الأحد، 26 فبراير 2017

تفسير سورة الملك



"سورة الملك"
ورقمها في المصحف (67) – وهي مكية (نزلت قبل الهجرة) – وعدد آياتها (ثلاثون) آية.  

من أسمائها:
"الْمُنْجِيَة" - "الْمَانِعَة" - "الْمُجَادِلَة" - "الواقية"
لأنها تنجي وتمنع وتقي صاحبها من النار، وتجادل عنه الملائكة حتى لا يعذب.

فضلها:
أحاديث وإخبار عن النبي (صلى الله عليه وسلم):
·       "إِنَّ سُورَة فِي الْقُرْآن ثَلَاثِينَ آيَة شَفَعَتْ لِصَاحِبِهَا حَتَّى غُفِرَ لَهُ: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْك".  
·       "سُورَة فِي الْقُرْآن خَاصَمَتْ عَنْ صَاحِبهَا حَتَّى أَدْخَلَتْهُ الْجَنَّة: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْك".  
·       أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَنَام حَتَّى يَقْرَأ الم تَنْزِيل وَتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْك - يَفْضُلَانِ كُلّ سُورَة فِي الْقُرْآن بِسَبْعِينَ حَسَنَة.([1])  

أسباب نزول السورة:
       (لا يوجد).
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

{1} تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
معاني الكلمات:
"تَبَارَكَ": صيغة (تفاعل) من "البركة"، وفيها قولان:
-        قيل: تقدّس.
-        وقيل: دام، فهو الدائم الذي لا أوّل لوجوده ولا آخر لدوامه.
"بِيَدِهِ الْمُلْك": أَيْ هُوَ الْمُتَصَرِّف فِي جَمِيع الْمَخْلُوقَات بِمَا يَشَاء، لا معقب لحكمه.
"وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ": أي وهو على إيجاد كل ممكن - وإعدامه - قدير.
التفسير:
يُمَجِّد تَعَالَى نَفْسه الْكَرِيمَة - وَيُخْبِر أَنَّهُ بِيَدِهِ الْمُلْك أَيْ: هُوَ الْمُتَصَرِّف فِي جَمِيع الْمَخْلُوقَات بِمَا يَشَاء لَا مُعَقِّب لِحُكْمِهِ وَلَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل لِقَهْرِهِ وَحِكْمَته وَعَدْله، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: "وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير".
من فوائد الآية:([2])  
1-   تقرير ربوبية الله تعالى بعرض دلائل القدرة والعلم والحكمة والخير والبركة، وهي موجبة لألوهيته أي عبادته دون من سواه عز وجل.
2-   لله ملك السموات والأرض في الدنيا والاَخرة، يُعِزّ من يشاء ويُذِلّ من يشاء, ويُحيي ويميت, ويُغني ويفقِر, ويُعطي ويمنع.
3-   (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [ سورة يس – الآية 83].
4-   (قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) [سورة المؤمنون - الآية 88 و 89].
5-   (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ) [سورة آل عمران – الآية 26 و 27].  
والآيات في هذا المعني كثيرة ومنتشرة في القرآن الكريم.

{2} الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ.
معاني الكلمات:
"خَلَقَ": أَوْجَدَ الْخَلَائِق مِنْ الْعَدَم.
{الذي خلق الموت والحياة}: أي أوجد الموت والحياة، فكل حيّ هو بالحياة التي خلق الله، وكل ميت هو بالموت الذي خلق الله.
"لِيَبْلُوَكُمْ": ليَخْتَبِركُمْ.
{ليبلوكم أيكم أحسن عملا}: أي أحياكم ليختبركم أيكم يكون أحسن عملاً، ثم يميتكم ويحييكم ليجزيكم.
"وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ": أي وهو العزيز الغالب على ما يريده، الغفور العظيم المغفرة للتائبين.
{وَهُوَ الْعَزِيزُ} في انتقامه ممن عصاه، {الْغَفُورُ} لمن تاب.
التفسير:
قَالَ تَعَالَى: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْت وَالْحَيَاة"، وَمَعْنَى الْآيَة أَنَّهُ: أَوْجَدَ الْخَلَائِق مِنْ الْعَدَم "لِيَبْلُوَهُمْ" أَيْ: يَخْتَبِرهُمْ  "أَيّهمْ أَحْسَن عَمَلًا".
وَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة مَنْ قَالَ إِنَّ الْمَوْت "أَمْر وُجُودِيّ" لِأَنَّهُ مَخْلُوق.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: "كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ"، فَسَمَّى الْحَال الْأَوَّل وَهُوَ الْعَدَم "مَوْتًا"، وَسَمَّى هَذِهِ النَّشْأَة "حَيَاة"، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: "ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ".
(حديث): "إِنَّ اللَّه أَذَلَّ بَنِي آدَم بِالْمَوْتِ، وَجَعَلَ الدُّنْيَا دَار حَيَاة ثُمَّ دَار مَوْت، وَجَعَلَ الْآخِرَة دَار جَزَاء ثُمَّ دَار بَقَاء".
وَقَوْله تَعَالَى: "لِيَبْلُوَكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا" أَيْ خَيْر عَمَلًا، وَلَمْ يَقُلْ أَكْثَر عَمَلًا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: "وَهُوَ الْعَزِيز الْغَفُور" أَيْ: هُوَ الْعَزِيز الْعَظِيم الْمَنِيع الْجَنَاب، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ غَفُور لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ وَأَنَابَ بَعْدَمَا عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْره.
وَإِنْ كَانَ تَعَالَى عَزِيزًا هُوَ مَعَ ذَلِكَ يَغْفِر وَيَرْحَم وَيَصْفَح وَيَتَجَاوَز.
{وَهُوَ الْعَزِيزُ} في انتقامه ممن عصاه، {الْغَفُورُ} لمن تاب.
من فوائد الآية:
1-    بيان الحكمة من خلق الموت والحياة.
2-   الموت "مخلوق"، فهو ليس بعدم مَحْض ولا فناء صِرْف, وإنما هو انقطاع تعلّق الروح بالبدن ومفارقته, وحيلولةٌ بينهما, وتبدّلُ حال وانتقالٌ من دار إلى دار.
3-   (حديث): "إِنَّ اللَّه أَذَلَّ بَنِي آدَم بِالْمَوْتِ، وَجَعَلَ الدُّنْيَا دَار حَيَاة ثُمَّ دَار مَوْت، وَجَعَلَ الْآخِرَة دَار جَزَاء ثُمَّ دَار بَقَاء".
4-   أقوى الناس داعياً إلى العمل مَن نَصب موته بين عينيه. فيكون أكثرهم للموت ذكراً وأحسن استعداداً, وأحسن عملا: "أوْرع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله".

{3} الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ.
معاني الكلمات:
"طِبَاقًا": أَيْ طَبَقَة بَعْد طَبَقَة.
"تَفَاوُتٍ": اختلاف وتنافر – تباين وعدم تناسب. 
"فُطُور": فيها عدة أربعة أقوال:
-      قيل أَيْ: عَيْبًا أَوْ نَقْصًا أَوْ خَلَلًا.
-      وقيل أَيْ: شُقُوق.
-      وقيل أَيْ: خُرُوق. 
-      وقيل أَيْ: وَهَاء.([3])

التفسير:
 قَالَ تَعَالَى: "الَّذِي خَلَقَ سَبْع سَمَاوَات طِبَاقًا" أَيْ طَبَقَة بَعْد طَبَقَة.
وَهَلْ هُنَّ مُتَوَاصِلَات بِمَعْنَى أَنَّهُنَّ عُلْوِيَّات بَعْضهمْ عَلَى بَعْض، أَوْ مُتَفَاصِلَات بَيْنهنَّ خَلَاء؟ فِيهِ قَوْلَانِ: أَصَحّهمَا الثَّانِي؛ كَمَا دَلَّ ذَلِكَ حَدِيث الْإِسْرَاء والمعراج (حيث عُرِجَ بالنبي صل الله عليه وسلم إلى السموات السبع، سماء بعد سماء). 
وَقَوْله تَعَالَى: "مَا تَرَى فِي خَلْق الرَّحْمَن مِنْ تَفَاوُت" أَيْ: بَلْ هُوَ مُصْطَحِب مُسْتَوٍ لَيْسَ فِيهِ اِخْتِلَاف وَلَا تَنَافُر وَلَا مَخَالفَة وَلَا نَقْص وَلَا عَيْب وَلَا خَلَل.
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: "فَارْجِعْ الْبَصَر هَلْ تَرَى مِنْ فُطُور" أَيْ اُنْظُرْ إِلَى السَّمَاء هَلْ تَرَى فِيهَا عَيْبًا أَوْ نَقْصًا أَوْ خَلَلًا أَوْ فُطُورًا يَا اِبْن آدَم؟.
من فوائد الآية:
1-   تقرير ربوبية الله تعالى بعرض دلائل القدرة والعلم والحكمة والخير والبركة، وهي موجبة لألوهيته أي عبادته دون من سواه عز وجل.
2-   النظر إلى مخلوقات الله، والاعتبار بها، والتفكر فيها وفي قدرة خالقها.

{4} ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ.
معاني الكلمات:
"انْقَلَبَ" أَيْ: رَجَعَ.
"كَرَّتَيْنِ" أَيْ: مَرَّتَيْنِ.
"خَاسِئًا": فيه قولان:
-          قيل أَيْ: ذَلِيلًا.  
-          وقيل أَيْ: صَاغِرًا.
"وَهُوَ حَسِير": فيه قولان:
-          قيل أَيْ: كَلِيل.  
-          وقيل: الْمُنْقَطِع مِنْ الْإِعْيَاء.

التفسير:
وَقَوْله تَعَالَى: "ثُمَّ اِرْجِعْ الْبَصَر كَرَّتَيْنِ" أَيْ: مَرَّتَيْنِ، "يَنْقَلِب إِلَيْك الْبَصَر خَاسِئًا" أَيْ: ذَلِيلًا أو صَاغِرًا، "وَهُوَ حَسِير" أَيْ: كَلِيل أو الْمُنْقَطِع مِنْ الْإِعْيَاء.
وَمَعْنَى الْآيَة إِنَّك لَوْ كَرَرْت الْبَصَر - مَهْمَا كَرَرْت - لَانْقَلَبَ إِلَيْك أَيْ لَرَجَعَ إِلَيْك الْبَصَر "خَاسِئًا" عَنْ أَنْ يَرَى عَيْبًا أَوْ خَلَلًا، "وَهُوَ حَسِير" أَيْ كَلِيل قَدْ اِنْقَطَعَ مِنْ الْإِعْيَاء مِنْ كَثْرَة التَّكَرُّر وَلَا يَرَى نَقْصًا.
من فوائد الآية:
1-   إن الله (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) [سورة السجدة – الآية 7].

{5} وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ.  
معاني الكلمات:
"زَيَّنَّ": حَسَّنَ وجَمَّلَ.([4])  
"بِمَصَابِيح": وَهِيَ الْكَوَاكِب (والنجوم المُضيئة كالمصابيح)، والمصابيح جمع مصباح، وهو السراج.([5])
"رجوماً": أي مراجم، جمع مرجم، وهو ما يرجم به، أي يُرمَى.
"وأعتدنا لهم عذاب السعير": أي وهيأنا لهم عذاب النار المسعرة الشديدة الاتقاد.
التفسير:
وَلَمَّا نَفَى عَنْهَا فِي خَلْقهَا النَّقْص، بَيَّنَ كَمَالَهَا وَزِينَتهَا فَقَالَ: "وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيح" وَهِيَ الْكَوَاكِب الَّتِي وُضِعَتْ فِيهَا، مِنْ: السَّيَّارَات وَالثَّوَابِت.
وَقَوْله تَعَالَى: "وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ" عَادَ الضَّمِير فِي قَوْله "وَجَعَلْنَاهَا" عَلَى "جِنْس" الْمَصَابِيح لَا عَلَى "عَيْنهَا" لِأَنَّهُ لَا يَرْمِي بِالْكَوَاكِبِ الَّتِي فِي السَّمَاء بَلْ بِشُهُبٍ مِنْ دُونهَا، وَقَدْ تَكُون مُسْتَمَدَّة مِنْهَا وَاَللَّه أَعْلَم.([6])
وَقَوْله تَعَالَى: "وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاب السَّعِير" أَيْ جَعَلْنَا لِلشَّيَاطِينِ هَذَا الْخِزْي فِي الدُّنْيَا، وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاب السَّعِير فِي الْأُخْرَى. كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي أَوَّل الصَّافَّات: "إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِب وَحِفْظًا مِنْ كُلّ شَيْطَان مَارِد لَا يَسْمَعُونَ إِلَى الْمَلَأ الْأَعْلَى وَيَقْذِفُونَ مِنْ كُلّ جَانِب دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَاب وَاصِب إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَة فَأَتْبَعَهُ شِهَاب ثَاقِب".   
قَالَ قَتَادَة: إِنَّمَا خَلَقْت هَذِهِ النُّجُوم لِثَلَاثِ خِصَال: خَلَقَهَا اللَّه زِينَة لِلسَّمَاءِ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلَامَات يُهْتَدَى بِهَا؛ فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا غَيْر ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ بِرَأْيِهِ وَأَخْطَأَ حَظّه وَأَضَاعَ نَصِيبه وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْم لَهُ بِهِ.([7])  
من فوائد الآية:
1-   بيان الحكمة من خلق النجوم وهي: أن الله جل ثناؤه إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال: "زينة لسماء الدنيا"، و "رجوماً للشياطين"، و "علامات يهتدى بها" (في البر، والبحر، والأوقات).

{6} وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
معاني الكلمات:
"كفروا بربهم": أي جحدوا ألوهيته ولقاءه، فلم يؤمنوا به ولم يعبدوه.
التفسير:
يَقُول تَعَالَى: "وَأَعْتَدْنَا لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَاب جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمَصِير" أَيْ بِئْسَ الْمَآل وَالْمُنْقَلَب.
من فوائد الآية:
1-   تقرير عقيدة البعث والجزاء، ببيان ما يجري في جهنم من عذاب وعقاب.
2-   بيان أن تكذيب الرسل كفر موجب للعذاب، وتكذيب العلماء كتكذيب الرسل بعدهم، أي في وجوب العذاب المترتب على ترك طاعة الله ورسوله.


{7} إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ.
معاني الكلمات:
"إذا ألقوا فيها": أي في جهنم، ألقتهم الملائكة فيها، وذلك يوم القيامة.
"سمعوا لها شهيقاً": أي سمعوا لجهنم صياحاً وصوتاً مُنكراً مُزعجاً.
"وهي تفور": أي تغلي.
التفسير:
"إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا" يَعْنِي الصِّيَاح، "وَهِيَ تَفُور" تَغْلِي بِهِمْ، كَمَا يَغْلِي الْحَبّ الْقَلِيل فِي الْمَاء الْكَثِير.([8])
من فوائد الآية:
1-   تقرير عقيدة البعث والجزاء، ببيان ما يجري في جهنم من عذاب وعقاب.

{8} تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ.
معاني الكلمات:
"تكاد تميز من الغيظ": أي تكاد تتقطع وتتفرّق وينفصل بعضها من بعض من شدة الغيظ غضباً على الكفار أعداء الله تعالى.
"كُلّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ": أي جماعة (من الكفار).
"سألهم خزنتها": سؤال على جهة التوبيخ والتقريع والتأنيب.
"ألم يأتكم نذير": أي رسول في الدنيا ينذركم عذاب هذا اليوم حتى تحذروه.
التفسير:
وَقَوْله تَعَالَى: "تَكَاد تَمَيَّز مِنْ الْغَيْظ" أَيْ يَكَاد يَنْفَصِل بَعْضهَا مِنْ بَعْض مِنْ شِدَّة غَيْظهَا عَلَيْهِمْ وَحَنَقهَا بِهِمْ، "كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْج سَأَلَهُمْ خَزَنَتهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِير".([9])
من فوائد الآية:
1-   إن المؤمن الحق، يتتبع الله فيما يغضب منه وفيما يرضى به، فيغضب المؤمن مما يُغضب الله، ويرضى المؤمن بما يرضى الله به.

{9} قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ.
معاني الكلمات:
"وقلنا ما نزل الله من شيء": أي كذبنا الرسل، وقلنا لهم: ما نزل الله مما تقولون لنا من شيء.
"إن أنتم إلا في ضلال كبير": أي ما أنتم أيها الرُسل إلا في ضلال كبير أي خطأ عقلي وتصور نفسي باطل.
التفسير:
يَذْكُر تَعَالَى عَدْله فِي خَلْقه وَأَنَّهُ لَا يُعَذِّب أَحَدًا إِلَّا بَعْد قِيَام الْحُجَّة عَلَيْهِ وَإِرْسَال الرَّسُول إِلَيْهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولًا".
وَقَالَ تَعَالَى: "حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُل مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَات رَبّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَة الْعَذَاب عَلَى الْكَافِرِينَ".
وَهَكَذَا عَادُوا عَلَى أَنْفُسهمْ بِالْمَلَامَةِ وَنَدِمُوا حَيْثُ لَا تَنْفَعهُمْ النَّدَامَة.
من فوائد الآية:
1-   بيان أن تكذيب الرسل كفر موجب للعذاب، وتكذيب العلماء كتكذيب الرسل بعدهم أي في وجوب العذاب المترتب على ترك طاعة الله ورسوله.

{10} وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ.
معاني الكلمات:
"لو كنا نسمع أو نعقل": أي وبخوا أنفسهم بأنفسهم وقالوا لو كنا في الدنيا نسمع أو نعقل لآمنا وعبدنا الله وما كنا اليوم في أصحاب السعير.
التفسير:
فَقَالُوا: "لَوْ كُنَّا نَسْمَع أَوْ نَعْقِل مَا كُنَّا فِي أَصْحَاب السَّعِير" أَيْ لَوْ كَانَتْ لَنَا عُقُول نَنْتَفِع بِهَا أَوْ نَسْمَع مَا أَنْزَلَهُ اللَّه مِنْ الْحَقّ لِمَا كُنَّا عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ وَالِاغْتِرَار بِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ لَنَا فَهْم نَعْي بِهِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُل وَلَا كَانَ لَنَا عَقْل يُرْشِدنَا إِلَى اِتِّبَاعهمْ.
من فوائد الآية:
1-   تقرير أن الكافر – في الدنيا – لا يسمع ولا يعقل، أي سماعاً ينفعه وعقلاً عن المهالك، باعتراف أهل النار – في الدار الآخرة – إذ قالوا: "لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير".
2-   وإن الكافر لا يسمع الهدي سماع من يَعي ويفكّر, ولا يعقل عقْلَ من يميّز وينظر. ودلّ هذا على أن الكافر لم يُعْطَ من العقل شيئا.

{11} فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ.
معاني الكلمات:
"فاعترفوا": أي أقروا.
"فسحقاً": أي بُعداً بُعداً من رحمة الله.
"السعير": من أسماء جهنم.
التفسير:
قَالَ اللَّه تَعَالَى: "فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِير".
(حديث): "لَنْ يَهْلِك النَّاس حَتَّى يُعْذَرُوا مِنْ أَنْفُسهمْ".([10])  
(وَفِي حَدِيث آخَر): "لَا يَدْخُل أَحَد النَّار إِلَّا وَهُوَ يَعْلَم أَنَّ النَّار أَوْلَى بِهِ مِنْ الْجَنَّة".
من فوائد الآية:
1-   إن الدنيا دار عمل ولا جزاء، والآخرة دار جزاء ولا عمل، حيث إن الكافر – يوم القيامة – يعترف بذنبه ويقر به ويندم عليه، ولكن حيث لا ينفع الدم.
بينما ندم المؤمن على ذنبه في الحياة الدنيا ينفعه، فكما جاء في الحديث: "الندم توبة - والتائب من الذنب كمن لا ذنب له".([11])   

{12} إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ.
معاني الكلمات:
"يخشون ربهم بالغيب": أي يخافونه وهم غائبون عن أعين الناس، فلا يعصونه.
"لهم مغفرة وأجر كبير": أي مغفرة لذنوبهم، وأجر كبير (هو الجنة).
التفسير:
يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَمَّنْ يَخَاف مَقَام رَبّه فِيمَا بَيْنه وَبَيْنه إِذَا كَانَ غَائِبًا عَنْ النَّاس فَيَنْكَفّ عَنْ الْمَعَاصِي وَيَقُوم بِالطَّاعَاتِ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَد إِلَّا اللَّه تَعَالَى بِأَنَّهُ لَهُ مَغْفِرَة وَأَجْر كَبِير، أَيْ تُكَفَّر عَنْهُ ذُنُوبه وَيُجَازَى بِالثَّوَابِ الْجَزِيل.([12])
(حديث): "سَبْعَة يُظِلّهُمْ اللَّه تَعَالَى فِي ظِلّ عَرْشه، يَوْم لَا ظِلّ إِلَّا ظِلّه"، فَذَكَرَ مِنْهُمْ رَجُلًا دَعَتْهُ اِمْرَأَة ذَات مَنْصِب وَجَمَال فَقَالَ إِنِّي أَخَاف اللَّه، وَرَجُلًا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَم شِمَاله مَا تُنْفِق يَمِينه.([13])  
من فوائد الآية:
1-   فضيلة الإيمان بالغيب، ومراقبة الله تعالى في السر والعلن.



{13} وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ.
معاني الكلمات:
"أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ": أي اخفوه.([14])
"اجْهَرُوا بِهِ": أي اعلنوه، وأرفعوا أصواتكم به.([15])
"بِذَاتِ الصُّدُورِ": بما يخطر في القلب.([16])
التفسير:
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى - مُنَبِّهًا عَلَى أَنَّهُ مُطَّلِع عَلَى الضَّمَائِر وَالسَّرَائِر - "وَأَسِرُّوا قَوْلكُمْ أَوْ اِجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور"، أَيْ بِمَا يَخْطُر فِي الْقُلُوب.([17])  
سبب نزول الآية:
قيل في سبب نزول الآية، عن ابن عباس إنها: نزلت في المشركين كانوا ينالون من النبيّ صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل عليه السلام، فقال بعضهم لبعض: أسِرّوا قولكم كي لا يسمع ربّ محمد فنزلت: {وَأَسِرّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ}. يعني: أسِرّوا قولكم في أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل في سائر الأقوال.([18])
من فوائد الآية:
1-   إن سر الإنسان وجهره وخطرات قلبه، وخواطر نفسه، سواءً عند الله. فالله يعلم السر، كما يعلم الجهر، كما يعلم ما تُكِنُّ صدور الناس وما يطرأ على خطرات قلوبهم وخواطر أنفسهم. ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ) [سورة النمل – الآية 74]؛ وقوله تعالى: (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ) [سورة القصص – الآية 69].

{14} أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.
معاني الكلمات:
"أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ": أي كيف لا يعلم سركم كما يعلم جهركم وهو الخالق لكم، فالخالق يعرف مخلوقه.
"وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ": أي بعباده، الخبير بهم وبأعمالهم.
التفسير:
"أَلَا يَعْلَم مَنْ خَلَقَ"، وفيها قولان:
-        الأول: أَيْ أَلَا يَعْلَم الْخَالِق؟ ([19])  
-        والثاني: وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَلَا يَعْلَم اللَّه مَخْلُوقه؟
وَالْأَوَّل أَوْلَى، لِقَوْلِهِ "وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير".
من فوائد الآية:
1-   إن الله هو الخالق، وهو يعلم من خلق، و (لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) [ سورة مريم – الآية 94 و 95].

{15} هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ.
معاني الكلمات:
"ذلولاً": أي سهلة للمشي والسير عليها.
"فامشوا في مناكبها": وفيها قولان:
-        الأول: أي في جوانبها ونواحيها
-        والثاني: الجبال.
"وإليه النشور": أي إليه وحده مهمة نشركم - أي أحياءكم - من قبوركم للحساب والجزاء.
التفسير:
ذَكَرَ الله نِعْمَته عَلَى خَلْقه فِي تَسْخِيره لَهُمْ الْأَرْض وَتَذْلِيله إِيَّاهَا لَهُمْ بِأَنْ جَعَلَهَا قَارَّة سَاكِنَة لَا تَمِيد وَلَا تَضْطَرِب بِمَا جَعَلَ فِيهَا مِنْ الْجِبَال وَأَنْبَعَ فِيهَا مِنْ الْعُيُون وَسَلَكَ فِيهَا مِنْ السُّبُل وَهَيَّأَ فِيهَا مِنْ الْمَنَافِع وَمَوَاضِع الزُّرُوع وَالثِّمَار.
فقَالَ تَعَالَى "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبهَا" أَيْ فَسَافِرُوا حَيْثُ شِئْتُمْ مِنْ أَقْطَارهَا وَتَرَدَّدُوا فِي أَقَالِيمهَا وَأَرْجَائِهَا فِي أَنْوَاع الْمَكَاسِب وَالتِّجَارَات وَاعْلَمُوا أَنَّ سَعْيكُمْ لَا يُجْدِي عَلَيْكُمْ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يُيَسِّرهُ اللَّه لَكُمْ.
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى "وَكُلُوا مِنْ رِزْقه" فَالسَّعْي فِي السَّبَب لَا يُنَافِي التَّوَكُّل، وفي الحديث: "لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّه حَقّ تَوَكُّله لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُق الطَّيْر تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوح بِطَانًا"([20])، فَأَثْبَتَ لَهَا رَوَاحًا وَغُدُوًّا لِطَلَبِ الرِّزْق مَعَ تَوَكُّلهَا عَلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ الْمُسَخِّر الْمُسَيِّر الْمُسَبِّب.
"وَإِلَيْهِ النُّشُور" أَيْ الْمَرْجِع يَوْم الْقِيَامَة.  
قيل "مَنَاكِبهَا": أي أَطْرَافهَا وَفِجَاجهَا وَنَوَاحِيهَا.
وقيل أَيْضًا "مَنَاكِبهَا": أي الْجِبَال.
قَرَأَ بَشِير بْن كَعْب هَذِهِ الْآيَة "فَامْشُوا فِي مَنَاكِبهَا" فَقَالَ لِأُمِّ وَلَد لَهُ: إِنْ عَلِمْت مَا مَنَاكِبهَا فَأَنْتِ عَتِيقَة. فَقَالَتْ: هِيَ الْجِبَال. فَسَأَلَ أَبَا الدَّرْدَاء، فَقَالَ: هِيَ الْجِبَال. (فأصبحت حرة).([21])   
من فوائد الآية:
1-   مشروعية السير في الأرض لطلب الرزق من التجارة والفلاحة وغيرهما.
2-   إن السعي في السبب، لا ينافي التوكل الحق.
3-   إن الذي خلق السماء لا تفاوت فيها، وجعل الأرض ذلولا، لقادر على البعث والنشور والأحياء بعد الموت.

{16} أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ.
معاني الكلمات:
"أن يخسف بكم الأرض": أي يجعلها بحيث تغورون فيها وتصبحون في جوفها.
"فإذا هي تمور": أي تتحرك (تذهب وتجئ) وتضطرب، حتى يتم الخسف بكم.
التفسير:
وَهَذَا أَيْضًا مِنْ لُطْفه وَرَحْمَته بِخَلْقِهِ أَنَّهُ قَادِر عَلَى تَعْذِيبهمْ بِسَبَبِ كُفْر بَعْضهمْ بِهِ وَعِبَادَتهمْ مَعَهُ غَيْره وَهُوَ مَعَ هَذَا يَحْلُم وَيَصْفَح وَيُؤَجِّل وَلَا يُعَجِّل كَمَا قَالَ تَعَالَى "وَلَوْ يُؤَاخِذ اللَّه النَّاس بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرهَا مِنْ دَابَّة وَلَكِنْ يُؤَخِّرهُمْ إِلَى أَجَل مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلهمْ فَإِنَّ اللَّه كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا"، وَقَالَ هَهُنَا "أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء أَنْ يَخْسِف بِكُمْ الْأَرْض فَإِذَا هِيَ تَمُور" أَيْ تَذْهَب وَتَجِيء وَتَضْطَرِب.([22])  
من فوائد الآية:
1-  تحذير المعرضين عن الله وإنذارهم بسوء العواقب إن استمروا على إعراضهم فإن الله قادر على أن يخسف بهم الأرض أو يرسل عليهم حاصباً من السماء وليس هناك من يؤمنهم ويجيرهم بحال من الأحوال، إلا إيمانهم وإسلامهم لله عز وجل.

{17} أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ.
معاني الكلمات:
"أن يرسل عليكم حاصباً": أي ريحاً عاصفاً ترميكم بالحصباء فتهلكون.
"كيف نذير": أي كان عاقبة انذاري لكم بالعذاب على ألسنة رسلي.
التفسير:
"أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء أَنْ يُرْسِل عَلَيْكُمْ حَاصِبًا" أَيْ رِيحًا فِيهَا حَصْبَاء تَدْمَغكُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: "أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِف بِكُمْ جَانِب الْبَرّ أَوْ يُرْسِل عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا"، وَهَكَذَا تَوَعَّدَهُمْ هَهُنَا بِقَوْلِهِ "فَسَتَعْلَمُونَ كَيْف نَذِير" أَيْ كَيْف يَكُون إِنْذَارِي وَعَاقِبَة مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ وَكَذَّبَ بِهِ.
من فوائد الآية:
1- تحذير المعرضين عند الله وإنذارهم بسوء العواقب إن استمروا على إعراضهم، فإن الله قادر على أن يخسف بهم الأرض أو يرسل عليهم حاصباً من السماء، وليس هناك من يؤمنهم ويجيرهم بحال من الأحوال. إلا إيمانهم وإسلامهم لله عز وجل.

{18} وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ.
معاني الكلمات:
"الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ": كفار الأمم السالفة والقرون الخالية.
"فَكَيْفَ كَانَ نَكِير": أي إنكاري عليهم الكفر والتكذيب، والجواب كان إنكاراً حقاً واقعاً موقعه؛ ومعاقبتي لهم عقاباً شديداً أليماً.  
التفسير:
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى "وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ" أَيْ مِنْ الْأُمَم السَّالِفَة وَالْقُرُون الْخَالِيَة([23]) "فَكَيْف كَانَ نَكِير" أَيْ فَكَيْف كَانَ إِنْكَارِي عَلَيْهِمْ وَمُعَاقَبَتِي لَهُمْ؟ أَيْ عَظِيمًا شَدِيدًا أَلِيمًا.

من فوائد الآية:
1-   في الهالكين الأولين عبر وعظات، لمن له قلب حي، وعقل يعقل به.

{19} أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ.
معاني الكلمات:
"صآفات": أي باسطات أجنحتها.
"ويقبضن": أي ويمسكن أجنحتهن.
"ما يمسكهن إلا الرحمن": أي حتى لا يسقطن على الأرض حال البسط للأجنحة والقبض لها.
التفسير:
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى "أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْر فَوْقهمْ صَافَّات وَيَقْبِضْنَ" أَيْ تَارَة يَصْفُفْنَ أَجْنِحَتهنَّ فِي الْهَوَاء وَتَارَة تَجْمَع جَنَاحًا وَتَنْشُر جَنَاحًا "مَا يُمْسِكهُنَّ" أَيْ فِي الْجَوّ "إِلَّا الرَّحْمَن" أَيْ بِمَا سَخَّرَ لَهُنَّ مِنْ الْهَوَاء مِنْ رَحْمَته وَلُطْفه "إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْء بَصِير" أَيْ بِمَا يُصْلِح كُلّ شَيْء مِنْ مَخْلُوقَاته وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى "أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْر مُسَخَّرَات فِي جَوّ السَّمَاء مَا يُمْسِكهُنَّ إِلَّا اللَّه إِنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ".
من فوائد الآية:
1-   من آيات الله في الآفاق الدالة على قدرة الله وعلمه ورحمته الموجبة لعبادته وحده طيران الطير في السماء وهو يبسط جناحيه ويقبضهما ولا يسقط إذ المفروض أن يبقى دائماً يخفق بجناحيه يدفع نفسه فيطير بمساعدة الهواء أما إن قبض أو بسط المفروض أنه يسقط ولكن الرحمن عز وجل يمسكه فلا يسقط.

{20} أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ.
معاني الكلمات:
"جند لكم": أي أعوان لكم.
"من دون الرحمن": أي غيره تعالى يدفع عنكم عذابه.
"إن الكافرون": أي ما الكافرون.
"إلا في غرور": غرهم الشيطان بأن لا عذاب ينزل بهم.
التفسير:
يَقُول تَعَالَى لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَبَدُوا مَعَهُ غَيْره يَبْتَغُونَ عِنْدهمْ نَصْرًا وَرِزْقًا، مُنْكَرًا عَلَيْهِمْ فِيمَا اِعْتَقَدُوهُ وَمُخْبِرًا لَهُمْ أَنَّهُ لَا يَحْصُل لَهُمْ مَا أَمَّلُوهُ، فَقَالَ تَعَالَى "أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْد لَكُمْ يَنْصُركُمْ مِنْ دُون الرَّحْمَن" أَيْ لَيْسَ لَكُمْ مِنْ دُونه مِنْ وَلِيّ وَلَا وَاقٍ وَلَا نَاصِر لَكُمْ غَيْره، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى "إِنْ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُور"([24]).
من فوائد الآية:
1-   إن الكافرين غرهم الشيطان، فابتغوا النصر والعزة من لدن غير الله، وأنساهم إنما النصر من عند الله. 

{21} أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ.
معاني الكلمات:
"إن أمسك رزقه": أي إن أمسك الرحمن رزقه؟ لا أحد غير الله يرسله.
(لجوا): استمروا في الطغيان.
(عتو): المعاندة والاستكبار.
(نفور) تباعد عن الحق.([25])  
"بل لجوا في عتو ونفور": أي أنهم لم يتأثروا بذلك التبكيت، بل استمروا وتمادوا في التكبر والعناد، والتباعد عن الحق والنفور منه.
التفسير:
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى "أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقه" أَيْ مَنْ هَذَا الَّذِي إِذَا قَطَعَ اللَّه عَنْكُمْ رِزْقه يَرْزُقكُمْ بَعْده؟ أَيْ لَا أَحَد يُعْطِي وَيَمْنَع وَيَخْلُق وَيَرْزُق وَيَنْصُر إِلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ أَيْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَمَعَ هَذَا يَعْبُدُونَ غَيْره وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى "بَلْ لَجُّوا" أَيْ اِسْتَمَرُّوا فِي طُغْيَانهمْ وَإِفْكهمْ وَضَلَالهمْ "فِي عُتُوّ وَنُفُور" أَيْ فِي مُعَانَدَة وَاسْتِكْبَار وَنُفُور عَلَى إِدْبَارهمْ عَنْ الْحَقّ لَا يَسْمَعُونَ لَهُ وَلَا يَتَّبِعُونَهُ.
من فوائد الآية:
1-   إن من ختم الله على قلبه من الكفار، فإن ما بداخله من كفر لا يخرج، وما بخارجه من إيمان لا ينفذ إلى قلبه، فهو رغم علمه بأن الله هو الخالق الرزاق يستمر في عتو وطغيان ونفور من الحق، فلا يسمعون للحق سمع من يعقل، ولا يتبعون سبيل الرشاد.

{22} أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
معاني الكلمات:
"أفمن يمشي مكباً": أي واقعاً على وجهه.
"أمن يمشي سوياً": أي مستقيماً.
"عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم": أَيْ عَلَى طَرِيق وَاضِح بَيِّن.
التفسير:
وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِر، فَالْكَافِر مَثَله فِيمَا هُوَ فِيهِ كَمَثَلِ مَنْ يَمْشِي مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهه أَيْ يَمْشِي مُنْحَنِيًا لَا مُسْتَوِيًا. "عَلَى وَجْهه": أَيْ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَسْلُك وَلَا كَيْف يَذْهَب بَلْ تَائِه حَائِر ضَالّ. أَهَذَا أَهْدَى "أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا" أَيْ مُنْتَصِب الْقَامَة "عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم" أَيْ عَلَى طَرِيق وَاضِح بَيِّن وَهُوَ فِي نَفْسه مُسْتَقِيم وَطَرِيقه مُسْتَقِيمَة؟ هَذَا مَثَلهمْ فِي الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ يَكُونُونَ فِي الْآخِرَة فَالْمُؤْمِن يُحْشَر يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم مُفْضٍ بِهِ إِلَى الْجَنَّة الْفَيْحَاء، وَأَمَّا الْكَافِر فَإِنَّهُ يُحْشَر يَمْشِي عَلَى وَجْهه إِلَى نَار جَهَنَّم "اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجهمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاط الْجَحِيم" (الْآيَات). "أَزْوَاجهمْ": أي أَشْبَاههمْ.
(حديث): قَالَ الْإِمَام أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّه حَدَّثَنَا اِبْن نُمَيْر حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل عَنْ نُفَيْع قَالَ: سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول: قِيلَ يَا رَسُول اللَّه كَيْف يُحْشَر النَّاس عَلَى وُجُوههمْ؟ فَقَالَ "أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَرْجُلهمْ قَادِر عَلَى أَنْ يُمْشِيهِمْ عَلَى وُجُوههمْ؟". وَهَذَا الْحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ.([26])  
من فوائد الآية:
1-   المؤمن يمشي على صراط مستقيم، والكافر يتخبط في طريقه، لا يهتدي إلى الإيمان الحق.
2-  إن الله الذي أمشى الناس على أرجلهم في الدنيا، قادر على أن يمشي الكفار على وجوههم في الآخرة.

{23} قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ.
معاني الكلمات:
"هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ": أَيْ اِبْتَدَأَ خَلْقكُمْ بَعْد أَنْ لَمْ تَكُونُوا شَيْئًا مَذْكُورًا.
"والأفئدة": أي القلوب.
"قليلاً ما تشكرون": أي شكركم قليل، فقَلَّمَا تَسْتَعْمِلُونَ هَذِهِ الْقُوَى الَّتِي أَنْعَمَ اللَّه بِهَا عَلَيْكُمْ فِي طَاعَته وَامْتِثَال أَوَامِره وَتَرْك زَوَاجِره.
التفسير:
وَقَوْله تَعَالَى: "قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ" أَيْ اِبْتَدَأَ خَلْقكُمْ بَعْد أَنْ لَمْ تَكُونُوا شَيْئًا مَذْكُورًا، "وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة" أَيْ الْعُقُول وَالْإِدْرَاك، "قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ" أَيْ قَلَّمَا تَسْتَعْمِلُونَ هَذِهِ الْقُوَى الَّتِي أَنْعَمَ اللَّه بِهَا عَلَيْكُمْ فِي طَاعَته وَامْتِثَال أَوَامِره وَتَرْك زَوَاجِره.
من فوائد الآية:
1-   إن الله أسبغ نعمه ظاهرة وباطنة على الإنسان، ولكن قليلاً من عباده الشكور.

{24} قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ.
معاني الكلمات:
"ذرأكم في الأرض": أَيْ بَثَّكُمْ وَنَشَرَكُمْ فِي أَقْطَار الْأَرْض وَأَرْجَائِهَا.
"وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ": أَيْ تُجْمَعُونَ بَعْد هَذَا التَّفَرُّق وَالشَّتَات.
التفسير:
"قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْض" أَيْ بَثَّكُمْ وَنَشَرَكُمْ فِي أَقْطَار الْأَرْض وَأَرْجَائِهَا مَعَ اِخْتِلَاف أَلْسِنَتكُمْ فِي لُغَاتكُمْ وَأَلْوَانكُمْ وَحُلَاكُمْ وَأَشْكَالكُمْ وَصُوَركُمْ، "وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" أَيْ تُجْمَعُونَ بَعْد هَذَا التَّفَرُّق وَالشَّتَات يَجْمَعكُمْ كَمَا فَرَّقَكُمْ وَيُعِيدكُمْ كَمَا بَدَأَكُمْ.   
من فوائد الآية:
1-   تقرير عقيدة البعث والحشر.

{25} وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.
معاني الكلمات:
"متى هذا الوعد": أي الذي تعدوننا، وهو يوم القيامة.
التفسير:
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ الْكُفَّار الْمُنْكِرِينَ لِلْمَعَادِ الْمُسْتَبْعِدِينَ وُقُوعه: "وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ"؟ أَيْ مَتَى يَقَع هَذَا الَّذِي تُخْبِرنَا عنه (بِكَوْنِهِ مِنْ الِاجْتِمَاع بَعْد هَذَا التَّفَرُّق).
من فوائد الآية:
1-   تكذيب الكفار بالبعث والنشور، وعدم تصديقهم بذلك.

{26} قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ.
معاني الكلمات:
"قل إنما العلم عند الله": أي علم مجيئه عند الله لا غير.
"وَإِنَّمَا أَنَا نَذِير مُبِين": أَيْ وَإِنَّمَا عَلَيَّ الْبَلَاغ.
التفسير:
"قُلْ إِنَّمَا الْعِلْم عِنْد اللَّه" أَيْ لَا يَعْلَم وَقْت ذَلِكَ عَلَى التَّعْيِين إِلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَكِنَّهُ أَمَرَنِي أَنْ أُخْبِركُمْ أَنَّ هَذَا كَائِن وَوَاقِع لَا مَحَالَة فَاحْذَرُوهُ، "وَإِنَّمَا أَنَا نَذِير مُبِين" أَيْ وَإِنَّمَا عَلَيَّ الْبَلَاغ وَقَدْ أَدَّيْته إِلَيْكُمْ.
من فوائد الآية:
1-   لا يعلم وقت قيام الساعة إلا الله عز وجل. فلا يعلم وقتها لا ملك مقرب ولا نبي مرسل.
2-   ليس على الرسل إلا إبلاغ رسالة الله إلى خلقه، وتحذيرهم من عواقب كفرهم بالله وباليوم الآخر.

{27} فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ.
معاني الكلمات:
"فلما رأوه زلفة": أي لما رأوه العذاب قريباً منهم في عرصات القيامة.
"سيئت وجوه الذين كفروا": أي تغيرت مسودة.([27])
"هذا الذي كنتم به تدعون": أي هذا العذاب الذي كنتم بإنذاره تكذبون وتطالبون به وتستعجلونه تحدياً منكم.
التفسير:
قَالَ اللَّه تَعَالَى "فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَة سِيئَتْ وُجُوه الَّذِينَ كَفَرُوا" أَيْ لَمَّا قَامَتْ الْقِيَامَة وَشَاهَدَهَا الْكُفَّار وَرَأَوْا أَنَّ الْأَمْر كَانَ قَرِيبًا لِأَنَّ كُلّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ وَإِنْ طَالَ زَمَنُهُ، فَلَمَّا وَقَعَ مَا كَذَّبُوا بِهِ سَاءَهُمْ ذَلِكَ لِمَا يَعْلَمُونَ مَا لَهُمْ هُنَاكَ مِنْ الشَّرّ، أَيْ فَأَحَاطَ بِهِمْ ذَلِكَ وَجَاءَهُمْ مِنْ أَمْر اللَّه مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي بَال وَلَا حِسَاب "وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّه مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَات مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ"، وَلِهَذَا يُقَال لَهُمْ عَلَى وَجْه التَّقْرِيع وَالتَّوْبِيخ "هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ" أَيْ تَسْتَعْجِلُونَ.
من فوائد الآية:
1-   يوم القيامة تسود وجوه الكافرين.
2-   إن يوم القيامة قريب، لأن كل ما هو آت آت وإن طال زمنه.

{28} قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ.
معاني الكلمات:
"قل أرأيتم": أي أخبروني.
"ومن معي": أي من المؤمنين.
"أو رحمنا": أي لم يهلكنا.
"فمن يجير الكافرين": أي فمن يحفظ ويقي الكافرين العذاب.
التفسير:
يَقُول تَعَالَى "قُلْ" يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ الْجَاحِدِينَ لِنِعَمِهِ "أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّه وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِير الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَاب أَلِيم" أَيْ خَلِّصُوا أَنْفُسكُمْ فَإِنَّهُ لَا مُنْقِذ لَكُمْ مِنْ اللَّه إِلَّا التَّوْبَة وَالْإِنَابَة وَالرُّجُوع إِلَى دِينه وَلَا يَنْفَعكُمْ وُقُوع مَا تَتَمَنَّوْنَ لَنَا مِنْ الْعَذَاب وَالنَّكَال([28])، فَسَوَاء عَذَّبَنَا اللَّه أَوْ رَحِمَنَا فَلَا مَنَاص لَكُمْ مِنْ نَكَاله وَعَذَابه الْأَلِيم الْوَاقِع بِكُمْ.
من فوائد الآية:
1-    بيان ما كان عليه المشركون من عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنوا موته.

{29} قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.
معاني الكلمات:
"قل هو الرحمن": أي قل هو الرحمن الذي أدعوكم إلى عبادته.
التفسير:
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى "قُلْ هُوَ الرَّحْمَن آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا" أَيْ آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَن الرَّحِيم وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فِي جَمِيع أُمُورنَا كَمَا قَالَ تَعَالَى "فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ" وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى "فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَال مُبِين" أَيْ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَلِمَنْ تَكُون الْعَاقِبَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
من فوائد الآية:
1-   وجوب التوكل على الله عز وجل، بعد الإيمان. فالتوكل الحق هو من أجل العبادات القلبية.  

{30} قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ.
معاني الكلمات:
"إن أصبح ماؤكم غوراً": أي غائراً لا تناله الدلاء ولا تراه العيون.
"بماء معين": أي تراه وتعاينه العيون لجريانه ظاهراً على الأرض.
التفسير:
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى إِظْهَارًا لِلرَّحْمَةِ فِي خَلْقه "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا" أَيْ ذَاهِبًا فِي الْأَرْض إِلَى أَسْفَل فَلَا يُنَال بِالْفُؤُوسِ الْحِدَاد وَلَا السَّوَاعِد الشِّدَاد، وَالْغَائِر عَكْس النَّابِع وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى "فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِين" أَيْ نَابِع سَائِح جَارٍ عَلَى وَجْه الْأَرْض أَيْ لَا يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ إِلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَمِنْ فَضْله وَكَرَمه أَنْ أَنْبَعَ لَكُمْ الْمِيَاه وَأَجْرَاهَا فِي سَائِر أَقْطَار الْأَرْض بِحَسَبِ مَا يَحْتَاج الْعِبَاد إِلَيْهِ مِنْ الْقِلَّة وَالْكَثْرَة فَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة.
من فوائد الآية:
1-   مشروعية مجادلة الكفار ومقارعتهم بالحجج، لإحقاق الحق وإبطال الباطل.


آخِر تَفْسِير سُورَة الْمُلْك، وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة،،،
.....................................................................

هذا، والله أعلى وأعلم،،،


([1]) ورد في تفسير ابن كثير: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن عَمْرو بْن مَالِك النُّكْرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: ضَرَبَ بَعْض أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِبَاءَهُ عَلَى قَبْر وَهُوَ لَا يَحْسَب أَنَّهُ قَبْر فَإِذَا قَبْر إِنْسَان يَقْرَأ سُورَة الْمُلْك حَتَّى خَتَمَهَا. فَأَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه ضَرَبْت خِبَائِي عَلَى قَبْر وَأَنَا لَا أَحْسِب أَنَّهُ قَبْر فَإِذَا إِنْسَان يَقْرَأ سُورَة الْمُلْك: تَبَارَكَ حَتَّى خَتَمَهَا. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "هِيَ الْمَانِعَة هِيَ الْمُنْجِيَة تُنْجِيه مِنْ عَذَاب الْقَبْر". وهَذَا حَدِيث غَرِيب مِنْ هَذَا الْوَجْه.
       وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن عَجْلَان الْأَصْبَهَانِيّ حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن شَبِيب حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الْحَكَم بْن أَبَان عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوَدِدْت أَنَّهَا فِي قَلْب كُلّ إِنْسَان مِنْ أُمَّتِي" يَعْنِي تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْك. هَذَا حَدِيث غَرِيب وَإِبْرَاهِيم ضَعِيف وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْله فِي سُورَة يس. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيث عَبْد بْن حُمَيْد فِي مُسْنَده بِأَبْسَط مِنْ هَذَا فَقَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الْحَكَم عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ أَلَا أُتْحِفك بِحَدِيثٍ تَفْرَح بِهِ؟ قَالَ بَلَى قَالَ اِقْرَأْ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْك وَعَلِّمْهَا أَهْلك وَجَمِيع وَلَدك وَصِبْيَان بَيْتك وَجِيرَانك فَإِنَّهَا الْمُنْجِيَة وَالْمُجَادِلَة تُجَادِل أَوْ تُخَاصِم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّهَا لِقَارِئِهَا وَتَطْلُب لَهُ أَنْ يُنْجِيه مِنْ عَذَاب النَّار وَيُنْجِي بِهَا صَاحِبهَا مِنْ عَذَاب الْقَبْر، قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوَدِدْت أَنَّهَا فِي قَلْب كُلّ إِنْسَان مِنْ أُمَّتِي".
([2]) الكثير من فوائد الآيات الواردة في هذا التلخيص، مُقتبسة من كتاب: "أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير"، للشيخ/ أبو بكر الجزائري – مع بعض التصريف.
([3]) في المعجم الوسيط: (وَهَى) الرجلُ – يَهِى، وَهْيًا، ووُهِيًّا: حَمُق. و - ضعف. و - الحائط: تشقق وهَمَّ بالسقوط. و – الثَّوبُ: تخرَّق وانشقَّ. و – رباطُ الشيءِ: استرخى. 
([4]) "ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين" [سورة الحجر – الآية 16] و [سورة ق – الآية 6].
([5]) "تبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا"  [سورة الفرقان – الآية 61]. 
([6]) وجاء في تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن): وجعلناها، أي النجوم، رجوماً للشياطين، ترجم بها الملائكة شياطين الجن الذين يريدون استراق السمع من كلام الملائكة حتى لا يفتنوا الناس في الأرض عن دين الله عز وجل.
([7]) رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.
([8]) وقيل (في موضع آخر): الشّهِيق من الكفار عند إلقائهم في النار، (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) [سورة هود – الآية 106]
([9]) جاء في تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن): فجهنم وهي تغلي، تقرب أن تتقطع من الغيظ الذي هو شدة الغضب، وغضبها من غضب الرب مالكها، فلما غضب الجبار غضبت لغضبه، وكل مؤمن بالله عارف به يغضب لما يغضب له ربه، ويرضى بما يرضى به ربه. وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: "مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْماً فَإِنْ كَانَ إِثْماً كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ إِلاَ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".
([10]) رواه الإمام أحمد من حديث أبي البختر الطائي.
([11]) صححه وحسنه الألباني، في صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) – المجلد الثاني – صـ 1150 – الحديثين رقمي: (6802) و ( 6803) .
([12]) ونظيره: (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) [سورة يس – الآية 11].  
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ) [ سورة ق  - الآية 31 : 33].
        وقيل: أي يخافون الله، ويخافون عذابه الذي هو "بالغيب"، وهو عذاب يوم القيامة.
([13]) قَالَ الْحَافِظ أَبُو بَكْر الْبَزَّار فِي مُسْنَده حَدَّثَنَا طَالُوت بْن عَبَّاد حَدَّثَنَا الْحَارِث بْن عُبَيْد عَنْ ثَابِت عَنْ أَنَس قَالَ: قَالُوا يَا رَسُول اللَّه إِنَّا نَكُون عِنْدك عَلَى حَال فَإِذَا فَارَقْنَاك كُنَّا عَلَى غَيْره قَالَ: "كَيْف أَنْتُمْ وَرَبّكُمْ؟" قَالُوا: اللَّه رَبّنَا فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة. قَالَ: "لَيْسَ ذَلِكُمْ النِّفَاق".  لَمْ يَرْوِهِ عَنْ ثَابِت إِلَّا الْحَارِث بْن عُبَيْد فِيمَا نَعْلَمهُ.
([14]) أسَرَّ القول: أي أخفاه. وأسَرَّ الأمر أو الحديث: أي أفضى به على إنه سر. ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا) [سورة التحريم – الآية 3].   
([15]) جَهَرَ بالقول: أي رفع صوته به. ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) [سورة الحجرات – الآية 2].   
([16]) الصدور: جمع صدر. والصدر من الإنسان: هو الجزء الممتد من أسفل العنق إلى فضاء الجوف، وأطلق في القرآن على القلب لوجوده فيه. ومن ذلك قوله تعالى: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) [سورة العنكبوت – الآية 49] – المصدر: "مُعجم ألفاظ القرآن الكريم".
([17]) وقوله تعالى: {وَأَسِرّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ} اللفظ لفظ الأمر والمراد به الخبر، يعني إن أخفيتم كلامكم في أمر محمد صلى الله عليه وسلم أو جهرتم به فـ {إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ} يعني بما في القلوب من الخير والشر. 
([18]) المصدر: تفسير "القرطبي" – المُسمى: (الجامع لأحكام القرآن, والمبيّن لما تضمّنه من السّنّة وآي الفرقان).
([19]) يعني ألا يعلم السرّ من خلق السرّ. يقول أنا خلقت السرّ في القلب أفلا أكون عالماً بما في قلوب العباد؟
وقيل: من أسماء صفات الذات، ما هو للعلم ومنها «الْعَلِيمُ» ومعناه تعميم جميع المعلومات. ومنها «الخَبيرُ» ويختص بأن يعلم ما يكون قبل أن يكون. ومنها «الْحَكِيم» ويختص بأن يعلم دقائق الأوصاف. ومنها «الشهيد» ويختص بأن يعلم الغائب والحاضر, ومعناه ألا يغيب عنه شيء. ومنها «الحافظ» ويختص بأنه لا ينسى. ومنها «الْمُحصي» ويختص بأنه لا تشغله الكثرة عن العلم (مثل ضوء النور واشتداد الريح وتساقط أوراق الشجر، فيعلم عند ذلك أجزاء الحركات في كل ورقة). وكيف لا يعلم وهو الذي يخلق! وقد قال: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ}. [المصدر: تفسير القرطبي – المرجع السابق].
وقال المولى عز وجل: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [ سورة الأنعام – الآية 59].
([20]) رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عمر بن الخطاب مرفوعاً.
([21]) {فَامْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا} هو أمر إباحة, وفيه إظهار الامتنان. وقيل: هو خبر بلفظ الأمر، أي لكي تمشوا في أطرافها ونواحيها وآكامها وجبالها - وقيل في معنى الآية: إن الذي خلق السماء لا تفاوت فيها, والأرضَ ذلولاً، قادر على أن ينشركم. (تفسير القرطبي – المرجع السابق).
([22]) وجاء في تفسير القرطبي: وقيل: أأمِنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه. وقيل: تقديره أأمِنتم مَنْ في السماء قدرته وسلطانُه وعرشُه ومملكتُه. وخصّ بالسماء وإن عَمّ مُلْكُه تنبيهاً على أن الإلَه الذي تنفذ قدرته في السماء، لا من يعظّمونه (أي المشركون) في الأرض.
وقيل: أمنتم مَن "فَوقَ" السماء كقوله: {فَسِيحُواْ فِي الأرْضِ} أي "فوقها" لا بالمماسّة والتحيّز لكن بالقهر والتدبير.
وقيل: معناه أمنتم مَن "على" السماء كقوله تعالى: {وَلاُصَلّبَنّكُمْ فِي جُذُوعِ النّخْلِ} أي "عليها". معناه أنه مديرها ومالكها، كما يقال: فلان على العراق والحجاز أي واليها وأميرها. والمراد توقير الله وتنزيهه عن السّفل والتّحت. ووصفه بالعلوّ والعظمة لا بالأماكن والجهات والحدود لأنها صفات الأجسام. وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء لأن السماء مهبط الوحي, ومنزل القطر, ومحل القُدس, ومعدن المطهرين من الملائكة, وإليها ترفع أعمال العباد, وفوقها عرشه وجنته كما جعل الله الكعبة قِبلةً للدعاء والصلاة, ولأنه خلق الأمكنة وهو غير محتاج إليها, وكان في أزله قبل خلق المكان والزمان ولا مكان له ولا زمان، وهو الاَن على ما عليه كان.
([23]) يعني كفار الأمم كقوم "نوح" و "عاد" و "ثمود" و "قوم لوط" و "أصحاب مَدْيَن"  و "أصحاب الرّسّ" و "قومِ فرعون".
([24]) وقال القرطبي: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاّ فِي غُرُورٍ} من الشياطين تغرّهم بأن لا عذاب ولا حساب.
([25]) كقوله تعالى: (ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا) [سورة الإسراء – الآية 41].
([26]) الحديث أخرجه أحمد؛ وأصله في الصحيحين عن أنس بن مالك.
([27]) وقال الزجاج: تُبُيّن فيها السوء أي ساءهم ذلك العذاب وظهر على وجوههم سِمَةٌ تدلّ على كفرهم كقوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدّ وُجُوهٌ} [سورة آل عمران – الآية 106].

([28]) فقد كان مشركو مكة يَتَمَنّوْن موتَ محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نّتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} [سورة الطور – الآية 30].   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق