الأحد، 25 أكتوبر 2009

لا تعويض عن طلب فسخ عقد أو استعمال حق التقاضي

محكمة شمال القاهرة الابتدائية

الدائرة 54 مدني

مذكرة

بدفاع/ هيئة الأوقاف المصرية (مدعى عليها)

ضد

السيد/ ...................................... (مدع).

في الدعويين رقمي 594 و 2586 لسنة 2005 مدني كلي شمال القاهرة، المُنضمتين والمُحدد لنظرهما جلسة يوم الثلاثاء الموافق 17/5/2005م للمرافعة.

أولاً- الوقائع

تخلص وقائع الدعوى رقم 594 لسنة 2005 مدني كلي شمال القاهرة في أن هيئة الأوقاف المصرية (المدعي بصفته) قد أقامها بموجب صحيفة موقعة من محام، أودعت قلم كتاب المحكمة، وأعلنت قانوناً للمدعى عليه، طلب في ختامها الحكم له بفسخ العلاقة التعاقدية التي تم اعتمادها من الهيئة بتاريخ 16/6/1999 عن جلستي المزاد المنعقدتين بتاريخ 26 و 27/4/1999 لبيع العقار رقم 44 بشارع نجيب الريحاني – قسم الأزبكية – القاهرة، مع اعتبار المبالغ المسددة حقاً خالصاً لهيئة الأوقاف، وإعادة العين إلى ما كانت عليه قبل التعاقد، مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات والأتعاب.

كما تخلص وقائع الدعوى 2586 لسنة 2005 مدني كلي شمال القاهرة في أن المُدعي فيها قد أقامها بموجب صحيفة موقعة من محام، أودعت قلم كتاب المحكمة، طلب في ختامها الحكم له بإلزام المدعى عليه بصفته بتعويضه عن إساءة حق التقاضي عن الدعوى الكيدية (على حد قوله) التي أقامتها هيئة الأوقاف المصرية، وقال المُدعي شرحاً لدعواه أنه صدر لصالحه حكم قضائي بإلزام الهيئة المدعى عليها بتسليمه العقار المبيع له رقم 44 بشارع نجيب الريحاني – قسم الأزبكية – بالقاهرة، وزعم أنه لم يتم تسليمه له حتى الآن، وأن هيئة الأوقاف المصرية قد أقامت دعوى أخرى بطلب فسخ عقد بيع عين التداعي (سالفة الذكر)، مما حدا بالمدعي في إلى إقامة هذه الدعوى بغية القضاء له بطلباته سالفة الذكر.

وتداولت الدعويين بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرهما، وتم ضمهما لبعض للارتباط وليصدر فيهما حكماً واحداً، ومن ثم تأجيل نظر الدعوى لجلسة اليوم للمرافعة.

ثانياً- الدفاع

أولاً- في الدعوى رقم 594 لسنة 2005 مدني كلي شمال القاهرة:

بتاريخ 16/6/1999 اعتمد المدعي بصفته مرسي المزاد العلني المجري يومي27,26/4/1999 للعقار رقم 44 شارع نجيب الريحاني ـ قسم الأزبكية ـ القاهرة, والتابع لوقف عباس باشا الأول وقف أزبك الأتاكي والشيخ مصطفي علي والبالغ جملة مساحته 447 متراً علي المدعي عليه بسعر المتر 11000جم (إحدى عشر آلف جنيه) وذلك بإجمالي مبلغ وقدره 4917000جم المقدم منه 20% بمبلغ 983400جم والباقي وقدره 3933600جم مقسط علي خمسة أقساط قيمة القسط السنوي بإجمالي مبلغ 786720جم يضاف إليه ريع بمبلغ 172648جم جنيه فيكون إجمالي القسط شاملاً الريع وقدره 959368.00جم مستحقة القسط الأول في تاريخ 16/6/2000 والأخير في 16/6/2004 وقام المستبدل بسداد مقدم الثمن وامتنع عن سداد أية مبالغ أخري.

بتاريخ 27/7/1999 تم تحرير طلب استعلام مساحة بمعرفة الهيئة وسلم للمدعي عليه لتقديمه للشهر العقاري لاستخراج كشف تحديد ولم تواف الهيئة به حتى تاريخه وبناء عليه لم يتم تحرير عقد استبدال.

وقد تم تحرير محضر تسليم لعقار التداعي للمدعي عليه علي ضوء ما جاء بكراسة الشروط بمرسي المزاد إلا أن المدعي عليه رفض الاستلام وقام برفع الدعوى الرقيم 17612 لسنة 1999 مدني كلي جنوب القاهرة والدعوى الرقيم 17314 لسنة 1999 مدني كلي جنوب القاهرة بطلب الحكم بتسليم العقار خالياً ...الخ.

هذا وقد تداولت الدعويين بالجلسات بعد ضمهما وبجلسة 29/1/2000 قضت المحكمة بإلزام المدعي عليهم بتسليم المدعي العقار المبين الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى علي أن يكون التسليم خالياً من أي اغتصاب لوحدات العقار وألزمتها غرامة تهديديه قدرها أربعمائة جنيه عن كل يوم تأخير مع أحقية في حبس باقي الثمن ولحين تمام التسليم وألزمتها المصروفات ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من طلبات.

وقد تأيد هذا الحكم بموجب الحكم الصادر في الاستئنافات أرقام 4074 و 7652 و 2894 لسنة 117 بجلسة 27/11/2001.

وتنفيذاً لهذا الحكم بادرت هيئة الأوقاف المصرية بإنذار المدعي عليه بموجب إنذار رسمي علي يد محضر بالحضور يوم 5/2/2002 إلي العقار موضوع التداعي لاستلام العقار وجميع عقود إيجار المستأجرين له من اللجنة المشكلة من الهيئة إلا أن المدعي عليه رفض الحضور وقد قام بتحرير المحضر الرقيم 566 لسنة 2002 إداري الأزبكية بزعم عدم تنفيذ الحكم المذكور سالف البيان إلا أن النيابة العامة قد حفظت المحضر لثبوت التزام الهيئة بتنفيذ التزاماتها ومماطلة المدعي عليه وتقاعسه عن استلام عقار التداعي.

ثم بادر المدعي عليه أيضاً بإقامة جنح مباشرة برقم 2707 لسنة 2002 جنح الأزبكية ضد المدعي بإدعاء عدم تنفيذ الحكم الصادر في الدعويين رقمي 17314 و 17612 لسنة 1999 مدني كلي جنوب القاهرة والتي أحيلت إلي محكمة جنح العجوزة وقيدت أمامها برقم 27180 لسنة 2003 والتي قضي فيها بالبراءة ورفض الدعوى المدنية وذلك لثبوت أن المدعي عليه يرفض الاستلام إضراراَ بالهيئة لتقاعسه عن سداد مستحقات الهيئة.

وحيث إنه بهذا القضاء قد حسم النزاع بين المدعي والمدعي عليه في مسألة استلام العقار خالياً من المغتصبين وكون أن المستأجرين بموجب عقود إيجار طبقاً لأحكام القانون 49 لسنة 1977 والقانون 136 لسنة 1981 من الهيئة العامة للخدمات الحكومية التي استلمت الهيئة العقار منها سلفاً ليسوا من المغتصبين كما يزعم المدعي عليه ورغم قيام الهيئة بتسليم المدعي عليه كشف تحديد المساحة لتقديمه للشهر العقاري وتحديد محضر استلام لعقار التداعي وإنذاره بموجب إنذار رسمي علي يد محضر بالحضور لاستلام العقار واستلام عقود الإيجار المحررة عن وحدات عقار التداعي إلا أن المدعي عليه يرفض بدون مبرر أو سند قانوني.

ورغم قيام الهيئة بالوفاء بالتزاماتها قبل المدعي عليه إلا انه تقاعس عن سداد مستحقات الهيئة المتأخرة مما حدا بالهيئة إنذاره بموجب إنذار علي يد محضر معلن قانوناً في 3/7/2004 بإلغاء الصفقة والبدل واعتبار المبالغ المدفوعة حقاً خالصاً للهيئة مع التزام المدعي عليه بإعادة الحالة إلي ما كان قبل التعاقد.

وحيث إنه قد جاء النص بالبند 15 من قائمة شروط المزاد والموقع عليها من المدعي عليه أنه: "يلتزم الراسي عليه المزاد بأن يسدد الأقساط في مواعيدها إلا يكون من حق الهيئة إلغاء الصفقة ومصادرة أي مبالغ تم سدادها دون حاجة إلي تنبيه أو إنذار أو اللجوء للقضاء"

كما أنه وطبقاً لأحكام لائحة الاستبدال الصادرة بالقرار رقم 92 لسنة 1994 والمعدل بالقرار رقم 247 لسنة 1994 والتي تضمنت المادة 20 في فقرتها السابعة علي الآتي: "إذ أخل الراسي عليه المزاد بالالتزامات الناشئة عن قائمة الشروط أو تأخر في سداد مستحقات عليه يكون للهيئة دون حاجة إلي تنبيه أو إنذار أو حكم قضائي في اتخاذ أحد الأمور الآتية: ج) فسخ عقد البدل في هذه الحالة تكون المبالغ المدفوعة من المستبدل حقاً للهيئة".

وينظر الفقه إلي هذا الجزاء بوصفه جزاءاً يتضمن اتفاق ضمني سابق بين الطرفين علي التعويض الذي تحصل عليه الإدارة إذا أخل المتعاقد معها بالتزاماته وهو يمثل الحد الأدنى للتعويض الذي يحق للإدارة الحصول عليه وبحيث لا يقبل من المتعاقد المقصر أن يثبت الضرر الذي لحق الإدارة أن يقل عن مبلغ التعويض. (المصدر: للدكتور هارون الجمل بالنظام القانوني صـ 118 سنة 1979 الدكتور عبد المجيد فياض ـ نظرية الجزاءات ـ الطبعة الأولي سنة 1979 صـ 187).

وحيث إن المحكمة الإدارية العليا قد قضت بأنه :"اللوائح التي يتم التعاقد في ظلها إنما تخاطب الكافة وعلمهم بمحتواها مفروض فإن قبولها حال قيامها عند التعاقد يفترض أنهم قد ارتضوا كل ما ورد بها من أحكام وحينئذ يندمج في شروط التعاقد وتعتبر جزءاً لا يتجزأ منها حيث لا فكاك عن الالتزام بها ما لم ينص صراحة علي استبعاد أحكامها أو بعضها" (حكم الإدارية العليا 6/1/1968 مجموعة المكتب الفني سنة 13 رقم 50 صـ 369).

وقد قضت محكمة النقض بأنه: "متي كانت وزارة الأوقاف قد عرضت الأطيان محل التداعي لتأجيرها بطريق الممارسة طبقاً للوائح الداخلية للوزارة والشروط الواردة بالقائمة فإنه يجب الرجوع إليها في كل ما يتفق بها من أحكام دون الأحكام العامة الواردة بالقانون المدني في المواد89 و 90 و 91 إذ هذه الأحكام تعتبر من القواعد العامة فلا يلجأ إليها إلا عند عدم اتفاق علي قواعد خاصة" (نقض 162 لسنة 9 ق ومدون في 9/1/1969).

تنص المادة 157 مدني على أنه: "في العقود المُلزمة للجانبين، إذا لم يوف أحد المُتعاقدين بالتزامه جاز للمُتعاقد الآخر بعد أعذاره المدين أن يُطالب بتنفيذ العقد أو بفسخه، مع التعويض في الحالتين إن كان له مُقتض".

ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "ما تنص عليها المادة 157 من القانون المدني من تخويل كل من المتعاقدين في العقود الملزمة للجانبين الحق في المطالبة بفسخ العقد إذا لم يوف المتعاقد الآخر بالتزامه، هو من النصوص المكملة لإرادة المتعاقدين. ولهذا فإن هذا الحق يكون ثابتا لكل منهما بنص القانون ويعتبر العقد متضمنا له ولو خلا من اشتراطه. ولا يجوز حرمان المتعاقدين من هذا الحق أو الحد من نطاقه إلا باتفاق صريح". الطعن رقم 23 لسنة 35 قضائية – جلسة 13/2/1969 مجموعة المكتب الفني – السنة 20 – صـ 325 – فقرة 2).

وبناء علي ما تقدم وتطبيقاً لتلك القواعد القانونية والأحكام القضائية علي واقعات الموضوع وكان المدعي عليه قد تقدم بجلستي 26 و 27/4/1999 لاستبدال (شراء) العقار رقم 44 شارع نجيب الريحاني ـ قسم الأزبكية وقد اعتمد مجلس إدارة الهيئة مرسي المزاد بتاريخ 16/6/1999 إلا أن المدعي عليه قد تقاعس عن سداد مستحقات الهيئة من القسط الأول وحتى القسط الرابع والبالغ قيمتها 383747.00 جنيه بالمخالفة لقائمة شروط المزاد ولائحة الاستبدال مما حدا بالهيئة إلي إنذار المدعي عليه علي يد محضر معلن قانوناً بتاريخ 3/7/2004 بفسخ التعاقد وإلغاء الصفقة والبدل مع اعتبار المبالغ المسددة حقاً خالصاً لهيئة الأوقاف المصرية.

ثانياً- في الدعوى رقم 2586 لسنة 2005 مدني كلي شمال القاهرة:

تنص المادة الرابعة من القانون المدني على أنه: "من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر".

وتنص المادة الخامسة من ذات القانون على أنه: "يكون استعمال الحق غير مشروع في الأحوال الآتية: أ) إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير. ب) إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها. ج) إذا كانت المصالح التي يرمي إلي تحقيقها غير مشروعة".

والأساس القانوني لنظرية التعسف في استعمال الحق ليس هو إلا المسئولية التقصيرية، إذ التعسف في استعمال الحق خطأ يوجب التعويض في حالة توافر حالاته، والخطأ هنا لا بد أن يأخذ أحد ثلاثة أشكال أو صور هي: إما قصد الإضرار بالغير – وإما رجحان الضرر على المصلحة رجحاناً كبيراً – وإما عدم مشروعية المصالح التي يرمي صاحب الحق إلى تحقيقها.

فمن المُقرر في قضاء النقض أن: "يدل نص المادة الخامسة من القانون المدنى على أن مناط التعسف فى استعمال الحق الذى يجعله محظوراً باعتباره استعمالاً غير مشروع له هو تحقق إحدى الصور المحددة على سبيل الحصر فى المادة الخامسة سالفة الذكر والتي تدور كلها حول قصد صاحب الحق من استعماله لحقه أو مدى أهمية أو مشروعية المصالح التى يهدف إلى تحقيقها وذلك دون نظر إلى مسلك خصمه إزاء هذا الحق". (الطعن رقم 1244 لسنة 54 قضائية – جلسة 4/4/1985 مجموعة المكتب الفني – السنة 36 – صـ 545 – فقرة 2).

وعلى المُدعي المضرور أن يثبت جميع عناصر المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية، وفي حالة الخطأ الذي يأخذ صورة أو شكل قصد الإضرار بالغير ينبغي على المضرور أن يثبت أن صاحب الحق وهو يستعمل حقه قصد إلحاق الضرر به.

وجميع تلك الصور أو الأشكال الثلاثة للخطأ في نظرية التعسف في استعمال الحق غير متوافرة ولا متحققة في حالة دعوانا الماثلة، لكون اللجوء إلى القضاء حق دستوري كفله الدستور..

حيث تنص المادة (68) من الدستور على أن: "التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا. ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء". كما تنص المادة (69) من الدستور على أن: "حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول. ويكفل القانون لغير القادرين ماليا وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم".

كما أن ولوج طريق القضاء بغية الحصول على حق يعتقد المدعي أنه له مسألة لا تثريب عليه فيها لكون الإدعاء هنا بقصد الحصول على مصلحة مشروعة وليست بقصد الإضرار بالمدعى عليه وهذه المصلحة المشروعة ترجح الضرر الذي يلحق بالمدعى عليه رجحاناً كبيراً، كما أن المدعي في الدعوى الماثلة لم يثبت حالات توافر صور وأشكال الخطأ في مجال التعسف في استعمال الحق، أما اللجوء للقضاء (الذي يعيبه المدعي في الدعوى الماثلة على الهيئة المدعى عليها) فهو حق مكفول لها طبقاً للقواعد القانونية سالفة الذكر. مع ملاحظة أن الحق في الدعوى مُستقل عن الحق الموضوعي، فالحق في الدعوى ليس هو ذات الحق الموضوعي ولا هو عنصراً فيه.

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه لا يجوز التعويض عن استعمال حق التقاضي أو تنفيذ أحكام القضاء، لأنه من المقرر في قضاء محكمة النقض أن حق الالتجاء إلي القضاء من الحقوق المكفولة للكافة فلا يكون من استعمله مسئولاً عما ينشأ من استعماله من ضرر للغير إلا إذا انحرف بهذا الحق عما وضع له واستعماله استعمالاً كيدياً ابتغاء مضارة الغير. وأن وصف محكمة الموضوع للأفعال المؤسس عليها طلب التعويض بأنها خطأ أو ليست كذلك هو من المسائل التي تخضع لرقابة محكمة النقض. (الطعن رقم 209 لسنة 47 قضائية - جلسة 28/1/1981 مجموعة المكتب الفني – السنة 32 صـ 394).

كما قضت محكمة النقض أنه: "لما كانت المادتان الرابعة والخامسة من التقنين المدني قد نصتا على أن من يستعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بالغير، وأن استعمال الحق لا يكون غير مشروع إلا إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير وهو ما لا يتحقق إلا بانتفاء كل مصلحة من استعمال الحق، وكان حقا التقاضي والدفاع من الحقوق المُباحة ولا يُسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً أو زوداً عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم، فإن الحكم المطعون فيه وقد اقتصر في نسبة الخطأ إلى الطاعن إلى ما لا يكفي لإثبات انحرافه عن حقه المكفول في التقاضي والدفاع إلى الكيد والعنت واللدد في الخصومة، يكون فضلاً عما شابه من القصور قد أخطأ في تطبيق القانون". (نقض مدني في 28 مارس 1977 مجموعة أحكام النقض – السنة 28 – رقم 144 – صـ 128).

كما أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "الأصل حسبما تقضى به المادة 4 من القانون المدني من أن: "من استعمال حقه استعمالا مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر باعتبار أن مناط المسئولية عن تعويض الضرر هو وقوع خطأ وأنه لا خطأ في استعمال صاحب الحق في جلب المنفعة المشروعة التي ينتجها له هذا الحق، وكان خروج هذا الاستعمال عن دائرة المشروعية إنما هو استثناء من ذلك الأصل، وأوردت المادة 5 من ذلك القانون حالاته بقولها "يكون استعمال الحق غير مشروع في الأحوال الآتية (أ) إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير (ب) إذا كانت المصالح التي يرمى إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها (ج) إذا كانت المصالح التي يرمى إلى تحقيقها غير مشروعة" و ذلك درءاً لاتخاذ ظاهر القواعد القانونية ستاراً غير أخلاقي لإلحاق الضرر بالغير، وكان يبين من استقرار تلك الصور أنه يجمعه بينها ضابط مشترك هو نية الإضرار سواء على نحو إيجابي بتعمد السعي إلى مضارة الغير دون نفع يجنيه صاحب الحق من ذلك أو على نحو سلبي بالاستهانة المقصودة بما يصيب الغير ضرر فادح من استعمال صاحب الحق لحقه استعمالا هو الترف أقرب مما سواه مما يكاد يبلغ قصد الإضرار العمدي، وكان من المقرر أن معيار الموازنة بين مصلحة المبتغاة في هذه الصورة الخيرة وبين الضرر الواقع هو معيار مادي قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر دون نظر إلى الظروف الشخصية للمنتفع أو المضرور يسراً أو عسراً، إذ لا تنبع فكرة إساءة استعمال الحق من دواعي الشفقة وإنما من اعتبارات العدالة القائمة على إقرار التوازن بين الحق والواجب". (الطعن رقم 108 لسنة 45 قضائية – جلسة 26/1/1980 مجموعة المكتب الفني – السنة 31 – فقرة 3 - ص 297).

ومن المُقرر في قضاء النقض كذلك أنه: "من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ما دام هذا الاستخلاص سائغاً ومستمداً من عناصر تؤدى إليه من وقائع الدعوى إلا أن تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ أو نفى هذا الوصف عنه من المسائل التي يخضع قضاء محكمة الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض وأن رقابة المحكمة الأخيرة تمتد إلى تقدير الوقائع فيما يستلزمه التحقق من صحة استخلاص الخطأ من تلك الوقائع والظروف التي كان لها أثر في تقدير الخطأ واستخلاصه". (الطعن رقم 979 لسنة 47 قضائية – جلسة 27/3/1980 مجموعة المكتب الفني – السنة 31 – فقرة 3 - ص 930).

لما كان ذلك، وكان المدعي في دعوانا الماثلة لم يثبت عناصر المسئولية التقصيرية ولم يثبت أي حالة من حالات التعسف في استعمال الحق في جانب هيئة الأوقاف المدعى عليها، فإن دعواه الماثلة تكون قد جاءت على غير سند من القانون خليقة بالرفض وهو ما تطالب به هيئة الأوقاف المصرية على سبيل الجزم واليقين.

نجحد كافة الصور الضوئية المقدمة من المدعى:

قدم المدعى صوراً ضوئية لمستنداته بحوافظ مستنداته المقدمة في الدعوى الماثلة، وهيئة الأوقاف المصرية (المُدعى عليها) تتمسك بجحد كافة الصور الضوئية المُقدمة من المدعى في الدعوى الماثلة.

ولما كان من المقرر في قضاء النقض أنه: "لا حجية لصور الأوراق في الإثبات إلا بمقدار ما تهدى إلى الأصل إذا كان موجوداً فيرجع إليه كدليل في الإثبات. أما إذا كان الأصل غير موجود فلا سبيل للاحتجاج بالصورة إذا أنكرها الخصم ومن ثم لا تثريب على محكمة الموضوع بدرجتيها إن هي التفتت بالتالي عن صورة الورقة المقدمة من الطاعن ولا عليها إن هي لم تُجر تحقيقاً في هذا الشأن ولم ترد على ما أبداه من دفاع". (الطعون أرقام 407 لسنة 49 قضائية - جلسة 19/12/1982. والطعنان رقما 598 و 55 لسنة 50 قضائية - جلسة 28/2/1984. والطعن رقم 687 لسنة 43 قضائية - جلسة 24/1/1978 السنة 29 ص 279)..

كما أنه من المُقرر في قضاء النقض كذلك أن: "القانون لم يشترط طريقاً مُعيناً يتعين على من يُنكر التوقيع على المُحرر العرفي إتباعه إذ يكفي إبداء الدفع بالإنكار صراحةً حتى تسقط عن المُحرر حجيته في الإثبات إعمالاً لنص المادة 14/1 من قانون الإثبات". (الطعن رقم 1314 لسنة 49 قضائية - جلسة 19/5/1980)..

وأخيراً، فقد تواترت أحكام محكمة النقض على أن: "استناد الخصم إلى الصورة الشمسية للمستند. التفات الحكم عن الورقة. لا قصور".

وهدياً بما تقدم، ولما كان المُدعي قد جاءت مُستندات دعواه الماثلة خالية من أصولها وكانت هيئة الأوقاف المصرية (المُدعى عليها) قد جحدت تلك الصور الضوئية المُقدمة منها، الأمر الذي يُفقدها حُجيتها في الإثبات بما يكون معه المُدعي قد أخفق في إثبات دعواه في هذه الحالة. مما يتعين معه الالتفات عن تلك المُستندات المجحود صورها الضوئية والقضاء في الدعوى الماثلة برفضها لعجز المُدعي عن إثبات دعواه. علماً بأن عدالة المحكمة الموقرة غير مُكلفة بتكليف الخصم بإثبات دعواه أو لفت نظره لمُقتضيات دفاعه فيها.

أحقية الهيئة في اللجوء للقضاء لطلب فسخ عقد البيع:

تنص الفقرة الأولى من المادة 435 من القانون المدني على أن: "يكون التسليم بوضع المبيع تحت تصرف المُشتري بحيث يتمكن من حيازته والانتفاع به دون عائق ولو لم يستول عليه استيلاءً مادياً ما دام البائع قد أعلمه بذلك. ويحصل هذا التسليم على النحو الذي يتفق مع طبيعة الشيء المبيع".

فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 435 من القانون المدني سالفة الذكر على أن يحصل التسليم على النحو الذي يتفق مع طبيعة الشيء. فإذا كان المبيع منقولاً مادياً فيكون تسليمه بالمناولة من يد إلى يد أو بتسليم مفاتيح المخزن الموضوع فيه ذلك المنقول. والأصل في تعيين طريقة التسليم إنما هو إرادة المُتعاقدين، فإذا نصا في العقد على طريقة معينة وجب إتباعها، وإلا وجب على البائع أن يسلك الطريقة التي تتفق مع طبيعة المبيع.

ويجب تسليم المبيع في الوقت الذي عينه المُتعاقدان لذلك، فإذا لم يُعينا هذا الوقت وجب التسليم وفقاً للمادة 346/1 مدني في الوقت الذي يتم فيه العقد.

حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 346 من القانون المدني على أنه: "يجب أن يتم الوفاء فوراً بمُجرد ترتب الالتزام نهائياً في ذمة المدين، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك". فإذا لم يكن للتسليم أجل كان مُستحقاً فور العقد وأعتبر المُشتري بموجب هذا الاتفاق (العقد) معذوراً لتسلم المبيع من وقت العقد، أي أنه في هذه الحالة يعتبر التزام البائع بالتسليم قد تم تنفيذه بمُجرد نشوئه أي بمُجرد انعقاد العقد، ويترتب على ذلك نقل تبعة الهلاك إلى المُشتري وعدم إجازة طلب الفسخ للمُشتري وعدم إجازة دفع المُشتري بعدم التنفيذ.

حيث أن ملكية الشيء المبيع تنتقل إلى المُشتري بمُجرد العقد وفقاً للمادة 204 من القانون المدني التي تنص على أن: "الالتزام بنقل الملكية أو أي حق عيني آخر ينقل من تلقاء نفسه هذا الحق، إذا كان محل الالتزام شيئاً مُعيناً بالذات يملكه المُلتزم، وذلك دون إخلال بالقواعد المُتعلقة بالتسجيل". (المرجع: "الوافي في شرح القانون المدني" – للدكتور/ سليمان مرقس – الجزء الثالث: "العقود المُسماة" – المُجلد الأول: "عقد البيع" – الطبعة الخامسة 1990 القاهرة – بند 192 صـ 500 – والبند 185 صـ 483 – والبند 264 صـ 665).

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "الالتزام بتسليم المبيع من الالتزامات الأصلية التي تقع على عاتق البائع ولو لم ينص عليه في العقد، وهو واجب النفاذ بمُجرد تمام العقد، ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك، كما أن البائع ملزم بتسليم العقار المبيع بحالته التي هو عليها وقت تحرير العقد طبقاً لنص المادة 431 من القانون المدني". (الطعن رقم 610 لسنة 49 قضائية – جلسة 26/3/1984 مجموعة المكتب الفني – السنة 35 – صـ 824. والطعن رقم 1083 لسنة 50 قضائية – جلسة 21/2/1984 مجموعة المكتب الفني – السنة 35 – صـ 512).

لما كان ما تقدم، وكان الثابت بالأوراق أن عقد بيع سند الدعوى الماثلة قد تم تنفيذه بتسليم المبيع في ذات التاريخ حيث لم يتفق الطرفان على ميعاد خلافه للتسليم، وعليه فيكون هذا هو وقت التسليم الفعلي والقانوني طبقاً لحقيقة الواقع وصحيح القانون. وأن كل ما يزعمه المُدعي خلاف ذلك ما هي إلا أقوال مُرسلة لا سند لها من حقيقة الواقع أو صحيح القانون ولا دليل عليها مما يتعين معه والحال كذلك الالتفات عن تلك المزاعم بالكلية. كما أنه بعد صدور حكم نهائي بإلزام الهيئة بتسليم المبيع للمشتري فقد قامت الهيئة بإنذار المشتري للحضور بتسلم العين المبيعة وفقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 435 من القانون المدني بأن وضعت المبيع تحت تصرف المُشتري بحيث يتمكن من حيازته والانتفاع به دون عائق (ولو لم يستول عليه استيلاءً مادياً) ما دام البائع قد أعلمه بذلك. وبذلك تكون ذمة الهيئة البائعة قد برئت من الالتزام بالتسليم ومن ثم يكون قد استحق على المشتري الوفاء بباقي الثمن وإذ هو تخلف عن الوفاء بهذا الالتزام فقد حق للهيئة البائعة للجوء إلى القضاء بطلب فسخ العقد للإخلال المشتري بالتزامه بالوفاء بباقي الثمن، حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "إن وفاء المُشتري بثمن ما اشتراه يجب بحكم المادة 168 من القانون المدني، أن يكون كاملاً. فإذا كان الحكم قد قضى برفض دعوى صحة التعاقد المرفوعة من المُشتري واعتبار البيع مفسوخاً لعدم وفائه بكل التزاماته، فلا يُجدي في الطعن في هذا الحكم الاحتجاج بما هو مُخول قانوناً للمُشتري، في حالة الشرط الفاسخ الضمني، من تفادي الفسخ بالوفاء قبل صدور الحكم". (الطعن رقم 41 لسنة 16 قضائية – جلسة 8/5/1947). علماً بأنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "دعوى صحة ونفاذ العقد ودعوى الفسخ. وجهان لنزاع واحد. التوكيل الصادر للمحامي في إحداها. انصرافه إلى النزاع في الدعويين". (الطعن رقم 137 لسنة 48 قضائية – جلسة 27/12/1978 مجموعة المكتب الفني – السنة 29 – ص 204). ومن ثم يكون لهيئة الأوقاف المصرية حق موضوعي في فسخ عقد البيع سالف الذكر وحق في إقامة الدعوى بذلك، وعليه يكون إدعاء المدعي بأن هيئة الأوقاف المصرية تسيء استعمال حق التقاضي قد جاء على خلاف حقيقة الواقع وبغير سند من القانون خليق بالرفض، وهو ما تصمم عليه هيئة الأوقاف المصرية على سبيل الجزم واليقين.

ثالثاً- الطلبات الختامية

لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة الموقرة من أسباب أصوب وأرشد، تلتمس هيئة الأوقاف المصرية الحكم لها في الدعويين الماثلتين بما يلي:

أولاً- في موضوع الدعوى رقم 594 لسنة 2005 مدني كلي شمال القاهرة:

بقبولها والقضاء بفسخ العلاقة التعاقدية التي تم اعتمادها من الهيئة بتاريخ 16/6/1999 عن جلستي المزاد المنعقدتين بتاريخ 26 و 27/4/1999 لبيع العقار رقم 44 بشارع نجيب الريحاني – قسم الأزبكية – القاهرة، مع اعتبار المبالغ المسددة حقاً خالصاً لهيئة الأوقاف، وإعادة العين إلى ما كانت عليه قبل التعاقد، مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات والأتعاب، وشمول الحكم بالنفاذ المُعجل.

ثانياً- في موضوع الدعوى رقم 2586 لسنة 2005 مدني كلي شمال القاهرة:

برفضها، وإلزام رافعها بالمصروفات ومُقابل أتعاب المُحاماة.

مع حفظ كافة حقوق الأوقاف الأخرى أياً كانت،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق