الأحد، 26 فبراير 2017

حديث نبوي شريف - الصدقة على الزوج والأقارب



بسم الله الرحمن الرحيم

الحديث الأول
الصدقة على الزوج والأقارب
تمهيد:
كان من هدى الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ أن يؤدي صلاة العيد في الخلاء، لا في المسجد([1]). وكانت النساء يحضرن الصلاة، كما يحضرها الرجال. فعن (أم عطية الأنصارية) قالت: "كنَّا نُؤْمَرُ أَن نَخْرُجَ يومَ العيد، حتى نُخْرجَ البكْرَ من خِدْرِهَا، حتى نُخْرج الحُيَّضَ. فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاس، فَيُكَبَّرنَ بتَكْبِيرهِمْ، وَيَدْعُونَ بدُعائِهم، يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلكَ اليَوْمِ وَطُهْرَتَهُ"([2]). وفي رواية: "وَيَعْتَزلُ الحُيّضُ المُصَلًّى"([3]). وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - أن يخطب في النساء بعد أن يفرغ من خطبة الرجال. والحديث الآتي يبين لنا أحد الموضوعات التي طرقها الرسول  صلى الله عليه وسلم  في إحدى خطب العيد، كما يوضح أثر توجيهاته في نفوس سامعيه.  
الحديث
عن (زينب)([4]) امرأة (عبد الله بن مسعود) قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن" قالت: فرجعت إلى عبدالله، فقلت: أنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قد أمرنا بالصدقة: فأته فاسأله، فإن كان يجزي عني، وإلا صرفتها إلى غيركم. قالت: فقال لي عبدالله: بل ائتيه أنتِ. فقالت: فانطلقت، فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله  صلى الله عليه وسلم، حَاجَتِي حَاجَتُها. قالت: وكان رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قد ألقيت عليه المهابةُ. قالت: فَخَرَجَ علينا بِلالٌ، فقلنا له: ائْتِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبِرْهُ أَنَّ امرأتين بالباب تَسْألَانِكَ: أَتُجْزِئُ الصَدَقةُ عنهما على أزواجهِما، وعلى أيْتام في حُجُورهما؟ ولا تُخْبِرهُ مَن نَحْنُ. قالت: فَدَخلَ بِلالٌ على رسول الله  صلى الله عليه وسلم. فسألهُ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "مَنْ هما"؟ فقال: امرأْةٌ من الأنصار وزينبُ.
فقال الرسول  صلى الله عليه وسلم: "أيُّ الزَّيانِب"؟ قال: امرأةُ عبدالله. فقال له رسول الله  صلى الله عليه وسلم: "لهما أجرَانَ: أجْرُ القَرَابَةِ، وأجْرُ الصَّدقَةِ". (رواة البخاري).
غريب الحديث:
معشر النساء: جماعة النساء.  
خفيف ذات اليدين: أي فقير قليل المال والحظَ من الدنيا.
أيجزئ عني؟: أيُغنِي ويَقْضِي عني عند ربي؟
حاجَتي حاجتها: تسأل عن مثل ما أسال عنه.
ألقيت عليه المهابة: المهابة: الإجلال، والتوقير والمخافة.
في حجورهما: حجور "جمعٌ"، واحده: حِجْر، وحجر المرأة حضنها.
والمقصود هنا الرعاية والكفاية، لأن الإنسان يربي الولد الصغير في حجره.
الإيضاح والبيان:
1- الرسول يعلم أمته:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - داعياً إلى الله، معلماً لأمته، مُزكِّياً للنفوس، لذلك نراه في خطبته في أحد الأعياد يحثُّ النساء على الصدقة، التي أكثر الله من الأمر بها في كتابه، وجعلها من أعظم ما يُنجي المسلم من النار، وقد ورد في بعض روايات الحديث أنه قال: "يا مَعْشَرَ النساء تَصدَّقْنَ، فَإنِّي أُريتُكُنَّ أَكثَرَ أَهْلِ النَّار"([5]).
فالصدقة تطفئ غضب الربِّ، كما يطفئ الماء والنار، وتُدلَّل على صدق إيمان مؤديها، وتُطَهِّر النفس من الشُّحِّ والبخل، وهي أحدي سمات المجتمع الإسلاميِّ المتراحم المتعاون على البرِّ والتقوى.
ويخرج المسلم الصدقة من المال الذي يملكه، ذهباً أو فضة أو طعاماً. وبما أن النساء كنَّ ـ ولا يزلنَّ - يُحَوِّلْنَ ما يملكنه - كلَّه أو بعضه ـ إلى حُليّ، يتزيَّنَّ بها، لذا قال الرسول ـ  صلى الله عليه وسلم: "ولو من حُليَّكُنَّ".
ورحم الله نساء الرعيل الأول للواتي كن يسارعن حينَ يُدْعَوْنَ إلى الخير. فما كاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ينتهي من خُطبته، حتى "بادَرْنَ يَنْزِعْنَ قَلائِدهُنَّ وأقراطَهُنَّ وَخواتِمَهُنَّ، يَقْذِفْنَها في ثَوبِ بلالٍ صَدَقَةً"([6]). 
وكانت امرأة (عبدالله بن مسعود) من جُملة النساء اللواتي اسْتَمَعْنَ إلى الموعظة وتأثرن بها، وكانت صاحبة مال، تنفق منه على زوجها الفقير، وعلى أيتام أقارب لها، وهي تريد أن تستجيب لما دعا إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم،  لتنال الأجر والثواب. فهل يُعَدُّ ما تنفقه على الزوج والأيتام صدقة، تنفعها عند ربها؟
2ـ زينب تستفتى:
عرضت (زينب) ما دار في نفسها على زوجها، وطلبت منه أن يستفتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الأمر، غير أنه ترفَّع أو استحى أن يستفتي في شأن مال، سيعود نفعُه إليه، وسمح لها أن تستفتي الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنفسها.
انطلقت (زينب) حتى إذا وصلت إلى باب منزل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجدت ببابه امرأة أنصارية، قدمت تستفتي عن مثل الأمر الذي قَدِمَتْ له زينب.
ولما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - رجلا مهيباً، فقد طلبتا من (بلال) أن يَعرض على الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأمر الذي أشكل عليهما، وطلبتا منه ألا يخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - باسميهما، فإن ذلك أبعد عن الرياء، وأحفظ لكرامة الزوج. ولكنه أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما استفسر عنهما، لأن الكتمان عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذه الحال معصية.
ولعلَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما استفسر، ليعرِّف الفضل لأهله، وليتبين أحوال الأمة، ويَتَبَيَّن المحتاجين فَيَرْعاهم.
3ـ هي صدقة وصلة:
أفتي الرسول - صلى الله عليه وسلم - المرأتين بأن نفقتهما على زوجيهما الفقيرين وعلى الأيتام الذِين في كفالتهما – مجزئة عنهما، بل هي أفضل من النفقة على غيرهم، إذا تنالان بذلك أجرين، لأنهما نَفَّذتَا أمرين من أوامر الله: أمر الصدقة، وأمرَ الإحسان إلى الأقارب "لهما أجران: أجْرُ القرابة، وأجْرُ الصدقة".  
وتُطلق الصدقة شرعا على شيئين:  
الأول: على الزكاة، وهذه لا يجوز أن يُعْطَي منها أحد مِمَّن تجب على المرء النْفقةُ عليهم: كالوالدين، والأبناء، والزوجة. ويجوز أن تُصْرف إلى الأقارب الذين لا تجب على المرء النفقة عليهم: كالعم، وأبناءِ العم، وأبناء العمة، وما أشبه ذلك. ويجوز أن تبذلها المرأة الغنية لزوجها الفقير.
الثاني: تطلق على الصدقة المستحبة، وهي صدقة التطوع. وهذه يجوز أن تُصرفَ إلى كل قريب، وصرفُها إليهم أكثرُ أجرا وثوابا، فعندما حثَّ الله على الإنفاق قدَّم ذكر الأقارب على غيرهم: (وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ)([7]).
وثبت في صحيحي البخاري ومسلم أن (أبا طلحة) الأنصاري عندما سمع ما أنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ)([8])، جاء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بَيْرحَاء([9])، وإنها صدقة، أرجو برَّها وذُخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "بَخْ([10])، ذلك مالٌ رَابحٌ!، ذَلكَ مَالٌ رابحٌ! وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتُ، وَإِنِّي لأَرَى أَنْ تَجْعَلْهَا في الأَقْرِبينَ". فقال (أبو طلحة): أَفْعَل يا رسُول اللهِ. فقسَّمَها (أبو طلحة) في أقاربه وَبني عَمَّهِ"([11]).
 فقه الحديث وتوجيهه:
1-   صدقة المرأة على زوجها، والقريب على قريبه ـ أفضل من الصدقة على من سواهم، وأكثر أجراً وثواباً.
2-   على الوالي المسلم أن يحث الرعية على ما يقربهم إلى الله، ويكون فيه صلاحهم وصلاح المسلمين.
3-   المؤمن الحق يسارع إلى فعل الطاعات، رغبةً فيما عند الله، وخوفاً من عقابه.
4-   يُعْنى الإسلام بالنساء، وتعليمهن أمور دينهنَّ، وحثهنَّ على فعل الخير.
5-   للمرأة أن تستفتي من تثق بدينه وأمانته في كل ما يُشْكِل عليها.
6-   زواج (زينب) الغنية من (عبدالله) الفقير ـ دليل واضح على أن الدَّين هو العامل الأول في تقرير أمر الزواج، ولم يكن فقر الزوج مانعاً من الاقتران به.
7-   لا يُعْتَبَرُ صوت المرأة عورة - إذا لم تخضع بالقول - وإلا فما جاز لزينب أن تستفتي الرسول ـ  صلى الله عليه وسلم  وتكلِّم بلالاً.
8-   على من يتولى أمر المسلمين أن يتحسن أحوالهم، ويعرف الفضل لأهله، ويرعى من يحتاج إلى رعاية منهم.
*****


المناقشة
1-   بيَّن الحكمة في:
أ) جعل صلاة العيد في الخلاء.
ب) خروج النساء لصلاة العيد.
2-   لا يتوقف نفع الصدقة على المتصدَّق عليه، بل يتعداه إلى المتصدَّق والمجتمع بأسره وضح ذلك.
3-   لما كان الرسول  صلى الله عليه وسلم  يكثر من حثِّ النساء على الصدقة؟
4-   علَّل لما يأتي:
أ‌)      أمر (عبدالله بن مسعود) زوجته أن تستفتي بَنْفسِها الرسول  صلى الله عليه وسلم  في أمر الصدقة على الزوج.
ب) طَلَبُ المرأتين من بلال أن يتولى عنهما سؤال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وألا يخبره باسميهما.
ج) كون الصدقة على الأقارب أكثر أجراً وثواباً.
د) استفسار الرسول  صلى الله عليه وسلم  عن المرأتين.
هـ) جواز صرف المرأة زكاتها إلى زوجها، وعدم جواز ذلك من الرجل إلى زوجته.
*****



([1]) ثبت ذلك عنه – صلى الله عليه وسلم – في صحيح البخاري وغيره من كتب السنة. والخلاء: الأرض الخالية كالصحراء. 
([2]) البخاري ومسلم في صحيحهما، واللفظ للبخاري. 
([3]) البخاري في صحيحه. 
([4]) هي: "زينب بنت معاوية"، وقيل: بنت أبي معاوية، صحابية جليلة، وهي زوجة "عبد الله بن مسعود" الصحابي المشهور.
([5]) البخاري في صحيحه.
([6]) البخاري ومسلم في صحيحهما.
([7]) سورة الروم – الآية 38 .
([8]) سورة آل عمران – الآية 92 .
([9]) بستان من أفضل بساتين المدينة.
([10]) كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء.
([11]) البخاري ومسلم في صحيحهما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق