النزول عن التقادم )  .

( [1927] ) بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 941 ـ كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 447 ـ وقارن بودرى وبارد 1 فقرة 656 ص 665 وفقرة 694 وبودرى وتيسييه فقرة 116 ـ فقرة 117 ، حيث يذهبون إلى أن التقادم فى ذاته يكسب الحق أو يسقط الالتزام ، وعلى ذلك تكون المادة 2225 من التقنين المدنى الفرنسى ( وهى التى تقابل المادة 388 من التقنين المدنى المصرى كما قدمنا ) ليست استثناء لا من قواعد الدعوى غير المباشرة ولا من قواعد الدعوى البولصية ، إذ المدين يكون قد كسب حقًا يستعمله مدينه نيابة عنه ، وبالنزول عنه يكون قد أنقص من حقوقه أو زاد فى التزاماته فيجوز الطعن بالدعوى البولصية ، وقد سبقت الإشارة إلى أن من رأى هؤلاء الفقهاء أن التصرف الذى يزيد به المدين من التزاماته يجوز الطعن فيه بالدعوى البولصية فى القانون الفرنسى  . وانظر فى هذه المسألة فى التقنين المدنى السابق نظرية العقد للمؤلف فقرة 734 ص 794 هامش رقم 1  .

( [1928] ) استئناف مختلط 6 نوفمبر سنة 1923 م 36 ص 8 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 928  .

( [1929] ) استئناف مختلط 28 ديسمبر سنة 1904 م 17 ص 47 ـ 10 مايو سنة 1927 م 39 ص 452 ـ بنى سويف الكلية 23 مايو سنة 1900 المجموعة الرسمية 2 ص 31 ـ بنى سويف الجزئية أول يوليه سنة 1903 المجموعة الرسمية 5 رقم 77 ـ شبين الكوم الجزئية 26 أكتوبر سنة 1903 المجموعة الرسمية 5 رقم 103  .

( [1930] ) نظرية العقد للمؤلف فقرة 732 ص 786 ـ ص 787  .

( [1931] ) نظرية العقد للمؤلف فقرة 732 ص 786 هامش رقم 2  . وانظر : بودرى وبارد 1 فقرة 698 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 946  .

( [1932] ) ديمولومب 25 فقرة 169 ـ لوران 16 فقرة 473 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 697 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 947 ـ على أنه يجوز الطعن فى تصرف صادر من المدين حتى لو كان هذا التصرف يتضمن استعمالاً لحق متصل بشخصه ، كما إذا اعترف ببنوة ولد ليس له حتى تجب عليه النفقة أضرارًا بالدائن ( نظرية العقد للمؤلف فقرة 733 ص 729 )  .

( [1933] ) استئناف أهلى 2 يوليه سنة 1891 الحقوق 6 ص 17 ـ استئناف مصر 6 ديسمبر سنة 1925 المحاماة 6 رقم 187 ص 233 ـ 14 أبريل سنة 1930 المحاماة 10 رقم 435 ص 864 ـ 19 مايو سنة 1930 المحاماة ( [1933] ) رقم 147 ص 267 ـ استئناف مختلط 5 ديسمبر سنة 1889 م 2 ص 46 ـ 20 يناير سنة 1890 م 2 ص 392 ـ 23 يناير سنة 1890 م 2 ص 106 ـ 5 يناير سنة 1894 م 6 ص 113 ـ ( [1933] ) مايو سنة 1897 م 9 ص 345 ـ 3 مارس سنة 1898 م 10 ص 171 ـ 7 يونيه سنة 1900 م ( [1933] ) ص 318 ـ 3 يناير سنة 1901 م 13 ص 79 ـ 17 مارس سنة 1910 م 22 ص 203 ـ 15 مايو سنة 1915 م 27 ص 328 ـ 2 نوفمبر سنة 1916 م 29 ص 29 ـ 10 يناير سنة 1918 م 30 ص 141 ـ 4 يونيه سنة 1918 م 30 ص 459 ـ 31 ديسمبر سنة 1928 م 41 ص 151 ـ ديرانتون 20 فقرة 573 ـ تولييه 6 فقرة 351 ـ ديمولومب 25 فقرة 232 ـ لوران 16 فقرة 460 ـ هيك 7 فقرة 219 ـ أوبرى ورو 4 فقرة 313 ص 198 ـ ص 199 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 687 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 956 ـ والتون 2 ص 114 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 731 ص 783 هامش رقم 1  .

( [1934] ) استئناف مختلط 25 مايو سنة 1916 م 28 ص 370 ـ 5 يناير سنة 1922 م 34 ص 104 ـ 25 مايو سنة 1937 م 49 ص 235 ـ لوران 16 فقرة 462 ـ هيك 7 فقرة 219 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 689 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 956 ـ والتون 2 ص 114 ـ ص 115 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 731 ص 783 هامش رقم 2  . ومثل ذلك أيضًا أن يقف المدين عقارًا ثم يقترض ( استئناف مختلط 22 يناير سنة 1944 م 54 ص 51 )  .

( [1935] ) جروبييه 2 فقرة 44 وما بعدها ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 956 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 731 ص 783 ـ ص 784 ـ انظر أيضًا المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 632 ـ أما فى التبرعات ، فى القانون المصرى ، حيث لا يشترط الغش ، فاشتراط تأخر تصرف المدين على حق الدائن إنما يكون عنصرًا من عناصر الضرر  .

( [1936] ) نظرية العقد للمؤلف فقرة 731 ص 784  .

( [1937] ) نظرية العقد للمؤلف فقرة 731 ص 782 هامش رقم 3  .

( [1938] ) استئناف مصر 30 ديسمبر سنة 1929 المحاماة 10 رقم 220 ص 442 ـ استئناف مختلط 31 ديسمبر سنة 1896 م 9 ص 101 ـ 15 مايو سنة 1915 م 27 ص 328 ـ 10 يناير سنة 1918 م 30 ص 141 ـ لوران 16 فقرة 461 ـ هيك 7 فقرة 217 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 688 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 957 ـ دى هلتس 1 فى الدعوى البولصية فقرة 53 ـ والتون 2 ص 114 ـ ص 115 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 731 ص 784 هامش رقم 2  .

ويلاحظ أن الحق الناتج من الحساب الجارى لا يعتبر وجوده من وقت افتتاح الحساب ، بل من وقت وجود الرصيد ( استئناف مختلط 4 يونيه سنة 1918 م 30 ص 459 )  .

( [1939] ) استئناف مصر 13 مارس سنة 1928 المحاماة 8 ص 891 رقم 536 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 690 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 957 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 731 ص 784 هامش رقم 2 ـ قارن الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الالتزامات ص 349  .

( [1940] ) قارن نظرية العقد للمؤلف فقرة 731 ص 784 هامش رقم 2  .

( [1941] ) قارن نظرية العقد للمؤلف فقرة 731 ص 784 هامش رقم 2  .

( [1942] )وهذا ما تقوله المذكرة الإيضاحية : " وقد كان فى الوسع أن يشترط ثبوت تاريخ الدين لإقامة الدليل على تقدمه على التصرف ، بيد أن المشروع آثر إغفال اشتراط ثبوت التاريخ اقتداء بالمشروع الفرنسى الإيطالى ، لاسيما أن القضاء المصرى قد جرى على ذلك  .  .  . والواقع أن الدائن يفاجأ فى أغلب الأحيان بالتصرف الضار دون أن يكون قد احتاط من قبل لإثبات تاريخ سند الدين  . ولكن من المسلم أن عبء إقامة الدليل على تقدم الدين ، بطرق الإثبات كافة ، يقع على عاتق الدائن " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 632 )  .

ويلاحظ أنه كان لا يكفى إغفال اشتراط ثبوت التاريخ ، بل كان يجب أن ينص المشرع صراحة على أن ثبوت التاريخ لا يشترط ليكون التاريخ حجة على المتصرف إليه ، كافعل المشروع الفرنسى الإيجالى ( م 107 فقرة أولى )  . فإن لم يوجد نص صريح فى هذا المعنى وجب تطبيق القواعد العامة ، وهذه تقضى بأن المتصرف إليه من الغير فلا يحتج عليه إلا بالتاريخ الثابت  . على أنه يمكن القول إن المتصرف إليه يكون عادة سيئ النية فى الدعوى البولصية ، ومتى أثبت الدائن سوء نيته جاز له أن يحتج عليه بالتاريخ غير الثابت ، لأن المتصرف إليه لا يستطيع أن يتمسك بوجوب أن يكون التاريخ ثابتًا إلا إذا كان حسن النية ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك ( انظر فى هذا المعنى بودرى وبارد 1 فقرة 691 ص 714 ، وقارب أو برى ورو 4 فقرة 313 ص 199 وهامش رقم 15 ـ وانظر عكس ذلك : لوران 16 فقرة 461 ـ بيدان ولاجارد 8 فقرة 640 )  .

( [1943] ) والراجح فى الفقه أن المتصرف له ، وهو معتبر من الغير ، لا يحتج عليه إلا بالتاريخ الثابت : بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 957 ص 228 ـ بيدان ولاجارد 8 فقرة 640 ـ كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 448 ـ جوسران 2 فقرة 696 ـ داللوز أنسيكلو بيدى ( action paulienne ) فقرة 38 ـ فقرة 39 ـ قارن أوبرى ورو 4 فقرة 313 ص 199 وهامش رقم 15 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 691 ص 714 ـ ديموج 7 فقرة 1057  .

وقد سار القضاء اللبنانى على عدم ضرورة التاريخ الثابت لحق الدائن ( قرار محكمة الاستئناف الغرفة الأولى 20 كانون الأول سنة 1948 رقم 500 ، النشرة القضائية 1949 ص 463 ـ الدكتور صبحى المحمصانى فى آثار الالتزام فى القانون اللبنانى ص 63 )  . وفى القانون العراقى يرى الدكتور حسن الذنون وجوب ثبوت التاريخ لحق الدائن ( أحكام الالتزام فى القانون العراقى ص 88 ـ ص 89 )  .

انظر فى هذه المسألة فى التقنين المدنى المصرى السابق : نظرية العقد للمؤلف فقرة 731 ص 784 ـ الأستاذ أحمد حشمت أبو ستيت فى نظرية الالتزام فقرة 643 ص 482 ـ الأستاذ محمد صادق فهمى فقرة 480 ، وفى التقنين المدنى الجديد الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام ص 152 ـ ص 153  .

( [1944] ) إلى حد الطعن بالتزوير بداهة  .

( [1945] ) انظر فى هذه المسألة آنفًا فقرة 119 ص 215 ـ ص 217  .

( [1946] )أما وارث المدين فلا يشترط فيه شئ من ذلك ، وهو لا يستطيع بيع عين من أعيان التركة إلا بعد سداد الديون ، ولا يجوز للمشترى من الوارث ، ولو سجل البيع ، أن يتطلب من دائن التركة توافر شروط الدعوى البولصية ( استئناف مصر 6 أبريل سنة 1941 المحاماة 22 رقم 46 ص 94 )  .

( [1947] ) استئناف أهلى 6 نوفمبر سنة 1912 المجموعة الرسمية 14 رقم 19 ص 35 ـ استئناف مصر 26 ديسمبر سنة 1925 المحاماة 6 رقم 187 ص 233 ـ 13 مارس سنة 1928 المحاماة 8 رقم 536 ص 891 ـ 14 أبريل سنة 1930 المحاماة 10 رقم 435 ص 864 ـ 19 مايو سنة 1930 المحاماة ( [1947] ) رقم 147 ص 267 ـ 17 مايو سنة 1934 المجموعة الرسمية 35 رقم 6 ص 141 ـ استئناف مختلط 20 فبراير سنة 1890 م 2 ص 392 ـ 2 أبريل سنة 1892 م 4 ص 227 ـ 31 ديسمبر سنة 1896 م 9 ص 101 ـ 14 مايو سنة 1903 م 15 ص 297 ـ 14 مارس سنة 1907 م 29 ص 178 ـ 17 مارس سنة 1910 م 22 ص 203 ـ 10 نوفمبر سنة 1910 م 23 ص 7 ـ 4 ديسمبر سنة 1913 م 26 ص 79 ـ 15 مايو سنة 1915 م 27 ص 328 ـ 15 يونيه سنة 1916 م 28 ص 433 ـ 10 يناير سنة 1918 م 30 ص 141 ـ 17 يونيه سنة 1920 م 32 ص 361 ـ 3 يونيه سنة 1922 م 34 ص 457 ـ 14 ديسمبر سنة 1922 م 35 ص 96 ـ 6 نوفمبر سنة 1923 م 36 ص 8 ـ 31 ديسمبر سنة 1928 م 41 ص 151 ـ 9 أبريل سنة 1929 م 41 ص 345  .

ديرانتون 10 فقرة 570 ـ ديمولومب 25 فقرة 176 ـ لوران 16 فقرة 434 ـ ماركاديه 4 فقرة 497 ـ أوبرى ورو 4 فقرة 313 ص 197 ـ ص 198 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 650 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 928 ـ والتون 2 ص 109 ـ نظرية العقد للمؤلف فقرة 732 ص 787 هامش رقم 2  .

( [1948] ) انظر : نقض مدنى 26 مايو سنة 1938 مجموعة عمر 2 رقم 125 ص 383  .

( [1949] ) استئناف مختلط 29 مايو سنة 1917 م 29 ص 454 ـ 9 أبريل سنة 1929 جازيت 19 رقم 263 ص 265 ـ ديمولومب 25 فقرة 178 ـ لوران 16 فقرة 435 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 650 ـ والتون 2 ص 109 ـ ص 110  .

( [1950] ) قارب نقض مدنى 13 يناير سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 367 ص 699  .

( [1951] ) قارن الأستاذ إسماعيل غانم فقرة 111 ، ويذهب إلى أن العبرة بالديون المستحقة لأداء كما فى حالة شهر الإعسار  .

( [1952] ) استئناف مختلط 15 مايو سنة 1915 م 26 ص 328 ـ ديمولومب 25 فقرة 184 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 655 ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 928  .

( [1953] ) استئناف مختلط 9 فبراير سنة 1937 م 49 ص 104  .

( [1954] ) ديموج 7 فقرة 1126  .

( [1955] ) لوران 24 فقرة 16 ـ جروبييه فقرة 263 وما بعدها ـ ريبير فى القاعدة الخلفية فى الالتزامات فقرة 170 ـ فقرة 171 ـ ديموج 7 فقرة 1080 وما بعدها ـ بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 937 ـ فقرة 938 ـ داللوز أنسيكلوبيدى 1 لفظ ( action paulienne ) فقرة 15 ـ فقرة 17 ـ دى هلتس 1 فى الدعوى البولصية فقرة 48 ويترتب على ما تقدم أنه إذا باع شخص عقارًا ولم يسجل المشترى ، ثم باعه ثانية من مشتر آخر ، وبادر المشترى الثانى إلى التسجيل متواطئًا مع البائع على الإضرار بالمشترى الأول ، أمكن لهذا الأخيرة أن يطعن فى البيع الثانى بالدعوى البولصية ، إذ أن حقه قد تركز فى العقار المبيع  . وقد قضت محكمة أستئناف مصر فى هذا المعنى بأنه إذا تبين أن البائع باع الصفقة مرة ثانية بطريق التدليس ، وكان المشترى الثانى على علم بذلك واشترك فى التدليس ، بطل البيع الثانى ، وغير معقول القول بأن قانون التسجيل أبطل مفعول المادة 270 مدنى ( قديم ) ، إذ القول بذلك معناه أن قانون التسجيل أراد بنصوصه أن يهدم مبدأ أساسيًا فى التشريع وهو أن الحقوق يجب أن يكون مبناها حسن النية ، وهذا ما لا يمكن التسليم به ( 17 يونيه سنة 1934 المحاماة 15 رقم 271 / 2 ص 569  . وانظر أيضًا : استئناف أهلى 14 نوفمبر سنة 1921 المجموعة الرسمية 22 رقم 99 / 2 ـ استئناف مصر 25 ديسمبر سنة 1928 المحاماة 9 رقم 50 ص 75 ـ 27 مارس سنة 1929 المحاماة 9 رقم 399 ص 634 ـ 28 مايو سنة 1929 المحاماة 9 رقم 595 ص 1092 ـ 25 أبريل سنة 1932 المحاماة 13 رقم 130 ص 289 ـ 25 أبريل سنة 1932 المحاماة 13 رقم 132 ص 292 ـ 27 أبريل سنة 1932 المحاماة 13 رقم 134 ص 302 ـ استئناف مختلط 24 مايو سنة 1927 م 39 ص 509 ـ ( [1955] ) يناير سنة 1933 م 44 ص 110 )  . ولكن محكمة النقض ذهبت إلى العكس من ذلك ، وقضت بأن التواطؤ لا يفسد التسجيل ، وبأنه ما لم يحصل التسجيل فإن الملكية تبقى على ذمة المتصرف حتى ينقلها التسجيل ذاته إلى المتصرف إليه ، ولا يكون للمتصرف إليه فى الفترة التى تمضى من تاريخ التعاقد إلى وقت التسجيل سوى مجرد أمل فى الملكية دون أى حق فيها  . وفى تلك الفترة إذا تصرف المتصرف لشخص آخر ، فإنه يتصرف فيما يملكه ملكًا تامًا ، فإذا بادر هذا الشخص الآخر إلى تسجيل عقده قبل تسجيل عقد المتصرف إليه الأول ، فقد خلصت له ـ بمجرد تسجيله ـ تلك الملكية العينية التى لم يتعلق بها حق ما للأول ، حتى ولو كان المتصرف والمتصرف إليه الثانى سيئ النية متواطئين كل التواطؤ على حرمان المتصرف إليه من الصفقة  . وإذن فلا يقبل من أى إنسان لم يكن عقده مسجلاً ناقلاً للملك فعلاً إليه أن ينازع من آل إليه نفس العقار وسجل عقده من قبله ، مدعيًا أن له حقًا عينيًا على العقار يحتج به عليه ، كما أنه لا يقبل مطلقًا الاحتجاج على صاحب العقد المسجل الذى انتقلت إليه الملكية فعلاً بتسجيله لا بسوء نية المتصرف ولا بالتواطؤ ( نقض مدنى ( [1955] ) ديسمبر سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 308 ص 975  . وانظر أيضًا فى هذا المعنى : نقض مدنى 7 مارس سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 43 ص 113 ـ 27 يناير سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 376 ص 707 ـ 29 مايو سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 176 ص 1138 ـ ( [1955] ) ديسمبر سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 28 ص 176 ـ 4 مارس سنة 1954 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 91 ص 572 ـ استئناف مصر 10 ديسمبر سنة 1929 المحاماة 10 رقم 153 ص 305 ـ 19 فبراير سنة 1930 المحاماة ( [1955] ) رقم 141 ص 254 ـ 2 أبريل سنة 1930 المحاماة 10 رقم 354 ص 713 ـ استئناف أسيوط 4 يناير سنة 1949 المحاماة 28 رقم 429 ص 1048 ـ وقارن نقض مدنى 7 مايو سنة 1936 مجموعة عمر 1 رقم 358 ص 1103 )  .

على أنه يلاحظ ، لو فرضنا جدلاً أنه لا يمكن تخريج مثل هذه الأحوال على حكم الدعوى البولصية ، إمكان الوصول إلى نفس النتيجة العملية بتطبيق قاعدة أعم هى القاعدة التى تقضى بأن الغش يفسد العقو ( frars omnia corrumpit ) ، وما الدعوى البولصية ذاتها غلا تطبيق لهذه القاعدة العامة ( ديموج 7 فقرة 1127 ـ قارن بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 938 )  .

وقد قضت محكمة استئناف أسيوط بإمكان الطعن فى العقد المسجل بالدعوى البولصية ، ولكن ليصل المشترى الأول إلى استرداد الثمن الذى دفعه والحصول على التعويضات التى يستحقها دون أن يسترد العقار ذاته ليسجل عليه حقه  . فقررت هذه المحكمة أنه يجوز للمتصرف إليه الأول بعقد غير مسجل أن يرفع دعوى إبطال العقد الثانى المسجل ، إذا توافرت شرائط دعوى إبطال التصرفات ، على اعتبار أنه دائن عادى من حقه أن يبطل التصرف المفقر لمدينه ليستطيع استرداد الثمن الذى دفعه والحصول على التعويضات التى يستحقها ، على أنه يلاحظ أن الغرض من هذه الدعوى لا يمكن أن يكون بطلان التصرف الثانى ليحل محله التصرف الأول غير المسجل ، فإن الدعوى إذا كانت تهدف إلى هذا الغرض تعتبر تحايلاً على مخالفة قانون التسجيل ، فضلاً عن أن الدعوى البولصية فى الواقع لا تهدف إلى بطلان التصرف ، وإنما تهدف إلى الحد من سريانه فى حق الدائن الذى يتضرر من أثر التصرف فى مال مدينه ، فإذا وجد فى هذا المال ما يفى بدينه زالت الحكمة فيها وأصبحت غير مقبولة ، وهى ليست خاصة بدائن واحد بل يستطيع جميع الدائنين العاديين أن يشتركوا فيها وأن يتقاسموا المال الذى يرجع إلى مدينهم ( 3 يونيه سنة 1948 المجموعة الرسمية 49 رقم 2 ص 47 )  .

ومهما يكن من أمر ، فإنه إذا طعن المشترى الأول الذى لم يسجعل عقده فى العقد المسجل للمشترى الثانى بالصورية ـ لا بالدعوى البولصية ـ فعند ذلك يقدم المشترى الأول وهو لم يسجل عقده على المشترى الثانى الذى سجل عقده ( نقض مدنى 6 يونيه سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 91 ص 188  . وانظر أيضًا : نقض مدنى 20 أكتوبر سنة 1938 مجموعة عمر 2 رقم 135 ص 405 ـ 3 يونيه سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 67 ص 183 مع تعليق الأستاذ محمد حامد فهمى فى ص 194 ـ ص 195 ـ 25 نوفمبر سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 80 ص 220 ـ 30 ديسمبر سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 88 ص 234 ـ 29 ديسمبر سنة 1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 39 ص 133 ـ استئناف مصر ( [1955] ) فبراير سنة 1928 المجموعة الرسمية 29 رقم 126 / 3 )  . وقد قضت محكمة النقض أخيرًا بأنه لا تنتقل الملكية من البائع إلى المشترى إلا بتسجيل عقد شرائه ، ولا يحول دون نقل الملكية ـ على ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ أن يكون المشترى عالمًا بأن البائع له أو مورثه سبق أن تصرف فى المبيع ذاته لمشتر آخر لم يسجل عقده ، ما لم يثبت أن عقد المشترى الثانى المسجل هو عقد صورى ، ولا ينتج فى إثبات هذه الصورية مجرد علم هذا المشترى وقت شرائه بالتصرف السابق غير المسجل الوارد على ذات المبيع ( نقض مدنى 31 ديسمبر سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 54 ص 352 ـ 13 مايو سنة 1954 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 128 ص 856 )  .

( [1956] ) ديمولومب 25 فقرة 177 ـ لارومبيير 2 م 1167 فقرة 18 ـ بودرى وبارد 1 فقرة 651  .

( [1957] ) استئناف مختلط 6 أبريل سنة 1898 م 10 ص 231 ـ بنى سويف 29 سبتمبر سنة 1919 المجموعة الرسمية 21 رقم 85 ص 140  .

( [1958] ) وقد كان المشروع التمهيدى يتضمن نصًا ، هو المادة 320 من هذا المشروع ، يقضى بسقوط حق الدائن فى الدعوى البولصية إذا أصبحت أموال المدين كافية للوفاء بما عليه أو أثبت من تصرف له المدين أن المدين عنده مال يكفى لهذا الوفاء  . ومقتضى هذا النص أن من تصرف له المدين يطلب منه أن يدل الدائن على مال للمدين يفى بحقه  . ولكن هذا النص قد حذف فى لجنة المراجعة ، اكتفاء بتطبيق القواعد العامة ، كما سنرى  . ومقتضى تطبيق القواعد العامة أن الدائن هو المكلف بإثبات إعسار المدين ، فعليه هو أن يثبت على الوجه الذى بيناه أن المدين ليس عنده مال يفى بحقه ، ولا يكلف من تصرف له المدين أن يدل على مال للمدين يفى بحق الدائن  .

( [1959] ) بودرى وبارد 1 فقرة 654  .

( [1960] )         بودري وبارد 1 فقرة 651 ص 660 وفقرة 655 مكررة – نظرية العقد للمؤلف فقرة 732 ص 790 هامش رقم 1 – هذا وقد قضت محكمة النقض بأن التقرير بأن التصرف المطعون فيه يترتب عليه ضرر بالدائن أولاً يترتب هو تقرير موضوعي  . وإذن فمتى كان الحكم المطعون فيه ، إذ قضى بعدم نفاذ التصرف موضوع الدعوى في حق المطعون عليهم الثلاثة الأولين ، أقام قضاءه على أن لهم فضلا عن الدين المتخذة إجراءات التنفيذ بسببه ديناً آخر مستحق الأداء وصدر به حكم ابتدائي مشمول بالنفاذ المؤقت ، وأن القدر الذي بقى للمدين بعد تصرفه للطاعنات لا يكفى لوفاء جميع ديونه ، إذ قرر الحكم ذلك واستخلص منه اعسار المدين ، فقد استند إلى أسباب مسوغة لقضائه ولم يخطئ في تطبيق القانون ، ما دام قد تبين للمحكمة أن الدين الذي أدخلته في تقديرها لإعسار المدين هو دين جدى مستحق الأداء ( نقض مدني 14 فبراير سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 84 ص 496 )  .

( [1961] )         استئناف مصر 14 ابريل سنة 1930 المحاماة 10 رقم 435 ص 864 – استئناف مختلط 20 فبراير سنة 1890 م 2 ص 392 – 17 مارس سنة 1910 22 ص 203 – 15 مايو سنة 1915 م 27 ص 328 – 10 يناير سنة 1918 م 30 ص 141 – 31 ديسمبر سنة 1918 م 41 ص 151  .

( [1962] )         استئناف مختلط 31 أكتوبر سنة 1939 م 52 ص 29  .

( [1963] )         بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 346 – فقرة 351 – ديموج 7 فقرة 1133 وما بعدها – ريبير فى القاعدة الخلفية فقرة 157 وما بعدها – جوسران فى الباعث فقرة 171 وما بعدها  .

( [1964] )         استئناف مختلط 31 ديسمبر سنة 1896 م 9 ص 101 – 18 مارس سنة 1915 م 27 ص 227 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 930 – ريبير فى القاعدة فقرة 169 – جوسران 2 فقرة 689 – والتون 2 ص 112 – نظرية العقد فقرة 735 ص 798 – ص 799  .

( [1965] )         أنظر فى هذا المعنى الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الالتزامات فقرة 346  .

( [1966] )         وقد ورد فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى صدد تيسير الإثبات فى الدعوى البولصية ما يأتى : " ولعل أمر الإثبات من أشق ما يصادف الدائن فى الدعوى البولصية ، سواء فى ذلك إثبات إعسار التواطئ بينه وبين من يخلف  . وقد وضع المشروع قاعدتين لتيسير مهمة الدائن فى هذا الصدد : ( أ ) فاجتزأ من الدائن فى إثبات إعسار مدينه بإقامة الدليل على مقدار ما فى ذمته من ديون  . فمتى أقام هذا الدليل ، كان على المدين أن يثبت أن له مالا يعادل قيمة هذه الديون على الأقل  . ( ب ) ثم إنه جعل من مجرد علم المدين بإعساره قرينة على توافر الغش من ناحية ، واعتبر من صدر له التصرف عالماً بهذا الغش إذا كان قد علم بذاك الإعسار  .  .  . من ناحية أخرى  . ويراعى أن حسن النية يفترض فيما يعقد من التصرفات العادية التى تقتضيها صيانة تجارة المدين أو زراعته أو صناعته  . فمثل هذه التصرفات تقع صحيحة ، وتكون بهذه المثابة بمأمن من الطعن : أنظر المادة 112 من التقنين البرازيلى " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 632 – ص 633 )  .

أنظر فى هذه المسائل فى التقنين المدنى السابق نظرية العقد للمؤلف ففقرة 735  .

( [1967] )         استئناف مختلط 31 ديسمبر سنة 1928 م 41 ص 151 – 9 فبراير سنة 1937 م 49 ص 104 – 25 يناير سنة 1940 م 52 ص 105  .

( [1968] )         أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 632 – وقد قدمنا أن إثبات علم من تصرف له المدين بإعسار المدين قد يكون بالقرائن القضائية ، كعلاقة الزوجية أو القرابة ، فإذا اقترنت هذه القرينة بقرائن أخرى تؤيدها كان هذا دليلا على العلم بإعسار المدين ( استئناف مختلط 15 أبريل سنة 1909 م 21 ص 305 – 17 نوفمبر سنة 1913 م 26 ص 60 – 11 ديسمبر سنة 1913 م 26 ص 87 – 18 مارس سنة 1915 م 27 ص 227 – 15 مايو سنة 1915 م 27 ص 329 – 22 مارس سنة 1927 م 39 ص 341 – 31 ديسمبر سنة 1928 م 41 ص 151 )  . أنظر أيضاً : استئناف مختلط 22 فبراير سنة 1905 م 17 ص 164 ( باع المدين الأرض لقريب له يعيش معه فى بيت واحد واستمرا يستغلانها معاً ) – 21 ديسمبر سنة 1911 م 24 ص 60 ( باع المدين لزوجة عقاراً ولم يتمكن الزوج من أن يثبت من أين أتت له النقود التى دفع منها الثمن ولم يكن فى حالة مالية تسمح باحتمال وقوع هذه الصفقة له – أنظر فى هذا المعنى أيضا : استئناف مختلط 11 ديسمبر سنة 1913 م 26 ص 87 – 29 مايو سنة 1917 م 29 ص 427 ) – إسكندرية الكلية الأهلية أول سبتمبر سنة 1914 الشرائع 2 رقم 178 / 1 ص 157 ( باع المدين لزوجته المقيمة معه فى معاش واحد كافة ما يمتلكه ، ثم بقيت الأعيان المبيعة فى حيازة المدين بعد البيع )  . ولكن مجرد قرابة المشترى والمشترى من باطنه للبائع دون قرائن أخرى لا يكفى لإثبات سوء النية ( استئناف مصر 6 ديسمبر سنة 1925 المحاماة 6 رقم 187 ص 233 )  . ولا يكفى كذلك مجرد علاقة الزوجية دون قرينة أخرى ( استئناف أهلى 25 نوفمبر سنة 1914 المجموعة الرسمية 14 رقم 4 ص 8 – استئناف مختلط 18 مارس سنة 1916 م 27 ص 227 – 3 مارس سنة 1921 م 33 ص 199 )  .

ومن القرائن على الغش تسجيل التصرف بعد صدور الحكم بالدين ، وسرعة التصرف من المدين لمشتر ومن هذا المشترى لمشتر آخر  . ولذا يعد غير نافذ شراء شخص عقار مدين بعد صدور أثبت أن فى ذمته ديناً ، وبعد أخذ الدائن لحق اختصاص ، ولا يمكن المشترى الثانى الادعاء حسن النية بمجرد عدم ظهور تسجيلات ضد المشترى الأول ، لأن من عادة المشترى الكشف أيضاً ضد البائع لبائعه ( استئناف أهلى 12 يناير سنة 1911 الحقوق 27 ص 1 )  . وحكم على زوج بدين ، وبعد صدور هذا الحكم باع منزلا كان يملكه ، ثم بعد ذلك بأيام اشترت زوجة أرضاً فضاء وأنشأت فيها منزلا ، فقضت المحكمة بأن هذه الظروف تكفى للحكم بأن الأرض ؟؟؟؟ اشترتها الزوجة بمال الدين وأن البناء كذلك من ماله ، وإنما جعلا باسم الزوجة هروباً من الدين ( استئناف أهلى 10 مارس سنة 1915 الشرائع 2 رقم 230 ص 217 )  . وحصول المدين فى وقت مشتبه فيه ، وشراء الشخص لأطيان فى جهة بعيدة عنه لا يملك فيها شيئاً ولا مصلحة له فيها مع علمه بالظروف الحاصل فيها البيع ، كل ذلك يعد قرينة على الغش ( استئناف مصر 19 مايو سنة 1930 المحاماة 11 ص 267 رقم 147 )  . لكن مجرد علم الغير بأن المدين له دائنون ، وأنهم يطالبون بحقوقهم ، لا يكفى ( والتون 2 ص 116 )  .

وإذا كان النائب سيء النية وتعامل مع مدين معسر متواطئ معه ، فذلك كاف لاستعمال الدعوى البولصية حتى لو كان الأصيل حسن النية ( والتون 2 ص 117 – الوسيط جزء أول فقرة 86 ص 193 )  .

ويجب أن يبين طالب التحقيق فى الدعوى البولصية الوقائع التى يريد إثباتها للتدليل على سوء نية المشترى ، لا أن يكتفى بإظهار استعداد لإثبات سوء النية دون أن يوضح وقائع معينة ( استئناف أهلى 9 ديسمبر سنة 1913 الشرائع 1 رقم 327 / 3 ص 183 )  .

ووجود التواطؤ فى الدعوى البولصية مسألة موضوعية لا رقابة لمحكمة النقض عليها ( نقض مدنى 19 يناير سنة 1933 المحاماة 13 رقم 419 ص 850 )  .

( [1969] )         هالتون 1 ص 343 – والتون 2 ص 117 – ص 118 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 73 ص 802 هامش رقم 1  .

ويلاحظ أن الموهوب له إذا كان حسن النية ، فلا يسترد منه الدائن إلا بمقدار ما اغتنى به من وراء هذا التبرع ، ويكسب الموهوب له ثمرات الشىء الموهوب ما دام قد قبضها وهو حسن النية وفقاً للقواعد العامة ( ديمولومب 25 فقرة 258 – هيك 7 فقرة 221 – بودرى وبارد 1 فقرة 661 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 735 ص 802 هامش رقم 1 )  .

( [1970] )         أنظر المادة 230 من التقنين التجارى  . وأنظر نظرية العقد للمؤلف فقرة 735 ص 802 هامش رقم 2 وأحكام القضاء المصرى والفرنسى المشار إليها فى هذا المرجع  .

( [1971] )         أنظر مناقشة مواد التقنين المدنى السابق ، فى نصوصها العربية والفرنسية ، لاستخلاص التمييز بين المعاوضة حيث يشترط غش المدين والتبرع حيث لا يشترط هذا الغش ، وأخذ الفقه والقضاء بهذا التمييز فى عهد التقنين المدنى السابق : نظرية العقد للمؤلف فقرة 735 ص 800 هامش رقم 2  . وأنظر فى تأكيد هذا المعنى : نقض مدنى 27 مايو سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 59 ص 169 – ومع ذلك قارن : استئناف مختلط 11 مايو سنة 1937 م 49 ص 216  .

( [1972] )         وقد كان هناك رأى فى فرنسا يذهب إلى أن التبرع لا يشترط فيه الغش فى جانب المدين ، لأن التبرع فى ذاته قرينة على الغش ( ديفرجييه على تولييه 3 فقرة 355 هاشم رقم – أوبرى ورو 4 فقر 313 ص 202 )  .

ويستند أصحاب هذا الرأى بوجه خاص إلى أن التقنين المدنى الفرنسى ذكر ثلاث أحوال يتنازل فيها المدين عن حقه دون مقابل ، فيسمح للدائن بالطعن فى هذا التنازل دون أن يشترط سوء نية المدين ، بل اقتصر النص على اشتراط وجود ضرر للدائن من هذا التنازل  . وهذه الأحوال هى : ( 1 ) المادة 622 مدنى فرنسى المتعلقة بتنازل المدين عن حقه الانتفاع  . ( ب ) المادة 288 مدنى فرنسى المتعلقة بتنازل الوارث عن الميراث  . ( جـ ) المادة 1053 مدنى فرنسى المتعلقة بتنازل الموهوب له عن الهبة لمن يحل بعده فيها  . وقد استخلصوا من ذلك ، ومن أن مشروع التقنين المدنى الفرنسى كان يتضمن نصاً يشترط الغش فى هذه الأحوال ثم حذف ، أن تنازل المدين عن حقه دون مقابل يجوز فيه الطعن حتى لو لم يوجد هناك غش فى جانب المدين ، مادام هذا التنازل صدر بحقوق الدائن  . ثم عمموا هذه القاعدة فجعلهوها تشمل جميع التبرعات ، سواء كانت فى صورة تنازل أو فى أية صورة أخرى  . وهناك من الفقهاء على التنازل دون غيره من التبرعات ( ديرانتون 10 فقرة 578 – كولميه دى سانتير 5 فقرة 82 مكررة – فيجييه 2 فقرة 1250 )  .

ولكن هذا الرأى لم يسد لا فى الفقه ولا فى القضاء ( ديمولومب 25 فقرة 192 – لوران 16 فقرة 443 – بودرى وبارد 1 فقرة 658 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 931 – ديموج 8 فقرة 1033 ص 409 – نقض فرنسى 21 ديسمبر سنة 1859 داللوز 61 – 1 – 215 – 11 نوفمبر سنة 1878 سيريه 80 – 1 - 28 )  . والرأى السائد هو اشتراط غش المدين حتى فى التبرعات  . ويرد أنصار هذا الرأى على أنصار الرأى الأول بأنه إذا كان المشرع الفرنسى قد أغفل شرط الغش فى الأحوال الثلاث التى أشير إليها ، فحذفه بعد ذكره ، فلأنه لم يكن قد اتخذ لنفسه موقفاً فى هذه المسألة  . فإذا ما وصل إلى المادة 1167 – وهى النص الأساسى فى الموضوع – نراه اتخذ موقف واضحاً إذا اشترط الغش بعبارة مطلقة ، ولم يميز بين المعارضة والتبرع ، أو بين التنازل وغيره  . ثم لما عرضت له حالة من أحوال التنازل بعد أن أورد المادة 1167 – وهى حالة تنازل الزوجة عن حقها فى الروكية ( م 1464 ) – إذا به يشترط صراحة فيها الغش ( بودرى وبارد 1 فقرة 659 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة إذا به يشترط صراحة فيها الغش بودرى وبارد 1 فقرة 659 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 931 )  .

( [1973] )         وذلك " حتى لا يكون عقد الخلف الثانى معرضاً للطعن فيه إلا إذا كان الخلف الثانى عالماً بعيب التصرف الأول من جهة المدين ومن جهة الخلف الأول " ( أنظر تاريخ نص المادة 238 آنفاً فقرة 569 فى الهامش )  .

أنظر : استئناف أهلى 14 أبريل سنة 1915 الشرائع 2 رقم 257 ص 244 – بنى يوسف الكلية 31 ديسمبر سنة 1899 المجموعة الرسمية 1 ص 331 – مصر الكلية الهلية 29 نومبر سنة 1904 المجموعة الرسمية 6 رقم 21 ص 43 – استئناف مختلط 9 أبريل سنة 1929 م 41 ص 344  .

ولكن إذا باع المشترى العين بعد أ ، رفعت عليه الدعوى البولصية وصدر الحكم فيها وسجل ، فلا ضرورة لإثبات سوء نية المشترى الثانى ( استئناف مختلط 22 يناير سنة 1914 م 26 ويلاحظ أنه قد يتواطأ المدين مع آخر ، ولكن بدلا من أن يبيع له العين مبشارة ، يبيعها لشخص حسن النية ، وهذا الشخص يبيعها للمتواطئ مع المدين ، ففى هذه الحالة يكفى تواطؤ المدين مع المشترى من المشترى وإن كان المشترى الأول حسن النية ( ديمولومب 25 فقرة 199 – أوبرى ورو 4 فقرة 313 ص 205 وهامش رقم 23 – بودرى وبارد 1 فقرة 967 ص 678 هامش رقم 2 )  .

( [1974] )         فالقواعد العامة كانت تقضى إذن بالاقتصار على اشتراط الغش فى جانب المدين والمشترى دون المشترى من المشترى ، وقد ذهب فى فرنسا بعض الفقهاء والمحاكم إلى هذا الرأى ( لوران فقرة 465 – فقرة 466 – ديفرجييه على تولييه 3 فقرة 252 ص 227 هامش رقم 1 محكمة استئناف أميان 26 مارس سنة 1825 سيريه 25 – 2 – 417 – محكمة استئناف ليون 23 يناير سنة 1863 داللوز 66 – 1 – 165 )  . ولكن جمهور الفقهاء ؟؟؟؟ نزلوا عند تقاليد الدعوى البولصية ، وكان القانون الرومانى يشترط غش المشترى من ؟؟؟؟ ( ديرانتون 10 فقرة 582 – فقرة 583 – ديمولوب 25 فقرة 200 – هيك فقرة 223 – ماركاديه 4 فقرة 499 مكررة – لارومبيير 2 م 1167 ص 46 – أوبرى ورو 4 فقرة 313 ص 205 – بودرى وبارد 1 فقرة 667 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 959 – نقض فرنسى 24 مارس سنة 1830 سيريه 30 – 1 – 252 – 2 فبراير سنة 1852 داللوز 52 – 1 – 49 )  .

وفى مصر نزل الفقه والقضاء على تقاليد الدعوى البولصية واشترط الغش فى جانب المشترى من المشترى : دى هلتس 1 فى الدعوى البولصية فقرة 29 – هالتون 1 ص 344 – ص 345 – والتون 2 ص 121 – ص 122 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 735 ص 807 – استئناف أهلى 14 أبريل سنة 1915 الشرائع 2 ص 244 – بنى سويف 31 ديسمبر سنة 1899 المجموعة الرسمية 1 ص 331 – استئناف مختلط 22 يناير سنة 1914 م 26 ص 170 )  . أنظر عكس ذلك فى عهد التقنين المدنى السابق : استئناف مختلط 6 سنة 1901 م 14 ص 3 – 13 مايو سنة 1903 م 15 ص 292 ، وتعليق الأستاذ جبرييل بسطوروس فى التعليقات على التقنين المدنى المختلط م 204 ص 406 هامش رقم 1  . وأنظر دفاعاً طيباً عن القاعدة التقليدية فى دى هلتس 1 الدعوى البولصية فقرة 30 – هذا وقد نص التقنين المدنى الجديد ( م 238 ) على القاعدة التقليدية صراحة كما رأينا ، فأصبح لهذه القاعدة سند تشريعى ، ولم تعد بذلك محلا للخلاف ( أنظر فى كل ذلك نظرية العقد للمؤلف فقرة 735 ص 807 هامش رقم 1 )  .

( [1975] )         وإذا فرض أن المدين باع عقاراً ، وأثبت الدائن الغش فى جانبه وجانب المشترى معاً ، ولكن شفيعاً أخذ هذا العقار بالشفعة ، فهل يجب على الدائن أن يثبت غش الشفيع كذلك؟ إذا اعتبرنا أن الشفيع تلقى الحق عن المشترى ، فإنه يجب إثباته غشه أيضاً  . ولكن من القواعد المقررة فى الشفعة أن الشفيع يتلقى الحق عن البائع مباشرة ولا يتلقاه عن المشترى ، فلسنا إذن فى صدد مشتر ثان من المشترى الأول  . لذلك لا نرى اشتراط غش الشفيع –وهو يكاد يكون مستحيلا عملا - ويكفى غش المشترى  . والأولى إن يقال إن البيع الذى كان سبباً فى الأخذ بالشفعة لا ينفذ أثره بالنسبة إلى الدائن ، فلا تنفذ الشفعة فى حقه ، وتبقى قائمة ما بين البائع والمشترى والشفيع  . ومن ثم ينفذ الدائنون بحقوقهم على العقار المشفوع فيه ، ويجوز للشفيع بعد ذلك أن يستبقى فى يده ما عسى أن يبقى من العقار ويرجع بضمان الاستحقاق الجزئى على البائع ( نظرية للعقد المؤلف فقرة 735 ص 802 هامش رقم 2 )  .

( [1976] )         المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 632 – ويلاحظ أن هذه الحالة من الفرض الثانى صعبة التصور عملا ، فما دام الموهوب له حسن النية ، فيبعد أن يكون المشترى من الموهوب له سيء النية  . ومع ذلك تتحقق هذه الحالة فى فرنسا فى المهر ( Dot ) ، فقد يهب أب معسر لابنته مهراً وهى حسنة النية لا تعلم بإعسار أبيها ، وتعطى البنت المهر لزوجها وهى سيء النية متواطئ مع الأب  . ولا تتحقق هذه الحالة عملا فى مصر إلا إذا كان كل من المدين والموهوب له سيء النية ، فعندئذ إما أن يكون المشترى من الموهوب له حسن النية فلا يجوز للدائن رفع الدعوى البولصية ، وإما أن يكون سيء النية فيجوز للدائن ذلك ( دى هلتس 1 فى الدعوى البولصية فقرة 38 – فقرة 39 )  .

( [1977] )         استئناف مختلط 9 أبريل سنة 1929 م 41 ص 344 – وقد قيل فى الاعتراض على القاعدة التقليدية إنها تيسر سبيل التهرب من الدعوى البولصية ، ويكفى لذلك ان يباد المشترى المتواطئ مع المدين إلى بيع العين لمشتر ثانى حسن النية ، فيعجز الدائن عن رفع الدعوى البولصية على المشترى من المشترى ( بودرى وبارد 1 فقرة 667 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 959 )  . وما قدمناه يصلح رداً على هذا الاعتراض ، فإن الدائن فى هذه الحالة يستطيع رفع الدعوى البولصية على المدين والمشترى ، ويجب أن يرد المشترى الثمن الذى أخذه من المشترى الثانى –أو قيمة العين إن كانت أكبر من الثمن – لينفذ عليه الدائن بحقه  . وكذلك الأمر لو وهب المدين العين ثم باعها الموهوب له لمشتر حسن النية ، فإن الدائن يرفع الدعوى البولصية على المدين والموهوب له ولو كان كل منهما حسن النية دون المشترى من الموهوب له إذ هو حسن النية ، وينفذ بحقه على الثمن الذى دفعه المشترى للموهوب له ( استئناف مختلط 9 ابريل سنة 1929 م 41 ص 344 – وأنظر فى القانون الفرنسى ، مع ملاحظة اشتراط سوء نية المدين دون الموهوب له ، بودرى وبارد 1 فقرة 668 )  .

( [1978] )         بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 936  .

( [1979] )         بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 931  .

( [1980] )         نقض فرنسى 16 نوفمبر سنة 1910 داللوز 1911 – 1 – 500  .

( [1981] )         بودرى وبارد 1 فقرة 671 – فقرة 680  .

( [1982] )         أنظر فى كل ذلك نظرية العقد للمؤلف فقرة 735 ص 808 هامش رقم 1 – وأنظر فى المهر من حيث إنه معاوضة أو تبرع فى القانون الفرنسى ديموج 7 فقرة 1038 – فقرة 1043 مكررة  . وأنظر : استئناف مختلط 31 مارس سنة 1930 م 32 ص 245 – 22 أبريل سنة 1930 م 32 ص 287 – وأنظر أيضاً المادة 229 من التقنين التجارى  .

الدعوى البولصية فى القانون التجارى : والدعوى البولصية فى القانون التجارى لها صورتان : ( 1 ) صورة مماثلة لصورتها فى القانون المدنى ، وتنص عليها المادتان 229 - 230 من التقنين التجارى ، وهى نصوص تتفق فى جورها مع نصوص التقنين المدنى الجديد ، وتفوق فى الدقة نصوص التقنين المدنى السابق ( أنظر : نقض مدنى 15 أكتوبر سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 2 ص 49 – استئناف مختلط 14 يونيه سنة 1933 م 45 ص 325 )  . ( 2 ) وصورة أخرى مقصورة على تصرفات التاجر المفلس منذ شهر إفلاسه وقبل ذلك بقليل ، وتنص عليها المادتان 227 - 228 من التقنين التجارى  . والذى يميز هذه الصورة الأخرى فى القانون فيها يفترض الغش فى جانب المدين ، فلا يكلف الدائنين ولا السنديك بإثباته ، ولا يسمح للمدين بنفيه عنه ، ما دام التصرف قد صدر من المدين فى وقت غير سابق على تاريخ توقفه عن الدفع بأكثر من عشرة أيام ( نظرية العقد للمؤلف فقرة 735 ص 797 هامش رقم 1 )  .

( [1983] )         استئناف أهلى 25 يوليه سنة 1922 المحاماة 2 رقم 162 / 3 ص 483 ( ويقرر الحكم أن الوقف له حق التمسك بسقوط الدعوى بالتقادم باعتباره شخصا أدبيا ، وذلك فى حالة الوقف إضرارا بالدائنين ) – دى هلتس 1 فى الدعوى البولصية فقرة 54 – والتون 2 ص 162 – الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الالتزامات فقرة 360 – مذكرات الأستاذ محمد صادق فهمى فقرة 518 – نظرية العقد للمؤلف 740  .

( [1984] )         دعى هلتس 1 فى الدعوى البولصية فقرة 55 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 740 – وأنظر : ديمولومب 25 فقرة 242 – بودرى وبارد 1 فقرة 730  .

( [1985] )         لوران 16 فقرة 467 – فقرة 469 – ديمولوب 25 فقرة 240 – فقرة 244 – هيك 7 فقرة 229 – أوبرى ورو 4 فقرة 313 ص 215 – ص 216 – بودرى وبارد 1 فقرة فقرة 729 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 966 – كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 454 – جوسران 2 فقرة 705 بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 1444 – جروبييه فقرة 259 – ديموج 7 فقرة 1109 – وقد ذكرنا أن الفقهاء الذين يذهبون إلى ان الدعوى البولصية دعوى بطلان يجعلونها مع ذلك تسقط بثلاثين سنة لا بعشر سنوات مبنى على إجازة ضمنية  . والأجازة الضمنية لا تتصور فى الدعوى البولصية ( بودرى وبارد 1 فقرة 726 ص 747 وهامش رقم 2 )  . ولا نرى هذا التعليل وجيها ، فإن للدائن أن يتنازل عن الدعوى البولصية ، إذ ليست هذه الدعوى من النظام العام ، ولم تتقرر إلا لمصلحة الدائن ، ولا يخفى أن تنازل الدائن عن الدعوى إنما هو بمثابة إجازة ضمنية لتصرف المدين  . والأدق أن يقال إن الدائن ، وهو من الغير ، يقر التصرف ( Ratifier ) لا يجيزه ( Confirmer ) ( نظرية العقد للمؤلف فقرة 740 ص 814 هامش رقم 1 )  .

على أن هناك من الفقهاء الفرنسيين من يتعقيد بمنطق البطلان فيجعل الدعوى تسقط بعشر سنوات ( ديرانتون 10 فقرة 585 )  . وفى تقنين الموجبات والعقود اللبنانى ( الفقرة الأخيرة من المادة 278 ) تسقط الدعوى البولصية بعشر سنوات  .

( [1986] )         أنظر تاريخ نص المادة 243 آنفاً فقرة 569 فى الهامش  .

( [1987] )         مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 635 – وأنظر تاريخ نص المادة 243 آنفاً فقرة 569 فى الهامش  .

( [1988] )         ويترتب على ذلك أنه إذا علم الدائنون بسبب عدم نفاذ التصرف فى تواريخ مختلفة سرى بالنسبة إلى كل نمهم تقادم مدته ثلاث سنوات من تاريخ علمه  . غير أن الدعوى تتقادم فى حال ، بالنسبة إليهم جميعاً  . انقضاء خمس عشرة سنة من وقت صدور التصرف المطعون  . ( أنظر الأستاذ محسن شفيق فى الإفلاس فقرة 68 )  .

( [1989] )         وإذا كانت الدعوى البولصية تسقط بالتقادم المسقط ، فإن من تلقى الحق عن المدين لا يتصور فيه أن يكسب الحق بالتقادم المكسب  . وذلك لأنه مالك بموجب التصرف الصادر من المدين ، وهذا التصرف يبقى قائماً فيما بينه وبين المدين بالرغم من نجاح الدعوى البولصية ، فلا حاجة إذن وقد كسب الحق بهذا التصرف أن يكسبه بالتقادم ( أوبرى ورو 4 فقرة 313 هامش رقم 45 – بودرى وبارد 1 فقرة 727 - فقرة 728 )  .

ويترتب على ذلك أن الدائن يستطيع أن يرفع الدعوى البولصية على خلف المدين ، ولو بقى هذا واضعاً يده على العين مدة التقادم المكسب ، ما دامت الدعوى البولصية نفسها لم تسقط بالتقادم ( استئناف مختلط 14 ديسمبر سنة 1922 م 35 ص 96  . الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الالتزامات فقرة 360 ) ويمكن أن تتم مدة التقادم المكسب ، إذا كانت خمس سنوات فقط ، قبل أن تتم مدة التقادم المسقط للدعوى البولصية وهى تزيد فى بعض الأحوال ، تبعاً لمبدأ سريانها على خمس سنوات ( نظرية العقد للمؤلف فقرة 740 ص 814 هامش رقم 4 )  .

هذا وقد ورد فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ، فى صدد تقادم الدعوى البولصية ، يأتى : " ويراعى أن للدائنين الأخر أن يتمسكوا بالتقادم الحولى ( عدلت المدة إلى ثلاث سنوات ) قبل الدائن الطاعن " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 634 )  . والمقصود بالدائنين الآخر ؟؟؟؟ المتصرف إليه ، لأن لهم مصلحة فى هذا التمسك حتى لا ينفذ الدائن الطاعن على العين التى نقلت إلى المتصرف إليه فأصبحت فى ضمانهم العام  .

( [1990] )         تاريخ النصوص :

م 240 : ورد ها النص فى المادة 319 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد  . وقد وافقت عليه لجنة المراجعة تحت رقم 247 من المشروع النهائى  . ثم وافق عليه مجلس النواب ، وفى لجنة مجلس الشيوخ اعترض على النص بأنه يخالف حكم التقنين المدنى السابق ، وكان حكما أفضل إذ بمقتضاه لا يستفيد من عدم نفاذ التصرف إلا الدائن الذى حكم له ، وذلك لتشجيع الدائنين على مباشرة دعوى نفاذ التصرف  . أما إذا كان الدائنون جميعاً يستفيدون من آثار هذه الدعوى ، فقلما ينشط دائن بالذات لمباشرتها  . فرد على هذا الاعتراض بأن الأساس القانونى يتفق مع النص المقترح ، لأن الغرض من هذه الدعوى بقاء الأموال المتصرف فيها فى الضمان العام للدائنين ، فلا معنى لأن يختص بفائدتها دائن دون آخر ، لأن فى ذلك إعطاء حق امتياز لأحد الدائنين بغير نص أو حكم ، وعدم مباشرة هذه الدعوى من قبل بعض الدائنين قد يرجع إلى عدم علمهم بالتصرف أو بإعسار المدين ، والدائن مباشر الدعوى سيعوض عن جميع المصروفات التى صرفها فى الدعوى وتكون له الأولوية فى اقتضائها  . وفى جلسة أخرى اقترح بعض حضرات مستشارى محكمة النقض حذف النص لتعارضه مع قاعدة نسبية الأحكام ، ولانعدام النيابة بين الدائنين ، ولأنه لا محل للقول بعدم التجزئة لمنافاته لطبيعة الدعوى إذ هى دعوى عدم نفاذ تصرف لا دعوى بطلان وإذا كان البطلان لا يتجزأ فعدم النفاذ قد يتجزأ ، ولأن النص يشترط لإفادة الدائنين الآخرين أن يكونوا ممن صدر التصرف إضراراً بهم وإثبات تحقق هذا الشرط مرجعه إلى القضاء ومن ثم فإن النص لا يغنى أى دائن عن رفع الدعوى ، هذا إلى أن القضاء مستقر على ما يخالف حكم النص  .  .  . ولكن اللجنة لم تر الأخذ بهذا الاقتراح ، وأقرت النص كما هو تحت رقم المادة 240  . ثم وافق مجلس الشيوخ على النص دون تعديل ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 622 – ص 624 )  .

م 241 : ورد هذا النص فى المادة 321 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " إذا كان من تلقى حقاً من المدين المسعر لم يدفع ثمنه ، فإنه يتخلص من الدعوى متى كان هذا الثمن قريبا من ثمن المثل ، وقام بإيداعه خزانة المحكمة ، وأعلن كل ذى شأن بهذا الإيداع "  . وفى لجنة المراجعة استبدلت عبارة " متى كان هذا الثمن هو ثمن المثل " بعبارة " متى كان هذا الثمن قريبا من ثمن المثل " ، وأصبح رقم المادة 248 فى المشروع النهائى  . ووافق عليها مجلس النواب  . وفى لجنة مجلس الشيوخ حذفت عبارة " وأعلن كل ذى شأن بهذا الإيداع " ، لأن ذوى الشأن لا يمكن تحديدهم على سبيل الجزم وأصبحت المادة رقمها 241  . ووافق عليها مجلس الشيوخ كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 625 – ص 627 )  .

( [1991] )         التقنين المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 241 – 242 ( مطابقتان لنصوص التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى : م 266 ( مطابقة لنص المادة 240 من التقنين المدنى المصرى )  .

م 267 : 1 - إذا وفى المدين بالتزامه ، أو أصبحت أمواله كافية للوفاء بما عليه ، سقط حق الدائن فى التمسك بعدم نفاذ التصرف الصادر من المدين  . 2 - ويستطيع من استفاد من التصرف الصادر أضراراً بالدائنين أن يتخلص من الدعوى إذا هو قام بوفاء حقوقهم ، أو إذا أثبت أن المدين عنده مال يكفى لهذا الوفاء  . 3 - وإذا كان من تلقى حقاً من المدين المعسر لم يدفع ثمنه ، فإنه يتخلص من الدعوى متى كان هذا الثمن قريباً نم ثمن المثل وقام بإيداعه صندوق المحكمة ( والفقرتان الأوليان كانتا فى المشروع التمهيدى للتقنين المصرى وحذفنا اكتفاء بتطبيق القواعد العامة كما سيأتى  . والفقرة الأخيرة تتفق فى حكمها مع المادة 241 من التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى لمملكة الليبية المتحدة م 243 – 244 ( مطابقتان لنصوص من التقنين المدنى المصرى )  .

تقنين الموجبات والعقود اللبنانى : م 278 فقرة 3 : ولا يستفيد من نتائج هذه الدعوى إلا الشخص أو الأشخاص الذين أقاموها ، وذلك على قدر ما يجب لصيانة حقوقهم  . أما فيما زاد عنها ، فيبقى العقد قائماً ، ويستمر على إنتاج جميع مفاعيله  . ( وهذا النص يختلف فى حكمه عن نص التقنين المدنى المصرى فى أن الدعوى البولصية فى التقنين اللبنانى لا تفيد إلا الدائن الذى رفعها ، كما كان الأمر فى التقنين المدنى المصرى السابق وكما هو الأمر الآن فى القانون الفرنسى ، وبخلاف التقنين المدنى المصرى الجديد فإن الدعوى البولصية فيه تفيد جميع الدائنين فيه تفيد جميع الدائنين الذين استوفوا شروطها أنظر الدكتور صبحى المحمصانى فى آثار الالتزام فى القانون المدنى اللبنانى ص 66 – 68 )  .

( [1992] )         أنظر المواد 243 و 622 و 788 من التقنين المدنى الفرنسى  . وأنظر أيضاً فى التقنين المدنى المصرى السابق المادتين 53 / 76 و 143 / 204 ، وفى التقنين التجارى المصرى المادتين 2 - 9  .

( [1993] )         ديرانتون 10 فقرة 585 – لوران 16 فقرة 483 – فقرة 485 – بودرى وبارد 1 فقرة 706 – جوسران 2 فقرة 704  .

( [1994] )         ديمولومب 25 فقرة 245 – فقرة 247 – أوبرى ورو 4 فقرة 313 ص 195 – Acher فى مجلة القانون المدنى الفصلية سنة 1906 ص 85 – ص 118 – ديموج 7 فقرة 11  .

( [1995] )         وقد قدمنا أن الدائن لا يستطيع رفع الدعوى البولصية ضد خلف الخلف الذى تلقى الحق بعوض وكان حسن النية ، فتقتصر دعواه على المدين والخلف ، وينفذ بحقه على المقابل الذى حصل عليه هذا الأخير  . وهنا تقرب الدعوى البولصية إلى أن تكون دعوى تعويض ولكنها ليست كذلك ، لأن المقابل الذى ينفذ عليه الدائن بحقه قد حل محل الحق الذى كان ضماناً للدائن ( قارن بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 967 )  .

( [1996] )         الأستاذ عبد الحى حجازى 3 ص 202 – ص 203  .

( [1997] )         ومن الفقهاء من يسند الدعوى البولصية إلى نظرية التعسف فى استعمال الحق ، فالمدين يسئ استعمال حق التصرف فى ماله إذا صدر منه التصرف بقصد الإضرار بدائنه ( جروبيه فقرة 2 – جوسران 2 فقرة 687 – نفس المؤلف فى روح الحقوق ونسبيتها ص 140 )  . ومنهم من يسندها إلى اعتبارات ترجع إلى النزاهة والعدالة ( ريبير فى القاعدة الخلفية فقرة 169 )  . ومنهم من يذهب إلى أنها دعوى من نوع خاص ، أقرتها التقاليد وأعطتها مميزاتها الخاصة ( كولان وكابيتان ودى لامورانديير 2 فقرة 450 )  . ويقيمها دى باج على أساس أنها تعويض عينى عن عمل غير مشروع ( دى باج 3 فقرة 252 )  . وكل هذه الآراء لا اعتراض عليها ، ولكنها لا تصل فى التحليل إلى غايته  .

( [1998] )         فقرة 737 – فقرة 739  .

( [1999] )         وترى الأساتذة بلانيول وريبير وردوان أن الدعوى البولصية أقرب إلى ان تكون دعوى بطلان ، ولكنها دعوى بطلان من نوع خاص يميزه عن البطلان المعتاد فروق عدة ، أهمها أن هذا البطلان لا يكون إلا فى حق الدائنين ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 967 ) ، ويؤخذ على هذا الرأى أن البطلان الذى لا يكون إلا فى حق الغير إنما هو عدم نفاذ لا بطلان ، على أنهم يرون أن الدعوى تنطوى أيضاً على معنى التعويض ، ولكنه تعويض من نوع خاص كذلك ، ويستخلصون من هذا أن الدعوى البولصية هى دعوى بطلان بغرض التعويض ( S???ion nullite a but indemnitaire ) ، ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 967 ص 300 – ص 301 – أنظر أيضاً جوسران 2 فقرة 704 )  . ويصرح الأستاذان بيدان ولاجارد التصرف المطعون فيه يكون غير نافذ ( inopposable ) فى حق المدين ( بيدان ولاجارد فقرة 656 ) ، وكذلك الأساتذة بلانيول وريبير وبولانجيه ( 2 فقرة 1448 )  .

( [2000] )         الأستاذ أحمد حشمت أبوستيت 645 – الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام ص 158 – الأستاذ عبد الحى حجازى 3 ص 210 – ص 211  .

( [2001] )         محكمة أمبان الاستئنافية 16 مارس سنة 1839 سيريه 40 – 2 – 10  .

( [2002] )         نقض فرنسى 27 ديسمبر سنة 1143 سيريه 44 – 1 – 122 – لارومبيير 2 م 1167 فقرة 45  .

( [2003] )         وقد قضت محكمة النقض بأن الدعوى البولصية هى دعوى شخصية يرفعها دائن لإبطال ( ! ) تصرف مدينة الحاصل بطريق التواطؤ للإضرار به وحرمانه من إمكان التنفيذ على الملك المتصرف فيه ، والذى كان يعتمد عليه الدائن لضمان استداده بحقوقه  . وليس من نتائج هذه الدعوى تثبيت رقم 308 ص 975 )  . وقضت أيضاً بأن الدعوى البولصية ليست فى حقيقتها إلا دعوى بعدم نفاذ تصرف المدين الضار بدائنه فى حق هذا الدائن وبالقدر الذى يكفى للوفاء بدينه ( نقض مدنى ؟؟؟ أبريل سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 112 ص 674 )  .

( [2004] )         بودرى وبارد 1 فقرة 707 ص 730 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 966 فقرة 968 – ولا يجوز الجمع بين طلب فسخ البيع وتثبيت الملكية وطلب عدم نفاذ التصرف ( نقض مدنى 9 ديسمبر سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 76 ص 206 )  .

( [2005] )         وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه يجب رفع الدعوى البولصية فى جميع الأحوال على المدين والخلف وخلف الخلف ( 9 أبريل سنة 1929 م 41 ص 344 – والتون 2 ص 120 دى باج 3 فقرة 241 – ولخلف الخلف حق الخلف فى التمسك بطلب تجريد المدين من أمواله ( بنى سويف الكلية 29 سبتمبر سنة 1919 المجموعة الرسمية 21 رقم 85 )  .

( [2006] )         نظرية العقد للمؤلف فقرة 741  .

( [2007] )         والتنازل قد يكون صراحة أو ضمناً ، ولكن نية الدائن فى التنازل يجب أن تكون واضحة ، فمجرد توقيعه حجزاً على الثمن المستحق فى ذمة المشترى للبائع مدينه لا يعتبر تنازلا عن الطعن بالدعوى البولصية فى البيع ( ديمولومب 25 فقرة 238 – لوران 16 فقرة 463 – بودرى وبارد 1 فقرة 725 )  .

( [2008] )         استئناف أهلى 23 يناير سنة 1900 المجموعة الرسمية 2 ص 90 – 27 يناير سنة 1900 الحقوق 15 ص 44 – لوران 16 فقرة 491 – أوبرى ورو 4 فقرة 313 ص 196 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 963  .

وقد ذهب بعض الفقهاء فى فرنسا ( فيجيه ( Vigie ) 2 فقرة 1256 ص 560 ) إلى ان الدعوى البولصية لا توقف بالوفاء للدائن ، لأنها دعوى بطلان ومتى توافر سبب البطلان وجب المضى فى الدعوى والحكم به  . وقد سبق أن بينا خطا القول بأن الدعوى البولصية هى دعوى بطلان على أنه حتى إذا فرضت صحة هذا التكييف ، فإن هذا لا يمنع من أن الدائن بعد أن يستوفى حقه يفق الصفة اللازمة فى طلب الإبطال ، ولا تبقى له مصلحة فى ذلك ، والدعوى لا تقوم بغير الصفة وبغير المصلحة ( لوران 16 فقرة 491 ص 470 – بودرى وبارد 1 فقرة 724 )  . ويقيس الأستاذان بودرى وبارد هذه الحالة على حالة الغبن فى القسمة إذ تسقط الدعوى برد الغبن نقداّ أو عيناً إلى المتقاسم المغبون كما تقضى بذلك المادة 891 مدنى فرنسى ، وعلى حالة الغبن فى البيع إذ تسقط الدعوى كذلك بتكملة الثمن إلى تسعة أعشار القيمة الحقيقية كما تقضى بذلك المادة 1681 مدنى فرنسى  . وقد اقتضى الأمر نصاً خاصاً فى هاتين الحالتين حتى يجوز رد الغبن نقداً لا عيناً فى الحالة الأولى ، وحتى تقتصر تكملة الثمن على تسعة أعشار القيمة فى الحالة الثانية – كذلك من يقوم بأن الدعوى البولصية هى دعوى تعويض يقر سقوطها إذا استوفى الدائن حقه ، فقد أصبح لا محل للتعويض بعد ذلك  .

( [2009] )         ولما كان المفروض أن المدين معسر ، فإن من وفى الدين عنه لا يستطيع الرجوع عليه بكل ما وفاه ، فينتظر يساره حتى يرجع بالباقى ( بودرى وبارد 1 فقرة 724 مكررة ) ، وقد يحتجز من الثمن الثابت فى ذمته للمدين ما يوفى به الدين  .

هذا وقد كان المشروع التمهيدى يتضمن نصاً –هو المادة 320 من هذا المشروع - يجرى على الوجه الآتى : " 1 - إذا وفى المدين بالتزامه ، أو أصبحت أمواله كافية للوفاء بما عليه ، سقط حق الدائن فى التمسك بعدم نفاذ التصرف الصادر من المدين  . 2 - ويستطيع من استفاد من التصرف الصادر إضراراً بالدائنين أن يتخلص من الدعوى إذا هو قام بوفاء حقوقهم ، أو إذا هو اثبت أن المدين عنده مال يكفى لهذا الوفاء "  . وقد حذف هذا النص فى لجنة المراجعة اكتفاء بتطبيق القواعد العامة ( أنظر آنفاً فقرة 589 فى الهامش – مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 621 فى الهامش )  . والنص يتضمن مسألتين : ( 1 ) ما قدمناه من جواز وفاء المدين أو خلفه بالدين للدائن فتسقط الدعوى البولصية  . ( 2 ) حق خلف المدين فى طلب تجريد المدين ، وقد تقدم تفعيل ذلك  . إلا أننا ذكرنا هناك ( أنظر آنفاً فقرة 589 فى الهامش ) أن الخلف لا يطلب منه أن يدل الدائن على مال للمدين يكفى لوفاء الدين ، ولو بقى النص المحذوف لوجب عليه أن يدل على ذلك أنظر أيضا المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 633 ص 634  .

( [2010] )         أنظر تاريخ المادة 241 آنفاً فقرة 598 فى الهامش  .

( [2011] )         فإذا كان التصرف المطعون فيه هو ترتيب حق عينى على مال للمدين –كحق ارتفاق أو انتفاع أو رهن - سقط هذا الحق بالنسبة إلى الدائن ، ونفذ هذا على المال كأن لم يترتب عليه حق مما ذكر  . وإذا كان التصرف إسقاط حق عينى –كالتنازل عن حق ارتفاق - رجع هذا الحق بالنسبة إلى الدائن ، ونفذ هذا على العين كما لو كان حق الارتفاق ثابتاً لها  . وإذا كان التصرف إبراء المدين لذمة مدين له ، لم ينفذ هذا الإبراء فى حق الدائن ، واعتبر الدين لا يزال موجوداً فى ذمة مدين المدين ، وللدائن أن يحجز عليه حجز ما للمدين لدى الغير ( بودرى وبارد 1 فقرة 709 ص 732 – بلانيول وريبير وردوان 1 فقرة 961 )  .

على أنه يلاحظ أن من تصرف له المدين قد يكون دفع إلى المدين عوضاً عن هذا التصرف ، كما إذا كان التصرف بيعاً ، فإذا كان المشترى حسن النية فلا تنزع العين من تحت يده كما قدمنا  . أما إذا كان سيئ النية ، فللدائن أن ينتزع العين من تحت يد المشترى لينفذ عليها بحقه  . ولكن إذا كان للدائن أن يمنع عن نفسه الضرر الذى يصيبه من جراء تصرف المدين ، فإنه لا يجوز له أن يستفيد من هذا التصرف  . فالثمن الذى قد يبقى ديناً فى ذمة المشترى ، أو الذى قد يكون المشترى دفعه وسدد به المدين بعض ديونه ، قد استفاد منه الدائن ، إما على اعتبار أنه زاد فى حقوق مدينه إذا بقى ديناً فى ذمة المشترى فيستطيع أن ينفذ عليه ، وإما على اعتبار أن بعض ديون مدينه قد وفيت فقل إعسار المدين بذلك  . فيجب إذن أن تكون هذه الفائدة محل اعتبار ، وللمشترى أن يتمسك بها قبل الدائن ، ولا يجعله ينفذ على العين المبيعة إلا بقدر زيادة قيمة هذه العين على الفائدة التى عادت على الدائن ( ديمولومب 25 فقرة 256 وفقرة 146 مكررة – بودرى وبارد 1 فقرة 720 وما بعدها – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 962 ص 266 )  . فإذا لم تعد على الدائن فائدة أصلا ، بأ ، كان الثمن الذى قبضه المدين مالا غير ظاهر لا يستطيع الدائن التنفيذ عليه كما هو الغالب فى الدعوى البولصية ، كان للدائن أن ينفذ بحقه على العين بكل قيمتها – ويلاحظ أن عدم نفاذ التصرف بالنسبة إلى الدائن إنما يكون بالقدر اللازم للوفاء بحقه  . فإذا كان الصترف هبة نقود أو قرضاً مثلا ، فإن الذى لا ينفذ بعد ذلك فينفذ حتى فى حق الدائن ( استئناف أهلى 9 ديسمبر 1913 الشرائع 1 رقم 237 / 1 ص 183 – لوران 16 فقرة 494 – جروبيبه فقرة 229 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 962 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 746 ص 818 )  .

( [2012] )         قد يلاحظ أن هناك شبهاً بين الدائن الذى يرفع الدعوى البولصية فيسترد عيناً تصرف فيها مدينة ، وبين دائن أخذ رهناً –أو كان له حق اختصاص أو امتياز - على هذه العين ثم باعها المدين  . فإن الدائن الذى رفع الدعوى البولصية ، كالدائن المرتهن ، يستوفى حقه من العين المبيعة ، ويتحمل المشترى للعين إجراءات الدعوى البولصية كما يتحمل إجراءات دعوى الرهن ، وإذا وفى الدائن حقه سقط كل من الدعويين ويرجع فى الحالتين على المدين بما وفاه من دينه ، وإذا استمر الدائن فى دعواه –الدعوى البولصية أو دعوى الرهن - ونفذ بحقه على العين فإن المشترى يرجع على المدين بالضمان فى الحالتين  . ويزيد هذا الشبه إذا رجعنا إلى عهد التقنين المدنى السابق ، إذا كان الدائن الذى يرفع الدعوى البولصية ، كما سنرى ، يستأثر بالفائدة وحده ،ويتقدم كالدائن المرتهن على سائر الدائنيين  .

وبالرغم من وجود الشبه هذه فإن هناك فروقاً جوهرية بين الدائن المرتهن والدائن الذى يرفع الدعوى البولصية ، نذكر منها ما يأتى :

( أولا ) إذا رفع الدائن المرتهن دعوى الرهن على خلف المدين ، فهو فى الواقع إنما يتتبع العين فى يد هذا الخلف الذى يعتبر مالكا للعين حتى بالنسبة إلى الدائن المرتهن  . أما الدائن فى الدعوى البولصية فلا يتبع العين فى يد الخلف ، إذ ليس له حق عينى يخول له ذلك ، فهو مضطر أولا ، قانون الموجبات والعقود اللبنانى قبل التنفيذ على العين ، أن يطلب عدم نفاذ تصرف المدين فى حقه ، فتعود العين إلى ضمانه ، وبعد ذلك يستطيع التنفيذ عليها  . فالعين بالنسبة إليه تعتبر مملوكة للمدين ، وقد رأينا أنها بالنسبة إلى الدائن المرتهن تعتبر مملوكة لخلف المدين  .

( ثانيا ) وينبنى على الفرق المتقدم أنه فى حالة الدائن المرتهن يجوز لخلف المدين أن يلجأ إلى تطهير العين ، فإن العقار المرهون ملكه وله أن يطهره  . أما فى الدعوى البولصية ، فإن خلف المدين لا يستطيع التطهير ، لأن العقار غير مرهون وهو معتبر فى ملك المدين بالنسبة إلى الدائن ، وليس أمام الخلف إلا أن يوفى الدائن حقه أو يودع الثمن خزانة المحكمة كما قدمنا  .

( ثالثا ) فى حالة الدائن المرتهن ، إذا وفى الخلف الدائن حقه ، استطاع أن يرجع على المدين بدعوى الحلول  . أما فى الدعوى البولصية ، فالخلف لا يرجع على المدين ، بعد أن وفى دينه ، إلا بدعوى الإثراء بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة سبب أو بدعوى ضمان العقد الذى تم بينه وبين المدين  .

( رابعا ) أن الدائن الذى يرفع الدعوى البولصية لا يستوفى حقه من العين التى تصرف فيها المدين إذا كان هذا التصرف معاوضة ولم يثبت الدائن غش كل من المدين وخلفه ، بل وخلف الخلف فى المعاوضات كذلك أما الدائن المرتهن فإنه يتتبع العين وينفذ عليها بحقه فى يد خلف المدين وخلف الخلف ، ولو كان هؤلاء جميعاً حسنى النية وكان التصرف معاوضة  .

( خامسا ) أن الدائن الذى يرفع الدعوى البولصية فى عهد التقنين المدنى الجديد لا يستأثر وحده بفائدة الدعوى ، بل يشاركه فى هذه الفائدة سائر الدائنين ، أما الدائن المرتهن فله حق التقدم وحتى فى عهد التقنين المدنى السابق –حيث كان الدائن الذى يرفع الدعوى البولصية يستأثر وحده بفائدة الدعوى - لم يكن هذا الدائن يستطيع أن يمنع الدائنين الآخرين من التدخل فى الدعوى ، فيشاركوه فى فائدتها  . أما الدائن المرتهن فإنه يبقى متمتعاً بميزة التقدم مهما بدا من نشاط الدائنين الآخرين ، هذا إلى أنه لو تزاحم الدائن المرتهن مع الدائن الذى رفع الدعوى البولصية فإن الأول هو الذى يتقدم  .

( أنظر فى ذلك نظرية العقد للمؤلف فقرة 748 )  .

( [2013] )         ذلك أن التصرف الذى صدر من المدين ينعدم أثره ، ويعتبر كأنه لم يكن بالنسبة إلى الدائن  . وكان يترتب على ذلك أن جميع التصرفات التى انبنت على تصرف المدين تزول أيضاً بفضل الأثر الرجعى  . ولكن قواعد الدعوى البولصية تقضى كما رأينا بوجوب إثبات الغش فى جانب من تلقى العين معارضة من خلف المدين حتى يزول التصرف الثانى الذى أنبنى على التصرف الأول  . ويترتب على ذلك أن الدائن ينفذ بحقه على العين مرهونة أو مثقلة بحق ارتفاق أو حق انتفاع ، إذا لم يستطيع إثبات الغش فى جانب الدائن المرتهن أو صاحب حق الارتفاق أو حتى الانتفاع وكان هؤلاء قد كسبوا حقوقهم معاوضة من المشترى من المدين  .

وقد رأينا أن الأثر الرجعى للدعوى البولصية يظهر أثره فيما لو باع المدين عقاراً لمشتر وقصدا الإضرار بالدائن ، ثم أخذ شفيع حسن النية هذا العقار بالشفعة ، فإن العقار يعتبر كأنه لم يخرج من ملكية المدين بالنسبة إلى الدائن ، ويسقط أثر الأخذ بالشفعة تطبيقاً لهذا الأثر الرجعى ، لأن الشفعة لا يعتبر مشتريا من المشترى حتى يشترط فيه سوء النية ، بل هو يحل محل المشترى بحالته ، فإذا كان المشترى قد اشترى فى ظروف من شأنها أن تجعله خاضعاً للدعوى البولصية ، وجب اعتبار الشفيع فى نفس الحالة ولو لم يثبت الغش فى جانبه ( أنظر آنفاً فقرة 593 فى الهامش – نظرية العقد للمؤلف فقرة 746 ص 819 هامش رقم 1 )  .

( [2014] )         ديمولومب 25 فقرة 258 – أوبرى ورو 4 فقرة 313 ص 212 – ص 213 – بودرى وبارد 1 فقرة 719 ص 742 – ص 743  .

( [2015] )         أنظر آنفاً فقرة 593  .

( [2016] )         أنظر آنفاً فقرة 593 فى الهامش – استئناف مختلط 9 أبريل سنة 1929 م 41 ص 344 وقد سبقت الإشارة إليه فى هامش فقرة 593 –ديمولومب 25 فقرة 255 - بودرى وبارد 1 فقرة 719 ص 742  .

( [2017] )         استئناف أهلى 23 يناير سنة 1900 الحقوق 15 ص 44 – 9 ديسمبر سنة 1913 الشرائع 1 رقم 327 / 1 ص 183 – 15 مارس سنة 1922 المجموعة الرسمية 22 ص 78 – استئناف مصر 27 يونيه سنة 1935 المحاماة 16 رقم 416 ص 904 – 27 أبريل سنة 1946 المجموعة الرسمية 47 ص 229 – استئناف مختلط 20 يناير سنة 1916 م 28 ص 122 – نقض فرنسى 4 ديسمبر سنة 1923 سيريه 1923 – 1 - 254 – ديمولومب 25 فقرة 266 – هيك 7 فقرة 226 – بودرى وبارد 1 فقرة 715 – جوسران 2 فقرة 702 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 746 ص 820 – 821  .

( [2018] )         بودرى وبارد 1 فقرة فقرة 715 – بيدان ولاجارد 8 فقرة 697 ص 479 – دى باج 3 فقرة 245 ( فى القانون البلجيكى )  .

( [2019] )         بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 965  .

( [2020] )         جزء أول ففقرة 718 ص 740  .

( [2021] )         ديرانتون 10 فقرة 594 – لوران 16 فقرة 488 – فقرة 490 – ماركاديه 4 فقرة 501 – كولان دى سانتير 5 فقرة 82 مكررة 14 دى هلتس 1 فى الدعوى البولصية فقرة 59 – استئناف مختلط 9 أبريل سنة 1927 م 39 ص 380  .

( [2022] )         لارومبيير 2 م 1167 فقرة 62  .

( [2023] )         قارن نظرية العقد للمؤلف فقرة 746 ص 820  . ص 821  .

( [2024] )         وقد جاء تقرير لجة الشيوخ ، رداً على الاعتراضات المتقدمة الذكر ، ما يأتى : اقترح حذف المادة 240  .  .  . ولم تر اللجنة الأخذ بهذا الاقتراح ، بل اختارت إبقاء النص لأنه يعالج حالة استفاضت الشكوى منها فى ظل نصوص التقنين الحالى ( السابق )  . وقد صدرت اللجنة فى رأيها عن اعتبار جوهرى ، هو أن فكرة المساواة بين الدائنين فى موقفهم من الضمان العام لديونهم ، وهو أموال المدين قاطبة ، لا تتحقق إذا جعلت الأسبقية فى اتخاذ الإجراء أساساً للأفضلية والاستئثار  . فالنص الذى يتضمن المشروع لا يقوم على فكرة نيابة الدائنين عن بعضهم ولا على طبيعة الدعوى ، وإنما هو يستند إلى ضرورة تحقيق المساواة فى الانتفاع من الضمان العام  . ولا ينبغى أن تحول دون ذلك نسبية الأحكام ، لأن زمام هذه القاعدة بيد الشارع ، وهو يخرج عليها كلما اقتضت المصلحة ذلك  . وهذا هو المسلك الذى انتهجه كثير من التشريعات الأجنبية وتابعة المشروع ، ولاسيما أنه يتفق فى اتجاهاته العامة فى تنظيم الإعسار والتضييق من حق الاختصاص " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 624 )  . هذا وقد استعادت الدعوى البولصية بذلك بعضاً من صبغتها الرومانية ، فقد رأينا أنها كانت فى القانون الرومانى دعوى جماعية يرفعها ممثل الدائنين وتعود فائدتها على الجميع ، أما هنا فلا تزال دعوى فردية ولكن فائدتها تعم جميع الدائنين  . وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى ما يأتى : " على أن المشروع لا يستأثر بفضل السبق فى استحداث هذا الحكم ، فقد قضى التقنين البرتغالى فى المادة 1044 بأن الدعوى البولصية يكون من أثرها رد ما وقع التصرف فيه إلى ذمة المدين لمنفعة الدائنين  . ونصت المادة 113 من التقنين البرازيلى أيضاً على أن الفائدة التى تنتج من استعمال هذه الدعوى تدخل فى نطاق ما يقتسم بين الدائنين قسمة غرماء " مجموعة الأعمال التحضيرية ص 604 ) – أنظر أيضاً المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 633 ( وقد ورد فيها خطأ أن الدعوى البولصية أصبحت بوضعها هذا دعوى جماعية لا فردية ، والصحيح أنها لا تزال دعوى فردية ولكن فائدتها تعود على جميع الدائنين ممن استوفوا شروطها )  .

هذا وإذا صدر الحكم فى الدعوى البولصية لمصلحة الدائن الذى رفعها ، استفاد من الحكم كما قدمنا سائر الدائنين الذين تتوافر فيهم شروط الدعوى ، ويرجع الدائن بمصروفات الدعوى عليهم ، كل بقدر ما استفاد ، وذلك بدعوى الإثراء بلا سبب ( أنظر الأستاذ محسن شفيق فى الإفلاس فقرة 66 ص 91 )  . أما إذا صدر الحكم ضد الدائن ، فإنه لا يكون حجة على دائن آخر استوفى شروط الدعوى ، ويستطيع هذا الدائن الآخر أن يرفع الدعوى البولصية باسمه هو ، فإذا نجح استفاد من ذلك سائر الدائنين الذين استوفوا شروط الدعوى ، حتى الدائن الذى كان قد رفع الدعوى أولا ولم ينجح إذا هو أثبت أنه مستوف للشروط  .

ويلاحظ أن القاعدة التى استحدثها التقنين الجديد ليس لها أثر رجعى  . فلو أن التصرف المطعون فيه صدر قبل يوم 15 أكتوبر سنة 1949 ، فإن أحكام التقنين المدنى السابق هى التى تطبق ، وإلا فأحكام التقنين المدنى الجديد  .

( [2025] )         ديمولومب 25 فقرة 252 – بودرى وبارد 1 فقرة 719 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 962 – وقد لا يكون هناك محل للمسئولية التقصيرية ، فلا يحكم بالتعويض بالرغم من وجود الضرر ، وعندئذ يكون الأمر مقصوراً على تطبيق القواعد الدعوى البولصية ، فيقضى بعدم نفاذ التصرف فى حق الدائن دون تعويض ، ويتحقق ذلك فى فرض يكون فيه المدين ومن خلفه على حقه حسنى النية ولا تقصير فى جانبهم ، وهذا ممكن فى القانون المصرى إذا كان التصرف الذى صدر من المدين هبة وانتقلت العين الموهوبة بطريق الهبة أيضاً من سلف إلى خلف ( نظرية العقد للمؤلف فقرة 747 ص 821 هامش رقم 1 )  .

( [2026] )         ديمولومب 25 فقرة 252 – فقرة 255 – بودرى وبارد 1 فقرة 719 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 962 – دى هلتس 1 فى الدعوى البولصية فقرة 62 وفقرة 65 – فقرة 66 – والتون 2 ص 117 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 747 – وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الدائن الذى يطالب بالثمار التى قبضها خلف المدين بعد أن ثبت سوء نيته لا يستعمل حقه بدعوى غير مباشرة ، بل بمقتضى دعوى مباشرة مستمدة من حق خاص ثابت لهذا الدائن الذى لحقه الضرر ( 20 ديسمبر سنة 1917 م 3 ص 94 )  .

( [2027] )         ديمولومب 25 فقرة 253 – بودرى وبارد 1 فقرة 723 – دى هلتس 1 فى الدعوى البولصية فقرة 63 – فقرة 64 وفقرة 68 فيما يتعلق بالحبس لاسترداد المصروفات – نظرية العقد للمؤلف فقرة 747 ص 822  .

( [2028] )         نظرية العقد للمؤلف فقرة 749  .

( [2029] )         لوران 16 فقرة 494 – أوبرى ورو 4 فقرة 313 هامش رقم 38 – بودرى وبارد 1 فقرة 710 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 964 – استئناف مختلط 20 يناير سنة 1916 م 28 ص 122 – 26 فبراير سنة 1929 جازيت 19 ص 271 – أنظر أيضاً المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 633  .

( [2030] )         استئناف أهلى 23 يناير سنة 1900 المجموعة الرسمية 2 ص 90 – 27 يناير سنة 1900 الحقوق 15 ص 44 – 15 مارس سنة 1920 المجموعة الرسمية 22 رقم 44 ص 78  .

( [2031] )         استئناف مختلط 9 أبريل سنة 1927 م 39 ص 380  .

( [2032] )         نظرية العقد للمؤلف فقرة 750 ص 824 – ص 825  .

( [2033] )         استئناف مختلط 25 فبراير سنة 1915 م 27 ص 182 – 20 يناير سنة 1916 م 28 ص 122 – 9 مارس سنة 1916 م 28 ص 195 – محكمة مصر المختلطة 25 مارس سنة 1921 جازيت 2 ص 106 – منفلوط أول يناير سنة 1919 المجموعة الرسمية 20 رقم 92 ص 120  .

( [2034] )         بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 961 – أنظر عكس ذلكن بلانيول فى مقاله فى المجلة الانتقادية سنة 1882 ص 492 – وقد قدمنا أن العين المبيعة إذا تحولت إلى مجرد دين فى ذمة المشترى –كما إذا باع المشترى العين لمشتر آخر حسن النية - فإن الدائن الذى رفع الدعوى البولصية يتحمل مزاحمة دائنى المشترى فى الرجوع على المشترى  . وسنرى فى الصورية أن دائن المشترى الصورى يتقدم على دائن البائع ، خلافاً لما نقرره هنا فى الدعوى البولصية  .

( [2035] )         بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 964 – وإذا كان التصرف تبرعاً ، لم يرجع المرهون له على المدين بضمان الاستحقاق إلا إذا اشترط ذلك فى عقد الهبة ، تطبيقاً للقواعد العامة ( ديمولومب 25 فقرة 271 – لوران 16 فقرة 495 – بودرى وبارد 1 فقرة 712 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 751 ص 826 هامش رقم 1 )  . وكذلك الحكم إذا كان التبرع هبة مستترة ، أو هبة غير مباشرة كتنازل عن حق شخصى أو حق عينى ( بودرى وبارد 1 فقرة 713 )  .

( [2036] )         نظرية العقد للمؤلف فقرة 751 ص 826 هامش رقم 2  .

( [2037] )         جروبيبه فقرة 236 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 964 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 751 ص 826 وهامش رقم 3 – وإذا كان التصرف المطعون فيه من شأنه أن يزيد فى التزامات المدين ، كقرض مثلا ، فإن عدم نفاذ عقد القرض فى حق الدائن السابق على هذا التصرف يجعل هذا الدائن يتقدم على المقرض فلا يزاحمه ولكن المقرض يزاحم الدائن اللاحق لعقد القرض ، إذ القرض نافذ فى حق هذا الدائن  . وهنا يجب التمييز بين قرضين : ( 1 ) فإذا كان الدائن اللاحق قد أصبح دائناً بموجب تصرف قانونى متأخر على عقد القرض ، فهذا التصرف الذى عقد بعد إعسار المدين يكون هو الآخر غير نافذ فى حق الدائن السابق  . فلو أن شخصاً لا يملك إلا عيناً قيمتها ألف ، وله دائن بهذا المبلغ ، ثم اقترض بعد ذلك مائة من دائن ثانٍ ، ثم مائة من دائن ثالثا ، فإن القرض الأول الذى كان سبباً فى إعساره لا ينفذ فى حق الدائن السابق على القرض ، وكذلك القرض الثانى لا ينفذ لنفس السبب  . فإذا فرضنا أن قيمة العين زادت وقت التنفيذ إلى ألف ومائة ، فإن الدائن الأول يتقدم على الدائنين الثانى والثالث ، فيستوفى ألفاً كاملة ، ويتزاحم الدائنان الثانى والثالث فى المائة الباقية كل منهما يصيبه خمسون  . ( 2 ) أما إذا كان الدائن اللاحق قد أصبح دائناً بموجب عمل مادى –كعمل غير مشروع - فأصبح للمدين دائنون ثلاثة ، دائن بألف ثم من أقرضه المائة ثم المضرون فى العمل غير المشروع ، فإن الدائن المقرض يكون عند ذلك وسطاً ما بين الدائن السابق والدائن اللاحق ، فهو يتأخر عن السابق ويزاحم اللاحق ، وفى الوقت ذاته يزاحم اللاحق السابق ، فينشأ من ذلك وضع شبيه بوضع الحوالة بين حجزين ، كما أشار إلى ذلك الأستاذ إسماعيل غانم ( أحكام الالتزام ص 156 هامش رقم 2 )  .

( [2038] )         أنظر آنفاً فقرة 567  .

( [2039] )         وقد قدمنا أن الدائن يستطيع أن يستعمل كلا من الدعوى البولصية والدعوى غير المباشرة ، إذا أخفق فى أحداهما لجأ إلى الأخرى  . ولكنه لا يستطيع الجمع بينهما فى إجراءات واحدة ، لأنهما دعويان مختلفان ( أنظر آنفاً فقرة 567 – وأنظر نظرية العقد للمؤلف فقرة 761 )  .

( [2040] )         نظرية العقد للمؤلف فقرة 761 – فقرة 762  .

( * ) مراجع : بارتان ( Bartin ) رسالة من باريس سنة 1885 – فوركاد ( Fourcade ) رسالة من نانسى سنة 1887 – جلاسون ( Glasson ) رسالة من باريس سنة 1897 – كازال ( Cazal ) رسالة من مونبيليه سنة 1897 – ليريبور بيجونيير ( Lerebours Pigeonniere ) رسالة من كان سنة 1898 – دبكار ( Descart ) رسالة من بوردو سنة 1907 – دافيد ( David ) رسالة من بواتييه سنة 1921 – بواسلو ( Boisselot ) رسالة من باريس 1926 – بلافان ( Flavin ) رسالة من باريس سنة 1929 – روسو ( Rousseau ) رسالة من باريس 1937 – ناوت ( Naut ) رسالة من باريس سنة 1951 ( على الآلة الكاتبة ) – مقال الأستاذ بلانيول فى المجلة الانتقادية سنة 1886 ص 622 وما بعدها – ديموج 1 فقرة 159 وما بعدها  .

مقال للأستاذ صليب سامى فى مجلة المحاماة السنة الثانية – بحث فى الصورية فى التصرف القانونى الأستاذ أحمد رفعت خفاجى المحاماة السنة 34 ص 1465 وما بعدها  .

( [2041] )         نقض مدنى 11 مارس سنة 1954 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 95 ص 592 – الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 123  .

( [2042] )         وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا دفع بصورية عقد بيع مسجل صادر من والد إلى ولده الصورية المطلقة ، فأحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق ، ثم استخلصت استخلاصاً سائغا من أقوال الشهود إثباتاً ونفياً –بعد أن أوردت مجمل هذه الأقوال فى حكمها - أن الطاعن فى العقد قد عجز عن إثبات دفعه بالصورية ، ثم خلصت إلى القول بأن العقد عقد تمليك قطعى منجز انتقلت الملكية بموجبه فوراً حال حياة البائع ، وأنه عقد صحيح سواء باعتباره بيعاً حقيقياً أو بيعاً يستر هبة ، وأنه حتى مع التسليم أن ثمناً لم يدفع فإنه لا مانع قانوناً من إفراغ الهبة المنجزة فى صورة عقد بيع صحيح ، فحكمها بذلك صحيح ، ولا وجه للطعن فيه بأنه فيما فعل قد خلط بين الصورية النسبية والصورية المطلقة ( نقض مدنى 20 ديسمبر سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 46 ص 256 – أنظر أيضاً : نقض مدنى 11 مارس سنة 1954 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 953 ص 592 وهو الحكم الذى سبقت الإشارة إليه )  .

( [2043] )         وهناك تعاقد بطريق التسخير غير الصورية بطريق التسخير ، ويدعى المسخر فيه بالاسم المستعار ( Prete - nom )  . ففى الصورية بطريق التسخير يتعاقد الشخص مع مسخر Personne interpose ) يتواطأ معه على تسخيره لمصلحة شخص ثالث يكون هو أيضاً عالماً بهذا التسخير  . أما فى التعاقد بطريق التسخير فإن المسخر ( Pret - nom ) يتعاقد مع شخص يغلب ألا يكون عالماً بالتسخير  . والمسخر هنا يبرم تصرفات ثلاثة كل منهم تصرف جدى  . الأول عقد وكالة يكون المسخر فيه وكيلا عن آخر فى تصرف فى عقد الوكالة  . والثانى يعقده المسخر فى الغير يبرم فيه هذا التصرف المعين لحساب الموكل ولكن باسمه هو فينصرف إليه أثر التصرف  . والثالث يعقده مع الموكل مرة أخرى ينقل له فيه أثر هذا التصرف الذى سبق أن عقده لحسابه مع الغير ( أنظر بلانيول وريبير وأسمان 6 ص 428 هامش رقم 2 )  .

( [2044] )         وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن الصورية تكون بإخفاء حقيقة العقد فى شكل عقد آخر ، أو بإخفاء اسم أحد المتعاقدين تحت اسم شخص آخر مستعار  . كما تكون بإظهار وجود عقد لا حقيقة له فى الوجود ( أول مايو سنة 1928 المحاماة 9 رقم 213 ص 216 )  .

( [2045] )         ولا تشترط المعاصرة المادية ، بل تكفى المعاصرة الذهنية ، أى المعاصرة التى دارت فى ذهن المتعاقدين وانعقدت عليها نيتها وقت صدور التصرف الظاهر وإن صدر التصرف المستتر بعد ذلك  . وقد قضت محكمة النقض بأن لمحكمة الموضوع ، بما لها من سلطة تفسير العقود وتقدير الوقائع ، أن تقرر أن العقد محل الدعوى ، وإن صدر فى يوم تال لعقد آخر ، بينه وبين العقد الآخر معاصرة ذهنية ، وأن العقد الأخير ، وإن وصف بأنه تراد أو تفاسخ ، هو فى حقيقته ، حسبما انعقدت عليه نية الطرفين ، ورقة ضد تفيد صورية العقد الأول ( نقض مدنى أول ديسمبر سنة 1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 13 ص 48 )  . وقضت أيضاً بأنه يكفى فى اعتبار الإقرار بمثابة ورقة ضد توافر المعاصرة الذهنية التى تربطه بالعقد ، وإن اختلف تاريخهما ( نقض مدنى 15 ديسمبر سنة 1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 30 ص 102 )  .

( [2046] )         بنى سويف الكلية 3 يونيه سنة 1925 المحاماة 6 رقم 309 ص 445 – كفر الشيخ 31 ديسمبر سنة 1917 المحاماة 11 رقم 51 ص 94 – أما الباعث على الصورية فليس ركناً فيها ، وقد قضت محكمة النقض بأن الباعث على الصورية ليس ركناً من أركان الدعوى بها ، فعدم صحة الباعث الذى أورده مدعى الصورية ليس من شأنه وحده رفض دعواه ( نقض مدنى أول سبتمبر سنة 1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 13 ص 48 )  .

( [2047] )         وقد لا يكونان سيء النية  . وقد قضت محكمة النقض بأن الحكم بصورية العقد لا يستلزم إثبات سوء نية الطرفين فيه ، ومع ذلك إذا كان الحكم قد استظهر هذا الأمر فلا يصح تعييبه به ( نقض مدنى 11 مايو سنة 1939 مجموعة عمر 2 رقم 181 ص 553 )  . وقد تجتمع الصورية والتدليس ، كما إذا اتفق البائع والمشترى على صورية البيع ، ولكن المشترى أعطى البائع " ورقة ضد " بتوقيع مزور ، تدليساً منه على البائع ( نقض مدنى 18 نوفمبر سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 73 ص 199 )  .

( [2048] )         استئناف أهلى 5 مايو سنة 1897 الحقوق 12 ص 216  .

( [2049] )         استئناف مختلف 20 ديسمبر سنة 1900 م 13 ص 69 –ديموج 1 ص 160 - والتون 2 ص 129 – ص 130 – ويجوز إثبات صورية عقد رسمى دون الطعن فيه بالتزوير ، مادام الخصم لا يدعى تزوير العقد ذاته ، بل يقتصر على الادعاء بأنه عقد غير جدى ( نقض فرنسى 4 يوليه سنة 1922 سيريه 1924 – 1 - 286 – بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 342 )  .

( [2050] )         ديموج 1 ص 263 – الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 244  .

( [2051] )         نقض مدنى 26 مارس سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 149 ص 421 – الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 244 مكررة – الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 124  .

( [2052] )         ديموج 1 ص 260 – بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة ص 460 هامش رقم 1  .

( [2053] )         أنظر فى تكييف العلاقة ما بين المشترى الظاهر الذى يحتفظ بحق اختيار الغير والمشترى المستتر بأنها وكالة إذا أعمل المشترى الظاهر حقه فى اختيار الغير ، وليست بوكالة إذا لم يختر أو اختار بعد الميعاد : نقض مدنى 9 مارس سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 81 ص 312  .

( [2054] )         ديموج 1 ص 268  . ولا صورية فى عقد يمكن تصحيحه من دليل داخل فى العقد ذاته ( intrinseque ) لا من دليل خارج عن العقد ( ertrinseque ) ( بيدان ولاجارد 9 فقرة 974 )  .

( [2055] )         قارن دى باج 2 فقرة 624 ص 590  .

( [2056] )         الأستاذ عبد الحى حجازى 3 ص 212  .

( [2057] )         أما إذا كان التصرف غير موجه إلى شخص معين ، كوعد بجائزة موجه إلى الجمهور ، فإن الصورية لا تتصور فيه ، فإذا كان الواعد غير جاد فى وعده ، لم تكن هناك صورية بل كان هذا اختلافاً بين الإرادة الظاهرة والإرادة الحقيقية قريباً من التحفظ الذهنى ( ديموج 1 فقرة 164 ص 267 )  .

( [2058] )         نقض مدنى 11 ديسمبر سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 128 ص 391 – الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 251 – أنظر فى عدم جواز الصورية فى الزواج والإقرار بالبنوة وجوازها فى الشركات : بيدان ولاجارد 9 فقرة 975 – فقرة 976 – وقارن دى باج فقرة 624 – ص 590  .

( [2059] )         تاريخ النصوص :

م 244 : ورد هذا النص فى المادة 324 من المشروع التمهيدى على نحو يكاد يكون مطابقاً لما استقر عليه فى التقنين الجديد  . ووافقت عليه لجنة المراجعة بعد تعديلات لفظية طفيفة جعلته مطابقاً لما استقر عليه ، وأصبح رقمه 251 فى المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 244 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 636 – ص 638 )  .

م 245 : ورد هذا النص فى المادة 325 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " 1 - يكون العقد المستتر هو النافذ فيما بين المتعاقدين والخلف العام ، ولا أثر للعقد الظاهر فيما بينهم  . 2 - إذا ستر المتعاقدان عقداً حقيقياً بعقد ظاهر ، فالعقد الحقيقى هو الصحيح ما دام قد استوفى شروط صحته "  . وفى لجنة المراجعة حذفت الفقرة الأولى ، واكتفى بالفقرة الثانية بعد تعديلهما على وجه جعلها مطابقة لما استقر عليه النص فى التقنين الجديد ، وأصبح رقم المادة 252 فى المشروع النهائى  . ووافق عليها مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 245 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 639 و ص 646 – ص 647 )  .

( [2060] )         على أن التقنين المدنى السابق اشتمل على نص خاص بالهبة المستترة فى صورة عقد آخر ، وهذا ضرب من ضروب الصورية كما قدمنا ، فنصت المادة 48 / 70 من هذا التقنين على أن " تنتقل الملكية فى الأموال الموهوبة ، منقولة كانت أو ثابتة ، بمجرد الإيجاب من الواهب والقبول من الموهوب له ، إنما إذا كان العقد المشتمل على الهبة ليس موصوفاً بصفة عقد آخر ، فلا تصح الهبة ولا القبول إلا إذا كانا حاصلين بعقد رسمى ، وإلا كانت الهبة لاغية "  . وقد تضمنت الفقرة الأولى من المادة 488 من التقنين المدنى الجديد هذا الحكم على الوجه الآتى : " تكون الهبة بورقة رسمية وإلا وقعت باطلة ، ما لم تتم تحت ستار عقد آخر "  .

أنظر فى اقتضاب التقنين المدنى السابق فى موضوع الصورية نظرية العقد للمؤلف فقرة 752  .

( [2061] )         التقنين المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 245 - 246 ( مطابقتان لنصوص التقنين المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى م 147 - 148 ( مطابقتان لنص المشروع التمهيدى ، ولأحكام التقنين المصرى )  .

م 149 : لا يجوز الطعن بالصورية فى التصرفات الواقعة على العقار بعد تسجيلها فى دائرة الطابو  . ( والسبب فى ذلك أن نظام التسجيل العراقى هو نظام السجل العقارى ( Livre Foncier ) ، وجهة التسجيل هناك نسمى الطابو عن اللغة التركية ، ومتى سجل العقد انتقل الحق العينى بقوة التسجيل ، فلم يعد هناك محل للطعن فى العقد بالصورية )  .

التقنين المدنى للمملكة الليبية المتحدة م 247 - 248 ( مطابقتان لنصوص التقنين المصرى )  .

تقنين أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 160 : إن الأوراق السرية التى يراد بها تعديل سند رسمى أو سند ذى توقيع خاص لا يسرى مفعولها إلا بين المتعاقدين وخلفائهم العموميين  .

م 161 : إن دائنى المتعاقدين وخلفاءهم الخصوصيين الذين أنشئ السند الظاهرى احتيالا للإضرار بهم ، يحق لهم أن يقيموا دعوى إعلان التواطؤ وأن يثبتوه بجميع طرق الإثبات  .

( والأحكام لا تختلف عما هى عليه فى التقنين المصرى ، وإن اختلفت العبارة : أنظر الدكتور صبحى المحمصانى فى آثار الالتزام فى القانون المدنى اللبنانى ص 68 - ص 71 )  .

( [2062] )         استئناف مختلط 5 ديسمبر سنة 1901 م 14 ص 36 – 19 مارس سنة 1903 م 15 ص 203 – أول فبراير سنة 1905 م 17 ص 95 – 13 أبريل سنة 1926 م 38 ص 346 – شبين الكوم الكلية 11 مارس سنة 1931 المحاماة 12 رقم 329 ص 646 – وقد حاولت بعض محاكم فرنسا الاستئنافية أن تجعل العقد الظاهر هو الذى يسرى فى العلاقة فيما بين المتعاقدين على أساس القاعدة التى تقضى بأنه لا يجوز للشخص أن يتمسك بالغش الصادر منه ( Nemo auditor Progriam turqitudinem allegans ) ، ولكن هذا الرأى لم يسد ، وقد قدمنا أن المتعاقدين فى الصورية لا يغش أحداهما الآخر حتى لا يجوز له أن يتمسك بغشه ، بل الاثنان متواطئان معاً على الصورية  .

أنظر أيضاً المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 646  .

( [2063] )         الأستاذ سلمان مرقس فى الإثبات فقرة 209 ص 389 – استئناف مختلط 11 فبراير سنة 1892 م 4 ص 108 – 27 مارس سنة 1902 م 14 ص 232 – 13 مايو سنة 1909 م 21 ص 384  .

( [2064] )         ولكنه إذا تصرف فيها فانتقلت إلى خلف خاص ، كان الخلف الخاص من الغير واستطاع أن يحتج بالعقد الصورى كما سنرى  . ومن ثم أمكن الأستاذ فلاتية ( Flattet ) فى كتابه " العقود لحساب الغير " أن يجعل البائع والمشترى الصوريين شريكين فى حق واحد ( Cotitulaires du droit ) ( فلاتيه فى العقود لحساب الغير فقرة 120 – فقرة 133 )  .

( [2065] )         هذا ما لم يكن الوارث قد اشترى العين من مورثه قبل موته بعد حدى وهو حسن النية ، فيصبح الوارث هنا من الغير وتنتقل إليه الملكية بالبيع لا بالميراث ، ولا يحتج عليه بالعقد المستتر مادام لا يعلم به ( استئناف مصر 9 مارس سنة 1943 المجموعة الرسمية 44 ص 13 )  .

وإذا طعن الوارث بالصورية فى تصرف صدر من مورثه إضراراً بحقوقه فى الإرث ، فإنه لا يصبح غيراً ، ولكن له فى هذه الحالة أن يثبت الصورية بجميع الطرق لوجود تحايل على القانون ، وسيأتى بيان ذلك  .

( [2066] )         ديموج 1 ص 262 – ص 263  .

( [2067] )         ديموج 1 ص 259 هامش رقم 3  .

( [2068] )         هذا هو النص المقتضب الذى تضمنه التقنين المدنى الفرنسى فى الصورية ، وقد ورد فى مكان غير مناسب هو باب إثبات الالتزام  . وقد تضمنت التقنينات الحديثة نصوصاً عامة فى الصورية  . فقضت المادة 117 من التقنين المدنى الألمانى بجعل العقد الحقيقى هو الذى يسرى دون العقد الظاهر ، حتى بالنسبة إلى الغير  . أما تقنين الالتزامات السويسرى ( م 18 فقرة 2 ) فقد قضى ، على العكس من ذلك ، بسريان العقد الظاهر  . وجاءت نصوص المشروع الفرنسى الإيطالى أحكم من نصوص التقنينيين المتقدمين وأكثر استيعاباً للموضوع ، فنصت المادة 49 من هذا المشروع على أنه " فى حالة الصورية لا ينتج العقد الظاهر أثراً فيما بين المتعاقدين ، وإذا قصد المتعاقدان ، باتخاذهما شكل عقد معين ، أن يبرما عقداً آخر ، فهذا العقد الأخير يكون صحيحاً إذا توافرت فيه كل الشروط الموضوعية اللازمة لصحته ، ويجوز لدائنى المتعاقدين وللغير أن يتمسكوا بالعقد الظاهر إذا كانوا حسنى النية ، ويجوز لهم أيضاً أن يثبتوا الصورية التى وقعت ضارة بهم ، ويجوز إثبات الصورية بكل الطرق حتى فيما بين المتعاقدين "  . ونصت المادة 50 على أن " العقود المستترة التى لم يقرر القانون بطلانها تنتج أثرها فيما بين المتعاقدين وخلفهما العام ، ولا يجوز التمسك بها على من لم يكن طرفاً فيها ، ولكن هؤلاء لهم أن يتمسكوا بها "  . ويلاحظ أن المشروع الفرنسى الإيطالى لم يخرج على القواعد العامة فى أحكام الصورية إلا فى مسألة واحدة ، وهى إثبات الصورية فيما بين المتعاقدين ، فقد أجاز هذا الإثبات بجميع الطرق  .

( [2069] )         ديمولومب 24 فقرة 370 – أوبرى ورو 1 فقرة 35 – بودرى وبارد 4 فقرة 2400 – ديموج 1 فقرة 160 و 7 فقرة 1143 – بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 335 – نقض فرنسى 6 مارس سنة 1883 داللوز 84 – 1 – 11 – 30 مايو سنة 1900 ، سيريه 1901 1 – 27 – 2 مارس سنة 1904 داللوز 1904 – 1 – 615 – 12 مارس سنة 1918 سيريه 1920 – 1 - 71  .

( [2070] )         دى هلتس 1 لفظ ( Acte ) فقرة 102 – والتون 2 ص 132 – 133 – الأستاذ محمد صالح فى الالتزامات فقرة 315 – مذكرات الأستاذ محمد صادق فهمى فقرة 542 ، وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن الدعوى بصورية عقد لا تكفى للحكم ببطلانه ، وإنما يجب بيان العلة التى من أجلها تحرر العقد الصورى ، لأن الصورية وحدها لا تقتضى بطلان العقد ، وإنما يبطل إذا كان الغرض من الصورية مخالفة القوانين ( 30 نوفمبر سنة 1927 المحاماة 8 رقم 310 ص 477 )  . وقضت محكمة النقض بأن ورقة الضد غير المسجلة يجوز الاحتجاج بها على طرفيها ولو كانت فى صيغة تفاسخ ، متى كان الثابت أنها ليست فى حقيقتها تفاسخاً بل إقراراً بصورية عقد آخر أفرغ فى صورة تفاسخ ، كما أنه يصح أن يواجه بها الغير ولو كانت غير مسجلة متى ثبت علمه بها ( نقض مدنى أول ديسمبر سنة 1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 13 ص 48 )  . أنظر أيضاً : استئناف أهلى 27 يناير سنة 1900 الحقوق 15 ص 44 – استئناف مصر أول مايو سنة 1928 المحاماة 9 رقم 123 ص 216 – استئناف مختلط 5 يونيه سنة 1879 المجموعة الرسمية للقضاء المختلط 4 ص 376 – 15 مارس 1888 بوريللى بك م 293 رقم 5 – 11 فبراير سنة 1892 م 4 ص 108 – 18 ديسمبر سنة 1895 م 8 ص 43 – 12 يناير سنة 1898 م 10 ص 95 – 10 ص 95 – 4 أبريل سنة 1901 م 13 ص 235 – 5 ديسمبر سنة 1901 م 14 ص 36 – 27 مارس سنة 1902 م 14 ص 232 – 19 مارس سنة 1903 م 15 ص 203 – أول فبراير سنة 1905 م 17 ص 95 – 13 مايو سنة 1909 م 21 ص 384 – 22 فبراير سنة 1916 م 28 ص 163 – 7 مارس سنة 1922 م 34 ص 223 – 25 يناير سنة 1923 م 35 ص 185 – 9 فبراير سنة 1930 م 42 ص 263  .

( [2071] )         استئناف مختلط 30 مايو سنة 1912 م 24 ص 375 – 12 مارس سنة 1914 م 26 ص 282  .

( [2072] )         بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 462 هامش رقم 1 – أوبرى ورو طبعة سادسة 1 فقرة 35 ص 225 – كولان وكابيتان لامورانديير 2 فقرة 190 – فقرة 191  .

( [2073] )         ويجب أن يكون العقد المستتر مباحاً ، فإذن كان غير مباح كان باطلا ، حتى لو ستره عقد مباح  . مثل ذلك ما تقضى به المادة 911 من التقنين المدنى الفرنسى من أن الهبة لشخص غير أهل لقبولها تكون باطلة ولو كانت مستترة  . بل قد يبيح القانون العقد الظاهر فى نفسه والعقد المستتر فى نفسه ، ولكن لا يبيح أن يجتمع العقدان ليستر الأول منهما الثانى  . مثل ذلك ما كانت المادة 339 / 422 من التقنين المدنى السابق ( المعدلة بالقانونين رقم 49 و 50 لسنة 1923 ) تقضى له من أنه إذا كان الشرط الوفائى مقصوداً به إخفاء رهن عقارى ، فإن العقد يعتبر باطلا لا أثر به ، سواء بصفته بيعاً أو رهناً  . ففى هذا الفرض كان البيع الوفائى مباحاً فى ذاته ، وكذلك رهن الحيازة ، ولكن غير مباح أن يستتر رهن الحيازة فى صورة بيع وفائى ، فإذا وقع ذلك كان كل من رهن الحيازة والبيع الوفائى باطلا لاعتبارات ترجع إلى النظام العام  . أنظر فى بطلان العقد المستتر والعقد الصورى للسبب غير المشروع : بيدان ولاجارد 9 فقرة 978  .

وفى قضية أخذت محكمة الاستئناف المختلطة المتعاقدين –لا الغير - بالعقد الصورى لا بالعقد الحقيقى جزاء لهما على الغش ، فقضت بأن المشترى لا يجوز له رفض ما يعرضه الشفيع من الثمن الوارد فى العقد بدعوى أنه أقل من الثمن الحقيقى  . إذا ثبت أن المشترى والبائع قد اتفقا على ذلك حتى ينقصا من قيمة الرسوم التى يجب دفعها للخزانة ، ومن جهة أخرى لا يجوز لبائع فى هذه الحالة أن يرجع على المشترى بالفرق فى الثمن ( 22 فبراير سنة 1924 م 36 ص 170 )  . ويلاحظ فى هذه القضية أن المحكمة قد أوقعت عقوبة على البائع جزاء غشه للخزانة دون نص يخول لها ذلك ، فالبائع قد اضطر إلى قبول ثمن أقل مما باع به من أن العقد الحقيقى هو الذى يجب أن يسرى فى علاقته بالشفيع ، إذ الشفيع لا يعتبر من الغير حتى يخير بين العقد الظاهر والعقد الحقيقى ، وإن كانت محكمة النقض اعتبرته من الغير فى قضية مماثلة  . وسنعود إلى هذه المسألة ( أنظر الفقرة التالية )  .

( [2074] )         كذلك يجب إنقاص الهبة ( reduction ) حتى تصل إلى الحد المسموح به ( quotite disponible ) بالنسبة إلى الورثة إذا كانت الهبة لوارث فى القانون الفرنسى ، ويلاحظ أن هذه الأحكام –إنقاص الهبة وحسابها من نصيب الوارث - تسرى فى علاقة الموهوب له بالورثة ، وهؤلاء يعتبرون من الغير فى مثل هذه الحالة ( نظرية العقد للمؤلف ص 837 هامش رقم 3 )  .

( [2075] )         بيدان ولاجارد 9 فقرة 973 – فلا يشترط فى القانونين المصرى والفرنسى أن يثبت دائن الشخص الذى صدرت منه هبة فى صورة بيع سوء نية الموهوب له ، ولا يشترط فى القانون المصرى إثبات سوء نية الواهب نفسه  .

( [2076] )         نقض مدنى 5 أبريل سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 96 فقرة 573  .

( [2077] )         بيدان ولاجارد 9 فقرة 973 –نقض مدنى 28 يناير سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 21 ص 47 - فيجب إذن توافر الشروط الشكلية والموضوعية فى العقد الظاهر  . وعلى هذا الرأى سارت محكمة الاستئناف الأهلية فى دوائرها المجتمعية فيما يتعلق بالهبة المستترة فى صورة البيع ، فيشترط أن يكون البيع الصورى بيعاً كاملا فى مظهره ومن حيث استكماله للشروط الموضوعية ، فإذا نص على هبة الثمن بطلى العقد حتى فيما بين المتعاقدين ( أول مايو سنة 1922 المجموعة الرسمية 23 رقم 42 ص 68 )  . وقد كان القضاء المختلط يميل إلى جواز أن ينص على هبة الثمن ( استئناف مختلط 12 مايو سنة 1910 م 22 ص 297 – 11 يناير سنة 1912 م 24 ص 86 – 22 فبراير سنة 1912 م 24 ص 155 – 28 مارس سنة 1918 م 30 ص 316 )  . قارن الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 246  . وهذه مسألة مختلفة فيها فى فرنسا ، فرأى يشترط توافر الشروط الموضوعية ( نقض فرنسى 20 أبريل سنة 1893 سيريه 93 – 1 – 413 – 22 أبريل سنة 1913 داللوز 1914 – 1 – 193 ) ، ورأى لا يشترط ( نقض فرنسى 3 ديسمبر سنة 1912 سيريه 1914 – 1 - 388 ) ، وأنظر فى هذه المسألة ديموج 1 فقرة 167 ص 270 – ص 272  .

وإذا أبرم وصى عقداً صوريا عن القاصر مما يجب فيه إذن المحكمة الحسبية ، فالعقد الصور لا يكون له أثر بالنسبة إلى الغير إلا إذا اشتمل على إذن المحكمة الحسبية ، والعقد المستتر ذاته يجب الحصول فيه على الإذن ليكون صحيحاً حتى فيما بين المتعاقدين ، ما لم يقتصر على تقرير صورية العقد الظاهر ( أنظر فى هذا المعنى بيدان ولاجارد 9 فقرة 974 )  .

( [2078] )         استئناف مختلط 29 يناير سنة 1942 م 54 ص 77 – دى باج 2 فقرة 628  .

( [2079] )         استئناف مختلط 21 مايو سنة 1946 م 58 ص 188  .

( [2080] )         قارن الأستاذ سليمان مرقس الإثبات فقرة 209  .

( [2081] )         استئناف مختلط 13 مايو سنة 1909 م 21 ص 384 – قارن : نقض مدنى 27 مارس سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 179 ص 387 مع تعليق الأستاذ محمد حامد فهمى ، ويشترط هذا الحكم خطأ أن يكون عقد الخلف الخاص سابقاً على التصرف الصورى ( أنظر الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام ص 175 هامش رقم 2 )  .

( [2082] )         ويلاحظ أن الدائن الذى ارتهن الدار من البائع قبل صدور التصرف الصورى يندر أن تكون له مصلحة فى الطعن بالصورية ، لأن حق رهنه محفوظ حتى لو كان البيع الصورى جدياً  . ومع ذلك يتفق أن تكون له مصلحة ، كما إذا لم يكن قد قيد الرهن قبل التصرف الصورى ، فله مصلحة فى إسقاط البيع الصورى حتى يستطيع أن يقيد رهنه  . وحتى إذا كان قد قيد رهنه قبل صدور البيع الصورى ، فتبقى له مع ذلك مصلحة فى التمسك بصورية البيع حتى لا يتتبع العقار فى يد المشترى فيتحمل إجراءات التطهير  . وفى بعض القضايا التى عرضت على محكمة الاستئناف المختلطة تبين أن الدائن المرتهن الذى قيد رهنه قبل التصرف الصورى الصادر من مدينه له مصلحة فى الطعن بالصورية ، فإنه كان قد اتخذ إجراءات نزع ملكية العقار المرهون فى مواجهة المدين وحده دون الحائز ، فطعن فى تصرف المدين بالصورية حتى لا يحكم ببطلان هذه الإجراءات ( 3 مارس سنة 1921 م 33 ص 199 – أنظر أيضاً : استئناف مختلط 3 فبراير سنة 1921 م 33 ص 169 – 3 يناير سنة 1922 م 34 ص 97 )  .

( [2083] )         ويترتب على ذلك أنه لا يجوز للبائع أن يتمسك على الدائن المرتهن للعقار المبيع ، إذا كان هذا الأخير كسب حق الرهن من المشترى ، بسند مستتر جاء فيه أن المشترى لم يدفع الثمن خلافاً لما ورد فى عقد البيع ( استئناف مختلط 6 فبراير سنة 1930 م 42 ص 263 ) ، ولا يجوز أيضاً التمسك بذلك قبل المشترى من المشترى ( استئناف مصر 22 نوفمبر سنة 1927 المحاماة 8 رقم 239 ص 317 )  .

( [2084] )         وقد يكون الشيء محل التصرف الصورى هو دين صورى عقده المدين ، فيعتبر من الغير فى هذا الدين الصورى من كسب حقاً عينياً على هذا الدين  . فإذا حول الدائن فى هذا الدين الصورى الدين إلى محال له يجهل صوريته ، كان المحال له غيرا ، ولا يستطيع المدين فى الدين الصورى أن يتمسك قبله بصورية الدين ، إذا للغير كما سنرى أن يتمسك بالعقد الصورى إذا كانت له مصلحة فى ذلك ( بنى سويف 6 أكتوبر سنة 1919 المجموعة الرسمية 21 رقم 107 ص 172 – استئناف مختلط 11 فبراير سنة 1892 م 4 ص 108 – 27 يناير سنة 1897 م 9 ص 135 – 7 فبراير سنة 1929 م 41 ص 209 – 26 فبراير سنة 1946 م 58 ص 59 )  . وقد يكون الدين حقيقياً غير صورى ، ويحوله الدائن حوالة صورية ، فيكون طرفا الصورية فى هذه الحالة هما الدائن المحيل والمحال له  . أما المدين المحال عليه فهو ليس بطرف فى الحوالة الصورية ، ولكنه لا يعتبر غيراً فيها ، إذ هو ليس بدائن ولا يخلف خاص لأى من طرفى الصورية ( أنظر الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 249 وقارن الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 128 )  . فإذا دفع الدين للمحال له معتقداً بحسن نية أن الحوالة جدية ، كان الدفع صحيحا مبرئاً لذمته ، لا لأنه من الغير فى الحوالة ومن حقه أن يتمسك بالعقد الصورى ، بل لأنه دفع الدين إلى الدائن الظاهر بحسن نية  . وإذا كان الدين المحال به حوالة صورية دينا متنازعاً فيه ، وأراد المدين أن يتخلص منه بدفعه الثمن والمصروفات ، وعارض المحيل أو المحال له فى ذلك متمسكاً بأن الحوالة صورية ، فيبدو لنا أن المدين لا يحق له التخلص من الدين بدفعه الثمن والمصروفات لأنه ليس من الغير حتى يحق له التمسك بالعقد الصورى ( قارن نظرية العقد ص 833 هامش رقم 1 حيث أوردنا رأياً وأحكاماً بعكس ذلك )  .

( [2085] )         وقد سبق أن بينا أن الشفعة واقعة مركبة ( Fait Complexe ) ، اقترن فيها بيع العين المشفوعة مع الشيوع أو الجوار ، وهذه واقعة مادية ، بإعلان الشفيع رغبته فى الأخذ بالشفعة ، وهذا تصرف قانونى ( الوسيط الجزء الأول ص 132 هامش رقم 2 )  . فيدخل إذن فى تركيب الشفعة ، كسبب لكسب الملكية ، البيع الذى يأخذ فيه الشفيع بالشفعة ، ويعتبر هذا البيع بالنسبة إلى الشفيع واقعة مادية كما سبق القول  .

( [2086] )         ومع ذلك فقد جرى قضاء محكمة النقض على عكس هذا الرأى الذى نقول به  . فقد قضت بأن الشفيع ، بحكم أنه صاحب حق فى أخذ العقار بالشفعة ، يعتبر من طبقة الغير بالنسبة لطرفى عقد البيع بسبب الشفعة ، ومن ثم لا يحتج عليه إلا بالعقد الظاهر ، وإذن فمتى كان الحكم المطعون فيه إذ قضى للمطعون عليها الأولى بالشفعة مقابل الثمن الوارد بالعقد المسجل الصادر من الشركة البائعة إلى الطاعنين –ويقول الطاعنون إن بيوعاً متعاقبة توسطت بينهم وبين الشركة بأثمن أعلى ولكن لما كانت هذه البيوع عقوداً عرضية لم تسجل فقد آثروا أن يصدر البيع رأساً من الشركة إليهم بثمن صورى هو الثمن الذى تقاضته الشركة فى الحال - قد نفى بأدلة مسوغة علم المطعون عليها الأولى بأن الثمن الحقيقى يختلف عن الثمن الوارد بالعقد ، فإن النعى عليه بمخالفة القانون يكون على غير أساس ( نقض مدنى 29 يناير سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 59 ص 411 )  . وقد رأينا أن محكمة الاستئناف المختلطة ( أنظر آنفاً فقرة 620 فى الهامش ) قد قضت بأن المشترى لا يجوز له رفض ما يعرضه الشفيع من الثمن الوارد فى العقد بدعوى أنه أقل من الثمن الحقيقى إذا ثبت أن المشترى والبائع قد اتفقا على ذلك حتى ينقصا من قيمة الرسوم التى يجب دفعها للخزانة ، ومن جهة أخرى لا يجوز للبائع فى هذه الحالة أن يرجع على المشترى بالفرق فى الثمن ( 22 فبراير سنة 1924 م 36 ص 170 )  . وقد أوردنا هذا الحكم فى كتاب " نظرية العقد " ( ص 835 هامش رقم 4 ) ، وقلنا هناك إن المحكمة جعلت العقد الصورى هو الذى يسرى فيما بين المتعاقدين عقاباً لهما على الغش فى حق الخزانة ، والعقوبة لا تكون إلا بنص ( أنظر أيضاً آنفاً فقرة 620 فى الهامش )  . ونقول هنا ، بالإضافة إلى ما تقدم ، إن الشفيع لا يعتبر من الغير حتى يجوز له أن يتمسك بالعقد الظاهر  .

ويؤيد الأستاذ إسماعيل غانم المبدأ الذى أخذت به محكمة النقض ، ويعتبر الشفيع غيراً له أن يأخذ بالثمن الوارد فى عقد البيع ولو كان أقل من الثمن الحقيقى ، ويقول إن القول بغير هذا " يؤدى إلى نتيجة غير عادلة وهى سقوطه الحق فى الأخذ بالشفعة إذا كان الشفيع قد أودع الثمن الظاهر وفات ميعاد الثلاثين يوماً دون أن يعلم بالثمن الحقيقى " ( أحكام الالتزام فقرة 130 ص 177 وهامش رقم 1 )  . ولكن هذا الاعتراض يسهل دفعه ، فإن الشفيع لا يلزم أن يودع إلا الثمن الوارد فى العقد ما دام لا يعلم بالثمن الحقيقى ، فإذا ثبت أن الثمن الحقيقى أكبر من الثمن الوارد فى العقد ، وجب عليه أن يبلغ ما أودعه إلى مقدار الثمن الحقيقى حتى بعد فوات ميعاد الثلاثين يوماً  .

وللمبدأ الذى أخذت به محكمة النقض  . ونقول بعكسه ، تطبيقات هامة أخرى  . من ذلك أن الشفعة ، وفقاً لهذا المبدأ ، تجوز فى البيع الصورى وفى البيع الساتر لهبة ، إذ يأخذ الشفيع بالعقد الظاهر  . وقد قضت محكمة النقض بأن الشفعة جائزة فى الهبة المستترة فى صورة البيع ، ذلك أن الشفيع ، يحكم أنه صاحب حق فى أخذ العقار بالشفعة ، من طبقة الغير بالنسبة إلى الطرفين المتعاقدين ، البائع والمشترى ، فله أن يتمسك بالعقد الظاهر دون العقد المستتر ، ومن ثم لا يجوز أن يحتاج بالعقد المستتر إلا إذا كان هذا العقد مسجلا أو كان هو عالماً بصورية العقد الظاهر أو بوجود ورقة ضد ( نقض مدنى 15 مايو سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 161 ص 1063 ) – وقضت أيضاً بأن الشفيع من الغير ، فلا يحتج عليه بغير العقد الظاهر ، ومن ثم يكون له الأخذ بالشفعة اعتماداً على العقد الظاهر ، دون نظر إلى العقد المستتر ( نقض مدنى 25 مارس سنة 1954 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 104 ص 635 )  . وقضت بأن من المقرر قانونا أن ورقة الضد لا يحتج بها إلا فيما بين العاقدين ، وأن للغير أن يتمسك بالعقد الظاهر ، وذلك سواء أكانت ورقة الضد ثابتة التاريخ أم كانت غير ثابتة ما دامت هى لم تسجل  . فمتى كان العقد صريحاً أنه بيع لا رهن ، فلا يجوز قانونا التمسك قبل الشفيع –وهو من طبقة الغير بالنسبة إلى ذلك العقد - بأنه رهن لا ربيع ، بناء على إقرار من البائع بذلك مقول أنه صار ثابت التاريخ بوفاة بعض الشهود الموقعين عليه ( نقض مدنى 23 نوفمبر سنة 1944 مجموعة عمر رقم على الشفيع بسند مستتر جاء فيه أن البيع ليس إلا ضمانا للمشترى لحق له فى ذمة البائع ، حتى إذا دفع البائع الدين فسخ البيع ( 27 مارس سنة 1902 م 14 ص 232 )  .

ولا نرى ، فى كل ما تقدم من التطبيقات ، أن الشفيع يعتبر غيراً فى الصورية ، فليس له أن يأخذ بالشفعة فى البيع الصورى ، ولا فى البيع الساتر لهبة ، ولا فى أى بيع يستر عقداً لا يجيز الأخذ بالشفعة  . والأحكام التى اعتبرته غيراً لا تتمشى ، فى رأينا ، مع منطق الغيرية فى الصورية على النحو الذى أوضحناه ( أنظر من هذا الرأى الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات فقرة 514 مكررة ب عكس ذلك الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 130 ص 177 وهامش رقم 3 )  .

والظاهر من التحليل الذى قدمناه أن هناك طائفة –غير المتعاقدين والخلف العام - لا تدخل مع ذلك فى طبقة الغير  . فهذه يسرى فى حقها العقد الحقيقى ، لأن هذا هو مقتضى تطبيق القواعد العامة ، إذا سريان العقد الصورى إنما يكون استثناء على خلاف القواعد العامة وفى حق طبقة الغير دون غيرها  . والشفيع يدخل فى هذه الطائفة المشار إليها ، فيسرى فى حقه العقد الحقيقى لا العقد الصورى  . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الشفيع إذا أراد الأخذ بالشفعة من المشترى ، وباع المشترى العقار لمشتر ثان ، يستطيع أن يطعن فى البيع الثانى بالصورية ، حتى يأخذ العقار من المشترى الأول بشروط البيع الأول ، وقد تكون أصلح من شروط البيع الثانى ( 13 فبراير سنة 1923 م 35 ص 212 ، وأنظر أيضاً استئناف أهلى 31 ديسمبر سنة 1922 المجموعة الرسمية 25 رقم 69 – وقارب : استئناف مختلط 3 أبريل سنة 1913 م 25 ص 281 )  . وليس هذا معناه أن الشفيع ، إذ يطعن فى البيع الثانى بالصورية ، يكون غيراً ، فهو ليس من طبقة الغير كما قدمنا ، بل يسرى فى حقه دائماً العقد الحقيقى دون العقد الصورى  . وهو يتمسك بالبيع الأول لأنه البيع الحقيقى ، ويطعن بالصورية فى البيع الثانى حتى يستبعد سريانه فى حقه  . ولو كان الشفيع غيراً ، لجاز له أن يتمسك بالبيع الصورى إذا كانت شروط هذا البيع أفضل له من شروط البيع الحقيقى ، ولكنه لا يستطيع ذلك فى رأينا ، ولا يجوز له أن يأخذ الشفعة إلا على أساس البيع الحقيقى  .

وهناك ، غير الشفيع ، أشخاص آخرون يدخلون فى هذه الطائفة التى لا تعتبر من طبقة الغير ، فلا يسرى فى حقهم إلا العقد الحقيقى ، ولهم أن يتمسكوا بصورية العقد الظاهر  . من ذلك ما قضت به محكمة النقض من أن الصورية فى العقود يصح التمسك بها لكن ذى مصلحة ولو لم تكن بينه وبين العاقدين رابطة عقدية ، وعلى ذلك يجوز الطعن من مشترى العقار بصورية العقد الصادر ببيع العقار ذاته من بائع آخر إلى مشتر آخر ( نقض مدنى 20 مارس سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 173 ص 382 – أنظر أيضاً : استئناف مختلط 4 يونيه سنة 1946 م 58 ص 224 )  . ومن ذلك أيضاً ما قضت به محكمة الاستئناف المختلطة من أنه يجوز للحائز ، ولو لم يثبت أنه مالك ، أن يدفع دعوى الاستحقاق بصورية البيع الصادر إلى مدعى الاستحقاق ( استئناف مختلط 3 فبراير سنة 1949 م 61 ص 56 )  . ومتى قامت قرائن قضائية تلقى الشك فى جدية البيع ، ينتقل عبء الإثبات إلى من يتمسك بهذا البيع ، وعليه أن يثبت هو أن البيع غير صورى أو أن هذه القرائن القضائية لا دلالة لها ( استئناف مختلط 8 فبراير سنة 1949 م 61 ص 56 ) وللخزانة العامة أنن تتمسك بالصورية إذا تضمن العقد بياناً غير حقيقى للإضرار بها ( استئناف مختلط 3 مايو سنة 1899 م 11 ص 213 ) – على أنه يجب للتمسك بصورية العقد الظاهر أن تكون هناك مصلحة شخصية مباشرة لمن يطعن بالصورية فى هذا العقد ، فلا يجوز لناخب التمسك بصورية عقد يملك مرشح بموجبه النصاب القانونى ( نقض فرنسى 11 أبريل سنة 1910 سيريه 1912 – 1 – 97 – 14 مارس سنة 1911 سيريه 1912 – 1 – 99 ديموج 1 فقرة 265 )  . ولكن يجوز ذلك لمرشح آخر يناقش المرشح الأول ، إذ أن لهذا المرشح الآخر مصلحة شخصية مباشرة فى الطعن بالصورية  . قارن فى كل ذلك الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 128  .

( [2087] )         الوسيط الجزء الأول فقرة 381 ص 586 هامش رقم 2  .

( [2088] )         استئناف أهلى 28 مايو سنة 1913 المجموعة الرسمية 15 رقم 7 ص 14 – 27 ديسمبر سنة 1916 المجموعة الرسمية 18 رقم 43 ص 75 – استئناف مختلط 22 فبراير سنة 1916 م 28 ص 163 – 25 يناير سنة 1923 م 35 ص 185  . أنظر مع ذلك : استئناف مختلط 15 فبراير سنة 1922 م 34 ص 179  .

( [2089] )         فإذا حكم بصورية بيع سقط دين الثمن فى علاقة الدائن الصورى بسائر الدائنين المحكوم لهم بالصورية ، وامتنعت مزاحمة هذا الدائن لهم فى تقاضى دينه الصورى من ملك المدين المبطل التصرف فيه ، إلى أن يستوفوا هم دينهم منه ومن غلته بطريق الأولوية ( نقض مدنى 22 مارس سنة 1934 مجموعة عمر 1 رقم 173 ص 344 )  . وإذا باع شخص عيناً لآخر بيعاً صورياً ، فباعها المشترى الصورى هو أيضاً بيعاً صورياً لمشتر ثان ، فإن البائع الصورى الأول –وهو المشترى الأول إلى المشترى الثانى ، فيجوز له إثبات هذه الصورية بجميع طرق الإثبات ( نقض مدنى أول ديسمبر سنة 1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 13 ص 48 )  .

( [2090] )         نقض مدنى 25 أبريل سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 67 ص 154 – استئناف مختلط 16 مايو سنة 1939 م 51 ص 324  .

( [2091] )         استئناف مصر أول مايو سنة 1928 المحاماة 9 ص 216 – 17 مارس سنة 1932 المحاماة 13 ص 174 – أسيوط الكلية 11 أبريل سنة 1928 المجموعة الرسمية 29 رقم 75 / 1 – استئناف مختلط 15 يناير سنة 1931 م 43 ص 155 – 6 مايو سنة 1931 م 43 ص 375 – 24 نوفمبر سنة 1931 م 44 ص 28 – ويقول بلانيول وريبير وأسمان ( جزء 6 فقرة 337 ص 464 – ص 465 ) إن الأمر إذن ليس مقصوراً على حماية الدائنين الذين كان لهم أن يطمئنوا إلى تصرف ظاهر وقت ثبوت حقهم ، فإن دائن المشترى الذى ثبت حقه قبل صدور البيع الصورى لا يمكن أن يكون قد اطمأن وقت ثبوت حقه إلى أن مدينه مالك للشيء المبيع صورياً ، لأن المدين لم يكن قد اشترى الشيء وقت ذلك ، ولا يستطيع من جهة أخرى أن يستند إلى عقد البيع الذى ملك المشترى بموجبه الشيء فى الظاهر لأنه عقد صورى وليس له وجود قانونى  . فهناك إذن فكرة إيقاع عقوبة على متعاقدين يظهران غير ما يبطنان ، فيؤخذان بما يظهر أنه إذا كان الغير مصلحة فى ذلك  .

( [2092] )         ويتمسك به الغير طبعاً عند تحقق المصلحة له فى ذلك : استئناف مصر 12 فبراير سنة 1928 المجموعة الرسمية 29 رقم 126 / 3 – استئناف مختلط 27 مارس سنة 1902 م 14 ص 232 – 9 أبريل سنة 1902 م 14 ص 220 – 17 مارس سنة 1903 م 15 ص 201 – 19 مارس سنة 1903 م 15 ص 203 – 28 مارس سنة 1912 م 24 ص 237 – 3 مارس سنة 1921 م 33 ص 199 – أنظر أيضاً دى هلتس 1 لفظ Acte فقرة 104 – الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الإثبات ص 326 وما بعدها  .

( [2093] )         وحتى لو كان العقد الظاهر قد تأيد بحكم ، فلا يمنع هذا من الطعن فيه بالصورية والتمسك بالعقد المستتر ( استئناف مختلط 20 فبراير سنة 1917 م 30 ص 45 – 8 نوفمبر سنة 1927 م 40 ص 17 – 26 يونيه سنة 1928 م 40 ص 466 )  . وكذلك الدعوى الصورية لا تضر الغير ، وقد قضت محكمة الاستئناف الأهلية بأن على المحاكم أن تحكم برد وبطلان كل دعوى يظهر لها أنها صورية ، ولو وافق المدعى عليه فيها ، متى تبين لاه أنها لم ترفع إلا قصد الإضرار بحقوق مكتسبة لآخر ( 21 فبراير سنة 1901 الحقوق 16 ص 105 )  . ويجوز للمشترى أن يتمسك بورقة ضد بين البائع والمستأجر للعين المبيعة ، فيطالب المستأجر بالأجرة المذكورة فى ورقة الضد إذا كانت أعلى من الأجرة المذكورة فى عقد الإيجار الظاهر هى الأعلى للمشترى أن يتمسك بالعقد الظاهر لأن له مصلحة فى ذلك ويطالب المستأجر بالأجرة الأعلى ، ويرجع المستأجر على البائع بالفرق بين الأجرة الظاهرة والأجرة المستترة ( والتون 2 ص 136 )  .

أما أن الشفيع يتمسك بالثمن الحقيقى لا بالثمن الأعلى الوارد فى العقد ، فإن ذلك لا يرجع إلى أن الشفيع يعتبر غيراً فى الصورية ، ولكن إلى أنه يسرى فى حقه دائماً للعقد الحقيقى لا العقد الصورى ، وقد تقدم بيان ذلك ( أنظر عكس هذا الرأى الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 129 ص 176 )  .

( [2094] )         وكانت محكمة الاستئناف المختلطة قد قضت بأن على دائن البائع أن يرفع دعوى الصورية مستقلة ليصل إلى تقرير أن عقد البيع صورى لا وجود له ، وبأن هذا من ناحية الإجراءات أدق من أن يطلب الحكم بالصورية فى صورة دفع فى دعوى استحقاق ترفع أثناء إجراءات التنفيذ ( استئناف مختلط 27 فبراير سنة 1917 م 29 ص 253 ) ، ولكنها رجعت عن هذا الرأى فقضت بأنه يجوز للدائن أن يدفع دعوى الاستحقاق بالصورية فى صورة دفع لا فى صورة دعوى مستقلة ( استئناف مختلط 17 مارس سنة 1949 م 61 ص 89 )  .

( [2095] )         لارومبير 2 م 1167 فقرة 63 – وأنظر أيضاً بودرى وبارد 1 فقرة 739 ، ولكنهما يعللان هذا الحكم تعليلا آخر ، فعندهما أن الدائنين إذا استفادوا كلهم من دعوى الصورية فذلك لأن الحكم بالصورية قد صدر فى مواجهة المتعاقدين فيسرى فى حق دائنيهم  . ويتبين مما تقدم أن دعوى الصورى ليست بدعوى بطلان ولا بدعوى فسخ ، وإنما هى دعوى يطلب فيه التقرير بأن العقد غير موجود ( استئناف مختلط 6 مارس سنة 1913 م 25 ص 214 )  .

ويلاحظ أن بعض الفقهاء يذهبون إلى أن دعوى الصورية لا تفيد إلا الدائن الذى رفعها ، ويستندون فى ذلك إلى نسبية الحكم وإلى أن الدائن يرفع الدعوى باسمه ( أوبرى ورو 4 طبعة خامسة فقرة 313 ص 242 وهامش رقم 52 – جروبيه فقرة 339 – بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 974 )  . ويذهب القضاء اللبنانى هذا المذهب ، فعنده أن الدائن وحده هو الذى يستفيد من دعوى الصورية ولا يشترط معه سائر الدائنين ( قرار محكمة الاستئناف الغرفة الأولى رقم 54 الصادر فى 27 / 1 / 1941 : أنظر الدكتور المحمصانى فى آثار الالتزام فى القانون اللبنانى ص 71 )  .

ولما كانت الاعتبارات التى يقوم عليها هذا الرأى –وهى نسبية الحكم ورفع الدائن الدعوى باسمه - تتفق مع الاعتبارات المتحققة فى الدعوى البولصية ، وكان الدائن فى الدعوى البولصية يستأثر بالتنفيذ على العين فى القانون الفرنسى ، فقد استخلص أصحاب هذا الرأى أن الواجب أيضاً فى دعوى الصورية أن يستأثر الدائن بالتنفيذ على العين  . أما فى التقنين المدنى المصرى الجديد ، فقد رأينا أن الدائن فى الدعوى البولصية لا يستأثر بالتنفيذ على العين ، فوجب من باب أولى فى دعوى الصورية أن يكون الأمر كذلك  .

( [2096] )         وأحكام محكمة النقض مضطردة ، كما رأينا عن الكلام فى الدعوى البولصية ( أنظر آنفاً فقرة 588 فى الهامش ) ، فى أن القانون لا يمنع المشترى الذى لم يسجل عقده من أن يتمسك بصورية عقد المشترى الآخر الذى سجل ، ليتوصل بذلك إلى محو هذا العقد من الوجود ، لكى يحكم له هو بصحة عقده ، ولكى يسجل هذا الحكم فتنتقل إليه ملكية العين المبيعة ( نقض مدنى 20 أكتوبر سنة 1938 مجموعة عمر 2 رقم 135 ص 405 – أنظر أيضاً : نقض مدنى 3 يونيه سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 67 ص 183 مع تعليق الأستاذ محمد أحمد فهمى فى ص 194 – ص 195 – 25 نوفمبر سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 80 ص 220 – 30 ديسمبر سنة 1943 مجموعة عمر 4 رقم 88 ص 234 – 6 يونيه سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 91 ص 188 – 29 ديسمبر سنة 1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 39 ص 133 – 31 ديسمبر سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 54 ص 352 – 13 مايو سنة 1954 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 128 ص 856 – استئناف مصر 12 فبراير سنة 1928 المجموعة الرسمية 29 رقم 126 / 3 )  . كذلك لا يحتج على المشترى الجدى بتسجيل المشترى الصورى ، حتى لو كان المشترى الجدى اشترى بعقد ابتدائى وفسخ هذا العقد ، لأن المشترى الجدى فى هذه الحالة يصبح دائناً للبائع الصورى ، وله بهذه الصفة الطعن بالصورية فى البيع الصورى المسجل  . وقد قضت محكمة النقض بأنه متى كان الواقع هو أن الطاعن قد أقام الدعوى يطلب فيها الحكم أولا بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر له من المطعون عليه الثانى ، وثانياً ببطلان عقد البيع المسجل الصادر من هذا الأخير إلى المطعون عليه الأول واعتباره كأن لم يكن لصوريته ، وكان الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض دعوى الطاعن أقام قضاءه على أساس أن الحكم بفسخ العقد الابتدائى المبرم بين الطاعن والمطعون عليه الثانى يترتب عليه تبعاً رفض هذه الدعوى ، مع أن الحكم بفسخ العقد المذكور لا يستتبع رفض الدعوى المقامة من الطاعن بطلب إبطال العقد الصادر من المطعون عليه الثانى إلى المطعون عليه الأول للصورية ، ومن ثم فإن الحكم إذ قضى بذلك أخطأ فى تطبيق القانون ، لأن من حق الطاعن بوصفه دائناً للمطعون عليه الثانى بما عجله له من الثمن أن يطعن فى تصرفات مدينه الصورية ، وكان لزاماً على المحكمة أن تتناول بالبحث والتمحيض ما قدمه الطاعن من أدلة على الصورية وتفضل فيها ( نقض مدنى 13 مارس سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 109 ص 635 )  .

وغنى عن البيان أنه إذا تمسك الغير بالعقد المستتر ، فلابد من أن يستوفى هذا العقد الشهر الواجب قانوناً من تسجيل أو قيد ( نقض فرنسى 17 يناير سنة 1876 سيريه 77 – 1 - 21 )  .

( [2097] )         نقض مدنى 24 ديسمبر سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 48 ص 314 – فالعقد المستتر لا يسرى ضد مصلحة الغير ( Contre les tiers ) كما تقول المادة 1321 من التقنين المدنى الفرنسى – أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 3 18 ديسمبر سنة 1895 م 8 ص 43 – 27 يناير سنة 1897 م 9 ص 135 – 12 يناير سنة 1898 م 10 ص 95 – 13 مايو سنة 1909 م 21 ص 384  .

( [2098] )         نقض مدنى 5 أبريل سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 117 ص 734 – والدائن يتمسك بالعقد الظاهر إذا كان يعمل باسمه ، أما إذا كان يعمل باسم مدين عن طريق الدعوى غير المباشرة ، فإنه لا يستطيع أن يتمسك إلا بالعقد المستتر كمدينه ( نقض فرنسى 23 مايو سنة 1870 داللوز 71 – 1 - 109 )  .

وإذا فرض أن المدين التزم بالعقد المستتر أن يدفع مبلغاً أكبر مما هو مذكور فى العقد الظاهر ، ودفع هذا المبلغ بالفعل ، فليس للدائن أن يسترد الفرق بين المبلغين بحجة أنه يتمسك بالعقد الظاهر ( نقض فرنسى 3 يوليه سنة 1882 سيريه 82 – 1 – 459 )  .

( [2099] )         استئناف مصر 20 نوفمبر سنة 1927 المحاماة 8 رقم 237 ص 317 – إسكندرية الكلية الأهلية 19 ديسمبر سنة 1925 المحاماة 6 رقم 196 ص 252 – أسيوط الكلية 11 أبريل سنة 1928 المجموعة الرسمية 29 رقم 75 / 2 – شبين الكوم الكلية 22 أبريل سنة 1931 المحاماة 12 رقم 504 ص 105 – أسيوط الكلية 28 يونيه سنة 1931 المحاماة 12 رقم 438 ص 887 – استئناف مختلط 3 يناير سنة 1920 م 32 ص 93 – 25 يناير سنة 1923 م 35 ص 185 – 3 فبراير سنة 1927 م 39 ص 215 – أول ديسمبر سنة 1931 جازيت 22 رقم 82 ص 84 – 5 أبريل سنة 1949 م 61 ص 78  .

( [2100] )         كذلك للدائن أن يطلب إخراج دائن آخر بعقد مستتر من مقاسمته مال المدين ، متمسكاً بالظاهر وهو انعدام المديونية ، فلا يسرى عليه بذلك عقد الدين المستتر ( نقض فرنسى 8 مارس سنة 1893 داللوز 93 – 1 – 243 )  .

( [2101] )         استئناف مختلط 3 يناير سنة 1920 م 32 ص 93  .

( [2102] )         استئناف مختلط 3 فبراير سنة 1927 م 39 ص 215  . وقد قضت محكمة أسيوط الكلية بأنه إذا كان البيع الأول صورياً ، وكان المشترى الثانى حسن النية ، فعقده صحيح ولو لم يضع يده خمس سنوات ، لأنه تعامل مع المالك الظاهر ، ولأن العدالة تقضى باستقرار المعاملات يضع يده خمس سنوات ، لأنه تعامل مع المالك الظاهر ، ولأن العدالة تقضى باستقرار المعاملات وتأمينها ( 11 أبريل سنة 1928 المجموعة الرسمية 29 رقم 75 / 2 – والتون 2 ص 136 )  .

( [2103] )         حتى لو كان العقد المستتر قد شهر قبل شهر حقهم العينى ، ما داموا يثبتون أنه كانوا يجهلون وجود العقد المستتر وقت تعاملهم مع المشترى الظاهر بالرغم من شهره ، وستأتى الإشارة إلى ذلك ( بودرى وبارد 4 فقرة 2412 – بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 465 )  . وإذا كان المبيع بيعاً صورياً منقولا ، وتصرف فيه المشترى الصورى إلى مشتر ثان حسن النية ، انتقلت الملكية وفقاً لقواعد الصورية ، فلا حاجة به إلى الحيازة ( قارن الأستاذ أحمد نشأت فى الإثبات 1 فقرة 270 )  .

( [2104] )         استئناف مصر 22 نوفمبر سنة 1927 المحاماة 8 رقم 237 ص 317 – بنى سويف الكلية 6 أكتوبر سنة 1919 المجموعة الرسمية 21 رقم 107 ص 172 – استئناف مختلط 16 يناير سنة 1895 م 7 ص 88 – 14 ديسمبر سنة 1922 م 35 ص 96 – 19 مايو سنة 1926 م 38 ص 420 – 24 نوفمبر سنة 1931 م 44 ص 25 – أول ديسمبر سنة 1931 م 44 ص 38 – ديمولومب 29 فقرة 347 – هيك 8 فقرة 22 – بودرى وبارد 4 فقرة 2411 – بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 337 – وشرط حسن نية الغير يقرب دعوى الصورية من الدعوى البولصية ، فكما يجوز أن يطعن الدائن بالدعوى البولصية فى تصرف مدينه الصادر إلى الغير سيء النية ومنه إلى خلف سيء النية أيضاً ، كذلك يجوز لدائن البائع أن يطعن بالصورية فى التصرف الصادر من البائع إلى المشترى ولو باع المشترى العين لمشتر ثان سيء النية ( استئناف أهلى 21 ديسمبر سنة 1909 المجموعة الرسمية 11 رقم 33 )  .

( [2105] )         الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 130 ص 178 وهامش رقم 3  .

( [2106] )         وشهر العقد المستتر قرينة على العلم به ( نقض مدنى 15 مايو سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 166 ص 1063 – استئناف مختلط 13 مايو سنة 1909 م 21 ص 384 – 24 فبراير سنة 1921 م 33 ص 188 )  . ولذلك يصعب تحقق الصورية فى العقود الواجب شهرها ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك  . على أن هذه القرينة ، فى رأينا ، ليست قاطعة ، فيستطيع الغير أن يثبت أنه كان وقت تعامله لا يعلم بالعقد المستتر بالرغم من شهره ( أنظر من هذا الرأى ديموج 1 فقرة 161 ص 264 – وقارن بيدان ولاجارد 9 فقرة 981 ص 72 – الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 130 ص 178 وهامش رقم 4 : ويذهبون إلى أن الغير لا يستطيع إثبات عدم علمه بالعقد المستتر المسجل ) ، هذا ويصح أن يواجه الغير بالعقد المستتر متى ثبت علمه به ، حتى لو كان هذا العقد غير مسجل ( نقض مدنى أول ديسمبر سنة 1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 13 ص 48 )  .

ولو اشترك شخص فى تحرير العقد الظاهر ، ولو بصفته شاهداً ، وتواطأ مع المتعاقدين على الصورية ، فإنه يكون بمنزلة المتعاقدين لا يستطيع إثبات صورية العقد المكتوب إلا بالكتابة وقد قضت محكمة النقض بأنه ليس هناك ما يمنع من حرر عقد البيع بخطه ، ووقع عليه بصفة شاهداً ، من أن يطعن فيه بالصورية ، متى كان يستند فى طعنه إلى دليل كتابى ، ومتى كان هذا الطلب موجها ضد طرفى العقد اللذين اشتركا معه فى الصورية لا ضد غيرهما ممن يمكن أن ثمار مصالحهم بصورية يجهلونها ( نقض مدنى 11 يناير سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 22 ص 51 )  . لطرفى العقد الصورى أن يثبتا بالبينة علم الغير بالصورية ( 18 ديسمبر سنة 1895 م 8 ص 43 )  .

( [2107] )         استئناف أهلى 28 مايو سنة 1913 المجموعة الرسمية 15 رقم 3 – استئناف مختلط 3 فبراير سنة 1892 م 4 ص 102 – 7 مارس سنة 1912 م 24 ص 176 – 6 مارس سنة 1913 م 25 ص 214 – 9 يونيه سنة 1915 م 27 ص 396 – نقض فرنسى 25 يونيه سنة 1847 داللوز 47 – 1 - 342 – لوران 16 فقرة 499– والتون 2 ص 139  .

( [2108] )         فتحى زغلول ص 143 – ص 144 – محمد صالح فى أصول التعهدات فقرة 315 ص 274 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 757 ص 841 – الموجز للمؤلف فقرة 235 ص 260 – أحمد حشمت أبوستيت فى نظرية الالتزام فقرة 652 – أسيوط الكلية 11 أبريل سنة 1928 المحاماة 9 رقم 250 ص 437 – 28 يونيه سنة 1931 المحاماة 12 رقم 438 من 887 – استئناف مختلط 16 مارس سنة 1915 م 27 ص 219 – 20 يونيه سنة 1918 م 30 ص 482 – 30 يناير سنة 1920 م 32 ص 93 – 3 فبراير سنة 1927 م 39 ص 215 – أنظر أيضاً فى اشتراط حسن نية خلف المشترى الظاهر لتقديمه على خلف البائع : استئناف مختلط 9 يناير سنة 1913 م 25 ص 124 – 16 مارس سنة 1915 م 27 ص 219 – 20 يونيه سنة 1918 م 30 ص 482 – وهذا هو رأى محكمة النقض الفرنسية وجمهور الفقهاء الفرنسيين : نقض فرنسى 2 فبراير سنة 1852 داللوز 52 – 1 - 49 – 20 يوليه سنة 1910 داللوز 1910 – 1 - 392 – 13 نوفمبر سنة 1912 داللوز 1913 – 1 - 433 – 25 أبريل سنة 1939 داللوز 1940 – 1 – 12 – هيك 7 فقرة 232 – بودرى وبارد 1 فقرة 740 ص 766 – ديموج 1 فقرة 163 – بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 339 ص 436 – ص 437 – بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 607 – كولان وكابيتان لامورانديير 2 فقرة 194 ص 147  .

( [2109] )         وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا المعنى ما يأتى : " ويناط الحكم عند تنازع ذى المصالح المتعاوضة على هذا الوجه بفكرة استقرار المعاملات  . فإذا تمسك دائن البائع فى العقد الظاهر بورقة الضد ، وتمسك دائن المشترى بهذا العقد ، كانت الأفضلية للأخير لاعتبارات تتعلق بتأمين ذلك الاستقرار " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 646 )  .

( [2110] )         وهناك رأى فى عهد التقنين المدنى السابق يفضل دائن البائع فى بيع صورى على الموهوب له من المشترى ، لأن تفضيل الموهوب له يؤدى إلى اغتنائه على حساب الدائن ( والتون 2 ص 140 – الموجز للمؤلف فقرة 235 ص 260 هامش رقم 1 )  .

ويترتب على تغليب العقد الظاهر أن دائن المشترى الظاهر ، حتى لو كان حقه ثبت فى ذمة المشترى قبل صدور البيع الصورى ، أى فى وقت لم يكن يعتمد فيه على ملكية مدينة الصورية ، يفضل فى استيفاء حقه من العين على دائن البائع  . وهذه نتيجة يصعب تبريرها ، لاسيما إذا لوحظ أنه لو كان البيع الصورى بيعاً جدياً لأمكن لدائن البائع أن يطعن فيه بالدعوى البولصية فيفضل فى استيفاء حقه من العين على دائن المشترى ، فكيف يكون حق دائن البائع على مال مدينه عند تصرف المدين فى هذا المال تصرفاً صورياً أقل نفاذاً من حقه على هذا المال عند تصرف المدين فيه تصرفاً جدياً! هذا الاعتراض يقوم وجيهاً من ناحية المبدأ ، ولكن سنرى من الناحية العملية أن لدائن البائع فى هذه الحالة أن يتخلى عن الطعن بالصورية فى العقد الظاهر ، ويعتبره عقداً جدياً ، فيستطيع الطعن فيه بالدعوى البولصية ، ولا يسرى فى حقه تصرف صورى كان لا يسرى لو أنه كان جدياً  .

( [2111] )         بلانيول وريبير واسمان 6 فقرة 339 ص 436 – ص 437 – بيدان ولاجارد ) الفقرة 982 – قارن بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 975 ص 309 – ص 310  .

( [2112] )         وقد سبق أن اشرنا ( أنظر آنفاً فقرة 618 في الهامش ) إلى أن الأستاذ فلاتيه ( Flattet ) في كتابه " العقود لحساب الغير " يجعل من البائع والمشتري الصوريين شريكين في حق واحد ( contitulaires du droit )  . فهو يكيف الصورية على أساس إنها وسيلة للتعاقد لحساب الغير ( pout le compte d'autrui )  . ذلك أن المشرتي الصوري يستطيع أن يتصرف في العين التي اشتراها صورياً للغير حسن النية ، فينفذ تصرفه في حق المالك الحقيقي ، وهو البائع الصوري  . فكأن المشتري الصوري يتعاقد مع الغير لحساب المالك الحقيقي  . وتصبح العين محل التصرف الصوري لها صاحبان ( deux cotitulaires ) : مالك حقيقي ( وهو البائع الصوري ) ومالك صوري ( وهو المشتري الصروي )  . ويستطيع المالك الصوري أن يتصرف في العين طبقا لتعليمات يتلقاها من المالك الحقيقي ، أو من تلقاء نفسه دون تعليمات  . ومن ثم يكون للمالك الصوري سلطة على العين أوسع بكثير من سلطة النائب ( أنظر في هذه التحليلات الطريفة فلاتيه في التعاقد لحساب الغير فقرة 120 – فقرة 133 )  .

( [2113] )         استئناف مختلط 13 فبراير سنة 1895 م 7 ص 121 – 18 مايو سنة 1898 م 10 ص 284 – 3 مايو سنة 1899 م 11 ص 203 – 22 مارس سنة 1900 م 12 ص 172 - 25 فبراير سنة 1903 م 15 ص 160  . على أنه إذا طعن ناظر الوقف فى عقد إيجار بالصورية وما فى أثناء الدعوى ، فإن خلفه يستمر فى الدعوى دون حاجة لإدخال ورقة الناظر السابق ( استئناف مختلط 19 فبراير سنة 1903 م 15 ص 156 )  .

( [2114] ) استئناف مختلط 9 مارس سنة 1916 م 28 ص 191 - 10 مايو سنة 1932 م 44 ص 309 - ولكن لا يجوز إبداء هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض ، بعد أن اعترف الخصم ضمناً بجدية العقد أمام محكمة الموضوع وذلك بعدم طعنه فيه بالصورية  . وقد قضت محكمة النقض بأن من طلب إبطال عقد بيع بدعوى أنه هبة محررة فى عقد عرفى لا يجوز له ، بعد أن سلم له خصمه بالبطلان متمسكاً بوضع اليد المدة الطويلة ، وناقشه هو فى ذلك ، أن يبنى طعن أمام محكمة النقض على صورية هذا العقد ، لأن الصورية دفع جديد مغاير كل المغيرة لطلب البطلان بسبب شكل العقد ، فلا سبيل لطرحه لأول مرة أمام محكمة النقض ( نقض مدنى 2 مارسة سنة 1933 مجلة القانون والاقتصاد 3 ص 99 )  .

( [2115] ) استئناف مختلط 13 فبراير سنة 1895 م 7 ص 121 - 18 مايو سنة 1898 م 10 ص 284  .

( [2116] ) هيك 7 فقرة 230 ص 309 - بودرى وبارد 1 فقرة 734 - أما إذا رفع الدائن الدعوى باسمه اعتبر من الغير ، ولا يتمسك قبله بالدفوع الجائزة قبل مدينة ( استئناف مختلط 7 يونيه سنة 1900 م 12 ص 316 )  .

( [2117] ) استئناف مختلط 30 مايو سنة 1912 م 24 ص 375 - 19 يونيه سنة 1913 م 25 ص 460 - 12 مارس سنة 1914 م 26 ص 282  . وقد قضت محكمة استئناف مصر بأنه يتعين على المحاكم احترام العقود حسب نصوصها ، ما لم تقم قرائن قوية يستدل منها على أن المتعاقدين قصدا شيئاً آخر خلاف المدون بالعقد ( 26 فبراير سنة 1924 المجموعة الرسمية 26 رقم 40 )  .

( [2118] ) ويدلل لارومبير ذلك بأن لارومبير ذلك بأن الحكم بصورية العقد قد قرر أن العقد الظاهر غير موجود ، وأن العين الذى وقع عليها التصرف الصورى لم تخرج بتاتاً من ملك المدين ، فيستفيد من ذلك الدائنون مادامت هذه العين لم تنقطع عن أن تكوم داخلة فى الضمان العام لحقوقهم ( لارومبير 2 م 1167 فقرة 63 )  . ولكن الأستاذين بودرى وبارد لايريان ، كما قدمنا ( انظر آنفاً فقرة 622 فى الهامش ) ، أن هذا تعليل صحيح ، ويذهبان إلى أن الدائنين إنما يتمسكون بالحكم باعتبار أن الخصوم يمثلونهم فى الدعوى ( بودرى وبارد 1 فقرة 739 )  .

وقد سبقت الإشارة ( انظر آنفاً فقرة 622 فى الهامش ) إلى أن بعض الفقهاء يذهبون إلى أن دعوى الصورية إذا رفعها الدائن لا يستفيد منها باقى الدائنين ممن لم يدخلوا فى الدعوى ( أوبرى روو 4 طبعة خامسة فقرة 313 ص 242 وهامش رقم 52 - جروبيه فقرة 339 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 974 )  .

( [2119] ) نقض مدنى 14 يناير سنة 1932 المحاماة 12 رقم 414 ص 839 - 11 مايو سنة 1939 مجموعة عمر 2 رقم 181 ص 533 - 25 مايو سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 141 ص 389 - أول يونيه سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 141 ص 569 - هذا ما لم يقرر القانون قرائن تعرف بها صورية العقد ، فيجب على محكمة الموضوع ، تحت رقابة محكمة النقض ، الأخذ بها إذا كانت قرائن قاطعة ( ديموج 1 ص 275 بلانيول وريبير واسمان 6 فقرة 343 )  .

( [2120] ) بلانيول وريبير واسمان 6 فقرة 345  .

( [2121] ) انظر ما سبق أن قدمناه فى قسم الإثبات فى إثبات الصورية ( فقرة 203 - فقرة 204 آنفاً )  .

( [2122] ) نقض مدنى 24 ديسمبر سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 46 ص 297  .

( [2123] ) نقض مدنى 24 ديسمبر سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 48 ص 314  .

( [2124] ) استئناف مصر 16 نوفمبر سنة 1920 المجموعة الرسمية 22 رقم 140 - 14 ديسمبر سنة 1922 المحاماة 5 رقم 358 ص 418 - 25 مارس سنة 1923 المحاماة 4 رقم 10 ص 134 - 29 مارس سنة 1923 المحاماة 3 رقم 344 ص 411 - 30 أبريل سنة 1923 المحاماة 4 رقم 181 - ص 251 - 30 نوفمبر سنة 1927 المحاماة 8 رقم 310 ص 477 - 29 ديسمبر سنة 1927 المحاماة 8 رقم 462 ص 761 - 21 مايو سنة 1931 المحاماة 12 رقم 72 ص 122 - 25 أبريل سنة 1940 المحاماة 21 رقم 254 ص 564 - نقض جنائى 4 يناير سنة 1924 المحاماة 7 رقم 142 ص 200 - استئناف مختلط 24 يناير سنة 1894 م 6 ص 242 - 9 نوفمبر سنة 1898 م 11 ص 290 - 14 مايو سنة 1903 م 15 ص 300 - 26 مارس سنة 1914 م 26 ص 301 - 22 يناير سنة 1920 31 ص 136 - 14 ديسمبر سنة 1927 م 39 ص 80 - 28 مايو سنة 1930 م 42 ص 528 - 10 فبراير سنة 1931 م 43 ص 220 - 6 مايو سنة 1931 م 43 ص 375 - 11 يناير سنة 1938 م 50 ص 90 - 9 نوفمبر سنة 1944 م 57 ص 7 - 7 فبراير سنة 1946 م 58 ص 40  . وقد سبقت الإِشارة إلى أكثر هذه الأحكام فى قسم الإثبات : انظر آنفاً فقرة 203 فى الهامش  . هذا لا يجوز القول بأن الصورية غش فيجوز إثباته بجميع الطرق ، فقد قدمنا أن هناك فرقا بين الصورية والغش ( استئناف أهلى 5 مايو سنة 1897 الحقوق 12 ص 216 )  .

( [2125] ) استئناف أهلى أول مارس سنة 1900 المجموعة الرسمية 2 ص 47 - 9 يونيه سنة 1904 الاستقلال 3 ص 262 - استئناف مختلط 24 يناير سنة 1894 م 6 ص 242 - نقض مدنى 20 مارس سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 114 ص 665  . وقد سبق الإشارة إلى هذه الأحكام فى قسم الإثبات ( انظر آنفاً فقرة 203 فى الهامش )  . وانظر أيضاً الأحكام التى أوردناها فى قسم الإثبات عند الكلام فى الاحتيار على القانون ( آنفاً فقرة 204 )  .

وإذا تم التحايل على القانون لمصلحة أحد المتعاقدين ضد مصلحة المتعاقد الآخر ، جاز لهذا المتعاقد الآخر ولوارثه من بعده أن يثبت العقد المستتر بجميع الطرق : فيثبت بجميع الطرق أن حقيقة البيع هبة دفع إليها باعث غير مشروع ( استئناف مصر 23 يناير سنة 1932 المحاماة 13 رقم 24 مختلط 31 مارس سنة 1931 م 43 ص 314 ) ، أو أن تاريخ العقد قد قدم ليكون سابقاً على تاريخ الحجر فيعصم العقد من الإبطال ( نقض مدنى 25 ديسمبر سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 248 ص 507 - استئناف مصر 27 نوفمبر سنة 1927 المحاماة 9 رقم 47 ص 70 - 27 نوفمبر سنة 1927 المحاماة 9 رقم 48 ص 72 - استئناف الإسكندرية 28 يناير سنة 1947 المحاماة 28 رقم 427 ص 1047 ) ، أو أن دينا مدنيا محضاً كتب عنه أنه سلم للمدين بصفة أمانة حتى يهدد المدين بالمحاكمة الجنائية إذا تأخر من الدفع ( جرجا 14 يونيه سنة 1927 المحاماة 8 رقم 49 ص 87 )  . أما إذا تم التحايل على القانون دون أن يكون هذا التحايل ضد مصلحة أحد المتعاقدين ، فلا يجوز لأى منهما أن يثبت العقد المستتر إلا وفقاً للقواعد العامة للإثبات ، إذ لا يوجد هنا ما يمنع المتعاقدين من كتابة ورقة ضد ما دام التحايل لم يوجه ضد مصلحة أحد منهما  . فلا يجوز للمشترى أن يثبت إلا بالكتابة أن الثمن المكتوب فى عقد البيع أكبر من الثمن الحقيقى بقصد منع الشفيع من الأخذ بالشفعة ، أما الشفيع نفسه فيستطيع إثبات الثمن الحقيقى بجميع الطرق ( استئناف مختلط 22 يناير سنة 1924 م 36 ص 170 ) ، مع أنه ليس من الغير كما قدمنا ، وذلك لأنه هو الذى قصد بالتحايل الإضرار به ولأن البيع يعتبر بالنسبة إليه واقعة مادية كما سبق القول  . ولا يجوز للبائع أن يثبت إلا بالكتابة أن الثمن المكتوب فى عقد البيع أقل من الثمن الحقيقى تخففاً من رسوم التسجيل ، أما الخزانة فتستطيع إثبات الثمن الحقيقى بجميع الطرق ، مع إنها ليست من الغير كما أسلفنا الإشارة ، وذلك لأنها هى التى قصد بالتحايل الإضرار بها ولأن البيع يعتبر بالسنة إليها واقعة مادية  . ولا يجوز للمورث أن يثبت بغير الكتابة أن عقد البيع المكتوب الصادر منه لأحد الورثة حقيقته وصية ، أم الورثة الآخرون فيستطيعون إثبات ذلك بجميع الطرق ، مع أنهم ليسوا من الغير فى الصورية ، لأن التصرف قد صدر إضراراً بحقوقهم فى الإرث فيكون تحايلاً على القانون ( نقض مدنى 11 مايو سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 124 ص 494 - 18 يناير سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 49 ص 249 استئناف مصر 14 ديسمبر سنة 1922 المحاماة 5 رقم 358 ص 415 - 29 ديسمبر سنة 1927 المحاماة 8 رقم 462 ص 761 - أول مايو سنة 1928 المحاماة 9 رقم 123 ص 216 - 24 يناير سنة 1929 المحاماة 9 رقم 209 ص 377 - 18 مارس سنة 1929 المحاماة 9 رقم 319 ص 627 - 20 يناير سنة 1931 المجموعة الرسمية 32 رقم 57 ص 132 - استئناف مختلط 28 مايو سنة 1930 م 42 ص 528 - 16 مايو سنة 1944 م 56 ص 147 - أما فى التصرفات التى لا تضر بحقوقهم فى الإرث فالورثة يحلون محل مورثهم ويتقيدون بطرق الإثبات التى يتقيد بها : استئناف مصر 31 يناير سنة 1928 المجموعة الرسمية 29 رقم 113 - الزقازيق الكلية 9 مايو سنة 1929 المحاماة 10 رقم 91 ص 175 )  . وقد قدمنا أن الورثة يستطيعون أيضاً ، لنفس الأسباب السالفة الذكر ، أن يثبتوا بجميع الطرق أن تاريخ التصرف الصادر من مورثهم قد قدم لإخفاء أن هذا التصرف قد صدر فى مرض الموت  .

وقد قضت محكمة النقض تطبيقاً للمبادئ المتقدمة بأنه إذا وكل شخص آخر فى إيجار عين مملوكة له ، فتواطأ الوكيل مع مستأجر صورى غشاً للإضرار بحقوق الموكل ، جاز للموكل أن يثبت هذه الصورية التدليسية المبنية على الغش والتواطؤ بجميع طرق الإثبات ومنها القرائن ( نقض مدنى 20 مارس سنة 1952 مجموعة أحكام النقض 3 رقم 114 ص 665 )  . وقضت أيضاً بأنه إذا تمسك المدين بأن الإيصال المحرر عليه بقبض ثمن المنقولات التى تعهد بصنعها هو والفاتورة الموقع عليها منه أيضاً ببيان مفردات تلك المنقولات إنما حررا خدمة للمدعية لتقديمها للمجلس الحسبى ليرخص لها فى صرف المبلغ الوارد بالإيصال ، فاعتبرت المحكمة هذا دفعاً منه بالصورية ، ولم تأخذ به على أساس أن الصورية لا تثبت بين المتعاقدين إلا بالكتابة وهو لم يقدم كتابا ما ، فإنها لا تكون قد أخطأت فى تطبيق القانون ( نقض مدنى 3 فبراير سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 96 ص 256 )  . وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه إذا اختلس أحد طرفى الصورية من الآخر الدليل الكتابى على الصورية ، جاز للآخر إثبات هذا الاختلاس ثم إثبات الصورية بجميع الطرق ( استئناف مختلط 13 مايو سنة 1941 م 53 ص 157 )  . وانظر أيضاً : نقض مدنى 18 نوفمبر سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 73 ص 199 - 18 نوفمبر سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم 74 ص 200 - 27 مارسن سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 179 ص 387 - وقارن : 18 أبريل سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 252 ص 708  .

( انظر فى هذه المسألة الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 127 ص 170 - ص 173 ، وبخاصة ص 172 هامش رقم 1 حيث يورد ملاحظات وجيهة على بعض أحكام محكمة النقض )  .

( [2126] ) نقض مدنى 3 نوفمبر سنة 1932 المجموعة الرسمية 34 رقم 1 ص 12 - 18 يونيه سنة 1942 مجموعة عمر 3 رقم 177 ص 485 - 24 مارس سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 99 ص 740 - 21 ديسمبر سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 38 ص 195 - استئناف أهلى أول يناير سنة 1907 المجموعة الرسمية 8 رقم 99 ص 213 - 14 ديسمبر سنة 1909 المجموعة الرسمية 11 رقم 60 - 21 ديسمبر سنة 1909 المجموعة الرسمية 11 رقم 11 - 18 يناير سنة 1910 المجموعة الرسمية 11 رقم 63 - 20 يناير سنة 1914 المجموعة الرسمية 15 رقم 119 ص 240 - 16 نوفمبر سنة 1920 المجموعة الرسمية 22 رقم 140 - استئناف مصر 12 يناير سنة 1925 المحاماة 5 رقم 289 ص 325 - 30 نوفمبر سنة 1927 المحاماة 8 رقم 310 ص 477 - استئناف مختلط 12 يناير سنة 1898 م 10 ص 95 - 9 نوفمبر سنة 189 م 11 ص 290 - 14 مايو سنة 1903 م 15 ص 300 - 16 يونيه سنة 1910 م 22 ص 365 - 22 فبراير سنة 1912 م 24 ص 155 - 26 مارس سنة 1914 م 26 ص 301 - 6 مارس سنة 1919 م 31 ص 190 - أول أبريل سنة 1920 م 32 ص 248 - 14 ديسمبر سنة 1926 م 39 ص 80 - 9 نوفمبر سنة 1944 م 57 ص 7 - 7 فبراير سنة 1946 م 57 ص 40 - وإذا استطاع الخصم إثبات عدم صحة ما ورد فى العقد الظاهر ، كانت العلاقة القانونية بينه وبين خصه هى العلاقة التى تكون بينهما لو لم يوجد هذا العقد الظاهر ، ما دام لم يثبت أن هناك عقداً مستتراً يحدد هذه العلاقة ( نقض فرنسى 30 يناير سنة 1900 سيريه 1904 - 1 - 270 )  .

( [2127] ) بودرى وبارد 1 فقرة 737 - دى باج 2 فقرة 629 - بيدان ولاجارد 9 فقرة 984 ص 74 - كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 195 - ومن التطبيق للقواعد العامة جواز الإثبات بغير الكتابة إذا وجد مانع من الحصول عليها  . وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن علاقة الزوجية مانعة من الحصول على كتابة تثبت الصورية ، فللزوجة أن تثبت صورية عقد البيع الصادر منها إلى زوجها بشهادة الشهود وبالقرائن ( 30 أبريل سنة 1923 المحاماة 4 رقم 181 ص 251 )  . وكذلك يجوز الإثبات بغير الكتابة فى المواد التجارية ( استئناف مختلط 15 يناير سنة 1930 م 42 ص 197 )  .

( [2128] ) أما إذا أراد أحد طرف العقد الصورى أن يثبت صورية العقد قبل الغير ، فلا يجوز له ذلك ، لأن للغير أن يتمسك بالعقد الظاهر إذا كانت له مصلحة فى ذلك ، حتى لو ثبتت صوريته  . هذا ما لم يثبت أن الغير كان يعلم بالصورية ، فيسرى عليه العقد المستتر ، ويجوز ؟؟؟؟؟ أن يثبت أحد طرفى العقد الصورية قبل الغير  .

( [2129] ) نقض مدنى 29 ديسمبر سنة 1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 39 ص 133 - 26 أكتوبر سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 3 ص 26 - نقض جنائى 3 نوفمبر سنة 1938 المحاماة 19 رقم 275 ص 669 - استئناف أهلى أول يناير سنة 1907 المجموعة الرسمية 8 ص 213 - 10 أبريل سنة 1907 المجموعة الرسمية 9 ص 102 - 20 يناير سنة 1914 المجموعة الرسمية 15 ص 240 - استئناف مصر 12 يناير 1925 المحاماة 5 رقم 289 ص 325 - 17 مارس سنة 1926 المحاماة 8 رقم 461 ص 759 - أول مايو سنة 1928 المحاماة 9 رقم 123 ص 216 - 24 يناير سنة 1929 المحاماة 9 رقم 209 ص 377 - 18 مارس سنة 1929 المحاماة 9 رقم 391 ص 627 - 21 مايو سنة 1935 المحاماة 11 رقم 127 ص 300 - 4 ديسمبر سنة 1935 المحاماة 16 رقم 220 ص 504 - استئناف مختلط 5 أبريل سنة 1891 م 3 ص 175 - 18 مارس سنة 1891 م 3 ص 252 - 15 نوفمبر سنة ش 1893 م 6 ص 15 - 20 ديسمبر سنة 1893 م 6 ص 72 - 9 نوفمبر سنة 1898 م 11 ص 5 - 28 يناير سنة 1903 م 15 ص 110 - 28 مايو سنة 1903 م 15 ص 7 - 15 مايو سنة 1907 م 19 ص 254 - 13 مايو سنة 1909 م 21 ص 343 - 16 يونيه سنة 1910 م 22 ص 365 - 7 نوفمبر سنة 1912 م 25 ص 4 - 20 نوفمبر سنة 1913 م 25 ص 189 - 30 ديسمبر سنة 1913 م 16 ص 108 - 26 مارس سنة 1914 م 26 ص 301 - 9 مارس سنة 1916 م 28 صل 191 - 21 فبراير سنة 1918 م؟؟؟؟؟ ص 243 - 6 مارس سنة 1919 م 31 ص 190 - أول أبريل سنة 1920 م 32 ص؟؟؟؟؟؟ - 5 أبريل سنة 1924 م 36 ص 311 - 10 فبراير سنة 1931 م 43 ص 220 - 8 يونيه سنة 1932 م 44 ص 360 - 26 مايو سنة 1936 م 48 ص 281 - 17 نوفمبر سنة 1936 م 49 ص 13 - 26 مارس سنة 1937 م 49 ص 119 - 16 مايو سنة 1939 م 51 ص 329 - 6 يناير سنة 1942 م 54 ص 31  .

ومع ذلك فقد قضت محكمة النقض بأن الخلف الخاص لا يعتبر من الغير ، فلا يجوز له إثبات الصورية إلا بالكتابة ( فقض مدنى 27 مارس سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 179 ص؟؟؟؟؟ وتعليق الأستاذ محمد حامد فهمى بهامش ص 388 - ص 389 )  . ولكنها رجعت بعد ذلك عن هذا الخطأ ، وقضت بأن المشترى يعتبر من الغير فى أحكام الصورية بالنسبة إلى مشتر آخر من نفس البائع له يزاحمه فى الملكية فإذا أقام الحكم قضاءه بصورية عقد المشترى الآخر ؟؟؟؟؟؟ القرائن وحدها ، فإنه لا يكون قد خالف قواعد الإثبات ( نقض مدنى 26 أكتوبر سنة ؟؟؟؟؟ مجموعة أحكام النقض 2 رقم 4 ص 26 )  .

( [2130] ) ويجب أن تكون القرائن مقنعة ، وإلا فلا يحكم بالصورية ( استئناف مختلط 18 مارس سنة 1891 م 3 ص 252 - 15 نوفمبر سنة 1893 م 6 ص 15 - 13 مايو سنة 1909 م 21 ص 343 ) - ومن القرائن على الصورية وجود علاقة زوجية أو قرابة ما بين المتعاقدين ، أو أن البائع بقى حائزاً للشئ المبيع ، أو أن المشترى لم يسجل عقد البيع ( استئناف مختلط 5 فبراير سنة 1891 م 3 ص 175 - 13 مارس سنة 1985 م 7 ص 182 - 8 مارس سنة 1899 م 11 ص 150 - 31 ديسمبر سنة 1901 م 14 ص 19 - 23 أبريل سنة 1908 م 20 ص 192 - 29 مايو سنة 1917 م 29 ص 454 - 8 يناير سنة 1924 م 36 ص 117 - 5 مارس سنة 1930 م 42 ص 331 )  . ولكن ليس من الضرورى أن يكون العقد صورياً قيام هذا القرائن ، إذ هى قرائن قابلة لإثبات العكس ( استئناف أهلى 19 نوفمبر سنة 1901 المجموعة الرسمية 4 رقم 27 / 2 - استئناف مختلط 20 فبراير سنة 1890 م 2 ص 392 - 28 يناير سنة 1903 م 15 ص 110 - 9 مارس سنة 1905 م 17 ص 164 - 15 يونيه سنة 1911 م 23 ص 369 - 31 يناير سنة 1912 م 24 ص 117 - 23 يناير سنة 1913 م 25 ص 145 - 18 ديسمبر سنة 1913 م 26 ص 87 - 8 يناير سنة 1914 م 26 ص 137 - 20 مايو سنة 1914 م 26 ص 390 - 26 مايو سنة 1917 م 29 ص 457 - 11 فبراير سنة 1919 م 31 ص 60 - 3 مارس سنة 1921 م 33 ص 199 - 13 مايو سنة 1941 م 53 ص 157 )  . ومن القرائن على الصورية أن يشترى أب باسم ابنه عيناً حارماً ابنيه الآخرين ولم يثبت أن للابن المشترى مالاً خاصاً ( استئناف مختلط 15 يناير سنة 1931 م 43 ص 155 - 14 مارس سنة 1944 م 56 ص 79 ) ، وأن يبيع شخص دون ضمان ( استئناف مختلط 5 نوفمبر سنة 1929 م 42 ص 15 ) ، وأن يبيع الوارث بعد يومين من موت مورثه دون أن يحصل على إعلام شرعى ودون أن يطلب المشترى منه ما يدل على أنه وارث وما هو نصيبه فى الميراث ودون أن يكون الوارث حائزاً للعين المبيعة ( استئناف مختلط 31 ديسمبر سنة 1929 م 42 ص 134 ) ، وأن يصدر البيع عقب إعلان الدائن مدينه البائع ويتصرف المشترى بعد ذلك مباشرة فى العين المبيعة ( استئناف مختلط 21 ديسمبر سنة 1911 م 2 ص 65 ) ، وأن يصدر البيع بعد بضعة أيام من الحكم على البائع بالدين ويسجل بعد ذلك بمدة طويلة ويثبت أن البائع جعل نفسه معسراً بهذا البيع وأن المشترى فى وقف عن استحقاقه دون مقابل بشرط أن يعود إليه الاستحقاق فيما بعد وقد ثبت أن المستحق فى الوقف كان مثقلاً بالديون وقت تنازله ( استئناف مختلط 9 أبريل سنة 1902 م 14 ص 220 ) ، وأن يتصرف المدين فى ماله والدائن موشك أن يتخذ إجراءات قضائية قبله ( استئناف مختلط 4 مارس سنة 1903 م 15 ص 181 ) ، وأن ينصرف المدين لأقارب ليس عندهم من المال ما يدفعونه مقابلاً لما تصرف فيه ( استئناف مختلط 7 مارس سنة 1912 م 24 ص 177 ) ، وأن يقدم المشترى على الشراء بالرغم من إنذار دائن البائع له بأن البيع يقع إضراراً بحقوقه ( استئناف مختلط 11 نوفمبر سنة 1915 م 28 ص 21 ) ، وأن يتقدم الدائن المطعون فى سنده بالصورية بحكم غيابى على المدين وافق عليه هذا الأخير بالرغم من سقوطه ( استئناف مختلط 8 نوفمبر سنة 1927 م 40 ص 17 )  . وعند تقدير القرائن ينظر إلى حالة المدين وقت التصرف لا بعده ، فإذا كان معسراً وقت تصرفه كان هذا قرينة على صورية هذا التصرف ، حتى لو أيسر

بعد ذلك وقبل الطعن بالصورية ( استئناف مختلط 15 يونيه سنة 1916 م 28 ص 433 )  . ويجب أن ينظر إلى القرائن فى مجموعها دون أن تفصل إحداها عن الأخرى ( استئناف مختلط 21 مايو سنة 1918 جازيت 8 رقم 354 ص 272 )  .

ولا يعتبر قرينة على الصورية أن يدفع المشترى جزءاً من الثمن مع وجود شرط فى العقد يقضى بدفع الثمن جميعه فوراً ( استئناف مختلط 29 نوفمبر سنة 1893 م 6 ص 84 ) ، ولا أن يكون الثمن بخساً ( استئناف مختلط 11 ديسمبر سنة 1884 المجموعة الرسمية للقضاء المختلط 10 ص 18 ) ، ولا أن يكون التصرف قريباً من الوقت الذى امتنع فيه التاجر عن وفاء ديونه ( المنصورة التجارية المختلطة 6 ينويه سنة 1927 جازيت 18 رقم 56 ض 53 ) ، ولا أن يعطى المدين بعض منقولاته مقابلاً لوفاء دينه ( استئناف مختلط 17 أبريل سنة 1912 م 24 ص 287 ) ، ولا أن يحل المشترى نفسه محل الدائنين المرتهنين فى الرهون التى تثقل العقار المبيع فإن مثل هذا الاحتياط معقول ( استئناف مختلط 12 مارس سنة 1914 م 26 ص 283 ) ، ولا أن تسجل عقود البيع المتتالية بالرغم من إمكان الاقتصار على تسجيل العقد الأخير ( استئناف مختلط أول مايو سنة 1902 م 14 ص 274 ),

ومن قضاء محكمة النقض فى القرائن على الصورية أنه إذا تنازع مشترى العقار الذى لم يسجل عقده مع مشتر ثان سجل عقده ، وطعن المشترى الأول بصورية العقد الثانى ، وقضت المحكمة بصوريته بانية حكمها على وضع يد المشترى الأول على العين المبيعة ، وعلى تأشير المساحة على عقد المشترى الثانى بأنه قد رفعت عن هذه العين دعوى صحة تعاقد من المشترى الأول ، وعلى علاقة المصاهرة بين البائع والمشترى الثانى ، وعلى أنه ليس من المعقول أن يجازف هذا المشترى بدفع قيمة الثمن كله – كما ورد فى عقده – فى حين أنه لا يجهل أن على الأرض ديناً ممتازاً ، وعلى ما قرره الشهود فى التحقيق من أنهم يعلمون أن عقد المشترى الثانى صورى وأنه فقير لا ملك له ، وما قرره شهود المشترى الثانى من أنهم – على خلاف ما ادعى – لم يحضروا مجلس العقد ولم يشاهدوا دفعه الثمن إلى البائع – فهذه الأسباب من شأنها أن تؤدى إلى الصورية التى قالت بها المحكمة ، ولا يكون ثمة مجال للطعن على الحكم من الناحية ( نقض مدنى 6 يونيه سنة 1946 مجموعة عمر 5 رق 91 ص 188 )  . وقضت مع ذلك بأنه إذا كان الحكم قد أقام قضاءه بصورية عقد على أن المشترى قد اشترى العين مع علمه بسبق تصرف بائعه فى هذه العين لغيره ، وبوضع يد هذا الغير عليها من تاريخ شرائه ، وتوانيه هو فى رفع دعواه بصحة التعاقد الحاصل معه إلى ما بعد مضى سنة من تاريخ عقده ، فهذا الحكم يكون قاصراً إ هذه القرائن لا تؤدى إلى الصورية ( نقض مدنى 15 ديسمبر سنة 1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 26 ص 90 )  . وقضت بأنه يعتبر قرينة على صورية الرهن أن يكون الدين المضمون بهذا الرهن صورياً ، وعلى العكس من ذلك دعوى صورية الرهن لا تقوم ما دام لم يطعن فى القرض نفسه بأنه صورى ، غ لا يتصور قيام رهن صورى ضامن لقرض حقيقى ( نقض مدنى 27 مايو سنة 1937 مجموعة عمر 2 رقم ؟؟؟؟؟ ص 169 )  . وقضت بأنه لا تعارض بين أن يكون المشترى فى حالة تمكنه من دفع الثمن وأن يكون الشراء الحاصل منه صورياً ، إذ لا تلازم بين حالة الإعسار وصورية العقد ، فإذا اقتنعت المحكمة بأن تصرفاً ما كان صورياً ، فليس هناك ما يحتم عليها أن تعرض بالبحث للمستندات المقدمة من المشترى إثباتاً ليسره ومقدرته على دفع الثمن ، فإن هذا لا يقدم ولا يؤخر ( نقض مدنى 2 يناير سنة 1941 مجموعة عمر 3 رقم 88 ص 296 )  . وقضت بأن تقدير كفاية أدلة الصورية مما يستقل به قاضى الموضوع ، فإذا هو رفض الدفع بالصورية بناء على أن كلا من طرفى الدعوى قد طعن على عقد الآخر بأنه صورى ، وأن ما قدمه كل منهما فى سبيل تأييد دفعه من قرائن ، منها صلة القرابة بين البائع والمشترى وبخص الثمن وعدم وضع اليد تنفيذاً للبيع ، لا تكفى وحدها دليلاً على الصورية ، فلا يقبل الطعن فى حكمه بالقصور ( نقض مدنى أول يونيه سنة 1950 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 141 ص 569 )  . وقضت بأن لمحكمة الموضوع الحق دائماً فى بحث جدية الورقة التى تقدم فى الدعوى ما دام ذلك لازماً للفصل فيها ، أن تعرض لها فتستنتج عدم جديتها وصوريتها من قرائن الدعوى ، ولا رقابة لمحكمة النقض عليها فى ذلك متى كان استخلاصها سليماً ( نقض مدنى 25 مايو سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 141 ص 389 )  .

( [2131] ) ويجوز للغير الإثبات بجميع الطرق حتى لو لم يقصد أن يتوقى ضرراً من العقد الظاهر ، بل قصد أن يبتغى نفعاً من العقد المستتر ( دى باج 2 فقرة 635 ص 596 - عكس ذلك بيدان ولاجارد 9 فقرة 984 ص 75 )  .

( [2132] ) انظر فى استقلال ( antonomie ) دعوى الصورية عن كل من الدعوى البولصية والدعوى غير المباشر بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 977  .

( [2133] ) ويلاحظ أن الصورية قد تتخذ سبيلاً للوصول إلى أغراض أخرى غير الإضرار بحقوق الدائن كما سبق القول  .

( [2134] ) وفى الحالتين يكون التصرف تدليساً  . وقد قضت محكمة النقض بأن التصرف التدليسى هو أن يشارك المتصرف له المدين فى إجراء تصرف صورى أو فى إجراء تصرف حقيقى يجعله فى حالة إعسار بإخراج جزء من أملاكه عن متناول دائنيه  . فإذا كان التصرف بيعاً فسبيل ؟؟؟؟؟؟ هو الطعن المبنى على الصورية أو على الدعوى البولصية ، وفى هذه الحالة يجب التمسك بأن الثمن وهمى أو بخس أو بأنه حقيقى ولكن المتصرف له اشترك مع المدين فى إخراج هذا الثمن كله أو بعضه من مجموعة أمواله حتى أصبح فى حالة إعسار لا يفى ماله بمطلوب غرمائه  . والعبء فى إثبات إعسار المدين بالصفة المطعون فيها يقع على الدائن ( نقض مدنى 19 نوفمبر سنة 1939 مجموعة عمر 2 رقم 7 ص 13 )  .

( [2135] ) انظر فى هذا المعن : نقض مدنى 12 ديسمبر سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم ؟؟؟؟؟ ص 285 - استئناف مختلط 22 يناير سنة 1914 م 26 ص 170  .

وكثيراً ما كان يخلط من دعوى الصورية والدعوى البولصية ، ولكن التمييز بينها أصبح الآن واضحاً ( استئناف مختلط 12 مايو سنة 1898 م 22 ص 289 - 3 نوفمبر سنة 1910 م 23 ص 3 - 18 أبريل سنة 1916 م 28 ص 259 - 13 يونيه 1916 م 28 ص 433 - 6 فبراير سنة 1917 م 29 ص 198 - أول أبريل سنة 1920 م 32 ص 248 - نقض فرنسى 16 مارس سنة 1887 سيريه 90 - 1 - 301 - ديمولومب 25 فقرة 235 - فقرة 236 - لوران 16 فقرة 497 - فقرة 499 - لارومبيير 2 م 1167 فقرة 63 - هيك 7 فقرة 230 - فقرة 231 - والتون 2 ص 141 )  .

ويجوز رفع الدعويين إحداهما بعد الأخرى لأنهما دعويان مختلفتان ، فترتفع أولاً دعوى الصورية ثم بعد ذلك الدعوى البولصية  . بل يجوز رفع الدعويين معاً ، فيبدأ الدائن بإثبات أن العقد الذى صد رمن المدين صورى ، ثم يطعن بعد ذلك فى العقد الحقيقى بالدعوى البولصية  . مثل ذلك هبة فى صورة بيع : يبدأ الدائن بإثبات ثورية البيع وأن حقيقة العقد هبة ، ثم يطعن بعد ذلك فى الهبة بالدعوى البولصية فلا يحتاج إلى إثبات سوء نية الموهوب له بل ولا إلى سوء نية الواهب فى القانون المصرى ( استئناف مختلط 22 يونيه سنة 1915 جازيت 5 ص 168 - 29 مايو سنة 1978 م 29 ص 454 - 16 يونيه سنة 1931 م 43 ص 450 - 14 فبراير سنة 1939 م 51 ص 157 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 976 - كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 458 ص 334 - دى هلتس 1 action Paulienne فقرة 21 )  . ويجوز للدائن كذلك فى الدعوى الواحدة أن يطعن فى تصرف مدينه بالصورية وبالدعوى البولصية ( استئناف مختلط 3 نوفمبر سنة 1910 م 23 ص 3 - 28 مارس سنة 1912 م 24 ص 244 - 18 أبريل سنة 1916 م 28 ص 259 - 6 فبراير سنة 1917 م 29 ص 198 - 10 أبريل سنة 1923 م 35 ص 346 - قارن : استئناف مختلط 13 يونيه سنة 1916 م 28 ص 427 )  . بل يجوز ، إذا هو أخفق فى دعوى الصورية فى محكمة أول درجة ، أن يطعن بالدعوى البولصية لأول مرة أمام محكمة الاستئناف ( استئناف مصر 7 مارس سنة 1928 المحاماة 8 رقم 534 ص 889 )  . ولكن لا يجوز أن يطعن بالدعوى البولصية أولاً حتى إذا أخفق فيها طعن بالصورية ، فإن الطعن بالدعوى البولصية يتضمن الإقرار بجدية التصرف ولا يتفق هذا مع الدفع بالصورية بعد ذلك ( نقض مدنى 5 أبريل سنة 1949 المحاماة 3 رقم 322 ص 1102 - مصر الكلية الأهلية أول ديسمبر سنة 1927 المجموعة الرسمية 29 رقم 85 / 2 - استئناف مختلط 16 يونيه سنة 1931 م 43 ص 450 )  . ومع ذلك فقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه لا يوجد ما يمنع الدائن من تحويل الدعوى البولصية إلى دعوى الصورية ( 29 مايو سنة 1917 م 29 ص 454 ) ، وقضت أيضاً بأنه يجوز للدائن ، إذا كان قد طعن فى تصرف مدينة أمام محكمة أول درجة بالغش دون أن يبين ما إذا كان يعتبر التصرف صورياً أو جدياً ، أن يطعن فى التصرف بالصورية لأول مرة أمام محكمة الاستئناف ( 22 يونيه سنة 1915 م 27 ص 241 )  .

هذا وإذا نحج الدائن فى إثبات صورية العقد اكتفى بذلك ، ولا يصبح فى حاجة إلى إثبات توافر شروط الدعوى البولصية ( مصر الكلية الأهلية 5 فبراير سنة 1910 المجموعة الرسمية 11 رقم 140 - استئناف مختلط 13 أبريل سنة 1926 م 38 ص 346 )  .

( [2136] ) استئناف مصر أول مايو سنة 1928 المحاماة 9 رقم 123 ص 216 - استئناف مختلط 10 يناير سنة 1918 م 30 ص 148 - 3 مارس سنة 1921 م 33 ص 199 - جوسران 2 فقرة 707  .

( [2137] ) أما إذا كان حق الدائن غير خال من النزاع ، فليس للدائن أن يستمر فى إجراءات دعوى الصورية حتى يخلو الحق من النزاع باتفاق أو بحكم ( استئناف مختلط 20 ديسمبر سنة 1889 م 12 ص 50 - محكمة إسكندرية الكلية المختلطة 20 ديسمبر سنة 1910 دازيت 1 ص 32 )  .

( [2138] ) هيك 7 فقرة 231 - أوبرى ورو 4 طبعة خامسة فقرة 313 هامش رقم 8 مكرر ثالثاً - بودرى وبارد 1 فقرة 733  .

( [2139] ) نقض مدنى 12 ديسمبر سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 81 ص 285 - استئناف أهلى 13 مايو سنة 1905 الاستقلال 4 ص 453 - استئناف مصر أول مايو سنة 1928 المحاماة 9 رقم 123 ص 216 - 17 مارس سنة 1932 المحاماة 12 رقم 74 ص 174 - أسيوط الكلية 11 أبريل سنة 1928 المحاماة 9 رقم 250 ص 437 - استئناف مختلط ؟؟؟؟؟ يناير سنة 1890 م 2 ص 106 - 6 نوفمبر سنة 1895 م 8 ص 3 - 12 مايو سنة 1898 م 10 ص 271 - 8 مارس سنة 1899 م 11 ص 150 - 7 يونيه سنة 1900 م 12 ص 318 - 9 أبريل سنة 1902 م 14 ص 220 - 4 مارس سنة 1903 م 15 ص 181 – 12 يناير سنة 1909 م 21 ص 108 - 30 ديسمبر سنة 1909 م 22 ص 75 - 6 مارس سنة 1913 م 25 ص 214 - 15 مايو سنة 1913 م 25 ص 383 - 13 يناير سنة 1919 م 31 ص 119 - أول أبريل سنة 1920 م 32 ص 248 - 15 أبريل سنة 1924 م 36 ص 311 - 15 يناير سنة 1931 م 43 ص 155 - 24 نوفمبر سنة 1931 م 44 ص 28 - 30 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 62 - 13 فبراير سنة 1934 م 46 ص 163 - 17 أبريل سنة 1936 م 48 ص 219 - 23 ديسمبر سنة 1937 م 50 ص 61 - 9 فبراير سنة 1938 م 50 ص 128  .

وقد كان القضاء يخلط كثيراً فى هذه المسألة ما بين دعوى الصورية والدعوى البولصية ، فيشترط فى الاثنين أن يكون حق الدائن سابقاً على تصرف المدين – هذا وقد يكون التصرف الصورى سابقاً على تاريخ التوقف عن الدفع ، ولا يمنع ذلك من رفع دعوى الصورية ( استئناف مختلط 13 فبراير سنة 1917 م 29 ص 207 - 13 فبراير سنة 1917 م 29 ص 212 )  .

( [2140] ) استئناف مختلط 23 يناير سنة 1890 م 2 ص 106 - 30 ديسمبر سنة 1090 م 22 ص 75 - 7 نوفمبر سنة 1912 م 25 ص 4 - 27 نوفمبر سنة 1917 م 30 ص 63 - 29 مايو سنة 1917 م 29 ص 454 - أول أبريل سنة 1920 م 32 ص 248 - 24 نوفمبر سنة 1931 م 44 ص 28 - 24 يناير سنة 1933 م 45 ص 139 - 12 مارس سنة 1937 م 49 ص 119 - 23 ديسمبر سنة 1937 م 50 ص 61 - 16 مايو سنة 1939 م 51 ص 324 - ديمولومب 25 فقرة 236 - لوران 16 فقرة 497 - لارومبيير 2 م 1167 فقرة 63 - هيك 7 فقرة 231 - بودرى وبارد 1 فقرة 733 ص 756 - بلانيول وريبير ودوان 7 فقرة 972 - والتون 2 ص 142  .

ونرى من ذاك أنه كما لا يتشرط إعسار المدين ، كذلك لا يشترط فيما إذا كان المدين معسراً أن تكون هناك علاقة بين التصرف الصورى والإعسار  . فيستطيع الدائن أن يطعن بالصورية فى تصرف مدينه حتى لو كان موسراً ( استئناف مختلط 2 ديسمبر سنة 1915 جازيت 6 رقم 57 ص 32 ) ، كما يستطيع الطعن بالصورية إذا كان المدين معسراً ولو لم يكن التصرف المطعون فيه بسبب الإعسار أو زاد فيه  . على أن الواقع فى العمل – كما تقول الأساتذة بلانيول وريبير وردوان - أن الدائن إذا وجد مالاً لاستيفاء دينه عند المدين غير المال التى تصرف فيه هذا صورياً لا يتعب نفسه فى رفع دعوى الصورية ، فهو لا يلجأ إليها فعلاً إلا عند إعسار المدين ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 972 ص 307 )  .

( [2141] ) استئناف مختلط 27 نوفمبر سنة 1917 م 30 ص 63 - أول أبريل سنة 1920 م 32 ص 248 - 9 مارس سنة 1937 م 49 ص 136 - لوران 16 فقرة 497 - هيك 7 فقرة 231 - بودرى وبارد 1 فقرة 733 ص 757 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 972  .

( [2142] ) لارومبيير 2 م 1167 فقرة 63 - جروبيه فقرة 335 - كولان وكابيتان ومورانديير فقرة 458 ص 334 - جوسران 2 فقرة 707 - الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الالتزامات فقرة 366 ص 358 - عكس ذلك : بودرى وبارد 1 فقرة 742 - والتون 2 ص 142 - ص 143  . انظر كذلك بلانيول وريبير وأسمان ( جزء 6 فقرة 345 ) وهم يوفقون بين الرأيين ، فدعوى الصورية نفسها لا تسقط بالتقادم ، ولكن قد ينشأ عن العقد الصورى مركز فعلى يثبت بالتقادم ( انظر استئناف مختلط 17 يونيه سنة 1920 م 32 ص 361 9 نوفمبر سنة 1944 م 57 ص 7 - دى باج 2 فقرة 630 )  . وقد قدمنا أن دعوى الصورية قد تتضمن دعوى أخرى ، كدعوى بطلان الهبة المستترة فى صورة بيع ، فدعوى صورية الهبة لا تسقط بالتقادم ، ولكن دعوى بطلان الهبة تتقادم كسائر دعاوى البطلان ( انظر آنفاً فقرة 627 )  . ويميز بيدان ولاجارد بين دعوى الصورية والدفع بالصورية ، فالدعوى دون الدفع هى التى تسقط بالتقادم ( بيدان ولاجارد 9 فقرة 985 )  .

( [2143] ) أما لو تنازع دائن البائع مع مشتر حسن النية من المشترى ، فالمشترى هو الذى يفضل ، سواء كان العقد صورياً أو كان جدياً وقابلاً للطعن فيه بالدعوى البولصية  . وإذا تنازع دائن البائع مع موهوب له من المشترى ، ففى دعوى الصورية لا يقدم الدائن ما دام الموهوب له حسن النية على خلاف فى الرأى ( انظر آنفاً فقرة 624 فى الهامش ) ، وفى الدعوى البولصية يقدم الدائن حتى لو كان الموهوب له حسن النية ( أوبرى ورو 4 فقرة 313 وهامش رقم 53 – بودرى وبارد 1 فقرة 740 - جروبيه فقرة 340 - قارن بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 975 - الأستاذ عبد السلام ذهنى فى الالتزامات فقرة 356 ص 357 )  .

( [2144] ) وقد قدمنا ( انظر آنفاً فقرة 624 فى الهامش ) أن هذه النتيجة تدبو غريبة ، لأن دائن البائع لا يتحمل أثر تصرف جدى صدر من مدينه ، ويتحمل فى الوقت ذاته أنثر هذا التصرف لو كان صورياً ، وكان الأولى هو العكس  . ولكن عند التأمل نجد أن المدين إذا صدر منه بيع صورى فلا تخلو الحال من أمرين : ( أ ) إما أن يكون المدين متواطئاً مع المشترى بقصد الإضرار بالدائن ، وفى هذه الحالة يستطيع الدائن من الناحية العملية أ ، يتجنب الطعن فى البيع بالصوري ، ويعتبر التصرف جدياً ، فيطعن فيه بالدعوى بالبولصية وقد توافرت شروطها ، فيقدم على دائن المشترى ولا يتحمل أثر تصرف صورى كان لا يتحمله لو كان التصرف جدياً  . ( ب ) وإما أن يكون تواطؤ المدين مع المشترى على الصورية لم يقصد به الإضرار بالدائن ، وفى هذه الحالة لو كان العقد جدياً لما أمكن الطعن فيه بالدعوى البولصية لعدم توفر شروط الإضرار بالدائن ، فلا يتحقق إذن أن يكون العقد الصورى أقوى نفاذاً من العقد الجدى ( نظرية العقد للمؤلف ص 855 هامش رقم 3 )  .

هذا وقد كان يوجد فى عهد التقنين المدنى السابق بين الدعويين فرق هام آخر ، هو أن الدائن فى دعوى الصورية يشاركه سائر الدائنين ( استئناف مختلط 23 يونيه سنة 1936 م 48 ص 327 ) ، أما فى الدعوى البولصية فيستأثر وحده بفائدة الدعوى  . وقد رأينا أن التقنين المدنى الجديد قد محا ها الفرق بجعله الدائن ، فى دعوى الصورية والدعوى البولصية على السواء ، لا يستأثر وحده بالتنفيذ على العين ، بل يشترك معه فى ذلك سائر الدائنين  .

انظر فى هذه المقارنة التفصيلية : بودرى وبارد 1 فقرة 731 - فقرة 733 - ديموج 7 فقرة 1142 - بلانيولى وريبير وردوان 7 فقرة 971 - فقرة 972 - بيدان ولاجارد 9 فقرة 986 - دى باج 2 فقرة 642 و 3 فقرة 259 - فقرة 260 - الأستاذ أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 658 - فقرة 659 - الأستاذ إسماعيل غانم فقرة 121  .

( [2145] ) ديمولومب 30 فقرة 179 وفقرة 181 وما بعدها 590 - لوران 19 فقرة 603 - لارومبيير 6 م 1348 فقرة 18 وفقرة 21 - بودرى وبارد 1 فقرة ؟؟؟؟؟ وفقرة 737 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 973 - كولان وكابيتان ومورانديير ؟؟؟؟؟ فقرة 457 - والتون ص ص 143 - نظرية العقد للمؤلف فقرة 766 - الأستاذ أحمد حشمت أبو ستيت فقرة 661  .

ولكن يلاحظ أنه حتى فيما بين التعاقدين يمكن إثبات الصورية بجميع الطرق إذا كان هناك تحايل على القانون كما سبق القول ، وكذلك الأمر فيما لو رفع الدائن دعوى الصورية باسم المدين عن طريق الدعوى غير المباشرة ( ديمولومب 30 فقرة 182 وفقرة 184 - فقرة 188 - لارومبيير 6 م 1348 فقرة 18 - فقرة 19 - بودرى وبارد 1 فقرة 737  .

( [2146] ) هيك 7 فقرة 230 - بودرى وبارد 1 فقرة 734 - فقرة 735 - بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 976 ص 311 - والتون 2 ص 143 - دى باج 3 فقرة 258 - نظرية العقد للمؤلف فقرة 766  .

هذا ، وفى غير المثل الذى نحن بصدده ، يلاحظ أيضاً أن دعوى الصورية لا تسقط بالتقادم ، وتسقط الدعوى غير المباشرة بالمدة التى يسقط بها الحق الذى يستعمله الدائن  . أما فى المثل الذى نحن بصدده ، فإن الحق الذى يستعمله الدائن هو بالذات دعوى الصورية التى يرفعها المدين ، وهذا أيضاً – كدعوى الصورية التى يرفعها الدائن – لا تسقط بالتقادم ( نظرية العقد للمؤلف فقرة 766 ص 857 )  .

( [2147] ) انظر فى كل ذلك نظرية العقد للمؤلف فقرة 765 - فقرة 766  .

( [2148] ) مراجع : رينو ( Raynaud ) فى الدفع المستمد من عدم التنفيذ رسالة من باريس سنة 1906 - جونسكو ( Josnesco ) فى حق الحبس رسالة من باريس سنة 1908 - بينو ( Pinot ) بحث فى إقامة نظرية فى حق الحبس من الناحية التشريعية رسالة من باريس سنة 1908 - بوجوناتو ( Poganato ) فى حق الحبس رسالة من بارسس سنة 1909 - بوب ( Bobes ) تطبيقات فى حق الحبس رسالة من باريس سنة 1913 - كاسان ( Cassin ) فى الدفع المستمد من عدم التنفيذ فى العلاقات التبادلية رسالة من باريس سنة 1914 - بودرى ولوان ( Loynes ) جزء أول فى حق الحبس فقرة 220 وما بعدها - جيللوار ( Guillouard ) فى رهن الحيازة وحق الحبي – بيدان وفوران ( Voirin ) جزء 13 فقرة 269 وما بعدها – كابيتان فى السبب فقرة 121 وما بعدها – دريدا ( Derrida ) بحث فى أساس حق الحبس رسالة من الجزائر سنة 1940 - الدكتور صلاح الدين الناهى فى الامتياع المشروع عن الوفاء رسالة من القاهرة سنة 1945 - أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفط ( Retention ) ص 703 وما بعدها ( دريدا ) - مقال لسالى ( Saleilles ) فى الامتناع عن الوفاء لعدم تنفيذ العقد ( حوليات القانون التجارى سنة 1892 - 1893 )  .

مراجع فى القانون المصرى : الأستاذ عبد السلام ذهنى فى التأمينات فقرة 291 وما بعدها الأستاذ محمد كامل مرسى فى التأمينات الشخصية والعينية طبعة ثالثة فقرة 644 وما بعدها – الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 401 - فقرة 427 - الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات الشخصية والعينية فقرة 158 - فقرة 172 - الأستاذ عبد الحيى حجازى 2 ص 217 - ص 221 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 132 - فقرة 148 - وانظر فى الدفع بعدم تنفيذ العقد : نظرية العقد للمؤلف فقرة 666 - فقرة 677 - الوسيط للمؤلف الجزء الأول فقرة 492 - فقرة 503 - الأستاذ حلمى بهجت بدوى فى نظرية العقد فقرة 353 - فقرة 360 - الأستاذ أحمد حشمت أبو ستيت فى نظرية الالتزام فقرة 377 - فقرة 379  .

( [2149] ) ذلك أن الحائز – حسب قواعد القانون المدنى العتيق – لم يكن يحق له أن يسترد ما صرفه على العين ، فهو لم يكن وقت الصرف وكيلاً عن المالك ولا فضولياً إذا كان يعمل لمصلحة نفسه لا لمصلحة المالك  . ولما كانت هذه نتيجة غير عادلة ، عمل البريتور على تفاديها ، حسب قواعد العدالة ، فضمن دعوى الاسترداد دفعاً بالغش ، بموجبه لا يكون الحائز ملزماً برد العين قبل أن يستوفى ما أنفق من المصروفات  .

( [2150] ) وكان رجال القانون الكنسى هم الذين استخلصوا مبدأ الارتباط ما بين الالتزامات المتقابلة الناشئة من علاقات قانونية واحدة ( regle des correlatifs ) ، ورتبوا على هذا المبدأ أن أياً من الطرفين لا يجبر على القيام بالتزامه نحو الطرف الآخر إذا كان هذا الطرف الآخر لم يقوم هو نفسه بما عليه من التزام  . وجاء بعد ذلك الفقهاء اللاحقون لعهد التحشية ( postglossateurs ) وبنوا من النصوص الرومانية القائمة على هذا المعنى نظرية الدفع بعدم تنفيذ العقد ، وأعطوها هذا الاسم بعد أن نسبوها للقانون الرومانى  . ثم جاء الفقيه كيجاز Cujas ومدرسته فردوا النصوص الرومانية إلى أصلها ، وقصروا الدفع بعدم التنفيذ على الحالات المعينة التى وردت فيها هذه النصوص ، فضاعت وحدة النظرية ، وتفككت تطبيقاتها ، بل وانطمس اسمها  . وساعد على ذلك أن القضاء استعان – فى ملء الفراغ الذى خلفه تفكيك النظرية – بنظرية الفسخ التى اختفى وراءها الدفع بعدم التنفيذ ، وبنظرية الحبس التى انفصلت عن نظرية الدفع بعدم التنفيذ بعد أن أصبح الحبس ملتصقاً بالأعيان المادية واعتبر حقاً عينيناً ، وكان يقول بعينيته كل من ديمولان وبوتييه ( اسمان 6 فقرة 439 - بودرى ولوان فقرة 228 )  .

( [2151] ) انظر مثلا لمواد 454 و 867 و 1612 و 1613 و 1673 و 1749 و 1948 و 2280 من التقنين المدنى الفرنسى  .

( [2152] ) انظر : كابرى ( Cabrye ) فى حق الحبس فقرة 74 - جلاسون ( Glasson ) فى حق الحبس ص 35 وما بعدها – كاسان ( Cassin ) ص 665 - سيرفى ( Surville ) 2 فقرة 451 - بون ( Pont ) 1 فقرة 21 - فقرة 22 - بيدان 1 فقرة 251 - فقرة 257  .

( [2153] ) أوبرى ورو 3 فقرة 256 مكررة ص 163 هامش رقم 20 - ودرى ودى لوان 1 فقرة 228 - لوران 29 فقرة 292 - بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 459 - كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 1476 - بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 3283 - جوسران 2 فقرة 1470 - فقرة 1471 - قارن فى معنى لاحق العينى : أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ Retention فقرة 92 - فقرة 93  .

( [2154] ) أما أنه لا ينطوى على حق تقدم ، فسنرى أن الحبس لا يكسب امتيازاً للدائن الحابس على غيره من الدائنين  . وأما أنه لا ينطوى على حق تتبع ، فلأن الحابس إذا تخلى عن حيازة العين المحبوسة فقد حقه فى الحبس ولا يستطيع استرداده  . ولم ينظم القانون إجراءات خاصة لشهر حقوق الحبس  .

( [2155] ) بودرى ولوران 1 فقرة 230 - فقرة 232 - بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 444  .

( [2156] ) بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 44 ص 597 وهامش رقم 2  .

( [2157] ) بلانيون وريبير وأسمان 6 فقرة 445  .

( [2158] ) انظر مع ذلك : استئناف مختلط 30 مايو سنة 1929 م 41 ص 241  .

( [2159] ) هذه الأحوال المخصوصة التى مصرحاً بها فى التقنين المدنى السابق هى : ( أ ) حق البائع فى حبس المبيع حتى يقبض الثمن ( م 279 / 350 )  . أما حق المشترى من حبس الثمن إذا حصل تعرض له فى وضع يده على المبيع أو ظهر سبب يخشى منه نزع الملكية ( م 331 / 411 ) فيستعصى فى التكييف أن يكون حقاً عينياً ، لأن الثمن دين فى ذمة المشترى وليس بعين محبوسة ، وهو قبل دفعه ملك للمشترى والشخص لا يكون له حق عينى على ملكه ، وإنما يكون هذا الحق تطبيقاً من تطبيقات الدفع بعدم تنفيذ العقد  . ( ب ) حق المستأجر فى حبس العين المؤجرة عند بيعها بيعاً يكون سبباً فى فسخ عقد الإيجار ، حتى يستوفى من المؤجر أو من المشترى التعويض الواجب له ( م 390 فقرة 2 / 477 )  . ( ج ) حق حافظ الوديعة فى حبس العين المودعة ، حتى يستوفى من المودع " المصاريف المنصرفة منه لحفظها ويعطيه بدل الخسارات التى نشأت له عنها " ( م 488 فقرة 2 / 597 )  .

وهناك نصوص أخرى ، فى غير التقنين المدنى ، تعطى للدائن حق الحبس : ( أ ) حق الوكيل بالعمولة فى حبس البضائع التى تحت يده ( م 85 تجارى )  . ( ب ) حق القبودان فى حبس البضائع التى فى السفينة ( م 125 بحرى )  . ( ج ) حق المنزوع ملكيته للمنفعة العامة فى حبس العقار ، حتى يستوفى من نازع الملكية التعويض المستحق له  . انظر فى ذلك : الأستاذ صلاح الدين الناهى فقرة 175 ص 184 هامش رقم 1 ، وفى القانون الفرنسى : أوبرى ورو 3 فقرة 256 مكررة ص 157 هامش رقم 2  .

( [2160] ) ولو كان حق الامتياز هذا غير مبنى على فكرة الرهن الضمنى ، فمن أنفق على شئ لحفظه أو ترميمه كان له حق امتياز عليه  . وكان له أيضاً أن يحبسه  . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن يجوز للميكانيكى الذى أصلح سيارة أن يحبسها حتى يستوفى أجرة إصلاحها ( 13 أبريل سنة 1932 م 44 ص 270 )  .

( [2161] ) استئناف مصر 24 ديسمبر سنة 1944 المجموعة الرسمية 46 ص 137 - استئناف مختلط 16 يونيه سنة 1910 م 22 ص 372 - 7 فبراير سنة 1912 م 24 ص 127 - 23 يناير سنة 1913 م 25 146 - 24 ديسمبر سنة 1914 م 27 ص 83 - 14 يونيه سنة 1917 م 29 ص 500 - 13 فبراير سنة 1929 م 41 ص 216 - 8 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 21 - قارن : استئناف مصر 8 ديسمبر سنة 1939 المجموعة الرسمية 38 رقم 3 ص 69  .

( [2162] ) استئناف مختلط 13 أبريل سنة 1932 م 44 ص 270 - 8 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 21  .

( [2163] ) على أن الفقهاء عند تعرضهم للآثار التى تترتب على حق الحبس لاحظوا أنه لا يخول للدائن حق تقدم أو حق تتبع بالمعنى المألوف ، فدفعهم ذلك إلى القول بأن حق الحبس حق عينى من نوع خاص ( sui generis ) ( الأستاذ محمد كامل مرسى فى التأمينات الشخصية والعينية سنة 1938 لقرة 646 )  . وذهبت محكمة الاستئناف المختلطة فى أحد أحكامها إلى أن حق الحبس حق شخصى لا حق عينى ، وانه لا يخول صاحبه مزية التتبع ، فإذا رفعت يد الوكيل عن عقارات موكله عنوة ، ولم يطلب استردادها لاستعمال حق الحبس عليها من أجل المصروفات التى أنفقها ، كان دينه ديناً عادياً ( استئناف مختلط 30 مايو سنة 1929 م 41 ص 341 وهو الحكم الذى سبقت الإشارة إليه )  . وانظر فى أن حق الحبس حق عينى : محكمة الإسكندرية الكلية الوطنية 29 يناير سنة 1930 المحاماة 11 رقم 491 ص 978  .

( [2164] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر بأن حق الحبس لا يعطى صاحبه لا حق التتبع ولا حق الأولوية ، وليس لصاحبه إلا رفض التسليم ، وإذا بيعت العين فلا يدخل فى التوزيع إلا كدائن عادى  . ولكن من جهة أخرى فأن دائنى صاحب العين وخلفاءه لا يمكنهم رفع يد الحابس إلا بعد سداد المبالغ التى له ، وإذا بيعت العين لم يمكن المشترى تسلمها إلا إذا دفع الدين المطلوب عليها للحابس  . فهو من هذه الجهة شبيه بالحق العينى ، ويمكن الاحتجاج به على صاحب العين أو من تلقى الملك عنه ، ولواضع اليد ألا يسلم الشئ إلا إذا دفع له قيمة ما صرفه ( 9 فبراير سنة 1937 المحاماة 17 رقم 588 ص 1174 )  .

( [2165] ) فقد قضت محكمة استئناف مصر بأن حق الحبس الذى قد يكون للمقاول بالنسبة إلى ما صرفه على العمارة لا يقضى حق التتبع ، ولا يمكن الاحتجاج به قبل الغير ، إلا إذا كان ناشئاً عن امتياز مسجل تسجيلاً صحيحاً ( 13 ديسمبر سنة 1936 المحاماة 17 رقم 308 ص 638 )  . وقضت محكمة الإسكندرية الكلية الوطنية بأن حق الحبس يعتبر حقاً عينياً ، لأن ما يترتب عليه من الآثار الفعلية يعادل تماماً ما يترتب من الآثار القانونية على الحقوق العينية ، أى حق التتبع والامتياز ، وعلى ذلك فلا ينشأ هذا الحق إلا بتسجيله لا بمجرد التعاقد ( 29 يناير سنة 1930 المحاماة 11 رقم 491 ص 978 وهو الحكم الذى سبقت الإشارة إليه )  .

( [2166] ) وكنا ممن ينتقد ، فى عهد التقنين المدنى السابق ، عينية الحق فى الحبس التى اعتنقها هذا التقنين ، كاشفين عن حقيقته من أنه دفع لا حق ( نظرية العقد للمؤلف فقرة 668 ص 713 هامش رقم 1 )  . ولا ضرر يعود على الغير من اعتبار الحق فى الحبس دفعاً سارياً فى حقه دون أن يشهر ، ذلك أن الدائن ، إذا حبس عن مدينه ما عليه لهذا المدين حتى ستوفى حقه المرتبط بالدين المحبوس ، فإنه لا يثرى على حساب مدينه ، بل يتجنب أن يثرى المدين نفسه على حسابه هو ( انظر فى هذا المعنى بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 459 )  .

( [2167] ) انظر التقنين المدنى الألمانى ( م 273 - 274 وم 320 - 322 )  . والتقنين المدنى الأرجنتينى ( م 3939 - 3946 )  . أما التقنين المدنى السويسرى ( م 895 - 898 ) فيبدو أنه يعتبر حق الحبس حقاً عينياً ( انظر بنوع خاص م 898 )  . وانظر فى حق الحبس وبوجه عام الامتناع المشروع عن الوفاء فى الفقه الإسلامى الدكتور صلاح الدين الناهى فى الامتناع المشروع عن الوفاء فقرة 340 وما بعدها  .

( [2168] ) وتختلف المقاصة عن الحبس فى أمرين : ( أ ) يشترط فى المقاصة اتحاد جنس الدينين دون حاجة إلى قيام ارتباط فيما بينهما  . وعلى النقيض من ذلك الحبس ، فيشترط فيه الارتباط دون اتحاد جنس الدينين  . ( ب ) المقاصة سبب لانقضاء الدينين بقدر الأقل منهما ، فهى وسيلة ضمان ووسيلة استيفاء  . أما الحبس فيبقى الدينين قائمين وأحدهما ضامن للآخر ، فهو وسيلة ضمان دون أن يكون وسيلة استيفاء ( بودرى ودى لوان فقرة 220 - جوسران 2 فقرة 1466 - الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات ص 619 هامش رقم 2 - الدكتور صلاح الدين الناهى فى الامتناع المشروع عن الوفاء فقرة 192 - فقرة 198 )  .

( [2169] ) الوسيط للمؤلف الجزء الأول فقرة 492 - فقرة 503 - نظرية العقد للمؤلف فقرة 666 - فقرة 677 - وانظر أيضاً الدكتور صلاح الدين الناهى فى الامتناع المشروع عن الوفاء فقرة 124 وما بعدها - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام ص 181 هامش رقم 1 - وقارن فى التمييز بين الحق فى الحبس والدفع بعدم تنفيذ العقد : كابيتان فى ؟؟؟؟؟ فقرة 126 - دى باج 2 فقرة 871 - أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ Retention فقرة ؟؟؟؟ وفقرة 27 - فقرة 31 - الأستاذ حلمى بهجت بدوى فى نظرية العقد فقرة 357 - فقرة 360 - الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات ففقرة 164 ص 244 هامش رقم 1  .

( [2170] ) انظر بنوع خاص كولان وكابيتان ومورا نديير 2 فقرة 1482 ص 926 هامش رقم 3  .

( [2171] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 651  .

( [2172] ) انظر فى هذا المعنى الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 426 - الأستاذ عبد الحى حجازى 3 ص 217 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 148 - وقارن الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات الشخصية والعينية ( فقرة 162 ص 240 ) حيث يذهب إلى أن الحق فى الحبس حق شخصى يترتب فى ذمة المدين متعلقاً بالشئ المحبوس  .

( [2173] ) جوسران 2 فقرة 1471 - أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ Retention فقرة 6  .

( [2174] ) قارب فى هذا المعنى الدكتور صلاح الدين الناهى فى الامتناع المشروع عن الوفاء ص 421 - ص 422  .

( [2175] ) المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 648  .

( [2176] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : " صور المشروع فى حق الحبس تصويراً يكشف عن حقيقته ، فهو ليس من قبيل الحقوق العينية كما صور خطأ فى التقنين الحالى ( السابق ) : انظر المادة 5 / 19 من التقنين المصرى ( السابق ) ، بل هو مجرد دفع يعتصم به الدائن بوصفه وسيلة فعالة من وسائل الضمان  . وقد كف بهذه المثابة عن أن يكون حق حبس ، وأصبح حقاً فى الحبس  . وعلى هذا النحو خرج المشروع بهذا الحق من نطاق التطبيقات الخاصة التى وردت فى التقنين الحالى ( السابق ) على سبيل الحصر ، إلى حيز المبادئ العامة ، وبذلك كفل له عموم التطبيق فى أحوال لا تتناهى  . فلكل مدين أن يمتنع عن الوفاء بالتزامه استناداً إلى حقه فى الحبس ، ما دام الدائن لم يعرض الوفاء بالتزام نشأ بسبب التزام هذا المدين كان مرتبطاً به ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 648 )  .

وجاء أيضاً فى المذكرة الإيضاحية ما يأتى : " صور المشروع حق الحبس تصويراً يكشف عن حقيقته ؟؟؟؟؟ منه مجرد دفع من الدفوع لا يختلط بالحقوق العينية ولا يشاركها فى مقوماتها  . ثم أنه استعاض عن بيان أحوال لحبس على سبيل الحصر بإيراد قاعدة عامة ، لها من السعة ما يؤهلها لأن تتناول جميع التطبيقات التى يملى العقل فيها وجوب تخويل هذا الحق ، فتحامى بذلك ما ينطوى فى ذاك البيان من إسراف فى الحرج والتضييق " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 651 )  .

( [2177] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 331 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد فيما عدا بعض اختلاف لفظى  . وفى لجنة المراجعة أدخل بعض تعديلات لفظية فأصبح النص مطابقاً ، وصار رقمه 258 فى المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب  . وفى لجنة مجلس الشيوخ اعترض بأن النص يقرر مبدأ جديداً ، لأنه يصور حق الحبس فى أوسع نظرياته  . ورد على هذا الاعتراض بأن النظرية التى أخذ بها النص ليست نظرية جديدة بل هى نظرية الدفع بعدم التنفيذ ، على أن حق الحبس لا يتوافر بمجرد أن يقع شئ للمدين صدفة فى يد الدائن ، بل يجب أن تتوافر شروط معينة  . وحكم النص ليس جديداً ، بل يوجد ما يماثله  . ولم تر اللجنة الأخذ بهذا الاعتراض ، وأقرت النص كما هو تحت رقم 246  . ثم أقره مجلس الشيوخ دون تعديل ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 650 وص 651 - ص 653 )  .

( [2178] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 247 : مطابقة لنص التقنين المدنى المصرى  .

التقنين المدنى العراقى : م 280 - 1 - للبائع أن يحبس المبيع إلى أن يؤدى المشترى جميع الثمن الحالى  . وللعامل أن يحبس الشئ الذى يعمل فيه إلى أن يستولى الأجر المستحق ، سواء كان لعمله أثر فى هذا الشئ أو لم يكن  . وذلك كله وفقاً للأحكام التى قررها القانون  . 2 - وفى كل معاوضة مالية بوجه عام ، لكل واحد من المتعاقدين أن يحبس المعقود عليه وهو فى يده ، حتى يقبض البدل المستحق  .

م 281 : يجوز لمن أنفق على ملك غيره ، وهو فى يده ، مصروفات ضرورية أو نافعة ، أو أنشأ فيه بناء أو غرس أشجاراً ، أن يمتنع عن رده حتى يستوفى ما هو مستحق له قانوناً ، لا أن يكون الالتزام بالرد ناشئاً عن عمل غير مشروع  .

م 282 : 1 - لكل من التزم بأداء شئ أن يمتنع عن الوفاء به ما دام الدائن لم يوف بالتزام فى ذمته نشأ بسبب التزام المدين وكان مرتبطاً به  . 2 - فإذا قدم الدائن تأميناً كافياً للوفاء بالتزامه ، سقط حق المدين فى الامتناع عن أداء ما التزم به  .

( وهذه النصوص فى جملتها تتفق فى أحكامها مع أحكام التقنين المدنى المصرى ، وإن كان التقنين المدنى العراقى توخى أن يساير الفقه الإسلامى فى تطبيقاته المختلفة للحق فى الحبس ، ثم انتهى إلى وع قاعدة عامة هى القاعدة التى أتى بها التقنين المدنى المصرى – انظر فى شرح هذه النصوص فى القتنين المدنى العراقى الدكتور حسن على الذنون فى أحكام الالتزام فى القتنين المدنى العراقى ص 110 - ص 113 )  .

التقنين المدنى للملكة الليبية المتحدة م 249 : مطابقة لنص التقنين المدنى المصرى  .

تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م 271 : أما وسائل التنفيذ فهى بالعكس لا يجوز للدائن استعمالها إلا إذا كان حقه مستحق الأداء  . وأخص تلك الوسائل الحجز التنفيذى ، ومنها أيضاً طريقة التغريم ( المادة 251 ) وحق الحبس ، أى حق كل شخص دائن ومديون معاً فى معاملة أو حالة واحدة بأن يمتنع عن التنفيذ ما دام الفريق الآخر لم يعرض القيام بما يجب عليه  . 

م 272 : إن حق الحبس لا ينحصر في كل من كان دائنا ومديونا بموجب عقد متبادل ، بل يوجد ايضا في كل حالة يكون فيها الدين متصلا بموضوعه ، أي حيث يكون التلازم موجودا بين الموجب المطلوب والدين المختص بمن يستعمل حق الحبس من اجل ذاك الموجب ، فهو أي حق الحبس يعود مثلا الى واضع اليد او المستثمر او الى محرز الشيء المرهون بدون ان يكون ثمة تمييز بين الأموال المنقولة وغير المنقولة ولا بين الحابس الحسن النية وسيئها  . وانما يحرم حق الحبس محرز الاشياء المفقودة او المسروقة ومحرز الاشياء التي انتزعت بالعنف من صاحبها الحقيقي  .

( وأحكام هذه النصوص تتفق في جملتها مع أحكام نصوص التقنين المصري ، فقد جعل التقنين اللبنانين من الحق في الحبس نظرية عامة ولم يورد تطبيقاته على سبيل الحصر ، ولم يجعله حقا عينيا ، وتناول به حالتي الدفع بعدم تنفيذ العقد والارتباط ما بين الشيء المحبوس والدين المحبوس من أجله ، واوجب ألا يكون الالتزام سببه إحراز الاشياء المفقودة أو المسروقة وإحراز الأشياء التي انتزعت بالعنف من صاحبها الحقيقي  . وأورد تطبيقات مختلفة للحق في الحبس نثرها في نواح متفرقة : م 483 و 571 و 582 و 677 و 686 و 718 و 751 و 793 و 798 الخ الخ  . انظر في كل ذلك الدكتور صبحي المحمصاني في آثار الالتزام في القانون المدني اللبناني ص 46 – ص 49  .

( [2179] ) والغالب فيما يرد عليه الحبس أن يكون شيئاً مادياً ، منقولاً أو عقاراً ( استئناف مختلط 8 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 21 )  . ولا يرد الحبس على الأشخاص بأية حال ، فلا يجوز مثلاُ لصاحب المدرسة أن يحبس التلميذ عن ولى أمره لعدم دفعه المصروفات الدراسية ، ولا لمستشفى الولادة أن يحبس المولود عن ذويه حتى يستوفى أجره ، ولا لمتعهد الجنائر أن يمتنع عن تسليم جثة الميت إلى أهله حتى يستوفى منهم مصروفات الجنازة ( بيدان وفوران فقرة 273 - الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 410 )  .

ويغلب أن يكون الشئ المحبوس مملوكاً للمدين ، ولكن ذلك ليس بشرط ، فقد يكون مملوكاً للدائن الحابس نفسه وعليه التزام بأدائه للمدين  . فالمؤجر له أن يحبس العين المؤجرة – وهى ملكه ولكنه التزم بتسليمها للمستأجر - حتى يستوفى الأجرة ( أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ Retention فقرة 16 ص 705 - الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 410 ص 596 - الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فقرة 165 ص 261 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 134 - قارن كولان وكابيتان ومروانديير 2 فقرة 1473 - بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 327 - الدكتور منصور مصطفى منصور فى نظرية الحلو العينى رسالة على الآلة الكاتبة من القاهرة سنة 1953 ص 179 هامش رقم 2 )  .

( [2180] ) كاسان ص 485 - هذا والمادة 812 من التقنين المدنى تجعل لمالك الأرض المحبوسة حق المرور فى الأرض المجاورة نظير تعويض عادل ، فإذا امتنع من دفع هذا التعويض ، كان لمالك الأرض المجاورة أن يقف تنفيذ التزامه فيمنع مالك الأرض المحبوسة من المرور  .

ونرى مما تقدم أن نطاق الحق فى الحبس قد اتسع من حيث الالتزامات التى يجوز الامتناع عن تنفيذها ، ونص التقنين المدنى الجديد يستجيب لهذا التوسع ، فهو يفترض أن الحابس ملتزم " بأداء شئ " ( tenue aune prestation )  . ولفظ " شئ " ، الذى أريد به المعنى المقصود من لفظ ( prestation ) ، يتسع لكل التزام أياً كان محله ، ولو كان المحل امتناعاً عن عمل  . فليس من الضرورى أن يحبس الدائن عيناً مادية ، بل يصح أن يحبس تنفيذ التزام بنقل حق عينى أو بعمل أو بامتناع عن عمل  . وإذا كان التقنين المدنى الألمانى ( م 273 ) قد عرف الحق فى البس تعريفاً واسعاً قصد به أن يتناول الحبس كل التزام أياً كان محله ، فلسنا نرى - خلافً لما ذهب إليه الأستاذ إسماعيل غانم ( أحكام الالتزام فقرة 143 ) - أن التقنين المدنى المصرى الجديد قد تخلف عن التقنين المدنى الألمانى فى ذلك  .

( [2181] ) أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ Retention فقرة 17 - الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات فقرة 165 ص 246 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 134 ص 184  .

( [2182] ) الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 410 ص 596 - الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات فقرة 165 ص 246 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 124 ص 184  .

وقد اختلف فى جواز حبس العين الموقوفة ، ولكن الراجع الجواز ، لأن الحبس حق مؤقت لا يؤدى إلى بيع العين المحبوسة ، فلا يتنافى مع طبيعة الوقف ، ولا يفوت معه الغرض من الوقف لا يؤدى إلى بيع العين المحبوسة ، فلا يتنافى مع طبيعة الوقف ، ولا يفوت معه الغرض من الوقف ( استئناف أسيوط 27 مايو سنة 1930 المحاماة 11 رقم 155 ص 278 - محكمة قنا الكلية 23 أبريل سنة 1937 المحاماة 8 رقم 351 ص 535 )  .

( [2183] ) ويحرم الحائز بعمل غير مشروع الحق فى الحبس ، حتى لو مضى على حيازته غير المشروعة سنة أو أكثر  . فإن مضى هذا المدة إنما ينقضى بها حق الحائز الأصلى فى استرداد حيازته بدعوى من دعاوى الحيازة ، ولكن لا ينقضى بها حق الحائز الأصلى فى استردادا حيازته بدعوى الملكية إذا كان مالكاً ، وفى هذه الحالة لا يجوز للحائز بعمل غير مشروع حبس العين ، فإن هذا يتعارض مع العدالة وحسن النية وهما الأساس الذى يقوم عليه الحق فى الحبس ( انظر فى هذا المعنى الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام ص 183 هامش رقم 3 - وانظر عكس ذلك الأستاذ عبد الفتح عبد الباقى فى التأمينات فقرة 165 ص 247 )  .

( [2184] ) قارن تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م 272 فقرة ثانية  .

هذا ويشترط فى الحائز ، حتى يحبس الشئ ، أن تكون حيازته ليست مجرد حفظ مادى للشئ بمقتضى واجبات وظيفته ، فلا يجوز لل 3 صراف فى محل تجارى أن يحبس الخزانة المعهود بحفظها إليه حتى يستوفى أجره ( انظر فى هذه المسألة بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 451 )  . وليس من اللازم أن يحوز الحابس الشئ بنفسه ، بل يصح أن يحوزه عنه عدل يتفق عليه الحابس والمالك ( الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات فقرة 165 ص 247 )  . ويشترط أن يبقى الشئ فى يد الدائن ( استئناف مصر 12 فبراير سنة 1923 المجموعة الرسمية 25 رقم 55 ص 94 ) ، فإذا خرج الشئ من يديه بإرادته لم يستطع أن يسترده ( محكمة المنصورة الكلية الوطنية 15 يناير سنة 1934 المجموعة الرسمية 34 رقم 23 ص 52 )  . وقد يكون الدائن الحابس حائزاً للشئ بمقتضى أنه مالك له أن بمقتضى أنه يحوزه حيازة قانونية ( possession ) ، أو بمقتضى أنه يحرزه مجرد إحراز ( detention ) ، ويجب أن يكون الشئ المحبوس مستحق التسليم لمدين الحابس سواء كان هذا المدين يملكه أو كان هو صاحب الحق فى حيازته القانونية أو فى مجرد إحرازه للانتفاع به  . فيجوز للمؤجر أن يحبس ملكه عن المستأجر ، ويجوز لحائز الشئ أن يحبسه عن مالكه ، ويجوز للمستأجر أن يحبس العين المؤجرة - وهى فى حرزه لا فى حيازته - عمن آلت إليه ملكيتها حتى يستوفى حقه فى التعويض عند عدم نفاذ الإجارة فى حق المالك الجديد ( الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 410 ص 595 - ص 596 الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 134 ص 182 )  . وقد قضت محكمة استئناف مصر ، فى عهد التقنين المدنى السابق ، بأنه لا يصح اعتبار المستأجر حائزاً للعقار بسب بصحيح يجعله فى حل من أن يصرف على العين ما يشاء لتحسينها وصيانتها ، إذا ليس للمستأجر غير الانتفاع بالعين المؤجرة بالحالة التى هى عليها وقت التأجير ، ولا يجوز أن يسمح للمستأجر بأن يخلق لنفسه بفعله الشخصى حقاً عينياً على العين المؤجرة بما يقوم بصرفه فى شؤون إصلاحها وصيانتها ، إلا إذا كان المالك المؤجر قد اتفق معه على ذلك ، والقول بغير هذا معناه تمكين المستأجر من الإضرار بالمالك متى شاء ، والقانون لم يوضع للإضرار بالناس ( 8 ديسمبر سنة 1936 المجموعة الرسمية 38 رقم 69 ص 169 )  .

( [2185] ) بودرى ودى لوان 1 فقرة 24 ش 4 مكررة 2 - أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ Retention فقرة 15 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 137 ص 188  .

( [2186] ) فيشترط إذن أن يكون حق الدائن مستحق الأداء ( انظر فى هذا المعنى وما يقوم عليه من مبررات الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 409 )  . فإذا كان هذا الحق مؤجلاً أو معلقاً على شرط واقف ، فإنه لا يخول الحق فى الحبس ( الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 409 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 137 ص 188 )  . ولكن لا يشترط أن يكون مقدراً ( liquide ) ، فيثبت الحق فى الحبس إلى أن يتم تقديره والوفاء به ، وإذا كان ذلك مشترطاً فى المقاصة القانونية فلأن الدينين ينقضيان بقدر الأقل منهما فكان لا بد من أن يكونا مقدرين ، ولا حاجة إلى ذلك فى الحبس فهو امتناع مؤقت عن التنفيذ لا تظهر فيه وجه الضرورة فى أن يكون الدين مقدراً ( استئناف مصر 26 مايو سنة 1932 المحاماة 13 رقم 209 ص 415 - 9 فبراير سنة 1937 المحاماة 17 رقم 558 ص 1174  . استئناف مختلط 8 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 21 - 19 فبراير سنة 1936 م 48 ص 152 - 15 فبراير سنة 1939 المحاماة 20 رقم 443 ص 1038 - الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 409 ص 594 - ص 595 - الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات فقرة 165 ص 248 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 137 ص 188 - ص 189 )  . ويجوز للقاضى أن يحدد أجلاً يقوم الدائن فيه بتقدير حقه حتى لا يطول أمد الحبس ( الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 137 ص 189 ) ، كما يجوز للقاضى أن يقدر قيمة الحق مؤقتاً فينتهى الحبس إذا أودعت هذه القيمة الموقتة خزانة المحكمة ( استئناف مختلط 8 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 21 - 19 فبراير سنة 1936 م 48 ص 152 ، وهما الحكمان اللذان سبقت الإشارة إليهما )  . ويلاحظ الأستاذ سليمان مرقس أنه " إذا كانت المادة 589 المتعلقة بحق المؤجر فى حبس المنقولات الموجودة فى العين المؤجرة لا تشترط أن تكون الأجرة حالة ، فما ذلك إلا لأن حق الحبس فى هذه الحالة متفرع عن حق امتياز المؤجر ، ولأن هذا الامتياز يثبت للمؤجر بمجرد العقد ومن قبل حلول الأجرة ، ولأن استعمال المؤجر حقه فى الحبس ضرورى للمحافظة على امتيازه ، فلا بد من ثبوت الحق فى الحبس فى هذه الحالة بمجرد ثبوت الامتياز ، أى من وقت العقد ، ولو كانت الأجرة غير مستحقة الأداء " ( الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 409 ص 594 )  . وغنى عن البيان أنه يجب أيضاً أن يكون حق الدائن الحابس محقق الوجود ، فإذا وقع نزاع جدى فى الحق الذى يدعيه ، لم يكن له الحق فى الحبس  . ومن ثم لا يجوز للمستأجر أن يحبس الأجرة حتى يستوفى من المؤجر تعويضاً يدعى أنه يستحقه ، إذا كانت دعوى التعويض لم يبت فيها القضاء ( الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 137 ص 188 - أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ Retention فقرة 155 )  .

( [2187] ) وقد قضت محكمة النقض بأنه متى كان الواقع فى الدعوى هو أن المطعون عليه تعاقد مع الطاعنة على استغلال " فيلم " فى الخارج لقاء مبلغ معين – 7500 جنيه – يدفعه المطعون عليه ، دفع منه وقت العقد جزءاً - 1000 جنيه – وتعهد بدفع جزء آخر - 3000 جنيه – فى مدى شهر من التوقيع على العقد ، بحيث إذا تأخر عن دفع هذا الجزء فى ميعاده يصبح المبلغ الذى دفع أولاً حقاً للطاعنة بصفة تعويض ويعتبر العقد لاغياً ، وباقى المبلغ يدفع عند تسليم الفيلم فى الخارج ، وتعهدت الطاعنة بأنه يتم إيصال الفيلم إلى الخارج فى خلال أربعة شهور من تاريخ التعاقد - أى بعد وفاء المطعون عليه بالتزامه – وكان الثابت من أوراق الدعوى أن المطعون عليه لم يف بما تعهد به إذ لم يدفع سوى مبلغ 2000 جنيه بعد الميعاد المتفق عليه ، فإنه يكون للطاعنة – رغماً عن قبولها الوفاء الجزئى على غير الوجه المتفق عليه – أن تحبس التزامها بالتسليم حتى يقوم المطعون عليه بالوفاء الكامل ، إذ ليس من شأن قبول الطاعنة للمبلغ الذى دفعه المطعون عليه بعد الميعاد المتفق عليه ما يسقط حقها فى الحبس  . بل كل كما عسى أن يكون له من شأن أنه إذا أكمل المطعون عليه المبلغ إلى 3000 جنيه - يصلح دفعاً لدعوى الطاعنة إذا هى رفعتها طالبة الفسخ لعدم وفاء الطاعن بما تعهد به على الوجه المتفقة عليه  . أما حقها هى فى حبس التزامها بالتسليم ، فلا يسقطه قبولها وفاء بعض المتعهد به بعد الميعاد المتفق عليه ( نقض مدنى 14 يونيه سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 155 ص 1000 )  .

( [2188] ) وكذلك إذا كان الدائن هو الذى تبرع بالأجل ، فالمفروض أنه لم يرد بمنحه المدين أجلاً أن ينزل عن حقه فى الحبس ( قارب المادة 362 مدنى فى شأن المقاصة )  . فإذا ادعى المدين أن الدائن أراد بمنحه الأجل أن ينزل عن حقه فى الحبس ، فعلى المدين يقع عبء إثبات ذلك ، ما لم يفترض المشروع هذه النية عند الدائن ( انظر مثلاُ المادة 459 فقرة أولى مدنى ) ، فينتقل عندئذ عبء الإثبات إلى الدائن وعليه أن يثبت أنه لم يقصد بمنحه المدين أجلا أن ينزل عن حقه فى الحبس ( الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 137 ص 188 وهامش رقم 4 )  .

ويجب أن يكون حق الدائن تالياً أو معاصراً لحيازته للشئ المحبوس ، ولا يصح أن يكون سابقاً على الحيازة ، لأن الحق فى الحبس ضمان لا يتعلق بنية الطرفين ، بل يتوقف على سبق قيام الحيازة كواقعة مادية ( أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ Retention فقرة 18 )  .

( [2189] ) بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 444 - وفقرة 449 بودرى ودى لوان 1 فقرة 234 - ويذهب بودرى ودى لوان مع أوبرى ورو إلى أنه لا يكفى قيام الارتباط ما بين الدينين ، بل يجب أيضاً أن يكون بينهما أصل مشترك ( أوبرى ورو 3 فقرة 256 مكررة ص 158 - بودرى ودى لوان 1 فقرة 234 )  . ولن الرأى الراجح هو الاكتفاء بقيام الارتباط ما بين الدينين ( تولييه 3 فقرة 130 - ترولونج 1 فقرة 258 وما بعدها – ديرانتون 4 فقرة 382 – جيللورا فى حق الحبس فقرة 51 وما بعدها – بيدان وفواران 1 فقرة 243 - فقرة 250 )  .

( [2190] ) انظر فى الارتباط القانونى أو المعنى والارتباط الموضوعى أو المادى : كاسان تعليقه فى سيريه 1921 - 2 - 25 - بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 444 - بيدان وفواران 1 فقرة 273 وما بعدها – أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ Retention فقرة 38 - فقرة 42 ( دريدا ) - الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 411 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 138 - فقرة 142  .

( [2191] ) ولما كان الارتباط القانونى يتميز بهذه العلاقة التبادلية ، فقد كان الأفضل أن يطلق عليه " الارتباط التبادلى "  .

( [2192] ) ومن ثم صار الدفع بعدم تنفيذ العقد صورة من صورة الحبس  . وقد حصر التقنين المدنى الجديد ( م 161 ) دائرة الدفع بعدم تنفيذ العقد فى العقود الملزمة للجانبين ، ووسع من نطاق الحق فى الحبس فجعل الدفع بعدم تنفيذ العقد صورة من صوره كما قدمنا  . وهناك اتجاه فى الفقه الفرنسى يرمى ، على العكس من ذلك ، إلى التوسع فى الدفع بعدم التنفيذ وجعله شاملاً لجميع صور الارتباط القانونى فلا يقتص على العقود الملزمة للجانبين ، والتضييق من حق الحبس ليكون مقصوراً على صور الارتباط الموضوعى أو المادى ( بلانيول وريبير واسمان 6 فقرة 444 )  . والتصوير الذى اختاره التقنين المدنى المصرى الجديد قريب من تصير التقنين المدنى الألمانى ، فالمادة 320 من التقنين الألمانى تقصر الدفع بعدم التنفيذ على العقود الملزمة للجانبين والمادة 273 لا تقصر حق الحبس على صور الارتباط الموضوعى ( الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 142 )  .

( [2193] ) وقد كانت المادة 244 من المشروع التمهيدى للتقنين المدنى الجديد تنص صراحة على الحق فى الحبس فى هذه الحالة ، إذا كانت تجيز لكل من الطرفين " أن يحبس ما أخذه ما دام المتعاقد الآخر لم يرد إليه ما تسلمه منه أو يقدم ضماناً لهذا الرد طبقاً للقواعد العامة المقررة فى حق الحبس "  . وقد حذف هذا النص فى لجنة المراجعة لعدم الحاجة إليه ، إذ هو مجرد تطبيق للحق فى الحبس ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 331 )  .

( [2194] ) ومن العلاقات التبادلية التى لا تقوم على عقد أصلاً علاقة الولى أو الوصى أو القيم بالمحجور بعد انتهاء الحجر ، فيكون على الولى أو الوصى أو القيم أن يرد للمحجور ما تحت يده من ماله على أن يسترد ما أنفق من مصروفات ، ومن ثم يجوز له حبس المال حتى يسترد المصروفات ( بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 449 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 139 ص 193 )  .

( [2195] ) ويبدو أن العلاقة التبادلية ما بين الالتزامين فى العقد الملزم لجانب واحد محل النظر ، فلكل التزام مصدر مستقل ، وكان من الممكن أن يوجد أى التزام منهما دون أن يوجد الالتزام الآخر  . والظاهر فى الارتباط هنا أن يكون ارتباطاً موضوعياً أو مادياً ، لا ارتباطاً قانونياً أو تبادلياً  .

( [2196] ) والارتباط الموضوعى هنا أكثر وضوحاً وبروزاً من الارتباط القانونى كما سبق القول  . انظر فى الأحوال التى يتحقق فيها الارتباط القانونى والارتباط المادى معاً : الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 140 ص 194 ، وقد أورد ضمن هذه الأحوال حالتى الوكالة والمقاولة  . ولكن يلاحظ أن كلا من هذين العقدين ملزم للجانبين ، وأن التزامات كل من الموكل والوكيل مصدرها عقد الوكالة ، كما أن التزامات كل من المقاول ورب العلم مصدرها عقد المقاولة ، فالعلاقة التبادلية بارزة فى هاتين الحاليتين ، ومن ثم يكون الارتباط القانونى أو التبادلى أكثر وضوحاً فيهما من الارتباط المادى أو الموضوعى  .

( [2197] ) هذه العبارة الفرنسية أدق فى أداء المعنى من العبارة التى وردت فى النص العربى للمادة 246 فقرة أولى من التقنين المدنى الجديد وقد جاءت على الوجه الآتى : "  .  .  . ما دام الدائن لم يعرض الوفاء بالتزام مترتب عليه بسبب التزام المدين مرتبط به "  . فالعبارة العربية توهم أن أحد الالتزامين هو سبب التزام الآخر ، والصحيح أن أحد الالتزامين قد نشأ بمناسبة الالتزام الآخر  . وقد كانت العبارة الفرنسية المتقدمة الذكر هى المستعملة فى المشروع التمهيدى نصه الفرنسى ، وبقى النص العربى للمشروع التمهيدى بعبارته غير الدقيقة ، التى انتقلت منه إلى النص النهائى للتقنين الجديد  . ثم ترجم هذا النص النهائى غير الدقيق إلى اللغة الفرنسية ، فاستبدلت بعبارة " a l'occation " عبارة " ayant un rapport de causalite " ، وبذلك انتقل التحريف من النص العربى إلى النص الفرنسى ، وبعد أن كان النص العربى وحده هو المعيب ، شمل العيب كا من النص العربى والنص الفرنسى ( انظر فى هذا المعنى الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 138 ص 190 هامش رقم 3 )  .

( [2198] ) وللتمييز بين الارتباط القانونى والارتباط المادى أهمية من وجهين : ( 1 ) فى الارتباط المادى – فى صورة استرداد المصروفات – يحتج بالحق فى الحبس حتى على الغير الذى ثبت حقه قبل إنفاق المصروفات ، لأن المصروفات قد أفادت الشئ فى ذاته فأفادت تبعاً لذلك كل من يطالب باسترداده  . أما فى الارتباط القانونى وفى الصور الأخرى للارتباط المادى فلا يحتج بالحق فى الحبس على الغير الذى ثبت حقه قبل ثبوت هذا الحق  . ( 2 ) فى الارتباط المادى يقتصر الحبس على الشئ ذاته الذى أنفقت عليه المصروفات أو نشأ منه الضرر  . أما فى الارتباط القانونى فيشمل الحبس جميع الالتزامات التى على الدائن ما دامت مرتبطة بالتزامات المدين ، وقد أوردت المادة 902 من المشروع التمهيدى - وهذا النص قد حذف فى لجنة المراجعة اكفتاء بالقواعد العامة فى الحبس – تطبيقاً لهذا الحكم فى عقد المقاولة ، غذ نصت على أنه " إذا كان العمل متعلقاً بمنقول ولم يحدد أجل لدفع الأجر ، جاز للمقاول أن يحبس هذا المنقول وغيره من الأشياء التى يكون رب العمل قد سلمها إليه لإجراء العمل ، وذلك إلى أن يستوفى أجره "  . وإذا اجتمع النوعان من الارتباط كما فى الوديعة ، جاز للدائن أن يستند إلى كل منهما فيما يتفق مع مصلحته ، فيجوز لحافظ الوديعة أن يستند إلى الارتباط المادى ليحتج بحقه على الغير الذى ثبت حقه على الوديعة قبل إنفاق المصروفات ، وأن يستند إلى الارتباط القانونى ليحبس كل ما فى يده للمودع ولو لم يرتبط ارتباطاً مادياً بحقه  .

انظر فى ذلك كاسان فى تعليقه فى سيرية 1922 - 2 - 25 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 141  .

( [2199] ) ويقول بذلك الأساتذة كولان وكابيتان ودى لامورانديير  . ويستندون إلى نص المادة 1293 من التقنين المدنى الفرنسى ، وهى تقضى بأنه يحتج بالمقاصة فى استرداد المالك لملكه إذا كان هذا الملك قد اغتصب منه دون حق ، ولا فى استرداد الوديعة أو العارية  . ويقولون أن هذا النص إنما يستقيم إذا فهمت المقاصة على أنها الحق فى الحبس ، فلا يصح الحبس من المغتصب لملك الغير ولا ممن أؤتمن على وديعة أو عارية ، بل يجب على كل من المغتصب وحافظ الوديعة والمستعير أن يرد للمالك ملكه فوراً ثم يطالبه بعد ذلك بما له من الحقوق عنده  . ويستخلصون من ذلك أنه فيما عدا هذه الحالات – الغصب والوديعة والعارية – يجوز الحبس دن أن يكون هناك ارتباط فيما بين الدائنين ، ويكفى أن يكون هناك دينان متقابلان ، الطرفان فيهما كل منهما دائن للآخر ومدين له ، حتى يقوم الحق فى الحبس ( كولان وكابيتان ودى لامورانديير 2 فقرة 1482 ص 936 هامش رقم 2 - قارن أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ Retention فقرة 36 )  .

( [2200] ) بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 455 - فقرة 456  .

( [2201] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى الخاص بالمادة 161 مدنى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 333  . وانظر آنفاً فقرة 642  .

( [2202] ) بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 454 ص 609 وهامش رقم 4 - نقض فرنسى 26 نوفمبر سنة 1924 جازيت دى باليه 1925 - 1 - 158  . وانظر آنفاً فقرة 642 فى الهامش  .

( [2203] ) انظر الدكتور صلاح الدين الناهى فى الامتناع المشروع عن الوفاء فقرة 241 - فقرة 323 ( فى التطبيقات التى تقوم على الارتباط القانونى أو التبادل ) وفقرة 324 - فقرة 339 ( فى التطبيقات التى تقوم على الارتباط المادى أو الموضوعى )  .

( [2204] ) الوسيط الجزء الأول فقرة 492 - فقرة 503 - وانظر : استئناف مختلط 17 أبريل سنة 1890 م 2 ص 158 - 16 نوفمبر سنة 1911 م 24 ص 43 - 18 يناير سنة 1917 م 29 ص 170 - 3 فبراير سنة 1925 م 37 ص 204 - 5 يونيه سنة 1935 م 47 ص 358  .

( [2205] ) انظر آنفاً فقرة 642 فى الهامش  .

( [2206] ) ذلك أن الملكية قد انتقلت إلى المشترى بالبيع  . فإن كان المبيع عقاراً ولم يسجل عقد البيع ، فالمشترى وإن لم تنتقل إليه الملكية يعتبر فى حكم المالك ، ويكون الهلاك عليه  .

( [2207] ) استئناف مختلط 22 مارس سنة 1928 م 40 ص 247 - 6 يونيه سنة 1929 م 41 ص 443 - 11 فبراير سنة 1930 م 42 ص 267  .

( [2208] ) ولكننا سنرى أن الحق فى الحبس لا يحتج به على الخلف الخاص إذا كان حق هذا الخلف قد ثبت على العين قبل ثبوت الحق فى الحبس  . ولما كان المشترى للعين المؤجرة خلفاً خاصاً للمؤجر ثبت حقه على العين قبل ثبوت الحق فى الحبس – لأن حق المستأجر فى التعويض فالحبس لم يثبت إلا بعد فسخ الإيجار بالبيع ، فحق المشترى على العين الثابت بعقد البيع سابق على حق المستأجر فى الحبس – فقد كان الواجب ، طبقاً للقواعد العامة ، ألا يحتج المستأجر بحقه فى الحبس على المشترى ، وإنما يحتج به المؤجر وحده  . ولكن نصاً خاصاً فى القانون – المادة 563 سالفة الذكر – هو الذى جعل الحق فى الحبس هنا نافذاً استثناء فى حق المشترى  . ويذهب جوسران ( جزء 2 فقرة 1469 ) إلى أن الحق فى الحبس يجوز الاحتجاج به على الخلف الخاص ولو كان حقه متقدماً على الحق فى الحبس ، ومن ثم يجعل نفاذ حق المستأجر فى حبس العين المؤجرة على المشترى مجرد تطبيق لهذه القاعدة ، لا استثناء منها تقرر بنص خاص  .

( [2209] ) ويرجع المشترى على المؤجر بما دفعه من تعويض للمستأجر ، إذا كان لهذا الرجوع مقتضى فى العلاقة ما بين المشترى والمؤجر  .

( [2210] ) والحائز يجب أن يفهم بمعنى واسع : فهو الحائز الذى يضع يده على العين كمالك ( possessur ) ، والمحرز الذى يحوز العين حيازة مادية ( delenteur ) دون أن يضع يده كمالك وذلك كالمستأجر والمستعير وحافظ الوديعة والدائن المرتهن رحن حيازة  . وقد صرحت الفقرة الثانية من المادة 246 بذلك حين قالت : "  .  .  . لحائز الشئ أو محرزة  .  .  . "  .

( [2211] ) هذا ما لم يكن الحائز حسن النية قد اختار نزع ما استحدثه ( م 925 فقرة أولى ) ، أو اختار المالك تمليك العين للحائز حسن النية نظير تعويض عادل ( م 925 فقرة 2 ) ، وما لم يكن المالك قد طلب من الحائز سيئ النية إزالة ما استحدثه ( م 924 فقرة أولى ) ، أو طلب الحائز سيئ النية نزع ما استحدثه ولم يختر المالك استبقاءه ( م 924 فقرة 2 )  .

( [2212] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 651  .

( [2213] ) وكان الرأى الراجح هو أن للحائز سيئ النية الحق فى حبس العين ( استئناف مصر 26 مايو سنة 1932 المحاماة 13 رقم 209 ص 415 - قنا الكلية 23 أبريل سنة 1927 المحاماة 8 رقم 351 ص 535 - الإسكندرية الكلية الوطنية 29 أبريل سنة 1930 المحاماة 11 رقم 323 ص 649 )  . انظر عكس ذلك وأن الحائز سيئ النية ليس له الحق فى الحبس : استئناف أسيوط 27 ديسمبر سنة 1929 المحاماة 9 رقم 224 ص 399  .

أما فى فرنسا فالفقه منقسم : فمن الفقهاء من لا يجعل الحق فى الحبس إلا للحائز حسن النية ، فينكر هذا الحق على الحائز سيئ النية ، مترسماً فى ذلك أثر القانون الرومانى وتقاليد القانون الفرنسى القديم ( تولييه 3 فقرة 130 - ديرانتون 4 فقرة 382 - ترولونج 1 فقرة 260 - جيللوار فى حق الحبس فقرة 71 )  . ومن الفقهاء من يجعل الحق فى الحبس للحائز حسن النية وللحائز سيئ النية على السواء ( ديمولومب 1 فقرة 682 - بيدان 1 فقرة 250 - بلانيول 2 فقرة 2524 )  . وعند الفقهاء الذين لا يكتفون بقيام الارتباط ما بين الداينين لإثبات الحق فى الحبس ، بل يشترطون فوق ذلك أصلاً مشتركاً للدينين ، لا يجوز استعمال الحق فى الحبس لا للحائز سيئ النية ولا للحائز حسن النية ( أوبرى ورو 3 فقرة 256 مكررة – لوران 6 فقرة 181 وما بعدها و 29 فقرة 298 - بودرى وشوفو فقرة 367 )  . أما القضاء الفرنسى فينكر الحق فى الحبس على الحائز سيئ النية ، ولا يجعل هذا الحق إلا للحائز حسن النية ( نقض فرنسى 25 مايو سنة 1852 داللوز 52 - 1 - 279 - 22 ديسمبر سنة 1873 داللوز 74 - 1 - 241 - 13 يوليه سنة 1903 سبريه 1904 - 1 - 22 )  . وينتقد جوسران هذا القضاء ، فيقول إما ألا يعطى الحائز سيئ النية تعويضاً أصلا ، وإما أن يعطى تعويضاً فيكون له الحق فى الحبس لضمان هذا التعويض ، وليس حتماً أن يكون الحائز سيئ النية شخصاً فاسد الذمة ، فالمستأجر للعين والشريك فى الشيوع كلاهما حائز سيء النية ، وسواء كان الحائز حسن النية أو سيئها فالارتباط هو قائم ما بين الدينين ( جوسران 2 فقرة 1475 )  .

( [2214] ) وقد نصت المادة 981 من التقنين المدنى على أنه " إذا تلقى شخص الحيازة من مالك أو حائز سابق ، وأثبت أنه أدى إلى سلفه ما أنفق من مصروفات ، فإن له أن يطالب بها المسترد "  . ويفترض من هذا النصف أن الحائز الحالى ليس هو نفسه الذى أنفق المصروفات ، بل الذى أنفقها هو المالك الظاهر أو الحائز للسابق الذى انتقلت منه إليه الحيازة ، فله أن يستردها – على النحو المبين فيما سلف – من المالك الحقيقى عندما يسترد هذا ملكه  . وعندئذ يجوز للحائز الحالى أن يحبس العين حتى يستوفى حقه من المالك ، تطبيقاً للقاعدة العامة الواردة فى الفقرة الأولى من المادة 246  .

( [2215] ) انظر بنوع خاص المادة 1110 من التقنين المدنى  .

( [2216] ) انظر المادتين 589 و 1143 من التقنين المدنى  .

( [2217] ) انظر المادة 1144 من التقنين المدنى  .

( [2218] ) استئناف مختلط 16 ديسمبر سنة 1924 م 27 ص 66 ( فى عهد التقنين المدنى السابق كتطبيق لمبدأ الدفع بعد تنفيذ العقد )

( [2219] ) إلا فى حالات خاصة ، كالحائز للعين المرهونة ( tiers detenteur ) عندما يحل محل للدائن المرتهن فى العين المرهونة ، فيون له حق رهن على ملك نفسه  .

( [2220] ) انظر آنفاً فقرة 651  .

( [2221] ) ويمكن القول بأن حق المتقايض فى حبس ما قايض به ورد فيه النص الخاص بحبس البائع للمبيع ( م 459 مدنى ) ، إذ أن المادة 485 مدنى تنص على أنه " تسرى على المقايضة أحكام البيع بالقدر الذى تسمح به طبيعة المقايضة ، ويعتبر كل من المتقايضين بائعاً للشئ الذى قايض به ومشترياً للشئ الذى قايض عليه "  .

( [2222] ) وقد كان المشروع التمهيدى للتقنين المدنى الجديد يشتمل على نص خاص سبقت الإشارة إليه ، وهو المادة 902 من هذا المشروع ، وكانت تجرى ، كما رأينا ، على الوجه الآتى : " إذا كان العمل متعلقاً بمنقول ولم يحد أجل لدفع الأجر ، جاز للمقاول أن يحسب هذا المنقول وغيره من الأشياء التى يكون رب العمل قد سلمها إليه لإجراء العمل ، وذلك إلى أن يستوفى أجره "  . وقد حذف هذا النص فى لجنة المراجعة " اكتفاء بالقواعد العامة فى حق الحبس " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 5 ص 47 هامش رقم 1 ) ، كما سبق القول ( انظر آنفاً فقرة 643 فى الهامش )  .

( [2223] ) انظر فى عهد التقنين المدنى السابق ، وكتطبيق للدفع بعد تنفيذ العقد : مصر الكلية الوطنية 21 نوفمبر سنة 1939 المحاماة 20 رقم 180 ص 470  .

( [2224] ) قارن الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 129 ص 192  .

( [2225] ) وقد كان المشروع التمهيدى للتقنين المدنى الجديد يشتمل على نص خاص هو المادة 987 من هذا المشروع ، وكانت تجرى على الوجه الآتى : " للوكيل الحق فى حبس الأشياء التى يملكها الموكل وتكون فى يد الوكيل بحكم الوكالة ، وذلك ضماناً لتنفيذ الموكل لالتزاماته "  . وقد حذفت هذه المادة فى لجنة المراجعة " لأن حكمها مستفاد من قواعد الحبس " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 5 ص 219 هامش رقم 1 )  .

( [2226] ) انظر فى عهد التقنين المدنى السابق وكتطبيق للدفع بعدم تنفيذ العقد : استئناف مختلط 8 نوفقبر سنة 1933 م 46 ص 21  .

( [2227] ) وقد كان المشروع التمهيدى للتقنين المدنى الجديد يشتمل على نص خاص هو المادة 855 من هذا المشروع ، وكانت تجرى على الوجه الآتى : " للمستعير أن يحبس الشئ تحت يده ، حتى يستوفى ما يستحقه بمقتضى المادتين السابقتين من مصروفات وتعويضات "  . وقد حذف هذا النص فى لجنة المراجعة " اكتفاء بالقواعد العامة " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 4 ص 673 هامش رقم 1 )  .

( [2228] ) وقد كان المشروع التمهيدى للتقنين المدنى الجديد يشتمل على نص خاص هو المادة 224 من هذا المشروع ، وكانت تجرى على الوجه الآتى : " إذا انحل العقد بسبب البطلان أو الفسخ أو بأى سبب آخر ، وتعين على كل من المتعاقدين أن يرد ما استولى عليه ، جاز لكل منهما أن يحبس ما أخذه ما دام المتعاقد الآخر لم يرد إليه ما تسلمه منه أو يقدم ضماناً لهذا الرد ، ذلك طبقاً للقواعد المقررة فى حق الحبس "  . وقد حذت هذه المادة فى لجنة المراجعة " لأنها تطبيق القاعدة العامة فى حق الحبس " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 331 هامش رقم 1 )  . وقد سبقت الإشارة إلى ذلك ( انظر آنفاً فقرة 643 فى الهامش )  .

( [2229] ) انظر فى عهد التقنين المدنى السابق كتوسع فى حق البائع فى حبس المبيع : مصر الكلية الوطنية 4 مايو سنة 1936 المحاماة 17 رقم 322 ص 675  .

( [2230] ) على أن الحبس فى هذه الحالة يكون فى مواجهة البائع لملك الغير ، لا فى مواجهة المالك الحقيقى  . وكذلك إذا فسخ البيع فلا يكون الحبس لاسترداد الثمن إلا فى مواجهة البائع ، وهذا يقتضى أن يكون الفسخ قد أعاد الملكية إلى البائع  . وقد قضت محكمة مصر الكلية الوطنية بأن التسليم تجوزا للمشترى بحق حبس العقار المبيع إذا فسخ عقده حتى يستوفى ما قدمه من ثمن ، قياساً على حق البائع فى الحبس ، يجب ألا يخرج عن الحالة التى يكون فسخ العقد فيها قد أعاد الملكية إلى البائع ، فبذلك لا يكون ثمة شذوذ فى الأوضاع القانونية أو تناقض مع المنطق السليم ، بعكس ما إذا كان فسخ العقد بسبب وجود بيع سابق فلا يعيد الملكية إلى البائع ، وإلا أدى القول بذلك إلى أن يبيع الشخص ملك غيره ، فينزعه المشترى من المالك الحقيقى ويحبسه حتى يستوفى ثمنه ( 4 مايو سنة 1936 المحاماة 17 رقم 322 ص 675 وهو الحكم الذى تقدمت الإشارة إليه فى الهامش السابق )  .

وسنرى فيما يلى ( انظر فقرة 674 فى الهامش ) أن المالك للعين المحبوسة لا يحتج عليه بالحبس إذا لم يكن هو المدين للحابس  .

( [2231] ) انظر آنفاً فقرة 643 - هذا يجوز للوكيل بالعمولة أن يحبس البضائع والأوراق التى اشتراها لحساب موكله ودفع ثمنها ، حتى يستوفى منه الثمن والعمولة ( بودرى ودى لوان 1 فقرة 236 )  . كما يجوز للمحامى أن يحبس عن موكله أوراق القضية حتى يستوفى أتعابه ، بل ويجوز له ، وفقاً للقضاء الفرنسى ، أن يحبس أيضاً عن الموكل المستندات والأوراق الأصلية ( نقض فرنسى 10 أغسطس سنة 1870 داللوز 71 - 1 - 40 )  . ولكن المادة 29 من قانون المحاماة ( رقم 98 لسنة 1944 ) فى مصر لا تبيح للمحامى أن يحبس عن موكله ما عهد به إليه من مستندات وأوراق أصلية إلى أن يستوفى ماله من أتعاب  . وهناك تطبيقات أخرى كثيرة غير التى ذكرناها يرجع فيها إلى القاعدة العامة فى الحبس ، فنكتفى بما قدمناه  .

( [2232] ) انظر آنفاً فقرة 651  .

( [2233] ) بل أن نص المادة 977 يتضمن معنى الحبس ، فقد ورد فيه أن للمشترى أن يطلب من المالك " أن يعجل له الثمن الذى دفعه "  . فتعجيل الثمن يفيد أن المشترى يؤخر تسليم الشئ حتى يستوفى الثمن ( انظر الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 140 ص 194 هامش رقم 1 )  .

( [2234] ) انظر فى عهد التقنين المدنى السابق : بنى مزار 22 فبراير سنة 1915 المجموعة الرسمية 16 رقم 17 ص 121  .

( [2235] ) انظر خلافاً فى الرأى فى فرنسا فى بودرى ودى لوان 1 فقرة 241  . والقضاء فى فرنسا لا يسير فى حق الحبس إلى مداه المنطقى  . فقد رأيناه ينكر هذا الحق على الحائز سيئ النية ( انظر آنفاً فقرة 651 فى الهامش )  . وهو ينكر أيضاً هذا الحق على الحائز للعقار المرهون ، إذا نزعت ملكيته ، ضماناً للمصروفات التى أنفقها ، وذلك لكيلا تتعطل دعوى الرهن ( نقض فرنسى 14 نوفمبر سنة 1881 داللوز 82 - 1 - 168 - محكمة بوردو الاستئنافية 12 أغسطس سنة 1902 داللوز 1906 - 2 - 409 - ترولون 3 فقرة 836 - ديرانتون 20 فقرة 272 - أوبرى ورو 3 فقرة 256 مكررة – بلانيول وريبير واسمان 6 فقرة 458 ص 613 هامش رقم 1 - كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 1482 - وانظر عكس ذلك فى أن لحائز العقار المرهون الحق فى الحبس : ديمولومب 1 فقرة 682 - بيدان 1 فقرة 250 )  . أما فى مصر فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 1069 من التقنين المدنى على ما يأتى : " ويلتزم الراسى عليه المزاد أن يرد إلى الحائز الذى نزعت ملكيته المصروفات التى أنفقها فى سند ملكيته وفى تسجيل هذا السن وفيما قام به من الإعلانات ، وذلك إلى جانب التزاماته بالثمن الذى رسا به المزاد وبالمصروفات التى اقتضتها إجراءات التطهير "  . ويبدو أن للحائز حبس العين حتى يتوفى هذه الحقوق ، تطبيقاً لقاعدة الحق فى الحبس ودون حاجة إلى نص خاص ( استئناف مصر 26 مايو سنة 1932 المحاماة 13 رقم 209 ص 415 - ومع ذلك انظر : استئناف مختلط 18 أبريل سنة 1934 م 46 ص 262 )  . كذلك يوجد خلاف فى فرنسا فى حق الوارث الظاهر فى أن يحبس ما فى يده من أعيان التركة إذا كان قد دفع بعض ديون المورث ثم انتزع الوارث الحقيقى منه هذه الأعيان ، فللوارث الظاهر أن يرجع على الوارث الحقيقى بما دفعه من ديون التركة ، وله حق الحبس عند الفقهاء الذين يكتفون بقيام الارتباط ما بين الدينين ، وليس له هذا الحق عند الذين يشترطون فوق الارتباط الأصل المشترك ( انظر فى هذه المسألة بودرى ودى لوان 1 فقرة 243 )  . أما فى مصر فيبدو أن للوارث الظاهر الحق فى الحبس ، دون حاجة إلى نص خاص ، لقيام الارتباط المادى ما بين الدينين  .

( [2236] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 332 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " 1 - ليس لمن حبس شيئاً وفقاً للمادة السابقة حق امتياز عليه  . وعلى الحابس أن يحافظ على الشئ وأن يقدم حساباً عن غلته وفقاً للأحكام التى تسرى فى حق الدائن المرتهن رهن حيازة  . 2 - إذا كان الشئ المحبوس يخشى عليه الهلاك أو التلف ، فللحابس أن يحصل على إذن من القضاء فى بيعه وفقاً للإجراءات المرسومة لبيع الشئ المرهون حيازة ، وينتقل الحق فى الحبس من الشئ إلى ثمنه "  . وفى لجنة المراجعة لوحظ أن النص كما ورد فى المشروع التمهيدى يلم الحابس بواجب استغلال العين المحبوسة على النحو المقرر فى حق الدائن المرتهن حيازة ، وقد رؤى أنه يحسن عدم تقرير هذا الواجب ، ثم عدل النص إلى جانب ذلك تعديلاً لفظياً جعله أدق فى أداء المعنى ، فأصبح مطابقاً لما استقر عليه فى التقنين المدنى الجديد ، وصار رقم المادة 259 فى المشروع النهائى  . ووافق مجلس النواب على النص ، ثم مجلس الشيوخ تحت رقم المادة 247 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 653 - ص 655 )  .

( [2237] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 248 ( مطابقة لنص التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى م 283 ( متفقة فى الحكم مع نص التقنين المدنى المصرى ، ولا يوجد إلا بعض خلاف لفظى – وانظر فى شرح المادة الدكتور حسن الذنون فى أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى فقرة 114 )  .

التقنين المدنى للملكة الليبية المتحدة م 250 ( مطابقة لنص التقنين المدنى المصرى )  .

تقنين الموجبات والعقود اللبنانى

 م 274 : " أن حق الحبس ، مع مراعاة الحالة الخاصة المتقدم ذكرها ( استرداد حيازة العين إذا نزعت خفية أو بالعنف ) ، لا يمنح صاحب حق التتبع ولا حق الأفضلية ، وإنما يمكن الاحتجاج به على الجميع ، بمعنى أن الحابس يحق له أن يرفض التخلى علن الشئ أية كانت شخصية المعارض "  . ( ويتفق التقنين اللبنانى مع التقنين المصرى فى الحم ، وإن أختلف فى اللفظ - انظر فى هذا المعنى الدكتور صبحى المحصمانى فى آثار الالتزام فى القانون المدنى اللبنانى ص 51 - ص 52 )  .

( [2238] ) الوسيط الجزء الأول فقرة 492 - فقرة 503  .

( [2239] ) وذلك دون حاجة على حكم أو حتى إلى إعذار كما سبق القول ( انظر آنفاً فقرة 644 - استئناف مختلط 13 أبريل سنة 1922 م 34 ص 230 )  . وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كان العقد المحرر بين مدين ودائنه ( بنك التسليف ) ينص على أن المدين تعهد بأن يسدد إلى البنك مطلوبه على أقساط وبأن يقدم له عقاراً بصفة رهن تأميناً للسداد ، وعلى أن البنك تعهد من جانبه برفع الحجزين السابق توقيعهما منه على منقولات المدين وعقاراته متى تبين بعد حصول الرهن وقيده واستخراج الشهادات العقارية عدم وجود أى حق عينى مقدم عليه ، ثم فسرت المحكمة ذلك بأن قبول البنك تقسيط الدين متوقف على قيام المدين بتقديم التأمين العقارى بحيث إذا لم يقدم هذا التامين بشروطه المنصوص عليها فى العقد كان البنك فى حل من قبول التقسيط ، وتعرفت نية المدين فى عدم تقديم التأمين من خطاب صادر منه ، وبناء على ذلك قضت بعدم ارتباط البن فى التقسيط وبأحقيته فى الاستمرار فى التنفيذ بدينه على المنقولات والعقارات دون أن يكون ملزماً بتكليف المدين رسمياً بالوفاء ، فإن هذا الحكم لا يكون قد خالف القانون فى شئ ( نقض مدنى 21 ديسمبر سنة 1939 مجموعة عمر 3 رقم 17 ص 36 )  .

( [2240] ) أو يعرضه المدين عرضاً حقيقياً يقبله الحابس أو يحكم بصحته ( الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات فقرة 168 ص 254 )  . ولا يكفى أن يودع المدين المبلغ المستحق للدائن فى خزانة المحكمة ( استئناف مختلط 15 مايو سنة 1930 م 42 ص 500 )  . على أنه إذا كان حق الدائن غير معلوم المقدار ، جاز للمدين أن يطلب من القاضى الإذن له فى إيداع خزانة المحكمة مبلغاً كافياً ، يقدره القاضى ، على ذمة الدائن يفى بحقه عند تقديره ، ويكون للمدين بعد الإيداع إجبار الحابس على التسليم ( استئناف مختلط 8 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 21 - 19 فبراير سنة 1936 م 48 ص 152 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 144 ص 200 - وانظر آنفاً فقرة 642 فى الهامش )  .

( [2241] ) بودرى ودى لوان 1 فقرة 244  .

( [2242] ) نقض مدنى 14 يونيه سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 158 ص 1026 - ولو أن الصانع تسلم الخامات من رب العمل  . وصنع بعضها وسلمه إليه قبل أن يتسلم أجره ، فإن له أن يحبس الباقى حتى يستوفى كل الأجر ، ويدخل فى ذلك الأجر عن الجزء الذى سبق له تسلميه ( أوبرى ورو 3 فقرة 256 مكررة ص 162 - 163 - بودرى ودى لوان 1 فقرة 244 ص 233 - ص 234 - بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 453 ص 607 )  .

( [2243] ) انظر آنفاً فقرة 644 - ويجوز لقاضى الأمور المستعجلة إذا كان واضحاً أن الباقى من الدين جزء تافه لا يستحق الحبس من أجله ، أو كان واضحاً أن الدين الذى حبست العين فيه ليس بجدى ، أن يقضى برد العين إلى صاحبها ( بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 457 ص 611 هامش رقم 4 )  . ويجوز أيضاً ، إذا تيسر ذلك ، أن يستبقى الحائز جزءاً من العين يتناسب مع الجزء الباقى من الدين محبوساً فى يده ، ويجب على كل حال التفريق بين الالتزامات الأساسية التى كانت سبباً حافزاً للتعاقد وهذه هى التى ينجو الحبي من أجلها ، وبين الالتزامات الثانوية وهذه لا محل للحبس فيها ، فإذا تعهد المؤجر بحرث الأرض ولم ينفذ تعهده ، لم يجز للمستأجر الامتناع عن سداد الإيجار ( الفيوم الكلية 7 أكتوبر سنة 1953 المحاماة 33 رقم 484 ص 1118 )  . وتقضى المحاكم فى فرنسا بأن المهندس أو المحامى الذى يحبس مستندات لعمليه ، ويكون من الضرورى تقديم هذه المستندات للدفاع عن مصالح العميل ، يلزم بتسليم هذه المستندات إلى أمين يستخدمها لمصلحه العميل ، ثم يردها ثانية إلى من تسلمها منه ( نقض فرنسى 19 يوليه سنة 1904 داللوز 1906 - 1 - 9 - 5 نوفمبر سنة 1923 داللوز 1924 - 1 - 75 - بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 457 ص 611 وهامش رقم 5 )  .

( [2244] ) بودرى ودى لوان 1 فقرة 226  .

( [2245] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 654  .

( [2246] ) ولكن يلاحظ أنه من الجائز أن يكون الدين الذى حبست فيه العين له أيضاً حق امتياز بموجب القانون ، كما هى الحال فى امتياز المبالغ التى صرفت فى حفظ المنقول وفيما يلزم له من ترميم ( م 1140 مدنى ) ، وكما هى الحال فى امتياز المبالغ المستحقة للمقاولين والمهندسين المعماريين الذين عهد إليهم فى تشييد أبنية أو منشآت أخرى أو فى إعادة تشييدها أو ترميمها أو فى صيانتها ( م 1148 مدنى )  . ففى مثل هذه الأحوال يتقدم الحابس على سائر الدائنين ، ولكن لا بمقتضى حقه فى حبس العين ، بل بمقتضى ما أثبته له القانون من حق الامتياز  .

( [2247] ) استئناف مصر 9 فبراير سنة 1937 المحاماة 17 رقم 588 ص 1174 - الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 415  .

( [2248] ) استئناف مصر 9 فبراير سنة 1937 المحاماة 17 رقم 588 ص 1174 ( وهو الحكم السابق الإشارة إليه ) – قارن : استئناف مصر 13 ديسمبر سنة 1936 المحاماة 17 رقم 308 ص 638  . وانظر : الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 416 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 147  .

( [2249] ) استئناف مصر 9 فبراير سنة 1937 المحاماة 17 رقم 588 ص 1174 ( وهو الحكم السابق الإشارة إليه ) – استئناف مختلط 26 نوفمبر سنة 1929 م 42 ص 53 - الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 415 - الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات فقرة 168 ص 255 - الأستاذ عبد الحى حجازى 3 ص 220 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 147 ص 206  .

فالحبس إذن حالة مؤقتة تنتهى أما إلى إذعان المدين ودفعه الدين كاملاً للحابس ، وأما إلى تخلى الحابس عن الحبس للتنفيذ على العين المحبوسة  . وقد تنتهى إلى المطالبة بفسخ العقد ، وهذه هى حالة نهائية لا مؤقتة  . وقد يتخلف عن الحبس أثر دائم كما فى العقد الزمنى أو المستمر ( contract successif ) ، فإن شركة النور مثلاً إذا وقفت تنفيذ التزامها فقطعت النور عن المستهلك مدة من الزمن كان لهذا أثر دائم لا سبيل إلى الرجوع فيه ( بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 457 ص 612 )  .

( [2250] ) وتبقى الثمرات والغلة ملكاً لصاحب العين ، ولا يحرم هذا إلا من حق الاستعمال لأنه يتعارض مع الحق فى الحبس  . وتعتبر العين وغلتها داخلة فى الضمان العام لدائنى المالك ، فيجوز ، كما قدمنا ، لأى دائن التنفيذ بحقه عليها ، بشرط ألا يخل بالحق فى الحبس ( بيدان وفواران فقرة 282 - الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 412 ص 599 - ص 600 )  .

( [2251] ) قياساً على بيع العين نفسها إذا تعرضت للتلف كما سيأتى ( الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات فقرة 169 )  .

( [2252] ) ويختلف المرتهن رهن حيازة ، بالنسبة إلى الثمرات ، عن الحابس  . فالمرتهن يستثمر العين المرهونة استثماراً كاملاً ، وما يحصل عليه من صافى الريع يخصم من الدين المضمون بالرهن ولو لم يكن قد حل أجله ، على أن يكون الخصم أولاً من قيمة ما أنفقه فى المحافظة على الشئ وفى الإصلاحات ، ثم من المصروفات والفوائد ، ثم من أصل الدين ( م 1104 مدنى )  .

( [2253] ) حتى لو شهر إفلاس المالك ومثل السنديك الدائنين ، فإن الحق فى الحبس يكون نافذاً فى مواجهة الدائنين والسنديك الذى يمثلهم ( انظر المادة 459 فقرة 2 مدنى ، وهى تنص على حق البائع فى حبس المبيع ، ولو لم يحل لأجل المشترط لدفع الثمن إذا سقط حق المشترى فى الأجل بسبب شهر إفلاسه أو إعساره  . فالبائع هنا يحبس المبيع عن دائنى تفليسة المشترى : الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات ص 601 هامش رقم 2 )  .

( [2254] ) استئناف مختلط 26 نوفمبر سنة 1929 م 42 ص 53 - أوبرى ورو 3 فقرة 256 مكررة ص 163 - ص 164  .

( [2255] ) قارن بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 458 ص 615  .

( [2256] ) ولا يشترط أن يكون السند المنشئ للحق فى حبس العقار مسجلاً ( الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 418 ص 608 - عكس ذلك : استئناف مصر 13 ديسمبر سنة 1936 المحاماة 17 رقم 308 ص 638 - الإسكندرية الكلية الوطنية 29 يناير سنة 1930 المجموعة الرسمية 31 رقم 74 ص 204 )  .

( [2257] ) انظر فى هذا المعنى أوبرى ورو 3 فقرة 256 مكررة ص 163 - بودرى ودى لوان 1 فقرة 249 ص 239 - ص 240 - بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 458 - الأستاذ عبد الحى حجازى 3 ص 221 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 146 - وقارن جوسران 2 فقرة 1469 - أنسيكلوبديى داللوز 4 لفظ ( Retention ) فقرة 76  . وقارن أيضاً الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات ( فقرة 166 ) وهو يرى سريان الحق فى الحبس فى مواجهة الغير إطلاقاً ، ولو كسبوا حقوقاً شهروها قبل الحبس  . وقارن الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات ( فقرة 418 - فقرة 422 ) ويذهب إلى أن الحق فى الحبس يحتج به على الغير إطلاقاً ، ولا يستثنى إلا حالة ما إذا كان الحق فى الحبس متفرعاً من رهن حيازى القيد على عقار وبيع العقار جبراًن فحينئذ لا يحتج بالحق فى الحبس على الراسى عليه المزاد  .

( [2258] ) انظر فى هذا المعنى بلانيول وريبير واسمان 6 فقرة 458 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 146  . وانظر آنفاً فقرة 643 فى الهامش  .

هذا وهناك " غير " لا يسرى عليه الحق فى الحبس ، وهو المالك للعين المحبوسة إذا لم يكن هو المدين للحابس  . فإذا باع شخص ملك غيره وقبض الثمن ، ثم أبطل المشترى المبيع ، فليس له أن يحبس المبيع حتى يسترد الثمن إلا فى مواجهة البائع وهو ا لمدين له برد الثمن ، ومن ثم لا يجوز للمشترى أن يحبس المبيع فى مواجهة المالك الحقيقى وهو غير مدين له بشئ ( مصر الكلية الوطنية 4 مايو سنة 1936 المحاماة 17 رقم 322 ص 675 - وانظر آنفاً فقرة 662 فى الهامش )  . كذلك ليس للمقاول من الباطن أن يحبس العين عن المالك بماله من حق فى ذمة المقاول الأصلى ، ما دام المالك ليس مديناً لا للمقاول من الباطن ولا للمقاول الأصلى ( استئناف مختلط 7 ديسمبر سنة 1933 م 46 ص 71 )  .

( [2259] ) انظر فى هذا المعنى الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات العينية ص 410 - ص 411 وص 601 ، وفى عقد الإيجار طبعة ثانية فقرة 214 وفقرة 219 وفقرة 223 - وقارن الأستاذ شفيق شحاتة فى النظرية العامة للتأمين العينى فقرة 153 - فقرة 154  .

( [2260] ) وعبء الإثبات يقع على عاتق المالك ، وهو الدائن فى هذا الالتزام ، فعليه أن يثبت أن العين قد تعيبت  . فإذا ما أثبت ذلك ، فقد أقام قرينة قضائية على أن الحابس لم يقم بالتزامه من المحافظة على الشئ  . فإذا أراد الحبس أن يدحض هذه القرينة ، فعليه أن يثبت أنه بذل فى المحافظة على الشئ عناية الرجل المعتاد ، أو أن التعيب يرجع إلى سبب أجنبى لا يد له فيه  . انظر فى عبء إثبات الالتزام ببذل العناية : الوسيط الجزء الأول فقرة 429 ص 661  .

( [2261] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 654  .

( [2262] ) وهناك واجب آخر على الحابس يتفرع من أنه يعتبر هو ، لا المالك ، الحرس للعين المحبوسة ، إذا يترتب على ذلك أنه يكون مسئولاً عما تحدثه العين من الضرر للغير مسئولية الحارس عن الأشياء ( دريدا فى أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ Retention فقرة 61 ص 708 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 145 ص 202  .

( [2263] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 653 - ص 655 - وانظر آنفاً فى تاريخ نص المادة 247 ما قدمناه فى فقرة 668 فى الهامش  .

( [2264] ) نقض مدنى 4 يناير سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 43 ص 224  .

( [2265] ) قارن الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 413 ص 601 - الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات فقرة 169 ص 256 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 145 ص 202  .

( [2266] ) قارن الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 413 ص 602 - الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات فقرة 169 ص 256  .

( [2267] ) تاريخ النص : ورد هذا النص فى المادة 333 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " 1 - ينقضى الحق فى الحبس بفقد الحيازة  . 2 - ومع ذلك يجوز لحابس الشئ إذا خرج الشئ من حيازته خفية أو بالرغم من معارضته ، أن يطلب استرداد الحيازة ، إذا هو قام بهذا الطلب فى خلال ثلاثين يوماً من الوقت الذى علم فيه بخروج الشئ من حيازته "  . وفى لجنة المراجعة استبدلت عبارة " بخروج الشئ من يد حائزة أو محرزة " بعبارة " بفقد الحيازة " حتى يكون النص أدق تعبيراً عن المعنى ، ووضع حد زمنى ينقضى حق الحبس بانقضائه ولو لم يعلم الحابس بخروج الشئ من يديه لوضع حد للمنازعات ، وحدد الأجل بسنة  . فأصبح النص مطابقاً لما استقر عليه فى التقنين المدنى الجديد ، وصار رقمه 260 فى المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 248 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 656 - ص 657 )  .

( [2268] ) والعبرة فى تطبيق هذه المواعيد بالوقت الذى خرج فيه الشئ المحبوس من يد الحابس ، فإن كان ذلك قبل 15 أكتوبر سنة 1949 فالتقنين السابق هو الذى يطبق ، وإلا طبق التقنين الجديد بمواعيده المستحدثة  .

( [2269] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 249 ( مطابقة لنص التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى م 284 ( مطابقة لنص التقنين المدنى المصرى  . وانظر فى شرح النص الدكتور حسن على الذنون فى أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى فقرة 115 )  .

التقنين المدنى للملكة الليبية المتحدة م 251 ( مطابقة لنص التقنين المدنى المصرى  .

تقنين الموجبات والعقود اللبنانى م 273 : " إن حق الحبس يزول بزوال الإحراز لأنه مبنى عليه  . وإنما يحق للدائن إذا انتزع منه الشئ خفية أو بالعنف أن يطلب إعادة الحال إلى ما كانت عليه بشرط أن يقدم هذا الطلب فى خلال ثلاثين يوماً تبتدئ من تاريخ علمه بذاك الانتزاع "  . ( وهذا النص مطابق فى الحكم لنص التقنين المدنى المصرى فيما عدا ميعاد السنة الذى لم يرد فى نص التقنين اللبنانى ، ويذهب الدكتور صبحى المحمصانى إلى أن هذا الميعاد هو أيضاً موافق للمبدأ الوارد فى قانون أصول المحاكمات المدنية اللبنانى م 48 من أنه لا تقبل الدعوى التصرفية إلا فى خلال سنة تبتدئ من تاريخ وقوع التعرض لحق التصرف : أحكام الالتزام فى القانون المدنى اللبنانى ص 50 )  .

( [2270] ) وقد رأينا ( انظر فقرة 670 فى الهامش ) أن الحق فى الحبس لا ينقضى بإيداع المبلغ المستحق للحابس خزانة المحكمة ( استئناف مختلط 15 مايو سنة 1930 م 42 ص 500 ) ، وأنه ( انظر فقرة 642 فى الهامش ) إذا كان المبلغ المستحق للحابس لم يتم تقديره جاز للمحكمة أن تأمر المدين بأن يودع خزانة المحكمة مبلغاً كافياً ، ويقوم الإيداع فى هذه الحالة مقام الوفاء من حيث إنها الحق فى الحبس ( استئناف مختلط 8 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 21 - 19 فبراير سنة 1936 م 48 ص 152 )  . ومن ثم يجوز تقدير أتعاب الحارس القضائى مؤقتاً وإيداعها خزانة المحكمة ، فينقضى بذلك حق الحارس فى حبس الأعيان ، وهذا ما لم تكن هذه الأعيان قد وضعت تحت الحراسة ، فلا يكون للحارس القضائى حق حبس بالنسبة إلى الأعيان الموقوفة التى أدرجت خطأ ( استئناف مختلط 10 نوفمبر سنة 1937 م 50 ص 13 )  .

( [2271] ) انظر آنفاً فقرة 644 وفقرة 670  .

( [2272] ) انظر آنفاً فقرة 670  . وانظر فى انقضاء الحق فى الحبس بطريق تبعى الدكتور صلاح الدين الناهى فى الامتناع المشروع عن الوفاء فقرة 227 - فقرة 236  .

( [2273] ) ديرانتون 18 فقرة 553 - جيللوار فى حق الحبس فقرة 122 - بودرى وتيسييه فقرة 530 - بودرى ودى لوان 1 فقرة 250 - الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 424 - الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات فقرة 171  .

( [2274] ) والتقنين المدنى الألمانى ( م 273 ) يستبعد الكفالة ، ويستبعد ( م 320 ) فى الدفع بعدم تنفيذ العقد تقديم أى تامين ولو كان تأميناً عينياً  . ويذهب الدكتور صلاح الدين الناهى إلى أن سكوت المشرع المصرى عن جواز تقديم تأمين فى الدفع بعد تنفيذ العقد وتصريحه بهذا الجواز فى الحق فى الحبي كان متعمداً ، فلا يجوز فى الأول ما يجوز فى الثانى  . ذلك أن الدفع بعدم تنفيذ العقد يقوم على ارتباط سببى بين الالتزامين ، فكل من الطرفين لم يلتزم إلا للحصول على عين ما التزم به الطرف الآخر ، فلا يجوز إجباره على تنفيذ التزامه إلا إذا تحقق سببه بأن قام المتعاقد الآخر بالتنفيذ فعلاً ، على عكس الحال فى صور الحبس الأخرى حيث لا توجد علاقة سببية بين الالتزامين ( الدكتور صلاح الدين الناهى فى الامتناع المشروع عن الوفاء فقرة 145 - سالى فى الالتزامات فى القانون الألمانى فقرة 171 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام ص 200 هامش رقم 2 - قارن بلانيول وريبير وأسمان 6 فقرة 445 ص 601 هامش رقم 3 )  .

( [2275] ) الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات فقرة 172 ص 258 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 144 ص 200  .

( [2276] ) انظر آنفاً فقرة 647  .

( [2277] ) وليس للدائن الحابس أن يطلب من المدين أن يستبدل بالشئ الذى هلك غيره ، كما يجوز ذلك للدائن المرتهن رهناً رسمياً أو رهن حيازة ( انظر م 1048 و 1102 مدنى )  . فالرهن فى هذا يختلف عن الحبس  . ذلك أن فى الرهن قد التزم الراهن بتقديم ضمان تأميناً لدينه ، فإذا هلك الضمان الذى قدمه التزم بتقديم ضمان آخر ، وإلا جاز للدائن مطالبته بوفاء الدين فوراً  . أما فى الحبس فلم يتعهد مالك الشئ المحبوس بتقديم ضمان ، بل إنه وجه ماله محبوساً عنه دون إرادته وبقوة القانون ، فحسبه أن يتحمل هلاك هذا الشئ ولا محل لإلزامه بتقديم شئ آخر بدلاً منه  . على أنه لا فائدة من إلزامه بذلك ، فإن جزاء الإخلال بهذا الالتزام لو تقرر لن يكون إلا حلول الدين المضمون بالحبس فوراً ، وهذا الدين حال بحكم قواعد الحبس كما سبق القول ( الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 425 )  .

( [2278] ) انظر فى هذا المعنى بنكاز تكلة بودرى 3 فقرة 369 ص 756 - الدكتور منصور مصطفى منصور فى رسالته فى الحلول العينى فقرة 144 - فقرة 145 ص 180 - ص 184 - الأستاذ عبد الفتاح عبد الباقى فى التأمينات فقرة 172 ص 259 - الأستاذ صلاح الدين الناهى فى الامتناع المشروع عن الوفاء ص 190 هامش رقم 3 - الأستاذ حسن على الذنون فى أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى فقرة 115 - الأستاذ أنور سلطان فى البيع فقرة 202  . وقارن الموجز للمؤلف فقرة 268 ص 398  .

( [2279] ) كما جاز له حبس الثمن فى حالة بيع العين المحبوسة إذا خيف عليها الهلاك أو التلف بموجب المادة 247 فقرة ثالثة مدنى ، وكما جاز انتقال الرهن من الشئ المرهون إذا هلك أو تلف إلى التعويض أو مبلغ التأمين أو الثمن الذى يقرر مقابل نزع الملكية بموجب المادتين 1049 و 1102 مدنى  . انظر فى هذا المعنى بيكار وبيسون فى التأمينات البرية 2 فقرة 187 ص 431 - بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 3287 - دريدا فى أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ ( Retention ) فقرة 90 ص 710 - الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 425 ص 615 - الأستاذ إسماعيل غانم فى رسالته فى نظرية الذمة فقرة 505 ص 150 - ص 154 وفى دروسه فى الحقوق العينية الأصلية ص 52 - ص 54  .

وفى رأينا أن الحلول العينى مبدأ عام ، وليست النصوص التشريعية إلا مجرد تطبيقات له ، فلا حاجة إلى نص خاص لكل حالة من حالاته  . ويقوم المبدأ على فكرة التخصيص ( affectaion speciale ) ، فالعين المحبوسة قد خصصها القانون لضمان دين ، فما يحل محلها من مقابل يتخصص هو أيضاً لهذا الضمان  . وقد طبقت هذه الفكرة فعلاً فى حالة بين العين المحبوسة إذا حشى عليها الهلاك أو التلف ، وفى حالة هلاك الرهن أو تلفه ، وذلك بموجب نصوص تشريعية  . وطبقناها ، دون نص ، فى حالة بيع ثمرات العين المحبوسة إذا خشى عليها الهلاك أو التلف  . ونطبقها الآن دون نص أيضاً ، فى حالة هلاك العين المحبوسة أو تلفها وحلول التعويض أو مبلغ التأمين محلها  . أما القول بأن الحق فى الحبس يقوم على حيازة العين المحبوسة ذاتها ، فإنه لا يحول دون تطبيق هذا المبدأ ، وليس هناك ما يمنع من أن الحيازة تقع على ما يحل محل العين المحبوسة ، فيعتبر هذا بمثابة وقوع الحيازة على العين ذاتها  . وإذا كان المشرع قد رأى حاجة إلى الحلول العينى لمجرد أن يخشى على العين المحبوسة من الهلاك أو التلف ، فأجاز أن يحل الثمن محل العين فى حق الحبس ، فأولى أن تكون الحاجة قائمة إلى الحلول العينى إذا هلكت العين فعلاً أو تلفت وحل محلها التعويض أو مبلغ التأمين  .

( [2280] ) ولكن إذا كان الحق فى الحبس متفرعاً عن رهن حيازة عقارى ، وكان الرهن مقيداً ، ثم بيع العقار المحبوس بيعاً جبرياً ، فإن الحق فى الحبس ينقضى فى هذه الحالة تبعاً لتطهير العقار بالبيع الجبرى ، وينتقل حق الرهن بمرتبته إلى ثمن العقار المنزوعة ملكيته ( الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 425 ص 617 )  .

( [2281] ) بودرى ودى لوان 1 فقرة 250 مكررة – الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 425 ص 617  .

( [2282] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر بأنه ليس للبائع الذى خرجت من تحت يده العين المبيعة برضائه وتسلمها المشترى فعلاً أن يطلب بعد ذلك استردادها وحبسها تحت يده ، لأن البائع يعتبر قد نزل باختياره عن حق حبس العين بتسليمها للمشترى قبل أن يقوم بدفع الثمن ( 27 ديسمبر سنة 1938 المحاماة 20 رقم 171 ص 457 - انظر أيضاً : مصر الكلية الوطنية 21 نوفمبر سنة 1939 المحاماة 20 رقم 180 ص 470 )  .

على أن انقضاء الحبس بخروج العين المحبوسة طوعاً من يد الحابس إنما يرجع إلى أن الحق فى الحبس يقوم على أساس حيازة الشئ المحبوس ، فينقضى بانقضاء الحيازة طوعاً ولو لم تنصرف إرادة الحابس إلى النزول عن الحق فى الحبس  . ومن ثم ينقضى الحق فى الحبس ولو كان الدائن عند التخلى قد أعلن صراحة أنه يريد نقل حقه فى الحبس من الشئ إلى ثمنه ( دريدا فى أنسيكلوبيدى داللوز 4 لفظ Retention فقرة 85 ص 710 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 135 ص 185 )  .

( [2283] ) ويعتبر مجرد خروج الشئ من يد حائزه أو محرزه قرينة على حصوله برضاه ، إلى أن يثبت الحائز أو المحرز عكس ذلك ( الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 425 ص 615 - ص 616 )  . وقضت محكمة النقض بأن التخلى الاختيارى المسقط لحق الحبس واقعة مادية لمحكمة الموضوع أن تستخلصها من ظروف الدعوى وملابساتها ومن المستندات المقدمة إليها  . فإذا كانت القرائن التى استند إليها الحكم من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها ، فإن النعى عليه بمخالفة القانون يكون على غير أساس ( نقض مدنى 9 أبريل سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 4 رقم 124 ص 865 )  .

( [2284] ) استئناف مختلط 26 نوفمبر سنة 1929 م 42 ص 53 - الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 425 ص 616  .

( [2285] ) وقد قضى بأن نزع المال المحبوس من يد الحابس بناء على حكم قضائى لا يترتب عليه انقضاء الحبس ، لاعتباره حاصلاً دون رضاء الحابس ، ما لم يكن الحكم غير نافذ فى حق الحابس ، إذ يعتبر تسليم الحابس المال المحبوس فى هذه الحالة دون التمسك بحق الحبس أو الاعتراض على الحكم بمثابة تسليم اختيارى ، ويترتب عليه انقضاء حق الحبس ( استئناف مختلط 26 نوفمبر سنة 1929 م 42 ص 53 - الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 425 ص 616 هامش رقم 2 )  .

( [2286] ) وهذا ما نصت عليه صراحة الفقرة الثانية من المادة 248 مدنى ، كما رأينا  . وقد قيست هذه الحالة على حالة المؤجر عندما يسترد المنقولات التى نقلت دون رضائه من العين المؤجرة ، فإنه لا يستطيع استردادها إلى فى خلال ثلاثين يوماً من وقت نقلها  . وقد نصت المادة 602 من تقنين المرافعات ، فى هذا الصدد ، على أن " لمؤجر العقار أن يوقع فى مواجهة المستأجر أو المستأجر من الباطن الحجز التحفظى على المنقولات والثمرات والمحصولات الموجودة بالعين المؤجرة ، وذلك ضماناً لحق الامتياز المقرر فى القانون المدنى  . ويجوز له ذلك أيضاً إذا كانت تلك المنقولات والثمرات والمحصولات قد نقلت بدون رضائه من العين المؤجرة ، ما لم يكن قد مضى على نقلها ثلاثون يوماً "  . غير أنه يلاحظ أن مدة الثلاثين يوماً لا تسرى ، فى حالة الحبس ، إلا من يوم علم الحابس بخروج الشئ من يده ، أما فى حالة المؤجر فتسرى المدة من وقت خروج المنقولات من العين المؤجرة  .

( [2287] ) وهنا أيضاً يختلف ميعاد السنة عن هذا الميعاد نفسه فى دعوى استرداد الحيازة ( action en reintegrade ) ، ففى هذه الدعوى يبدأ سيريان السنة من وقت أن يعلم الحائز بفقده للحيازة ( م 958 مدنى )  . كذلك يختلف استردادا الحابس للحيازة عن استرداد المؤجر للمنقولات التى خرجت من العين المؤجرة دون رضاه  . فاسترداد المؤجر لهذه المنقولات يعتبر من قبيل استعمال حق التتبع المتفرع عن حق الامتياز العينى ، ولا يتقيد المؤجر بالميعاد القانونى إذا لم يترتب على المنقولات حق الغير  . أما استرداد الحابس للحيازة فالغرض منه ليس إمكان الاحتجاج بحق الحبس على الغير بل مجرد الحيلولة دون انقضاء هذا الحق ذاته ، ويجب أن يتقيد الحابس بالميعاد القانونى ولو لم يترتب على العين حق للغير ( الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 417 ص 605 - ص 607 - قارن بيدان وفوران فقرة 282 )  .

( [2288] ) الأستاذ عبد الفتاح عبد الرازق فى التأمينات فقرة 172 ص 258 - قارن بوردى ودى لوان 1 فقرة 251 ص 243  .

( [2289] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 656 - وقد سبق أن قررنا ( انظر آنفاً فقرة 679 فى الهامش فى تاريخ المادة 248 مدنى ) أن مدة السنة إنما أضيفت إلى المشروع التمهيدى فى لجنة المراجعة  .

( [2290] ) أوبرى ورو 3 فقرة 256 مكررة ص 164 - بودرى ودى لوان 1 فقرة 250 مكررة 1 - فلو أن شخصاً اشترى سيارة بثمن حال تسلمها قبل أن يسدد الثمن ، فإن بائع السيارة يكون قد نزل بذلك عن حقه فى حبس السيارة  . فإذا أعاد المشترى السيارة إلى البائع لإصلاحها فى " ورشته " ودفع له مصروفات الإصلاح ، لم يجز للبائع حبس السيارة فى الثمن الذى لم يدفع ، لأن حيازة السيارة إنما عادت إلى البائع بسبب جديد ، هو إصلاح السيارة  . ولو عادت السيارة إلى حيازة البائع لا بسبب جديد بل بالسبب الأول - بأن كان البائع مثلاً سلم السيارة إلى المشترى مؤقتاً لتجربتها على أن يرجعها إلى البائع بعد التجربة فأرجعها المشترى – فغن البائع يعود له بعودة السيارة الحق فى حبسها حتى يستوفى الثمن ( بيدان وفوران فقرة 283 - الأستاذ سليمان مرقس فى التأمينات فقرة 425 ص 615 هامش رقم 2 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 135 ص 186 )  . ولو أن شخصاً عهد إلى صاحب " جراج " بإصلاح سيارة ، واستعادها مؤقتاً قبل أن يدفع أجرة الإصلاح ثم أرجعها إلى صاحب " الجراج " لاستكمال إصلاحها ، لعاد الحق فى الحبس إلى صاحب " الجراج " حتى يستوفى أجره ، لأن السيارة عادت إلى حيازته بنفس السبب القديم ( الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 135 ص 186 )  .

( [2291] ) مراجع : ألين ( Allain ) فى الإعسار - جارو ( Garraud ) فى الإعسار– فالت ( Valette ) فى الآثار الرئيسية للإعسار - بيدان ( Budin ) فى الإفلاس المدنى - ترونسون ( Troncon ) مد نظام الإفلاس إلى غير التجار - ديبان ( Dupin ) مسألة الإفلاس المدنى رسالة من جرينول سنة 1900 - توسان ( Toussaint ) فى مسألة الإفلاس المدنى رسالة من أكس نسة 1924 - محسن شفيق فى النظم المختلفة فى الإفلاس المدنى رسالة بالفرنسية من باريس سنة 1937 - لميانيسييه ( Lemanissier ) رسالة من باريس سنة 1939 - مارسيل ديبون ( Marcel Dupont ) فى أنسيكلوبيدى داللوز لفظ ( Deconfiture )  .

محسن شفيق فى القانون التجارى المصرى الجزء الثانى فى الإفلاس سنة 1951 - عبد الحى حجازى 3 ص 222 - ص 230 - إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 149 - فقرة 153 - حسن على الذنون فى أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى فقرة 98 - فقرة 110  .

( [2292] ) والغالب أن هذه الوسائل الأربع ، كالإفلاس التجارى ، يواجه بها الدائنون مديناً معسراً فيحاولون بقدر الإمكان أن يستخلصوا منه أكبر قسط من حقوقهم عنده  .

( [2293] ) وقد كانت هذه الدعوى ، حتى فى هذه الخصيصة الأولى ، لا تتفق مع الإفلاس فى عهد التقنين المدنى السابق ، إذا كان الدائن بمقضتى أحكام هذا التقنين يستأثر بالتنفيذ على هذا المال دون غيره من الدائنين  .

( [2294] ) انظر فى الفروق ما بين الإفلاس والإعسار فى القانون الفرنسى أنسيكلوبيدى داللوز 2 لفظ Deconfiture فقرة 33 - فقرة 38  .

( [2295] ) وقد كان التقنين المدنى السابق يرتب على الإعسار إسقاط الأجل ( م 102 / 156 ) ، وانتهاء عقد الشركة ( م 445 / 542 ) ، ووجوب استبدال كفيل موسر بكفيل معسر إذا تعهد المدين تعهداً مطلقاً بتقديم كفيل ( م 500 / 610 ) ، وجوزا مطالبة الكفيل المدين المعسر بالدين قبل حلول أجله ( م 503 / 614 )  . هذا إلى أن إعسار المدين كان مشترطاً فى الدعوى غير المباشرة ( م 141 / 202 ) ، وفى الدعوى البولصية ( 143 / 204 ) ، وإن لم تصرح النصوص بذلك  .

وانظر فى النتائج التى تترتب على الإعسار فى القانون المدنى الفرنسى بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 814 - دى باج 3 فقرة 169 - أنسيكلوبيدى داللوز 2 لفظ deconfiture فقرة 9 - فقرة 32  .

( [2296] ) وقد حاول بعض المحاكم فى فرنسا أن تنظيم الإعسار عن طريق تعيين حارس قضائى على أموال المدين يديرها ويصفيها كما يفعل السنديك ، ثم عن طريق جعل الدعوى البولصية تنفيذ جميع الدائنين السابقين على التصرف المطعون فيه واللاحقين له ، ولكن محكمة النقض الفرنسية قضت على هذه المحاولات لأنها لا تتفق مع التشريع القائم الذى لم يكن له ابد من تطبيقه مهما بدا فيه من وجوه النقص ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 817 - الأستاذ محسن شفيق فى الإفلاس فقرة 20 )  .

وسار المشروع الفرنسى فى طريق تنظيم الإعسار خطوات محدودة  . ففى مناسبة إفلاس شركة بناما المعروفة صدر قانون فى أول يوليه سنة 1893 يجعل الشركات المدنية ذات الشكل التجارى خاضعة لنظام الإفلاس التجارى  . ثم صدر قانون فى أول أغسطس سنة 1893 باعتبار شركات التوصية وشركات المساهمة التى تنشأ فى شكل تجارى شركات تجارية ، فتخضع للقوانين والعادات التجارية مهما كان موضوع الشركة ، ثم أضاف قانون 27 مارس سنة 1925 إلى هذه الشركات الشركات ذات المسئولية المحدودة  . وصدر قانون فى 9 سبتمبر سنة 1919 يقضى باعتبار استغلال المناجم من قبيل الأعمال التجارية لتطبيق نظام الإفلاس  . انظر فى هذه المسألة : بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 819 - دى باج 3 فقرة 166 - فقرة 169 - بلانيول وريبير وبولانجيه 2 فقرة 1485 - كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 422 - الأستاذ محسن شفيق فى النظم المختلفة فى الإفلاس المدنى ص 137 - ص 229 - وكتابه فى الإفلاس فقرة 23  .

( [2297] ) انظر الأستاذ محسن شفيق فى النظم المختلفة فى الإفلاس المدنى ص 272 - ص 278 - نظرية العقد للمؤلف فقرة 711 - الموجز للمؤلف فقرة 212 - الأستاذ أحمد حشمت أبو ستيت فى نظرية الالتزام فقرة 620 - الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 149  .

( [2298] ) انظر التشريع الألمانى الصادر فى سنة 1877 ، والتشريع الإنجليزى الصادر فى سنة 1883 ، والتشريع الهولندى الصادر فى سنة 1893  . وانظر فى الإفلاس كنظار موحد للتجار وغير التجار فى التشريعين الألمانى والإنجليزى رسالة الأستاذ محسن شفيق فى النظم المختلفة فى الإفلاس المدنى ص 53 - ص 133  .

( [2299] ) أصدر المشرع السويسرى قانوناً اتحادياً ( ) للتنفيذ من أجل الديون والإفلاس فى سنة 1889  . فرسم طريقين للتنفيذ ، أحدهما طريق الإفلاس والآخر طريق الحجز  . فإذا كان المدين مقيداً فى السجل التجارى وجب اتباع طريق الإفلاس ، وغلا فطريق الحجز  . وقسم السجل التجارى إلى قسمين : قسم حرف أ وهو خاص بالقيود الإجبارية أى القيود المتعلقة بالتجار والمؤسسات التى تتخذ الشكل التجارى ولا يعفى من هذا القيد إلا صغار التجار ، وقسم حرف ب وهو خاص بالقيود الاختيارية إذ أجاز المشرع لغير التجار إجراء القيد فى السجل ( الأستاذ محسن شفيق فى النظم المختلفة فى الإفلاس المدنى ص 233 - ص 267 )  .

( [2300] ) انظر فى انتقاد توحيد نظامى الإفلاس التجارى والإعسار المدنى وبيان عدم صلاحية ذلك فى مصر إلى الأستاذ محسين شفيق فى الإفلاس فقرة 24 ، وينتهى إلى ما يأتى : " هذه هى الأسباب التى تدعونا إلى نبذ نظرية الإفلاس المدنى على الأخص فى بلاد زراعية كمصر ، حيث لا سبيل إلى تنشيط الائتمان الزراعى ، إلا بإنشاء بنوك التسليف والعمل على تيسير الحصول على القروض منها  . وغير أن هذا لا يعنى أننا نعضد القائلين بترك نظام الإعسار بغير تنظيم ، فيمن غير المرغوب فيه حقاً أن يظل المدين على الرغم من إعساره قادراً على التصرف فى أمواله والعبث بحقوق دائنيه ، أو أن يبقى حصول الدائنين على حقوقهم ثمرة التسابق والتزاحم بينهم  . غير أننا لا نرى أ سبيل الإصلاح يكون بتطبيق نظام الإفلاس برمته على غير التجار ، وإنما يجب التمحيص والتدقيق فى أحكام هذا النظام والاستعانة بما يلائم منها المعاملات المدنية ، بمعنى أنه يجب وضع نظامين للتنفيذ على أموال المدين الذى يعجز عن أداء ديونه ، أحدهما نظام الإفلاس ويقتصر تطبيقه على التجار ويكون محله القانون التجارى ، والآخر نظام الإعسار ويبع فى شأن غير التجار ويكون موضعه القانون المدنى  . وقد سارت بعض التشريعات على هذا الوضع ، وفى مقدمتها التشريع الإسبانى حيث يوجد نظام للإفلاس ( quiebra ) وآخر للإعسار ( concurso ) ، ولئن كان صحيحاً أن الشبة بين النظامين كبير فإنهما غير متماثلين  . واتبع المشرع المصرى فى القانون المدنى الجديد هذا النهج ، فوضع نظاماً شاملاً لحالة الإعسار ، واستعان فى شأنه ببعض أحكام الإفلاس فى حدود متزنة ومعقولة " ( الأستاذ محسن شفيق فى الإفلاس ص 50 )  .

( [2301] ) ويجوز فى هذا النظام أن يقرر الدائنون ، بأغلبية الثلثين ، وقف الإجراءات أو الحط من الديون  . فإذا لم تتوافر هذه الأغلبية كان المدين فى حالة إعسار ، فترفع يده عن ماله ، وتوقف إجراءات التنفيذ الفردية ( أنسيكلوبيدى داللوز 2 لفظ Deconfiture فقرة 8 )

( [2302] ) انظر فى تنظيم الإعسار المدنى على أسس تختلف عن الأسس التى يقوم عليها تنظيم الإفلاس التجارى الأستاذ محسن شفيق فى النظم المختلفة فى الإفلاس التجارى ص 271 - ص 315  . وقد كانت هذه الصفحات بوجه خاص تحت نظر لجنة تنقيح التقنين المدنى عندما وضعت النصوص الخاصة بتنظيم الإعسار المدنى فى التقنين الجديد  . وانظر أيضاً بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 816 - فقرة 819  .

( [2303] ) وكانت هذه النصوص فى المشروع التمهيدى هى المواد من 354 إلى 384 من هذا المشروع  . وتتلخص الأسس التى كان يقوم عليها النظام الاستثنائى للتصفية الجماعية – كما قرر المشروع التمهيدى – فيما يأتى :

أ ) يجوز للمحكمة ، عند الحكم بشهر الإعسار أو فى أى وقت بعد صدور هذا الحكم ، أن 3 تعين عند الاقتضاء بناء على طلب أحد الدائنين أو بناء على طلب المدين نفسه ، حارساً مصفياً يوفى الدائنين حقوقهم ، أما بيع أموال المدين وأما بتسوية ودية مع الدائنين  . وتندب المحكمة قاضياً للإشراف على أعمال التصفية  .

ب ) يترتب على تعيين الحارس المصفى أن يتخلى المدين عن إدارة أمواله ، وأن تصبح أمواله محجوزة حجزاً تحفظياً  . فلا يجوز اتخاذ أى إجراء إلا بواسطة الحرس المصفى أو فى مواجهته  .

ج ) يعد الحرس المصفى بياناً عن حالة المدين يعرضه على الدائنين فى اجتماع يدعوهم إليه  . ثم يأخذ فى هذا الاجتماع وفيما يليه من اجتماعات فى تحقيق الديون وفقاً للإجراءات التى تتبع فى تحقيق الديون فى حالة الإفلاس  .

د ) عند الانتهاء من فحص الديون ينظر الدائنون فيما يكون قد عرضه المدين من مقترحات لتسوية ديونه تسوية ودية  . ولا تتم التسوية الودية إلا إذا أقرتها الأغلبية المطلقة للدائنين وكانت هذه الأغلبية تملك ثلاثة أرباع الديون التى فحصت واعتمدت  . وتصدق المحكمة على التسوية  .

هـ ) إذا لم يتفق على تسوية ما ، اتخذ الحارس المصفى الإجراءات لبيع أموال المدين المعسر بالمزاد العلنى وفقاً للأوضاع المقررة فى تقنين المرافعات ، ما لم ترخص المحكمة للحارس المصفى فى أن يبيع كل أموال المدين أو بعضها بطري الممارسة وبشروط معينة  .

و ) يودع الحارس المصفى المبالغ الناتجة من بيع أموال المدين خزانة المحكمة ، ويتولى القاضى المنتدب توزيع هذه المبالغ وفقاً للقواعد المقررة فى تقنين المرافعات لقسمة المال قسمة غرماء وقسمة ترتيب  .

ز ) متى تمت التصفية الجماعية بغير طريق التسوية الودية ، يعود للدائنين حقهم فى اتخاذ إجراءات فردية لعى ما يستجد من مال للمدين  . ويجوز فى هذه الحالة تعيين حارس مصف من جديد إذا كان المستجد من المال قدراً كافياً يبرر ذلك  .

( انظر مشروع تنقيح القانون المدنى – المذكرة الإيضاحية جزء 2 ص 381 - 398 )  .

( [2304] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 662  .

( [2305] ) وقد أوردت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى دفاعاً مسهباً عن نظام الإعسار الذى قرره التقنين الجديد ، وبنيت أن هذا النظام يخدم مصالح الجميع ، مصالح المدين ومصالح الدائنين  . ومما جاء فى هذا الصدد : " ومتى أشهر الإعسار كان مركز المدين فى تصفية ديونه أفضل بلا شك من مركزه وفقاً لأحكام التشريع الحالى ( السابق ) ، ذلك أن هذا الإشهار لا يستتبع حتماً حلول الديون المؤجلة ، فللقاضى أن يبقى على الأجل وأن يمد فيه ، بل وللقاضى ما هو أفضل : فله أن ينظر المدين إلى ميسرة بالنسبة إلى الديون المستحقة الأداء ، وبهذا تتاح له تصفيه ديونه ودياً فى أكثر الظروف ملاءمة  . كما أن المشروع  .  .  . أباح له كذلك أن يتصرف فى ماله ولو بغير رضاء هؤلاء الدائنين ، على أن يكون ذلك بثمن المثل ، وأن يودع الثمن خزينة المحكمة للوفاء بحقوقهم ، وقد بسط له المشروع فى أسباب الحماية ولا سيما ما كان منها إنسانى الصبغة  . فخوله حق الحصول على نفقة تقتطع من إيراده إذا كان هذا الإيراد محجوزاً  . أما الدائنون فيكلف لهم نظام الإعسار قسطاً من الحماية لا يدانيه ما كفل لهم منه بمقتضى الأحكام الراهنة  . فلي لهم أن يشفقوا فى ظل هذا النظام من تقدم أحدهم على الباقين بغير حق ، ذلك أن مجرد تسجيل صحيفة دعوى إشهار الإعسار يكون من أثره عدم نفاذ أى اختصاص يقع بع ذلك على عقارات المدين فى حق الدائنين السابقة ديونهم على هذا التسجيل  . ومتى أشهر إعسار المدين أصبح من أهون الأمور على الدائنين أن يأمنوا جانبه فيما يصدر عنه التصرفات الضارة أو المدخولة ، وأصبح إعمال أحكام الدعوى البولصية فريداً فى بساطته  . فكل تصرف قانونى يصدر من المدين المعسر ، ويكون من ورائه انتقاص حقوقه أو زيادة التزاماته ، وكل وفاء يقع منه ، لا ينفذ فى حق الدائنين ، دون حاجة إلى تحميلهم عبء إقامة الدليل على الغش ، وهو عبء فى أغلب الأحيان غير يسير  . ولتعزيز حماية الدائنين من تصرفات المدين الضارة أو المدخولة ، قرر المشروع توقيع عقوبة التبديد على المدين إذا ارتكب أعمالاً من أعمال الغش البقين إضراراً بدائنيه  . وعلى هذا النحو كفل المشروع بنظام الإعسار حماية وافية للدائنين من المدين ، وجعل من المساواة الواجبة بينهم حقيقة واقعة  . وقد ذهب البعض إلى أن نظام الإعسار ، وإن توافرت له المزايا التى تقدمت الإشارة إليها ، فليس يخلو من أعماله من عيب قد يرجح هذه المزايا جميعاً  . فإذا فرض فى رأيهم أن أغلب الملاك ينوءون بأعباء الدين ، فمن الخطر أن تتخذ إجراءات لإشهار إعسار هؤلاء الملاك ، لأن هذه الإجراءات تفضى من طريق العلانية القضائية إلى الكشف عن مراكز أو أحوال ينبغى أن يكتم أمرها عن الملأ لاعتبارات مادية وأدبية  . ولكن لو صح أن يستهان بما يعرض للذهن فى مثل هذه الظروف من وجوب رعاية ما يقتضى التعامل من شرف وخلق ، أفلا يبقى بعد ذلك أمر التساؤل عما إذا كانت هذه المراكز المضطربة تظل فى الواقع خافية غير معلومة؟ الحق أنه ليس أيسر من كشف الحقيقة والبصر بها فى هذا الشأن ، فأن لم يتح ذلك من طرق استفاضة الشهرة ، فثمة علانية إجراءات التوزيع القضائى وجلسات المزايدات " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 659 - ص 660 )  .

( [2306] ) انظر عكس ذلك الأستاذ محسين شفيق فى الإفلاس فقرة 53 ص 77 - ص 78 - وفى رأينا أن التقنين المدنى الجديد إذا أطلق لفظ " الإعسار " فلا يتخصص اللفظ للإعسار القانونى ، بل ينصرف إلى محض الإعسار أى الإعسار الفعلى ( انظر المواد 235 فقرة 2 و 237 و 528 فقرة أولى و 644 حرف حـ )  . أما إذا قصد بلفظ " الإعسار " الإعسار القانونى ، قرن اللفظ بما يدل على هذا المعنى إشعاراً بأهمية ما يرتب من النتائج على ذلك ، فيقول مثلاُ : " يسقط حق المدين فى الأجل : إذا شهر إفلاسه أو إعساره وفقاً لنصوص القانون  .  .  . " ( م 273 - وانظر أيضاً المواد 255 فقرة أولى و 256 فقرة 2 و 257 و 259 و 260 )  .

( [2307] ) وشبيه بتنظيم حالة الإعسار ( م 249 - 264 مدنى ) تنظيم تصفية التركة ( م 876 - 913 مدنى ) - ففى الحالتين لا يجوز التصرف فى أموال المدين المعسر ولا فى أعيان التركة ، ولا يحتج على الدائنين بأى اختصاص يقع بعد تسجيل حكم الإعسار أو بعد موت المدين ، ويعاقب المدين المعسر بعقوبة التبديد فى بعض الحالات كما يعاقب بعقوبة التبديد كل من استولى غشاً على شئ من مال التركة ولو كان وارثاً ، ويجوز تقدير نفقة يتقاضاها المدين المعسر من إيراداته المحجوزة أو يتقاضها من كان المورث يعولهم من ورثته  . ولكن إجراءات تصفيقة التركة إجراءات جماعية ، بخلاف إجراءات تصفية مال المعسر فهى كما رأينا إجراءات فردية  .

( [2308] ) تاريخ النصوص :

م 249 : ورد هذا النص فى المادة 344 من المشروع التمهيدى ، عن طريق الخبرة ، على الوجهين الآتيين : " يجوز أن يشهر إعسار كل مدين غير تاجر ، تزيد ديونه على أمواله ، متى توقف عن وفاء ديونه المستحقة الأداء " أو يجوز أن يشهر إعسار كل مدين غير تاجر إذا كانت أمواله لا تكفى لوفاء ديونه المستحقة الأداء "  . وفى لجنة المراجعة أشار أحد الأعضاء إلى أن نظام الإعسار لا يتفق مع الحالة الاقتصادية فى مصر ، إذ هو يسئ إلى مركز المدينين وهم أغلبية دون أن ينطوى على منفعة حقيقية لهم  . فأجيب على ذلك بأن وضع هذه النظام أريد به تقرير الأمر الواقع ، فالمدين الذى ينزع ملكه تتخذ قبله إجراءات علنية ، وليس فى شهر الإعسار ما يمس سمعة المدين بأكثر من ذلك  . ثم إن النظام الذى وضعه المشروع يعود على المدين بمزايا حقيقية ، وييسر له أمر الوفاء بديونه  . ونوه أحد الأعضاء بأن نظام الإعسار يكون أولا بالقبول لو تضمن مماثلة للمزايا التى يحص عليها المدين التاجر من طرق الصلح الواقى من الإفلاس ، كإبراء المدين من جزء من الديون إذا وافقت على ذلك أغلبية من الدائنين ، أو إبرائه من الديون أياً كان مقدارها متى ترك للدائنين كل ما يملك من مال  . فوافقت اللجنة على استبقاء نظام الإعسار فى المشروع مع إحالة الاقتراح الخاص بإبراء المدين إلى لجنة فرعية ( ولم يظهر لعمل هذه اللجنة أية نتيجة – والظاهر أن لجنة المراجعة اكتفت بما تضمنه المشروع من جواز مد آجال الديون ومن جواز منح آجال للديون الحالة )  . ثم فاضلت لجنة المراجعة بين النصين المعروضين ، فاختارت النص الآتى : " يجوز أن يشهر إعسار المدين غير التاجر إذا كانت أمواله لا تكفى لوفاء يدونه المستحقة الأداء " ، وأصبح رقم المادة 261 فى المشروع النهائى  . ووافق عليها مجلس النواب  . وفى لجنة مجلس الشيوخ أعيد الاعتراض على نظام الإعسار ، وقيل عن هذا النظام جديد ، وهو نظام خطر من الناحية الموضوعية وقد انتقده الكثيرون  . ورد على هذا الاعتراض بأن نظام الإعسار يكفل للمدين والدائن مزايا عدة لا تكفى فى توفيرها الأحكام الجزئية التى وردت فى سيان تحبيذ فكرة الحذف ، ولا تعادلها الاعتبارات المتصلة بعدد الدعاوى ، وهى بالنسبة إلى المدين المعسر كثيرة وإجراءات شهر الإعسار قد تفضى على النقيض إلى الإقلال منها  . ولم تر اللجنة الأخذ بالاعتراض ، وأرقت نظام الإعسار فى مجموعه ، أما من حيث النص المعروض فحذفت كلتى " غير التاجر " لأن قانون التجارة تكفل بالإجراءات التى تتخذ بالنسبة إلى التاجر ، ولإفساح المجال لبحث فكرة وضع نصوص فى القانون التجارى تجيز للمدين التاجر الاستفادة من أحكام الإعسار بما فيها من يسر  . ووافقت اللجنة على المادة معدلة على الوجه الآتى : " يجوز أن يشهر إعسار المدين إذا كانت أمواله لا تكفى لوفاء ديونه المستحقة الأداء " ، تحت رقم 249  . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 662 - ص 665 )  .

م 250 : ورد هذا النص فى المادة 335 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " يكون إشهار الإعسار بحكم تصدره المحكمة التى يتبعها موطن المدين ، بناء على طلب المدين نفسه أو بناء على طلب دائنين "  . وفى لجنة المراجعة رؤى أن تنظر دعوى الإعسار على وجه السرعة ، فعدل النص على الوجه الذى استقر عليه فى التقنين المدنى الجديد ، تحت رقم 262 فى المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 250 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 666 )  .

م 251 : ورد هذا النص فى المادة 336 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد  . ووافقت عليه لجنة المراجعة تحت رقم 263 فى المشروع النهائى  . ثم وافق عليه فى مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 251 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 667 - ص 668 )  .

( [2309] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 250 - 252 ( مطابقة لنصوص التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى م 270 : المدين المفلس الذى يكون دينه المستحق الأداء أزيد من ماله ، إذا خاف غرماؤه ضياع ماله أو خافوا أن يخفيه أو أن يجعله باسم غيره ، وكان خوفهم مبيناً على أسباب معقولة ، وراجعوا المحكمة فى حجره عن التصرف فى ماله أو فى إقراراه بدين الآخر ، حجرته المحكمة  .

م 271 فقرة أولى : يكون الحجر بحم تصدره محكمة البداءة بناء على طلب أحد الدائنين  .

( وتحديد الإعسار المدنى فى التقنين العراقى كتحديده فى التقنين المصرى : عدم كفاية أموال المدين للوفاء بديونه المستحقة الأداء  . وللمحكمة سلطة تقديرية تستخلص من عبارة " وكان خوفهم مبنياً على أسباب معقولة "  . وللدائن ، دون المدين ، فى التقنين العراقى ، طلب الحجر على المدين ، أما فى التقنين المصرى فيجوز أيضاً للمدين أن يطلب شهر إعسار نفسه  . ومع ذلك قارن الدكتور حسن على الذنون فى أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى فقرة 101 ص 100 حيث يذهب إلى جواز أن يطلب المدين طل بالحجر على نفسه فى القانون المدنى العراقى )  .

( [2310] ) أو كما يقال عادة زيادة الخصوم ( passif ) على الأصول ( actif )  .

( [2311] ) وكذلك قد يكون المدين التاجر معسراً إعساراً فعلياً أو قانونياً ، ولكنه ما دام يدفع ديونه الحالة عند طلبها ولا يتوقف عن الدفع ، فلا يجوز شهر إفلاسه ( الأستاذ محسن شفيق فى الإفلاس فقرة 144 ص 179 - ص 180 )  .

( [2312] ) انظر آنفاً فقرة 694 فى الهامش فى تاريخ المادة 249 - وانظر مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 663 - 664  .

( [2313] ) أو كما تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى : " لا يشترط مجرد نقص حقوق المدين عن ديونه ، بل يشترط أيضاً أن تكون الحقوق أقل من الديون المستحقة الأداء ، أى أقل من جزء معين من مجموعة الديون " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 662 )  .

( [2314] ) ولا يقال إن الديون المؤجلة تحل بالإعسار ، فأن الدين لمؤجل لا يحل إلا بشهر الإعسار ، أى بالإعسار القانونى دون الإعسار الفعلى ، كما سنرى  .

( [2315] ) ولكن لا يوجد ما يمنع من أن يخضع المدين التاجر - فى غير معاملاته التجارية – لنظام الإعسار المدنى ( القانونى ) فى دين مدنى لدائن تاجر ( كثمن مفروشات يشتريها التاجر من تاجر آخر لاستعماله الخاص ) أو لدائن غير تاجر ( كأجرة المنزل الذى يسكنه التاجر )  . انظر فى هذا المعنى : الأستاذ محسن شفيق فى الإفلاس فقرة 149 ص 194 - ص 197  .

( [2316] ) الأستاذ محسن شفيق فى الإفلاس فقرة 28 - وقد قضى بأن توقف المدين عن دفع أحد ديونه المستحقة قرينة على إعساره ، فيتعين على المدين ، إذا أراد تلافى الحكم بشهر إعساره ، أن يثبت أنه رغم توقفه عن الدفع فإن لديه ما يكفى لسداد ديونه المستحقة ( الإسكندرية الكلية الوطنية 6 أبريل سنة 1950 مجل التشريع والقضاء 2 رقم 12 ص 211 )  . وقضت محكمة النقض – فى عهد التقنين المدنى السابق حيث لم يكن يوجد نص يقابل المادة 249 - بأن الإعسار هو حالة قانونية تستفاد من أن أموال الشخص ليست كافية للوفاء بديونه المستحقة عليه  . وهو بهذا المعنى لا يقوم على نفى مطلق يتعذر إثباته ، بل يقوم على أمر واقع له علاماته التى تشهد عليه  . على أن المقرر فى الإثبات أنه إذا كانت الواقعة المدعاة سلبية وكانت منضبطة النفى ، كان على مدعيها إثبات خلافها متى أمكنه تحويلها إلى قضية موجبة  . فإذا لم يكن ذلك ممكناً ، أو كانت الواقعة غير منضبطة النفى ، فإن مدعيها يعتبر عاجزاً عن إثبات دعواه ( نقض مدنى 31 يناير سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 33 ص 80 )  .

هذا وإذا كان المدين هو الذى طلب شهر إعساره نفسه – كما سيأتى – فإقراره بالإعسار حجة عليه ، إلا إذا ثبت للقاضى أنه قصد بالإقرار التحايل  .

( [2317] ) وهذا بخلاف الحكم ؟؟؟؟؟ نظرية الظروف الطارئة ، حيث تنص المادة 147 فقرة 2 على ضرورة أن تطرأ حوادث استثنائية عامة تجعل تنفيذ الالتزام مرهقاً للمدين  .

( [2318] ) الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 150 ص 210 - وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد ما يأتى : "  .  .  . للقاضى سلطة رحبة الحدود ، تتيح له تقدير جميع ظروف المدين ، وأخذه بالشدة أو اصطناع الرفق فى معاملته ، وفقاً لأحواله العامة والخاصة  . وقد يكون فى الأحوال العامة ما ينهض لمصلحة المدين ، كما لو عرضت له عسرة موقوتة فى خلال أزمة اقتصادية شاملة  . ويراعى من ناحية أخرى أن لأحوال المدين الخاصة النصيب الأوفى فى توجيه الحكم على مركزه ، فمن ذلك مثلاً كفايته الشخصية ( وهى التى يتوقف عليها إلى حد بعيد تقدير ما يرجى له من فرص التوفيق فى مستقبله ) ، وسنه ، وحرفته ، ومركزه الاجتماعى ، ومصالح دائنيه المشروعة ، مدى مسئوليته عن إعساره ، وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر فى حالته المادية " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 662 - ص 663 )  .

( [2319] ) الأستاذ محسن شفيق فى الإفلاس فقرة 47  .

( [2320] ) وتقول المادة 270 من التقنين المدنى العراقى : " إذا خاف غرماؤه ضياع ماله ، أو خافوا أن يخفيه ، أو أن يجعله باسم غيره "  .

( [2321] ) ونرى أنه حتى لو لم يوجد للمدين إلا دائن واحد ، فإن هذا الدائن يستطيع أن يرفع دعوى شهر الإعسار ، وذلك حتى يغل يد المدين من التصرف فى أمواله ، مع تعريضه للعقوبة الجنائية  . وإذا جاز للدائن الواحد أن يشهر إفلاس مدينة ( انظر الأستاذ محسن شفيق فى الإفلاس فقرة 168 ص 219 - ص 221 ) ، مع تعقد إجراءات الإفلاس وخطر نتائجه ، فأولى أن يجوز للدائن الواحد أن يشهر إعسار مدينه ، وله فى ذلك مصلحة واضحة  .

( [2322] ) والدائن ذو الحق المؤجل لا يتمسك ، فى شهر إعسار المدين ، بحقه هو لأنه غير حال ، وإنما يتمسك بحق حال ، ولو لدائن آخر ، لا تكفى أموال المدين لوفائه  . وقد قضت محكمة شبين الكوم الكلية بأن دعوى شهر إعسار المدين لا تجوز إقامتها إلا عند حلول ميعاد الوفاء بالدين ، ولا يجوز رفعها قبل ذلك طبقاً للمادة 249 من القانون المدنى الجديد  . وتقول المحكمة بحق : " وأما ما تعرضت له المدعية بمذكرتها من أن الأجل يسقط ويصبح الدين مستحق الأداء بالمادتين 255 و 273 ، فمرجعه فى التفسير إلى صدور حكم بالإعسار ، ونص المادة 273 صريح فى ذلك " ( شبين الكوم الكلية 23 نوفمبر سنة 1953 المحاماة 31 رقم 390 ص 1375 )  .

( [2323] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى للتقنين المدنى الجديد فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 673  .

( [2324] ) ويجوز للمدين أن يطلب شهر إعسار نفسه بدعوى يرفعها ابتداء أمام المحكمة الابتدائية التى يتبعها موطنه ، ويكون دائنوه هم الخصوم فى هذه الدعوى  . وهذا بخلاف شهر المدين التاجر إفلاس نفسه ، فقد ورد فيه نص خاص ، إذ قضت المادة 197 من التقنين التجارى بأن " الحكم بإشهار الإفلاس بناء على طلب المدين المفلس يكون بمجرد تقديمه تقريراً إلى قلم كتاب المحكمة الكائن محله فى دائرة اختصاصها بأنه وقف عن دفع ديونه "  .

( [2325] ) لا سيما - كما يقول الأستاذ محسن شفيق ( الإفلاس فقرة 30 ص 55 ) - أن تخويل المحكمة حق شهر الإفلاس من تلقاء نفسها خروج على القواعد العامة ، ومحل انتقاد بعض الفقهاء  .

( [2326] ) تاريخ النصوص :

م 252 : ورد هذا النص فى المادة 337 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين المدنى الجديد  . ووافقت عليه لجنة المراجعة تحت رقم 264 فى المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 252 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 669 )  .

م 253 : ورد هذا النص فى المادة 338 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " على كاتب المحكمة أن يقيد الأحكام الصادرة بإشهار الإعسار ، يوماً فيوماً ، فى سجل عام يرتب بحسب أسماء المعسرين ، وطبقاً لما يقضى به نظام الفهارس  . وعليه أن يؤشر فى هامش القيد المذكور بكل حكم يصدر بتأييد أو إلغاء حكم سابق "  . وفى لجنة المراجعة أضيفت فقرة ثانية إلى النص على الوجه الآتى : " وعليه أيضاً أن يرسل إلى قلم كتاب محكمة مصر صورة الأحكام لقيدها فى سجل عام ينظم وفقاً لقرار يصدر من وزير العدل " ، وأصبح رقم المادة 265 فى المشروع النهائى  . ووافق عليها مجلس النواب  . وفى لجنة مجلس الشيوخ رؤى وجوب أن يكون تسجيل صحيفة الدعوى وقيد الحكم فى محكمة واحدة ، ووجوب البدء بالكلام على تسجيل صحيفة الدعوى طبقاً للترتيب الطبيعى ، وهذا إجراء تستلزمه حماية مصالح الغير  . فعدل النص على الوجه الذى استقر عليه فى التقنين المدنى الجديد ، وأصبح رقم المادة 253  . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 670 - ص 672 )  .

م 254 : ورد هذا النص فى المادة 339 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين المدنى الجديد ، ووافقت عليه لجنة المراجعة تحت رقم 266 فى المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 254 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 673 - ص 674 )  .

( [2327] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى : م 253 - 254 ( مطابقتان للمادتين 253 و 254 من التقنين المدنى المصرى ، فيما عدا أن كاتب محكمة موطن المدين المعسر ، فى التقنين السورى ، يرسل إلى ديوان وزارة العدل - لا إلى محكمة العاصمة كما فى التقنين المصرى - صورة التسجيلات والتأشيرات لإثباتها فى سجل عام  . ولا مقابل فى التقنين السورى للمادة 252 من التقنين المصرى وهى المادة التى تقصر مواعيد المعارضة والاستئناف )  .

التقنين المدنى العراقى م 271 فقرة 2 : ويجوز لأى دائن بمقضتى هذا الحكم ( حكم الحجر على المدين المعسر ) أن يحصل من دائرة الإجراء على قرار بحجز جميع أموال المدين المحجور من عقارات ومنقولات وديون فى ذمة الغير ، عدا الأموال التى لا يجوز حجزها  . ويبقى الحجز على أموال المدين قائماً لمصلحة جميع الدائنين حتى ينتهى الحجر  .

فقرة 3 : ويقام المدين نفسه حارساً على أمواله المحجوز عليها ، إلا إذا قضت الضرورة بغير ذلك  .

( ويتبين من نصوص التقنين العراقى أنه لا يكفى الحكم بحجر المدين وشهر هذا الحكم ، بل يجب أيضاً أن يتبع ذلك حجز كل أموال المدين لمصلحة جميع الدائنين  . ويقام المدين ، بقدر الإمكان ، حارساً على أمواله ، حتى يكون مسئولاً عن تبديدها - انظر الدكتور حسن على الزنون فى أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى فقرة 101 )  .

( [2328] ) انظر عكس ذلك الأستاذ محسن شفيق فى الإفلاس فقرة 29 - وانظر فى أن الحكم كاشف لا منشئ شلى الحالة الحاضرة للقانون المدنى الفرنسى حيث لم ينظم الإعسار ولم يجعل شهره موكولاً إلى حكم : بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 813  .

( [2329] ) انظر الأستاذ محسن شفيق فى الإفلاس فقرة 29  .

( [2330] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 673 - ص 674  .

وغنى عن البيان أنه لا يزال هناك احتمال ألا يخبر المدين كاتب المحكمة بتغيير موطنه وألا يعلم الكاتب عن طريق آخر بهذا التغيير ، فلا يستطاع الاهتداء على حال المدين فى موطنه الجديد  . ومن أجل ذلك كان المشروع التمهيدى ( م 348 منه ) ينص على عقوبة المدين الذى شهر إعساره بعقوبة التبديد ؟؟؟؟؟ حالة ما إذا غير بطريق الغش موطنه دون أن يوجه الإخطار اللازم إلى كاتب المحكمة ، وترتب على التغيير ضرر لدائنيه  . ولكن لجنة المراجعة رأت عدم التوسع فى العقوبات ، فحذفت هذه العقوبة  . وسنرى أن المادة 257 مدنى تقضى بأنه متى سجلت صحيفة دعوى الإعسار فلا يسرى فى حق الدائنين أى تصرف للمدين يكون من شأنه أن ينقص من حقوقه أو يزيد فى التزاماته ، كما لا يسرى فى حقهم أى وفاء يقوم به المدين  . وكان المشروع التمهيدى لهذه المادة ( م 344 من المشروع ) يضيف في اخر النص العبارة الاتية : " كل ذلك دون اخلال بحقوق الغير الذين لم يكن في استطاعتهم أن يعلموا بحالة الإعسار "  . وجاء في المذكرة الايضاحية للمشروع التمهيدي في صدد هذه العبارة ما يأتي : " و لا يرد على هذه القاعدة إلا استثناء واحد ، يعرض في النادر ، حيث يمتنع على الغير العلم بإعسار المدين من جراء عدم تسجيل حكم شهر الإعسار في قلم كتاب المحكمة ، بسبب تغيير المدين لمحله غشاً "  . ولكن العبارة حذفت في لجنة المراجعة ، وبذلك لم يد لتغيير المدين لمحل موطنه غشاً جزاء خاص ، جنائي او مدني ، وترك الأمر الى القواعد العامة ، فيكون المدين الذي غير موطنه غشاً هو المسئول أمام من تصرف له ، مع اعتبار التصرف غير سار في حق الدائنين  . انظر مجموعة الأعمال التحضيرية 3 ص 680 – ص 682  .

([2331])         ولا يزال هذا السجل العام لم يتم تنظيمه حتى الآن ، ولم يصدر قرار من وزير العدل بذلك – هذا ولا توجد وسائل إعلان لحكم شهر الإعسار غير ما قدمناه ، ولم يوجب القانون اللصق أو الإعلان في الصحف ، وهي إجراءات إن جازت في المعاملات التجارية لما للاعلان عن الحكم من أهمية في هذه المعاملات ، فهي لا ضرورة لها في التعامل المدني  . على أن الإعلان عن حكم الإعسار – ولو عن طريق تنظيم سجلات لذلك في اقلام كتاب المحاكم – ضروري لتحديد مركز المدين من دائنيه ومركز الدائنين بعضهم من بعض ، لا سيما بالنسبة إلى الإجراءات الفردية التي قد يتخذها بعض الدائنين  .

( [2332] ) تاريخ النصوص :

م 257 : ورد هذا النص فى المادتين 344 و 345 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " م 344 - متى سجلت صحيفة دعوى الإعسار ، فلا يسرى فى حق الدائنين أى تصرف للمدين يكون من شأنه أن ينقص من حقوقه أو يزيد فى التزاماته ، كما لا يسرى فى حقهم أى وفاء يقوم به المدين ، كل ذلك دون إخلال بحقوق الغير الذين لم يكن فى استطاعتهم أن يعلموا بحالة الإعسار "  . م 345 : " 1 - غير أنه يجوز للمدين ، بموافقة أغلبية من الدائنين تمثل ثلاثة أرباع الديون ، أن يبيع كل ماله أو بعضه ، على أن يخصص الثمن لوفاء ديونه  . 2 - فإذا لم يتفق الجميع على طريقه توزيع هذا الثمن ، تعين إيداعه خزينة المحكمة حتى يوزع وفقاً لإجراءات التوزيع " - وفى لجنة المراجعة حذفت المادة 345 ، وحذف من المادة 344 العبارة الأخيرة وهى : " كل ذلك جون إخلال بحقوق الغير الذين لم يكن فى استطاعتهم أن يعلموا بحالة الإعسار " ، ما دام هناك جهة مركزية موحدة لشهر أحكام الإعسار  . فأصبح النص مطابقاً لما استقر عليه فى التقنين الجديد ، وأصبح رقمه 269 فى المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 257 ( مجموعة العمال التحضيرية 2 ص 680 وص 682 )  .

م 258 : ورد هذا النص فى المادة 346 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " ويجوز أيضاً للمدين أن يتصرف فى ماله ولو بغير رضاء الدائنين ، على أن يكون ذلك بثمن المثل وأن يقوم المشترى بإيداع الثمن خزينة المحكمة ليستوفى الدائنون منه حقوقهم "  . وفى لجنة المراجعة حور النص تحويراً لفظياً وأضيفت إلى فقرة ثانية ، فأصبح مطابقاً لما استقر عليه فى التقنين الجديد ، وصار رقمه 270 فى المشروع النهائى  . ووافق عليه مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 258 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 683 - ص 684 )  .

م 259 : ورد هذا النص فى المادة 347 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق تقريباً لما استقر عليه فى التقنين الجديد  . ووافقت عليه لجنة المراجعة تحت رقم 271 فى المشروع النهائى  . ثم وافق عليه مجلس النواب بعد تحويرات لفظية جعلته مطابقاً كل المطابقة  . ثم وافق عليه مجلس الشيوخ تحت رقم 259 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 685 - ص 687 )  .

م 260 : ورد هذا النص فى المادة 348 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " يعاقب المدين الذى أشهر إعساره بعقوبة التبديد فى الحالات الآتية : ( أ ) إذا رفعت عليه دعوى بدين ، فتعمد الإعسار غشاً وانتهت الدعوى بصدور حكم عليه بالدين : ( ب ) إذا كان بطريق الغش ، وبعد الحكم بإشهار إعساره ، قد آثر دائناً على آخر ، أو أخفى بعض أمواله ليحول بين الدائنين والتنفيذ عليها ، أو ادعى لنفسه ديوناً صورية أو ديوناً مبالغاً فيها  . ( ج ) إذا غير بطريق الغش موطنه ، وترتب على هذا التغيير ضرر لدائنيه  . وفى لجنة المراجعة حذفت الفقرة ( ج ) ولعدم التوسع فى العقوبات ، وأصبحت المادة رقمها 272 فى المشروع النهائى  . ووافق عليها مجلس النواب  . وفى لجنة مجلس الشيوخ أدخلت تعديلات لفظية جعلت النص مطابقاً لما استقر عليه فى التقنين الجديد ، وأصبحت المادة رقهما 260 ، ووافق عليها مجلس الشيوخ كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 688 - ص 690 )  .

( [2333] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 257 - 260 ( مطابقة لنصوص التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى : م 272 - ينفق على المدين المحجور وعلى من لزمته نفقته فى مدة الحجر من ماله  . فإذا أوقع الدائنون الحجز على إيراداته ، كان لرئيس المحكمة المختصة بالحجر أن يقرر للمحجور ، بناء على عريضة يقدمها ، نفقة يتقاضها من إيراداته المحجوزة  .

م 274 - إذا أقر المدين المحجور بدين فلا يعتبر إقراره  . وإذا دفع من ماله ديناً فى ذمته لأحد غرمائه ، فسائر غرمائه استرداد المبلغ الذى دفعه  .

م 276 - يجوز للمدين المحجور ، بموافقة أغلبية من الدائنين تمثل ثلاثة أرباع الديون ، أن يبيع كل ماله أو بعضه ، على أن يخصص الثمن لوفاء ديونه  . فإذا لم يتفق الجميع على طريقة توزيع هذا الثمن ، تعين إيداعه صندوق المحكمة حتى يوزع وفقاً للإجراءات المقررة  .

م 277 - يجوز للمدين ، بإذن من المحكمة ، أن يتصرف فى ماله ولو بغير رضاء الدائنين ، على أن يكون ذلك بثمن المثل وأن يقوم المشترى بإيداع الثمن صندوق المحكمة ليستوفى الدائنون منه حقوقهم  .

( وأحكام هذه النصوص تتفق فى مجموعها مع أحكام نصوص التقنين المصرى ، مع فروق أهمها : ( 1 ) نص التقنين العراقى على عدم نفاذ إقرار الدين المعسر ، ولم يذكر التصرفات الأخرى  . ولكن المفهوم أن تصرفات المدين المعسر ، فى التقين العراقى ، لا تسرى فى حق الدائنين  . كذلك يمكن القول فى التقنين المصرى بعدم نفاذ إقرار المدين المعسر  . ( 2 ) نص التقنين العراقى على جواز أن يصفى المدين المعسر أمواله كلها أو بعضها بموافقة أغلبية من الدائنين  . وقد كان هذا النص موجوداً فى المشروع التمهيدى للتقنين المصرى ، ولكن حذفته لجنة المراجعة  . ( 3 ) اشترط التقنين العراقى إذن المحكمة لتصرف المدين المعسر فى المال بثمن المثل ، وهذا الشرط لم يرد فى التقنين المصرى  . ( 4 ) لم يرد فى التقنين العراقى ذكر لعقوبات جنائية توقع على المدين المعسر إذا صدرت منه أعمال معينة ، كما ورد ذلك فى التقنين المصرى  . ويقول الأستاذ حسن على الذنون ( أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى ص 102 ) أن فى نصوص قانون العقوبات البغدادى ما أغنى عن وضع نص مماثل للمادة 260 من التقنين المدنى المصرى ، إذ تنص المادة 273 من قانون العقوبات على أن " كل من عهد إليه منقول ملك للغير بأية كيفية كانت ، أو سلمه لأى غرض كان ، فاستلمه لنفسه أو لفائدته أو لمنفعة أو لفائدة شخص آخر  .  .  . يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنين وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين "  . وتنص المادة 274 - وهى المادة المقصودة – على ما يأتى : " وتنطبق هذه العقوبات أيضاً على مالك الأشياء المحجوز عليها إدارياً أو قضائياً الذى عهدت إلى هذه الأشياء بصفته حارساً عليها الخ "  . ويلاحظ أن التقنين المصرى حدد أعمالاً أخرى يعاقب عليها ، غير تبديد الحارس للأموال التى فى حراسته ، وذلك كتعمد الإعسار واصطناع الديون ( انظر فى شرح نصوص التقنين المدنى العراقى الأستاذ حسن على الذنون فى أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى فقرة 104 وفقرة 106 وفقرة 108 )  .

( [2334] ) كذلك لا تقع المقاصة إذا لم تتحقق شروطها إلا بعد تسجيل صحيفة دعوى الإعسار ، فإن الدائنين منذ تسجيل هذه الصحيفة قد كسبوا حقاً فى أموال مدينهم ، وتنص الفقرة الأولى من المادة 367 مدنى على أنه " لا يجوز أن تقع المقاصة إضراراً بحقوق كسبها الغير " - والتاريخ العرفى لتصرف المدين حجة على الدائن ، إلى أن يثبت الدائن أن هذا التاريخ قد قدم ، وإنه فى الحقيقة لا حق لتسجيل صحيفة دعوى الإعسار فلا يسرى التصرف فى حقه  .

( [2335] ) ولكن الامتناع عن زيادة الحقوق أو إنقاص الالتزامات يصح ، كما هى الحال فى الدعوى البولصية  .

( [2336] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 681  .

( [2337] ) ولا يستطيع المتصرف له أن يشكو من هذه الحالة ، فقد كان يستطيع أن يتبين حالة المدين قبل أن يصدر منه التصرف ، فيعلم من الاطلاع على السجل الخاص ، أو السجل العام فى محكمة مصر الابتدائية ، أن المدين فى حالة إعسار وأن تصرفاته لا تنفذ فى حق دائنيه  . يبقى احتمال أن يكون المدين قد غير موطنه دون أن يخطر كاتب المحكمة ، فلم يستطع الغير الذى تعامل معه أن يعلم بشهر إعساره من سجل المحكمة التى يتبعها موطنه الجديد ، ولم يكلف نفسه عناء البحث فى السجل العام فى محكمة مصر  . هنا كان المشروع التمهيدى ، كما قدمنا ، يحفظ حقوق الغير ، ولكن حذف هذا الحكم فى لجنة المراجعة ، فأصبح التصرف حتى فى هذه الحالة لا ينفذ فى حق الدائنين ، ولا يكون للغير إلا الرجوع على المدين المعسر بالضمان ، وهذا رجوع ليست له قيمة كبيرة لإعسار المدين ( انظر آنفاً فقرة 705 فى الهامش )  . وقد يقال فى تبرير هذا الحكم إن الغير قد أهمل ، فقد كانت عنده وسيلة لمعرفة إعسار المدين وهى الرجوع إلى السجل العام فى محكمة مصر الابتدائية  .

( [2338] ) وقد يكون تصرف المدين المعسر قرضاً أو أى تصرف آخر يجعله مديناً للمتصرف له ، فلا يسرى هذا التصرف أيضاً فى حق الدائنين  . ويترتب على ذلك أن الدائنين السابقين على الإعسار يتقدمون على الدائنين التاليين للإعسار ، ويستوفى الأولون حقوقهم من أموال المدين قبل الآخرين  .

( [2339] ) وعند الخلاف فى تقدير ثمن المثل يرجع إلى رأى الخبراء ( انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 683 )  .

( [2340] ) ونظير هذا الاستثناء ما نصت عليه المادة 241 مدنى فى الدعوى البولصية من أنه " إذا كان من تلقى حقاً من المدين المعسر لم يدفع ثمنه ، فإنه يتخلص من الدعوى متى كان هذا الثمن هو ثمن المثل ، وقام بإيداعه خزانة المحكمة " ( الأستاذ إسماعيل غانم فى أحكام الالتزام فقرة 152 ص 214 )  .

( [2341] ) وكان المشروع التمهيدى يتضمن استثناء آخر ورد فى المادة 345 من هذا المشروع ، يجيز للمدين بموافقة أغلبية من الدائنين تمثل ثلاثة أرباع الديون أن يبيع كل ماله أو بعضه ، على أن يخصص الثمن لوفاء ديونه  . وقد كان هذا ضرباً من التصفية يشبه التصفيقة فى الإفلاس التجارى  . ولكن هذا الاستثناء حذف فى لجنة المراجعة ( انظر آنفاً فقرة 707 فى الهامش )  .

( [2342] ) وهذا شبيه بالإفلاس بتدليس أو بتقصير ، حيث يكون التاجر المفلس عرضه للعقوبة الجنائية  . ولكن الإعسار ، بخلال الإفلاس ، لا يترتب عليه سقوط بعض الحقوق السياسية عن المعسر كحقه فى الانتخاب أو الترشيح للمجالس النيابية  .

( [2343] ) ونرى أن الدائن الصورى إذا كان متواطئاً مع المدين ، بأن كان عالماً يشهر إعساره وأنه إنما أراد الإضرار بدائنيه ، يعتبر شريكاً للمدين فى الجريمة ، ويعاقب مثله بعقوبة التبديد  .

( [2344] ) ونرى أيضاً فى هذه الحالة أنه إذا كان الدائن الذى بالغ فى قيمة دينه متواطئاً مع المدين المعسر على النحو الذى قدمناه فى الصورية ، فإنه يعتبر شريكاً له ، ويعاقب مثله عقوبة التبديد  . وغنى عن البيان أن الدائنين هم المكلفون بإثبات كل من الصورية والمبالغة فى مقدار الديون ، ويستطيعون الإثبات بجميع الطرق لما يلابس العمل من غش  .

( [2345] ) وقد قدمنا أن المشروع التمهيدى كان يتضمن حالة ثالثة يعاقب فيها المدين المعسر بعقوبة التبديد ، هى حالة ما إذا غير موطنه ولم يخطر كاتب المحكمة بالتغيير غشاً ، ولكن لجنة المراجعة حذفت هذه الحالة حتى لا تتوسع فى توقيع العقوبات الجنائية ( المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 688 - ص 689 - وانظر آنفاً فقرة 707 فى الهامش )  .

( [2346] ) انظر المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 685 - ص 686  .

( [2347] ) تاريخ النصوص :

م 255 : ورد هذا النص فى المادتين 340 و 341 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد  . وفى لجنة المراجعة أدمجت المادتان فى مادة واحدة ، وأصبح رقمها 267 فى المشروع النهائى  . ووافق عليها مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 255 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 675 - ص 677 )  .

م 256 : ورد هذا النص فى المادتين 342 و 343 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد  . وأدمجتا فى لجنة المراجعة فى مادة واحدة تحت رقم 268 من المشروع النهائى  . ووافق عليها مجلس النواب  . وفى لجنة مجلس الشيوخ قال أحد الأعضاء إن استبقاء الإجراءات الفردية للدائنين بعد شهر الإعسار يفقد نظام الإعسار قيمته ، ولكن اللجنة آثرت استبقاء نظام الإعسار على هذا الوجه من الإجراءات الفردية ، وفضلت ذلك على الإجراءات الجماعية المتبعة فى الإفلاس التجارى  . ووافقت اللجنة على النص كما هو تحت رقم 256  . ووافق مجلس الشيوخ على النص كما أقرته لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 678 - ص 680 )  .

( [2348] ) التقنينات المدنية العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 255 - 256 ( مطابقتان للمادتين 255 و 256 من التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى م 273 ( موافقة للمادة 255 من التقنين المدنى المصرى )  .

م 275 - يجوز لكل دائن ، بعد الحكم بالحجز ، أن يتخذ باسمه خاصة ما يلزم من الإجراءات لاستخلاص حقه ، مع عدم الإخلال بما لسائر الدائنين من مصلحة تعلقت بالحجز على أموال المدين  . ( وحكم هذا النص موافق لحكم الفقرة الأولى من المادة 256 من التقنين المدنى المصرى  . ولم يعرض التقنين العراقى لعدم نفاذ حقوق الاختصاص لأنه لا يعرف هذه الحقوق – انظر الدكتور حسن على الذنون فى أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى فقرة 105 وفقرة 107 )  .

( [2349] ) تاريخ النصوص :

م 261 : ورد هذا النص فى المادتين 349 و 350 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد ، فيما عدا أن المشروع التمهيدى كان يتضمن حالة ثالثة لانتهاء الإعسار بموجب حكم قضائى : " متى قبل الدائنون أو بعضهم إبراء المدين من بعض ديونه بحيث لا يزيد الباقى فى ذمته من الديون على ما عنده من مال " ، وفيما عدا أن المشروع التمهيدى لم يكن ينص على إرسال صورة من حكم إنهاء حالة الإعسار إلى قلم كتاب محكمة مصر  . وفى لجنة المراجعة أدمجت المادتان فى مادة واحدة ، وحذفت الحالة الثالثة المشار إليها لدخولها فى الحالة الأولى ، وأضيف النص على إرسال صورة الحكم إلى قلم كتاب محكمة مصر ، فأصبحت المادة مطابقة لما استقر عليه فى التقنين المدنى الجديد ، وصار رقمها 273 فى المشروع النهائى  . ووافق عليها مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 261 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 691 - ص 693 )  .

م 262 : ورد هذا النص فى المادة 351 من المشروع التمهيدى على وجه مطابق لما استقر عليه فى التقنين الجديد  . ووافقت عليه لجنة المراجعة تحت رقم 274 فى المشروع النهائى  . ثم وافق عليه مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 262 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 694 - ص 695 )  .

( [2350] ) التقنينات المدينة العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 261 ( مطابقة للمادة 261 من التقنين المدنى المصرى ، فميا عدا أن نص التقنين السورى أغفل أن يذكر إرسال صورة الحكم بإنهاء الإعسار إلى ديوان وزارة العدل )  .

م 262 ( مطابقة للمادة 262 من التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى : م 278 - ينتهى الحجر بحكم تصدره محكمة البداءة ، بناء على طلب كل ذى شأن ، فى الحالات الآتية : 1 - متى ثبت أن ديون المدين أصبحت لا تزيد على أمواله  . 2 - متى قبل الدائنون أو بعضهم إبراء المدين من بعض ديونه بحيث يصبح الباقى فى ذمته من الديون لا يزيد على ما عنده من مال  . 3 - متى قام الدين بوفاء يدونه التى حلت دون أن يكون للحجر أثر فى حلولها ، وفى هذه الحالة تعود آجال الديون التى حلت بالحجر إلى ما كانت عليه من قبل ، بشرط أن يكون المدين قد وفى جميع أقساطها التى حلت  . 4 - متى انقضت ثلاث سنوات من تاريخ صدور الحكم الصادر بالحجر  . ( ويختلف هذا النص عن نص التقنين المصرى فى أمرين : 1 - بقيت فى التقنين العراقى حالة إبراء المدين من بعض الديون ، وكانت موجودة كما رأينا فى المشروع التمهيدى للتقنين المصرى ولكنها حذفت فى لجنة المراجعة لدخولها فى الحالة الأولى كما تقدم القول  . 2 - فى انتهاء الإعسار بانقضاء مدة معينة ، يختلف التقنين العراقى عن التقنين المصرى فى أن التقنين العراقى يستلزم حكماً بإنهاء الإعسار ويكتفى بانقضاء ثلاث سنوات ، أما التقنين المصرى فلا يستلزم حكماً فى هذه الحالة بل ينتهى فيه الإعسار بقوة القانون ولكنه يتطلب خمس سنوات لا ثلاثاً  . قارن الدكتور حسن على الذنون فى أحكام الالتزام فى القانون المدنى العراقى فقرة 108 ، وانظر فقرة 109 )  .

( [2351] ) انظر فى هذه الحالة فى المشروع التمهيدى للتقنين المدنى ، وقد حذفت كحالة مستقلة لأنها لا تعدو أن تكون تطبيقاً للحالة الأولى كما نرى ( انظر آنفاً فقرة 716 فى الهامش )  .

( [2352] ) وذلك فى مقابل أن الديون التى سقطت آجالها بسبب شهر الإعسار ستعود ديوناً مؤجلة كما كانت  .

( [2353] ) أما إذا كان دينه قد حل فعلاً بانقضاء أجله ، وأريد إنهاء حالة الإعسار بتوفية الديون الحالة ، فإنه لا يتصور أن يكون الدائن الذى حل دينه هو الذى يطلب ذلك ، لأنه يكون قد استوفى دينه قبل أن يتقدم بهذا الطلب  .

هذا ويصح أن يطلب إنهاء الإعسار من تصرف له المدين المعسر ، فإن هذا التصرف ، وإن كان لا يسرى فى حق الدائنين ، يبقى قائماً فيما بين المدين ومن تصرف له كما قدمنا  . فيستطيع المتصرف له ، بإنهاء حالة الإعسار ، الرجوع على المدين وهو غير معسر  .

( [2354] ) انظر فى طرق انتهاء حالة الإعسار القانونى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 698 ص 699 - وقد جاء فى المذكرة ، فى شأن الحكم الصادر بانتهاء حالة الإعسار ، ما يأتى : " وتتبع فى الحكم بانتهاء حالة الإعسار  .  .  . نفس الإجراءات الخاصة بحكم شهر الإعسار  . فهو يصدر من المحكمة الابتدائية التى يقع فى دائرتها آخر محل ( موطن ) للمدين - ولا يتحتم صدوره من المحكمة التى أصدرت حكم شهر الإعسار  . بناء على طلب كل ذى شأن ( المدين أو الدائن أو خلف آل إليه مال من المدين )  . ويقبل الطعن فيه بالطرق نفسها ، ولكن فى المواعيد العادية ، لأن المدد القصيرة لا يلجأ إليها إلا حيث تقتضى ذلك ضرورة الاستعجال عند شهر الإعسار  . ويسجل هذا الحكم إدارياً فى اليوم الذى يصدر فيه فى هامش تجيل حكم شهر الإعسار ، وبهذا تتم العلانية الواجبة له بالنسبة لذوى الشأن كافة ( م 350 من المشروع ) " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 699 )  .

( [2355] ) تاريخ النصوص :

م 263 : ورد هذا النص فى المادة 352 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " يجوز للمدين بعد انتهاء حالة الإعسار ، أو 3 بعد وفاء الديون التى حلت دون أن يكون لإشهار الإعسار ولم يتم دفعها ، إلى أجلها السابق ، بشرط أن يكون قد وفى جميع أقساطها التى حلت "  . وفى لجنة المراجعة حذفت عبارة " أو بعد وفاء الديون التى حلت دون أن يكون لإشهار الإعسار أثر فى حلولها " ، لأنها وردت فى الحالة ( ب ) من المادة 349 ( م 261 من التقنين الجديد )  . وأصبحت المادة رقمها 275 فى المشروع النهائى  . ووافق عليها مجلس النواب  . وفى لجنة مجلس الشيوخ " استبدلت عبارة : " قد وفى ديونه التى حلت دون أن يكون لشهر الإعسار أثر فى حلولها " بعبارة : " قد وفى جميع أقساطها التى حلت " ، لأن العبارة الأولى أوضح وأدق فى بيان المقصود ، فضلا عما فى العبارة الثانية من إيهام قد يوحى بأن ما وقع عليه الوفاء هو أقساط الديون التى كانت قد حلت بسبب شهر الإعسار مع أن المقصود غير ذلك  . وأصبحت المادة رقمها 263  . ووافق عليها مجلس الشيوخ كما عدلتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 696 - ص 697 )  .

م 264 : ورد هذا النص فى المادة 353 من المشروع التمهيدى على الوجه الآتى : " ليس للدائنين أن يطعنوا فيما يقوم به المدين بعد انتهاء حالة الإعسار من تصرف فى ماله أو من وفاء لديونه ، غلا إذا انطوى هذا التصرف أو الوفاء على الغش ، وبالقدر الذى يمسح به القانون "  . وفى لجنة المراجعة عدلت المادة تعديلاً أكثر دلالة على المعنى المراد ، فأصبحت مطابقة لما استقرت عليه فى التقنين المدنى الجديد ، وصار رقهما 276 فى المشروع النهائى  . ووافق عليها مجلس النواب ، فمجلس الشيوخ تحت رقم 264 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 698 - ص 700 )  .

( [2356] ) التقنينات المدينة العربية الأخرى : التقنين المدنى السورى م 263 - 264 ( مطابقتان لنص المادتين 263 - 264 من التقنين المدنى المصرى )  .

التقنين المدنى العراقى : م 279 - يكون للمدين الحق ، بمقضى الحكم الصادر بانتهاء الحجر ، أن يحصل من دائرة الإجراء على قرار برفع الحجز الموقع على أمواله بسب بالحجر ، وهذا دون إخلال بما اتخذه من كل دائن من الإجراءات على أموال المدين باسمه خاصة ولمصلحته وحده  .

( ويلاحظ أن التقنين العراقى ينهى حالة الإعسار بطريقة تتفق مع توقيع الحجز بعد الحجر ، فالمدين يحصل من دائرة الإجراء على قرار برفع الحجز  . ويحتفظ لكل دائن بما يكون قد سبق له اتخاذه من إجراءات فردية  . ولم يعرض التقنين العراقى لعودة الأجل الساقط  . كذلك لم يعرض الدعوى غير المباشرة والدعوى البولصية ، ولكن ما عرض له التقنين المصرى من ذلك ليس إلا تطبيقاً للقواعد العامة - انظر الأستاذ حسن على الذنون فى أحكام الالتزام فى القانونى المدنى العراقى فقرة 110 )  .

( [2357] ) وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا المعنى ما يأتى : " ابتداء من تاريخ تسجي لصحيفة دعوى الإعسار لا ينفذ أى اختصاص يرتب على عقارات المدين فى حق دائنيه ذوى الديون الثابتة التاريخ قبل هذا التسجيل  . وقد أريد بهذا النص ضمان المساواة بين الدائنين السابقة حقوقهم على تلك الدعوى ، على نحو يقيلهم من عناء التزاحم والتدافع  . ويكون لحق الاختصاص ، فيما عدا ذلك ، جدواه بالنسبة للدائنين من أصحاب الحقوق السابقة على الدعوى ، فيما لو انتهت حالة الإعسار ( م 349 من المشروع )ن فلمن يحصل منهم على هذا الحق أن يحتج به على من تنشأ ديونهم بعد انتهاء حالة الإعسار " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 678 - ص 689 )  . وقارن ما جاء فى المذكرة الإيضاحية فى موضع آخر : " ويلاحظ من ناحية أخرى أن رخصة الاختصاص بعقارات المدين تعود إليهم ، ويكون ما ترتب من الحقوق بمقتضاها نافذاً فى حق كل دائن ليس لدينه تاريخ ثابت عند رفع دعوى شهر الإعسار " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 699 )  .

وانظر الأستاذ عبد الحى حجازى 3 ص 226 - واقرن الأستاذ محسن شفيق فى الإفلاس فقرة 44  .

( [2358] ) وهذا ما لم يكن قد أعسر مرة أخرى فى الفترة التى سبقت انقضاء الأجل ، فعند ذلك تجوز العودة إلى شهر إعساره من جديد  .

( [2359] ) قارن المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى مجموعة الأعمال التحضيرية ص 699 - ص 700 - وهى تشرح المشروع التمهيدى قبل تعديله فى لجنة المراجعة  .

( [2360] ) ويتحقق ذلك إذا كان زوال حالة الإعسار القانونى قد تم بسبب وفاء الديون التى حلت دون أن يكون لشهر الإعسار أثر فى حلولها ، فقد لا يكون عند المدين مال يكفى للوفاء بالديون التى عادت إليها آجالها ، فيكون معسراً إعساراً فعلياً  . ويتحقق أيضاً إذا كان زوال حالة الإعسار القانونى قد تم بقوة القانون بانقضاء خمس سنوات ، فقد يبقى المدين بعد انقضاء هذه المدة معسراً إعساراً فعلياً بعد زوال حلة الإعسار القانونى  . بل إنه إذا كان زوال حالة الإعسار القانونى قد تم بسبب كفاية أموال المدين للوفاء بجميع ديونه الحالة والمؤجلة ، أى إذا زال الإعسار القانونى والإعسار الفعلى فى وقت واحد ، فإن المدين قد يعود إلى الإعسار الفعلى دون أن يشهر إعساره القانونى  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق